التدافع الثقافي.. الاتجاهات الفكرية المتنافسة في العالم الإسلامي

طُرِحَ موضوع الإصلاح أو التحديث بشكلٍ جدي في العالم العربي والإسلامي خلال فترة التنظيمات العثمانية، لقد كان هدف التنظيمات وبشكل رئيسي تفادي التدخل الغربي خاصة الفرنسي باسم “المسيحية الشرقية”[1] لكن هذه الأحداث ولدت شعورًا بالغبن لدى المسلمين بأن حركة الإصلاح العثمانية التي كان فؤاد باشا وزير الخارجية العثماني في تلك الفترة أحد شخصياتها القائدة تجسد النفوذ الأوروبي في مركز الإمبراطورية العثمانية.
وخلال فترة الإصلاحات العثمانية المعروفة بالتنظيمات (1839 ـ 1876) تم تنفيذ إصلاحات إدارية وقانونية وتعليمية في دمشق وبغداد وبيروت وغيرها من مدن العالم الإسلامي التي كانت خاضعة للنفوذ العثماني ففي دمشق على سبيل المثال جرت إصلاحات إدارية وقانونية وتعليمية سيكون لها أثرها الحاسم في إعادة ترتيب النخب الناشئة، فقبل عام 1860كان أعيان ووجهاء دمشق الذين يحتكرون السلطة المعنوية الفكرية والإدارية والاجتماعية، كانوا كلهم تقريبًا من أبناء العائلات التي تسيطر على المواقع الدينية الأساسية في دمشق، وقد ادّعى الكثير منهم التحدر من سلالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كان أفراد هذه العائلات قد تنافسوا على مدى 150سنة للحصول على أهم المناصب الدينية في دمشق، وهي منصب “الخطيب” في المسجد الأموي بدمشق، و”المفتي” الحنفي و”نقيب الأشراف” وكانت القدرة على السيطرة على هذه المناصب وأوقافها تحدد موقع كل عائلة في التراتبية الاجتماعية للمدينة[2].
من هنا يمكن القول أن فكرة الإصلاح ارتبطت في العالم الإسلامي بالعلاقة مع “الغرب”، ومع تحول “الغرب” إلى “مستعمر” و”محتل” فيما بعد فإن العلاقة مع “الغرب” أصبحت أكثر إشكالية وتركت أثرها الواضح على الفكر العربي والإسلامي فيما بعد.
وقد أدت هذه الإصلاحات إلى تخفّيض نفوذ العلماء التقليديين بطريقتين، أولًا: قلّلت الإصلاحات من قوتهم عن طريق توطيد الرقابة المركزية على العواصم الرئيسية في العالم العربي وزيادة التمثيل “العلماني” [3] في المجالس المحلية المتنوعة الجديدة التي أُنشئت حديثًا “كمجلس إدارة اللواء” و”مجلس البلدية”، وثانيًا: إن الافتراضات الأساسية للإصلاحات والآراء الواضحة تحدت سلطة العلماء من خلال تشكيكها في ملاءمة خبرتهم، فالبيروقراطيون والموظفون الذين استبطنوا الإصلاحات مثّلوا مجموعة اجتماعية ناشئة لها نظرتها العامة والخاصة ومصالحها التي اصطدمت مع نظرة ومصالح العلماء التقليديين[4].
كما أن إنشاء الحكومة العثمانية بعد العام 1850 محاكمَ خاصة للأحكام العاجلة والاستئناف مؤلفة من قضاة مسيحيين ويهود ومسلمين[5] إلى جانب نظام المحاكم التقليدي الديني أو المحاكم الشرعية، أفقد “العلماء” احتكارهم للنظام القضائي وترك لهم أمر الاهتمام بالحكم في القضايا الخاصة بأمور الأحوال الشخصية، ولذلك بدأ بعض كبار العلماء عمليًا بتشجيع أبنائهم على دخول المدارس الاختصاصية في استانبول لدراسة القانون والإدارة العامة بهدف تأمين موطئ قدم لهم في النظام القضائي العلماني الصاعد، وبنفس الوقت بدأ يصبح بعد أحداث عام 1860 للمدارس المسيحية التبشيرية أثرها في دمشق وبيروت[6]، وكان طلاب هذه المدارس يحصلون على تعليم ثانوي جيد يشمل العلوم الحديثة واللغات الأوروبية، وهذا ما مكّن طلابها من شغل مناصب تقنية أساسية في إدارة الولاية ومكنهم أيضًا من توثيق ارتباطاتهم المالية مع التجار والصناعيين الأوروبيين، كما أمّن لهم مراكز هامة في القنصليات الأوروبية[7].
ظهرت إذًا “طبقة جديدة” [8]على حسب طبقة “العلماء”، وقد أحسن فيليب خوري وصفها بأنها طبقة “الملاك الدارسون” إذ إنها لم تنشأ على أنقاض الطبقة السابقة وإنما نشأت بين ظهرانيها ومن أحضانها، إنهم باختصار أبناء عائلات “العلماء” ذوي النفوذ والميسورين منهم، ففي حين استمر رؤساء العائلات الدينية الأبرز في احتكار المناصب البارزة كمنصب المفتي الحنفي ونقيب الأشراف إلا أنه قد صار لكلا المنصبين وزن سياسي أقل من السابق في مقابل صعود نجم مقاعد مجلسي الولاية واللواء على المسرح السياسي المحلي.
لكن وعلى الرغم من تراجع سلطة المؤسسة الدينية سيما الأزهر في العالم العربي بظهور المؤسسات العلمانية في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، ونظرًا لأن عدد المناصب الدينية كان أقل من عدد الساعين إليها، فإن الكثيرين من الشخصيات الدينية الأقل مرتبة اضطروا إلى البحث عن وظائف خارج نطاق المؤسسات الدينية وتوفير أحد البدائل في المؤسسات العلمانية الجديدة[9].
ويمكن القول أن هذا الصراع غالبًا ما كان يحسم لحساب العائلات ذوي الثروة الأكبر من حيث الأرض وصاحبة القدرة الأقوى على امتلاك المناصب في المؤسسات العلمانية الصاعدة وهو ما فرض هجرة أو تحولًا للعائلات باتجاه السعي لامتلاك مناصب في المجلس البلدي وتوسيع ثرواتهم عبر ملكية الأراضي وشركات الأعمال (تجار صوف وحرير مثلًا) لزيادة قوتها المحلية[10].
و بحلول العام 1900 فإن معظم هذه العائلات كان يمكن تصنيفها بدقة أكبر كجزء من فئة الملاك البيروقراطيين أكثر من كونه جزءً من المؤسسة الدينية، وكنموذج بارز على حالة “الهجرة” تلك يمكن تتبع التحولات الاجتماعية والسياسية مثلًا لفروع عائلة البكري في سورية وفلسطين ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ، فعائلة البكري كانت تعتبر من “الأشراف” غير أنها لم تبرز في الشؤون السياسية إلا في نهاية القرن التاسع عشر، عندما بدأ عطا البكري سيرته المهنية كقاضٍِ في محكمة الاستئناف، وأصبح في بداية القرن العشرين عضوًا في مجلس اللواء والبلدية المهيبين، وبفضل روابطه مع تاجر دمشقي بارز مقرب من استنبول منح عطا لقب “باشا” عام1905، وأصبح بعد أربع سنوات عضوًا في المجلس الإداري للولاية، والأهم من هذا أنه راكم ثروة ضخمة من امتلاك الأراضي في اثنتين من قرى الغوطة الخصبة، وبنى قصرًا كبيرًا في حي الخراب خلف المسجد الأموي، وفي مطلع القرن العشرين زاد ابناه فوزي ونسيب في ثروة العائلة ونفوذها، وأصبحا ناشطين سياسيًا لحسابهما[11].
وبالتأكيد لحق ذلك ظهور موجة من الأفكار والرؤى الجديدة المختلفة عن تلك المحددة في التفسير الديني للنصوص مما فرض في النهاية تغيرًا ثقافيًا واجتماعيًا ولاحقًا سياسيًا يمكن لحظه من خلال تتبع دخول المطبعة إلى القاهرة ودمشق حيث تمكن أحمد عزت العبد على سبيل المثال وعبر نفوذه في الدوائر الرسمية التركية من الحصول على إجازة لنشر صحيفة أسبوعية (دمشق) وقد صدرت باللغتين التركية والعربية، واستمر مشروعه حتى عام 1887، وحيث أصبحت (سورية) بعد ذلك الصحيفة الوحيدة حتى عام 1896 عندما صدرت صحيفة عربية خالصة هي (الشام) [12]، ومع بروز الصحف اليومية فإنها صارت نافذة على الأفكار الأوروبية، إذ تعرفت المجتمعات العربية من خلالها على مختلف تيارات الفكر الأوروبي في القرن التاسع عشر، وإن كان قد جرى ذلك بكثيرٍ من الاختزال والتبسيط وأحيانًا السذاجة مع الفهم الخاطئ، غير أن هذا الاهتمام الناشئ يعكس تمامًا تحولًا ثقافيًا في الوسط الاجتماعي العربي من الاهتمام بالمخطوطات والكتب الدينية والتراثية إلى الانفتاح على الأفكار والاتجاهات الأوروبية، ويعكس من جهة أخرى إلحاحًا لدى النخبة السياسية في مصر وبلاد الشام على ضرورة التعرف على العلم الحديث بغية تحديث الحكومة واكتساب المعرفة التقنية سيّما وأن هذا الهاجس كان مسيطرًا على معظم مصلحي الدولة العثمانية في فترة التنظيمات، ويمكن وصف هذا التحول حسب تعبير كومنز، “أن فعل القراءة قد اتخذ معنى جديدًا، فقراءة القرآن كانت فعلًا من أفعال التقوى، أما قراءة الصحيفة اليومية شكلت فعلًا من أفعال اكتساب المعرفة حول حياة العالم اليومية، ولذلك تضمنت توجهًا نحو المجتمع والطبيعة أكثر منه نحو الدين “[13].
غير أن الجو الفكري الخانق في سورية في عهد السلطان عبد الحميد جعلت جميع الكتاب الذين رغبوا في التعبير عن أفكارهم أكثر من رغبتهم في التملق للسلطان دفعهم للهجرة إلى مصر التي قدمت حرية أوسع للتعبير[14]، وعندها ظهرت القاهرة باعتبارها المركز الفكري للشرق العربي، ومرتعًا لولادة المثقفين الجدد، وذلك لأنها قامت جزئيًا بوظيفة الملاذ والمأوى للشخصيات السياسية والفكرية المخالفة في الرأي والمعارضة للإمبراطورية العثمانية، فعبد الحميد الزهراوي هرب في عام 1902 إلى مصر[15]، أما طاهر الجزائري فقد هاجر إلى مصر في عام 1907، واستقرّ رشيد رضا وعبد الرحمن الكواكبي في مصر، ولذلك بدت مصر تحت الحماية البريطانية أكثر جذبًا للمصلحين الدينيين، ولعل رحلة جمال الدين القاسمي وعبد الرزاق البيطار إلى مصر في عام 1903 ـ 1904 تبدو دليلًا واضحًا على أن الجميع بدأ يتجه نحو مصر لتحطيم العزلة في دمشق وللتنفس بحريةٍ أكبر في جو القاهرة الأكثر تسامحًا[16]، لكن، ومع ذلك فإن أحدًا من المثقفين المتشددين في دمشق على العروبة لم يروّج لأيديولوجيا انفصالية للقومية العربية كبديل ممكن للتفسير الاتحادي لـ (العثمانونية بل إن الشخصيات التي كانت تقف وراء أيديولوجيا العروبة الوليدة، أكدوا الحاجة إلى قدرٍ أكبر من اللامركزية السياسية والإدارية في الولايات الناطقة بالعربية[17].
وهكذا برز المثقفون ذو الحساسية الأكثر للتغيير الدين ترافق وعيهم بالعروبة ظهورهم على الساحة السياسية، إذ يمكن القول أن العروبة كـ ” العثمانوية” نشأت كرد فعل على فشل النخبة الحاكمة في استانبول في الدفاع عن الحضارة الإسلامية في مواجهة التسلل الاقتصادي والثقافي والسياسي الغربي على حد تعبير ألبرت حوراني[18]، وإذا كانت “العثمانوية” قد اكتسبت محتواها الأيديولوجي قبل “العروبة”، فإن “العروبة” بإطارها الأيديولوجي تشكّلت على يد جماعة من المثقفين والناشطين السياسيين ذوي الأصول العائلية الملكية فقد سمحت لهم مواردهم العائلية والمادية من السفر إلى الغرب للدراسة فيه والعودة منه حاملين تأثرًا واضحًا بالمفاهيم والأفكار الغربية عن الأمة والقومية والوطنية. فأصبحت “العروبة” عندها كمصدر إعزاز وذلك كرد فعل على العدوين “الداخلي” و”الخارجي”، الأول “الكامن” في الإمبراطورية العثمانية والآخر “المرابط” على الحدود، وهكذا بدأ تبلور مفهوم المثقف بالتوازي تمامًا مع تأجج النزعة العروبية في بلاد الشام ومصر[19].
وباختصار يمكن القول أن بذور الوعي العروبي داخل النخبة السياسية في مصر وبلاد الشام قد انطلقت من ثلاث عوامل رئيسية هي انتمائها لعائلات الملاك ـ البيروقراطيين أصحاب الثروات وملاك الأراضي الواسعة، وهو ما ساعدها على استكمال تعليمها في الخارج وهذان العاملان حرضا داخلها حسًا عروبيًا للدفاع عن هموم الوطن الذي بدأ يقارن “تخلفه” مع “تقدم” المجتمعات الغربية ونهضتها.

الصراع من أجل “الإصلاح” في العالم الإسلامي:

مع تغير شكل النخب ودورها كما أشرنا إلى ذلك سابقًا، فإن نوعًا من الصراع على ما يسمى البقاء خوفًا من الاندحار سينشأ، ومحور هذا الصراع سيتمحور بكل تأكيد حول الاستحواذ على السلطة المعنوية وبالتالي السياسية بحكم بداية تبلور ما يسمى فكرة الدولة القومية على أساس فكرة الدولة – الأمة، والتي من أهم صفاتها كان فكرة الدولة المركزية، ولذلك سيدور نوع من الصراع الفكري بين التيارات الأساسية في العالم الإسلامي في تلك الفترة. سيتمحور هذا الصراع بشكل أساسي على طبيعة العلاقة مع الغرب، أو بأي طريقة يجب أن نتعامل معه؟ وكيف ننفتح عليه؟
هذا الصراع أخذ مسميات مختلفة، بدءً من الصراع بين التقليد والتجديد أو التراث أو الحداثة، أو بشكل مبكر فيما بعد بين القبعة والعمامة بفعل ارتدادات كمال أتاتورك وخطواته التحديثية القسرية على العالم العربي والإسلامي.
وهكذا فإذا أردنا العودة إلى تاريخ الصراع بين “الإصلاحيين” وبين “المحافظين” في بلاد الشام في القرن التاسع عشر لطالعتنا حادثة ذات دلالة تاريخية وسياسية واجتماعية ودينية بنفس الوقت، هي حادثة المجتهدين عام 1905،حيث اتفق عدد من علماء دمشق عام 1905،وهم الشيخ عبد الرزاق البيطار، والشيخ سليم سمارة، والشيخ بدر الدين المغربي، والشيخ توفيق أفندي الأيوبي، والشيخ أمين السفرجلاني، والشيخ سعيد الفرا، والشيخ مصطفى الحلاق، والشيخ جمال الدين القاسمي، والشيخ طاهر الجزائري، والشيخ أحمد الحسني[20]،وجميعهم ينتمون إلى ما يعرف بطبقة علماء الدين في بلاد الشام في تلك الفترة[21]. فقد قرر هؤلاء عقد حلقة مذاكرة للمدارسة والعلم، فانتهت بهم وشاية إلى تقديمهم للمحاكمة، وعقد المفتي من أجلهم مجلسًا خاصًا في المحكمة الشرعية لمحاكمتهم.
وقد كانت التهم الموجهة لهم تتعلق:
– ذم ترك العمائم.
– تحريم الدخان.
– أن الخلافة صارت ملكًا عضوضًا.
– أن “الجماعة” عدّوا أنفسهم مجتهدين، وأنهم يجتمعون على قراءة الحديث، ويطلبون الدليل على أقوال الفقهاء.
وكما يلحظ القاسمي نفسه الذي أرخ للحادثة ببراعة، فإن أخطر هذه التهم هو ما قيل حول أن الخلافة صارت ملكًا عضوضًا.
يستعرض القاسمي بعضًا من جوانب التحقيقات التي تكشف لنا بعضًا من “الحساسيات الرسمية” خلف هذه المحاكمة التاريخية، إذ يروي على لسان المفتي قوله “ما لكم ولقراءة الحديث؟ يلزم قراءة الكتب الفقهية، والحجر على قراءة الكتب الحديثية والتفسيرية”.
بيد أن القاضي لم يجد في التحقيقات ما يستوجب الإدانة، بل إن الوالي كان قد ظن أن في الجمع سرًا سياسيًا فلما تحقق من أن الجمع لا يعدو سوى أن يكون تجمعًا علميًا فإنه أقر صرفهم قائلًا: “إن فكرهم من أحوال السياسة خال، ولا خطر لهم شيءٌ من شأنها على بال”[22].
تظهر هذه الحادثة الصراع الخفي والمبكر على السلطة الرمزية التي يتمتع بها علماء الدين في المجتمعات الإسلامية كما أشرنا في القسم الأول عبر استحواذ العائلات التقليدية على جميع المواقع الدينية التنفيذية، لدرجة أن السلطة السياسية لم تجد حرجًا في التحقيق مع علماء بارزين يحظون باحترام لافت داخل هذه المجتمعات. وبنفس الوقت تظهر هذه الحادثة أيضًا الجدال التاريخي حول معنى التجديد،وكيف أن السلطة السياسية ذاتها ترغب في التدخل في هذا المعنى لأنه يعنيها،وبشكلٍ خاص عندما يمس هذا الاجتهاد شرعية السلطة السياسية ذاتها، فالإصلاح الديني إذًا مرتبطٌ وجوديًا بإعادة الاعتبار لمفاهيم دينية –سياسية من مثل الشورى وطاعة الحاكم وشرعية الخروج على الحاكم إلى غير ذلك…
لقد ارتبطت الحاجة إلى الإصلاح الديني في القرن التاسع عشر بالرغبة في النهضة أو تحصل التمدن مع أواخر القرن التاسع عشر. حينها كان الإصلاح جزءً من رؤيةٍ أوسع تشمل من ضمنها إصلاح المؤسسات التعليمية والدينية كالأزهر مثلًا كما هي حال مشروع محمد عبده، وإصلاح المجتمع بإعادته إلى فضائل الأخلاق وغير ذلك.
واستعملت كلمة الإصلاح الديني، كإشارةٍ إلى الحركة التي قام بها كل من الأفغاني ومحمد عبده، إذ دعا الأول إلى تأسيس حركةٍ في الإسلام تضطلع بما اضطلعت به الحركة البروتستانتية في التاريخ المسيحي[23]، وكما عبّر هو بنفسه “لا بد من حركة دينية.إذ لو تأملنا في سبب انقلاب حالة أوروبا من الهمجية إلى المدنيّة نراه لا يتعدى الحركة الدينية التي قام بها لوثر وتمت على يده. فإن هذا الرجل الكبير لما رأى شعوب أوروبا زلت وفقدت شهامتها من طول ما خضعت لرجال الدين وتقاليد لا تمت بصلة إلى عقلٍ أو نفس، قام بتلك الحركة الدينية، ودعا إليها أمم أوروبا بصبرٍ وعناء وإلحاح زائدين ” ثم يقارن بين البروتستانتية والكاثوليكية معتبرًا أن الصراع والمنافسة بين أنصار كلا الفريقين هو الذي ولّد المدنية الحديثة التي نراها ونعجب بها” (2).
فاستخدام كلمة الإصلاح هنا كان المقصود منه استحضار التجربة الأوروبية وخاصة البروتستانتية في القيام بعملية الإصلاح الديني المنشود في الإسلام[24]،لكن السؤال هو لماذا استُبعد تمامًا لفظ الإصلاح (Reform) لحساب مصطلح التجديد (Reconstruction)؟ الذي أخذ بعدًا دينيًا محضًا أشبه بمعنى الاجتهاد الشرعي.
يمكن القول تاريخيًا أن مصطلح ” التجديد ” أسبق إلى الاستخدام في الأدبيات الدينية من مصطلح “الإصلاح”، وتنبع شرعية اللفظة الأولى من الحديث النبوي الشهير(إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها)[25] بيد أن تأثر الأفغاني ومن بعده عبده بما قرأوه من تجربة الإصلاح الديني المسيحي خاصة كتاب الفرنسي فرانسوا غيزو (تاريخ الحضارة في أوروبا) الذي نقله إلى العربية سنة 1877 حنين نعمة الله خوري تحت عنوان (التحفة الأدبية في تاريخ المماليك الأوروبية)، جعلهم يحاكون التجربة ذاتها قارئينها في سياقٍ تاريخي مختلف تمامًا، بيد أنها تصب في النهاية في رؤيتهم الكلية للنهضة التي تنحصر في تعثر إدراك التقدم دون استملاك أسبابه المتمثلة في الإسلام، ولذلك جرى قراءة تجربة الإصلاح الديني المسيحي في البروتستانتية كسندٍ إضافي مضاعف، يجابهون به بدايةً أولئك الذين يزعمون بإمكانية تحصل النهضة باستبعاد الدين تمامًا عن الحياة وهو ما تجلى في حوار عبده مع فرح أنطون في كتابه الشهير (الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية)[26]، ومن جهةٍ أخرى يُقارعون علماء الدين التقليديين الذين عناهم عبده بقوله:
ولكن دينًا قد أردت صلاحه أحاذر أن تقضي عليه العمائم
وذلك عبر مخاطبتهم بالإحالة قائلًا “إذا أردنا أن نلحق بركب الأمم المتقدمة فعلينا أن نقوم بإصلاح ديننا كما فعل الغربيون أنفسهم في إصلاح دينهم” وهكذا تبدو الحجة مزدوجة وتصحُّ لكلا الطرفين.
إن إنجاز الإصلاح الديني من شأنه أن يعيد تنضيد العلاقات الاقتصادية والاجتماعية وفق علاقة تبادلية تسهم بلا شك في إعلاء قيمة الإنسان وشأنه، وهو الأمل الذي تطمح لتحقيقه جميع الحضارات والثقافات وعلى رأسها الحضارة الإسلامية. وهذا لن يتم إلا بنمط من إعادة تأسيس السلطة الرمزية لعلماء الدين على أساس الاستقلالية عن السلطة السياسية،ذلك أن انهيار السلطة المعنوية الدينية مكّن السلطة الرسمية من السيطرة على التراث الديني واستخدامه لتبرير سياساتها، وطمأنتها على عدم إمكانية نشوء سلطة معنوية أو اجتماعية موازية أو مقابلة تخفف من استبدادية حكمها[27]، ولما فقد الإرث الديني سلطته ومكانته الرمزية فقد تحول إلى مادة أولية تحاول كل سلطة إعادة تركيبها بما ترغب وبما يثبت شرعية حكمها،ولذلك تحتاج السلطة الدينية إلى إثبات مصداقيتها عبر استقلالها السياسي وتأكيد شرعيتها من ذاتها لا من دلالة المنطق السياسي،وهذا يتطلب إعادة بناء التراث الفقهي على أسس ديمقراطية تتيح لسلطةٍ لم تكن يومًا روحية أو لاهوتية أن تحتفظ بإرثها الرمزي بوصفها سلطة معنوية وعلمية لا تجير لحساب الموقف السياسي المتغير بقدر ما تبنى بناءً على مصالح المجتمع الحقيقية.

العلاقة الإشكالية مع “الغرب”:

تعمق الخلاف بين تياري “المحافظة” أو التقليد وبين تيار “الإصلاح” أو الحداثة، وبالطبع داخل كل تيار هناك تيارات مختلفة ومتنوعة، مع انهيار الخلافة الإسلامية أو العثمانية وبالتالي دخل العالم الإسلامي في حقبة ليست سياسية جديدة فحسب وإنما لها تداعياتها الفكرية والتشريعية، ومع بروز طبقة المثقفين في العالم العربي الذين اعتمدوا في تكوينهم العلمي بشكل كبير على المدارس والجامعات الغربية نشأ نوع من الاحتكاك المعرفي داخل الثقافة العربية والإسلامية قائم على المقارنة والمقايسة، وهو ما أفرز فيما بعد شكلًا من الانقسام الاجتماعي على أصول أيديولوجية أو ثقافية وفيما بعد اتخذ صورًا سياسية عدة.
لقد بقي “الغرب” بوصفه الحضارة الصاعدة والمؤثرة في الاجتماع السياسي العربي مصدر الكثير من الإشكاليات الفكرية التي اشتغل عليها الخطاب العربي المعاصر وهي عمومًا ظلت محدودة ومحصورة بعدد قليل من القضايا لأسباب حضارية يقوم بشكل رئيسي بسبب الاستعصاء التنموي في العالم العربي الذي راح يستهلك مخزونه المعرفي والثقافي تدريجيًا، فمنذ اشتغاله في ثنائيات من مثل الأصالة والمعاصرة والتراث والحداثة والشورى والديمقراطية والإسلام والغرب ومفهوم العقلانية واللاعقلانية وغيرها نلحظ أن أحد طرفي هذه الثنائيات كان دائمًا مستنسخًا من الفكر الغربي في سياق تطوره التاريخي وأحيانًا تكون الإشكالية نفسها منقولة من الفكر الغربي ويطلب من الفكر العربي الاشتغال عليها كما يحدث الآن مع تيار ما بعد الحداثة، إننا لو حصرنا عدد هذه الإشكاليات لوجدناه ضئيلًا وينتهي بعدد محدود جدًا رغم مرور أكثر من قرنين على بداية دخول العالم العربي صدمة الحداثة، إلا أن الخطاب العربي دائمًا ما كان يعيد ويجدد قوله في هذه القضايا، ولا يخف الجدل حولها إلا بعد انقضاء الزمن التاريخي التي ترافق ظهورها دون أن تكون هذه الإشكاليات قد وصلت إلى حالة من النضج الفكري والمعرفي الذي يمكنها من الاستفادة من القضايا المتشابكة والمتداخلة.
لقد سيطرت فكرة الصراع بين التراث والحداثة على المفكرين والمثقفين سيما مطلع القرن الماضي، وتحكمت خلال فترة من الزمان بمعظم النقاشات لا سيما أولئك الذين يتعبرون الثقافة بحد ذاتها تعد محركًا رئيسيًا للنهضة.
إن القراءة الثقافوية التي سادت في الفكر العربي خلال فترة الستينيات وأخذت أوجها مع هزيمة (نكسة) حزيران 1976 تنظر إلى المجتمع العربي بحسب ما يظهر في خطاب نخبته الفكرية أو على مستوى الثقافة العالِمة، إذ هي تنظر بعين الناقد إلى الإنتاج العربي فكريًا وفلسفيًا وأدبيًا ونقديًا وعلميًا لتلحظ تحولاته واختلاف مساراته ولتقرأ من خلال هذا الخطاب حقيقة المجتمع العربي وطبيعة تفكيره وبنيته العقلية أو الذهنية التي يرتكز عليها [28]، ولا يقتصر ذلك على قراءة الواقع العربي الراهن بل هي تعمد إلى قراءة التاريخ العربي من خلال تراثه الفكري، ولتستشعر صعود وهبوط المجتمع العربي تبعًا للإنتاج الفكري العربي في المراحل التاريخية المتعاقبة، إننا نلحظ مثلًا أن نصر حامد أبو زيد أثناء قراءته للإنتاج الفكري العربي في الحقل الديني الفقهي والفلسفي والمنطقي، نلحظ أنه يرصد لحظات الصعود مع نشأة التفكير العقلي لدى الفلاسفة والبلاغيين العرب الأوائل، إلا أنه يعتبر لحظة الغزالي في كتابه (تهافت الفلاسفة) اللحظة التي لم يستطع العرب إلى الآن الخروج منها، وهي اللحظة التي كرست في العقل العربي آليات الرفض والتكفير، كما أنها ترمز إلى طغيان الديني والفقهي على العقلي والفلسفي، وهي فضلًا عن ذلك كله جعلت الفكر العربي يدور في دوامة من الجدل حول علاقة الحقل الديني بالحقل الفلسفي بما يعنيه ذلك من سيادة النظرة التوفيقية بين حقلين، آليات التفكير في كل منهما مختلفةٌ عن الآخر [29]، وهكذا يتم تكريس لحظة الغزالي كلحظة الانكسار والانحدار التي بدأ يعقبها التقهقر العربي حتى وصل إلى “تخلفه” الراهن، ولم تفد معها كل ومضات الإضاءة بعده من ابن رشد إلى ابن خلدون وغيرهما، إذ إن الغزالي قد حقق القطيعة المعرفية الإبستمولوجية بين لحظتين في الفكر العربي، الأولى تسعى إلى إدراج العقلي في النقل والأخرى ترفض العقلي عن طريق رفضها للسببية التي تمثلُّ بحد ذاتها انعكاسًا لدخول آليات البعد الصوفي والروحاني في الفكر العربي.
لم تكن دراسة أبو زيد وحيدة في ذلك، إذ جرى التركيز على الفكري والثقافي بشكل يراهن على أن تغييره سيقودنا إلى الخروج من المأزق العربي الراهن، وبذلك تمت قراءة الاستبداد المترامي الأطراف في البلاد العربية على اعتبار أن الثقافة العربية تكرس الاستبداد وتحض عليه، وأن الخطاب العربي وخاصة كما تجلى في الأدب السلطاني هو خطاب السلطة ومن خلال قراءته وتشريح أصوله نحصل على الإجابة عن تركز الاستبداد في بلادنا [30].
يستعيد أحد الباحثين العرب هذه النتيجة ولكن بصياغة أخرى مختلفة، يقول ” لقد استحال التسلط في الخطاب التراثي إلى ثابت بنيوي ولا يمكن نفيه إلا عبر نفي الخطاب ذاته، لذلك ما من سبيل لتطور ديمقراطي أو إنساني في العالم العربي، إلا عبر تحليل وتفكيك الجذور التراثية للتسلط من جهة، وتجاوز الأزمة الشاملة للخطاب العربي المعاصر من جهة أخرى، تلك الأزمة التي تتجلى في اكتفائه بمجرد الاستهلاك الأيديولوجي لمفاهيم النهضة كالحرية والديمقراطية وغيرها والعجز عن إنتاجها معرفيًا في حقله الخاص[31]. فالبحث عن جذور أزمة التخلف العربي يجري اكتشافها في هذا الخطاب في الفكر العربي وثوابته البنيوية التي يرتكز عليها، وهنا يتم تشخيص الأزمة فكريًا، غير أن قراءتها من هذا المنظور لم يمنع إمكانية توظيفها أيديولوجيًا عن طريق صياغة الأزمة وفقًا لبعدها عن المنطوق الأيديولوجي أو اقترابها منه، فاليسار في بعض تلويناته يقر بوجود الأزمة الفكرية ولكن ليس في ثابتها البنيوي الثاوي في تكوينها وإنما في بعدها عن الفكر التقدمي الاشتراكي، ذلك أن أزمة العقل العربي تكمن في أنه عقل غير قومي وغير علمي وغير بنائي في حين أن النموذج الاشتراكي، هو القادر على تكوين عقل علمي قومي بنائي[32] وبحسب هذه الأيديولوجيا فإن العقل الاشتراكي – إذا صح هذا الوصف – يمثل المخرج الوحيد للأزمة العربيـة الراهنة، أما طه عبد الرحمن “المجدد الإسلامي” كما يصفـه تلامذتـه، فإنـه استخدم مصطلح “تجديد العقل” بدلًا من إعادة البناء أو التشكيل، والعقل لديه درجات، بدءًا من “العقل المجرد” الذي هو عبارة عن الفعل الذي يطلع به صاحبه على وجه من وجوه شيء ما، معتقدًا في صدق هذا الفعل ومستندًا في هذا التصديق إلى دليل معين، ويليه “العقل المسدد” الذي هو عبارة عن الفعل الذي يبتغي به صاحبه جلب منفعة أو دفع مضرة، متوسلًا في ذلك بإقامة الأعمال التي فرضها الشرع، وبناء على ذلك فعلى العقل المسدد أن يتصف بالموافقة للشرع واجتلاب المصلحة ثم الدخول في الاشتغال[33]، أما المرتبة الأعلى في العقل فهو “العقل المؤيد” الذي يعني الفعل الذي يطلب به صاحبه معرفة أعيان الأشياء بطريق النزول في مراتب الاشتغال الشرعي، مؤديًا النوافل، زيادة على إقامة الفرائض على الوجه الأكمل، وهو لذلك أغنى وأشرف مواضيع المعرفة الممكنة الثلاثة والتي هي الصفات والأفعال والذوات، فإذا كان العقل المجرد يقصد معرفة الصفات والعقل المسدد معرفة الأفعال، فإن العقل المؤيد يقصد معرفة الذوات عن طريق الجمع بين النظر والعمل والتجربة، ولا تظهر كمالات هذا العقل إلا في الممارسة الصوفية [34]، وهكذا يصبح “العقل المؤيد” محصورًا في “العقل الصوفي” إن صح هذا التعبير، وهو لذلك يرد على دعوى الخصوم كما يسميهم الذين يتهمون السلفية أو الصوفية باللاعقلانية واللاتاريخية، ويعتبر أنهم يقعون في فخ تقديس التاريخ وتأليهه وأنهم يتعلقون بنماذج عقلانية ونظرية ذهب الزمان بأسبابها، وأنهم يعمدون إلى النزع عن الأصول الدينية ثباتها وإطلاقيتها، وهكذا تنتهي دعوى “تجديد العقل” إلى دفاع عن التقليد على اعتبار أن التقليد إنما يحمل بداخل المقلد إرادة العمل، وإرادة إقامته بالوجه الذي يوافق مذهب هذا الغير [35].
والأمر ذاته ينطبق على مشروع محمد أركون القائم على نقد العقل الإسلامي الذي قدمه لأول مرة عام 1984 [36]، والذي يهدف من ورائه إلى إعادة تقييم نقدي شامل لكل الموروث الإسلامي منذ ظهور القرآن وحتى اليوم، وإلى تحرير العقل من تراكمات هذا الموروث السلبية مستخدمًا في ذلك الأدوات والمناهج المعرفية الحديثة من سيمياء وألسنية ومفاهيم العلوم الفلسفية والاجتماعية الغربية المعاصرة محاولًا توظيفها في قراءة النص الديني ومستخدمًا بشكل كبير المنهج التاريخي لنزع الأسطرة كما يسميها عن المفاهيم الدينية الموروثة وقراءتها وفقًا لمتنها التاريخي وتطورها الاجتماعي، إلا أن أركون وفي كتبه جميعها لا يحاول بلورة مشروع ناجز واضح الملامح والقسمات بقدر ما يهدف إلى إثارة قضايا نقدية في الحقل الديني ولذلك يغيب عن مشروعه في “نقد العقل الإسلامي” الرؤية الشمولية أو الكلية في قراءة المجتمع العربي وفقًا لظروفه السياسية والاجتماعية ويبقى مخلصًا لمنهجه الفكري القائم على اختصار أزمة المجتمع العربي في العقل الذي ما زال قروسطيًا وغيبيًا وغير تاريخي، وعلى مشروعه في النقد أن ينقل هذا العقل ليصبح عصريًا وعقلانيًا وتاريخيًا.
ويبدو أن الهدف نفسه هو الذي حث الجابري على استكمال مشروعه الأضخم في نقد العقل العربي والذي حاول من خلالـه أن يتجنب الأيديولوجيا ويبتعد عنهـا كما عبر ذلك في مطلع جزئه الأول [37]، إذ إن ما يهتم به ليس الأفكار بذاتها بل الأداة المنتجة لهذه الأفكار، وهو يحصر لذلك اهتمامه في المجال الابستمولوجي وحده، ويعلل رهانه في “نقد العقل العربي” على اعتبار أنه جزء أساسي وأولي من كل مشروعٍ للنهضة، ذلك أنه لا يمكن بناء نهضة بعقلٍ غير ناهض، عقلٍ لم يقم بمراجعة شاملة لآلياته ومفاهيمه وتصوراته ورؤاه [38]، وهكذا تتجلى رغبة الجابري في مشروعه إلى تحقيق النهضة عن طريق نقد العقل العربي، ذلك أن العقل العربي وكما هو في حالته الراهنة أكبر عائق أمام النهضة ومانع لها، وعلى العقل بعد ممارسة عملية النقد عليه، أن ينقلنا من التخلف إلى التنمية ويفتح لنا الباب واسعًا أمام النهضة.
ستنشأ مشاريع مضادة لمشروع الجابري ليس بهدف الإقلال من دور العقل ووظيفته في تحقيق النهضة وإنما لإعادة تحديد مفهومه والبحث في بنيته وإشكالياته [39]، بحيث يبدو واضحًا أن البحث في العقل وعنه قد استأثر بغالبية الاهتمامات الفكرية على مدى عقود من الزمن العربي، وسيتحول مفهوم العقل نفسه إلى مفهوم صراعي بين التيارات الأيديولوجية العربية المتخاصمة، كلٌّ يتهم مخالفه بالبعد عن العقل والعقلانية، ويحتكر المفهوم لنفسه “بحيث تحول مفهوم العقل حسب حاجات الصراع الأيديولوجي فأصبح شعارًا بقصد الانتماء إلى معسكر ضد آخر، ونزع شرعية الكلام عن الخصم” [40]، وفي الوقت نفسه كان الرهان يتم على العقل نفسه، باعتبار أن تحريره يعني تحقيق النهضة، إذ تفسير التخلف العربي الراهن كان يُختصر دائمًا في العقل المأزوم،وغالبًا ما ينأى هذا الخطاب عن قراءة الظروف السياسية والاجتماعية التي أنتج العقل العربي من خلالها خطابه، على اعتبار أن البيئة الاجتماعية والسياسية تشكل المحور الرئيسي في إنتاج المفاهيم التي يرتكز عليها أي خطاب، وتجاوزها أو عدم اعتبارها غالبًا ما يجعل دراسة الواقع العربي الراهن تتم فقط وفقًا للإنتاج النظري للنخبة المثقفة دون أخذ الواقع الفعلي محل النظر، فالمأزق العربي الراهن ساهمت عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية في إنتاجه وتكريسه، وكان من الطبيعي بعد ذلك أن يكون الخطاب العربي مأسورًا لهذه الأطر، ذلك أن تجاوزها يتطلب خطابًا عربيًا يعيها ويضعها في سياقها الطبيعي، في حين أن الخطاب العربي المعاصر غالبًا ما كان يتجاهلها لحساب خطاب النخبة الفكرية التي لا تعني محدودية التأثير فحسب بقدر ما ترمز إلى تجاهل مطالب الشرائح والفئات الأكبر التي يمثلها المجتمع على اختلاف تلويناته وطبقاته.
مهما يكن فإن تشخيص الأزمة ينحصر في “العقل العربي” وفق هذا الخطاب والخروج منها يكون بالرهان عليه كمخرجٍ رئيسي، وكما يدّعي هذا الخطاب فإن تحليله هذا إنما ينبع من إرجاعه الأزمة إلى جذورها وأصولها الرئيسية، ويستغرق لذلك في البحث عن التفاصيل النظرية التي أنتجت العوائق السببية أمام تقدم العقل العربي وتحرره من أزمته، فلا يجدها إلا في نصوص المفكرين وأدبياتهم التي يتم تصويرها كمحركٍ للتاريخ ومولدٍ له دون أن يدرك أنها هي نفسها من نتاج التاريخ وآثاره.
إن مأزق هذا النوع من الخطاب أنه لا يدرك التحولات السياسية والاجتماعية، بل هو يفترض أن الثقافة عامل غير متغير، وإن تغيرت فإنها تتغير بالأفكار ذاتها وليس للصراع السياسي دور فيها.
في الحقيقة يجد الواقع الحل الحقيقي للصراع بين التراث والحداثة عبر استحضاره منهما ما يفيد رؤيته وتطوير حركته التاريخية، بمعنى يصبح الثقافي سؤالًا من الماضي بينما يكون تحول المجتمع وتغيره هو سؤال الواقع والمستقبل.

سؤال الحداثة في المجتمعات المسلمة:

إن القيم التي بلورتها الحداثة الغربية حاضرةٌ في كل الثقافات تقريبًا، ربما ليس بنفس المفاهيم ولكن بتصورات أخرى تؤدي الغرض الإشكالي نفسه لا سيما قيم الحرية والتسامح والأنسنة والديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها، فالمفاهيم الحقوقية السائدة الآن يمكن اعتبارها بمثابة المشترك الإنساني الذي ساهمت جميع الحضارات في خلقه ورفض ذلك هو كمن يقول بأن عقارب الساعة لم تكن متساوية قبل أن توجد الساعة كما يقول فولتير.
لذلك يجب النظر إلى علاقة الإسلام مع الحداثة، من خلال إعادة النظر في هذه العلاقة وفق المدخل القائم والمؤسس على الأنثروبولوجيا الاجتماعية،عبر النظر إلى هذه المفاهيم وفق صيروراتها التاريخية وضمن حواملها الاجتماعية.
فالفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو يعتبر أن الحداثة حالة قائمة،فهي وفقًا لذلك ليست مرحلة من مراحل التاريخ،وعندها لا تغدو الحداثة بمثابة الحلم الذي يلهث وراءه الجميع من أجل جعله واقعًا، وليست مشروطة بتاريخ خاص بها،بل إن هناك سياقات مختلفة ومتعددة توصل جميعها إلى الحداثة،فالحداثة ليست مشروعًا ناجزًا حكرًا على الغرب،إنها ما يحققه صبو المجتمعات إلى التغيير والانخراط في مشروع النهضة والتنمية.
لذلك فالسؤال الذي يجب أن تطرحه المجتمعات على نفسها باستمرار كما يرى جان فرانسوا ليوتار هو كيف نشأت الحداثة؟ وهل في الإمكان خلق نموذج خاص بالحداثة في كل مجتمع؟
إن البديل الذي يجب أن تطرحه المجتمعات هو الابتكار المفارق للحداثة،لا عن طريق الانزواء والانغلاق أو التماثل والتوحد، بل إعادة صياغة الفوارق،ولكن دون الحاجة إلى جعلها شرطًا مسبقًا.
إن منطق المقاربة التاريخية بين الإسلام والحداثة يعود بشكل رئيسي إلى منطق الثنائية المركب منها، إذ تفترض الثنائية عند تركيبها نوعًا من التناقض أو درجةٌ ما من التوفيق يقتضيها الجمع بين متعارضين، وفضُّ الثنائية وتفكيكها يغدوا صعبًا بعد تكّونها، فهي فضلًا عن أنها تحوي لبسًا يغدوا ظاهرًا من طرفيها، فمثلًا هي تجمع بين طرفين ليسا متماثلين، فالإسلام دينٌ إلهي والحداثة أشبه ما تكون بالزمن التاريخي الذي تكوّن غربيًا، فما الذي يجمع بين الدين والتاريخ أو بين الدين والجغرافيا.
إن السؤال الذي يجب أن تطرحه المجتمعات الإسلامية على نفسها هو قدرتها على ابتكار نموذجٍ للحداثة منسجم مع سياقاتها التاريخية والاجتماعية من أجل تحقيق حراك سياسي واجتماعي.لكن دون الوقوف أبدًا عند انغلاق المجتمعات على نفسها وإنما بالانخراط في مشروع النهضة المستديمة والمتكاملة،بل إن نموذج الحداثة البديل المنسجم مع الإرث التاريخي الإسلامي لن يتم اختراعه أو تطويره إلا من خلال البناء على نموذج الديمقراطية القائم الذي يفسح المجال لصيرورة تاريخية خلاقة.
لذلك يبدو ضروريًا في البداية تبديد سوء الفهم لدى المجتمعات الإسلامية في العلاقة بين الإسلام والحداثة وعدم تناقضهما، وإن توافر مناخ دولي فكري وسياسي يؤمن بحرية الحضارات والثقافات ويساعدها في تحقيق حرياتها مما يساعد في تبديد سوء الفهم المتبادل
فعلينا أن لا نغلق أبصارنا عن ما حققته المجتمعات الغربية من حضارة وتقدم، فمن يراجع تاريخ الشعوب الغربية المعاصرة يدرك أن مسيرة التقدم الحضاري الحديث كانت مرتبطة ارتباطا جدليًا في كل حقبة وعصر بتقدم شروط الحرية، أي بنجاح المجتمعات في انتزاع وتكريس المزيد من المبادرة والاستقلالية الفكرية والسياسية الفردية والجماعية، أي كانت تتقدم مواكبة لعملية بناء الإنسان والحقيقة الإنسانية، وبالعكس إن جميع المكاسب والإنجازات المادية والتقنية والعلمية مهما بلغت عظمتها ودرجة تراكمها لا تستطيع أن تقاوم طويلا انحطاط الإنسان وانهيار قيمه المدنية والسياسية. لذلك علينا أن نتصالح مع الحرية بوصفها الطريق إلى النهضة والتنمية للمجتمعات المسلمة.
إن الديمقراطية هي التعريف العملي أو المؤسسي للحرية، أو بعبارة أخرى هي تنظيم ممارسة الحرية،والقبول بالديمقراطية لا يعني أبدًا إغلاق التفكير فيها،وإنما هي تحريض على كشف تعيناتها وطرائق تطبيقها بغية الوصول إلى الصيغة المثلى في التطبيق، ومهما يكن للديمقراطية من عيوب إذا ما نظرنا إليها بشكلٍ مجرد،فإن علينا أن نقارنها مع بدائلها،وحين نلاحظ المآسي التي ستأتي بها تلك البدائل فإننا لن نتردد في الأخذ بالديمقراطية،فهي الأقل ضررًا من النظم الأخرى،وبحسب تعبير تشرشل فإن الديمقراطية هي أفضل الأنظمة سوءًا.
من غير شك فإن الديمقراطية في المجتمعات الغربية تطورت خلال تاريخ طويل وبعد حروب عالمية وأهلية طويلة،إنها جزءٌ من مفاهيم الحداثة التي تطورت خلال السياق الغربي.
وهنا في الحقيقة تمحور الفكر العربي خلال عقدي التسعينيات من القرن الماضي وبداية القرن الحادي والعشرين، فمع استقرار الأنظمة السياسية التسلطية الحاكمة لفترات طويلة من الزمن ونجاح الكثير من شعوب العالم من الانعتاق من الاستبداد السياسي مع موجات التحول الديمقراطي التي بدأت في جنوب المتوسط مع إسبانيا والبرتغال واليونان في منتصف السبعينيات، ثم التحول من الأنظمة العسكرية إلى نظم ديمقراطية في أمريكا اللاتينية، وأخيرًا موجة التحول الديمقراطي التي طالت كل دول أوربا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، كل ذلك طرح أسئلة عميقة على الفكر العربي حول استعصاء فكرة الديمقراطية في العالم العربي.
ولذلك يمكن القول أن الكثير من الكتابات والتحليلات بدأت تدور حول معنى الديمقراطية، وآليات توطينها في المنطقة العربية، وهو برأيي ما يشكل المعلم الأبرز للكتابات العربية في العقد الأخير.
إن الكثير من الدراسات المتخصصة في ما يسمى “التحول الديمقراطي” تربط بين القيم الثقافية لمجتمع من المجتمعات والتي تعتبر لب الرأسمال الاجتماعي وبين صيرورة العملية الديمقراطية، فاستقرار مفاهيم من مثل التعددية والفردانية والمواطنة وحقوق الإنسان والمساواة داخل القيم العميقة للمجتمع يُعد عاملًا حاسمًا لجهة التحول الآمن لهذا المجتمع نحو الديمقراطية. بدون ذلك ربما لن تستطيع “الديمقراطية الوليدة” أو الناشئة أن يتصلب عودها بدون وقتٍ طويل من الصراعات والشد والجذب بين مناصريها وأعدائها والتي ربما تتجلى في نزاعاتٍ مسلحة أهلية أو طائفية وضعف المؤسسات الشرعية والدستورية، وربما أخطر من كل ذلك فقدان الأمن الشخصي للمواطن بما يعني فقدان استقرار المجتمع والدولة معًا.
فالنظام الديمقراطي إذًا يكون أكثر أمانًا عندما تكون بناه وسيرورته منسجمة مع القيم الشعبية العامة والنخبوية أكثر منها متصادمة. لكن، ربما ينقلنا ذلك إلى تلك الثنائية التاريخية التي سادت فترةً لا بأس بها واستقرت داخل وعي النخب العربية وتتعلق بالربط بين السيرورة الديمقراطية ودرجة التطور الاقتصادي، وذلك عبر الربط بين درجة تطور الوعي الثقافي وبين الديمقراطية.
وقد ركز الكثير من الباحثين على العلاقة الجدلية بين”القيم الثقافية” والديمقراطية في محاولة لتفسير فشل تحقيق الديمقراطية في البلدان غير الغربية،وقد استخدم هذا المنهج التفسيري في تحليل غياب الديمقراطية في المجتمعات المسلمة والعربية تحديدًا. وقد كان أحد مكونات هذا الاتجاه في الأدبيات الغربية، يركز على مجموعة خصائص وصفات للشعوب العربية، ومنها: النفاق واللاعقلانية والأعراف المتعلقة بالشرف، وهي صفات وقيم تتناقض بمجملها مع الديمقراطية، وقد يعيد البعض ذلك إلى “الإسلام” بوصفه دينًا لا ينسجم مع الفكرة الديمقراطية لأنه لا يفصل بين الروحي والزمني.
بيد أن وجهة النظر هذه تنظر إلى الثقافة أو حتى القيم نظرة سكونية قارّة غير قابلة للتبدل والتحول ولا تحاول النفاذ إلى الأصول الاجتماعية والسياسية التي أتاحت لمثل هذه القيم الظهور، هذا إذا سلمنا جدلًا بمركزيتها وتأثيرها المحوري في الثقافة العربية، مما جعلها تسود وتشكل بؤرة أو حلقة تنطلق النظرة السياسية العربية منها.
ولذلك غالبًا ما تكون “الثقافة السائدة” أو “القيم الموجهة” متصفة بالسلبية والعجز بل أحيانًا بالعنف والإقصاء والرفض، بحكم أن المجتمع المغلق غالبًا ما يكون تربة خصبة لنمو ثقافة الرفض كنمط من أنماط الحماية تجاه النظام السلطوي القائم، وهو لذلك يرتد إلى روابطه ما قبل المدنية القبلية والعائلية والطائفية ويحتمي بها كحصنٍ أخير ما دامت كل الروابط المدنية الحقوقية والسياسية والفكرية قد جرى تدميرها وتحطيمها من قبل النظام الحاكم.
وهنا تكون عملية التحول الديمقراطي مسألة في غاية الصعوبة والحساسية، فمن المعروف أن البلدان التي لم يدمر الحكم السلطوي فيها قوى المجتمع المدني تكون فرص التحول السريع إلى الديمقراطية فيها أعظم بكثير من تلك البلدان التي إما سحقت فيها هذه القوى أو تنقصها القوة والحيوية لتبدأ فعلها، ففي البلدان الأخرى التي اتسمت قوى المجتمع المدني فيها بالقدرة على استعادة حيويتها ووحدتها من خلال بقاء قاعدة المجتمع المدني سليمة من حيث الجوهر كما في أوروبا الجنوبية وخاصةً إسبانيا واليونان والبرتغال حيث كان الضغط الشعبي أكثر بروزًا،مقارنةً مع مناطق أخرى مثل أمريكا اللاتينية التي كانت قوى المجتمع المدني فيها أقل رسوخًا.
ولذلك غالبًا ما يسود شكل من أشكال الثقافة الانقسامية أو التجزيئية لا على أسس سياسية وإنما بناءً على اعتبارات دينية أو طائفية أو عرقية أو اثنية بحيث تصبح هذه الانقسامات أشبه بالكانتونات المعزولة غير القابلة للتجاور أو الحوار، وتكون المشتركات الوطنية الجامعة بين مختلف هذه الأطراف في حدها الأدنى، هذا إن لم تنعدم في بعض الأحيان ويكون ذلك مؤشرًا على بداية الدخول في حرب أهلية طويلة ومزمنة كما وجدنا في لبنان وبشكلٍ ما في الجزائر.
إن النقاشات التي تدور في العالم العربي اليوم هي بكل تأكيد ارتداد لتغيرات جوهرية جرت داخل المجتمعات العربية بدءً من القرن العشرين كما شرحنا ذلك من البداية، ومع تبدل أو تغير اصطفات الطبقات الاجتماعية مع نهاية القرن فإن الأسئلة اليوم تدور حول قدرة هذه المجتمعات على الانفتاح للسماح بعملية مشاركة سياسية واجتماعية وثقافية أكبر من أكبر نسبة من المواطنين وهو ما تركزه فكرة التحول الديمقراطي والصراع حولها اليوم في العالم العربي.
كيف سيحسم هذا الصراع، عبر العنف أو من خلال الدخول في حروب أهلية أو عبر الاحتلال العسكري كما جرى في العراق وأفغانستان، أم عبر المفاوضات والحوار كما جرى في أكثر من منطقة من العالم هو ما سيحدد مصير المنطقة العربية خلال العقود القادمة.
*****

الهوامش:

[1] فيليب خوري، أعيان المدن والقومية العربية: سياسة دمشق 1860 ـ 1920، ترجمة عفيف الرزاز (بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، ط1، 1993) ص 23.
[2] المرجع نفسه، ص 3.
[3] نقصد بالعلماني هنا الشخص الذي ليس سليل إحدى العائلات ذات الإرث الديني كما أنه خريج إحدى المدارس أو الجامعات الأوروبية.
[4] ديفيد دين كومنز، الإصلاح الإسلامي: السياسة والتغيير الاجتماعي في سورية أواخر العهد العثماني، ترجمة د. مجيد الراضي (دمشق: دار المدى، ط 1، 1999) ص 23.
[5]: Moshe Ma’oz, Attempts of Great apolitical community in Modern Syria, in (Middle Eastern politics and Ideas A History from within) Edited by; Ilan pappe ad Moshe Ma’oz (London; New York;: Tauris Academic Studies, 1997) p. 209Moshe Ma’oz
ـ 212
12: Ibid, p. 212 ـ 213
[6]: Ibid, p. 212 ـ 213
[7] فيليب خوري، أعيان المدن والقومية العربية، [م، س]، ص54.
[8] لا أقصد بمفهوم “الطبقة” هنا المعنى الماركسي المحدد للمفهوم، بقدر ما أعني بها فئة من ذات المصالح المشتركة التي تنشأ على حساب فئة أخرى، ولا تقتصر على حقل إداري أو اقتصادي معين، وإنما تُسيطر بواسطة علاقاتها ومنافعها على معظم الشؤون الحياتية للمجتمع في مختلف جوانبه السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية.
[9] فيليب خوري، أعيان المدن والقومية العربية [م، س]، ص57.
[10]: Moshe Ma’oz Attempts to Great apolitical Community in Modern Syria, p. 212 ـ 214.
[11] فيليب خوري: أعيان المدن والقومية العربية [م، س]، ص 75.
[12] ديفيد دين كومنز، الإصلاح الإسلامي: السياسة والتغيير الاجتماعي في سورية آواخر العهد العثماني [م، س]، ص 30. وللمزيد حول ذلك، انظر: مهيار عدنان الملوحي، معجم الجرائد السورية 1865 ـ 1965 (دمشق: دار الأولى للنشر والتوزيع، ط 1، 2002).
[13] المرجع نفسه، ص 32.
[14] انظر ظافر القاسمي، جمال الدين القاسمي (دمشق: المطبعة الهاشمية، 1965)، وأيضًا جمال باروت، حركة التنوير العربية في القرن التاسع عشر، حلقة حلب (دمشق: وزارة الثقافة، 1994).
[15] لقد ذهب الزهراوي إلى حمص بعد حادثة التجديد الشهيرة في 1901 ثم هرب إلى مصر في عام 1902.
[16] ديفد دين كومنز، الإصلاح الإسلامي: السياسة والتغيير الاجتماعي في سورية أواخر العهد العثماني، [م، س]، ص 108.
[17] فيليب خوري، أعيان المدن والقومية العربية، [م، س]، ص 101.
[18] ألبرت حوراني، الفكر العربي في عصر النهضة (1798 ـ 1939)، ترجمة كريم عزقول (بيروت: دار النهار، [د، ت]، وعلي المحافظة، الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة (1778 ـ 1914) (بيروت: الأهلية للنشر والتوزيع، 1955).
[19] فيليب خوري، أعيان المدن والقومية العربية [م، س]، ص 111.
[20] للمزيد حول الأصول الاجتماعية لهؤلاء العلماء وتأثيرهم في المجتمع السوري في تلك الفترة،انظر: ديفد دين كومنز،الإصلاح الإسلامي: السياسة والتغيير الاجتماعي في سوريا أواخر العهد العثماني،ترجمة مجيد الراضي(دمشق: دار المدى،1999).
[21] انظر: فيليب خوري، أعيان المدن والقومية العربية:سياسة دمشق 1860-1920،ترجمة عفيف الرزاز (بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1993).
[22] ظافر القاسمي، جمال الدين القاسمي (دمشق: مكتبة أطلس، 1965).
[23] د. محمد الحداد، محمد عبده: قراءة جديدة في خطاب الإصلاح الديني (بيروت: دار الطليعة، ط 1، 2003) ص 30.
[24] نقلًا عن: عبد القادر المغربي، جمال الدين الأفغاني، ذكريات وأحاديث (القاهرة: دار المعارف، 1948) ص 95 – 96.
[25] أخرجه أبو داود بسندٍ صحيح.
[26] محمد عبده، الإسلام بين العلم والمدنية، تحقيق طاهر الطناحي، كتاب الهلال، سبتمبر/أيلول 1960.
[27] برهان غليون، فلسفة التجدد الإسلامي، ضمن كتاب (الاجتهاد والتجديد في الفكر الإسلامي المعاصر)، (مالطا: مركز دراسات العالم الإسلامي، 1991) ص 86.
[28] ساد جدل كبير حول استخدام الجابري للفظ “العقل العربي” بدءًا من التشكيك بإمكانية وجوده وانتهاءً بالتساؤل عن قدرة هذا العقل على الفعل والتأثير في المجتمع العربي، وهل بإمكاننا قراءة الواقع العربي انطلاقًا مما تنتجه نخبته الفكرية فقط؟، انظر: محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، نقد العقل العربي- 1 -(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط 6، 1994) وهذا ما دعا بعضهم لرفض مصطلح “العقل العربي” واستخدام “الذهنية العربية” بدلًا عنه انظر: فؤاد إسحق الخوري، الذهنية العربية: العنف سيد الأحكام (بيروت: دار الساقي، 1993).
[29] انظر: نصر حامد أبو زيد، مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن (بيروت: المركز الثقافي العربي، 1990) وبالطريقة نفسها تقريبًا وجدنا عبد الله العروي في كتابه مفهوم العقل (بيروت: المركز الثقافي العربي، 1996) يؤرخ للفكر العربي في أزمنته المختلفة وفقًا للآلية التي تعامل بها المفكرون العرب مع العقل ومفهومهم عنه، لا سيما محمد عبده وابن خلدون.
[30] انظر: كمال عبد اللطيف، في تشريح أصول الاستبداد: قراءة في نظام الآداب السلطانية (بيروت: دار الطليعة، 1999).
[31] علي مبروك، النزعة الإنسانية في سياق تطور الثقافة العربية، ضمن كتاب (النزعة الإنسانية في الفكر العربي: دراسات في النزعة الإنسانية في الفكر العربي الوسيط) تحرير عاطف أحمد (القاهرة: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، 1999) ص 145.
[32] حامد خليل، أزمة العقل العربي (دمشق: دار كنعان، ط 1، 1992) ص 5.
[33] د. طه عبد الرحمن، العمل الديني وتجديد العقل (بيروت: المركز الثقافي العربي، ط 2، 1997) ص 67.
[34] المرجع نفسه، ص 146.
[35] المرجع نفسه، ص 84.
[36] انظر: محمد أركون في كتبه، نقد العقل الإسلامي (باريس، 1984)، وقد ترجمه إلى العربية هاشم صالح تحت عنوان: تاريخية الفكر العربي الإسلامي (بيروت: مركز الإنماء القومي، 1986) وأيضًا: الفكر الإسلامي قراءة علمية، ترجمة هاشـم صالح (بيروت: مركز الإنماء القومي، 1987) والفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ترجمة وتعليق هاشم صالح (بيروت: دار الساقي،1990) وقضايا في نقد العقل الديني، كيف نفهم الإسلام اليوم، ترجمة هاشم صالح (بيروت: دار الطليعة، 1999) وأخيرًا: القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ترجمة هاشم صالح (بيروت: دار الطليعة، 2001).
[37]محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، نقد العقل العربي –1- (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط 6، 1994).
[38] المرجع نفسه، ص 5.
[39] على قدر ما يبدو مشروع جورج طرابيشي في “نقد نقد العقل العربي” جذريًا ونقديًا لمشروع الجابري فإنه يقف على الأرضية نفسها ويناقشه وفق الأسس نفسها التي انطلق منها الجابري، انظر: جورج طرابيشي، نظرية العقل (بيروت: دار الساقي، 1997) والجزء الثاني المتمثل في: إشكاليات العقل العربي (بيروت: دار الساقي، 1998) وهذا ما يؤكده طرابيشي نفسه عندما يعتبر نفسه قمرًا يستمد نوره من الجابري – الشمس.
[40] برهان غليون، اغتيال العقل: محنة الثقافة العربية بين السلفية والتبعية (بيروت: دار التنوير، ط 2، 1987) ص 250.

نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2011

للتحميل اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى