الأمة الإسلامية في عصر العولمة.. وقضية المرأة بين التحديات والاستجابات

في مارس 2000م، وفي ندوة احتفالية بذكرى المرحومة العالمة أ. د. عائشة عبد الرحمن[1]، وعقب عرض مضمون دراستي عن شهادة تلك العالمة على عصرها، متفاعلة مع قضايا أمتها الإسلامية، وخلال تعقيب المستشار طارق البشري على هذه الدراسة، انجذبت بقوة إلى كلمات معدودات قالها بهدوء في نهاية تعقيبه.
فلقد وجه إلي سؤالاً فحواه عما إذا كنت خلال كتابتي عن تفاعل عائشة عبد الرحمن مع قضايا أمتها في عصرها الراهن قد شعرت أنها امرأة؟
انجذبت بقوة إلى هذه الكلمات الاستفسارية في شكلها، التقريرية في جوهرها؛ فكأنه أراد بها أن يقرر ببساطة ووضوح شديدين –غابا عن الكثير من المتجادلين في الندوة حول حقوق المرأة وخصوصية وضعها- أن الانفعال بقضايا الأمة وتحدياتها لا يفرق بين امرأة ورجل.
استشعرت بقوة هذا المعنى التقريري في كلمات البشري، لأنه عبر عن طبيعة اقترابي من الدراسة عن بنت الشاطئ؛ فلقد تناولتُ عائشة عبد الرحمن بصفتي أستاذًا للعلاقات الدولية، أبحث في رؤية تلك العالمة عن قضايا أمتها في عالم شديد التعقيد والتحدي، وهو عالم العولمة.
ولا أعتقد جوهر التناول كان سيختلف لو قام به زميل رجل، أو لو كنت أعرض لأفكار عالم مسلم حول الموضوع نفسه.
ولقد كانت الندوة الاحتفالية لعائشة عبد الرحمن واحدة من ملتقيات متنوعة –علمية، فكرية، إعلامية، أهلية- شاركتُ فيها بصفتي أستاذًا للعلاقات الدولية، ومن منظور حضاري إسلامي، ولم تكن هذه المشاركة تجاوزًا لتخصصي، بل كانت في صميمه، بعد أن أضحت قضية المرأة في عصر العولمة تقع في صميم التفاعلات الدولية المعاصرة.
ولم تكن هذه المشاركة –بهذه الصفة وهذا التوجه- تعديًا على مجال متخصصات الدراسات النسوية، وهن اللاتي ينشغلن بالاقتراب النسوي، كأحد الاقترابات النظرية التي شاهدتها العلوم الاجتماعية في مرحلة ما بعد الحداثة[2]، أو تعديًا على مجال ناشطات الحركة النسائية اللاتي يخدمن قضية المرأة على الصعيد المجتمعي والمدني والسياسي؛ حيث إن طبيعة مشاركتي –وخاصة في هذه الورقة- إنما تنطلق من الإطار الذي يمليه علي تخصصي من ناحية، وتوجهي العام من ناحية أخرى.
فمن ناحية: نلمس جميعًا كيف أن المرحلة الراهنة من تطور النظام الدولي تشهد كيف قفزت دراسات المرأة وقضيتها إلى دائرة الضوء الأكاديمي والعملي على حد سواء، ويتم ذلك على نحو غير مسبوق وطنيًا أو إقليميًا أو عالميًا. فلقد أضحت قضية المرأة قضية عالمية ولدت من رحم قضية حقوق الإنسان التي اكتسبت بدورها زخمًا عالميًا متناميًا في عصر العولمة، وذلك بعد اهتمام متراكم بصورة تدريجية ومتصاعدة خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
ولكن من ناحية أخرى؛ فإن اهتمامي بالعولمة، عملية أو قضايا أو سياسات أو إيديولوجية، إنما يتركز أساسًا على وضع ومستقبل الأمة الإسلامية في ظل هذا النظام العولمي الراهن. ولعل عنوان الدراسة يحدد هذه الزاوية كما يوضح منطلقها. وهو أن وضع المرأة وقضاياها يمثل –بالنسبة إلي- ساحة هامة وأساسية من ساحات اختبار ما تفرضه العولمة من تحديات على مجتمعات الأمة الإسلامية ونظمها.
بعبارة أخرى، لا أقترب من قضايا المرأة مجردة ومقتطعة من سياقها العام، ولكني أعتبر أن مجال المرأة يمثل بؤرة مجمعة ومركزة لمشاكل الأمة الإسلامية وما يواجهها من تحديات داخلية وخارجية. ومن ثم فإن ما يتجاذب هذه القضية من اتجاهات ومنظورات على ساحة الفكر، وما يتصارع حولها من الإرادات والسياسات على ساحة المجتمعات والنظم الوطنية والمنظمات العالمية والإقليمية والتنظيمات غير القومية، كل هذا يعكس من وجهة نظري قدر التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية، والطبيعة المتحولة لهذه التحديات في عصر العولمة، وفي قلبها وصميمها قضية المرأة مرآة عاكسة كاشفة.
ويعد هذا المنطلق للدراسة وتوجهاتها تعبيرًا جليًا عن الموقف الفكري لجمعية رائدة، أشرف بالانتماء إليها، وهي جمعية دراسات المرأة والحضارة، ويعبر عن هذا الموقف مقولتان، الأولى للأستاذة د. منى أبو الفضل، رئيس الجمعية، وأستاذ النظرية السياسية، وأستاذ كرسي زهيرة عابدين لدراسات المرأة في جامعة العلوم الإسلامية الاجتماعية بفرجينيا، وهي المقولة التي تتصدر مقالتها في أول عدد من النشرة التي تصدرها الجمعية: “الأم والأمة صنوان، وما بينهما وثاق يشد الأصل إلى الفرع، وعلى منواله تنسج العمارة، التي هي روح الحضارة”.
والمقولة الثانية تتكرر في دراسات للأخت د. أماني صالح نائب رئيس الجمعية، إذ تقول في مقدمة دراسة متميزة لها: إن أزمة المرأة المسلمة هي المعادل (النوعي) لأزمة الأمة الإسلامية، وتواجه نساء العالم الإسلامي تعقيدات أكثر حدة وعنفًا مما واجهته نساء العالم، ونظرًا للظرف التاريخي الخاص الذي تمر به أمتهن؛ حيث تعاني الأمة ذاتها أزمة حضارية كبرى.
وبناء عليه، فإن الأسئلة الأساسية التي تبنى عليها الدراسة، تتأثر بحقيقة هذا المنطلق المتعدد الأبعاد والمستويات، وتتلخص هذه الأسئلة كالآتي:
1- ما طبيعة وضع الأمة الإسلامية في ظل المرحلة الراهنة من تطور النظام العالمي الموصوف بالنظام العالمي الجديد أو نظام العولمة؟
– وما هي طبيعة التحديات التي يفرزها هذا النظام في مواجهة الأمة الإسلامية؟
– وما الجديد في هذه التحديات بالمقارنة بنظائرها في المراحل السابقة من تطورات النظام الدولي وانعكاساتها على الأمة؟
2- هل استحضار قضية حقوق المرأة على هذا النحو الذي شهدته الساحات الفكرية والمجتمعية والسياسية طوال التسعينيات يعد استحضارًا جديدًا غير مسبوق على الدائرة العربية الإسلامية، أم يمثل نقله نوعية في هذا الاستحضار الذي ظهر في مراحل هامة أخرى ترجع جذورها الحديثة إلى بداية القرن العشرين؟ وهل يعكس هذا التغير في وضع قضية المرأة التغيرات الداخلية التي شهدتها الدول والمجتمعات الإسلامية طوال القرن العشرين من ناحية، والتغيرات الخارجية المؤثرة عليها من ناحية أخرى؟ وكيف تعكس التغيرات الخارجية في تفاعلها مع الداخلية، حقيقة ما آلت إليه التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية من جراء تدهور وضعها في النظام الدولي؟

أولاً- قضية المرأة العربية والمسلمة دائمًا في قلب التغير المجتمعي والسياسي: اتجاهات التطور وخلال القرن العشرين وملامحه وأسبابه

وتُبنى الدراسة –التي تحاول الإجابة عن الأسئلة السابقة- على مقولة أساسية مركبة: وهي أن التغيرات المجتمعية والسياسية التي شهدتها الدول الإسلامية طوال القرن العشرين، في ظل ما يسمى حركة النهضة الوطنية، أو التحديث، قد اقترن بها دائمًا رافد يصب في مجال قضية المرأة.
ونظرًا لأن التأثير الخارجي كان عملية مستمرة، وإن اختلفت درجته وطبيعته من مرحلة إلى أخرى خلال القرن العشرين، فلقد انتقل إلى المجتمعات العربية والإسلامية إرهاصاتٍ ثم أفكارًا ثم سياسات الحركة النسائية في العالم، والتي تطورت بدورها عبر هذا القرن. وحيث لم تتمكن حركات الإصلاح أو التجديد أو النهضة المتعاقبة خلال القرن العشرين على الأمة الإسلامية، في إحداث نتائجها المرجوة، ومن ثم تضخمت وتجذرت المعركة بين الوفد وبين التراث، بين الأصالة والمعاصرة، بين الخاص والعالمي، فإن قضية المرأة العربية والمسلمة كانت من أبرز المجالات التي جسدت هذه المعركة، كما جسدت حقيقة التفاعل –صراعًا أم انسجامًا- بين المتغيرات الوطنية والمتغيرات الخارجية، وقدر التحديات التي يفرزها هذا التفاعل على الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
إن الغرض من الإشارة إلى هذا التطور هو تأكيد أهمية دراسته. وذلك لبيان أن قضية المرأة، وإن كانت غير جديدة إلا أنها في ظل التغير في معطيات البيئة الداخلية والخارجية المحيطة بها عبر القرن، قد اكتسبت أبعادًا متغيرة، سواء فما يتصل بخطابها أو مجالات حركتها أو منجزاتها.
ومن ثم فإن مرحلة العولمة، لا تقدم تغيرًا فجائيًا بلا جذور، ولكن تمثل مرحلة أخرى من التأثير التراكمي، تحمل معها مجموعة جديدة من التحديات التي تصل بالأمة الإسلامية إلى منحى خطير، نظرًا لصعود التحديات الثقافية الحضارية إلى الصدارة في عملية الاختراق والاكتساح الخارجي للحدود الوطنية، وعلى نحو يتداخل بعمق –كما سنرى مع التحديات الاقتصادية والسياسية.
وبدون إمكانية الدخول في تفاصيل ومراحل هذا التطور في قضية المرأة العربية والمسلمة فكرًا وحركة خلال القرن العشرين[3]، يكفي أن نتوقف عند بعض المحطات في محاولة لرسم خريطة مبسطة تحدد مراحل تطور وضع الأمة الإسلامية في النظام الدولي في ظل تطورات هذا الأخير، مع تسجيل موجز لخصائص الحركة النسائية في العالم، وموضع قضية المرأة العربية والمسلمة منها، في كل مرحلة من مراحل هذا التطور العالمي من ناحية، والداخلي من ناحية أخرى، وخاصة من حيث موضع لحركة الإسلامية من هذا التطور الداخلي، وأثرها في عملية التفاعل بين الأطر المرحعية التي تنبني عليها جهود إصلاح وضع المرأة.
وتتلخص هذه المحطات الكبرى المركبة على النحو التالي:
المرحلة الأولى: نهاية القرن التاسع عشر الربع الأول من القرن العشرين: ماذا نسجل؟ تأسيس تيار العلمنة ظوبرامج التغريب، وخاصة في أركان الأمة الإسلامية (مصر، إيران، تركيا)، وذلك في ظل الاستعمار وعمليات المقاومة ضده، وعمليات مقاومة القابلية للاستعمار. في بداية هذه المرحلة التاريخية (ومع فكر قاسم أمين ومدرسته)، تم تدشين قضية تحرير المرأة العربية، وكان هذا التدشين وما اقترن به من جدالات في هذا الوقت[4] جزءًا من الجدالات التي تأسست، ونمت بين الاتجاهات الفكرية والسياسية التي انقسمت حولها –منذ ذلك الحين حتى الآن- الأمة الإسلامية، وذلك تحت وطأة الاستعمار والاحتكار المباشر مع الغرب، وتأثيرهما على مدى قدرة النخب على اختيار ما يأخذون من الغرب وما يدعون[5].
وهذه الجدالات تناولت بقوة كل أبعاد إشكالية العلاقة بين الإسلام والغرب. وهي الإشكالية التي أفرزت مجموعة من الثنائيات من أمثال الثقافة العربية الإسلامية/ الثقافة الغربية، النموذج الحضاري الإسلامي/ النموذج الحضاري الغربي، الإحياء والتجديد والإصلاح/ التحديث والتغريب، التراث/ الوفد، الأصالة/ المعاصرة. ولقد وقعت قضية تحرير المرأة في ثنايا هذه الجدالات والثنائيات، وظلت بالأساس قضية النخبة وتركزت بالدرجة الأولى على قضية السفور والتعليم. وكان من أهم رموزها في بداية هذه المرحلة: هدى شعراوي وزينب الغزالي اللتان تمثلان على التوالي نموذج التحرير (الاتحاد النسائي المصري)، ونموذج التجديد الإسلامي (السيدات المسلمات)[6]، وإن اعترف النموذجان بأن للمرأة العربية والمسلمة قضية، وأنها تعاني مشاكل عديدة وتحتاج لتغيير وعلاج، إلا أنهما اختلفا في تحديد أساليب العلاج ومصادر الداء، نظرًا للاختلاف حول الإطار المرجعي للتقويم وللتغيير. ولم يكن الاختلاف في هذه المرحلة قد استحكم بعد لدرجة المواجهة بين الديني/ العلماني. فلم يصل أي من قاسم أمين أو هدى شعراوي إلى أتهام الإسلام بأنه سبب تخلف المرأة المسلمة، أو إلى الدعوة لمراجعة ثوابته، كما سيحدث بعد ذلك. ولكن ظهرت في مواجهة دعواهما التحررية حالة من الدفاع الذاتي نابعة من قوة الدين.
استمرت بعد ذلك في التغير بين التراجع والنمو عبر المراحل التالية (كما سنرى).
وظلت قضية المرأة في هذه المرحلة التاريخية قضية وطنية محلية –سواء في الدول العربية الإسلامية أو الدول الغربية، فبالرغم من أن الحركة النسائية الدولية قد تأسست منذ بداية القرن، حيث وجدت حينئذ روابط بين الحركات النسائية في العديد من الدول، إلا أن ذلك الطابع الدولي لم يكن يعني أنه قد ولد بعد وعي حقيقي يتخطي الحدود القومية ويتجاوز التوجهات الوطنية[7].
المرحلة الثانية: مرحلة استقلال دول العالم الإسلامي في ظل نظام الثنائية القطبية الجامدة، واستحكام الحرب الباردة، والصراع بين النموذجين الغربيين: الرأسمالي والشيوعي، وهي المرحلة التي شهدت تراجع تيار الحركة الإسلامية وتقييدها واضطهادها في معظم أرجاء العالم الإسلامي، وهو الأمر الذي أفسح الطريق أمام غلبة خطاب وتوجه العلمانية تجاه قضايا التغيير المجتمعي والسياسي. وفي هذه المرحلة، واستمرارًا لما بدأ إرساؤه في نهايات المرحلة السابقة، تأكدت خصائص ما يسمى بقضية المرأة في نظر حكومات الدول العربية والإسلامية (التقدمية)، أو في المنظور (العلماني أو التغريبي)، وتتلخص هذه الخصائص لدى بعضهم[8] فيما يلي:
1- اقتطاع مطلب تحرير المرأة من واقعه ومن مصادره الأصلية التي يمكن أن تقدم أساليب التحرير ليتم زرعة غربية، وذلك في وقت خطير من تطور الأمة الإسلامية، وهو الوقت الذي شحذت فيه الهمم لإرساء بدايات نهضة جديدة تتغذى من مصادر الإسلام –ولذا لا عجب أن تطابقت زمنيًا حركة السفور في الدول القوية الثلاث: مصر، تركيا، إيران- وفي وقت نشطت فيه هجمات الصهيونية من ناحية، والماسونية من ناحية أخرى على الأمة بعد استقلال دولها.
2- فصل قضية تحرير المرأة عن قضية تحرير الوطن، وفصل قضية الظلم الواقع عليها عن قضية الظلم الواقع على المجتمع كله، سواء من جانب القوة الخارجية أو النظم المتحالفة معها. في حين أن القضية هي قضية الأمة الإسلامية كلها، بجميع رجالها ونسائها، وما تواجهه من تحديات خطيرة من جانب إسرائيل، ومن جانب التخلف والتجزئة والتبعية. لأن معاناة المرأة ومشاكلها إنما تنبع من معاناة المجتمع بأكمله، ومن ثم، فإن الحل لمشاكل المرأة لا ينفصل عن الحلول للمشكلات الاجتماعية الأخرى، وفي إطار برنامج حضاري شامل.
3- اختراع القضية وإعادة إنتاجها في صورتها الغربية بعد إسقاطها الواقع الغربي (المتقدم) على الواقع الشرقي (المتخلف)، ومن ثم إعادة إنتاج لكل ما هو غربي في الواقع الشرقي، ذلك في ظل تقاعس علماء الأمة عن قيادة حملة تحرير المرأة والدفاع عن حقوقها الشرعية، ومن ثم وفي غياب المبادرة الإسلامية وقعت قضية تحرير المرأة المسلمة في يد من لا ينطلقون من أرضية أو تصور إسلامي.
4- تصوير وضع المرأة ليس خصمًا للرجل فقط، ولكن خصمًا للإسلام، وحليفًا مع الحكومات (التقدمية) التي تدعم تحريرها من القيود.
ولقد تكرست هذه الخصائص في عقدي الخمسينيات والستينيات، وذلك في الوقت الذي دخلت فيه قضية حقوق الإنسان –قضية دولية- مرحلتها الأولى بعد إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م، والعقدين الاجتماعي والسياسي في الستينيات، ولقد انعكس مناخ الحرب الباردة على درجة التقدم في تقنين حقوق الإنسان من حيث المضمون، ومن حيث آليات الحماية، وهو الأمر الذي تغير بعد ذلك كما سنرى[9].
وفي هذه المرحلة كانت الحركة النسائية الدولية تكتمل موجتها الأولى، ذات التوجهات الوطنية. ولقد شهدت التنازع بين الخطابين الاشتراكي والرأسمالي اللذين اختلفا حول أولوية كل من الحقوق السياسية أو الاجتماعية الاقتصادية في منظومة حقوق الإنسان الدولية والوطنية، هذا ولقد شقت قضية المرأة طريقها نحو (العالمية) مع خطواتها الأولى للظهور في وثائق الأمم المتحدة، وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ويوضح البعض[10] كيف أن اللجنة الفرعية لمكانة المرأة –وكانت هيئة تابعة للجنة هيئة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان- قد اصطدمتا مرات عديدة، وهما تضعان مسودة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هذا فضلاً عن أثر معارك الحرب الباردة الأيديولوجية والسياسية على أعمالهما. ولقد نجحت لجنة المرأة في أن تغير المسودة الأصلية للإعلان العالمي من (كل الرجال أخوة) إلى (كل البشر مولودون أحرارًا ومتساوون في الكرامة والحقوق). ولم تنجح لجنة المرأة في التوصل لاتفاقية لمنع التحيز ضد المرأة إلا في عام 1979م، أي بعد أكثر من عشرين عامًا من إقرار الاقتراح لإصدار إعلان عن إزالة التحيز ضد المرأة 1967م.
بعبارة موجزة: اقترنت أولى خطوات قضية المرأة نحو العالمية بالصراع الإيديولوجي، في حين ستقترن مرحلة العالمية من تطورها بصراع من نوع آخر، هو صراع بين الثقافات، وبين أطر المرجعية الدينية والعلمانية كما سنرى.
ولذا وفي حين اقترن الخطاب العربي حول قضية المرأة في هذه المرحلة بالثنائية بين الحقوق السياسية أو الحقوق الاجتماعية والاقتصادية انطلاقًا من توجه تغريـبي ومرجعية علمانية أساسًا، فإن هذا الخطاب سيشهد بدوره اختلافًا في المرحلة التالية من تطور القضية، حيث سيبرز خطاب التجديد الإسلامي أيضًا، وهو الخطاب الذي خبا في هذه المرحلة، بعد أن كان ظهوره في بداية القرن باعثًا لآمال عديدة لتحرير المرأة وفق تصور إسلامي.
المرحلة الثالثة: في الربع الأخير من القرن العشرين، ووصولاً إلى مرحلة العولمة، شهد النظام العالمي والأمة الإسلامية تغيرات هامة وجذرية، انعكست بقوة على قضية المرأة العربية والإسلامية، وعلى الحركة النسائية (العالمية).
فلقد بدأ الصراع الإيديولوجي في الانحسار تدريجيًا أمام متطلبات ودوافع الانفراج الدولي، ثم تصفية القطبية الثنائية، وفي الوقت نفسه، تصدرت الاهتمامات الدولية قضايا الاعتماد الاقتصادي المتبادل والتبعية والحوار بين الشمال والجنوب، والدعوة إلى نظام اقتصادي عالمي جديد، كانت فئة جديدة من القضايا الدولية تشق طريقها نحو (العالمية). وعلى رأس هذه القضايا –ذات الأبعاد الثقافية والحضارية- قضية حقوق الإنسان. فمن ناحية أخذ نظام الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في النمو والاتساع لينتقل إلى مرحلة حقوق الإنسان النوعية (المرأة، الطفل، السكان الأصليون، اللاجئون…)، كما تدعم التفكير في الانتقال إلى تقنين آليات حماية حقوق الإنسان[11]. ومن ناحية أخرى تطور وضع حقوق الإنسان، أداة من أدوات السياسة الخارجية للدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة، التي مثلت إدارة كارتر نموذجًا واضحًا على توظيفها[12].
ومن ناحية ثالثة: بدأت تنمو إرهاصات فكرة (المرجعية العالمية) لحقوق الإنسان (وحقوق المرأة)، وهو الأمر الذي دشن الحوار أو الجدال حول إشكالية خصوصية أو عالمية حقوق الإنسان في أبعادها الثقافية-الحضارية، وليس الاقتصادية-السياسية (كما كان في ظل الصراع الإيديولوجي بين الشرق والغرب).
ومن ناحية رابعة: دخلت الحركة النسائية الدولية موجتها الثانية الكبرى خلال السبعينيات والثمانينيات، ولقد اتسمت بأمرين أساسيين في السبعينيات، من ناحية: الصدامات بين الأطر الوطنية والإقليمية النسوية نتيجة عدم الاتفاق بين الرؤية النسوية الغربية وبين الرؤية النسوية في العالم الثالث. ففي حين اتجهت الأولى إلى الإلحاح على احتياجات المرأة من المساواة القانونية والاستقلالية الجنسية (Sexual Autonomy)، فإن الثانية اتجهت لتأكيد عواقب الإمبريالية والتخلف بالنسبة إلى فرض تقديم المرأة. ولقد ظهرت حجج كل من الرؤيتين خلال المؤتمرين الأول والثاني اللذين عقدتهما الأمم المتحدة حول المرأة في المكسيك 1975م، وفي كوبنهاجن 1980م[13]. ولقد مهد المؤتمر الدولي الأول –وهو أول مؤتمر عالمي عن المرأة- الطريق أمام اتفاقية عدم التمييز ضد المرأة. وهي الاتفاقية التي شهد إعدادها الكثير من الخلاف حتى تم إقرار صيغتها النهائية 1979م، ومن هنا تدعم وضع قضية المرأة في جدول الأعمال الدولي، وتوالت المؤتمرات الدولية –العالمية- التي تشخص المشكلات، وتخطط للحلول، وهي التي تضمنت في أجزاء كثيرة منها التزامات حكومية محددة[14].
ولذا فلقد شهد عقد الثمانينيات نقلة نوعية في درجة وطبيعة (عالمية) قضية المرأة.
فلقد نمت أعداد النساء المتعلمات العاملات الناشطات سياسيًا واجتماعيًا، كما بدأت الشبكات الإقليمية وعبر الإقليمية في الانتشار، متخذة شكلاً عبر قومي، وليس دوليًا رسميًا فقط، وساعدت تكنولوجيا المعلومات الحديثة، وضغوط البيئة الاقتصادية، على توسع نطاق حركة ومطالب التنظيمات النسائية.
وفي حين اتجه خطاب الحركة النسائية في الغرب للاعتراف بأهمية تأثير الأوضاع الاقتصادية والسياسات الخارجية على مشاكل المرأة، اتجه الخطاب النسوي في الجنوب إلى مجال آخر من الحقوق المطلوبة، أي حقوق (الحرية). ولقد مثل مؤتمر نيروبي، أي المؤتمر الدولي الثالث للمرأة 1985م، نقطة تحول.
ولقد لعبت الأمم المتحدة دورًا أساسيًا لتسهيل التفاعل والتعاون بين التنظيمات النسائية، من خلال المؤتمرات، ومن خلال تشجيع تكوين الشبكات عبر القومية[15].
ومع بداية التسعينيات وصلت التطورات إلى أقصى درجاتها على النحو الذي دشن –كما سنرى- عولمة قضية المرأة.
وفي المقابل، وفي وقت هذا الازدهار نفسه لنظام الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والحقوق المرأة بصفة خاصة، انطلاقًا من (مرجعية علمانية)، كانت دول العالم الإسلامي تشهد منذ السبعينيات تغيرات هامة فكرية ومجتمعية، تجسدت في (الصحوة الإسلامية) من ناحية[16]، وفي تراجع الرافد اليساري من الفكر العلماني في مقابل اندفاع الرافد الليبرالي منه، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو المجتمعي. وذلك مع بداية موجات الانفتاح في دول العالم الثالث، والتغير التدريجي في توجهات الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية نحو إرهاصات النمط الرأسمالي للتنمية والتحول الديموقراطي، والمجتمع المدني، ولقد تزامنت موجات هذا الانفتاح مع اتجاه النموذج الغربي للانتصار أولاً ثم فرضه –بعد ذلك- كما سنرى لاحقًا في ظل العولمة.
وكان لابدّ لهذه البيئة الوطنية والإقليمية أن تنعكس على مسار قضية حقوق الإنسان في مجملها، وعلى خطابها والجدالات حولها من ناحية، وعلى نظائرها بالطبع بالنسبة إلى قضية المرأة من ناحية أخرى، فإذا كانت قد نشطت الاهتمامات، في مجالات العمل الإسلامي المختلفة المستويات الوطنية والجماعية، بصياغة إعلانات حول حقوق الإنسان في الإسلام، وبتقديم المقارنة بين الرؤية الإسلامية والعالمية[17]، فلقد أضحت المجتمعات الإسلامية ساحة للمواجهة بين مواقف الاتجاهات الإسلامية، وبين مواقف الاتجاهات التحديثية بشأن أوضاع المرأة، وسنرجئ تناول هذه المواجهة إلى الجزئية التالية التي تمثل امتدادًا وتعميقًا لها.
خلاصة القول بالنسبة إلى تأثير التغير الدولي والتغيرات الوطنية والإقليمية في العالم الإسلامي –يمكن القول: إن اللحظة التاريخية التي تم بها تدشين قضية تحرير المرأة العربية والإسلامية –عند بداية القرن العشرين- كانت تحمل تحديات هامة لنموذج التجديد الإسلامي لوضع المرأة. وتنبع هذه التحديات من واقع الاستعمار أولاً، ثم من واقع تجارب الاستقلال الوطنية العلمانية في صورتها الليبرالية الإصلاحية، أو في صورتها الاشتراكية الثورية. وبالمثل فإن اللحظة التاريخية التي تم فيها تحويل قضايا المرأة من الإطار الوطني أو الدولي إلى الإطار (العالمي)، قد حملت بدورها تحديات هامة أخرى لنموذج إسلامي للتجديد، وهو الأمر الذي سيزداد وضوحًا على ضوء التحديات التي فرضتها العولمة، وفي ضوء مؤشرات وخصائص وضع المرأة في ظل عمليات العولمة وسياساتها، ومن ناحية أخرى، إذا كان التحليل السابق قد أكد تأثير البعد الخارجي، الدولي على خصائص قضية المرأة، فلا بدّ أن نلحظ من واقع مسار هذا التحليل المتصاعد في اتجاه تأثير الخارجي على الداخلي من ناحية، واتساع نطاقه وتشابكه وتعقده، وهو الوضع الذي وصل إلى قمته في ظل العولمة.

ثانيًا- خصائص قوى وعمليات العولمة: صعود التحديات الثقافية الحضارية للأمة الإسلامية

يتضح لنا من العرض السابق، كيف أن التحديات الخارجية النابعة من النظام الدولي، التي انعكست على نطاق قضية المرأة وعلى مسارها وعلى خطابها ومسائلها، هي ترجمة للتحديات الخارجية التي واجهتها الأمة في مجموعها.
ومع تبلور قوى العولمة وعملياتها وتفاعلاتها، واجهت قضية المرأة العربية المسلمة موجة جديدة من التحديات، تعكس قدر ما أضحت عليه خطورة التحديات الخارجية التي تواجه الأمة الإسلامية في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الجديد.
ومن هنا أهمية أن نتوقف بقدر من التفصيل في هذه الجزئية من الدراسة عند قوى العولمة وعمليات وتفاعلات النظام الدولي في ظلها، وآثارها على الأمة الإسلامية[18].

خصائص العلاقات الدولية وأطروحات العولمة[19]

1- برز مصطلح العولمة بصورة متكررة وكثيفة على ساحة العلاقات الدولية، مع بداية التسعينيات، أي تزامنًا مع أهم حدثين في نهاية القرن العشرين وهما نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي. ويعكس بروز هذا المصطلح الاهتمام بمجموعة التغيرات العالمية –التي تراكمت خلال الربع الأخير من القرن العشرين في مجالات ونطاقات متعددة- والتي بينت أمرين هامين: من ناحية التزايد المطرد في درجة تأثير الخارجي على الداخلي، ومن ناحية أخرى: تجدد الاهتمام بالبعد الثقافي الحضاري باعتباره مجالاً تتجسد على صعيده اختبار توازنات قوى جديدة.
ومن ثم يمكن القول: إن (عصر العولمة) هو عصر الاختراق الكثيف من جانب الخارجي بحيث تآكلت وتهاوت الحدود بينه وبين الداخلي، كما لم يعد هذا الاختراق قاصرًا على النطاقات السياسية التقليدية، أو الاقتصاد السياسي، ولكن امتدت هذه النطاقات لتشمل الاجتماعي والثقافي أيضًا، وبدرجة كثيفة وغير مسبوقة. ولهذا ونظرًا لدرجة عمق الاختراق، ونظرًا لاتساع نطاقاته –برزت خطورة التحديات الخارجية التي تواجهها كل مجتمعات ودول العالم، كبيرها أو صغيرها، المتقدم منها والمتخلف، ولو بدرجات مختلفة بالطبع.
2- ويرجع هذا الوضع –المزدوج الأبعاد- إلى مجموعة من القوى والعوامل، كما تتعدد التعبيرات عنه ومؤشراته:
أ‌- وتتلخص أهم العوامل التي أفرزت (حالة العولمة) في عاملين أساسيين:
الثورة الهائلة في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات (التي يحتكرها الغرب بقيادة أمريكية) على نحو أفرز تغيرًا كبيرًا في طبيعة القوة والسلطة ومكوناتها وممارساتها، ومن ناحية ثانية: نهاية الحرب الباردة والصراع الإيديولوجي والقطبية الثنائية، ومن ثم ظهور النموذج الحضاري الرأسمالي الغربي، وكأنه بلا منافس في الوقت الراهن. ولهذا وعلى ضوء هذين العاملين يمكن القول: إن هناك إرادة واعية وراء تحويل عملية العولمة إلى منظومة مقننة ومؤسسة، وذلك من جانب الغرب- بقيادة أمريكية. الغرب الذي يقود عملية العولمة، والذي انتصر في الحرب الباردة بلا حرب عسكرية كبرى، واحتكر عناصر القوة الجديدة العالمية. بعبارة أخرى؛ فإن الحديث عن تجليات العولمة، وعن آثارها، لا يمكن أن ينفصل عن التساؤل حول: ما الذي يجري عولمته؟ وبواسطة من؟ وصالح من؟ فبعد سؤال: لماذا العولمة؟ لا بدّ أن يأتي سؤالان آخران: ماذا أو كيف؟ بعبارة موجزة فإن العلاقات الدولية في إطار العولمة لا تتم نتيجة التطور التراكمي في عوامل هيكلية فقط، ولكن تتم تحت قيادة وإدارة نموذج حضاري سائد يسعى لتأكيد الهيمنة.
ب‌-وحول أبعاد العولمة وتجلياتها يمكن القول: إنه إذا كان الاقتصاد محركًا أساسيًا في العولمة، إلا أن الاقتصار على الاهتمام به بمفرده لا يحقق الفهم الشامل. ولذا فإن اقتراب العلاقات الدولية –يجدر أن يكون اقترابًا شاملاً- على اعتبار أن العولمة متعددة الأبعاد (الاقتصادية- الرأسمالية)، (السياسية- الديمقراطية)، (الثقافية- القيمية). ولذا فإن القضايا الأساسية موضع عمليات العولمة هي: التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان (منظومة القيم السياسية)، تحرير التجارة العالمية وحركة رؤوس الأموال (منظومة القيم الاقتصادية)، منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الإرهاب (منظومة القيم الأمنية)، اتجاه الثقافة الغربية لتصبح ثقافة عالمية (منظومة القيم الثقافية)، واتجاهات التفاعلات وأنماطها (نحو مزيد من التجانس العالمي والاندماج، أو نحو مزيد من التفكك والتجزئة بين مناطق العالم).
ولقد أضحت الأبعاد الثقافية للعولمة –بمعناها الواسع- من أهم المستجدات الصاعدة في الأهمية، ويميز صعودها بدون انفصال عن السياسي الاقتصادي، المرحلة الراهنة من النظام الدولي –بالمقارنة بمراحل سابقة صعدت فيها الأبعاد العسكرية الأمنية أو الاقتصادية السياسية. فلقد أضحى الاهتمام بالأبعاد الثقافية الحضارية في الدراسات الدولية يمثل إضافة واضحة في دراسة التغيرات العالمية الراهنة. وتتعدد المؤشرات –من واقع الدوائر الأكاديمية أو من واقع ساحة العلاقات الدولية- إلى صعود تأثير هذه الأبعاد والاهتمام بها. ولقد كان لهذا الصعود عدة مدلولات من ناحية أخرى، كما أنه لا ينفصل عن الأبعاد السياسية والاقتصادية. بل إن هذا الصعود ليس إلا تعبيرًا عن التفاعل مع السياسي والاقتصادي، بل اتجاه السياسي والاقتصادي إلى توظيفه. فعلى سبيل المثال: قضية حقوق الإنسان وقضية المرأة، تنضح بالأبعاد الثقافية الحضارية، وما تحمله من تحديات.
جـ- وفي ضوء العوامل المؤثرة على العولمة، وعلى صعيد الأبعاد المتعددة لها، يتضح كيف أن الفواعل الأساسية على ساحة العلاقات الدولية، لم تعد الدول أو المنظمات الدولية أو العالمية فقط، ولكن تصاعدت أزمة الدول في ظل تنامي المجتمعات المدنية الوطنية، والتفاعلات عبر القومية بين التنظيمات الأهلية والمدنية. فلقد صعد المجتمع المدني الدولي بفواعله المتعددة من التنظيمات والشبكات عبر القومية والعالمية. وهي تنشيط في مجالات عديدة على رأسها حقوق الإنسان والمرأة والطفل والبيئة. ومن ناحية أخرى ارتفع وزن تأثير هذه القنوات والفواعل الجديدة على السياسات الوطنية، بل والمقررات الدولية التي يتم تناولها في المؤتمرات الدولية النوعية. أي المؤتمرات التي تنظمها الأمم المتحدة في مجالات ذات أبعاد ثقافية وحضارية واضحة مثل المرأة والسكان وحقوق الإنسان والفقر والتخلف.

صعود التحديات الثقافية الحضارية للأمة الإسلامية: الماهية والتفاعل مع التحديات السياسية والاقتصادية
يلقي واقع العلاقات الدولية الراهنة المتشابك والمعقد والمتداخل تحديات هامة أمام دول العالم الإسلامي، ولا يقتصر التحدي على (الواقع) ولكن يمتد إلى الإطار القيمي الذي يغلفه ويؤطره، والذي ينبثق عن منظومة القيم والمصالح الغربية الرأسمالية الساعية للهيمنة في عصر العولمة. وذلك في الوقت نفسه الذي لم يعد اختراق الخارجي ينصب على السياسي والاقتصادي فقط، ولكن امتد –وكما سيق القول- وبصورة واضحة وعميقة تختلف في درجتها عن مراحل سابقة إلى البعد الثقافي والحضاري، وما يتصل به من تشكيل عمليات الإدراك، ليس لدى النخب فقط ولكن لدى القاعدة أيضًا. فينتج عن الطبيعة التدخلية المعقدة للعلاقات الدولية الراهنة في ظل قوى العولمة، قنوات وسبل عديدة لفرض النموذج الغربي من ناحية، ولدعم وتعميق القناعة (لدى غير الغربي) من ناحية أخرى، ليس بتفوق النموذج الغربي فقط، ولكن بحتمية هيمنته وعدم القدرة على منافسته أو مقاومته، ومن ثم ضرورة الاقتداء به والالتحاق به، لأنه (النموذج) العالمي الذي لا بديل له. بعبارة أخرى وبالرغم من الدرجة التي وصلت إليها خطورة التحديات الاقتصادية والعسكرية التي تجابه الأمة في عصر العولمة، فلقد اقترنت هذه التحديات بأخرى لا تقل خطورة، وهي ذات الأبعاد الثقافية الحضارية. فيظل لتلك الأخيرة خصوصيتها بالنسبة إلى دول العالم الإسلامي، ذلك أنه بعد أن تحققت الهيمنة الغربية السياسية والعسكرية ثم الاقتصادية على هذا العالم، فلم يتبق إلا اكتمال الهيمنة على الصعيد الثقافي الحضاري.
فإذا كانت أبنية هذه الدول ما زالت ممانعة للديمقراطية الغربية، على اعتبار أن هناك أشكالاً أخرى للديمقراطية، وغير ممانعة للتبعية الاقتصادية، فإن الجبهة الثقافية الحضارية ما زالت تشهد مقاومة، وتواجه هذه المقاومة صعوبات شديدة حتى لا يحدث الانسحاق الكامل، وحتى يحدث التجديد المطلوب.
وتنقسم المؤشرات إلى طبيعة التحديات التي تواجه العالم الإسلامي في عصر العولمة، من حيث بروز الأبعاد الثقافية –الحضارية على صعيدها، وعلى نحو غير مسبوق، من حيث الدرجة والكثافة والماهية، إلى مجموعتين من المؤشرات:
المجموعة الأولى من المؤشرات[20]: ترتبط بوضع الإسلام والمسلمين في الفكر الاستراتيجي الغربي. وهو الفكر الذي تجاذبته خلال العقد الأخير من القرن العشرين أطروحات صدام الحضارات من ناحية، وأطروحات التهديد الإسلامي من ناحية أخرى، وما بينهما من تقاطع. ولسنا هنا بالطبع في موضع يسمح بتحليلهما بالتفصيل، ولكن يكفي هنا التوقف عند أمر محدد ولغاية محددة فقد: كشفت أطروحات صدام الحضارات وأطروحات التهديد الإسلامي للغرب عن أهم التحديات الفكرية الراهنة التي تواجه العالم الإسلامي، والتي تنبني عليها التحديات الأخرى على مستوى السياسات. وإذا لم يكن هذا النمط من الفكر جديدًا على الدول الغربية تجاه عالم الإسلام والمسلمين، إلا أن نمط بروز وطبيعة مقولاته الراهنة لتعكس ما وصلت إليه الأبعاد الثقافية الحضارية من أهمية في تشكيل الرؤى وما ينبثق عنها من سياسات، وخاصة في المرحلة الراهنة من تطور الغرب، ومن تطور هجمته الحديثة على عالم الإسلام والمسلمين، والتي بدأت من قرون عديدة.
فبعد أن أكد الغرب هيمنته الاقتصادية والسياسية، فلقد بقي للعالم الإسلامي البعد العقيدي، البعد الثقافي-الحضاري، وهو خط الدفاع الأخير الذي لو تم دعمه وتجديده لاستطاع المسلمون علاج خلل القوى المادية. ولذا فإن المحك عن المستقبل العلاقة بين الغرب وبين العالم الإسلامي، إنما يكمن زفي فرض هيمنة البعد الثالث من أبعاد النموذج الغربي، ألا وهو بعده الثقافي الحضاري على المنتمين للنموذج الحضاري الإسلامي (بالرغم من كل ما يتسم به هؤلاء من ضعف مادي لا يقارن بقوة الغرب المادية). هذا ويقع في صميم أطروحات صدام الحضارات والتهديد الإسلامي الرؤى عن مواقف الإسلام من قضايا محورية كالديمقراطية وحقوق الإنسان والتسامح والعنف وغيرها (وفي قلبها المرأة أيضًا). وبقدر ما واجهت هذه الأطروحات انتقادات من داخل الغرب ومن خارجه، بقدر ما تعكس في جانبها النابع من الدائرة العربية الإسلامية ثنائية الخصوصية/العالمية وغيرها، وخاصة الإطار المرجعي للتغيير المنشود في وضع المرأة العربية والمسلمة (كما سنرى).
أما المجموعة الثانية من المؤشرات[21]: فهي تتصل بالسياسات الغربية ذاتها باعتبارها مصادر للتحديات الفعلية في مجالات متعددة، تشترك الدول الإسلامية في قواسم عديدة منها. ولقد لخصت مؤتمرات العولمة خلال التسيعينيات (ومنها مؤتمرات المرأة) مجالات هذه التحديات ومصادرها الأساسية، وهي ثلاثة كبرى: تحديات عولمة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتحديات عولمة الرأسمالية، تحديات الثورة المعلوماتية والاتصالية. كما يمكن أن نلاحظ أن هذه السياسات قد جرت في عدة دوائر أو مستويات وهي: السياسات في النطاق الحضاري الثقافي والمتصل بمنظومة القيم، السياسات في نطاق القوة العسكرية والأمن التقليدي، وفي نطاق القوة الاقتصادية، وفي نطاق سياسات التدخلات الخارجية، وفي نطاق الأقليات المسلمة. والبحث في تفاصيل هذه السياسات وما تمثله من تحديات للأمة، إنما يختبر مقولة أساسية ذات وجهين: ومفاد الوجه الأول أن التأثيرات الخارجية على مناطق العالم الإسلامي تتم بأدوات تدخلية متطورة الأشكال، وتهدف إلى إعادة تشكيل مجتمعات وسياسات وتفاعلات هذه المناطق. أما مفاد الوجه الثاني من المقولة فهو التصاعد في أهمية إشكاليات العلاقة السياسي-الاقتصادي-العسكري وبين الحضاري الثقافي العقدي؛ فكما سبق القول في موضع سابق، فلقد أضحت ساحة الثقافة-الحضارة آخر ساحات الهجوم (علينا)، وآخر خطوط دفاعنا، كما أضحت أدوات التدخل والاختراق الثقافية الحضارية في تناغم شديد، واندماج واضح مع الأدوات الاقتصادية والسياسية في ظل عمليات العولمة التي لا تعكس مجرد تدخلات خارجية، ولكن اختراق واجتياح الخارجي للداخلي.
ذلك لأن استكمال تنميط العالم لن يتحقق بدون الثقافي الحضاري. وفي المقابل فإن الفشل على هذا الصعيد، سيحمل كل إمكانات نمو مراكز قوة عالمية جديدة، قد تنعكس معها وبها مسار التفاعلات العالمية والتوازنات العالمية. ومن جملة المستويات الخمسة للسياسات الغربية تجاه العالم الإسلامي السابق ذكرها، يهمنا في هذا الموضع من الدراسة المستوى الأول والرابع، وهما على التوالي السياسات علىصعيد البعد الحضاري -الثقافي- العقدي وتحديات حماية منظومة القيم، سياسات التدخلات الخارجية وأدواتها في ظل الآثار السياسية للعولمة: تحديات إعادة بناء النموذج في ظل تنائية الخصوصية/العالمية، السيادة القومية/الشرعية الدولية.
وتقع قضية المرأة- في أبعاد الخارجية التي لم تعد تنفصل عن الوطنية، في قلب هاتين المجموعتين من السياسات الغربية، تلك السياسات التي تفرز أخطر التحديات أمام الشعوب والمجتمعات الإسلامية.

ثالثًا- تحديات نظام العولمة للمرأة العربية والمسلمة-المؤشرات والخصائص: إشكالية الإطار المرجعي للتغيير المنشود في وضع المرأة في ظل التقنين الدولي لسياسات الاختراق الخارجي للداخلي

إذن كيف نستطيع الانطلاق من التمهيد السابق عن قوى وعمليات العولمة من ناحية، وعن انعكاسها على التحديات التي تواجه عالم المسلمين من ناحية أخرى، إلى البحث في الانعكاسات على قضية المرأة العربية والمسلمة؟
إن –قضية المرأة- من أهم المجالات التي يظهر على صعيدها الاختراق الخارجي للداخلي، وعلى نحو محمل بقيم وثقافة النموذج الغربي، على اعتبار أن المرأة مجال ومدخل أساسي للتغيير المجتمعي والقيمي والثقافي والحضاري، الذي يهرع الغرب لتحقيقه في مجتمعاتنا على نحو يحقق له الانتصار على صعيد آخر المعارك، وحول خط الدفاع الأخير لنا. ويسعى لتحقيق ذلك بوساطة أدوات من داخل مجتمعاتنا التي أضحت جزءًا من (النسوية العالمية).
والنسوية العالمية (Global Feminism) هي المرحلة الراهنة التي وصلت إليها الحركة النسائية الدولية في تطورها منذ بداية القرن العشرين (كما سبق ورأينا)، فهي نتاج للعولمة -بالمعنى السابق شرحه- وهي مؤشر إليها في الوقت نفسه؛ فإذا كانت قوى العولمة هي التي كرست عالمية قضية المرأة، ودعمت من الروابط بين الأبعاد الوطنية وعبر القومية والعالمية للقضية، فإن النسوية العالمية من أهم التعبيرات عن خصائص العولمة وآثارها على قضية هامة من قضايا التغيير في مجتمعاتنا الإسلامية-وهي المرأة والأسرة والسكان.
والنسوية العالمية[22] تعني أن خطاب واستراتيجيات وأهداف التنظيمات النسائية الوطنية قد أضحت تشترك في الكثير من خلال وسائل عبر قومية وعالمية تبحث في الحلول للمشاكل المشتركة، كما أن هذه التنظيمات قد اتخذت وبدرجة متزايدة أشكالاً عبر قومية وفوق قومية، فضلاً عن أنها مثلت تغييرًا كبيرًا في نمط تعامل السياسات الوطنية مع قضايا المرأة بالمقارنة بما أضحى عليه وزن التدخل الخارجي. إذن كيف تحقق هذا؟ وما هي المؤشرات على ما تفرضه هذه الحركة النسوية –أهدافًا ووسائل- من تحديات، وما هي خصائص هذه التحديات على الساحة الإسلامية؟
أ- التدخل الخارجي من خلال قضية المرأة: المؤشرات
يرتبط هذا التدخل الخارجي بالمرحلة التي وصل إليها نظام الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في ظل العولمة:
1- فبعد أن تطور الاهتمام بالمجالات النوعية لحقوق الإنسان، المرأة، الطفل، اللاجئين، السكان الأصليين.. تأكد الاهتمام بقضية آليات حماية حقوق الإنسان من خلال تدخل دولي. ولقد أثارت هذه القضية كل ما يتصل بثنائية سيادة الدولة في مقابل الشرعية الدولية[23].
بعبارة أخرى، فإن مجال حقوق الإنسان من أهم المجالات التي تبلورت على صعيدها آثار سياسية مباشرة للعولمة-أي آثار اكتساح الخارجي للداخلي، وذلك في ظل منظومة قيم زالطرف الذي يقود العولمة، وفي ظل مفهومه الجديد عن الأمن العالمي ومصادر تهديده، وعلى رأسها انتهاك حقوق الإنسان، ومن ثم ضرورة التدخل الدولي لحمايتها، لأن هذه الحماية تمثل حماية للأمن العالمي.
وبدون الدخول في تفاصيل الجدالات المتنوعة الأبعاد بين المنظورات المختلفة حول شرعية التدخلات الخارجية باسم حماية حقوق الإنسان[24]، وبدون التوقف عند الحالات التي فجرت هذه الجدالات وما زالت تفجرها، وهما نمطان أساسيان: نمط الصراعات المسلحة كما في البلقان، الشيشان، الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة في ظل الاجتياح الإسرائيلي الأخير واحتلال الضفة الغربية، ونمط انتهاك حقوق قوى المعارضة في الدول الإسلامية. ومعظم هذه الأنماط تقع في نطاق العالم الإسلامي (دولاً أو أقليات)، فيكفي القول: إن هذا المستوى من مستويات التدخل الخارجي يتصل بالأبعاد السياسية التقليدية لدور الأمم المتحدة، أو القوى الكبرى، أي التدخل بأدوات ضغط سياسية واقتصادية وعسكرية[25].
ولا يدخل هذا المستوى –أي التدخل الخارجي لحماية حقوق المرأة- في نطاق اهتمامنا إلا بقدر اعتبار أن المرأة إنسان، يتم انتهاك حقوقه في الحروب وغيرها، مثلها مثل الرجل، أو ربما بطريقة أكثر لا إنسانية، كما في حالات الاغتصاب المنظم، وغيرها مما يسمى حالات الاستضعاف[26].
ولكن نهتم مباشرة في هذا الموضع من الدراسة بمستوى آخر –وهو وإن كان ينبثق عن فلسفة المستوى نفسه المشار إليه عاليًا- إلا أنه يجري تنفيذه من خلال آليات وأدوات أخرى، على رأسها المؤتمرات والاتفاقيات الدولية التي تعقدها الأمم المتحدة، ومنظماتها التخصصية، ولقد وفرت أنشطة التنظيم العالمي البيئة اللازمة لتحول الحركة النسائية الدولية إلى حركة عالمية، وعلى النحو الذي أثر على الأبعاد الوطنية للقضية[27].
فلقد قدمت الأمم المتحدة لنساء العالم، المشروع العولمي عن قضية المرأة، ويهمنا التوقف هنا لتسجيل النقاط التالية عن المؤشرات حول عولمية هذا المشروع:
فمن ناحية: تنامي الدور الاجتماعي والثقافي لمنظمة الأمم المتحدة خاصة في بلدان العالم النامي –بعد انعكاس تجاربها في التنمية- فصارت آلية هامة من آليات العولمة التي تتفاعل أبعاد دورها الاجتماعي الثقافية مع أبعاده الاقتصادية.
ومن ناحية أخرى: برز هذا الدور –بعد انهيار القطبية الثنائية واتجاه الولايات المتحدة للسيطرة على المنظمة العالمية، مما جعل هذا الدور يتأثر بالنموذج الذي تسعى الولايات المتحدة لإحداث التغييرات الاجتماعية والثقافية وفقًا له، ومن ثم يعد مشروع الأمم المتحدة بشأن المرأة المشروع الذي يجعل المرأة أحد مستهدفات التغيير نحو هذا النموذج المأمول، كما يجعل منها في الوقت نفسه أداة من أدوات أحداث التغيير نحو ذلك النموذج، وهي الأداة التي تجسد مع غيرها عمليات الاختراق المنظم والكثيف من خلال الأمم المتحدة.
ومن ناحية ثالثة: ونقلاً عن دراسة د. أماني صالح (المرأة المسلمة بين قرنين): “يعد مشروع الأمم المتحدة بشأن المرأة هو أكثر مشروعات العولمة وضوحًا وتكاملاً بالنظر إلى وجود الوثائق التي تؤصل لأبعاده النظرية والتطبيقية، وهو أكثرها خطورة، لأنه يقدم تحت لافتة المنطقة الدولية الأم التي يفترض حيادها بين مختلف الثقافات، والتي لا تزال تحظى بشرعية تمثيل العالم أجمع. ينبني مشروع الأمم المتحدة –من الناحية النظرية على دعامتين- هما منظومة حقوق الإنسان كما تجسدت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي قلبها مبدأ المساواة، والثاني هو مراجعات عملية التنمية الاقتصادية ونظرياتها التقليدية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. تلك المراجعات التي انتهت في الثمانينيات إلى نقد المفهوم باعتباره يهمش الإنسان والأهداف الإنسانية المتمثلة في دعم الفرص والقدرات والخيارات المتاحة أمام البشر لحساب المعايير الاقتصادية (كنمو الدخل القومي)، وانتهت إلى عرض مشروع بديل للتنمية هو التنمية الإنسانية أو التنمية البشرية. ولقد انتهى منظور التنمية البشرية إلى ضرورة دمج فئات عريضة من البشر همشتهم عمليات التنمية الاقتصادية، ومنهم الطبقات والشرائح الأكثر فقرًا والسكان الأصليون والأطفال والنساء”.
برز اهتمام الأمم المتحدة المستقل بالنساء مع منتصف السبعينيات حين عقد مؤتمر المكسيك (1975م) الذي صدر عنه إعلان السنة الدولية للمرأة، وتبعها اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة الفترة (1976- 1985م) عقدًا عالميًا للمرأة. منذ ذلك الحين تكثفت الجهود والمشروعات الخاصة بالمرأة ظعبر العديد من المؤتمرات، منها ما يخص المرأة كمؤتمرات كوبنهاجن (1980م)، ونيروبي (1985م)، وبكين (1995م)، ومنها ما يمسها بقوة كمؤتمر فيينا المعنى بحقوق الإنسان (1993م)، ومؤتمر السكان في القاهرة (1994م)، ومؤتمر التنمية الاجتماعية (1995م)، إلى جانب عدد كبير من المواثيق والاتفاقات الدولية، أهمها اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) 1979م، ووثيقة المرأة في بكين 1995م، إلى جانب عدد آخر من التقارير الدورية آخرها تقرير المرأة في العالم لعام 2000م.
تشكل هذه المواثيق في مجملها مشروع الأمم المتحدة بشأن المرأة الذي يقوم على دعامتين، أولهما: مبدأ المساواة بين الجنسين في جميع المجالات، والثاني: هو دمج المرأة عضويًا في عملية التنمية. وتصنف معالجة تلك الوثائق لموضع المرأة في شقين: أولهما بحثي أو رصدي يتناول مسح واقع المرأة والمؤشرات المختلفة المعبرة عن هذا الواقع. والثاني سياسي يقدم تصورات أو مخططات تتعلق بصياغة واقع وحياة النساء وفق مبادئ ونماذج معينة يفترض أنها تحقق المساواة والعدالة للمرأة. وقد قدمت الطائفة الأولى من وثائق الأمم المتحدة قاعدة ثرية من البيانات الخاصة بواقع المرأة بمختلف أبعاده في شتى بلدان العالم، مع تأكيد الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية القابلة للقياس، أما النوع الثاني من الوثائث (ومن أهمها على وجه الإطلاق اتفاقية السيداو وإطار عمل بكين) فتمثل جوهر المشروع العولمي الذي يثير كثيرًا من الجدل واللغط حول أسسه الفكرية وانحيازاته القيمية، بما يقتضي نوعًا من التحليل الثقافي النقدي لفسلفته وأهدافه[28].

ب- التدخل الخارجي من خلال قضية المرأة-الخصائص، إشكالية الإطار المرجعي للتغيير والجدال حول الخصوصية/العالمية

وبقدر ما يعد تعرف خصائص ما آلت إليه أوضاع المرأة العربية والمسلمة، في ظل برامج التغيير الوطنية والدولية، ضرورة هامة وأساسية، حيث لا أحد يختلف في مدى حاجة هذه الأوضاع للتغير الجذري، إلا أن منهج الدراسة ونطاقها، لا يسمح بالتوقف بالتفصيل عند الخريطة الإحصائية لهذا الأوضاع[29]، وفي المقابل تهتم الدراسة بالتوقف عند أبعاد الجدل الذي أثارته مضامين وثائق الأمم المتحدة.
فإن هذا الجدل يمثل أحد أهم خصائص الخطاب العربي حول قضية المرأة في عصر العولمة، وهو يعرض بقوة إشكالية الإطار المرجعي للتغيير. ولقد تفجر هذا الجدل على الساحة العربية والإسلامية في أربع محطات كبرى: مؤتمرات السكان والتنمية في القاهرة، ومؤتمر بكين[30]، مناقشة اتفاقية عدم التمييز ضد المرأة وإشكاليات تطبيقها، مؤتمر جمعية الأمم المتحدة عام 2000م[31].
والجدير بالتذكرة أن هذه المحطات، وخاصة الأوليين، قد حظيتا باهتمام كبير، بالرغم من أنهما لم تكونا المؤتمرات الدولية الأولى في هذا المجال، ولكن مرت المؤتمرات الدولية الثلاثة السابقة للمرأة، وكذلك مؤتمرات السكان، بل وإصدار اتفاقية عدم التمييز، بدون ضجة وبإيقاع ضعيف، وخاصة في الدول العربية الإسلامية، ذلك لأنه تم عقدها بعيدًا، كما أنها جرت –كما سبق القول- في مناخ الحرب الباردة والقطبية الثنائية، وفي الوقت الذي انشغلت فيه الأمم المتحدة بالصراعات السياسية والعسكرية أساسًا. وعلى العكس حظيت هذه المحطات بالشهرة والأضواء خلال النصف الثاني من التسعينيات بعد أن احتلت (القضايا الدولية الجديدة) الأولوية في الأجندة الدولية، وبعد أن تغيرت رسالة الأمم المتحدة نحو المشاكل الاجتماعية والتنموية.
ولكن يظل لهذه المحطات الأربع خاصية أخرى أكثر أهمية، وهي أنها فجرت الاهتمام بقضية الإطار المرجعي للتغيير، أو بمعنى آخر: قضية خصوصية القيم، أي الفارق بين منظومة القيم الغربية –التي تقود دولها عمليات العولمة- وبين منظومة قيم المجتمعات الشرقية التي تمثل موضوعًا لهذه العمليات.
وتعكس هذه الخاصية البروز أو الصعود في الأبعاد الثقافية الحضارية في عصر العولمة –كما سبق التوضيح. هذا ويجدر الإشارة أن هذه الخاصية لم يبدأ ظهورها بمؤتمر السكان في القاهرة أو مؤتمر المرأة في بكين، ولكن انفجرت بشكل مباشر في المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان 1993م، حيث كان هذا المؤتمر أول ساحة دولية تنفجر فيها قضية الخصوصية الحضارية أو الهوية القومية، ثم توالى إثارة القضية في مؤتمرات المرأة والسكان بعد ذلك. لأن الأمر كان أوسع من قضية المرأة فقط، وإن كانت قضية المرأة تمثل مرآه كاشفة لها، ذلك لأنها قضية اختلاف ثقافات واختلاف حضارات أخذت منحنى خطيرًا في مواجهة النظام الدولي الجديد والعولمة.
ومن ثم فإن أخطر ما أحاط بهذه المؤتمرات هي الدعوة إلى عالمية القيم، وذلك من خلال تجريدها من الدين، وهي الدعوة التي اتسم بها الإطار القيمي والفكري للقائمين على وضع جداول العمل والوثائق الأولية للمؤتمرات الدولية حول المرأة، السكان، الطفل.. التي نظمتها الأمم المتحدة في التسعينيات، فنجد أنه سواء فيما يتعلق بتجديد القضايا الهامة المتعلقة بالمرأة (الأخذ بالمنظور الكمي المطلق في المساواة، أو تكييف دور المرأة في الأسرة والنظر إليه من منظور اقتصادي بحت… وغيرها)، أو سواء فيما يتعلق بمنظومة الحلول الخاصة لهذه القضايا، نجد أن الأمم المتحدة قد تحركت في إطار النموذج المعرفي الغربي العلماني الذي يهمش (الدين) كعامل أساسي ومرجعته أولى في تشكيل وعي المرأة والمجتمع، وفي بناء النظام القيمي إزاء قضايا المجتمع والمرأة. وهو الأمر الذي يعكس عدم تمثيل الثقافات المختلفة في صياغة برامج وأهداف الأمم المتحدة بشأن المرأة.
ولهذا لا عجب أنه ظهر في المجتمعات العربية والإسلامية خطاب آخر يتحدث عن المرأة من منطلق إسلامي كاسرًا الاحتكار السابق للخطاب العلماني، ومتصديًا للمنطلقات ومقولات وثائق الأمم المتحدة. ولم يكن بالطبع خطابًا جديدًا، ولكنه اكتسب زخمًا، نظرًا لضخامة التحدي الذي فرضته العولمة ومؤسساتها الدولية، ونظرًا لتطور قدرات الحركة الإسلامية وأجهزتها. ولقد أثبت هذا الخطاب فعاليته في مؤتمر المرأة ومؤتمر السكان حيث تبنت أطروحاته تيارات رسمية، كما تشارك مع أطروحات للفاتيكان والكنيسة الأرثوذكسية، ولذا فإن الوثيقة النهائية للمؤتمرين، لم تعكس ما صدر مبدئيًا عن الاجتماعات التحضيرية، ولم تعكس تمامًا فلسفة قادة النظام العالمي الجديد، وإنما عكست مطالب الجنوب بشعوبه الإسلامية والمسيحية التي تمسكت بقيمها، حيث أعلن مندوبو الدول العربية والإسلامية، أنه لن يتم قبول نص واحد يخالف العقيدة والقيم الأخلاقية.
ولقد تكرر السيناريو مع تدشين موجة مناقشة اتفاقية عدم التمييز ضد المرأة، وخلال اجتماعات الدورة الاستثنائية للأمم المتحدة بنيويورك في يونيه 2000م حول المرأة لمراجعة ما تم تنفيذه من مقررات مؤتمر بكين، ولكن اكتسب السيناريو –في تلك الاجتماعات الأخيرة طابعًا أساسيًا وهامًا دفع بالقضية- من جانب رؤية الجنوب –خطوة إلى الأمام، تستجيب لمناخ المرحلة المتسم بالهجوم على سلبيات العولمة. فبعد التصدي لما لا يتسق والقيم الأخلاقية والدينية في بنود وثائق مؤتمري القاهرة وبكين، أضحى الصراع الدائر في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2000م، هو صراع بين الاتجاه الذي يريد التحرك بقضية المرأة إلى أرضية المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالحولات الاقتصادية العالمية في ظل العولمة في ظل العولمة، وبين الاتجاه الذي يقتصر قضية المرأة على أرضية (العلاقات الخاصة). ومن ثم قدمت الوفود العربية والإسلامية موقفًا جيدًا رفع بالقضية إلى مستوى من التحدي ظلم يكن متوقعًا، في الوقت الذي تسعى فيه القوى الاقتصادية والمالية إلى فرض توجهاتها ومصالحها. ذلك لأن دول الجنوب في مجموعها طالبت بتنسيق الجهود لتطبيق أهداف المشاركة الدولية بتوفير الموارد والمساعدات الفنية للدول النامية، والتي لا غنى عنها لتنفيذ برامج إصلاح أوضاع المرأة.
وبدون الدخول في تفاصيل أسانيد ومبررات كل من الاتجاهين المتقابلين حول قضية خصوصية أو عالمية حقوق المرأة، أو حول المرجعية الشرعية في مقابل المرجعية الدولية، ومن ثم موضع الدين من عدمه في هذه القضية، وما يتفرع عنها من مسائل (مثل الصحة الإنجابية، الثقافة الجنسية، الإجهاض..)، مما لا شك فيه أن موقف الإسلام من قضية المرأة كان في قلب المواقف أو المناقشات والمناظرات. ولقد أينع خلال التسعينيات مجال الدراسات التي يضع في عنوانها (المرأة والإسلام)، والتي تتناول من منظورات متنوعة واحدة من أكثر موضوعات الشريعة الإسلامية، والتاريخ الإسلامي والثقافة الإسلامية إثارةً للنقاش في العصر الراهن، عصر العولمة[32].
بعبارة أخرى: في عصر العولمة لم تعد قضية المرأة العربية والمسلمة قضية داخلية فقط، أو قضية نخب فقط، أو قضية مجتمعية وثقافية ضيقة، كما لم تعد قضية النخب العلمانية والحكومات (التقدمية) فقط، بل واستدعت –الدين والقيم والخصوصيات في ظل نظام عالمي اعتقد منظروه من أنصار العولمة أنه يتجه نحو التوحيد والتجانس في ظل ثقافة عالمية. فعلى العكس كان الجدال بين الاتجاهات ذات المرجعية المختلفة (الديني أم المدني) حول قضية المرأة، من أهم التعبيرات عن عدم مصداقية هذا الاعتقاد، ومن ثم، يقع هذا الجدال في قلب تيار الجدال حول الأبعاد الثقافية للعولمة وآثارها على النظام العالمي: نحو مزيد من التجانس أو التنوع[33].
كما يقع الجدال –وهذا هو الأكثر تحديًا- في قلب مرحلة خطيرة من مراحل تطور المجتمعات والنظم العربية الإسلامية، وهي المرحلة التي تزخر بهموم البحث عن اجتهادات وتجديدات إسلامية، في ظل ضغوط واختراقات خارجية عديدة، تضع هذا التجديد في موقف رد الفعل لأجندة دولية نسوية محكمة، ولخطاب عولمي نسوي تمتد أذرعه الهيكلية والفكرية والمؤسسية من ناحية، كما تضعه من ناحية أخرى أمام تحدي التباين بين القوى التجديدية والاجتهادية، وبين القوى السلفية المحافظة، فيما يتصل بالأطروحات الخاصة بالمرأة وغيرها، ولذا لا عجب أن قفزت قضية المرأة لتحتل موقعًا من مواقع الصدارة فيما يعرف الآن بحوار الحضارات والثقافات. ومن ثم، فإن المطلوب هو تجديد في حضارتنا انطلاقًا من أبعادها الثقافية، دون مساس بثوابت هذه الثقافة، ومن دون الفشل في تحديد المشترك مع الحضارات والثقافات الأخرى. ولذا فإن من المطلوب –فيما يتصل بالمرأة- عدم تحويل قضاياها إلى صراع نوعي بين الرجل والمرأة، وعدم اقتطاعها من سياقها الاجتماعي الأوسع، بل والحفاظ على وزن ودور البنى الاجتماعي الأساسية وتماسكها وعلى رأسها الأسرة، وهي جميعها أمور تفترض تضمين جهود إصلاح أوضاع المرأة العربية والمسلمة في سياق مشروع أوسع لنهضة حضارية للوطن والأمة.
ولا يسعني في هذا الموضع –أن أعدد الجهود المبذولة في هذا السياق، سواء الفكرية أو العملية من جانب النخب الوطنية والإسلامية- ويكفي –في نهاية هذه الدراسة أن أرفق مقتطفات من أطروحات ومقولات الإطار الفكري الذي تعمل في ظله جمعية دراسات المرأة والحضارة برئاسة أ.د. منى أبو الفضل ومشاركة د. أماني صالح.
(انظر الأوراق المرفقة من واقع العدد الأول من النشرة التي تصدرها الجمعية).
*****

الهوامش

(1) د. منى أبو الفضل، د. أماني صالح (تحرير): أعمال ندوة خطاب المرأة أم خطاب العصر، دراسة في جينولوجي النخبة الثقافية، جمعية دراسات المرأة والحضارة، بالتعاون مع مركز الحضارة للدراسات السياسية، القاهرة، مارس 1999م (تحت الطبع).
(2) انظر على سبيل المثال:
– Jill Krause, The international dimension of gender inequality and feminist politics. A new direction for International Political economy. (in) J. MacMillan, A. Linktar (eds). Boundaries in Question, New Direction in international relations. Pinter Publishers, London, 1995.
– Bice Maiguashca: Theorising Politics in “No Man’s Land”. Feminist theory and the Fourth debate (in) M. Ebata, B. New Feld (eds). Confronting the political in International Relations, Millennium 2000.
– C. Sylvester: The contributions of feminist theory to international relations. (in) S. Smith, K. Booth, M. Zalewski (eds). International theory: Positivism and beyond, 1996.
– J. True: Globalization Forces: Feminism, Neoliberalism, and Postcommunist Transformations. Center for international and strategic studies. Working paper No. 15, 1996.
[3] انظر الدراسة المتميزة: د. أماني صالح، المرأة المسلمة بين قرنين.. الإنجازات والتحديات، د. نادية محمود مصطفى، د. سيف الدين عبد الفتاح (إشراف وتحرير)، الأمة في قرن، عدد خاص من حولية أمتي في العالم، الجزء تحت الطبع.
وانظر أيضًا العمل الرائد والموسوعي، د. منى أبو الفضل (إشراف)، د. أماني صالح (تحرير): المرأة العربية والمجتمع في قرن- تحليل وببليوجرافيا للخطاب العربي حول المرأة في القرن العشرين. دار الفكر- دمشق (تحت الطبع).
[4]حول كتابي قاسم أمين الشهيرين وما أثاراه من جدال حتى الآن، انظر: قضية قاسم أمين، افتتاحية ملف مائة عام على تغريب المرأة، العدد 8، خريف 1999م.
(5) انظر في هذا مجموعة أعمال المستشار طارق البشري تحت عنوان (في المسألة الإسلامية المعاصرة)، وهي تتكون من ستة أجزاء، صدرت عن دار الشروق عام 1996- 1998م تحت العناوين التالية:
الحوار الإسلامي العلماني، ما هية المعاصرة، الوضع القانوني بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، بين الإسلام والعروبة، بين الجامعة الدينية والجامعة الوطنية في الفكر السياسي، الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي في التاريخ المعاصر.
وانظر عرضًا نقديًا تراكميًا لهذه الأعمال في: البناء الفكري لطارق البشري، د. نادية محمود مصطفى، قراءة في المسألة الإسلامية المعاصرة. و(في) د. إبراهيم البيومي غانم (محرر)، طارق البشري: القاضي المفكر، دار الشروق 1999م.
[6] حول نموذج زينب الغزالي وعائشة عبد الرحمن بالمقارنة بنموذج هدى شعراوي، انظر: شهر زاد العربي: امرأتان مؤمنتان، في رحلة التحرر النسوي الجاد، مجلة المنار الجديد، العدد 8، خريف 1999م.
[7] انظر: Valentine M. Moghadam: Transnational Feminist networks; Collective action in an era of Globalization, International Sociology, March 2000.
[8] حول خصائص وضع المرأة في (مرحلة هيمنة الدول القومية التحديثية في العالم الإسلامي) انظر: د. أماني صالح، مرجع سابق. وحول مجموعة أخرى من الخصائص انظر:
– رحمة مالك بن نبي: قضايا المرأة.. رؤية جديدة، مجلة المنار الجديد، العدد 5، شتاء 1999م.
– صافي ناز كاظم: خواطر مسلمة في معركة السفور والحجاب، مجلة المنار الجديد، العدد 9 شتاء 2000م.
– محمد سيد بركة: محمد قطب وكتابه: قضية تحرير المرأة، مجلة المنار الجديد، عدد 8 خريف 1999م.
– د. محمد يحيى: تحرير المرأة من خطاب التحرير إلى واقع القمع، في: المرجع السابق.
– بهاء الأمير: قضية تحرير المرأة، مجلة المنار الجديد، العدد 11، صيف 2000م.
[9] حول بداية نظام حقوق الإنسان في الأمم المتحدة وتطوره خلال خمسين عامًا، انظر على سبيل المثال: د. أحمد الرشيدي، حقوق الإنسان في القوانين والتشريعات الدولية. و(في) د. جلال معوض (تحرير): النظام الدولي. موسوعة أحداث القرن العشرين، دار المستقبل العربي، الجزء الأول، 2000م.
– د. رضوان زيادة: مسيرة حقوق الإنسان في العالم العربي، المركز الثقافي العربي بدمشق، 2000م، الباب الأول.
– د. محيي الدين قاسم: حقوق الإنسان العالمية، دراسة في الاتجاهات المعرفية المعاصرة، مجلة النهضة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، العدد 4، يوليو 2000م.
[10] كاتاريناتوما شفكسي: حقوق المرأة، من خطر التفرقة إلى التخلص منها (ترجمة: حسن حسين شكري)، المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية، العدد 158، ديسمبر 1998م، حقوق الإنسان: العيد الخمسون للإعلان العالمي ، ص 124-125.
[11] د. بطرس غالي، مجلة السياسة الدولية.
[12] حول مذهب نيكسون وموضع حقوق الإنسان منه، انظر على سبيل المثال: د. نادية محمود مصطفى، الثورة والثورة المضادة في نيكاراجوا، مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة، 1984م.
[13] انظر: Valentine M. Moghadam, op. cit., p. 61
[14] كاتارينا توما شفسكي: مرجع سابق.
[15] انظر: Valentine M. Moghadam, op. cit., p. 61
[16] طارق البشري: مرجع سابق. وانظر أيضًا: طارق البشري، التجديد الإسلامي بين قرن مضى وقرن يجيء، مجلة المنار الجديد، العدد 1، شتاء 1998م، ص 28-29.
[17] انظر عرضًا للإعلانات الإسلامية لحقوق الإنسان في: د. رضوان زيادة: مرجع سابق، ص 177-193.
وحول الرؤية المقارنة لحقوق الإنسان انظر: محمد علي التسخيري، حقوق الإنسان بين الإعلانين الإسلامي والعالمي، طهران 1997م.
(18) انظر في هذا الموضوع، د. نادية محمود مصطفى: التحديات السياسية الخارجية للعالم الإسلامي، بروز الأبعاد الحضارية الثقافية. و(في) د. نادية محمود مصطفى، د. سيف الدين عبد الفتاح (محرران) الأمة في قرن، مرجع سابق، الكتاب السادس (تحت الطبع)، وهي دراسة مأخوذة من واقع كتاب يتضمن الشرح التفصيلي والتوثيق، انظر د. نادية محمود مصطفى: التحديات السياسية الخارجية للعالم الإسلامي، رابطة الجامعات الإسلامية، مشروع التحديات للعالم الإسلامي، 1999م، (260 صفحة).
(19) انظر الفصل الأول من المرجع السابق.
[20] انظر الفصل الثاني من المرجع السابق.
[21] انظر الفصل الثالث من المرجع السابق.
[22] انظر: Valentine M. Moghadam, op.cit
[23] د. بطرس غالي، مرجع سابق.
[24] انظر على سبيل المثال: د. أحمد الرشيدي، بعض الإشكاليات النظرية لمفهوم التدخل الإنساني، قضايا حقوق الإنسان، الإصدار الثاني، المنظمة العربية لحقوق الإنسان، القاهرة 1997م.
M. Goulding: Humanitarian War, Military intervention and Human rights, International affairs, Vol. 69, No. 3, 1993.
Jacques Donnelly: Universal Human rights in theory and Practice, Cornell University Press, 1991.
[25] انظر شرحًا وافيًا في: د. نادية محمود مصطفى، مرجع سابق.
[26] انظر رصدًا لأهم هذه النماذج في العالم الإسلامي خلال التسعينيات في: د. أماني صالح، حالة المرأة في العالم الإسلامي، (في) د. نادية محمود مصطفى، د. سيف الدين عبد الفتاح (إشراف وتحرير): أمتي في العالم، حولية قضايا العالم الإسلامي، مركز الحضارة للدراسات السياسية، القاهرة، العدد الثاني، 2000م، 220-230.
[27] المصدر الأساسي لهذه النقاط هو: د. أماني صالح، المرجع السابق، صص 243- 245، والمرأة المسلمة بين قرنين، مرجع سابق.
[28] وتثير –وثائق أخرى عالمية ودولية- جدلاً مناظرًا حول مدى تمثيل الأجهزة أو المنظمات العالمية المتخصصة، الحضارات الكبرى تمثيلاًثقافيًا متوازنًا، ونذكر هنا على سبيل المثال وليس الحصر، تقرير اليونسكو تحت عنوان التنوع الخلاق، انظر:
Javier Pérez de Cuéllar (and others): Our creative Diversity. Report of the world commission on culture and development, Unesco Publishing, 1995.
كما تثور القضية نفسها على نحو آخر، على صعيد مستوى آخر، هو الترتيبات عبر إقليمية التي يمثلها مشروع الشراكة الأوروبية المتوسطية، وهو المشروع الذي يتضمن بعدًا ثقافيًا اجتماعيًا، وأثار موضع هذا البعد ودوافعه وأهدافه وآلياته جدلاً حول الآثار على الخصوصيات الثقافية الحضارية جنوب المتوسط. انظر: د. نادية محمود مصطفى: المشروع المتوسطي – البعد السياسي، (في): د. نادية محمود مصطفى (محرر)، مصر ومشروعات النظام الإقليمي الجديد في المنطقة، مركز البحوث والدراسات السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة 1997م.
– د. نادية محمود مصطفى: البعد الثقافي للشراكة الأوروبية المتوسطية، (في): د. سمعان بطرس فرج الله (محرر)، أعمال ندوة مستقبل الترتيبات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط وتأثيرها على الوطن العربي، معهد البحوث والدراسات العربية، جامعة الدول العربية، القاهرة 1998م.
– د. محمد السيد سليم: المشاركة الأوروبية المتوسطية – الأبعاد الثقافية، كراسات استراتيجية، العدد 32، 1995م.
[29] انظر: تطور خصائص الوضع السياسي الاقتصادي الاجتماعي للمرأة المسلمة خلال ربع القرن الأخير وأهم مشاكله في: د. أماني صالح: مرجع سابق.
[30] انظر: د. إيناس طه، مؤتمر المرأة في بكين، الخصوصية والعالمية، كراسات استراتيجية، العدد 109، 2001م.
ندوة المرأة في بكين: خلفياتها وأهدافها، مجلة المستقبل العربي، العدد 204، فبراير 1996م.
د. زينب عبد العزيز: المرأة والنظام العالمي – رؤية إسلامية، جامعة الصحوة الإسلامية، الرباط، أكتوبر 1999م.
محمد علي التسخيري: المؤتمر الدولي للسكان والتنمية وتضارب الآراء حوله، مؤسسة الهدى للنشر والتوزيع، 1999م.
[31] عمرو عبد الكريم سعداوي: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (رؤية نقدية)، اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل، المجلس الإسلامي للدعوة والإغاثة، الأمانة العامة، أغسطس 2000م، التقرير البديل: مقدم من اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل ممثلة رابطة العالم الإسلامي، والمقدم إلى لجنة مركز المرأة بوصفها اللجنة التحضيرية للدورة الاستثنائية للجمعية العامة (المرأة عام 2000م).
ملتقى الحوار حول اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (ثماني ملتقيات)، مؤسسة فريدريك إيبرت، القاهرة.
[32] انظر على سبيل المثال: عبد الحليم أبو شقة، تحرير المرأة في عصر الرسالة، دار القلم، القاهرة 1998م. عمر القراي (وآخرون): حقوق المرأة بين المواثيق الدولية والإسلام السياسي، مناظرات حقوق الإنسان، رقم 6، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، 1999م. مجموعة باحثين: حقوق المرأة بين الديني والمدني: رواق عربي، العددان 15-16، 1999م، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان. هبة رؤوف عزت: المرأة والعمل السياسي، رؤية إسلامية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1995م. نوال السعداوي، هبة رؤوف عزت: المرأة والأخلاق والدين، سلسلة حوارات لقرن جديد، دار الفكر- دمشق، 2000م.
Yvonne Y. Haddad, J. Esposito: Islam, gender and social change, Oxford University press, 1998.
Anita M. Weiss: Challenges for Muslim women in a postmodern world, (in): Akbar S. Ahmed, Hastings Donnan (eds): Islam, globalization and postmodernity, Routledge, 1994.
[33] انظر على سبيل المثال: مايك فيزرستون، محدثات العولمة، ترجمة عبد الوهاب علوي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1999م. رونالد روبرتسون: العولمة: النظرية الاجتماعية والثقافية الكونية، ترجمة أحمد محمود نور الدين، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1998م.
Malcolm Walters: Globalization, London, 1995 (ch5, New World Chaos: Globalizing cultures).

بحث نشر (في):
مجموعة باحثين: المرأة وتحولات عصر جديد، وقائع ندوة دار الفكر في أسبوعها الثقافي الثالث، دمشق، 2002.

للتحميل اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى