ما بعد الأوهام: المشاركة الأمريكية والأوروبية في العدوان على فلسطين: إلى أين؟
مقدمة:
شكَّلت عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتْها فصائل المقاومة الإسلامية على مستوطنات جنوب إسرائيل المعروفة باسم “غلاف غزة” في صباح يوم السبت السابع من أكتوبر 2023 صدمة ليس فقط في الداخل الإسرائيلي -الذي يُعاني أصلًا من أزمات داخلية أبرزها أزمة الإصلاحات القضائية -بل والعالم أجمع لما أحدثه هذا اليوم- وما استتْبعه من إعلان إسرائيل عدوانها على قطاع غزة الذي لا يزال قائمًا حتى وقت كتابة هذا التقرير -للعديد من التغييرات الممتدَّة إقليميًّا وعالميًّا ممَّا قد يشكِّل منعطفًا جديدًا في مسار القضية الفلسطينية.
ومع تعدُّد الأوصاف الإسرائيلية لهذا اليوم بين نعته بـ”السبت الأسود” و”الصدمة”، و”الفشل” و”الكابوس الإسرائيلي”، و”تاريخ عار على إسرائيل” و”الكارثة المروعة”، و”أحداث 11 سبتمبر الإسرائيلية”[1] والتي أثبتتْ وهمَ سرديَّة التفوُّق الإسرائيلي على الصعيد الأمني والعسكري والاستخباراتي وانهارتْ على إثْرها العقيدة الأمنية الطويلة الأمد التي تمَّت صياغتُها في منتصف القرن الماضي تحت قيادة أول رئيس وزراء إسرائيلي ديفيد بن جوريون والتي تم تحديثها لتشتملَ على أربعة ركائز رئيسية وهي الردع والإنذار المبكِّر والدفاع والنصر الحاسم، جاء رَدُّ فعل إسرائيل على هذه العملية عنيفًا وشرسًا؛ ففي قطاع غزة شَنَّتْ إسرائيل هجومًا بالسلاح الجوي والبحري والبري، ومع دخول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة شهره السادس سقط الآلاف من الشهداء -تجاوز أكثر من ضعفي عدد قتلى الحرب الروسية الأوكرانية على مدار عامين[2]– وآلاف المفقودين وأحدث دمارًا هائلًا، يماثل أو يفوق مستويات الدمار الذي أصاب المدن الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية وفق ما صَرَّحَ به ممثِّل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل[3].
وعلى إثْر هذا الدمار الذي لَحِقَ بالبشر بالقتل والتجويع والنزوح والتشريد الذي حَلَّ بالقطاع وَلَحِقَ بالعمران على حَدٍّ سواء، انطلقتْ مظاهرات عارمة بها الآلاف من المتظاهرين من مختلف الأعمار والأعراق والثقافات والخلفيَّات السياسيَّة في أنحاء العواصم الأوروبية وفي داخل الولايات المتحدة الأمريكية تطالب بوقف فوري لإطلاق النار في القطاع، وكان آخر هذه المظاهرات في 3 مارس 2024 -وفق آخر ما تمَّ رصده في هذا التقرير- حيث تظاهر الآلاف في نيويورك مطالبين بإنهاء فوري للعدوان على غزة ووقْف تمويل الولايات المتحدة لإسرائيل بشكلٍ غير محدود[4]، ولم تقْتصر المظاهرات على الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، ففي 24 فبراير 2024 انطلقت مظاهرات واسعة النطاق في كل من كندا والدنمارك وأيرلندا[5] وفي 10 من فبراير شَهِدَتْ كلٌّ من باريس وبرلين، ومدينة أورهوس الدنماركية و34 مدينة بريطانية عشرات الفعاليَّات المؤيِّدة لفلسطين[6]، بينما جاء الموقف الأمريكي والأوروبي الرسمي مغايرًا لما ارتآه المتظاهرون في الشوارع، فقد كان الموقف الرسمي مندِّدًا بـعملية ”طوفان الأقصى”، ومدافعًا عن حقِّ دولة الاحتلال الإسرائيلي في “الدفاع عن نفسها”، مع التأكيد على ضرورة إنهاء تهديد حماس للكيان الإسرائيلي. لكن بعد نحو ثلاثة أشهر من انطلاق العملية وما تَبِعَهُ من عدوان إسرائيلي على القطاع، رأى بعض المحلِّلين أنه قد طَرَأَتْ بعضُ التغيُّرات على موقف الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية الكبرى، إلا أن فاعلية هذا التغيير وترجمته على أرض الواقع يظلُّ دائمًا محل شك[7].
ومن أجل تقديم رؤية استشرافية عن مستقبل المشاركة الأمريكية والأوروبية ليس فقط في عدوانها على قطاع غزة بل على القضية الفلسطينية برمتها؛ يحاول هذا التقرير الإجابة على مجموعة من الأسئلة وعلى رأسها، ما حقيقة تغيُّر الموقف الأمريكي المعلن من العدوان على قطاع غزة على مدار الأشهر الخمسة المنصرمة من الحرب؟ وإلى أيِّ مدى يوجد ثمة اختلافات بين مواقف الدول الأوروبية تجاه الحرب، وهل شكلت التظاهرات التي انطلقت في العواصم الأوروبية وفي الولايات المتحدة عامل ضغط على الحكومات الغربية بأي حال؟ وهل ساهم تطويل أمد الحرب ودخول أطراف إقليمية في الحرب نحو ظهور آفاق لحلحلة الوضع الراهن؟
أولًا- تطورات الموقف الأمريكي الرسمي من الحرب على قطاع غزة: “لو لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على إقامتها”
لا يخفى على أحد مقدار الدعم العسكري والاقتصادي الذي قدَّمته الولايات المتحدة لإسرائيل على مدار عقود طويلة، والتي أصبحت محل نقاش وجدل كبير في الأوساط الأمريكية، والتي يُنظر إليها على أنها استثمار استراتيجي يعود بالفائدة على العلاقات الثنائية بين البلدين[8]. وعلى مدار السنوات الأخيرة، تمَّ تقديم مساعدات عسكرية كبيرة لإسرائيل من قِبل الولايات المتحدة، ضمن إطار حزمة الأمن القومي التي قدَّمها الرئيس الأمريكي جو بايدن، والتي تقدَّر بنحو 14 مليار دولار لإسرائيل. وتعتبر هذه المساعدات جزءًا من الدعم العسكري الذي تقدِّمه الولايات المتحدة لإسرائيل على مدى سنوات عديدة.
وقبل التطرُّق إلى موقف الولايات المتحدة من الحرب على غزة ومدى تطوُّره على مدار الشهور الثلاثة الثانية من بداية اندلاع الحرب ، فينبغي الإشارة إلى أنه تاريخيًّا، تُعَدُّ إسرائيل أكبر متلقٍّ للمساعدات الأمريكية منذ تأسيسها، حيث تلقَّت حوالي 300 مليار دولار (إذا ما تَمَّ احتساب معدَّل التضخُّم) في مجموع المساعدات الاقتصادية والعسكرية في الفترة من 1946-2023. كما قدَّمت الولايات المتحدة حزمًا كبيرة من المساعدات الخارجية إلى دول أخرى في الشرق الأوسط، خاصة مصر والعراق، ولكن إسرائيل تبرز كأكبر متلقٍّ[9]، بحيث تذهب 55٪ من المساعدات الأمريكية التي تقدِّمها للعالم إلى إسرائيل.
ومن ثم، لم يكن رَدُّ الفعل الأمريكي مستهجَنًا على عملية “طوفان الأقصى” والتي جاءتْ بالدَّعم المطْلق واللامشروط لإسرائيل بشكل كامل، ولتأكيد هذا الدعم المطلق فقد قام الرئيس الأمريكي جو بايدن بزيارة تضامنية لتل أبيب أثناء الحرب وبعد عملية طوفان الأقصى ببضعة أيام، في سابقة لم يفعلها رئيس أمريكي حتى في حرب أكتوبر 1973[11]، وربما يلخِّص التصريح الذي أطلقه الرئيس الأمريكي جو بايدن في أثناء زيارته الموقف الأمريكي، والذي قال فيه “لو لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على إقامتها” الذي يفسِّر فيه أسباب الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل؛ ليؤكِّد على أن إسرائيل ليست مجرد كيان تدعمه الولايات المتحدة على مدار عقود؛ بل يدعم ما ذهب إليه بعض المحللين بأن إسرائيل هي الابن الشرعي والأداة المثْلى للمشروع الاستعماري الغربي في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط. ومن هنا قد يُفهم سِرُّ ثبات الموقف الأمريكي من هذا العدوان على مدار ستة أشهر من الحرب.
وهدفت الولايات المتحدة في تمكين “إسرائيل” من استعادة الردع، بعد أن شكلت عملية طوفان الأقصى تهديدًا حقيقيًّا لهذا الهدف الذي طالما حافظتْ عليه إسرائيل منذ نشأتها، ومن ثم فقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال نحو 2000 جندي إلى إسرائيل في بداية الحرب على غزة، وتحريك حاملتي طائرات إلى شرق البحر المتوسط، منها حاملة الطائرات “فورد”، وهي أحدث حاملة طائرات في الولايات المتحدة والأكبر في العالم، والتي تستوعب ما يزيد على 5 آلاف شخص، والتي تُعَدُّ إشارة تحذيرية لكل من تسوِّل له نفسه تغيير مسار هذا العدوان الغاشم.
كما حرصت الولايات المتحدة على إمداد إسرائيل بالأسلحة التي تحتاجها في عمليتها ضدَّ قطاع غزة، حتى إن إدارة بايدن -وفقًا لصحفية وول ستريت جورنال في 17 فبراير 2024- قالت إنها تعتزم إرسال قنابل وأسلحة إلى إسرائيل لتعزيز ترسانتها العسكرية، وتشمل الأسلحة حوالي ألف قنبلة من طراز MK-82، فضلًا عن ذخائر الهجوم المباشر المشترك KMU-572 التي تضيف توجيهًا دقيقًا، وأيضًا صمامات القنابل FMU-139، والتي تُقَدَّرُ قيمتها بعشرات الملايين من الدولارات[12]. ومن الجدير بالذكر أن الإدارة الأمريكية قد تخطَّت الكونجرس الأمريكي لمرتين في شهر ديسمبر 2023 للموافقة على صفقة بيع أسلحة لإسرائيل باستخدام صلاحية الطوارئ، وقد قدَّم أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي للكونجرس مبرِّرات لاتِّخاذ هذا القرار مشيرًا إلى وجود حالة طوارئ تتطلَّب البيع الفوري للمواد والخدمات العسكرية لتأمين أمن إسرائيل مؤكِّدة على ضرورة استخدام تلك الأسلحة بما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني[13].
وفي إطار تطوُّر التغير والضغط في الداخل الأمريكي، فقد سعى بعضُ أعضاء الكونجرس الديمقراطيين -وعلى رأسهم بيرني ساندرز- إلى ربط المساعدات الأمريكية بالتزامات من إسرائيل لتقليل عدد الشهداء المدنيِّين، وقد أشارت منظمة هيومان رايتس ووتش إلى تأثُّر العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل قبل إعلان العدوان على قطاع غزة بسبب الخطاب والسياسات الخاصة بحكومة نتنياهو، والتي تتضمَّن إحكامَ السيطرة على سلطات المحكمة العليا الإسرائيلية، هذا فضلًا عن بناء مستوطنات يهودية إضافية في الضفَّة الغربيَّة، وقد شَكَّلَ الحلُّ الثنائي المعروف باسم “حل الدولتين” هدف سياسة خارجية أمريكية طويلة الأمد، بما في ذلك إدارة بايدن. ورفع بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي هذه الانتقادات خلال النقاش حول المساعدات الأمريكية لإسرائيل أثناء العدوان[14].
وبعد أكثر من أربعة شهور على بداية العدوان، ولمحاولة تبييض وجه الولايات المتحدة الأمريكية بسبب مشاركتها فيه، أصدر بايدن مذكرةً للأمن القومي تطلب من متلقِّي المساعدات العسكرية الأمريكية -بما فيهم إسرائيل باعتبارها المتلقِّي الأول لهذه المساعدات- إصدار شهادات مكتوبة بأنهم سيمتثلون للقانون الإنساني والدولي، وأنهم سيتعاونون مع جهود تقديم المساعدات الإنسانية الأمريكية[15]. وعلى الرغم من أنه يبدو أن هنالك ثمَّة بوادر اختلافات في الموقف الأمريكي تجاه الدعم اللامشروط لإسرائيل بَدَتْ في مناقشات أعضاء الكونجرس وتصريحات بعض المسؤولين، فإن هذه الاختلافات لا نجد صدى لها ولا تُحْدِثُ أثرًا على أرض الواقع.
وبجانب الدعم الاقتصادي والعسكري اللامحدود، استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض (الفيتو) للمرة الثالثة -باعتبارها عضوًا دائمًا من الأعضاء الخمسة في مجلس الأمن الذين يحق لهم اعتراض تمرير أي مشروع قرار- في أثناء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في مجلس الأمن الدولي، واستُخدم هذا الفيتو مؤخَّرًا ضدَّ مشروع قرار مقدَّم من الجزائر في 20 فبراير 2024، على اعتبارها عضوًا عربيًّا في مجلس الأمن، وسبق المقترح الجزائري مشروعيْ قرار روسي وبرازيلي يطالبان بوقف إطلاق النار في 17 أكتوبر 2023. هذا فضلًا عن تصويت الولايات المتحدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 أكتوبر 2023، ضدَّ مشروع قرار تقدَّمت به الدولُ العربية، يدعو إلى “وقف فوري لإطلاق النار” ودخول مساعدات إنسانية من دون معوِّقات. يُذكر أن الولايات المتحدة قد استخدمتْ حقَّ النقض في مجلس الأمن نحو ٧٩ مرة، منها ٥٠ مرة لمصلحة إسرائيل وحمايتها ودعم عدوانها على مدى تاريخها العدوانى، الممتد طوال ٧٦ عامًا منذ نشأتها حتى الآن[16].
وإمعانًا في إذلال الفلسطينيِّين في قطاع غزة وتأكيدًا على مشاركة الولايات المتحدة في هذا العدوان، أوْقفت كلٌّ من الولايات المتحدة جنبًا إلى جنب دول أخرى ككندا وأستراليا وإيطاليا والممكلة المتحدة وفنلندا وألمانيا وهولندا والنمسا ورومانيا ونيوزيلاندا المساعدات المالية لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيِّين (أونروا) في 24 من يناير 2024 بسبب ما ادَّعَتْهُ السلطات الإسرائيلية من ضلوع عدد من موظفي الأونروا في غزة في عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، في حين استمرَّت كلٌّ من النرويج وإسبانيا في تقديم الدعم للأونروا[17]، وتأتي هذه الاتهامات في وقت يعتمد فيه أكثر من مليوني شخص في غزة على المساعدات المنقِذة للحياة التي تقدِّمها الوكالة منذ بداية الحرب، وبالطبع تجاهلت الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى ما ينطويه هذا القرار على كوارث إغاثية وإنسانية داخل القطاع.
ومن ثم، فإنه ومنذ بداية هذا العدوان اتَّضح أن الولايات المتحدة اتَّبعت خطًّا متحفِّظًا في دعمها لإسرائيل، معلنةً استياءَها من قتل الإسرائيليِّين “الأبرياء”، مع التأكيد على ضرورة “ضبط النفس” والحدِّ من “القصف التعسُّفي” على قطاع غزة، ولكن بشكلٍ عامٍّ، لُوحظ قلَّة حِدَّةِ تصريحات جو بايدن التي ينتقد فيها سقوط مدنيِّين داخل القطاع، تاركًا أعضاءً آخرين في إدارته للتحدُّث بشكل أكثر حدَّة[18].
وفي 1 مارس 2023، قام مجموعة من النواب الديمقراطيِّين في الكونجرس الأمريكي، بتقديم طلب في شكل رسالة مقدَّمة إلى الرئيس بايدن لدعم وقفٍ مؤقَّت في حرب غزة، وهو ما يمثل علامة فارقة على تزايد القلق لدى الديمقراطيين تجاه ما يحدث في القطاع، الذي أسفر عن مقتل آلاف المدنيين الفلسطينيين، وهم يرون أن”وقفًا مؤقتًا في القتال لن يساعد فقط في إطلاق سراح الرهائن وتوفير الإغاثة الملحة للملايين من المدنيين الذين نزحوا بسبب هذه الحرب، بل يمكن أيضًا أن يفتح الباب لإنهاء النزاع نهائيًّا”. وساهم النائبان براد شنايدر (ديمقراطي من إلينوي) وجيمي بانيتا (ديمقراطي من كاليفورنيا) في تقديم هذه الرسالة، موقعة من قبل 29 نائبًا، وهم من الديمقراطيين المعتدلين والمؤيِّدين لإسرائيل[19].
كل هذه المؤشرات السابق ذكرها جاءت إلى حَدٍّ ما متَّسقة مع التزام الولايات المتحدة التاريخي بحماية أمن إسرائيل، وعلى الرغم من إشارة بعض الدراسات إلى الحديث عن فرض عقوبات على المستوطنيين الإسرائيليِّين المتطرِّفين الذين ثَبَتَ ضلوعُهم في أعمال عدائية تجاه فلسطينيِّي الضفة الغربية، وإمكانية دراسة تقديم مساعدات مشروطة لإسرائيل وغيرها من المواقف يُعَدُّ تغييرًا نسبيًّا في الموقف الأمريكى، إلا أنه بالنظر للدعم الأمريكي على الأصعدة العسكرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية، يتَّضح بما لا يدع مجالًا لأيِّ شَكٍّ أن الولايات المتحدة الأمريكية شريكٌ أساسيٌّ في هذا العدوان، والحديث عن تغيير الموقف الأمريكي تجاه إسرائيل بخصوص وقف هذا العدوان يبدو أمرًا بعيد المنال.
وهذا يرجع لأكثر من سبب، أولها أن الدستور الأمريكي يمنح السلطة التنفيذية للرئيس وحده، حيث يكون دور الوزراء والمستشارين مقتصرًا على تقديم المشورة للرئيس، هذا فضلًا عن أن الدائرة الضيقة التي تؤثِّر في اتِّخاذ القرارات التنفيذية تتألَّف من وزراء ومستشارين في مؤسسات متنوِّعة تتَّفق جُلُّهَا على دعم إسرائيل بشكلٍ غيرِ مشروط، وعملت على دمج إسرائيل في المنطقة من خلال توسيع اتفاقيات التطبيع مع دول عربية وكان من المقرَّر قبل بداية العدوان أن تشمل هذه الاتفاقيات السعودية[20].
ثانيًا- الموقف الأوروبي من الحرب على قطاع غزة: أوروبا ليست على قلب رجل واحد
اتَّسم الموقف الأمريكي من عملية “طوفان الأقصى” بالوضوح والاتِّساق مع استراتيجيَّتها المتَّبعة منذ نشأة إسرائيل، إلا أن الموقف الأوروبي ظهر فيه الخلاف منذ اليوم الأول للحرب. ففي حين تتَّفق دول الاتحاد الأوروبي على إدانة “حماس” ووصمها بـ”الإرهابية”، ورفض استمرار حكمها لقطاع غزة، فإنها تختلف في باقي المسائل التي تخصُّ الحرب[21]، وقد انقسمت غالبية الدول الأوروبية تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة؛ فالموقف متأرجح بين إعلانها مساندتها لإسرائيل بشكل مطلق وبين إدانتها بسبب استهداف المدنيين ثم العودة للتأكيد على الدعم من جديد، ويبدو أن التخبُّط الشديد والانقسامات الحادَّة من أهمِّ سمات الموقف الأوروبي تجاه الحرب[22].
ويبدو أن هذا التخبُّط والانقسام لم يكن سمةَ الموقف الأوروبي تجاه العدوان على غزة فحسْب؛ بل هو امتدادُ تأثير أزماتٍ مَرَّ بها الاتحاد الأوروبي كأزمة منطقة اليورو وتفاقُم أزمة المهاجرين القادمين من الجنوب وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وكوفيد 19، مرورًا بالصراع الروسي الأطلسي الذي أفضى إلى وجود أزمة طاقة خانقة ازدادت حِدَّةً بعد قرار الدول الأوروبية البحث عن بدائل الغاز الروسي وصعوبة تبلْور نظامٍ أمنيٍّ مستقلٍّ بعيدًا عن المظلَّة الأمنية الأمريكية[23].
وفي رصدٍ لتطوُّر الموقف الأوروبي، هرعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين عشية عملية طوفان الأقصى، بإعلان دعمها ووقوفها بجانب إسرائيل، ليس فقط أثناء الحرب بل لفترات زمنية ممتدَّة، ومنذ تاريخ تلك التصريحات لمدة شهر ونصف تقريبًا، تجلَّى انقسامٌ واسعٌ في فهم مؤسَّسات الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء حول ماهية الوقوف بجانب إسرائيل لفترات زمنية ممتدَّة، وظهر ذلك بوضوح فيما قاله رئيس السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، والذي سارع بانتقاد الإجراءات العسكرية الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر واصفًا إيَّاها بأنها “لم تكن وفقًا للقانون الدولي”[24]. وفي منتصف ديسمبر 2023، أيدت رئيسة المفوضية الأوربية فرض عقوبات على “المتطرفين”، من المستوطنين الإسرائيليِّين في الضفة الغربية مندِّدة بـ”تصاعد” أعمال العنف باعتبارها تهدِّد استقرار المنطقة.
ومن بين الدول الأوروبية القليلة المتضامنة مع حقوق الشعب الفلسطيني تأتي بروكسل، فقد حَثَّ رئيس الحكومة البلجيكية، ألكسندر دي كرو دول الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات مشتركة لمنع “المتطرِّفين” الإسرائيليِّين، الذين يرتكبون أعمال عنف في الضفة الغربية ضدَّ الفلسطينيِّين من زيارة أوروبا، وَلَوَّحَ المسؤول البلجيكي بفرض عقوبات على وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، الذي دعا لإلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة. وذهبت نائبتُه بيترا دي سوتر الاتحاد الأوروبي إلى تعليق اتفاق الشراكة مع إسرائيل فورًا، ومنع المستوطنين والسياسيِّين والجنود المسؤولين عن جرائم الحرب من دخول الاتحاد الأوروبي”.واعتبرت المسؤولة البلجيكية قصف إسرائيل للمستشفيات ومخيمات اللاجئين في غزة “جريمة حرب”.
وفي مدريد، دعت وزيرةُ الحقوق الاجتماعية الإسبانية بالإنابة، إيوني بيلارا إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وفرض عقوبات اقتصادية عليها، وحظر بيع الأسلحة لها، وتقديم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والقادة السياسيِّين الآخرين، الذين قصفوا المدنيين إلى المحكمة الجنائية الدولية، وفي بريطانيا فاز السياسي جورج جالاوي -والذي يُعَدُّ من أبرز الموالين للقضية الفلسطينية- بنحو 40٪ من الأصوات في الانتخابات الفرعية للبرلمان البريطاني عن مدينة روتشديل في أوائل مارس 2024 والذي صرَّح أثناء حملته الانتخابية بأنه: “ليس هناك الكثير الذي يمكنني فعله لمنع نتنياهو، لكن لدي الحق في محاولة منع ريشي سوناك وكير ستارمر من التعاون معه”[25].
وكانت ألمانيا صاحبة الموقف الأكثر تطرُّفًا تجاه الحرب؛ وحاولت الموازنة بين “التزامها” التاريخي أمام شعب إسرائيل واليهود، وما بين دعم الشعب الفلسطيني في إقامة دولته؛ فهي تُدين استهداف الداخل الإسرائيلي، وتدافع عن حقِّ إسرائيل بالرد والدفاع عن النفس. وفي نفس الوقت تؤكِّد على حل إقامة الدولتين، ورفضها بناء المستوطنات؛ إلا أنها رفضت مشروع نقل السفارات إلى القدس الشرقية[26]. وقد بدا موقف ألمانيا المتطرِّف جليًّا في التدخُّل نيابةً عن إسرائيل أمام المحكمة الدولية، بعد أن اتهمت جنوب أفريقيا إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة ضد الفلسطينيِّين[27].
ومع دخول الحرب شهرها الثالث، أي في منتصف ديسمبر 2024 وبعد ارتقاء عدد كبير من الشهداء في قطاع غزة، أعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، ونظيرته الألمانية أنالينا بيربوك، أن هناك “حاجة عاجلة لوقف إطلاق نار مستدام” في قطاع غزة، مشيران في الوقت ذاته إلى ضرورة استسلام حماس حتى لا تواصل إسرائيل بدورها الحرب في إطار ما وَصَفَاهُ بحق “الدفاع عن النفس”[28].
وقد بدا هذا التخبُّط جليًّا في القرارات في أداء دول الاتحاد الأوروبي في التصويت على قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلِّقة بالحرب؛ ففي 27 أكتوبر 2023 امتنعتْ 15 دولة -من أصل 27 دولة- عن التصويت، وكانت هذه الدول ألمانيا وإيطاليا وبلغاريا والدنمارك وإستونيا وفنلندا واليونان ولاتفيا وليتوانيا وهولندا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا وقبرص والسويد، أما في تصويت الجمعية العامة في 12 ديسمبر 2023 على قرار يطالب الأطراف المتنازعة بالالتزام بالقانون الدولي والوقف الفوري لإطلاق النار والإفراج الفوري عن الرهائن، أيَّدته 17 دولة عضوًا وهي لوكسمبورج ومالطا وبلجيكا وبولندا والبرتغال وكرواتيا وإستونيا وسلوفينيا وفنلندا وفرنسا وإسبانيا واليونان والسويد وأيرلندا ولاتفيا والدنمارك وقبرص، وامتنعت عن التصويت 7 دول، هي: بلغاريا ورومانيا والمجر وألمانيا وليتوانيا وهولندا وسلوفاكيا، وعارضته دولتان هما النمسا والتشيك[29].
وجدير بالذكر، أن هناك 20 دولة من أمريكا اللاتينية والكاريبي صوَّتت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 أكتوبر 2023، الذي دعا إلى “هدنة إنسانية فورية” في غزة. كان من هذه الدول: الأرجنتين والبرازيل وبوليفيا وكولومبيا وتشيلي وكوبا والسلفادور وبيرو والمكسيك وهندوراس والإكوادور،أما أوروجواي وهاييتي وبنما فامتنعت عن التصويت، في حين صوتت كل من جواتيمالا وباراجواي ضد القرار[30].
وربما قد يكون الشيء الوحيد الذي اتَّفق عليه الأوروبيُّون في هذه الحرب هو رفضهم الحاسم لغزو رفح التي نَزَحَ إليها ما يقربُ من مليون ونصف مواطن -خصوصًا بعد تساقط عشرات الآلاف بين شهيد وجريح داخل القطاع- إلا أن هذا الموقف لم يمنع من استمرار دعم هذه الحكومات بتوريد السلاح للجيش الإسرائيلي[31].
ونستطيع القول بأن الموقف الأوروبي من الحرب أثبت انحسار فاعليَّته على الساحة الدولية؛ فموقف هذه الدول يؤكِّد على أن الدول الأوروبية لا تعدو إلا أن تكون كيانات غير فاعلة أو في أفضل تقدير تابعة للولايات المتحدة، حيث إن الدول التي عارضت الحرب لم تستطع إحداث تغيير ملموس على أرض الواقع، ناهيك عن غياب هذه الدول في أي مجهودات للوساطة لوقف إطلاق النار، وهو ما يُعَدُّ تحوُّلًا نوعيًّا -وفقًا لمحللين- في السياسات الأوروبية الخارجية تجاه القضية الفلسطينية التى لعبت أدوارًا كإعلان حق الشعب الفلسطينى في تقرير المصير في ١٩٨٠ من خلال إعلان البندقية، هذا فضلًا عن استضافة العاصمة الإسبانية مدريد لمؤتمر السلام، وفى مفاوضات السلام اللاحقة في العاصمة النرويجية أوسلو والتي نتج عنها توقيع اتفاقيات سلام في ١٩٩٣[32].
لقد كشفت الحرب على غزة عن حجم طمس الهوية الأوروبية وجعلها ضمن الهوية الأمريكية؛ وذلك بعد أن طَفَتْ إلى السطح جملة من الخلافات بين دول الاتحاد الأوروبي، تعلَّقت بمشكلة اللاجئين أولًا، تلتْها الرغبات الأمريكية بفرض صراعها مع الصين على الدول الأوروبية، ولاحقًا الحرب الروسية الأوكرانية والتي أحدثت انقسامات عديدة بين دول الاتحاد الأوروبي، لتأتي بعد ذلك العدوان على غزة، والتي أحدثت صدعًا واضحًا بين دول الاتحاد الأوروبي ما بين داعم ورافض للسياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، فضلًا عن الضغوط التي مُورست شعبيًّا ضدَّ حكومات الدول الأوروبية[33].
ثالثًا: الحضور الشعبي في الولايات المتحدة وأوروبا وموقف بعض دول أمريكا اللاتينية وسط حضور عربي ضعيف
أكسب الحضور الشعبي -الأمريكي والأوروبي- زخمًا وفاعلية لمشهد الحرب على قطاع غزة، ولعب دورًا رئيسيًّا في إعادة القضية الفلسطينية في الرأي العام العالمي؛ ففي الوقت الذي تواطأتْ فيه -بل شاركت فيه- الإدارة الأمريكية وبعض من الحكومات الأوروبية في حربها على قطاع غزة، وتخاذلت فيه كل الحكومات العربية عن اتخاذ قرارات لإنقاذ الوضع المتدهور داخل قطاع غزة ووقف إطلاق النار، على الرغم من امتلاكها أدوات ضغط عديدة لفعل ذلك، أقربها تعليق جزئي/ كلي ولو بشكل مؤقَّت لأشكال التطبيع مع إسرائيل، واستخدام ورقة النفط والمقاطعة الاقتصادية للضغط على تل أبيب والحلفاء الذين يدعمونها، وسحب سفرائها أو طرد السفير الإسرائيلي على غرار ما فعلته البرازيل بقرار سحب سفيرها من تل أبيب وطرد السفير الإسرائيلي من البرازيل في 24 من فبراير، ويبدو أن الشعوب كان لها رأي مغاير عمَّا تَمَّ إعلانه من قبل الحكومات بشكل رسمي.
انطلقت المظاهرات والاحتجاجات المؤيِّدة للفلسطينيِّين والتي طالبتْ بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وذلك مع استمرار العدوان الإسرائيلي للشهر السادس على التوالي على القطاع، وانطلقت المظاهرات الحاشدة في عواصم عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة وآسيا وأفريقيا، وشهدت عواصم أوروبية حضورًا غير مسبوق للحشود الجماهيرية التي أكَّدت على مشروعية الحق الفلسطيني في إقامة دولته وضرورة وقف معاناة المدنيِّين في قطاع غزة، وانتقل صدى هذا الغضب لأكثر من 800 مسؤول في الولايات المتحدة وبريطانيا، والاتحاد الأوروبي الذين أصدروا رسالة عامة معارضة ضد دعم حكوماتهم لإسرائيل في هذا العدوان[34]، والتي رأوا فيها أن سياسات حكوماتهم تضعف من مكانتها الأخلاقية وتقوِّض قدرتَها على الدفاع عن الحرية والعدالة وحقوق الإنسان على مستوى العالم”.
ويُخشى من تأثير هذه المظاهرات في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب قُرب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2024، حيث لاقتْ حملةُ بايدن الانتخابية في ولايات عديدة والتي تضمُّ أعدادًا كبيرةً من الأمريكيِّين من أصول عربية وشرق أوسطية مثل ميتشيجان، تجاهلًا وغضبًا متزايدًا مع استمرار الحرب، ويعتمد الحزب الديمقراطي الذي يسْعى للفوز بالانتخابات المقبلة على أوساط اليسار والأفارقة واللاتينيين والأقليات بشكل عام، لكن موقف هذه الفئات -في غالبها- رافض للحرب التي تشنُّها “إسرائيل” على قطاع غزة. وبدا ذلك واضحًا في المظاهرات التي خرجتْ في عدَّة مدن أمريكية، والتي وُصفت بأنها الأكبر منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، إذ مثَّلت هذه الفئات -التي يعتمد عليها الحزب الديمقراطي- نسبةً كبيرةً من المشاركين في التظاهرات الرافضة للحرب.
ووفقًا لتحليل أجراه عالم الاجتماع الكمِّي في جامعة كريستوفر نيوبورت “يوسف شهود” مستعينًا باستطلاعات الرأي من عدَّة مصادر بينها منظمة Emgage غير الربحية ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، بأن الكثير من الناخبين من أصول عربية ومسلمة قد يمتنعون عن التصويت أو يصوِّتون لطرف ثالث في انتخابات العام 2024، على الرغم من تصويتهم بقوة لبايدن في انتخابات عام 2020[35].
ومع تزايد الاحتجاجات داخل أوروبا، اتَّجهت حكومات أوروبا نحو فرض ضغوط أمنية على المواطنين والمقيمين من أصول فلسطينية وعربية وإسلامية، وفرضتْ حظرًا على بعض التجمُّعات والتظاهرات، كما تمَّ استخدام اتهام “معاداة السامية” في بعض الأحيان كاتهام مسبق على جميع الفلسطينيِّين والعرب والمسلمين دون وجود دليل على إدانتهم. في هذا السياق، تميَّزت ممارسات حكومات ألمانيا وبريطانيا وفرنسا بالتعسُّف الشديد. واختلف المشهد في أوروبا بشكل جوهري عن نظيره في الولايات المتحدة؛ ففي الوقت الذي انحازتْ فيه الولايات المتحدة بشكل كامل سياسيًّا وعسكريًّا وماليًّا لصالح إسرائيل، لم تقيِّد كل سلطاتها -سواء على المستوى الفيدرالي أو على مستوى الولايات- الاحتجاجات المناهضة للحرب، ولوحظ تلاشي الضغوط التي واجهها الأفراد المتعاطفون مع قضية فلسطين في الجامعات الأمريكية، سواء كطلاب أو أعضاء هيئات تدريس، تدريجيًّا في ظلِّ تصاعد الانتقادات العلنيَّة الموجَّهة نحو إسرائيل والشكوك حول تورُّطها في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب في غزة[36].
وفي رصد التطوُّر الملحوظ لدور الشارع الأمريكي في إعلان استيائه من العدوان، قام جندي أمريكي بسلاح القوات الجوية في 25 فبراير 2024 بإشعال النار في نفسه بزيه العسكري أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن، مصرِّحًا بأنه”لن يكون متواطئًا بعد الآن في الإبادة الجماعية”، مسمِّيًا ما قام به من “عمل احتجاجي قاسٍ لا يُقارن بما يُعانيه الفلسطينيُّون في غزة”. وبعد أن أشعل النار في نفسه، صرخ قائلًا “فلسطين حرة”حتى فاضتْ روحُه، وربما تذكِّرنا هذه الواقعة بما حدث أثناء حرب فيتنام؛ ففي 2 نوفمبر 1965 قام المواطن الأمريكي نورمان موريسون بإشعال النار في نفسه قبالة مكتب وزير الدفاع الأمريكي احتجاجًا على حرب أمريكا في فيتنام[37]. ولكن ما فعله آرون كان له تأثير أعمق ودلالة مختلفة لأن هذا الفعل لم يصدر من مواطن عادي غاضب، بل من أحد أفراد الجيش الأمريكي.
وعلى الرغم من تعامل وسائل الإعلام الأمريكية مع واقعة آرون بوشنيل بتجاهل وبرود من ناحية، وبتشويه من ناحية أخرى، فإن ما فعله آرون بوشنيل بحرق نفسه بزيه العسكري من أجل وقف الحرب في غزة، يبقى مؤشِّرًا خطيرًا ويعكس مدى تنامي مشاعر الغضب للحرب على غزة باعتبارها تتنافَى مع القيم، ويشير أيضًا إلى مدى تأثير هذه الحرب في الرأي العام الأمريكي.
وفي استطلاع رأي أجراه مركز Data For Progress في 27 فبراير 2024 حول مدى الرضا عن الطريقة التي يدير بها جو بايدن الصراع الدائر داخل غزة، وجد أن حوالي ثلثي المصوِّتين (67٪) -التي تتألَّف من 77٪ من الديمقراطيين و69٪ من المستقلِّين و56٪ من الجمهوريِّين- يدْعمون وقفًا دائمًا لإطلاق النار، ويمثِّل ذلك زيادةً بنسبة 6 نقاط في دعم الولايات المتحدة لوقفٍ دائمٍ لإطلاق النار منذ آخر استطلاع قام به “Data for Progress” لهذا السؤال في نوفمبر، مع زيادة بنسبة 12 نقطة بين المستقلين[38].
رابعًا- خطورة تطويل أمد الحرب وضلوع أطراف إقليمية في الصراع: الحوثيون وحزب الله نموذجين
على الرغم من انخراط الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية في العدوان على قطاع غزة؛ فإنه دائمًا ما يتوالَى الحديث عن ضرورة عدم توسيع رقعة الصراع في الشرق الأوسط، خصوصًا بعد ضلوع أطراف إقليمية في هذه الحرب، ممَّا يُنبئ باحتمالية تطويل أمدِها عن ما كان متوقَّعًا؛ خصوصًا أن هذه الحرب لم تَعُدْ مقتصرةً على ما يدور داخل القطاع، بل هي حرب على كلِّ ما هو فلسطيني؛ امتدَّ العدوان للضفَّة الغربية والتي تمَّ فيها رصد 561 حادثة لهجمات المستوطنين الإسرائيليِّين ضدَّ الفلسطينيِّين سجَّلها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الفترة ما بين 7 أكتوبر 2023، و20 فبراير 2024[39]، ناهيك عن سقوط عددٍ كبيرٍ من الشهداء في الضفَّة الغربية بلغ عددُهم منذ السابع من أكتوبر نحو 416 شهيدًا وفقًا لإحصائيَّة تمَّ رصدُها في 1 مارس 2024[40].
فيما نزح أكثر من ١٠٠ ألف إسرائيلى من قراهم ومدنهم في الشمال الإسرائيلي منذ بدء العدوان على غزة، وذلك عقب استهداف حزب الله من جنوب لبنان بعض الأهداف العسكرية والمدنية في هذه المنطقة وهو ما يُعَدُّ تهديدًا أمنيًّا حقيقيًّا لإسرائيل، وفي المقابل رَدَّ الجيشُ الإسرائيليُّ بقصفٍ جويٍّ ومدفعيٍّ لاستهداف بنى تحتية في لبنان، ويتبادل طرفا النزاع التهديدات بتوسيع نطاق الحرب، وما زادَ اشتعالَ الوضعِ الميدانيِّ في لبنان -خصوصًا بعد أن تكبّد الجيش الإسرائيلي خسائر داخل معاركه في غزة- هو اغتيال نائب رئيس المكتب السياسى لحماس صالح العارورى في 2 يناير 2024 في ضاحية بيروت الجنوبية، وبالهجوم على مناطق مدنية، وإطلاق تصريحات من مسؤولين إسرائيليِّين بشأن اقتراب الحرب الشاملة مع حزب الله وذلك للقضاء على قدراته الصاروخية ولإبعاده عن المنطقة الحدودية بين البلدين وإعادة الأشخاص المهجَّرين الإسرائيليِّين في الشمال، وفي جميع الأحوال هناك توجُّس محلي ودولي من توسُّع تبادل القصف عبر الحدود إلى مواجهة واسعة بين حزب الله وإسرائيل وإعادة مشهد حرب 2006، إلا أنه بعد مرور ستة أشهر من الحرب يبدو أن هذا التوجُّس في غير محلِّه.
وفي 2 فبراير 2024 شَنَّ الجيش الأمريكي عشرات الغارات على أهداف في العراق وسوريا واليمن (لاستهداف المجموعات المسلَّحة المدعومة من إيران)، ردًّا على الهجوم الذي استهدف قاعدة عسكرية في الأردن في 28 يناير 2024 وأسْفر عن مقتل ثلاثة من العسكريِّين الأمريكيِّين، وكذلك للردِّ على الهجمات التي يشنُّها الحوثيون على السفن التجارية في البحر الأحمر التي تشغلها شركات إسرائيلية أو تنقل بضائع من إسرائيل أو إليها، والتي بلغ إجماليها -أي السفن التي شَنَّتْ حركة أنصار الله الحوثي هجومًا عليها حتى 29 فبراير 2024- حوالي 54 سفينة[41]، وكانت هجمات الحوثيِّين قد جاءتْ للتضامن مع قطاع غزة ولإيصال مواد الإغاثة بسلاسة داخل القطاع، ومن ثم قامت ووجَّهت الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات جوية متكرِّرة على مواقع للحوثيِّين بهدف تعطيل وإضْعاف قُدرات الجماعة على تعريض حرية الملاحة للخطر وتهديد حركة التجارة العالمية.
ويبدو أن الغارات التي شنَّتها الولايات المتحدة الأمريكية -التي طالما أعلنت عن عدم رغبتها في تمديد نطاق الحرب والحيلولة دون تحولها لصراع خارج قطاع غزة- كشفت عن أنها لا تأْبه كثيرًا بقيام حرب إقليمية جديدة في الشرق الأوسط وفتح جبهة جديدة للصراع تورِّطها في صراع مع إيران بشكل غير مباشر[42]. وذلك للإشارة إلى أنه مهما بلغت الضغوطات من عدَّة أطراف إقليمية فهذا لن يُثني الولايات المتحدة عن تقديم الدعم لإسرائيل في عدوانها على قطاع غزة، حتى لو كان على حساب مَدِّ رُقعة هذه الحرب.
خامسًا- استشراف مستقبل الدعم الأمريكي والأوروبي في الحرب على فلسطين
مَثَّلَ العدوان على قطاع غزة اختبارًا كاشفًا للقيم والمبادئ التي لطالما أعلنت عن تمسُّكها بها حكومات الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية ثم انسلخت منها، ففي الوقت الذي تأرجحت فيه المواقف الأوروبية تجاه الحرب، فإن الموقف الأمريكي كان أكثر وضوحًا وحسْمًا؛ فمهما ارتفعت تكلفة هذه الحرب سيبقى الدعم الأمريكي غير مشروط. ولا يمكن إغفال دور المظاهرات التي انطلقت في قلب العواصم الأوروبية وفي الولايات المتحدة التي لعبتْ دورًا في إعادة وضع القضية الفلسطينية في أجندة الرأي العام العالمي، وعلى إثرها فقد شَهِدَ الموقف الرسمي تحوُّلًا نسبيًّا على الأقل على مستوى التصريحات، ولكن لم يكن تغييرًا نوعيًّا يُفضي إلى انتهاء هذا العدوان، وربما كانت هناك عوامل قد تكون حاسمة إلى حَدٍّ ما في مستقبل مشاركة الولايات المتحدة -التي تُعَدُّ رأسَ الحربة- في العدوان على غزة، ومن أهمِّ هذه العوامل فرض المزيد من الضغط من الكونجرس الأمريكي والدعوة إلى ربط المساعدات المقدَّمة لإسرائيل بوقف إطلاق النار وعدم تقديم الدعم العسكري المطلق لإسرائيل على غرار ما قام به السيناتور بيرني ساندرز، لعدم جدوى دخول الولايات المتحدة في حرب لا نهاية لها ممولة من دافعي الضرائب بشكل أساسي وهو ما أكدته آخر استطلاعات الرأي التي تمت الإشارة إليها سابقًا في هذا التقرير، وفي حال إذا ما تعالت هذه الأصوات داخل الكونجرس الأمريكي حينها سيصبح دعم إسرائيل في عدوانها على قطاع غزة عبئًا على الولايات المتحدة، وقد يُسرع ذلك من وتيرة الدخول في مفاوضات للإفراج عن الأسرى الإسرائيليِّين داخل غزة، ومن ثمَّ إنهاء العدوان.
قد يُسْهِمُ تعالي الأصوات المعتدلة في الداخل الأمريكي -سواء في الكونجرس أو في دوائر صنع القرار- التي تنبِّه إلى أن دعمَ الإبادة الجماعية في غزة قد يدمِّر صورتَها في العالم الإسلامي ويقوِّض من مصداقية القيم التي تدعو إليها من إحداث تغيير، والتحذير من وطأة تنامي مشاعر عدائية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وما قد ينطويه ذلك على مخاطر صعود اتجاهات متطرِّفة تشكِّل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي والأوروبي، وهو ما أسْماه البعض “ثمن النفاق الأمريكي الباهظ”، أيضًا تكرار وسائل الاعتراض “المتطرِّفة” على غرار ما فعله الجندي الأمريكي آرون بوشنيل أمام السفارة الإسرائيلية في تل أبيب على نطاق واسع في أوساط الجنود الأمريكيين والأوروبيين، قد يحرك ساكنًا في داخل الرأي العام العالمي داخل الولايات المتحدة، الذي أبْدى امتعاضَه من سقوط المزيد من المدنيِّين بواسطة الأسلحة المموَّلة من الضرائب التي يدفعونها.
وقد يتحدَّد مستقبل مشاركة الولايات المتحدة في هذا العدوان بسرعة إدراك الإدارة الأمريكية خطر تصاعد التوتُّرات وفتح جبهة قتال مع إيران وتداعياتها الخطيرة على أمن الشرق الأوسط، وما سيُحدثه ذلك من آثار سلبية على إمدادات بعض السلع الصناعية الأساسية وإمدادات الطاقة، وعلى قناة السويس، وعلى شركات التجارة والملاحة الدولية وشركات التأمين المرتبطة بها، أيضًا تشكل عرقلة عملية تطبيع الدول العربية مع إسرائيل عاملًا حاسمًا في الدعم الأمريكي لهذا العدوان وخصوصًا بعد بذل الولايات المتحدة الأمريكية مجهودات حثيثة لدمج إسرائيل داخل العالم العربي؛ حيث أفادت استطلاعات رأي بتراجع الدعم العربي الشعبي للتطبيع بما في ذلك السعودية بعد الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة[43] فإذا ما أرادت أي دولة من الدول العربية التي قطعت أشواطًا في مسيرة التطبيع إيقاف هذا العدوان بالتهديد بتجميد العلاقات مع إسرائيل لربما تغيَّر الوضع وساهم ذلك في تغيير موقف الولايات المتحدة من الدعم اللامشروط لإسرائيل، ولكن احتمالية إيقاظ هذه الإرادة بعد مرور ما يربو على خمسة أشهر من العدوان يبقى منعدمًا.
وعلى الرغم من أن موقف الشعوب العربية يختلف كثيرًا عن المواقف الرسمية التي أعلنتها الحكومات العربية؛ إلا أن هذا العدوان قد يخلق وضعًا حسَّاسًا مضطربًا -نتيجة للتضييق المفروض على هذه الشعوب للتعبير عن رأيهم تجاه ما يحدث في غزة- لدى الرأي العام العربي يُخشى من تصعيده وترجمته في شكل أفعال لا تحبِّذها الحكومات المستبدَّة.
خاتمة:
استعرض التقرير مستقبل المشاركة الأمريكية والأوروبية في الحرب على فلسطين وعدوانها على قطاع غزة على وجه التحديد بعد عملية طوفان الأقصى، من خلال تناول الدعم المقدَّم من الولايات المتحدة لإسرائيل منذ نشأتها؛ ليُبرهن على أن التطوُّر الذي لَحِقَ بالموقف الأمريكي منذ بداية العدوان على قطاع غزة لا يعدُو أن يكون شكليًّا؛ إلا أن هذا لا ينفي أن هذا الموقف المتعنِّت يواجهُ ضغوطات ظهرت جليًّا في تغيُّر نتائج استطلاعات الرأي العام لدى مراكز الأبحاث وتصريحات بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي على الرغم من هيمنة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وبخاصة من خلال لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية AIPAC، وفي المقابل بدا الموقف الأوروبي متشرذمًا وتابعًا للموقف الأمريكي فيما يتعلَّق بالحرب، وهو ما يثبت مقولة الجنرال ديجول بأن “أوروبا عملاق اقتصادي وقزم سياسي”.
ولم تمنع مواقف معظم الحكومات الأوروبية والحكومة الأمريكية المتطرفة من خروج مظاهرات عارمة جابت شوارع العواصم الأوروبية والمدن الأمريكية منددة بما اقترفته القوات الإسرائيلية في عدوانها على قطاع غزة والتي استطاعت أن تعيد القضية الفلسطينية وعدالتها في صدارة الرأي العام العالمي والتي عكست تأثير عملية طوفان الأقصى على إيقاظ ضمائر الشعوب، وشوهد تضييقًا في مظاهرات بعض العواصم الأوروبية بينما أُتيحت فرص أوسع لانطلاق هذه المظاهرات في الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الرغم من اتساع رقعة وعدد هذه المظاهرات إلا أنها لم تُشَكِّل ضغطًا ملحوظًا على دائرة صنع القرار الأمريكي فيما يخص بوقف إطلاق النار داخل القطاع.
وأمام سيل الانتقادت الذي تمَّ توجيهه لهذا العدوان ومطالبة معظم دول العالم بوقف دائم للعدوان بعد سقوط عدد كبير من الشهداء وتأزم الوضع الإنساني داخل القطاع، وما يفرضه ذلك من عزلة دولية على بايدن ونتينياهو، لوحظ تشدُّد الموقف الإسرائيلي -المطمئن بالموقف الأمريكي الداعم دائمًا- الذي يؤكِّد على أن الضغوط الدولية لن تُثنيه عن مواصلة تحقيق أهدافه المعلنة -مهما كلَّف الأمر من تضحيات- المتمثِّلة في القضاء على قدرات حماس والإفراج عن الأسرى الإسرائيليِّين؛ الأهداف التي لم تتحقَّق حتى بعد دخول هذا العدوان شهره السادس.
وعلى الرغم من أن طول أمد الحرب وتوسيع رُقعتها يَضُرُّ بالمصلحة الأمريكية والإسرائيليَّة على حَدٍّ سواء، وساهم في كشف زيف القيم التي تُنادي بها المنظومة الغربية المتمثِّلة في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن يبدو أن هذا لن يُثْنِيَ الولايات المتحدة عن دعمها لإسرائيل، وربما لن يُوقف هذا السيلُ الجارفُ من الدماء وتدهور الوضع الإنساني داخل القطاع إلا بتحمُّل الولايات المتحدة تكلفة باهظة تفوق بمراحل ما تكبَّدته من مليارات في هذا العدوان، وذلك بمزيد من انخراطها في صراعات داخل منطقة الشرق الأوسط وإعادة ترتيب أولويات سياساتها الخارجية بين منطقة الشرق الأوسط ومنطقة الإندو-باسيفيك.
____________________
هوامش
[1] عمرو عبدالعاطي، هجوم حماس والانكشاف الإسرائيلي، ملحق تحولات استراتيجية بعنوان الصدمة الإسرائيلية، المجلد 59، العدد 235، يناير 2024، ص3.
[2] ‘No end in sight’ to Ukraine war, UN political chief warns, United Nations, 10 January 2024, Accessed: 22 January 2024, available at: https://news.un.org/en/story/2024/01/1145372
[3] عوض الرجوب، بالأرقام: أبرز انتهاكات الاحتلال بفلسطين خلال 2023، موقع الجزيرة نت، 31 ديسمبر 2023، تاريخ الاطلاع: 5 فبراير 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/DFGHJ
[4] Ron Lee, Thousands protest for immediate cease-fire in Gaza, Spectrum News, 2 March 2024, Accessed: 8 March 2024, available at: https://shorturl.at/jouC3
[5] مظاهرات بكندا والدنمارك وأيرلندا تنديدًا بالعدوان على غزة، موقع الجزيرة نت، 25 فبراير 2024، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/uAOV4
[6] مظاهرات حاشدة في مدن أوروبية لوقف “الإبادة الجماعية” في غزة، موقع الجزيرة نت، 10 فبراير 2024، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2024، متاح عبر الربط التالي: https://shorturl.at/jnpN2
[7] تطورات المواقف الأمريكية والأوروبية من الحرب على غزة: السياقات والدوافع، المسار للدراسات الإنسانية، 30 نوفمبر 2023، تاريخ الاطلاع: 5 فبراير 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/cfghE
[8] سامح جريس، تزيد على 13.1 مليون يوميا.. المساعدات الأمريكية لإسرائيل الأكبر في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، القاهرة الإخبارية، 21 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 5 فبراير 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/syFPU
[9] Jonathan Masters and Will Merrow, U.S. Aid to Israel in Four Charts, Council on Foreign Relations, 23 January 2024, available at: https://www.cfr.org/article/us-aid-israel-four-charts
[10] إعداد الباحثة بالاعتماد على البيانات، نقلًا عن مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي: انظر المرجع السابق.
[11] تطورات المواقف الأمريكية والأوروبية من الحرب على غزة: السياقات والدوافع، مرجع سابق.
[12] Jared Malsin and Nancy A. Youssef U.S. Plans to Send Weapons to Israel Amid Biden Push for Cease-Fire Deal, The Wall Street journal, 17 February 2024, Accessed: 6 February 2024, available at: https://shorturl.at/bNRST
[13] The Biden administration once again bypasses Congress on an emergency weapons sale to Israel, PBS, 29 December 2023, Accessed: 6 February 2024, available at: https://shorturl.at/foJQ7
[14] Sarah Yager, How to End America’s Hypocrisy on Gaza, Human Rights Watch, 8 February 2023, Accessed: 22 February 2024, available at: https://shorturl.at/dfju2
[15] محمد المنشاوي، رغم دعمه القوي لإسرائيل.. بايدن في مرمى انتقادات منظمات يهودية بأميركا، موقع الجزيرة نت، 10 فبراير 2024، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/kxJN1
[16] عبد المحسن سلامة، «السقوط الكبير» للعدوان الإسرائيلى في الشهر الخامس، تحليلات السياسة الدولية، 18 فبراير 2024، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://www.siyassa.org.eg/News/21779.aspx
[17] ما هي الدول التي قررت مواصلة تمويل الأونروا لمساعدة الفلسطينيين؟، موقع France 24، 1 فبراير 2024، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: rb.gy/fkvoma
[18] Peter baker, Biden sharpens criticism of Israel, calling its Gaza response ‘over the top’, The New York Times, 8 February 2024, Accessed: 22 February 2024, available at: https://bit.ly/3PrT523
[19] Andrew Solender, Pro-Israel Democrats push Biden for temporary Gaza ceasefire, Axios Website, 1 March 2024, Accessed: 8 March 2024, available at: https://bit.ly/4cjJzIg
[20] منار الشوربجي، هل تغير موقف إدارة بايدن من إسرائيل، المصري اليوم، العدد 7184، 14 فبراير 2024، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3ToVv2E
[21] تطورات المواقف الأمريكية والأوروبية من الحرب على غزة: السياقات والدوافع، مرجع سابق.
[22] تباين المواقف.. هل تخلق حرب غزة شرخا داخل الاتحاد الأوروبي، سكاي نيوز عربية، 16 نوفمبر 2023، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: rb.gy/kpszgv
[23] فتحي بولعراس، إشكاليتا الأمن والطاقة ومستقبل الاتحاد الأوروبي في ضوء الحرب الأوكرانية، السياسة الدولية، المجلد 59، العدد 235، يناير 2024، ص 126.
[24] Marc Martorell Junyent, The European Union: United in disunity over the Gaza war, The New Arab, 21 November 2023, Accessed: 22 February 2024, available at: https://bit.ly/3vfrSJe
[25] بريان ويلر وجنيفر ماكيرنان، من هو جورج غالاوي الذي عاد مؤخرا للساحة السياسية بعد حرب غزة؟، بي بي سي عربي،1 مارس 2024، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3Tm5S7w
[26] عبد الكريم أهروبا، في انحياز ألمانيا إلى إسرائيل في حربها على غزة، موقع الجزيرة نت، 5 نوفمبر 2023، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/tCG34
[27] H. A. Hellyer, Why Gaza Forces Europe to Act, Carnegie Middle East Center, 19 February 2024, Accessed: 22 February 2024, available at: https://carnegie-mec.org/diwan/91674
[28] تغيير في المواقف: بريطانيا وألمانيا تدعوان إلى “وقف إطلاق نار دائم” في غزة، مونت كارلو الدولية، 17 فبراير 2024، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/hiBKO
[29] أحمد قاسم حسين، مقاربة الاتحاد الأوروبي للحرب الإسرائيلية على غزة: صراع القيم والمصالح، سلسلة تقييم حالة، المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسة، 25 فبراير 2024، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/dpQV4
[30] صدفة محمد محمود، مواقف متباينة: كيف يمكن فهم استجابة دول أمريكا اللاتينية للحرب في غزة، قضايا وتحليلات الصراع العربي الإسرائيلي، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 5 نوفمبر 2023، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://acpss.ahram.org.eg/News/21043.aspx
[31] حماس ترحب بالمواقف الأوروبية بشأن رفح، شبكة الجزيرة نت، 26 فبراير 2024، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/cstCZ
[32] عمرو حمزاوي، الحرب في غزة: مرايا العجز الأوروبي، الشروق، 26 يناير 2024، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/KLX25
[33] حسن مرهج، تحليل: أوروبا وتداعيات الحرب في غزة، i 24 News، 19 فبراير 2024، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/gjnQS
[34] 800 civil servants in US, UK, EU call on their gov’ts to push for Gaza ceasefire, Ahram Online, 2 February 2024, Accessed: 22 February 2024, available at: https://shorturl.at/fGOU4
[35] سياسة بايدن الداعمة لإسرائيل قد تكلِّفه باهظًا في الانتخابات الرئاسية المقبلة، مونت كارلو الدولية، 26 فبراير 2024، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/ikAJZ
[36] عمرو حمزاوي، الحرب في غزة: مرايا العجز الأوروبي، مرجع سابق.
[37] John-Paul Flintoff, I told them to be brave, The Guardian, 16 September 2010, Accessed: 8 March 2024, available at: https://bit.ly/490aea3
[38] Voters Support the U.S. Calling for Permanent Ceasefire in Gaza and Conditioning Military Aid to Israel, Data For Progress, 27 February 2024, Accessed: 22 February 2024, available at: https://shorturl.at/vHJ89
[39] تريستينو مارينييلو و أليس بانبينتو، عنف المستوطنين: خطة التطهير العرقي الإسرائيلية في الضفة الغربية، موقع الجزيرة نت، 29 فبراير 2024، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/gkzI6
[40] حصيلة شهداء الضفة ترتفع لـ416.. استشهاد فلسطيني بعد ساعات من استشهاد شقيقه برصاص الجيش الإسرائيلي بالخليل، رأي اليوم، 1 مارس 2024، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: rb.gy/j6t0s9
[41] الحوثيون: استهدفنا 54 سفينة منذ بداية العمليات عقب اندلاع حرب غزة، موقع قناة العربية،29 فبراير 2024، تاريخ الاطلاع: 8 مارس 2024، الرابط: https://shorturl.at/moAMR
[42] الأمور تزداد تعقيدًا وسط تحذيرات من تفجر الوضع.. من يسعى لإطالة أمد صراع الشرق الأوسط؟، جريدة الرياض، 2 مارس 2024، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://www.alriyadh.com/2062516
[43] Catherine Cleveland and David Pollock, New Poll Sheds Light on Saudi Views of Israel-Hamas War, Policy Analysis, Fikra forum, 21 December 2022, Accessed: 22 February 2024, available at: rb.gy/hfcus0
- نُشر التقرير في فصلية قضايا ونظرات- العدد الثالث والثلاثون- أبريل 2024