مؤسساتنا الدينية بين المأسسة والتسييس والتدويل


مقدمة:
ينقسم هذا التقرير إلى ملفين رئيسين؛ أولهما يختص بالمؤسسة الدينية الرسمية، وقد تم اختيار «الأزهر» و«دار الإفتاء المصرية» كنموذج معبر عن هذه المؤسسة، أما الثاني فإنه يُعنى بالحديث عن المؤسسة الدينية غير الرسمية كالطرق الصوفية بالإضافة إلى عدد من المؤسسات المعنية بهذا الجانب حول العالم، وتجدر الإشارة إلى أنه تم التعرض للأزمة التي أحدثتها تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي بشأن «المدّ الشيعي» في المجتمعات السُنية في محور مستقل كدراسة حالة، حيث إن هذه الأزمة تعد نموذجًا معبرًا عن حالة مختلف أطياف المؤسسات الدينية التي شملها التقرير.
(1) المؤسسة الدينية الرسمية: التسييس والمأسسة
الحالة المصرية نموذجًا
يهتم هذا الجانب الذي يلقي الضوء على المؤسسة الدينية في مصر وعلاقتها بالسياسة من جهة، والعمل المؤسسي داخلها من جهة أخرى، بمدى تأثر هذه المؤسسة بالتداعيات السياسية، وكذلك بمقدار احترامها وتطبيقها لمتطلبات العمل المؤسسي داخلها من جهة أخرى.
ويأتي اتخاذنا لنموذج الحالة المصرية (المتمثل في الأزهر ودار الإفتاء) لما تتمتع به المؤسسات الدينية في مصر من منزلة كبيرة، فضلًا عن مركزية الأزهر التي تجعل رؤاه وتوجهاته تلقى صدى واسعًا في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وكونه محور نظر الجهات التي تتعامل مع ممثلٍ للإسلام يحظى باحترام جميع أتباعه. وكذلك للاهتمام الكبير الذي حظيت به دار الإفتاء المصرية داخليًّا وخارجيًّا في الآونة الأخيرة.
وقد تمت متابعة بعض القضايا المهمة التي تبدت عبر هذا العام 2008، والتي عبّرت عن إشكاليات عادةً ما تَعْتَوِرُ عملَ المؤسسة الدينية؛ بين أثر التداخل مع الشأن السياسي من جهة واستمرار الحاجة إلى تحقق سمة المؤسسية في الأداء من جهة أخرى؛ فيما يمكن استعراضه على النحو التالي:
أولًا- الأزهر الشريف
نسلط الضوء فيما يتعلق بالأزهر الشريف على عدة محاور مهمة؛ نبدأها بالعلاقة الملتبسة بين الأزهر وإيران أو الشيعة، ونثني عليها بالخطوة المهمة التي اتخذها الأزهر بضم أعضاء جدد لمجمع البحوث الإسلامية من خارج مصر وفق قانون الأزهر رقم 103، ثم نتعرض لقضية إلغاء تدريس المذاهب الفقهية بالمرحلة قبل الجامعية بالأزهر.
1- الأزهر وإيران:
بدت التحركات الإيرانية تجاه الأزهر في مطلع العام 2008 وتعاطي الأزهر معها أمرًا مبشّرًا بمزيد من التعاون والتقارب بين مصر وإيران، فضلًا عن انعكاس هذا التقارب على جهود التقريب السُّنّي-الشيعي، بيد أن الحال المبشّر لم يدم طويلًا، إذ اعترته في شهر يوليو أزمة الفيلم الإيراني “إعدام الفرعون” وما أعقبه من ردود فعل عنيفة من الجانب المصري، وشارك فيها الأزهر ببيان شديد اللهجة صدر عن مجمع البحوث الإسلامية.
(أ) خطوات على طريق التقارب:
جرت تحركات إيرانية عدة للتقارب مع الأزهر الشريف، قابلها الأزهر بردود إيجابية، وقد تمثل ذلك في الآتي:
■ إيران والرغبة في التعاون مع الأزهر
فقد أعرب غلام علي حداد رئيس مجلس الشورى الإيراني في 31 يناير 2008 عن رغبة بلاده في تعزيز التعاون بين مؤسساتها الدينية والأزهر الشريف، من خلال برامج لتبادل الأساتذة والعلماء في محاولة لتجاوز الخلافات المذهبية والطائفية بين المسلمين.
وقال حداد في زيارته الأولى لمشيخة الأزهر: “إن إيران على استعداد لأن تؤدي دورًا فاعلًا لجمع شمل الحكومات والشعوب الإسلامية”، مشيرًا إلى أهمية تعزيز التعاون بين المؤسسات الدينية في البلدين، إضافة إلى التعاون العلمي والثقافي. ودعا خلال لقائه بشيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي إلى الاتفاق على برامج لتبادل الأساتذة والعلماء بين الأزهر والجامعة الإسلامية في إيران؛ لتجاوز الخلافات المذهبية في العالم الإسلامي.
وأكد شيخ الأزهر على أن: “تقارب المسلمين وتوحدهم حول قضاياهم ومشكلاتهم وحماية مصالحهم أمر حتمي؛ لمواجهة الأحداث والصراعات التي تسود العالم، ولا يجوز أن تكون هناك خلافات تمنع اتفاق أبناء العقيدة الواحدة”، معربًا عن تقدير الأزهر للجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقال: “إن هناك عقيدة واحدة تربط بين الأزهر الشريف والجمهورية الإيرانية الإسلامية، حيث يعمل الجميع لخدمة الإسلام والمسلمين”. هذا، وقد جاء هذا اللقاء في ظل تصريحات من القاهرة وطهران تتحدث عن إمكانية استئناف العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بينهما[1].
■ الأزهر يقبل طلبة إيران السُّنة:
وفي تطور آخر وافق شيخ الأزهر على قبول الطلاب السُّنَّة من إيران للدراسة بالأزهر الشريف، وقال خلال لقائه بوفد سُنّي رسمي من إيران برئاسة إبراهيم فاضل الحسيني مفتي محافظة خراسان في 14 مايو 2008،: “لا يوجد لدى الأزهر مانع من قبول أي سُنّي في العالم للدراسة بالأزهر”. لكن شيخ الأزهر ألمح إلى أهمية أن يكون الطلاب المراد ضمهم للأزهر ممن درسوا في مؤسسات تعليمية سُنّية قائلًا: “الأزهر لديه استعدد لقبول طلاب سُنّة إيرانيين، درسوا في المعاهد السُّنية وحصلوا على تعليم ديني مناسب يؤهلهم للدراسة بالأزهر”[2].
■ إيران تطلب رسميًّا إنشاء معهد أزهري بطهران:
وفي 10 يونيو 2008 تقدمت إيران رسميًّا إلى مشيخة الأزهر بطلب لإنشاء معهد أزهري بالعاصمة طهران لتدريس المناهج الأزهرية السُّنية، تمهيدًا لإلحاق الطلاب الإيرانيين بكليات الأزهر دون الحاجة إلى معادلة شهاداتهم، وهو ما قوبل بترحيب كبير من شيخ الأزهر.
وفي هذا السياق لفت المستشار الثقافي بمكتب رعاية مصالح إيران بالقاهرة الدكتور محمد زماني إلى أن إيران ترحب بكل ما من شأنه دعم العلاقة بين المؤسسات التعليمية الإيرانية والأزهر الشريف قائلا: “نحن نريد دعم التعاون العلمي والثقافي مع الأزهر، وتطبيق برامجه التعليمية خاصة في الأقسام الشرعية بالجامعات الإسلامية بإيران”، وطالب بنسخة من المناهج الأزهرية.
وبهذا الصدد تقدم زماني بطلب إلى شيخ الأزهر لتوفير عشرة مدرسين في تخصصات “قراءات القرآن، والفلسفة، واللغة العربية، والفقه المقارن”، مشيرًا إلى أن إيران ترحب بإرسال أساتذة أزهريين للتدريس بالجامعات الإيرانية. ومن المقرر أن تتم الاستعانة بهؤلاء المدرسين ابتداء من العام الدراسي المقبل الذي يبدأ في 10 أكتوبر ليتسلموا مهام عملهم في جامعة المصطفى العالمية، وهي جامعة إسلامية تقوم بتدريس العلوم الشرعية. ولفت زماني إلى أن “هناك مدرسين في تلك التخصصات، ولكن هناك رغبة في أن يوجد بجامعاتنا مدرسون أزهريون لكونهم أكثر تخصصًا”.
ومن جانبه رحب شيخ الأزهر بفكرة إنشاء معهد أزهري بإيران، وأكد أنه لا يوجد ما يمنع ذلك بعد اتخاذ الخطوات اللازمة، “انطلاقًا من الإيمان بنشر رسالة الأزهر في جميع دول العالم، خاصة فيما يتعلق بالعلوم الشرعية والعربية…”.
وفيما يتعلق بدعوة شيخ الأزهر إيران إلى ضرورة الاهتمام بتدريس اللغة العربية في المدارس الابتدائية الإيرانية، لكونها لغة القرآن الكريم أوضح زماني “أن الاهتمام باللغة العربية بدأ بالفعل منذ الثورة الإيرانية”. وأضاف أن الحكومة الإيرانية اتخذت قرارًا بأن تحل اللغة العربية محل اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية جديرة بالتعلم، مشيرًا إلى أن إيران أنشأت أقسامًا للغة العربية بجميع الجامعات الإيرانية، وأن تدريس اللغة العربية للطلاب الإيرانيين يتم منذ المرحلة الإعدادية.
وفي المقابل، وفي إطار التعاون الأكاديمي بين المؤسسات التعليمية الإيرانية والأزهر، أعلن القائم بأعمال مكتب رعاية مصالح إيران بالقاهرة السفير رجبي عن تجهيز معمل متطور لتعليم اللغة الفارسية سيتم إهداؤه لجامعة الأزهر من أجل دعم تدريس الفارسية التي يتم تدريسها في كلية اللغات والترجمة[3].
وهكذا شهد النصف الأول من عام 2008 تحولًا إيجابيًّا، وتحريكًا متصاعدًا للمياه الراكدة فيما بين مصر وإيران عبر هذا المدخل الديني الثقافي التعليمي في تجاوز ظاهري للجمود السياسي في علاقات الدولتين، وهو ما لم يدم طويلًا.
(ب) عودة التوتر إلى العلاقات:
في منتصف العام عاد التوتر إلى العلاقات بين مصر وإيران ليتصدَّر المشهد وتتوارى خلفه جهود التقارب والتعاون، وكان المحرك الرئيس لهذا التوتر، هو الفيلم الإيراني (إعدام الفرعون)، حيث قامت “اللجنة العالمية لتكريم شهداء النهضة الإسلامية” الإيرانية في شهر يوليو بتوزيع الفيلم الذي يتعرض لما قالت إنها أسباب “الإعدام الثوري للرئيس المصري الخائن أنور السادات” على يد “الشهيد خالد الإسلامبولي”. ويعرض الفيلم على مدار ساعة شهادات لخبراء سياسيين وأمنيين، ويسترجع لقطات من مشهد اغتيال السادات، مشيرًا إلى أن سبب الاغتيال هو (بحسب تعبيره): توقيع “الرئيس الخائن على اتفاقية كامب ديفيد الحقيرة؛ لتكون مصر هي أول دولة إسلامية تعترف بالكيان الصهيوني”.
وقد قابلت الأوساط الرسمية المصرية عرض الفيلم بغضب شديد، حيث استدعت رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة، لإبلاغه عدم قبول مصر فكرة أنه لا علاقة للفيلم بجهات رسمية إيرانية. وهو الأمر الذي استتبع التطورات التالية:
■ بيان الأزهر عن فيلم “إعدام الفرعون”:
بالرغم من إعلان طهران تبرؤها من فيلم “إعدام الفرعون” ومن مسئولية النظام الإيراني عن إنتاجه[4]، فقد طالب مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف في بيان له صدر في 14/7/2008 عقب الجلسة الطارئة التي انعقدت بهذا الشأن، بـ”حرق” الفيلم الإيراني “إعدام الفرعون”، واعتبر استمرار عرضه بإيران “مُقَوِّضًا” لدعوة التقريب بين السُّنة والشيعة التي ينادي بها “العقلاء من فقهاء إيران”.
وقال المجمع في بيان له: إنه “يجب أن يعلم حكام إيران أن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف يخاطبهم بمنطق الدين وليس بمنطق السياسة، كما يجب أن يعلموا أن صدور هذا الفيلم القبيح هو جريمة منكرة، لها أسوأ العواقب؛ لأنه فعل تأباه شريعة الإسلام، وتأباه آدابه السامية”.
ووصف بيان الأزهر من قاموا بعمل هذا الفيلم بأنهم “فئة ضالة مضلة من إيران أنتجت فيلمًا قبيحًا فيه إساءات بالغة عن الرئيس الشهيد محمد أنور السادات، وفيه تمجيد للذين اغتالوه خيانة وغدرًا وفسوقًا وكفرًا”.
وقال المجمع في بيانه: “إن ما يعيبونه على الرئيس الشهيد محمد أنور السادات من استقباله لشاه إيران السابق ورعايته له في نكبته ومرضه إنما هو من مكارم الأخلاق ومن أسمى ألوان الشجاعة والمروءة، فإن الأديان السماوية والعقول الإنسانية السليمة والأخلاق الإنسانية القويمة كلها تدعو لمساعدة المنكوب”.
وبمنطق السياسة الذي ذكر البيان أنه لا يتحدَّث به، أضاف: “كما أنهم -في إشارة إلى صناع الفيلم- يعيبون عليه (الرئيس السادات) زيارته لإسرائيل مع أن هذه الزيارة عند كل عاقل شريف تدل على شجاعة الرئيس السادات، وعلى ثبات جأشه، وكمال عقله، وحكمة سياسته، وإقدام على مجابهة المتاعب بقوة لا تعرف الضعف والتردد”.
وهذا الذي ورد في البيان يثير العديد من التساؤلات، كما أن امتداح زيارة الرئيس السادات للقدس وإسباغ الأوصاف عليه بسببها بكمال العقل وحكمة السياسة عند كل “عاقل شريف!” يبدو محل تساؤل: لأن قطاعات كبيرة من النخبة والعامة على حد سواء لا تزال ترفض هذه الزيارة وبالأخص القطاعات السائدة من التيارات الناصرية والإسلامية واليسارية، ولا يمكن قبول وصفهم -ولو ضمنًا- بقلة العقل أو اختلال التفكير أو نقصان الشرف، فضلًا عن أن من أعضاء المجمع من لا يزالون يرفضون مسلك الرئيس السادات في هذا السياق، إلى جانب أن أدبيات خطاب الأزهر في مرحلة من المراحل كانت على عكس موقفه هذا[5].
والحق أن ما ورد في بيان مجمع البحوث الإسلامية يثير العديد من التساؤلات حول حقيقة التفريق بين منطق الدين ومنطق السياسة، وحول طريقة مناقشة قضية الشاه، أو زيارة الرئيس السادات لإسرائيل، وحول الطريقة التي تعالج بها مؤسسات الأمة أزماتها البينية وقضاياها المتعلقة بعلاقات الدول داخل الأمة. كما أن ثمة تساؤلات حول مدى مؤسسية مثل هذا البيان، وهل هو معبّر عن آراء أغلب الأعضاء، خصوصًا أن من بينهم من قد تكون له آراء مختلفة وبالأخص في مسألة زيارة القدس.
وفي ذات السياق أعلنت “دار التقريب بين المذاهب الإسلامية” التي يرأسها الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق احتجاجها على الفيلم، معتبرة أنه “شيء غير إنساني، وغير ديني، وهو أمر يدعو للتفريق وليس للتقريب، وينشئ مشكلة حقيقية بين السُّنة والشيعة، كما أنه من المرفوض إسلاميًّا لأي جهة أو دولة أن تُعَرِّضَ برئيسٍ انتقل إلى الله تعالى”.
■ إيران تتبرأ أمام الأزهر من “إعدام الفرعون”:
عقب هذه الردود العنيفة قامت الأجهزة الرسمية الإيرانية بمساعٍ مختلفة لإزالة التوتر الذي تصاعد في علاقاتها مع القاهرة بسبب فيلم “إعدام الفرعون”. ومن ضمن هذه المساعي كان ذلك البيان الذي أصدرته في 24 يوليو 2008 وأعربت فيه للأزهر الشريف عن عدم رضاها عن الفيلم.
وأشارت طهران في البيان الذي سلمه القائم بأعمال السفارة الإيرانية بالقاهرة حسين توخته لشيخ الأزهر، إلى عدم رضا الموقف الرسمي لبلاده عما ورد في الفيلم الذي يمجد قاتل السادات، خالد الإسلامبولي. وقال “توخته” في لقائه مع شيخ الأزهر: إن البيان الصادر من وزارة الخارجية الإيرانية يؤكد أن “(إعدام الفرعون) لا يمثل الموقف الرسمي لإيران”. وأشار إلى أن الجهة المنتجة للفيلم هي مؤسسة غير حكومية، “إلا أن ازدياد مناخ حرية التعبير في إيران أتاح لمؤسسات خاصة إنتاج أفلام وثائقية لا تعبر عن موقف الدولة الرسمي”.
لكن شيخ الأزهر طالب إيران خلال اللقاء باتخاذ خطوات “عملية” لتأكيد صحة موقفها الرسمي، منها تغيير اسم شارع رئيسي في طهران أطلقت إيران عليه اسم الإسلامبولي عقب اغتياله للرئيس السادات عام 1981. وشدد طنطاوي على: “إزالة صورة قاتل السادات، ورفع اسمه من الشارع الذي أطلق عليه اسمه؛ لأن استمرار هذا الوضع لا يساعد على التقارب بين الشعبين المصري والإيراني”، مؤكدًا أنه لن يزور إيران إلا بعد الاستجابة لهذه الطلبات “المشروعة دينيًّا وأخلاقيًّا”. ونبَّه إلى أن الشعب المصري “لا يحمل ضغينة تجاه إيران، بل يكنّ كل حب وتقدير لإخوانه وأشقائه من شتى بقاع الأرض، لكنه في الوقت نفسه لا يقبل من أية جهة المساس بقائد الحرب والسلام السادات بأي إساءة؛ لأن ذلك بعيد عن القيم الإسلامية والمشاعر الإنسانية السليمة”.
جاء هذا في الوقت الذي أعلن فيه وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط عدم حضوره مؤتمرًا وزاريًّا لدول عدم الانحياز بطهران، وهو ما تم بالفعل، حيث انعقد المؤتمر المذكور في 29-30 يوليو 2008 دون حضوره وأناب عنه في رئاسة الوفد المصري السفيرة نائلة جبر مساعد وزير الخارجية لشئون الهيئات والمنظمات الدولية[6].
2- انتخاب أعضاء جدد بمجمع البحوث الإسلامية: في جلسته المنعقدة بتاريخ 26 يونيو 2008 وافق المجمع على زيادة أعضائه من خارج مصر وذلك بانتخاب أربعة أعضاء جدد من خارج مصر، وهم: الدكتور يوسف القرضاوي (المصري الأصل والحاصل على الجنسية القطرية والمقيم بقطر)، إلى جانب الدكتور محمد رشيد قباني مفتي لبنان، والدكتور حمود الهتّار مفتي اليمن، والدكتور محمد أحمد الصالح عضو المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود بالسعودية. وحصل الشيخ يوسف القرضاوي على أعلى الأصوات لانتخابه عضوًا بالمجمع. وجاء قرار الانتخاب بناء على طلبات قدمت من العلماء الأربعة، وتم تزكيتها من اثنين من أعضاء المجمع لكل طلب، ثم تم التصويت على تلك الطلبات.
وبعد قرار المجمع بانتخاب الأعضاء الأربعة الجدد يرتفع عدد أعضائه من خارج مصر إلى سبعة؛ حيث تم من قبل انتخاب كل من الدكتور عبد السلام العبادي وزير الأوقاف الأردني الأسبق، والشيخ علي عبد الرحمن الهاشمي مستشار رئيس دولة الإمارات للشئون القضائية، والدكتور مصطفى عبد الواحد إبراهيم الأستاذ بجامعة أم القرى بالسعودية.
ويأتي قرار الأزهر بزيادة عدد أعضائه من خارج مصر في مواجهة الانتقادات التي وجهت له مؤخرًا باقتصاره على المصريين، رغم أن قانون الأزهر رقم 103 ينص على أن يكون هناك عشرون عضوًا غير مصريين بالمجمع وثلاثون مصريًّا[7].
3- إلغاء تدريس المذاهب الفقهية بالمرحلة الثانوية الأزهرية
قرر المجلس الأعلى للأزهر الشريف بالإجماع إلغاء تدريس الفقه المذهبي في المرحلة الثانوية الأزهرية، ابتداء من العام الدراسي الحالي، والاكتفاء بتدريس الفقه الميسر لمؤلفه شيخ الأزهر الدكتور طنطاوي، بديلًا عما كان يدرس لمذاهب الفقه المعروفة للأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل. وكان المجلس الأعلى للأزهر قد اتخذ قرارًا في اجتماعه يوم 2/9/2007 بإلغاء تدريس الفقه المذهبي في المرحلة الثانوية من التعليم الأزهري، لينضم إلى قرار سابق اتخذ قبل نحو عشر سنوات بإلغائه في المرحلة الإعدادية. وقرر المجلس الاكتفاء بتدريس كتاب “الوسيط في الفقه الميسر على المذاهب الأربعة” لشيخ الأزهر، اعتبارًا من العام الدراسي الحالي.
وقد أثار هذا القرار ردود فعل غاضبة حيث وصف أحد أساتذة جامعة الأزهر هذا القرار بأنه “مأساة أطلت على المسلمين”. وأضاف: “إن المرحلة الثانوية يدرس بها الطلاب الوافدون الذين يتلقون الفقه المذهبي، والذي يقوم على دراسة الفقه الإسلامي، على المذاهب الأربعة الشهيرة، وحينما تلغى دراسة هذه المذاهب بشكل تفصيلي فسيلغى تراث الأزهر ويعود الطالب الوافد إلى بلده خاوي الوفاض”. بل بدا مفتي مصر الشيخ علي جمعة في ضيق من هذا القرار حيث قال في ندوة بأحد أندية القاهرة يوم ١٥/١١/٢٠٠٧: “إنه لا يجوز مطلقًا إلغاء تدريس المذاهب الفقهية الأربعة في الأزهر؛ لأن هذا يعني القطيعة بين الطلاب والتراث الإسلامي”، وذلك بحسب ما نسبته إليه إحدى الصحف[8].
وتأتي هذه الخطوة بعد سنوات من إلغاء كتب مثل: تفسير النسفي، وجوهرة التوحيد في العقيدة من المناهج، وتدريس كتب لشيخ الأزهر أيضًا بديلةٍ عنها! وقبلها تم إلغاء كتب المذاهب الأربعة في المرحلة الإعدادية وتطبيق كتاب الفقه الميسر للشيخ طنطاوي أيضًا. واعتبر البعض أنه إذا استمرَّ هذا النَّهْجُ داخل الدراسة الأزهرية فسوف نجد أنفسنا خلال سنوات وكأننا أمام تعليم عام وليس أزهريًّا.
والأمر في الحقيقة لا يتعلق بمنهج دراسيٍّ قدر ما يتعلق بقيمة أصيلة ينبغي أن يُرَسِّخَها أيُّ منهج دراسى “محترم” لا سيما المنهج الأزهري، وهي قيمة “الحرية”، فالحرية قيمة أصيلة أقام الأزهر عليها بنيانه، وحَقَّقَ بها مكانته، وازدهرت بها سمعته، وما تراجع دور الأزهر إلا حين بدأت تأفل هذه القيمة لديه ويَخْفُتُ إيمانه بها.
وهذا نموذج يؤكد من جديد على ضعف قيمة (المؤسسة) و(العمل المؤسسي) في الأزهر، فلا تخفى صورية تلك الآلية التي تم اتخاذ القرار بواسطتها، حيث بدا القرار وكأنه موافقة من المجلس الأعلى للأزهر على اقتراح مقدم من لجنة الخطة والمناهج بالإدارة المركزية للتعليم الأزهري، فهل ليس أمام هذه اللجنة سوى إحلال كتب فضيلة الإمام الأكبر محل الكتب التراثية القديمة في مختلف فروع العلوم الشرعية؟!!
ثانيًّا- دار الإفتاء المصرية:
كشفت نهاية عام 2007 وبداية عام 2008 عن عدد من المحاولات لتطوير دار الإفتاء المصرية أداءً وإدارةً، فقد اشتبكت دار الإفتاء مع العديد من القضايا الحيوية والحساسة التي تشغل بال الكثير من المسلمين وأحيانًا غيرهم، وبغض النظر عن تقييم هذه المحاولات فإنها ولا شك تمثل تحولًا بارزًا في مسيرة المؤسسة، وفي طريقة تعاطيها مع القضايا الحساسة التي كانت تستنكف الولوج فيها من قبل، كما برزت قضية استقلال دار الإفتاء ماليًّا وإداريًّا (وليس سياسيًّا) عن وزارة العدل باعتبارها خطوة لها أبعادها في إتاحة قدر أكبر من الحرية في عمل المؤسسة؛ الأمر الذي لا يزال محل شك لدى قطاعات من النخبة والجماهير، فيما أبرزته النقاشات حول عدد من الفتاوى. ويمكن أن نتبين ذلك في النقاط التالية:
1- دار الإفتاء المصرية ترفض الحكم في بيع الغاز لإسرائيل:
رفضت دار الإفتاء المصرية الإفتاء في مسألة بيع الغاز لإسرائيل، مشيرة إلى أن الحكم بحِلِّه أو حرمته بحاجة إلى حوار وطني بين مختلف الاتجاهات الشعبية والرسمية، إلى جانب علماء الدين لتحديد مشروعية، أو عدم مشروعية هذا البيع وفقًا للمصالح والمفاسد. واعتبرت أنه إلى أن يتم حسم هذه المسألة فإن العاملين في مصانع الغاز المصدّر لإسرائيل “ليسوا عصاة”.
وأصدرت أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية في 20 يوليو 2008 ما أسمته “فتوى شرعية حول مشروعية بيع الغاز الطبيعي لإسرائيل”، وحكم عمل المصريين في الشركات التي تقوم بالبيع أو تشارك فيه، وكذلك مشروعية أجورهم التي يتقاضونها، وذلك بعد كثرة الأسئلة التي تم توجيهها لدار الإفتاء في هذا الخصوص من قبل العاملين في هذه الشركات. وأوضحت الفتوى أن “البيع في ذاته مشروع بنص القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ﴾… لكن في صورة السؤال ليس بيعًا مجردًا، بل هو متعلق بأمور أخرى كمراعاة الظروف المحيطة، والتي تشتمل على مدى الضرورة، وكم المصالح أو المفاسد لهذا البيع… في إشارة إلى كون إسرائيل هي الطرف الثاني في عملية البيع.
وأضافت الفتوى أن “صورة هذا البيع التي يرى فيها كثير من الناس أن مفاسدها أعلى من مصالحها لارتباط الأمر بدولة تقوم بالقتل والتشريد والفتك بالأبرياء من ناحية، وبمخزون الغاز المهم للوطن من ناحية أخرى، ويرى آخرون أن مصالحها تفوق مفاسدها بموجب الاتفاقات الدولية، ومناسبة للسعي إلى التهدئة التي تلائم الظرف القائم حاليًا”.
ووفق ما سبق شددت الفتوى على أن “دار الإفتاء في وسط هذا لا تمتلك الوسيلة العلمية، ولا الخبرة الفنية، ولا المشاركة السياسية ولا الاقتصادية التي تمكنها من استجلاء الصورة، أو من تحصيل التأكيد الذي يجب على القائم بالفتوى أن يعتمد عليه في مثل هذه الحالات”. وأشارت الفتوى إلى أن “الصحيح في هذا الشأن أن تُعرض تلك المسائل على الحوار الوطني بين الحكومة من جهة وبين المعارضين لهذا الاتفاق من جهة أخرى، مع الاستعانة بأهل الاختصاص في مثل هذه الأمور من الخبراء الاقتصاديين، والمحللين السياسيين، وعلماء القانون، وكذلك الشرعيين”.
وأكدت الفتوى أنه فيما يخص العاملين في مصانع الغاز المصدر لإسرائيل، وحكم الشرع في أجورهم، فإنه حتى يتم النقاش الوطني، ويصل إلى قرار، أو رأي يُتفق عليه فإن “العاملين بالمصانع لا يكونون بذلك عصاة، فإذا تغير الحال فإنه يجب عليهم حينئذٍ أن يعملوا بالجديد من الأمر بمثل عملهم بالأمر الأول، وذلك لأجل استقرار النظام العام”.
ونوّهت دار الإفتاء في فتواها بالتأكيد على أنها “وهي تقوم بوظيفتها، ولا تتخلى عن مهمتها في بيان الحكم الشرعي – ترى أن تقديم مثل هذه الأسئلة المتعلقة بالتصرفات المركبة، ومحاولة استعمالها في السياسة الحزبية أمر غير سديد، ينبغي -بل يجب- ألا يصير الدين أداة للجدل، والمخاصمة بين الأطراف السياسية”[9].
اللافت في هذه الفتوى أن دفعًا إعلاميًّا (بل وسياسيًّا من جانب المعارضة المصرية) كان يسعى إلى إصدارها من دار الإفتاء، وفي المقابل فإن إعراضًا عن (التورط) في (فخ) الحديث عن هذه القضية الشائكة كان باديًّا على دار الإفتاء. ورغم ذلك فإن ردود الفعل التي أعقبت إصدار الفتوى كانت هزيلة بالمقارنة بما كان يتوقع لها، من خلال قراءة الاهتمام والدفع والإلحاح الإعلامي الذي سبق إصدارها، فقد اقتصر الأمر على نشر الخبر في الصحف والمواقع الإلكترونية، دون قراءة أو تحليلات جادة، واقتصر الأمر على ذكر بعض الرؤى الشرعية والتكييفات الفقهية للفتوى، إلى جانب بعض الآراء القليلة والنادرة التي كتبت من منطلقات علمانية وتدعو إلى عدم صلاحية دار الإفتاء للتحدث في الشئون السياسية[10].
2- توريث الحكم غير جائز
أفتت دار الإفتاء المصرية في 26/7/2008 بعدم جواز توريث الحكم بأي حال من الأحوال، وأن الالتزام بالدستور ونظام الدولة المتفق عليه بين أفراد الشعب هو أمر واجب شرعًا، وأن أي تغيير في نظام الحكم يجوز شرعًا شريطة موافقة الشعب عليه. وأكدت الفتوى التي أصدرتها أمانة الفتوى برئاسة مفتي مصر “أن الفقه الإسلامي لا يجيز توريث الحكم؛ لأنه لا يجري في إمامة المسلمين، كما أن الفقه الإسلامي لا يمنع من تولية العهد الذي هو عبارة عن اختيار الحاكم لمن يخلفه، وهذا كله بلا خلاف بين العلماء”.
وأوضحت الفتوى أن الدولة لو كان نظام الحكم فيها جمهوريًّا ديمقراطيًّا كما في الديار المصرية فإن المنظم لهذا الشأن يكون هو ما قرره دستور البلاد -الذي اتفقت عليه كلمة المصريين، والذي لا يخالف الشريعة الإسلامية، ولا الفقه الإسلامي- والذي نص في مادته رقم (76 المعدلة عام 2005) على أن ينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السري العام المباشر، وعليه فإن النظام المتفق عليه بين المصريين لا يجيز توريث الحكم، ولا تولية العهد.
وشددت الفتوى التي انتهت إليها أمانة الفتوى، وتم إحالتها إلى مجمع البحوث الإسلامية، على أن “الفقه الإسلامي، وإن أجاز تولية العهد من بين بدائل كثيرة في طرق تولي الحكم، فإنه لم يُلزم بها ولم يَلْتَزِمْها”. وأشارت إلى أن “انتخاب الشعب لأي شخص توافرت فيه الشروط الدستورية التي تم الإجماع عليها سابقًا جائز شرعًا ووضعًا”.
واختتمت دار الإفتاء المصرية فتواها بالقول إن “من أراد أن يغير النظام والدستور الذي اتفق عليه الناس، فعليه أن يسلك الطرق المشروعة للوصول إلى اتفاق آخر يتحول إليه المصريون باتفاق مشروع تترتب عليه آثاره، وأن الشرع لا يمنع من تغيير الدستور إذا ارتأت الجماعة المصرية ذلك، واتخذت الإجراءات والخطوات المرعية في سبيل ذلك”.
وتأتي تلك الفتوى الشرعية التي أصدرتها دار الإفتاء المصرية، ردًّا منها على طلب فتوى تقدم بها أحد المواطنين لمجمع البحوث الإسلامية حول قضية توريث الحكم في الإسلام، ومدى إمكانية تطبيق ذلك في مصر، وقد أحال المجمع هذه الفتوى إلى دار الإقتاء للاختصاص[11].
والفتوى وإن لم يبدُ لها مردود عمليّ؛ حيث أحالت الأمر إلى الدستور الذي ينظم هذا الشأن، إلا أن الجديد في الأمر هو الخوض في مسألة سياسية حساسة تمس رئيس الدولة ونجله، الذي تدّعي قوى المعارضة المصرية سعيه لتسلم مقاليد الحكم خلفًا لوالده، (وبالطبع ترى عدم شرعية توليه الحكم)؛ وذلك للشروط التعجيزية التي يتضمنها الدستور للمرشح لرئاسة الجمهورية والتي يمكنه تحصيلها بسهولة دون أن تتمكن المعارضة من إحرازها، وبما يجعل أي منافسة لمرشح الحزب الحاكم الذي ينتمي إليه منافسة صورية. وخوض دار الإفتاء في هذا الشأن يعد خطوة مهمة في طريق اختلاط أكبر بقضايا واقعية ومهمة، وهذا ما لم يقم به مجمع البحوث الإسلامية حيث أحال السؤال إلى دار الإفتاء لـ(الاختصاص!).
وهذه الفتوى المتعلقة بتوريث الحكم وتلك المتعلقة بتصدير الغاز إلى إسرائيل تشيران بوضوح إلى كمّ ضغوط التسييس التي تتعرض لها المؤسسة الدينية ليس فقط من قبل مؤسسات الحكم كما كان معهودًا ومتبادرًا إلى الأذهان، وإنما من قبل الأجواء المحيطة والمفعمة بتسييس كل شيء. فالمؤسسات الدينية في ظل هذا المناخ مضطرة إلى السياسة شاءت أم أبت… مدفوعة إليها أقدمت أم أحجمت.
3- الفتاوى السياسية
نفى الدكتور علي جمعة اتهام الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية بأنها سياسية، قائلًا: “إن فتاوى دار الإفتاء لا تصدر تبعًا لسياسة أو إرضاءً لأحد، والقول: إن المفتي هو موظف للحكومة ولسان حال الدولة، أمر لا أساس له من الصحة”.
وبأسلوبه العلمي والمنطقي المعهود طالب الشيخ المدّعين بالمراجعة والبيّنة: “على من يقول ذلك، عليه أن يعود إلى فتاوى دار الإفتاء المصرية ليراجع مواقف مفتي الجمهورية من الدولة، وهل كانوا (المفتون السابقون) يصدرون فتاويهم تبعًا لسياسة الدولة أم لا… سيجد أنها لم تتأثر يومًا بشخصية الحاكم أو أصدرت فتوى لتأييد سياسة الدولة”، ودلل على ذلك برسالة دكتوراه تثبت صحة كلامه. ولكن المؤكد أن المؤسسة الدينية –كما أشرنا- مدفوعة إلى السياسة ولو رغمًا عنها، وهو الأمر الذي لم ينفِه المفتي، وإن كان أشار إلى أن هذه الفتاوى وغيرها لا تؤيد سياسة الدولة، وهذا أمر يختلف فيه المحللون والمراقبون.
4- استقلال دار الإفتاء
في تطور مهم على ساحة أوضاع مؤسسات الأمة ضمن وهيكل الدولة القومية الحديثة، أكد الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية أن دار الإفتاء المصرية هيئة مستقلة تماما الآن عن وزارة العدل المصرية “ماليًّا وإداريًّا”، وذلك بقرار وزاري في 1 نوفمبر 2007، إلا أنها فقط عند المساءلة أمام مجلس الشعب المصري فإن وزارة العدل هي التي تقوم بالإجابة عن أي تساؤل، فهي تتبع وزارة العدل سياسيًّا[12].
وهذا أمر لا شك أنه يتيح لدار الإفتاء قدرًا أكبر من حرية الحركة والتنظيم المؤسسي دون قيود بيروقراطية تكبلها. إلا أن السؤال المفترض في هذا الصدد هو: هل سيؤثر ذلك على الأداء في الفضاء العام وبالأخص في القضايا ذات البعد السياسي الواضح؟ لقد طرح هذا التساؤل على مفتي مصر فيما يشبه الاتهامات!
5- لا تصادم بين الأزهر ودار الإفتاء
ومن ناحية أخرى فإن المؤسسة الدينية ليست كيانًا واحدًا، فمن المهم تناسق أجزائها وضبط العلاقات فيما بينها. من ذلك ما يثار حول وجود تصادم أو تعارض بين الأزهر ودار الإفتاء، فقد أوضح الدكتور علي جمعة أن دار الإفتاء مكمّلة مع الأزهر لدور المؤسسة الدينية، ولا يمكن أن تكون في مواجهة الأزهر، والقول إن دار الإفتاء أنشئت لمواجهة الأزهر هو كلام غير صحيح؛ حيث إن هناك من تولى المشيخة والإفتاء معًا في مصر، كما أن دار الإفتاء نشأت في الأصل في الجامع الأزهر.
6- توحيد رؤية الهلال هذا العام
استبعد الدكتور علي جمعة (مفتي الديار المصرية) إمكانية توحيد رؤية هلال شهر رمضان المبارك بين الدول الإسلامية هذا العام، مُرجِعًا ذلك إلى عدم اكتمال مشروع القمر الصناعي الإسلامي، وغياب التوافق التام على توحيد الرؤية. وقال المفتي في تصريحات صحفية يوم 7/7/2008 حول إمكانية حدوث تعاون إسلامي لتوحيد بداية شهر رمضان: “بذلنا مجهودًا كبيرًا في ذلك عن طريق منظمة المؤتمر الإسلامي، لكننا لم نصل للقبول المناسب في مسألة التوحيد”. وحول مشروع القمر الصناعي قال: “انتهينا من تصميم المشروع والنموذج المبدئي للقمر الصناعي، لكن استكماله يتطلب عشرة ملايين دولار لم يُرِد أحد أن يدفعها”.
وعن إمكانية استقطاع جزء من أموال الزكاة لاستكمال هذا القمر أشار المفتي إلى أن المشكلة ليست في الأموال المتبقية “فعشرة ملايين دولار مبلغ تافه، ويستطيع متبرع واحد من أغنياء المسلمين أن يقدمها… ولكن المشكلة الأساسية تكمن في الجدل حول اعتماد القمر الصناعي الإسلامي دليلًا لرؤية الهلال”.
وهذا أمر يشير إلى تعثر العمل الإسلامي المشترك، فبالرغم من السعي الحثيث من الجانب المصري المتمثل في دار الإفتاء، عبر منظمة المؤتمر الإسلامي، إلا أن العقبات تأتي من بعض الجهات التي ترفض اعتماد القمر الصناعي دليلًا على صحة رؤية الهلال، وهذا أمر يشك كثيرون في تعلقه بالمواقف السياسية التي تتبنَّاها هذه الدول أو هذه الجهات، سواء تجاه العمل (الإسلامي) والمؤسسات الدينية، أو تجاه بعض الدول المشتركة في المشروع.
7- تهنئة غير المسلمين بأعيادهم
واتصالًا بأجواء التسييس في مصر، يأتي الملف القبطي والرؤى الفقهية المتعلقة به ليطل على مؤسسة الفتوى، حيث أكد الدكتور علي جمعة مفتي مصر أن تهنئة النصارى وغيرهم من أهل الكتاب بأعيادهم جائزة، معتبرا أنها “من البر” الذي لم ينه الله عنه، شريطة ألا يشارك مقدم التهنئة فيما تتضمنه الاحتفالات بتلك الأعياد من “أمور تتعارض مع العقيدة الإسلامية”.
واعتبر أن هذه التهنئة داخلة في قول الله تعالى: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[13].
وقد عُدَّ صدور هذه الإجازة بالتهنئة فعلا سديدًا من المفتي له دلالاته الإيجابية في دولة تسكنها أقلية مسيحية (عددية) وتتناوشها بين الحين والآخر صراعات طائفية ودينية، إلى جانب دفع جهات خارجية إلى توتير العلاقة بين المسلمين والمسيحيين فيها من جهة، وبين المسيحيين والدولة من جهة أخرى.
خلاصة الجزء الأول:
من العرض السابق يتبين لنا أن مؤسسات الأمة الرسمية –ومثالها الأزهر الشريف ودار الإفتاء في مصر- تشهد حالة حراك مقيّد، تدفعه للأمام عوامل داخلية وخارجية لعل أهمها زيادة الطلب الجماهيري والنخبوي على “الخدمة العلمية الدينية” وبروز الحاجة العامة للدور المؤسسي الديني داخل الدول وفي علاقاتها البينية… بينما تعوق هذا الدفع أجواء سياسية وفكرية واجتماعية غير موائمة؛ الأمر الذي يدعو إلى ضرورة التكاتف الإستراتيجي بين هذه المؤسسات من أجل استمرار هذه الديناميكية الإيجابية ونمائها؛ بما يصب في عافية الأمة وفاعليتها.
ثانيًا- المؤسسة الدينية غير الرسمية
(1) التصوف والصوفية
بين الرؤية الغربية… والتعاطي الحكومي… والاندفاع الصوفي
يحتاج الحديث عن الصوفية لاتساع منظار الرؤية ليشمل مختلف الأطراف المؤثرة فى إفراز هذه العلاقة مترامية الأبعاد ومختلفة التأثير: درجاته ومستوياته ومراحله. فهناك الرؤية الغربية التي تبحث في دعم “ظاهري” للطرق الصوفية بدعوى مواجهة هذه الطرق لتنامي التيارات الأصولية المتشددة في المجتمعات العربية والإسلامية. ويأتي طرف آخر وهو (الأنظمة الحكومية) وتعاطيها مختلف الوجوه مع الحركات الصوفية؛ حيث يبدو الدعم “المنقوص” وسيلة لاستمرار تواجد هذه الحركات دون الاقتراب القوي لهذه التنظيمات “الناعمة” من أشواك السياسة. ثم هناك الطرف الأصيل ومحور هذه الرؤى المختلفة للغرب وحكومات الدول الإسلامية وهو الطرق والهيئات الصوفية نفسها، وهي – في جُلِّها – متفاعلة مع كلا الطرفين الآخرين وإن بدرجات متفاوتة، بل يصل الأمر إلى حدِّ الاندفاع في بعض الأحيان ودون تقدير لعواقب الاشتراك في هذا التفاعل أو ذاك. وفي تتبعنا لملف التصوف والصوفية بين الرؤية الغربية والتعاطي الحكومي في الدول الإسلامية يبدو بوضوح غموض النتائج وتعقد الصورة.
لقد أصدرت مؤسسة راند[14] في عام 2004 تقريرًا مهمًّا عن قسم االبحوث والأمن القومي بعنوان: “الإسلام المدني الديمقراطي: من يشارك فيه؟ وما هي مصادره واستراتيجياته؟ Civil Democratic Islam: Partners, Resources, and strategies.” [15]، تضمن توصيات محددة بشأن كيفية التصدي لما دعاه التقرير بـ “الإسلام الأصولي” بـ” أفضل السبل” عبر كسب أفضل للمدى الواسع من الآراء بين المسلمين، الذي يجعل بعضهم حلفاء ممكنين، وبعضهم الآخر خصومًا ألِدَّاء. ويؤكد التقرير على الحاجة إلى قدر أكبر من التمييز في طريقة الإدراك والتفاعل مع جماعات تسمي نفسها “إسلامية”. وجاء فيه: “إن للولايات المتحدة أهدافًا ثلاثة فيما يتعلق بالإسلام المسيّس: الأول- أنها تريد أن تمنع انتشار العنف والتطرف، ثانيًا- أنها – وهي تفعل هذا– تحتاج إلى تجنب ترك انطباع بأن الولايات المتحدة “معارضة للإسلام”، وثالثًا- في الأجل الطويل، يتعين عليها أن تجد وسائل للمساعدة في تناول القضايا الأعمق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تغذي النزعة الراديكالية الإسلامية، ويتعين عليها أن تشجع تحركًا نحو التنمية والتحول الديمقراطي”.
ودعا التقرير بعد دعوته لدعم الحداثيين أولًا، إلى دعم التقليديين في مواجهة الأصوليين، ومن بنود هذا الدعم: “تشجيع الصوفية وقبولها”؛ وفيما أسمته بالدعم التوكيدي لقيم الحداثة الغربية دعت لـ”خلق وترويج نموذج لإسلام مزدهر معتدل عن طريق تحديد ومساعدة بلدان أو مناطق أو جماعات بطريقة نشطة بمدّها بآراء مناسبة”، وكذلك عن طريق “بناء منزلة للصوفية” بـ”تشجيع البلدان ذات التقاليد الصوفية القوية على التركيز على ذلك الجانب من تاريخها وعلى إدخاله ضمن مناهجها الدراسية. لا بد من توجيه قدر أكبر من الانتباه إلى الإسلام الصوفي”.
بل وأوصت لجنة الكونجرس الخاصة بالحريات الدينية بضرورة قيام الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية[16]. ويؤكد البعض[17] أنه بعد الحادي عشر من سبتمبر بدأ الأمريكيون – في ثنايا حملتهم الشاملة على “الإرهاب” – يدرسون إمكانية تعميم “الصوفية” لتصبح الشكل المستقبلي للإسلام، أو على الأقل تقوية شوكتها وشدِّ ساعدِها على الساحة الإسلامية، لتخصم من رصيد الجماعات والتنظيمات المتطرفة التي ترفع الإسلام شعارًا سياسيًّا لها، والتي أنتج بعضها “تنظيم القاعدة” وما على شاكلته، ويعول الأمريكيون في تصورهم هذا على ما جادت به تجربة النقشبندية في تركيا، حيث استوعب المتصوفة قيم العلمانية، وطوروا رؤيتهم الدينية لتواكب العصر، وتتماشى مع النهج الديموقراطي على مستوى القيم والإجراءات[18].
وهو الأمر الذى سيحظى بأكثر من استجابة وتناول من قبل حكومات هذه الدول التي تنتشر فيها الحركات الصوفية ومن الطرق الصوفية نفسها، وهو ما سيتضح من خلال أكثر من مؤشر دالٍّ فى هذا السياق.
ومن المؤشرات التي تظهر مدى تفاعل الحركات الصوفية مع السياق الذي تخلقه مثل هذه الرؤية:
نشاط صوفي في الداخل والخارج: إلى أين؟
شهد العام 2008 نشاطًا صوفيًّا واسعًا في مصر وبلدان عربية وفي الغرب، طرح العديد من الأسئلة حول الدور الجديد المنوط بهذا النشاط وما اتصل به من إشكالات تتعلق بالعلاقة مع الحركات الإسلامية والتيار السلفي ومع الشيعة وإيران والولايات المتحدة والغرب عمومًا، هذا بالإضافة إلى الحراك الداخلي الذي تشهده شبكة الطرق الصوفية نفسها عبر الأمة.
وفي هذا يشار إلى أن الحالة المصرية قد شهدت توالي خلافتين على مشيخة الطرق الصوفية خلال العام 2008، بوفاة الشيخ حسن الشناوي وتولي نقيب الأشراف أحمد كامل ياسين في يوليو ثم وفاة الأخير في 21 نوفمبر الماضي لتجري الخلافات حول من يخلفه؛ حيث تمت تسمية الشيخ محمد علاء أبو العزائم ثم ما لبث المجلس الأعلى للطرق أن أعلن اختيار الشيخ عبد الهادي القصبي وردد بعضهم أن ذلك نتيجة طلب قيادات عليا، الأمر الذي أثار لغطًا كبيرًا[19].
§ في الداخل الإسلامي:
1- مشروع هيئة عالمية لجمع الطرق الصوفية
أعلن المجلس الأعلى للطرق الصوفية في مصر في نوفمبر 2007 عن شروعه في تنفيذ مشروع لإنشاء “هيئة عليا للتصوف” تجمع شتات الطرق الصوفية في مختلف دول العالم بهدف تفعيل الحركة الصوفية بشكل أوسع دوليًّا. وأوضح المرحوم الشيخ حسن الشناوي شيخ مشايخ الطرق الصوفية المصرية في ذلك الحين: أن مقر الهيئة سيكون بالمبنى الجديد الذي يتم إعداده لمشيخة عموم الطرق بدعم من الدولة، حيث ستضم مكاتب لجميع تلك الطرق، كما أنها ستصدر مجلة دورية توضح نشاط الطرق الصوفية عالميًّا.
وأرجع أهمية الهيئة إلى وجود العديد من الطرق الصوفية ذات الأفرع الكثيرة في مصر وخارجها، مثل: التيجانية، والقادرية، والبرهامية، والنقشبندية، ولكل طريقة من هذه الطرق مشايخ عدة؛ وبذلك ستجمع هذه الهيئة شتاتهم. وقال الشيخ الشناوي: إنه “سيتم الانتهاء منها في غضون عامين بحيث يتم خلال تلك المدة مخاطبة الطرق الصوفية في بعض البلاد العربية لحضور الاجتماع التأسيسي الذي سيعقد بمجرد استكمال البناء، على أن يتم جمع المصروفات من الطرق نفسها لعقد الاجتماع المقرر لاختيار المجلس التنفيذي للهيئة”.
ووفقًا لقرار المجلس بإنشاء الهيئة والذي صدر في منتصف شهر نوفمبر فإنها ستضم شتات الطرق الصوفية في أكثر من (40) دولة، كما سيكون من بينها طرق صوفية متواجدة في دول ذات أقلية مسلمة مثل الهند.
وقال علاء أبو العزائم شيخ الطريقة العزمية وصاحب فكرة إنشاء الهيئة: “إنها تستهدف عودة الريادة لمصر بحيث تصبح هي مرجعية الطرق الصوفية في العالم كله، وأن أول اجتماع سيمثل فيه عشر دول أغلبها عربية”. وأشار إلى أنه سيتم جمع أموال من الطرق المشاركة في المؤتمر التأسيسي كرسوم اشتراكات عضوية ليتمَّ بعدها تنظيم مؤتمرات أكبر لدعوة رؤساء الطرق من مختلف أنحاء العالم تبدأ بدول آسيا، مشيرًا إلى أنه سيتم عقد مؤتمرات خارج مصر أيضًا، وأنه “بعد انتهاء المؤتمر الأول ستجرى انتخابات لاختيار أعضاء المجلس؛ بحيث يتكون من (20) عضوًا بينهم عشرة أعضاء مصريين وعشرة غير مصريين، على أن تكون الرئاسة لشيخ مشايخ الطرق”.
وفيما يتعلق بتمويل الهيئة أشار إلى أنه سيكون في البداية عن طريق تحديد الاشتراكات والتي ستكون في بدايتها كافية لانطلاق نشاط الهيئة، بالإضافة إلى المِنَح التي ستقدمها بعض الدول مثل الأردن وليبيا والجزائر. وعن مدى إمكانية تجاوب الطرق خارج مصر للانضمام للهيئة أكد أبو العزائم أنه من المتوقع تجاوب 90٪ من ممثلي الطرق الصوفية خارج مصر، مشيرًا إلى أن الشيخ الشناوي عرض هذه الفكرة على الهيئات الإسلامية والطرق الصوفية بماليزيا الصيف الماضي، وهو الأمر نفسه الذي قام به الدكتور أحمد عمر هاشم -رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب (المصري)- في إندونيسيا.
وحول مدى تعارض الهيئة الجديدة مع وجود مكتب دولي للصوفية في ليبيا، قال الشيخ أبو العزائم: “إن المكتب العالمي للتصوف أنشأته القيادة الليبية في التسعينيات ليضم ممثلين عن الطرق بالعالم، لكن المكتب لم يقم بنشاط سوى عقد ملتقى واحد عام 1995، وبعدها تم اختيار ستة من رؤساء الطرق الصوفية للمجلس التأسيسي، ولكن لم يشهد هذا الكيان أي تفعيل برغم بقائه للآن”. ويأتي الإعلان عن الهيئة بعد أيام من شروع قيادات الطرق في إجراء مفاوضات مع عدد من رجال الأعمال المنتمين لها لحثهم على المشاركة في تمويل أول فضائية عربية لنشر ثقافة “الاعتدال” الصوفي بالمنطقة.
ورسميًّا، تولي السلطات المصرية اهتمامًا كبيرًا بأنشطة الطرق الصوفية وعلى رأسها الموالد، ويتمثل ذلك في إيفاد مندوبين عن كبرى مؤسسات الدولة لحضورها، كما أنها توفر لها عوامل النجاح أمنيًّا ودينيًّا وترعاها مادّيًّا[20].
2- أول فضائية صوفية
كما سبقت الإشارة، كشف الشيخ الراحل حسن الشناوي عن شروع قيادات الطرق في إجراء مفاوضات مع رجال أعمال منتمين لها للمشاركة في تمويل فضائية عربية تنشر ثقافة “الاعتدال” الصوفي بالمنطقة.
وعن أسباب التفكير في إطلاق القناة قال الشيخ الشناوي: “لاحظت في الفترة الأخيرة طوفانًا من الفضائيات التي يدعي القائمون عليها أنهم يدافعون عن الإسلام، لكن واقع الحال فيما تبثه بعض هذه الفضائيات يصب في خانة العبث بثوابت الإسلام وأنهم يعتمدون على مجموعة من الدعاة الغلاة الذين يشوهون صورة الإسلام الحق ويروجون للفكر المتشدد، ونحن في الطرق الصوفية لدينا مناهج فكرية تقوم على الاعتدال والوسطية وتنبذ العنف؛ لذلك قررنا أن نخوض التجربة وندافع عن صورة الدين السمحة من خلال فضائية ترد على أصحاب الفكر المتطرف”. وأوضح أن “هناك بالفعل صورة تقليدية خاطئة يرسمها الإعلام للصوفيين باعتبارهم دراويش جهلة من أصحاب الملابس الممزقة، وهو عكس الواقع تمامًا؛ حيث إن الصوفيين الأوائل كانوا يحضون الناس على الرقي والظهور أمام الناس في أفضل صورة. وهذا سيكون جزءًا من أهداف الفضائية”.
هذا وقد شهدت الساحة العربية خلال السنوات القليلة الماضية إطلاق العديد من الفضائيات الدينية، تضمن الكثير منها برامج ومحاضرات تهاجم الفكر الصوفي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر[21].
وفي كلمته بمؤتمر «الدور الصوفي في مواجهة تحديات العصر»، الذي نظمته القيادة الشعبية الإسلامية العالمية بجامعة الأزهر أعلن الشيخ محمد علاء ماضي أبو العزائم، شيخ الطريقة العزمية، أنه سيتم بدء بث برامج قناة «الطرق الصوفية» الفضائية الخاصة، بداية عام ٢٠٠٩، مشيرًا إلى أنها ستحمل اسم «مشيخة عموم الطرق الصوفية»[22]. ونفى أبو العزائم، ما تردد عن أن القناة الصوفية الجديدة، ستعتمد على تمويل شيعي أو إيراني، موكدًا أن تمويل القناة سيكون من تبرعات الصوفيين أنفسهم. وأضاف أن تهمة التعامل مع الجن الأزرق -يقصد إيران- تلاحقنا في كل خطوة نتخذها لتحسين صورة الصوفية، وقال إنه لن يرفض أي «أموال» من الدول الإسلامية، التي تخدم الإسلام ومحاربة الأفكار المسيئة للإسلام.
لكنه عاد وأكد بعد إدلائه بهذه التصريحات بيومين أو ثلاثة أنه عرض الأمر منذ فترة طويلة على المجلس الأعلى للطرق الصوفية، على أمل إقناع المشايخ بتمويلها، وتكوين شركة مساهمة مصرية، لكن الرد طال انتظاره؛ لذلك قرر أبناء الطريقة العزمية، خوض التجربة بأنفسهم وعرضوا الأمر علي المشيخة العزمية. وأضاف أن أبناء الطريقة العزمية والطرق الصوفية، عمومًا يحتاجون إلى قناة تعبر عنهم وتدافع عن أفكارهم أمام شيوخ بعض الفضائيات، الذين يحاولون تشويه صورة التصوف والمتصوفين، كذلك هناك اتجاه بين الصوفيين لمحاربة الخارجين الذين يصفون أنفسهم بالصوفية، وهم بعيدون عن منهجها.
وذكر أن المتخصصين الإعلاميين من أبناء الطريقة العزمية قدَّموا دراسة لوضع خطة للفقرات التي ستعرض على القناة، وهي مقسمة بين مسلسلات وأفلام دينية وثائقية، وبرامج يتحدث فيها علماء التصوف، ومحاضرات للتربية الصوفية للشباب، ودروس لحماية اللغة العربية، التي اندثرت تحت سمع وبصر الإعلام العربي، وتغطية احتفالات الصوفية والمؤتمرات.
وردًّا على سؤال حول موقف المجلس الأعلى للطرق الصوفية، عن إعلانه من طرف واحد بث قناة الصوفية، قال أبو العزائم: «اقترحت الموضوع علي المجلس منذ عامين، الذي وافق بالإجماع، لكنهم لم يتخذوا أي خطوة في سبيل ذلك، وفي اجتماع المجلس غدًا سنعرف إن كان سيشارك جديا أم لا، وبناء عليه سيتحدد اسم القناة بين (مشيخة عموم الطرق الصوفية) التابعة للمجلس أو قناة (الصفوة) للمشيخة العزمية[23].
ويلاحظ أن هذه التصريحات تحصر توجُّه جانب كبير من أهداف القناة في مواجهة القنوات الفضائية للتيارات السلفية وتعميق النزاع بين هذين التيارين، فضلًا عن أن التصريحات الأخيرة لشيخ الطريقة العزمية حول تبعية القناة والتي تتناقض مع ما كان قد صرح به هو نفسه قبلها بأيام تكشف عن وجود تضارب وتنازع حول السيطرة على القناة وبرامجها.
3- مؤتمرات واحتفالات:
انعقدت العديد من المؤتمرات والاحتفالات للعديد من الطرق الصوفية خلال الفترة الماضية في عدد من الدول الإسلامية والغربية، والوقوف عندها وعند ما دار فيها يكشف عن بعض توجهات هذه الطرق خلال الفترة القادمة.
3/1- مؤتمر: تفعيل الدور الصوفي في أمن واستقرار المجتمعات:
وجه مؤتمر “تفعيل الدور الصوفي في أمن واستقرار المجتمعات” للطرق الصوفية المصرية المنعقد في 5/1/2008 انتقادات حادة للسياسة الأمريكية، معتبرًا أنها السبب في إشاعة الفوضى بالعالم من خلال تبنيها نظرية “الفوضى الخلاقة” وغزوها عددًا من الدول الإسلامية. وحمل المؤتمر موقفًا رافضًا شديد اللهجة من قبل الطرق الصوفية لسياسة الولايات المتحدة التي عرف سفيرها السابق في القاهرة فرانسيس ريتشاردوني بالحرص على التواصل مع هذه الطرق من خلال مشاركته عدة مرات في الأعوام القليلة الماضية في مولد السيد البدوي بمدينة طنطا (شمال القاهرة) الذي تحتفل به الطرق الصوفية.
وفي حضور سكرتير أول السفارة الأمريكية بالقاهرة إدوارد وايد وغيره من الدبلوماسيين الأجانب في القاهرة، تحدث الشيخ مختار محمد علي الدسوقي شيخ الطرقة الدسوقية عن أهداف المؤتمر قائلا: “إن انعقاد المؤتمر يأتي في وقت يتهدد الأمة خطر داهم متمثل في وحشية النظام العالمي الجديد الذي يتبنى الفوضى الخلاقة، وعدم الأمن والاستقرار والسيطرة على المجتمعات، ما يؤكد أن العمل الجماعي هو القاعدة لاستعادة دور الأمة الإسلامية الحضاري”. وتزايدت حدة الهجوم على سياسات واشنطن- من دون تسميتها صراحة – في كلمة عبد الحليم الحسيني المتحدث الإعلامي باسم الطريقة العزمية.
من جانبه أكد الدكتور أحمد السايح أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر أن “الصوفية لا يمكن أن يتم استغلالهم من قبل أي جهة خارجية، وأن المجتمعات الإسلامية أصبحت بحاجة للصوفية لتحقيق الاستقرار في مواجهة مخططات الهدم الخارجية وفق النظام العالمي الجديد”. وبدا لكثير من الحضور أن السايح يعقب على ما ذهبت إليه تحليلات العديد من المراكز البحثية الأمريكية مثل راند وتقريرها المشار إليه.
وفي ختام المؤتمر، أرسل مشايخ الطرق الصوفية برقية تأييد للرئيس المصري حسني مبارك، وطالبوا القيادة السياسية بـ”إفساح المجال للمنهج الصوفي لعلاج التطرف”. وأوصى المؤتمر في ختام أعماله بتبني أنشطة ثقافية واجتماعية للصوفية تجوب المحافظات، وإنشاء هيئة عليا للتصوف للنهوض به وتقديمه بالصورة اللائقة به والدفاع عنه، كما طالبوا باستمرار المؤتمرات الصوفية، وتكثيف حضور مشايخ الطرق فيها مع الاستعانة بعلماء الأزهر الشريف[24].
وشارك في المؤتمر مشايخ الطرق الصوفية البالغ عددها في مصر (74) طريقة، والأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشيخ علي عبد الباقي نيابة عن شيخ الأزهر، بالإضافة إلى حوالي ثلاثة آلاف صوفي.
3/2- المنتدى العالمي الأول للطريقة المشيشية الشاذلية بالمغرب:
وتحت شعار “مولاي عبد السلام بن مشيش… من جبل العلم إلى العالم”، انطلقت في 25-26/7/2008 بقصر مولاي عبد الحفيظ، أعمال المنتدى العالمي الأول للطريقة المشيشية الشاذلية. وتناول المنتدى عدة محاور تسعى كلها للربط بين فكرة التصوف وقضايا مجتمعية، مثل: “التصوف والمواطنة”، “التصوف ووحدة المغرب العربي”، “التصوف وحوار الأديان”؛ وذلك في رد غير مباشر على الانتقادات بشأن غياب الدور الصوفي تجاه قضايا المجتمع، بحسب القائمين على المنتدى.
من جانبه، رأى فوزي الصقلي الباحث الأنثروبولوجي المغربي، ومؤسس مهرجان مدينة فاس للموسيقى الروحية أن “النقاش الذي أثاره تنامي وتيرة الحركة الصوفية بالمغرب خلال السنوات الأخيرة هو بمثابة دليل على أهمية التصوف وضرورته لحياة إنسان الألفية الثالثة”، كما تحدث أيضا عن الدور “المهم” الذي بإمكان التصوف أن يضطلع به في مجال “الدبلوماسية الدينية”، بالنظر إلى أن هناك أتباعًا للزوايا منتشرون بمختلف دول العالم، وبإمكانهم المساعدة في إيجاد حلول للمشاكل السياسية العالقة بين الدول.
ودأبت الزوايا المغربية، خصوصا البودشيشية، والتيجانية، والعلاوية، على عقد لقاءات ومنتديات دولية خلال السنوات الأخيرة؛ حيث تستقطب أنشطتها مئات الآلاف من الأتباع، وهو ما اعتبره محللون محاولة من الدولة المغربية لإيجاد توازن بين الإسلام الحركي الذي غالبًا ما يعارض مشاريعها، وبين حركية التصوف التي تقتصر على مجال التربية، وتنأى بنفسها عن الدخول في حلبة السياسة[25].
3/3- موالد الطريقة «العزمية» والحضور الدبلوماسي الإيراني:
في سياق التفاعل البيني بين الصوفية وبعض الأطراف الدولية، يأتي حضور الملحق الثقافي الإيراني محمد حسن الزماني للاحتفال بمولد السيدة فاطمة الزهراء الذي أقيم في ٢6/٦/٢٠٠8 بمقر الطريقة العزمية بالقاهرة، كمؤشر دالٍّ على الاهتمام الدولي بالتصوف، بل والاهتمام الشيعي أيضًا؛ وفيه حذر محمد علاء ماضي أبو العزائم، عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، شيخ الطريقة العزمية، ممن وصفهم بـ «المتربصين بوحدة المسلمين»، والذين يحاولون -حسب قوله- بث الفرقة بين السُّنة والشيعة على طريقة «فرِّق تسُد». ونفى أبو العزائم أي ارتباط بين طريقته والشيعة في مصر، مشيرًا إلى أن مشاركة الملحق الثقافي الإيراني محمد حسن الزماني في الاحتفالية جاء بشكل شخصي، حيث اتصل به طالبًا الحضور والمشاركة. وفي تطور لافت شاركت دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في المولد لأول مرة، وأعرب أبو العزائم عن تفاؤله بهذه المشاركة.
وقال الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر السابق، رئيس دار التقريب: إن المشاركة في مولد الزهراء تأتي في إطار سعي الدار الحثيث للتقريب بين أهل المذاهب الإسلامية، من خلال الندوات واللقاءات، والمشاركة في الاحتفالات بموالد آل البيت الذين يتمتعون بمكانة خاصة في قلوب كل مسلم سنيًّا كان أو شيعيًّا أو صوفيًّا.
ومن جانبه شدد محمد حسن الزماني الملحق الثقافي بالسفارة الإيرانية في القاهرة على أن حضوره احتفال الطريقة العزمية بمولد السيدة فاطمة الزهراء هو «سلوك شخصي» لا علاقة له بموقعه الدبلوماسي وقال: أنا مسلم أحب آل البيت مثل أهل مصر… وليس صحيحًا أن هناك مخططًا إيرانيًّا لاكتساب فئة أو طائفة ما في مصر. وأضاف الزماني: الحكومة الإيرانية تدعم مذهب أهل السُّنة في إيران وتخصص جزءًا من ميزانية الشئون الدينية لمساجد السُّنة، ومعاهدهم الدينية، ولا يوجد حظر من أي نوع على وجودهم وأنشطتهم. ورفض المستشار الثقافي الإيراني مقارنته بالسفير الأمريكي السابق في القاهرة فرانسيس ريتشاردوني الذي كان حريصًا علي حضور الموالد، والمناسبات الصوفية قائلًا: دوني يمثل دولة لا تحترم الإسلام وتخشاه، وليس منطقيًّا أن يكون «واقعًا في هوى الصوفية» كما اعتقد وروَّج البعض.
وذكر الزماني أن قلة عدد الشيعة في مصر يجعلهم يفضلون مشاركة المتصوفة والمصريين عمومًا في الاحتفالات الدينية، عن أن يقيموا احتفالات خاصة بهم، واستشهد بتصريح للدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية جاء فيه: إن نسبة «التشارك» بين السُّنة والشيعة في الاحتفالات الدينية تتجاوز الـ ٩٥٪. وطالب الزماني علماء السُّنة بالسعي الجاد في محاولات التقريب بين المذاهب والتصدي لما سمَّاه «المؤامرة الأمريكية» للتفرقة بين المذهبين السني والشيعي[26].
وعن أزمة فيلم “إعدام الفرعون” وإساءته للسادات قال الشيخ أبو العزائم: “نحن لا علاقة لنا بالسياسة ولا يمكن أن نمنع أحدًا من الحضور في مولد تقيمه الطريقة بسبب أزمة دبلوماسية، ومع هذا فإن فيلم السادات يعرض وجهة نظر قد تكون لها مبررات لدى صاحب الفيلم، وهو ليس رأي إيران كدولة؛ لأنه من إنتاج أفراد، ولا أعتقد أن إيران تتعمد إثارة أزمة دبلوماسية مع مصر بسبب فيلم، ويجب ألا نضخم المسألة لتصبح عائقًا على طريق التقريب بين السُّنة والشيعة، وإن كنَّا نرفض الفيلم”. ولكنه ندد بالفيلم الإيراني واعتبره إهانة للشعب المصري وتشويهًا لصورة الرئيس الراحل أنور السادات وتمجيدًا لقاتله بوصفه بـ «الشهيد»[27].
كما أشار إلى أن لجنة التقريب بين المذاهب الإسلامية المنبثقة عن مؤسسة الأزهر -التي بدأت عملها في 30 مارس 2007، ويرأسها الشيخ محمود عاشور- ستقوم برعاية مولد “الإمام علي” ليكون بذلك ثاني مولد تشارك فيه اللجنة، حيث شاركت من قبل في رعاية مولد السيدة فاطمة الزهراء في أواخر الشهر الماضي.
وعن احتفال الطريقة الصوفية بموالد تعتبر من الاحتفالات الشيعية قال أبو العزائم: “نحن نحتفل كل عام بأهل العباءة السيدة فاطمة والإمام علي والإمام الحسين، لكننا لا نحتفل بكل آل البيت”، لافتًا إلى أن مولد الإمام علي هذا العام هو المولد الرابع على التوالي. وأوضح: “كون الشيعة يحتفلون بهذه الموالد لا يمنعنا من الاحتفال بها، فنحن لا نقلدهم، فهم يحتفلون بالإمام جعفر الصادق وبموالد كل الأئمة لديهم حتى المهدي المنتظر، ونحن لا نحتفل بتلك الموالد”.
وعن موقف المشيخة العامة للطرق الصوفية من مسألة حضور دبلوماسيين إيرانيين واعتبار بعض الأصوات ذلك وسيلة لتحسين صورة إيران لدى المصريين، قال أحمد كامل ياسين شيخ مشايخ الطرق في مصر في ذلك الوقت: “كل طريقة تتحمل مسئوليتها في تنظيم المولد الخاص بها، والمشيخة مسئولة فقط عما تنظمه من احتفالات وموالد كبرى”. وعن أزمة فيلم “إعدام الفرعون” قال: “هذه مسألة دبلوماسية بالدرجة الأولى، والجهة السياسية هي التي ترد عليه لأنه موضوع سياسي، ولا علاقة للطرق الصوفية بالأزمات السياسية”.
وعن تأثير الفيلم الإيراني على عمل لجنة التقريب بين المذاهب، اعتبر الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق ورئيس لجنة التقريب بين المذاهب الإسلامية “أن التقريب بين السُّنة والشيعة أمر مهم ولا ينبغي أن تعوقه أزمة عابرة”. غير أنه استدرك قائلًا: “هذا الفيلم أمر لا يليق بإيران إن كانت تريد أن تقيم علاقات طيبة مع مصر، وهو أمر غير محترم”، وتابع مضيفًا أن: “قيام طهران بتكريم قاتل أمر مرفوض؛ لأن القتل جريمة لا يمكن تكريم فاعله”[28].
§ ومع الخارج:
1- صوفية مصر في منتدى بأمريكا
شارك وفد يضم عددًا من مشايخ الطرق الصوفية بمصر لأول مرة في المنتدى الذي تنظمه الرابطة الدولية للتصوف بأمريكا في 25 أبريل 2008، برئاسة علاء أبو العزائم، شيخ الطريقة العزمية، وقال الشيخ أبو العزائم إن: “هذا المنتدى هو الرابع الذي تقيمه الرابطة الدولية للتصوف، لكنها المرة الأولى التي يتم فيها استضافة مشايخ من الطرق الصوفية في مصر”. وأوضح أن: “تلك الرابطة تأسست عام 1983، وقد أقامها مجموعة من المسلمين المقيمين في أمريكا، لكنهم لم يقوموا بأي تنسيق من قبل مع الطرق الصوفية بمصر إلا منذ فترة قليلة ومن خلال بعض الأفراد أمثال الدكتور على كيانفر أبرز العاملين في الرابطة هناك”.
وفيما يتعلق بمحاور المنتدى، قال أبو العزائم: “المنتدى سيناقش خمسة محاور: الأول بعنوان قائمة حب الله، والثاني مراحل القلب، والثالث السبيل إلى الحج، والرابع أجمل الأسماء لله تعالى، والخامس القلب المفتوح والعالم المفتوح”. ولفت إلى أنه أعد بحثًا في محور “القلب المفتوح والعالم المفتوح” سيؤكد من خلاله على أهمية الصراحة والصدق. وأوضح في هذا السياق أنه سيتم عقد جلسة بين مشايخ الطرق لتحديد الشخصيات التي ستتحدث باسم الطرق الصوفية في مصر.
وعن الفائدة التي ستعود من ذلك المنتدى، قال أبو العزائم: “هناك فائدتان ستتحققان من مشاركتنا: الفائدة الأولى ستعود على أمريكا، والثانية ستعود على المشاركين أنفسهم”، وأوضح أن “المنتدى مهم لأمريكا كي تؤكد أنها ليست ضد الإسلام، حيث تفتح المجال لديها للمؤتمرات الإسلامية والصوفية، ولتوضح أنها تتعاون مع كل فكر غير متشدد”. أما الفائدة التي ستعود على المشاركين فهي أنها ستتيح لشيوخ الطرق المصرية لأول مرة التعرف على أفكار صوفية أمريكا والتواصل معهم. ودعا المنتدى وفودًا من دول إفريقية، مثل السنغال ونيجيريا وكذلك السودان، إضافة إلى عدد من صوفية دول شمال إفريقيا، وبخاصة المغرب والجزائر.
وردًّا على سؤال عما يتردد من أن الولايات المتحدة تستغل الصوفية في مصر لتحسين صورتها وأن المنتدى جزء من هذا الاستغلال قال أبو العزائم: “هذا كلام فاضي (تافه)”. وشدد قائلًا: “إن القول بأن الطرق الصوفية ستكون مدخلًا للشيعة أو لأمريكا مرفوض؛ لأن أتباع الصوفية ليسوا متخلفين عقليًّا ليقولوا ما يريده الآخرون، فنحن لنا شخصيتنا وكياننا في الأمة والعالم أجمع”.
وبدوره شدد الشيخ محمد الشبرواي -عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية- على أهمية مشاركة الطرق الصوفية المصرية في المنتدى، وقال: “نحن نشارك لأنه لابد أن يكون هناك تواجد لمصر؛ لأنها رائدة العمل الصوفي كله، ولا يمكن أن تغيب عن هذا التجمع الصوفي ولو في أمريكا”. واعتبر أنه من خلال مشاركته سيؤكد أن: “الإسلام دين محبة وسلام ويدعو إلى استقرار وأمن المجتمع الإسلامي والعربي والغربي”. وردًّا على سؤال بشأن اعتراض البعض على عقد مؤتمر تحت مظلة الولايات المتحدة قال الشبراوي: “إن الإسلام وطن، وفي أي دولة بها مسلمون ويوجد إسلام ينبغي أن نتواجد ونشارك، خاصة أن الصوفية دعاة للسماحة والقرب من أجل تغيير المفاهيم الغربية”.
وعن موقف المشيخة العامة للطرق الصوفية من مشاركة المشايخ في المؤتمر قال الشيخ حسن الشناوي شيخ مشايخ الطرق الصوفية آنذاك: “إن المشيخة ليس لها علاقة بأي شكل من الأشكال بتنظيم هذا المؤتمر، وإن الطريقة العزمية هي التي قامت بتنسيق الأمر مع الرابطة الصوفية بالولايات المتحدة”[29].
2- يهود ونصارى وبوذيون على مائدة تصوف مغربية
شهد الملتقى العالمي الأول للطريقة المشيشية الشاذلية بمدينة طنجة المغربية جلوس شيوخ متصوفة إلى جوار أحبار يهود ورهبان مسيحيين وبوذيين على طاولة واحدة، وهو المشهد الذي تكرر خلال أعمال الملتقى. هذا المشهد جاء في إطار تركيز الملتقى على قضية التصوف ودوره في التقريب بين الأديان والمذاهب الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.
وعن هذا الدور يقول أحمد عبادي -رئيس الرابطة المحمدية للعلماء، وأحد الذين أشرفوا على تنظيم الملتقى: إن “التصوف لا يقصي أحدا، ولذلك يعد السبيل الأبرز لربط جسور التواصل بين مختلف الديانات السماوية والعقائد الإنسانية بما يخدم مصلحة الجميع في آن واحد”. وأيده في ذلك الراهب البوذي “تشانغ” الذي شارك بالملتقى قادمًا من فيتنام بقوله: إن “التصوف يسهل التواصل بين الجميع، وقادر على استيعاب الاختلاف الموجود بين مذاهب العالم”.
الحبر اليهودي “يوسي” الذي حضر من الولايات المتحدة، شدد من جانبه على أن العالم بات في حاجة إلى التصوف ومبادئه، بقدر ما هو محتاج إلى تركيزه على مبادئ التسامح، وقيم العيش المشترك. واعتبر يوسي أن نجاح فكرة التصوف تكمن في ابتعاد مبادئها عن التعقيدات الأيديولوجية، وتركيزها الشديد على المحبة والسلام والدعوة للحوار مع الآخر.
وقد شهد اللقاء حضور ممثلي الطريقة القادرية البودشيشية، والطريقة التيجانية والطريقة العلاوية، إلى جانب الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية، وممثلي طرق صوفية في بلدان عربية من بينها سوريا وتونس[30].
3- حلقة صوفية في كنيسة لندنية
بمرورك على شارع ساحة كنيسة بيتر (غرب لندن) تسمع أصوات ترانيم موسيقية روحانية يتردد بين ثناياها اسم الله على ألسنة لاهجة لا تكاد تتوقف إلا عند انتهائهم من حلقة الذكر التي تنعقد داخل كنيسة مؤجرة لهذا الغرض. الحلقة التي ينظمها مسلمون من أتباع الطرق الصوفية أسبوعيًّا تعد واحدة من حلقات كثيرة تنعقد في أنحاء لندن، ويعتبرها البعض دليلًا على انتشار الصوفية في المملكة المتحدة.
ويعتبر محمد علي، الناشط الصوفي من أصل باكستاني، أن “الصوفية أضحت أمرًا شائعًا في بريطانيا”. وأضاف مدللًا على كلامه بأن هناك “أعدادًا تحضر حلقات الذكر، ومساجد تدعم هذه الحلقات وتستقدم لها مشايخ صوفيين”، وعزا شعبية الصوفية الآخذة في الارتفاع إلى “تعاليم الإسلام الرائعة بعيدًا عن الأفكار المتطرفة”.
وكانت الحكومة البريطانية قد قررت في أعقاب تفجيرات لندن 7 يوليو 2005 دعم الطرق الصوفية، ومنذ عامين حضر سياسيون من الأحزاب الرئيسية حفل غداء أعده المجلس الإسلامي الصوفي في بريطانيا، وحضرت “روث كيلي” وزيرة شئون الجاليات في بريطانيا آنذاك هذا الحفل وامتدحت المجلس وقالت: “المبادئ الأصيلة تدين الإرهاب بكافة أشكاله”. وحدد المجلس الإسلامي الصوفي مهمته بوضوح في “مواجهة التطرف والابتعاد عن السياسة”، وعلى موقعهم الإلكتروني ينتقد المجلسُ العلماءَ التقليديين وجماعات المقاومة مثل حماس بفلسطين.
وقوبل انتشار الصوفية في بريطانيا بمعارضة قوية من المنظمات الإسلامية الرئيسية، وقال داود عبد الله، نائب الأمين العام لمجلس مسلمي بريطانيا (أكبر المنظمات الإسلامية): “الصوفيون ليس لهم تأثير كبير في بريطانيا… الكبار والعجزة فقط هم من يهتمون بالتصوف”.
من جانبه قال الدكتور عزام التميمي الناشط الاجتماعي والإسلامي: إن “الحكومة البريطانية تدعم الصوفية لأن نهج هؤلاء قريب من سياساتهم ولا ينتقدونها”. في المقابل رد الناشط الصوفي محمد علي -الذي ينشر أفكاره من خلال مقالات يكتبها على الإنترنت- على تلك الانتقادات قائلًا: “لسوء الحظ فإن الذين ينتقدوننا يتبعون المدرسة الوهابية، ولهم أصوات قوية لأنهم مدعومون من السعودية التي تعطيهم الكثير من المال”[31].
(ب) الحركات الصوفية… والدولة
وفي إطار العلاقة مع الأنظمة والتفاعل معها، نجد الشواهد تؤكد على التوافق الكبير في هذه العلاقة بين الأنظمة وطرق قائدة، وإن كان هذا الأمر لا يلزم منه بالضرورة أن يكون عامًّا على الجميع أو حتى على الأغلبية، بل إنه يظهر لدى بعض القيادات التي تملك نفوذًا إعلاميًّا، أو موقعًا تنظيميًّا، يتيح لها الظهور والتحدث إلى وسائل الإعلام، مما يمكن أن يؤدي إلى التعميم، في ظل عدم اهتمام العديد من قيادات الطرق الصوفية بمثل هذه الشئون، وربما عدم قدرتها على السير فيها في بعض الأحيان. وفيما يلي نستعرض لقطات من موقف أطراف صوفية من السياق السياسي الذي تحيا فيه عبر بقاع مختلفة من الأمة.
1- صوفية مصر: الموقف من إضراب 4 مايو
وعلى هذا الصعيد يمكننا أن نرى نموذجًا لموقف بعض الطرق الصوفية لا سيما قيادات المجلس الأعلى للطرق الصوفية في مصر، من الدعوة للإضراب العام يوم 4 مايو 2008، فقد كان معبّرًا عن طبيعة الأسلوب التي تتعامل به هذه القيادات مع الدولة. فقبل ساعات من موعد الإضراب الذي دعا إليه نشطاء مصريون على موقع “فيس بوك” الشهير يوم 4 مايو، سجلت رموز في التيارالصوفي معارضتها للإضراب[32]. وقد شدد الشيخ علاء أبو العزائم على أن الإضراب مرفوض ولا تقبله الصوفية لأنه تعطيل لمصالح الأمة. ووصف الدعوة للإضراب بأنها “كلام فارغ وقلة أدب”، وعلل ذلك بقوله: “الناس اليوم أصبحوا لا ينتجون والإضراب يؤدي إلى زيادة عدم الإنتاج أكثر… ونتخلف أكثر”.
وأضاف: “من يدعو للإضراب لا ينظر لمصلحة الأمة، ويكتفي بتعليق خيبته على شماعة الحكومة… إذا كنا سيئين فالحكومة ستكون سيئة، وإذا كنا جيدين فالحكومة ستكون جيدة، فمن المهم أن نغير نحن أنفسنا”[بتصرف بسيط].
بدوره أيد الشيخ محمود محمد أبو الفيض شيخ الطريقة الفيضية الآراء السابقة وأكد أن “المتصوفة يرفضون مثل هذه المسائل”. وقال: “التعبير عن الرأي مباح، لكن الإضراب مرفوض لما يحدثه من أضرار بمصالح الناس والاقتصاد القومي”، مؤكدا أن “الإسلام ينهى عن الإضرار بمصالح الناس والدولة”[33].
2- صوفية الجزائر يؤيدون ولاية ثالثة لبوتفليقة
وفي الجزائر فإن العلاقة تبدو أشد وثوقًا مع النظام الحاكم، فقد أعرب عدد من قيادات الطرق الصوفية مطلع شهر مارس/آذار عن مساندتهم لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية ثالثة رغم أن هذه المساندة تستلزم تعديل الدستور من أجل تمريرها، وسبق أن ساندت الطرق الصوفية ترشح بوتفليقة في الاستحقاق الرئاسي عام 2004 للحصول على ولاية رئاسية ثانية، وقد صرَّح قيادي بالطريقة التيجانية، كبرى الطرق الصوفية بالجزائر، عن مساندة الطريقة لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية ثالثة.
ويرجع الشيخ أحمد التيجاني نجل الشيخ محمد التيجاني الخليفة العاشر للطريقة هذا الدعم إلى “إخلاصه (بوتفليقة) ووفائه للوطن؛ ولأنه إنسان لائق ومجاهد خدم مصلحة بلاده وخدم المواطنين”، مضيفًا أن “الطريقة ترى خيرًا في الرئيس الذي أخرج الجزائر من نفق الظلام طيلة عهدتين (ولايتين رئاسيتين)”. واستبعد التيجاني أن يكون للدعوة إلى استمرار بوتفليقة في دفة الحكم أي دوافع سياسية!! بقوله: “لا ندعم بوتفليقة للترشح لعهدة ثالثة استجابة لنداء جبهة التحرير الوطني (أكبر أحزاب الائتلاف الحاكم)؛ لأن الزوايا لا علاقة لها بالأحزاب السياسية”.
ومنذ وصول بوتفليقة للحكم تحظى الطرق الصوفية وأبرزها التيجانية، والهبرية، والرحمانية، والقادرية، بدعم كبير من قبل السلطات. ومن جانبه، قال الدكتور محمد بن بريكة المنسق الأعلى للطريقة القادرية الصوفية بالجزائر وعموم إفريقيا: “إن بوتفليقة يمثل بالنسبة للطرق الصوفية بالجزائر رجل التاريخ؛ نظرًا لماضيه الثوري الحافل وحنكته السياسية، حيث تقلد مسئوليات سامية بالدولة وسنّه لا يتجاوز الـ24 سنة”. وأضاف بن بريكة أن “الرئيس بوتفليقة خلال فترة حكمه مدَّ يده لكل الإسلاميين الذين يؤمنون بالتسامح واللاعنف والمحبة والسلام”. وأردف أن “بوتفليقة أعاد الاعتبار للطرق الصوفية والزوايا…. وفتح المجال أمام الزوايا والطرق الصوفية؛ للتعبير عن مواقفها من كل الاستحقاقات السياسية التي شهدها البلد، ومن البرامج السياسية التي تمس المصلحة الواسعة للوطن والدين”.
بدوره صرّح محمود شعلان رئيس الاتحاد الوطني للزوايا في وقت سابق لصحيفة “الخبر” واسعة الانتشار، بأن المطالبة بولاية ثالثة للرئيس بوتفليقة نابعة من كونه “أولى اعتبارًا مهمًّا للقرآن الكريم وتعليمه وتلقين المبادئ الإسلامية”. وأضاف شعلان أنه “أعاد للزوايا دورها الديني والاجتماعي والأخلاقي والعلمي، بفضل الدعم والمساعدات المعتبرة التي حظيت بها من قبل الرئيس”.
وتراجع انتشار الصوفية بالجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي بشكل ملحوظ مع ظهور قوى “الإسلام السياسي”، وعلى رأسها “الجبهة الإسلامية للإنقاذ”، فضلًا عن بروز التيار السلفي الذي يقول البعض إن بوتفليقة يواجهه من خلال دعمه للطرق الصوفية. وسرعان ما استعادت تلك الطرق عافيتها عقب تقلد بوتفليقة الرئاسة عام 1999، حيث أولتها الدولة اهتمامًا كبيرًا، خاصة بعد أن أعلنت عن تأييدها القوي لمسعى الحكومة في المصالحة الوطنية، ومشاركتها في الجهود الحكومية للتضييق على “الفكر المتطرف”. وتقول الطرق الصوفية: إن دعمها لميثاق السلم والمصالحة ينبع من حرصها على وقف سفك الدماء، وليس ممالأة للسلطة.
وتجلى دعم السلطات لتلك الطرق في رعايتها لتنظيم الملتقيات الوطنية والإقليمية وحتى العالمية التي تُعرف بالطرق الصوفية ودورها التاريخي، بالإضافة إلى ترميم عدد من الزوايا التي تعرضت للتخريب على يد الجماعات المسلحة. ولا تقتصر مساندة الدولة لتلك الطرق على الدعم المادي، بل تعداه في السنوات القليلة الماضية إلى الترويج لها إعلاميًّا من خلال تغطية وسائل الإعلام الحكومية لمختلف نشاطات الزوايا[34].
3- محاكمة صوفية بتونس… “خطأ غير مقصود”!
أما في تونس فيظهر وجه عكسي لهذه العلاقة، ففي يوليو الماضي وقعت حادثة هي الأولى من نوعها بتونس، فقد كُشِفَ عن صدور حكم قضائي بالسجن بضعة أشهر مع إيقاف التنفيذ بحق عدد من أتباع التيار الصوفي الذي تدعمه الدولة. عملية الاعتقال بالأساس وما ترتب عليها من إحالة المعتقلين للمحاكمة، يرى حقوقيون أنها “خطأ غير مقصود” في إطار الحملة الأمنية التي بدأتها السلطات مؤخرًا ضد أنصار حركات الإسلام السياسي، وخاصة السلفية منها، مستدلين على ذلك بصدور هذا الحكم المخفف. بدا أنه خطأ غير متعمد حين صدر الحكم مخففًا، بالنسبة إلى الأحكام المشددة التي يصدرها القضاء التونسي عادة بحق أتباع التيارات الإسلامية الأخرى؛ حيث حوكم الموقوفون الصوفية، وعددهم حوالي عشرة، بتهمتي عقد اجتماعات عامة، وتكوين جمعية غير مرخص بها.
وفي خطوة وصفتها مصادر قانونية بأنها “شكلية إجرائية معتادة”، استأنفت النيابة العامة حكم الدائرة الأولى الجناحية بمحكمة استئناف محافظة سوسة الساحلية، مطالبة بإنفاذ الحكم بحق الموقوفين الصوفية، وأجلت المحكمة الفصل في الاستئناف ليوم 20/10/2008.
ما يدعم وجهة نظر هؤلاء الحقوقيين أنه لم يسبق أن فرضت السلطات حظرًا على أنشطة التيار الصوفي، بل تحظى أنشطة الصوفية بدعم كامل من الدولة، وفي مقدمتها إقامة “الموالد”، وترميم الأضرحة والمقامات، وإنشاء الزوايا الخاصة بهم في المحافظات. ومنذ تسعينيات القرن الماضي تشهد تونس اهتمامًا رسميًّا كبيرًا بالأضرحة والمقامات والمزارات، سواء من حيث رعاية القائمين عليها، أو ترميم ما تداعى من أبنيتها أو دعم أنشطتها، وخاصة ما يسمى منها بـ”الخرجة” أو “المولد”؛ وهي الاحتفاليات التي تقام سنويًّا لما يعرف بـ”الأولياء الصالحين”. وتعمل كل الدوائر الرسمية المركزية والمحلية بمختلف مستوياتها واختصاصاتها من ثقافة وإعلام وتربية وتعليم وشئون دينية على تشجيع جميع الفئات والعائلات التونسية على إقامة احتفالات سنوية لمشايخهم وأوليائهم.
ويربط مراقبون الاهتمام الرسمي في تونس بالصوفية وازدهارها في العقدين الأخيرين بالصراع الذي دار بين السلطة وحركة “النهضة”، التي تمثل الإخوان المسلمين بتونس في بداية التسعينيات؛ وهو ما أدى إلى نفي معظم قادة الحركة خارج البلد، وتحجيم وجودها في الشارع. ويرى هؤلاء المراقبون أن يد النظام التونسي ليست بعيدة عن انتشار التيار الصوفي وإعادة إحيائه بمثل هذه القوة، وأنه يستهدف من وراء ذلك إبعاد أكبر عدد ممكن من الشباب المتدين عن حركة “النهضة” ومثيلاتها، مقابل إفساح المجال أمام توجهات إسلامية أخرى ترفض الانخراط في العمل السياسي.
وهذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها التيار الصوفي للقيام بهذا الدور؛ حيث سمحت فرنسا خلال احتلالها تونس للزوايا الصوفية بممارسة نشاطها مقابل التضييق على الزيتونيين ومدارسهم. كما أولى الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة اهتمامًا كبيرًا بأضرحة الأولياء؛ لمواجهة الهجوم الذي شُنّ عليه عقب دعوته التونسيين إلى الإفطار في شهر رمضان المعظم.
وينشط أغلب المنتمين الجدد للتيار الصوفي خارج إطار الفرق الصوفية التقليدية، مثل الطريقة التِّيجَانِية (نسبة إلى مؤسسها سيدي أحمد التيجاني)، أو الطريقة الشاذلية (نسبة إلى سيدي بلحسن الشاذلي)، أو الطريقة المدنية، والتي تسمى أيضًا بالإسماعيلية (نسبة إلى مؤسسها سيدي إسماعيل الهاتفي)، وهي الطريقة الوحيدة التي لديها زوايا ومزارات بكل محافظات تونس. ونتيجة للرعاية التي تبسطها الدولة للصوفية، انتشرت الزوايا والخلوات التابعة لها في عدد كبير من أحياء العاصمة، وخاصة الأحياء الجنوبية منها والمعروفة بكثافتها السكانية العالية والمستوى الاجتماعي المتردي[35].
4- صوفية البوسنة: ابتعاد عن السياسة
بالرغم من أنه كان لشيوخ ومريدي الصوفية في حرب البلقان الأخيرة دور إيجابي؛ حيث شاركوا في حمل السلاح لمقاومة العدوان الصربي على بلادهم، وكانوا أول من انضم إلى الكتيبة المسلمة بالجيش البوسني في ذلك الوقت، بحسب سامر بجليروفيتش -أستاذ التصوف والعقيدة بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة سراييفو- إلا أنه لا تزال الصوفية في البوسنة، بطرقها المتعددة، غائبة عن المشهد السياسي ولم تدخل هذا المعترك رغم انتساب بعض المسئولين إليها ومشاركتهم بحلقاتها، وإن ظلت تحافظ على تقاليدها التي توارثتها منذ مئات السنين؛ حيث يمارس أتباعها عاداتهم من حلقات الذكر والاحتفالات.
وقد انتشر التصوف في البوسنة مع قدوم السلطان العثماني محمد الفاتح وجيشه منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، حيث أصبحت الطرق الصوفية تتمتع بنفوذ قوي في الجانب السياسي. وظلت الصوفية كذلك حتى جاء الاحتلال المجري النمساوي الذي حاول طمس هوية المتصوفين الذين تمكنوا من بناء تكايا في الأماكن النائية بالجبال والغابات. ثم تبع ذلك العهد الشيوعي إبان حكم رئيس جمهورية يوغسلافيا سابقًا جوزيف تيتو الذي منع أتباع الصوفية من ممارسة طقوسهم منذ سنة 1952[36].
5- صوفية تركستان… بين النزاع المذهبي ومواجهة الصين
لعل أبرز ما في المشهد الإسلامي بالصين[37] توزع مسلميها بين نموذجين يبدوان متناقضين ولكنهما يشتغلان وبقوة في آن واحد: “تصوف” يتغذى من تراث العزلة التي فرضت أسوارًا عالية منعتهم من الاتصال بأمتهم المسلمة، و”سلفية” أقرب إلى التنظيمات الجهادية.
ورغم حصول شينجيانج (تركستان الشرقية) على الحكم الذاتي؛ مما يعني أن رئيس المنطقة يجب أن يكون من الإيجور (وهي القومية المسلمة الأكبر)، وأن يتم العمل في الإدارات الحكومية باستخدام اللغة المحلية، فإن الوضع على أرض الواقع لا يرضي المسلمين كثيرًا، فهم الأكثر فقرًا في المنطقة، كما يعانون من محاولات مستمرة للقضاء على ثقافتهم.
والوجود الصوفي قديم وله تاريخه في تركستان، حيث أدى البعد الجغرافي، والعزلة بالمسلمين الصينيين في القرى إلى التوجه نحو الشيوخ والزوايا، وبالرغم من أن الإسلام دخل الصين منذ أكثر من ألف سنة، فإن مسلمي البلاد كانوا يعانون العزلتين الداخلية والخارجية؛ بمعنى أنهم يعيشون متفرقين في تجمعات متباعدة على أرض الصين الشاسعة دون الاتصالات والتعارف فيما بينهم. وكانوا كذلك في عزلة تامة عما يجري للإسلام والمسلمين في العالم، وكانوا يتناقلون العقيدة الإسلامية عن طريق الوراثة من جيل إلى جيل، وفي ظل هذا المناخ المنعزل انتشرت الصوفية إلى حد كبير بين المسلمين الصينيين، لكن كل الطرق الصوفية الموجودة هناك تجد جذورها ومنابعها خارج الصين، كالجهرية أو الخفوية اللتين تجدان جذورهما في النقشبندية بآسيا الوسطى.
والخفوية هكذا تنطق باللغة الصينية، وهي من (الخفوت) في اللغة العربية، وتعني الذكر بصوت خافت والجهرية من الجهر، وهما فرعان يميزان الطرق الصوفية في الصين. وتوجد أربع طرق صوفية رئيسية هناك، هي: الجهرية، والخفوية، والكبراوية، والقادرية، ويوجد أيضًا تيار يمكن إدراجه تحت مبحث الصوفية وهو “القديمو” والمقصود به التنظيمات المحلية، والزوايا التي ظهرت قبل دخول التيارات الصوفية الأربعة الأخرى إلى الصين في القرن الثامن عشر. وهناك أيضا “السي داو تونج”، وهذا التيار الأخير ظهر في الصين للبحث عن إمكانية التعايش المشترك بين أفراد الجماعة الإسلامية، حيث استحدث هذا التيار نظام التكافل الاجتماعي والحياة المشتركة فيما يشبه عائلة واحدة كبيرة.
ظهرت هذه الطريقة في الصين مع بدايات هذا القرن، وهذا يعني أن تاريخها الزمني قصير نسبيًّا، بالمقارنة مع غيرها من الطرق الصوفية التي عرفتها الصين، ولقد جمعت حولها حوالي 15 ألف مريد، يعيشون حياة جماعية، تمثل أسرة كبيرة متجانسة ومتكاملة فيما يفترض، وهم يمارسون في نفس الوقت الشرائع، وأسباب العيش في نفس الإطار الديني، لكنهم مع بدايات عام 1958 انخرطوا في الحياة الشيوعية، وانحل بذلك عقدهم الديني، واليوم هناك بالفعل نحو عشرين ألفا من الخوي ممن عادوا إلى بعث هذا النظام، وهم يعيشون في نفس الإطار الصوفي الديني، داخل تجمع عائلي وتكافلي ضخم بالقياس إلى عدد الأتباع. و(القديمو) هو النظام الأكثر انتشارًا وفاعلية في الصين، يأتي بعده مباشرة (الخفوية) بتفرعاتها الـ22، ثم (الجهرية) والتي تتفرع إلى 4 تفرعات.
وغير بعيد عن حركات الإسلاميين الجهاديين، تعرف تركستان حركة إسلامية أخرى باسم “الإخوان” لا علاقة لها بجماعة “الإخوان المسلمون” المعروفة، فمفهوم الإخوان في الصين يدل على أتباع الحركة السلفية بما عرفته من نشاط معارض للحركات الصوفية ذات الوجود التاريخي في هذه البلاد. و(الإخوان) تدعو إلى إصلاح الإسلام بالصين على أساس القرآن والحديث، وإصلاح العادات والتقاليد للمسلمين وفقًا لأصول الدين والكتاب والسنة، وتخليص الشريعة من البدع والشوائب، وقد تأثر رواد تلك الدعوة بزيارات قاموا بها للمملكة العربية السعودية، لذلك يرى البعض أن دعوتهم جاءت متأثرة بالفكر الوهابي، ولقيت دعوتهم ترحيبًا من عامة المسلمين، وتعرضت في نفس الوقت لمعارضة شديدة من أصحاب الطرق والبوابات والقباب الصوفية، حيث أدى الخلاف بين المذهب القديم (الصوفية)، والمذهب الجديد (السلفية) إلى صدامات، واللجوء إلى القوة في بعض الأحيان[38].
ج- وجه آخر للصوفية: جيش الطريقة النقشبندية في العراق[39]:
على الصعيد المقابل للمهادنة الصوفية للحكومات والأنظمة والتواؤم أحيانًا مع أهداف الرؤية الغربية، يصر الوجه الآخر لهذه العلاقة على الظهور وإثبات الوجود، معلنًا عن نفسه بخطاب محافظ وأسلوب راديكالي.
فالعراق الذي يُعتبر -حسب رأي كثير من الباحثين- هو مهد التصوف الإسلامي؛ حيث عاش ودفن فيه كثير من أعلام المتصوفة، وفيه نشأت الطرق الصوفية الأولى، ومنه انتشرت إلى بقية أرجاء العالم الإسلامي، قد ضعف وانحسر كثيرًا في القرون اللاحقة للغزو المغولي للعراق؛ مقارنة مع نفوذه وتأثيره الذي كان يحظى به قبل ذلك.
ورغم ضعف تأثيره وانحساره عن كثير من المناطق في العراق، ورغم ما عرف عن المتصوفة في العراق من سلبية وانشغال عن الأمور العامة، فإن مجيء الاحتلال الأمريكي للعراق قد أدى لانبعاث صوفية مقاتلة انخرطت في العمل المقاوِم للوجود الأمريكي في العراق عبر كيان صوفي سمى نفسه (جيش رجال الطريقة النقشبندية) ومجموعات أخرى صغيرة.
ولعل هناك من يرى في هذا التطور خروجًا عن المألوف والمعتاد من الطرق الصوفية في العراق وكثير من بلدان العالم الإسلامي؛ والتي حصرت نفسها منذ قرون داخل التكايا والزوايا، وعزفت عن السياسة والقضايا العامة التي تهم المسلمين، تحت شعارات منها: (دع المُلك للمالك)، و(أقامَ العباد فيما أراد)، إلا أن الدارس جيدًا يعلم أن الصوفية عبر تاريخهم كان منهم من قادوا الجهاد في أفريقيا وآسيا وعبر الخبرة العثمانية المديدة.
وقد اتخذت الدولة العراقية منذ مجيء العهد الجمهوري موقفًا سلبيًّا من التدين والمتدينين (باستثناء فترة الرئيس عبدالسلام عارف)، وشمل هذا الموقف كافة التيارات الإسلامية دون تمييز، ونال حتى المتصوفة العاكفين في تكاياهم. لكن انقلابًا حصل في هذه القضية في أعقاب حرب الخليج الثانية، وخروج العراق من الحرب منهكة ومكبلة بالخسائر والعداوات، وضعف خطاب حزب البعث الحاكم الذي كان يعتبر الدين ظاهرة (رجعية) وعامِلَ تمزيق للوحدة الوطنية. وبدأت الدولة سعيها لكسب ود المتدينين عبر ما أطلق عليه آنذاك بـ”الحملة الإيمانية”، وكان طبيعيًّا أن تتجه الدولة نحو الصوفية على اعتبار خلو التصوف التقليدي من أي نزعة سياسية، ولانتماء نائب الرئيس العراقي السابق عزت إبراهيم الدوري لبيئة صوفية، وبدأ الارتماء الصوفي في أحضان الدولة. ولعبت “الحملة الإيمانية” دورًا في تهيئة الشارع العراقي لقبول التدين بعد فترة إقصاء طويلة، وشملت هذه الحملة حتى صفوف حزب البعث الحاكم، وشجعت الدولة آنذاك البعثيين على ممارسة شعائر التدين الفردي كالصلاة وحفظ القرآن. وقد بدأت بعض الطرق الصوفية في التغلغل في صفوف العاملين في الدولة، وخاصة ضباط الجيش الذي عرف الكثير من قادته بالتدين والوطنية.
ومع دخول قوات الاحتلال الأمريكي للعراق بدأت فصائل المقاومة تعلن عن نفسها وعن برامجها، وظهرت فصائل كثيرة في الميدان، لكن صوت الصوفية بقي خافتًا، حتى كان أول بيان لمجموعة أطلقت على نفسها (كتيبة الشيخ عبد القادر الجيلاني الجهادية)، وتركزت مناطق عملياتها في مناطق كركوك والحويجة وبعض مناطق محافظة صلاح الدين، لكنه قد خفت صوتها منذ زمن ولم تعد تعلن عن عملياتها إلى أن ظهر (جيش رجال الطريقة النقشبندية).
وجاء في البيان الأول الذي أصدره الجيش بتاريخ 30 من يناير 2006 أن إعلان الجيش جاء ردًّا على إعدام صدام حسين الذي وصفه البيان بـ(رمز العراق العظيم)، وبعد مرور ما يقرب من أربعة أعوام على احتلال العراق، وردًّا على تقرير (بيكر-هاملتون) وتصريحات بوش التي وصفت المقاومة العراقية بـ(الإرهاب القادم من الخارج). وقال الجيش في بيانه هذا إنه يقارع الاحتلال من اليوم الأول للغزو، وإنه يضم في صفوفه مقاومين عراقيين من العسكريين والمدنيين وعلماء الدين من أقصى شمال العراق إلى أقصى جنوبه كما جاء في البيان.
والمتتبع لهذا البيان والبيانات اللاحقة يجد البصمة الخاصة بالجيش العراقي السابق؛ مما يعني انخراط أعداد كبيرة من الضباط السابقين في صفوف هذا الجيش، وهو ما أكده البيان بنفسه، وهو ما يبدو أيضًا في دقة وقوة العمليات التي تنفذ ضد قوات الاحتلال؛ مما يدل على كفاءة قتالية عالية لا تتوفر إلا لضباط الجيوش، كما أن هناك نزعة عروبية واضحة الأثر على خطابه السياسي المعلن، وكما ظهر في شعاره الذي يحتوي على خريطة العالم العربي يرفرف فوقها العلم العراقي.
ولا شك، فإن هذا التطور الذي حدث بتحول طرق صوفية كاملة إلى المقاومة يعد طفرة كبيرة على صعيد الخروج من المألوف الصوفي القائم على السلبية التامة فيما يتعلق بالسياسة، والتشرنق داخل الزوايا والتكايا إلى رحاب الحياة الإسلامية العامة، وهو امتداد لأدوار صوفية قديمة عرفت بمساهمتها بالدفاع عن العالم الإسلامي ضد الغزوات الأجنبية، كما أن عمليات الجيش الموجهة ضد الأمريكان وتجنبه التام لأي استهداف للمدنيين تحت أي ذريعة كانت قد أعطاه زخمًا شعبيًّا تجاوز به حالة العزلة التي تعانيها الصوفية منذ زمن في العراق.
ويمكن اعتبار الموقف من الآخر المذهبي عامل قوة لخطاب الجيش في مجتمع متنوع مذهبيا كالعراق؛ حيث يعتبر الجيش الشيعة مسلمين وشركاء في البلد وفي مقارعة الاحتلال، لكنه لا يغفل الدور الإيراني الذي يعتبره دورًا (احتلاليًّا وطامعًا)، كما أنه لا يعتبر نفسه ندًّا لأي طرف في الساحة الجهادية العراقية، ويركز على وحدة الصف المقاوم ويعلن رفضه لأي تشرذم وانقسام.
لكن خطاب الجيش ذا النزعة القومية الواضحة ودفاعه عن الحكم السابق وإسباغه صفة الشرعية الدينية عليه، يطرح تساؤلات عديدة حول حجم التغيير الذي تم وفي أي اتجاه؟ وهل يمكن اعتبار هذا التغيير أمرًا طبيعيًّا؟ على اعتبار أن الكثير من ضباط الجيش السابق البعثيين كانوا صوفية، وأن الكثير من هؤلاء المتصوفة كانوا بعثيين أم أن في الأمر أبعادًا أخرى؟
وهل يمكننا اعتبار التصوف قد أصبح بوابة الكثير من القوميين وحتى اليساريين نحو التدين باعتباره تجربة روحية لا تتدخل كثيرًا بالشئون العامة، أم أن في الأمر استغلالًا لنفوذ هذه الطريقة في الوقت الذي تعاني فيه تلك الجهات ضعفًا في حضورها الجماهيري بعد تجاربها التي انتهت بكل تلك النكبات؟
إن الموقف الصوفي من السياسة ما يزال يلقي بظلاله على خطاب الجيش رغم هذا التطور الكبير، ويظهر هذا في الطريقة التقليدية في التعامل مع قضايا مهمة وحيوية تشغل بال الإسلاميين منذ زمن، وهي ما يتعلق بالعلاقة مع الدولة وطرق التغيير المُنْتَهَجَة، حيث يسلك فيها الجيش نهجًا تقليديًّا يقوم على المفهوم الشائع لقضايا طاعة الحكام وتحريم الخروج عليهم، مما يمكن اعتباره عزلًا للدين بصورة أو بأخرى عن أن يكون له حضور في السياسة وشئون الحكم، كما أنه لا يطرح التصوف كمنهج تغيير متكامل، وإنما يعتبره قضية روحية خاصة لها دورها في إصلاح المجتمع والدفاع عن حرمات المسلمين.
ورغم هذا فإن هذه التجربة تعتبر متميزة ومتفردة في العالم العربي الذي تنتمي معظم فصائل المقاومة فيه إلى التيار الإسلامي الحركي وإلى المدرسة السلفية، وهذه هي المرة الأولى (في العصر الحديث) التي يعلن فيها عن مقاومة صوفية. ولعل هذه التجربة تكون فاتحة لتجارب أخرى مشابهة في العالم العربي والإسلامي تستطيع الخروج من جو العزلة الذي يفرضه الكثيرون على أنفسهم خضوعًا منهم لميراث نشأ في عصور التخلف والانحطاط، وهي تستحق الكثير من الدراسة والتأمل، وحتى نعرف حجم التغيير الذي أحدثه الاحتلال الأمريكي.
خلاصة الجزء الثاني:
بهذا تبدو لنا الصورة، ولو غير كاملة، عن تفاعلات الحركات الصوفية في العالم الإسلامي، صورة مشوبة بقدر كبير من التدخل الخارجي، والهيمنة الحكومية الداخلية، و«تلمس السبيل» للحضور والظهور من جانب قيادات هذه الحركات في عالم السياسة والشأن العام داخليًّا وخارجيًّا.
لا يلزم أن تكون هذه الصورة معبرة عن حقيقة التصوف والدور الذي يلعبه في المجتمع، فما من شك أن هناك العديد من الطرق التي تمثل هذا الأمر خير تمثيل، بيد أن ضمور الإمكانات الإعلامية لها، والانزواء المتبادل بين هذه الطرق والإعلام حال دون بيان كافة جوانب هذه الصورة، وتجلية تبايناتها وتقاطعاتها بالشكل الكافي.
وقد بدا هذا الأمر بوضوح في تكرار بعض أسماء لهذه القيادات بشكل لافت، وهي قيادات تجيد التواصل مع الإعلام، فكانت ذات صوت عالٍ واستطاعت أن تستحوذ على المساحة الإعلامية الخاصة بالتصوف، إلى جانب الرغبة في القيادة من جانب البعض، وهو الأمر الذي يمثل مادة ملائمة ومناسبة لوسائل الإعلام تستطيع من خلاله أن تبث لجمهورها عددًا من القصص المثيرة التي تستحوذ على اهتمامهم.
كما يلاحظ غلبة المحاكاة والتقليد على طريقة تحرك هذه الجهات، من محاولة تشكيل هيئات وتنظيم فعاليات توصف -على سبيل المثال- بأنها «عالمية»، ومناقشة بعض القضايا الكبرى التي ليس من مقدور هذه الحركات –غالبًا- أن تُسهم فيها بشكل فعَّال، سواء بالطريقة التي يتم تقديمها بها أو تلك التي يتم التناول لها من خلالها، فضلًا عن الإمكانات التي تملكها هذه الحركات.
وعلى صعيد آخر فلا يزال النزاع الصوفي-السلفي يهدر الكثير من جهود كل فريق، وكذا جهود المجتمع وطاقته. ويأتي التأكيد المتكرر على انقطاع علاقة التصوف بالسياسة مناقضًا بممارسات «معلنة» وانغماس قيادات هذه الحركات في اللعبة السياسية حتى النخاع، وتعتبر المواقف «المُعلنة» فضلًا عن «الخفيَّة» دليلًا واضحًا على عمق هذه العلاقة.
ملحق
متابعة لعدد من المؤسسات الدينية وقضاياها
نستعرض فيما يلي بعض الأخبار المتعلقة بعدد من المراكز والمنظمات الدينية حول العالم والجهود التي تقوم بها والأعمال والمشروعات التي تسعى إلى تنفيذها.
(1) الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
أبدى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قدرًا كبيرًا من التفاعل مع قضايا الأمة، فقد حرص الاتحاد على التواجد من خلال البيانات التي أصدرها والتعاون مع العديد من المؤسسات مثل منظمة المؤتمر الإسلامي وأمينها العام أكمل الدين إحسان أوغلو.
وقد تعلقت البيانات التي أصدرها الاتحاد بالأزمة اللبنانية، والقضية الفلسطينية وتوابعها، وكان لافتًا اهتمام الاتحاد بشأن التعليم في فلسطين، وقد تبدَّى ذلك في النداء العاجل الذي أصدره الاتحاد لإنقاذ الجامعات الفلسطينية في أبريل 2008 ودعوته إلى التبرع لسداد رسوم الطلاب ليتسنى لهم الحصول على شهاداتهم الجامعية، وهو الأمر الذي لم يحظ بأدنى اهتمام من جانب العديد من المؤسسات ذات الصلة بالموضوع على الرغم من أهميته.
كما أصدر الاتحاد بيانًا في 15/7/2008حول الحملة الدولية ضد السودان ومذكرة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير، منددًا بهذه الحملة ورافضًا للادعاءات الواردة في مذكرة الاعتقال ومجادلا في مدى قانونيتها.
وأصدر أيضًا بيانًا في 4/8/2008 حول أوضاع المسلمين في تركستان الشرقية بجمهورية الصين الشعبية، والاضطهاد المستمر للمسلمين هناك من قبل السلطات الصينية، ودعا البيان الدول الإسلامية والشعوب المسلمة إلى حماية عاجلة ومستمرة لثمانية ملايين مسلم في تركستان، كما دعا إلى ضرورة التوعية بقضيتهم.
وعلى صعيد النشاط الفكري والعلمي والدعوي للاتحاد، فقد أعلن الاتحاد عن عزمه البدء في تنفيذ مشروع “علماء المستقبل” وهو عبارة عن مناهج مكثفة في شتى المجالات الشرعية، ويشرف على التدريس فيه نخبة من أبرز العلماء.
كما أصدرت لجنة التأليف والترجمة بالاتحاد العدد الأول من سلسلة “قضايا الأمة” بعنوان: “موجبات تغير الفتوى في عصرنا” من تأليف فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد، باللغة العربية ويُعتزم ترجمته إلى لغات أخرى.
وعلى الرغم من أن الاتحاد يشمل في عضويته العديد من العلماء من شتى أنحاء العالم إلا أن النشاط الأبرز يتركز في القاهرة حيث الأمانة العامة ومقر الأمين العام إلى جانب بعض المدن الأخرى كالدوحة مثلًا، وكثير من الأعمال التي يقوم بها الاتحاد لا تعبر بالضرورة عن سائر الأعضاء وفاعليتهم قدر ما تعود إلى نشاط الأمين العام، ويبدو ذلك واضحًا جليًّا في البيانات التي تصدر عنه وفي الأعمال التي يقوم بها.
(2) المركز العالمي للوسطية
قام المركز العالمي للوسطية بإنجاز عدد من الأعمال المهمة خلال الفترة الماضية، حيث تم تنظيم عدد من اللقاءات والمشاركات فى العديد من الفعاليات الثقافية والاجتماعية، إلى جانب تنفيذ العديد من المشروعات على مستويات مختلفة، بالإضافة إلى التعاون مع العديد من الجهات والمؤسسات الدينية والفكرية الحكومية والمدنية.
فقد عقد المركز العالمي للوسطية الملتقى الوطني بعنوان “وطننا… رؤية إسلامية معاصرة” بالكويت في 30-31 مارس 2008، وقد نوقشت فيه أوراق تحت العناوين التالية: الوحدة الوطنية بين المقومات والمعوقات، ودور مؤسسات المجتمع المدني، والهويـة الوطنيـة والعولمة، والموازنة بين خصوصية الانتماء والولاء الوطني؛ إلى جانب إقامة خمس حلقات نقاشيـة حول برنامج علماء المستقبل.
كما قامت اللجنة العليا لتعزيز الوسطية بتوقيع سبع مذكرات تفاهم مع مؤسسات بحثية وهي:
1. مجمع الفتاوى العالمي للإدارة والبحوث (ماليزيا).
2. جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية (السودان).
3. منظمة جسور الأرض المشتركة (الولايات المتحدة الأمريكية).
4. المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو).
5. جمعية مصر للثقافة والحوار (مصــر).
6. مركز الحضارة للدراسات السياسية (مصـر).
7. الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (مصـر).
هذا بالإضافة إلى تدريب وتأهيل عدد كبير من مدرسي العلوم الشرعية والتربية الإسلامية والأئمة وخطباء المساجد داخل الكويت وخارجها في فرنسا ودول البلقان وروسيا وأذربيجان، إلى جانب تنظيم الدورة العلمية الأولى لبرنامج “علماء المستقبل”.
كما تم إصدار مجلة “أزهار” وهي أدبية فصلية تصدر عن منتدى الأدب الإسلامي التابع للمركز العالمي للوسطية، بالإضافة إلى إنتاج وتوزيع عدد كبير من الإصدارات الداعمة لفكر التوازن والاعتدال بالعربية والإنجليزية.
(3) إطلاق أول ميثاق إسلامي بأوروبا لترسيخ الاعتدال
وعلى صعيد عمل المنظمات الإسلامية الأوروبية فقد أصدرت أكثر من 400 منظمة إسلامية من مختلف أنحاء أوروبا في مؤتمر بالعاصمة البلجيكية بروكسل في 10يناير 2008 ميثاقًا موحدًا، يهدف إلى ترسيخ قيم الاعتدال والاندماج في المجتمع الأوروبي. وأكد “الميثاق الإسلامي الأوروبي” الذي يأتي في (26) نقطة على الاعتدال والمساواة بين الرجل والمرأة، ويرفض العنف والإرهاب، في الوقت الذي يحث فيه المسلمين على “الاندماج بشكل إيجابي” في المجتمع.
كما شدد الميثاق الذي تعتبر المصادقة عليه سابقة فعلية في مسيرة الحضور الإسلامي في أوروبا على تجنب الخلط بين مظاهر العنف السياسي المتفشية في العديد من المجتمعات وبين العقيدة الإسلامية السمحاء، وكذلك إلى الفصل بين ظاهرة الإرهاب المنبوذ من قبل المسلمين والكفاح الوطني المشروع للشعوب.
وقال اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا الذي قاد المبادرة ومقره بروكسل: إن أكثر من 400 جماعة مسلمة في 28 دولة من روسيا وحتى إسبانيا وقعت على الميثاق، وقال متحدث باسم الاتحاد: إن الموقعين يمثلون ما بين ربع وخمس مسلمي أوروبا. وقال الاتحاد في بيان: “تهدف هذه المبادرة إلى توضيح موقف أساسي مشترك بشأن الإسلام في أوروبا… وبشكل أكثر دقة مساهمة الإسلام في أوروبا الحديثة”. وتابع أن الميثاق يهدف أيضًا لتشجيع المشاركة النشطة من جانب المسلمين في المجتمع، واعتراف أفضل بمواطنتهم استنادًا إلى “العدالة والمساواة في الحقوق واحترام الاختلاف”.
من جهته، عبّر شكيب بن مخلوف رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية عن سعادته لصدور الميثاق. وقال: “إننا فخورون بتلك المبادرة الأولى والفريدة التي تعهد إلى المجتمع المسلم الأوروبي بناء أوروبا مشتركة، ومجتمع متحد يمكن للجميع فيه أن يعيش وينفتح على الآخرين في سلام… محترمًا واجباته وتحترم فيه حقوقه”. وقال منظمو المؤتمر: إن الجماعات التي تبنت الميثاق تمثل بشكل رئيسي المذهب السُّني أكثر من المذهب الشيعي الأقل انتشارًا والمذاهب الأخرى.
وفي أول رد فعل غير إسلامي، رحّب الإيطالي ماريو ماورو نائب رئيس البرلمان الأوروبي بالميثاق قائلًا: إنه يمكن أن “يوفر أساسًا لحوار أفضل وأوسع بين المجتمع المسلم والعالم السياسي في أوروبا”. وبدورها، قالت البارونة لادفورد عضوة البرلمان الأوروبي عن حزب الأحرار الديمقراطيين البريطاني خلال الاجتماع: إنها “ترحب بشدة” بالمبادرة، لكنها قالت: إن هناك مجالًا للنقاش بشأن تأكيد الميثاق على أهمية الأسرة، وإنه ينبغي ممارسة الحرية “بالتوافق مع القيم الأخلاقية”.
ومن جهتها، استقبلت المفوضية الأوروبية الميثاق بترحيب حذر قائلة: إنها منفتحة على الحوار مع كل الجماعات الدينية التي ترغب في مناقشة “القيم الأوروبية”[40].
(4) الحكومة البريطانية تمول مجلسًا للبحوث الإسلامية
وفي بريطانيا، أعلنت الحكومة أنها ستمول إنشاء مجلس للعلماء المسلمين بهدف التصدي لمحاولات الإسلاميين المتطرفين نشر الأفكار المتشددة. وسيتم إنشاء المجلس بمعرفة عدد من الباحثين في جامعتي أكسفورد وكامبردج البريطانيتين العريقتين، وسيعمل بشكل مستقل حسبما أوضح مسئولون بريطانيون. ومن المخطط أن يضم المجلس 20 باحثًا في الدراسات الإسلامية. ومن المنتظر أن يبحث المجلس قضايا مهمة مرتبطة بمسلمي بريطانيا مثل واجباتهم نحو الدولة كمواطنين بريطانيين.
وقال هيزل بليرز الوزير المسئول عن شئون الأقليات في الحكومة البريطانية إنه رغم تمويل الحكومة لهذا المجلس إلا أنه لن يكون عرضة لأي تدخل حكومي. كما أوضح بليرز أن المجلس سيعكس التنوع والتعدد داخل الجالية المسلمة، وقال إن مساندة الحكومة لهذا المجلس جاءت بعد نقاشات مع كثير من التجمعات الإسلامية التي طالبت بدعم اتجاهات مجموعة من المفكرين المعروفين في بريطانيا. وقال إن الحكومة حققت تقدمًا في بناء تحالف مع أبناء الجالية المسلمة ضد التطرف، وأضاف: إن علينا مسئولية أن يكون شبابنا مؤهلين بالمهارات اللازمة لمواجهة التطرف، وأن نساعدهم على فهم أن عقيدتهم تتوافق مع قيم أوسع مشتركة في المجتمع”. يذكر أن بليرز هو المسئول عن برنامج حكومي لمواجهة التطرف يحمل اسم “برفنت prevent”[41].
(5) اتحاد جامعات العالم الإسلامى يتبنى مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين الأديان
تبنى المجلس التنفيذي لاتحاد جامعات العالم الإسلامي مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حول تعزيز قيم الحوار بين الأديان السماوية، وهي المبادرة التي أطلقها العاهل السعودي للحوار بين الأديان السماوية الثلاثة (الإسلام والمسيحية واليهودية) للاتفاق على ما يكفل صيانة الإنسانية، وجاء الإعلان عن هذه المبادرة في 24/3/2008 بعد أقل من خمسة أشهر على زيارته التاريخية للفاتيكان.
جاء ذلك في ختام أعمال الدورة الثالثة عشرة للمجلس التنفيذي لاتحاد جامعات العالم الإسلامي الذي استضافته الجامعة الإسلامية العالمية في كوالالمبور والذي عقد خلال يومي 27، 28/4/2008 ـ 19، 20 ربيع الأول 1429هـ.
وقال مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور سليمان بن عبد الله أبا الخيل إن المجلس وبناء على اقتراح جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تبنى مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حول تعزيز قيم الحوار بين الأديان السماوية، وأكد المجلس ضرورة أن تقوم الجامعات الإسلامية بدورها في تعزيز قيم الحوار بين الأديان والحضارات وفتح حوار بناء مع المؤسسات الأكاديمية والإعلامية والتعريف بالإسلام وبقيمه العظيمة وبنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم. وأضاف أن المجلس ناقش الحملات الإعلامية المغرضة ضد الإسلام ونبيه الكريم – صلى الله عليه وسلم – مؤكدًا ضرورة مواجهتها بالحوار والانفتاح[42].
(6) المؤسسات الدينية والمرأة:
1- تعليم المرأة في الجامعة الإسلامية بالمدينة
عقد مجلس الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة 18/6/2008- 14جمادى الآخرة 1429هـ جلسته الثامنة وذلك لمناقشة عدد من المواضيع تشمل النظر في التوصية بالموافقة على تعليم المرأة في الجامعة، وإنشاء عمادة للدراسات الجامعية في الفرع النسائي وفق المشروع المقترح، وأن تتدرج الجامعة في التنفيذ وفق الإمكانات المتاحة[43].
2- إجازة انضمام السعوديات لهيئة كبار العلماء:
وفي سياق الحراك داخل السعودية فيما يتعلق بوضع المرأة أيضًا، فقد أجاز عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة الشيخ عبد الله المنيع انضمام المرأة إلى عضوية هيئة كبار العلماء، شريطة أن تكون بمعزل عن الرجال، وأن تكون في منأى عن الاختلاط.
وقال الشيخ المنيع: لا يوجد أي مانع من انضمام المرأة لهيئة كبار العلماء؛ لأنها هيئة استشارية فتاواها ليست ملزمة، والإسلام لم يحرم تولي المرأة المناصب الاستشارية، ولكنه عارض في الوقت نفسه تولي المرأة أي مناصب قيادية ذات قرارات ملزمة، مثل منصب قاضية أو وزيرة، واشترط المنيع لدخول المرأة في عضوية هيئة كبار العلماء ألا يترتب على تلك العضوية أي محذور أو ضرر للمرأة في حشمتها أو عفافها، وأن تكون في منأى عن الاختلاط، وأردف قائلا: عندما يكون هناك حاجة لأخذ رأيها يجب أن يكون ذلك عبر صوتها فقط، لأن صوت المرأة ليس عورة، والله تعالى يقول: “وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ” [الأحزاب: 53] وبين أن زوجات الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – كنَّ يسألن ويجبن من هو أجنبي عنهن.
ومن جهتها أيدت عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان د. سهيلة زين العابدين دعوة الشيخ المنيع بدخول المرأة السعودية هيئة كبار العلماء ومجال الإفتاء، وبينت د. سهيلة أن العديد من النساء في الوقت الحالي يحتجن لمن يقدم لهن الفتوى من النساء، مشيرة إلى أن الحاجة ملحة لمشاركة المرأة في الإفتاء، فالمجتمع ليس كله رجالًا، والمشاكل يعاني منها الجنسان، وليس الرجال فحسب.
وكان موضوع دخول المرأة السعودية هيئة كبار العلماء قد أثار جدلًا فقهيًّا وشرعيًّا في مارس 2008 بعد مطالبة عدد من العلماء – بينهم الدكتور قيس المبارك أستاذ الفقه بجامعة الملك فيصل والدكتور عبد الرحمن الزنيدي أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة محمد بن سعود – بضم السعوديات المؤهلات علميًّا إلى الهيئة.
وفي المقابل رأى بعض العلماء أن الهيئة من الولايات العامة التي لا يجوز للمرأة توليها، ومنهم الشيخ عبد المحسن العبيكان المستشار بوزارة العدل، حيث قال: “يمكن أن تكون المرأة المؤهلة شرعيًّا وعلميًّا عضوًا في اللجنة الدائمة للإفتاء والبحوث (الهيئة الرسمية المختصة بالرد على الفتاوى) لتجيب عن أسئلة النساء في الوضع الراهن، إلا أنه رفض أن تكون ضمن أعضاء هيئة كبار العلماء، حسبما نقلت عنه جريدة “المدينة” السعودية.
وينص المرسوم الملكي الخاص بتشكيل الهيئة على أنها تتشكل من عدد من كبار المختصين في الشريعة الإسلامية من السعوديين، ويجري اختيارهم بأمر ملكي، وبقي المرسوم صامتًا إزاء مسألة انضمام المرأة للهيئة.
وتعد مناقشة وضع منظومة الهيئة من الحساسيات في الإطار المحلي، خاصة إذا ما أضيف إليها مسألة إدخال المرأة إلى تلك المنظومة. وكانت وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف قد كشفت عن خطة قبل عامين لتأهيل المرأة للعمل رسميًّا كداعيات في داخل المملكة وخارجها[44].
3-لأول مرة واعظات مغربيات إلى أوروبا في رمضان
وعلى ذِكْرِ وضع المرأة فيما يتعلق بالشئون الدينية العلمية في المملكة العربية السعودية، فإن وضعها على مستوى الوعظ في المغرب يبدو أنه في تطور ملحوظ، إذ قررت وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمغرب إيفاد بعثة من 176 واعظًا ومقرئًا، بينهم 9 واعظات، إلى الخارج لتوعية الجالية المغربية دينيًّا، خلال شهر رمضان المبارك لعام 1429هـ.
وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إشراك الواعظات في بعثة خارجية، بعدما دخل برنامج “تكوين الأئمة والمرشدات” عامه الخامس.
وأيد عبد الناصر التيجاني، وهو داعية غير رسمي مهتم بالدعوة في الخارج، هذه الخطوة، خاصة فيما يتعلق بإيفاد واعظات. وقال التيجاني: “نستبشر خيرًا بهذه المبادرة، خاصة أن الحاجة إلى الوعظ والإرشاد في صفوف النساء ببلاد المهجر لا تقل عن حاجة الرجال، بل هي أكثر إلحاحًا بالنظر إلى قلة التفقه في الدين والتجربة الاجتماعية لدى النساء”، وطالب بـ”رفع نسبة حضور الواعظات في البعثة سنة بعد أخرى ليوازي عدد الرجال، فضلًا عن اختيار الأكفاء في المفوضين للبعثة العلمية والاجتهاد للإرشاد الديني بالخارج، خاصة بأوروبا، وهو ما يبعد السلوكيات غير الشرعية عن أفراد الجالية”.
4- “تأنيث وجه الإسلام”
وكانت صحيفة “ذا جارديان” البريطانية قد دعت حكومتها وزعماء الأقلية المسلمة إلى ضرورة الاقتداء بالمغرب فيما وصفته بـ”تأنيث وجه الإسلام” عن طريق الواعظات الدينيات. وقالت هيلين ويكينسن في مقالها بالصحيفة يوم 23/7/2008: إن التصدي لخطر الإرهاب يتطلب أن يكون وجه الإسلام مؤنثًا في القطاع العام والقطاع الخاص في بريطانيا، كما هو الحال بالمغرب من خلال الواعظات.
ومنذ وصول العاهل المغربي محمد السادس لسدة الحكم سنة 1999، دأب على منح المرأة حضورًا في الشأن الديني؛ حيث تم إشراكها في إلقاء درس من الدروس الحسنية التي تقام سنويًّا خلال شهر رمضان، وفي المجالس العلمية الثلاثين المنتشرة بالمغرب[45].
5-“الأوقاف” المصرية تصدر كتابًا يعتبر النقاب “بدعة”
وفي محاولة منها لمواجهة تفشِّي بعض الأفكار السلفية التي أدَّت إلى انتشار النقاب بشكل ملحوظ في المجتمع المصري، طرحت وزارة الأوقاف المصرية نهاية العام 2008 كتابًا يعتبر أنه لا أصل للنقاب في الشريعة الإسلامية، ويعتبره مجرد “عادة اجتماعية سيئة” وليس عبادة، وأنه قد يؤدي لتأصيل الفكر المتشدد، وهو الطرح الذي رفضه أحد العلماء السعوديين واعتبره منافيًّا للشرع.
وقد تم طبع 100 ألف نسخة من الكتاب الذي جاء بعنوان: “النقاب عادة وليس عبادة” بالتوازي مع التوجه الرسمي لمنع النقاب داخل الهيئات الحكومية بجانب المستشفيات والمدارس في مصر، وتضمن آراء وفتاوى لكل من وزير الأوقاف محمود حمدي زقزوق، ود. محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، ود. علي جمعة مفتي مصر.
وكان أكثر الشخصيات هجومًا على النقاب داخل الكتاب وزير الأوقاف، الذي اعتبر النقاب “حاجزًا عن التواصل بين الناس”، وقال: إن “ذلك الحاجز أصبح ينتشر وبسرعة بين النساء حتى في الأماكن التي لا يصح معها النقاب كالمستشفيات والمدارس، لاسيما مدارس الفتيات؛ مما يؤصل لفكر متشدد في أذهان الفتيات”، بحسب ما جاء في الكتاب.
ورفض زقزوق في الكتاب محاولات تفسير النقاب على أنه علامة على التدين، وقال: إن ذلك “أمر مغلوط لابد من توعية الناس به”، وشدد على أن النقاب لا صلة له بالحرية الشخصية وإنما هو “ضد الطبيعة البشرية وضد مصلحة الوطن، بل إنه إساءة للدين بالغة وتشويه لتعاليمه”.
وقال زقزوق إن هناك مغالاة فيما وصفه بـ”الفتاوى الفضائية” فيما يخص النقاب، مثل الفتوى التي تؤكد عدم جواز ظهور بياض العين من النقاب، وتجعل من المسموح فقط ظهور سواد العين، ولكن زقزوق لم يحدد في الكتاب مصدر هذه الفتوى أو الفضائية التي بثتها.
واقتصرت مشاركة شيخ الأزهر في الكتاب على توضيح زي المرأة الإسلامي، وقال طنطاوي: إن “وجه المرأة ليس بعورة”.
وأضاف أنه “ما دامت المرأة تلبس الملابس المحتشمة التي لا تصف شيئًا من جسدها ولا تكشف منه سوى الوجه والكفين فإن لباسها شرعي”.
الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية قال في الكتاب: إن النقاب “ليس بواجب”، وأضاف أن زي المرأة الشرعي شروطه معروفة، وهي ألا يصف مفاتن الجسد، ولا يشف، ويستر الجسم كله عدا الوجه والكفين، مشيرًا إلى أن المالكية أفتوا بأن النقاب مكروه بدليل حظره في الإحرام للحج[46].
وخلاصة هذه المتابعة توضح أن المؤسسات الدينية ضمن عالم مؤسسات الأمة تشهد –كما أشرنا من قبل- حراكًا يحتاج إلى دعم فكري وعلمي وماديّ متواصل من أجل أن تحقق هذه المؤسسات أهدافها، وتصلها بمقاصد الشرع ومصالح الأمة.
*****
الهوامش:
[1]http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1199280064593&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
[2]http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1209357588860&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
[3] http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout&cid=1212925192161
[4] بعث وزير الإرشاد في إيران برسالة إلي صحيفة «مجروري إسلامي» استنكر فيها إصدار الشريط، واعتبره مسيئًا إلى العلاقات مع مصر. (فهمي هويدي: بيان بائس، صحيفة الدستور القاهرية، 17/7/2008).
[5]http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1216030536058&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
[6] وقد وصف مراقبون عدم مشاركة أبو الغيط بأنها جاءت تعبيرًا عن الاستياء المصري من الفيلم، وهو الأمر الذي نفاه عدد من مسئولي الوزارة، وأكد أبو الغيط في لقاء تليفزيوني 5/8/2008 قائلًا: “هذا كلام يعكس عدم الفهم، نعم هناك تحفظات على أدائهم (الإيرانيون) تجاهنا، ولكن تصادف هذا النفي انعقاد هذا الاجتماع مع توقيت حيوي جدًا للمصالح المصرية، وهي زيارة الرئيس حسني مبارك لجنوب إفريقيا وأوغندا، خاصة أن اجتماعات دول عدم الانحياز تعقد كل ثلاثة شهور، ومع ذلك فإن التمثيل المصري كان موجودًا ومشاركًا، وكان عاليًّا وله تأثير، والإيرانيون يعلمون ذلك”.
بيد أن جهات إعلامية وسياسية فنَّدت هذا الكلام حيث ذكرت أن غياب الوزير عن المؤتمر كان استمرارًا لمظاهر التوتر بين البلدين حيث سبق واستدعت وزارة الخارجية القائم بالأعمال في مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة لإبلاغه باحتجاج مصر الرسمي على الفيلم، ثم قامت السلطات المصرية بإغلاق مكتب قناة العالم الإيرانية في القاهرة، فضلًا عن إلغاء مصر لمباراة كرة القدم الودية التي كانت ستجمع بين منتخبي البلدين في شهر أغسطس.
كما أن زيارة الوفد المصري لكل من جنوب أفريقيا وأوغندا لم تمنع وزيري خارجية هاتين الدولتين من حضور نفس الاجتماع رغم وجود وزير الخارجية المصري في بلديهما في نفس الفترة، فضلًا عن أن هذا الاجتماع كان يهدف إلى الإعداد لقمة الحركة، المقرر أن تعقد في شرم الشيخ بمصر في يوليو 2009، مما كان يحتم الحضور المصري بشكل أقوى وليس الغياب بحجة زيارة دولتين شارك وزيرًا خارجيتيهما في نفس الاجتماع.
وعلق الدكتور وحيد عبد المجيد، على هذا بأنه: بالمقارنة بين ضروريات التواجد في اجتماع وزراء خارجية حركة عدم الانحياز، والذي عقد بالعاصمة الإيرانية طهران، وما يتصل به من قضايا تتعلق باستقرار المنطقة وربما مصيرها، وبين ما تم بحثه في جنوب أفريقيا وأوغندا يتبين أن حسن تقدير الأولويات كان يقتضي أن يكون وزير الخارجية متواجدًا في إيران وليس في جنوب أفريقيا وأوغندا.
ـ للاستزادة
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1216208037783&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=34643&
[7] وكان الدكتور محمد مختار المهدي عضو المجمع قد كشف عن أن كثيرًا من العلماء من خارج مصر علموا بمسألة فتح باب العضوية لكنهم لم يتقدموا بطلبات للترشح، مشيرًا إلى أن بعضهم أراد أن يقوم الأزهر باختياره خوفًا من طرحه للانتخاب وسقوطه؛ مما يعدُّ هزة لصورته كعالم في بلاده. غير أن شيخ الأزهر شدَّدَ على أن قانون العضوية يشترط التقدم بطلب عضوية إلى شيخ الأزهر باعتباره رئيس المجمع وتزكيته من عضوين ثم يتم طرح الاسم المتقدم للتصويت.
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1213871355137&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
[8] للاستزادة:
http://www.moheet.com/show_files.aspx?fid=37642
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=80654
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=83058
[9]http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1216207924013&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
[10] ومن الجدير بالذكر أن محكمة القضاء الإداري في مصر قد قضت في 17/11/2008 بوقف تنفيذ قرار الحكومة بتصدير الغاز الطبيعي إلى إسرائيل، واستند المدعي، وهو السفير المصري السابق إبراهيم يسري، في دعواه إلى أن احتياطي الغاز لا يكفي المصريين؛ ومن ثم يجب ألا يتم تصديره، إضافة إلى أن أسعار التصدير أقل من الأسعار العالمية السائدة.
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1226908807913&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
[11]http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1216208060706&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
[12] العناصر من 3: 6 جاءت في تصريحات لفضيلة المفتي 7/7/2008، على هامش محاضرته بمعسكر أبي بكر الصديق للشباب بمحافظة الإسكندرية المصرية.
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1213871680835&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
[13] وأجاز الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، على أساس أنها من “البر الذي لم ينه الإسلام عنه”، وقال القرضاوي بمناسبة احتفالات المسيحيين بأعياد رأس السنة الميلادية: “أجيز تهنئتهم إذا كانوا مسالمين للمسلمين، وخصوصًا من كان بينه وبين المسلم صلة خاصة، كالأقارب والجيران في المسكن، والزملاء في الدراسة، والرفقاء في العمل”.
وتأتي فتوى الدكتور القرضاوي ومفتي مصر متزامنة مع تقديم عدد من العلماء والدعاة المسلمين وعلى رأسهم شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي، ووزير الأوقاف الدكتور محمود حمدي زقزوق، وعمرو خالد التهنئة للبابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية والمسيحيين في كاتدرائية الأقباط في القاهرة باحتفالات رأس السنة الميلادية.
وكان مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ قد أفتى بجواز مشاركة الطلاب السعوديين المبتعثين إلى الخارج في الحفلات غير الدينية التي قد يدعون إليها بشروط، منها عدم تضمنها أي مخالفة للشرع، لكنه أكد حرمة تهنئة غير المسلمين بأعيادهم.
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1199279479472&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
[14] مؤسسة بحثية أمريكية لها مكانة خاصة بين مراكز الأبحاث الأمريكية والعالمية لما هو معروف عن علاقتها الخاصة بوزارة الدفاع الأمريكية والمؤسسة العسكرية الأمريكية عمومًا.
[15] صدر التقرير في 18 مارس 2004، وقد نَشرت ترجمة لتوصياته في مجلة المستقبل العربي، عدد 304، يونيو 2004، ص 75.
[16] عباس بو غالم، صوفية المغرب.. رعاية رسمية ودعم أمريكي، إسلام أون لاين. نت، 16 مارس 2008.
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1203758097745&pagename=Zone-Arabic-Daawa%2FDWALayout
[17] د. عمار علي حسن: الصوفية والسياسة في مصر، دار شرقيات للطباعة والنشر، القاهرة، 2007.
[18] د. محمد حلمي عبد الوهاب: كتاب جديد يناقش علاقة الصوفية بالسياسة، الصوفية.. من خدمة الحكام إلى إصلاح الأنام، إسلام أون لاين. نت 3/7/2007.
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1182774701993&pagename=Zone-Arabic-Daawa%2FDWALayout
[19] اختار أعضاء المجلس الأعلى للطرق الصوفية في اجتماعهم الطارئ مساء 28/6/2008 الشيخ أحمد كامل ياسين، نقيب الأشراف، وشيخ الطريقة الرفاعية، ليتولى منصب شيخ مشايخ الطرق الصوفية خلفًا للشيخ حسن الشناوي الذي وافته المنية في 26/6/2008، وجاء اختيار ياسين من خلال «مبايعة تامة» من كل أعضاء المجلس الخمسة عشر، ليحسم الجدل حول الشخصية التي تخلف «الشناوي»، ثم عقب وفاة رئيس المجلس أحمد كامل ياسين في 21/11/2008 أعلن عن تولي الشيخ علاء أبو العزائم لرئاسة المجلس في اليوم التالي مباشرة، ثم بعد ذلك وفي الاجتماع المقرر لتصديق المجلس على قرار رئاسة أبو العزائم بـ48 ساعة فقط حدث أن طلب بعض الأعضاء، بصورة غير متوقعة، فتح باب الترشيح لرئاسة المجلس فتقدم كل من الشيخ أبو العزائم والشيخ عبد الهادي القصبي، وفاز القصبي في هذه الانتخابات، وهو ما مثل صدمة لأبو العزائم، الذي صدق على محضر هذه الجلسة وهو في حالة من الذهول، ثم قام بعد ذلك بمحاولة جمع عدد من مشايخ الطرق أعضاء الجمعية العمومية للمجلس حوله لكي يتمكن من إعادة انتخابات المجلس، وقد قرر مع من يناصره أن تتم الدعوة لهذه الجمعية العمومية في يناير 2009، ولم يتبين حتى وقت إعداد هذا التقرير أثر هذه التحركات ومدى نجاحها وفاعليتها من عدمه.
)[20]http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1195032653439&pagename=Zone-Arabic-News%2FNWALayout
[21]http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1193049610894&pagename=Zone-Arabic-News%2FNWALayout
[22] المصري اليوم: ٣٠/٥/٢٠٠٨.
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=107208
[23] المصري اليوم: ٣/٦/٢٠٠٨.
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=107707
[24]http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1199279330936&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
[25]http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1216122899776&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
[26] صحيفة المصري اليوم: 28/6/2008.
[27] صحيفة المصري اليوم: ١٩/٧/٢٠٠٨.
[28]http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1216207827724&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=113864
[29]http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1203758926273&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
)[30]http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1217798689972&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
[31]http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1219723060172&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
[32] وذات الموقف تتبناه رموز من التيار السلفي، ففي تصريحات لـ”إسلام أون لاين.نت” قال محمود عامر رئيس فرع جمعية أنصار السنة (سلفية) بدمنهور – شمال القاهرة-: “إن الذين يدعون للإضراب ليس لديهم عقل ولا نقل، أو أدلة شرعية لما يقدمون عليه”.
وتابع قائلًا: “الإضراب دعوة خبيثة القصد منها إضعاف الاستثمار المصري ودب الفزع في نفوس المستثمرين، وإجهاض العمل الاقتصادي التي تقوم به الدولة”. واعتبر أن “إضراب 4 مايو هو خروج عن النظام، وللدولة أن تعلن الحرب على من يتزعمون هذه المسألة لأنهم في ذلك خوارج”. وشدد عامر على أنه: “لا حجة للداعين للإضراب، حتى إن كانت هناك أحوال معيشية سيئة، ومن ذلك أنه إذا حدث نزاع جراء التقتير من ولاة الأمور فالرسول أمرنا بالصبر”.
ودلل على رأيه بحديث:” أرأيت أمراءنا يسلبون حقوقنا ولا يعطونا حقوقنا، فقال رسول الله فيما معناه: أعطوهم ما لهم واسألوا الله ما لكم”. وقال: “لو فرضنا أن صاحب الأمر به ظلم وبطش فهناك قنوات سمحت بها الدولة للتعبير عن الرأي، ولذلك يعد الإضراب جريمة والأكثر إجرامًا منه التخريب كما حدث في مدينة المحلة (وسط الدلتا) خلال إضراب 6 إبريل الماضي والذي دعت له القوى الداعية للإضراب المقبل نفسها. ودعا عامر لضرورة عقد لقاءات بين الدعاة والناس “حتى نوجههم للأمور الصحيحة”، بحد قوله.
واعتبر الشيخ خالد عثمان الداعية السلفي والمحقق في التراث “أن مسألة الإضراب من الأمور التي لا تعد من الشرع، أو من طرق الإنكار المأخوذة من الكافرين.. بل هي طرق ثورية و منهج الخوارج وليست من أهل السنة”، وقال: “يأثم كل من يدعو إلى عمل الإضراب لأنه يدعو لبدعة”. مشيرًا إلى أن الشيخ الراحل محمد بن صالح العثيمين أفتى بعدم جواز القيام بهذه الإضرابات.
كما رفض شيخ الأزهر الدعوة إلى الإضراب، وأيضًا فإن الكنيسة الأرثوذكسية أكدت رفضها التام المشاركة في الإضراب.
[33]http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout&cid=1209357213573
[34]http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1203757725657&pagename=Zone-Arabic-News%2FNWALayout
[35](http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1216207958507&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout.
[36] إبراهيم القديمي: “الصوفية بالبوسنة: إغراق في الدين وابتعاد عن السياسة”، الجزيرة.نت 24/7/2008، بتصرف.
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/AF0ACFF9-E718-4C65-8F26-5092D37FC60E.htm
[37] وكافة مسلمي الصين من السنة الأحناف، باستثناء طائفة صغيرة من الطاجيك في المناطق المتاخمة لطجيكستان هم من الشيعة الإثنا عشرية. (فاطمة عبد القادر: مسلمو الصين.. حركة تحررية وحضور صوفي، إسلام أون لاين، 6/8/2008).
[38] فاطمة عبد القادر: مسلمو الصين.. حركة تحررية وحضور صوفي «بتصرف كبير»، إسلام أون لاين، 6/8/2008.
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1217798708032&pagename=Zone-Arabic-Daawa/DWALayout.
[39] لؤي المحمود: جيش النقشبندية في العراق.. والخروج عن المألوف الصوفي، إسلام أون لاين. نت 28/4/2008.
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1203759227529&pagename=Zone-Arabic-Daawa%2FDWALayout
[40]http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1199279462713&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
[41] http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/world_news/newsid_7513000/7513780.stm
[42]http://www.alyaum.com/issue/search.php?sT=2008&sB=%C7%E1%CC%C7%E3%DA%C9+%C7%E1%C5%D3%E1%C7%E3%ED%C9&sBT=0&sFD=01&sFM=01&sTD=17&sTM=07&sA=0&sP=0&sO=1&sS=1&G=3
[43]http://www.alyaum.com/issue/search.php?sT=2008&sB=%C7%E1%CC%C7%E3%DA%C9+%C7%E1%C5%D3%E1%C7%E3%ED%C9&sBT=0&sFD=01&sFM=01&sTD=17&sTM=07&sA=0&sP=0&sO=1&sS=1&G=1
[44]http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1216208258529&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
[45]http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1217798772995&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
[46]http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1225698021403&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout.
نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2009
للتحميل اضغط هنا