سياسات سباق التسلح الإسرائيلي-العربي في الثمانينيات.. بين الفرص والمكاسب الإسرائيلية وبين القيود والضغوط على مصر
تميزت مرحلة الثمانينيات في سباق التسلح العربي-الإسرائيلي بتوفر فرص كبيرة للطرف الإسرائيلي حققت طفرة في نظم تسليحه التقليدية والنووية والفضائية، تركز أساسًا على الكيف وليس الكم، وفرتها الولايات المتحدة لإسرائيل من خلال اتفاقات التعاون الاستراتيجي بين الدولتين، وخاصة بالنسبة لإشراك إسرائيل في أبحاث “مبادرة الدفاع الاساراتيجي” الأميركية المعروفة بـ”حرب النجوم”. وكان من أبرز نتائج هذه الطفرة الاتجاه نحو الأسلحة النووية التكتيكية ووسائل إيصالها وزيادة دقة الصواريخ أرض-أرض عامة وتطوير صواريخ مضادة للصواريخ وبدء استخدام الأقمار الاصطناعية. الأمر الذي يطرح ضرورة تعبئة عناصر القوة العربية الذاتية في تكاملها ضمن رؤية استراتيجية خلاقة لمواجهة التحدي الإسرائيلي.
من القضايا الحيوية المتصلة بدراسة سياسات التسابق على التسلح، قضية العلاقة التفاعلية بين تطور تكنولوجيا السلاح وتطور الأفكار والاستراتيجيات العسكرية.
وإذا كان المستوى العالمي لهذه القضية قد حاز اهتماممًا بحثيًا وعمليًا كبيرًا فإن المستويات الإقليمية الفرعية لهذه القضية لا تقل أهمية وتحتاج لمزيد من البحث والدراسة. وتتضح أهمية هذه الحاجة بالنسبة للأقاليم التي تتفجر فيها صراعات ذات أبعاد عسكرية خطيرة. وعلى رأس هذه النظم الإقليمية يأتي بالطبع النظام العربي بسبب الصراع العربي-الإسرائيلي.
وتعد عملية التسابق على التسلح بين الطرفين العربي والإسرائيلي، عملية مستمرة شهدت مراحل تطورية متتالية ذات أبعاد سياسية واستراتيجية إلى جانب الأبعاد العسكرية المباشرة. ويرجع ذلك للاعتبارات التالية: من ناحية: علاقة عملية التسابق على التسلح بالنظام الدولي وخاصة نظام العلاقة بين القوتين الأعظم، فهما المصدران الأساسيان لسلاح طرفي الصراع. ولقد ارتهن –دائمًا- التفوق الكمي والكيفي لأحدهما في لحظات محددة بدرجة الارتباط بإحدى هاتين القوتين. ومن ناحية أخرى: تؤثر عملية التسابق على حالة توازن علاقات القوى بين طرفي الصراع ومالها من تأثيرات تبادلية مع الصراع العالمي حيث أن الصراع العربي-الإسرائيلي ليس صراعًا إقليميًا محدودًا ولكنه صراع ذو أبعاد عالمية هامة. ومن ثم فإن التوازن الإقليمي لا ينفصل عن نظيره العالمي. وبالتالي فإن خبرة هذا الصراع تلقي الضوء على أبعاد متعددة من العلاقة بين تطور التكنولوجيا وتطور نظم التسليح وبين تطور الاستراتيجيات العسكرية وموازين القوى وذلك تحت تأثير مجموعات ثلاثة من العوامل المتداخلة وهى:
أ-خبرات ومدلولات الجولات العسكرية المتتالية، سواء من حيث أثر طبيعة السلاح المستخدم وكيفية استخدامه على نتائج الجولة، أو أثر هذه النتائج على تطوير أو تحديث نظم التسليح. والمقصود بالتطوير هنا العملية التي تتم في نطاق نظام التسليح القائم بهدف الحصول على محصلة نهائية أفضل. أما التحديث فهو التحول من نظام تسليح إلى آخر بعد حدوث درجة كبيرة من التشبع في إجراءات التطوير المتعاقبة والتي تظهر بعدها الحاجة إلى نظام آخر يزيد من التفوق ويستجيب لمتطلبات مستحدثة. ولا يكون هذا التطوير أو التحديث إلا نتاجًا لتكنولوجيا متطورة استجابة لفكر استراتيجي متطور.
ب-سياسات كل من القوتين الأعظم (بمفردهما أو بمساعدة أطراف خارجية أخرى) لدفع أو تقييد عملية السباق على التسلح، وذلك على ضوء المنطقة في استراتيجية كل منهما تجاه الآخر في مرحلة محددة من مراحل توازن القوى الشاملة بينهما؛ وكذلك على ضوء طبيعة علاقة كل منهما بحلفائه في المنطقة ومدى توظيفهما لسياسات الإمداد بالسلاح لخدمة أهداف تعاملها مع هؤلاء الحلفاء في ظل طبيعة حالة الاستقطاب القائمة في المنطقة. حيث أن تسليح دولة ما ما هو إلا مرآة عاكسة للعلاقة السياسية بينها وبين الدولة المصدرة للسلاح بقدر ما هو أيضًا أحد مؤشرات وضعها التابع أو المستقل في النظام الدولي.. ولقد كانت سياسات التسليح –كما يتفق العديد من الآراء[3]- من أهم مظاهر تبعية النظام العربي.
جـ حقيقة القدرات الذاتية للأطراف الغربية والطرف الإسرائيلي في مجال صنع السلاح. حيث أن التطوير والتحديث لا يقتصران على مجال الاستيراد فقط ولكن يرتبطان بطبيعة القواعد العلمية والصناعية المحلية وقدرتها على استيعاب وتطوير بل وإنتاج التكنولوجيا المطلوبة، إلى جانب قدرتها على توظيف ما يتم استيراده من نظم للتسليح.
وخلال العقود الأربعة الماضية وعلى ضوء تفاعل تأثير هذه العوامل، تطورت حالة توازن القوى العربية الإسرائيلية عبر مراحل متميزة من تطور الصراع العربي-الإسرائيلي (1948-1955، 1956-1966، 1967-1973، 1973-1981، 1981- ). لقد تنوع حجم وطبيعة الفجوة النوعية والكمية في تسليح الطرفين عبر هذه المراحل على نحو ارتبط بالطبع بعمليات التطوير والتحديث، وعلى نحو أبرز أيضًا التفاعل بين المستوى العالمي والمستوى الإقليمي والمحلي للعلاقة بين تطور التكنولوجيا العسكرية وتطور التسابق على التسلح وتطور الاستراتيجية العسكرية.
ولسنا هنا بالطبع في معرض الدراسة التفصيلية لهذه المراحل على نحو يبرز نقاط الانقلاب في التوازن بسبب عمليات التطوير والتحديث التي تقع في صميم عملية التسابق على التسلح العربي-الإسرائيلي ولكن ستقتصر هذه الدراسة على وضع المرحلة الراهنة أي مرحلة الثمانينيات.
تكتسب هذه المرحلة –بالنظر إلى المجموعات الثلاث من العوامل السابق الإشارة إليها- طابعًا مميزًا يرجع للاعتبارين التاليين: من ناحية، اشتراك إسرائيل في أبحاث “مبادرة الدفاع الاستراتيجي” الأميركية وهو الأمر الذي لا بد وأن ينعكس على تركيب ونوعية القوة والاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية وتزايد تهديدها للأمن العربي. ومن ناحية أخرى، سعي عربي متجدد لتطوير القدرات العسكرية والتوصل إلى سلاح ردع فعال يعتمد بدرجة متطورة على القدرات الذاتية إلى جانب مساعدة أطراف خارجية.
وبقدر ما كان هذان الاعتباران منطلقين لمرحلة جديدة وخطيرة من التسابق على التسلح في المنطقة التي تحمل كل الفرص بالنسبة لإسرائيل والعديد من القيود بالنسبة للطرف العربي، بقدر ما كانا أيضًا محصلة لما وصلت إليه مرحلة السبعينيات من تطورات عقب حرب تشرين الأول (أكتوبر) بصفة خاصة.
بالنسبة للطرف “المصري”[4]: فلقد تحقق بعد هذه الحرب، قدر هام من التطوير والتحديث للقوات المسلحة المصرية في مجال التسلح التقليدي من خلال قناتين أساسيتين: تنويع مصادر التسليح، وإقامة صناعة حربية مصرية: فبعد أن ظلت مصر طوال عقدين كاملين تعتمد على السلاح الشرقي أساسًا، اتجهت في إطار إعادة هيكلية توجه وسلوك سياستها الخارجية منذ العام 1974، إلى تنويع مصادر السلاح. وبقدر ما واجهت عملية التسليح المصرية –من مصادر سوفياتية- صعوبات متنوعة بقدر ما واجه أيضًا تسليحها من الغرب –وخاصة بعد أن أضحت الولايات المتحدة مصدره الأساسي- مشاكل أخرى مالية وفنية وسياسية ساهمت في عدم تحقيق مصر لكامل أهدافها في التطوير والتحديث الكمي والنوعي. وإذا كانت هذه المشاكل قد بدأت في الظهور مع بداية رئاسة “ريغان” فلقد تطورت طوال الثمانينيات (كما سنرى)، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، وبعد أن ظلت مصر تعتمد بدرجة أساسية على شراء السلاح بأنواعه المختلفة، أخذت تركز من جديد على برامج تصميم وإنتاج السلاح إحياًء لتجارب سابقة حققت نجاحًا في أوائل الستينيات، وبعد حرب تشرين الأول (أكتوبر) والتي كانت قد تعرضت لانتكاسات قوية بعد حرب 1967 وبعد اتفاقيات كامب ديفيد. ومع ذلك تظل الجهود المصرية في هذا المجال جهودًا رائدة بين الدول العربية باستثناء العراق التي تطورت جهودها مؤخرًا.[5]
وبالرغم من هذه الجهود المصرية الرائدة والتي وضعت مصر بين أقوى القوى العسكرية في المنطقة بعد حرصها على استعادة قدرتها على توجيه ضربة مضادة وحاسمة ضد أي هجوم كبير على البلاد، إلا أن العديد من المصادر الهامة المتخصصة في الشؤون العسكرية [6]مازالت ترصد استمرار اختلال التوازن لصالح إسرائيل (في مواجهة مصر منفردة) على نحو يشير إلى أن تعرض مصر لهجوم إسرائيلي ما زال أكبر مما كان عليه العام 1973. كذلك أخذت مصادر أخرى[7] تحذر من عواقب النشاط الإسرائيلي –في بناء القوة التقليدية الحديثة بفضل التكنولوجيا المتقدمة وتطبيقاتها المثيرة- على اتساع الفجوة بين القدرات التقليدية العربية ونظائرها الإسرائيلية ناهيك عن الفجوة النووية.
أما بالنسبة للطرف الإسرائيلي: فإنه في مقابل القيود الدولية العديدة التي واجهت مصر عند شراء السلاح أو تطوير القدرات الذاتية التكنولوجية، وفي مقابل المشاكل الداخلية المصرية المتصاعدة والتي رفعت من التكلفة الاجتماعية والاقتصادية لعمليات التطوير والتحديث العسكري المصري، نجد أن إسرائيل –وفي ظل فرص عديدة لم تتحقق لمصر وتحت تأثير رؤيتها لاحتياجات الأمن الإسرائيلي في مواجهة العرب في مجموعهم- ظلت في معظم الأحوال هى صاحبة المبادرة لتحريك فجوة القوى العسكرية لصالحها. ولم يكن أمام مصر والدول العربية إلا العمل على اللحاق بإسرائيل لمواجهة الفجوة التقليدية على الأقل.
ولقد برزت هذه الفجوات –في تقدير إحدى الدراسات[8]- نتيجة اندماج إسرائيل في اتجاه التطوير التكنولوجي بالاعتماد على الذات، ونتيجة التعاون مع دول أخرى وخاصة الولايات المتحدة، ومن خلال السرقة العلمية التي برعت فيها إسرائيل وخاصة من الولايات المتحدة.
وجاء الاشتراك الإسرائيلي في أبحاث “مبادرة الدفاع الاستراتيجي” قمة التعبير عن انجازات هذه المنطلقات الثلاثة، بقدر ما كان أيضًا قمة التعبير عن اتجاه إسرائيل إلى تحقيق طفرة في نظم تسليحها التقليدية والووية والفضائية، وهى الطفرة التي ترتكز على الكيف وليس الكم، وذلك بعد أن استنزفت إسرائيل خلال النصف الثاني من السبعينيات وأوائل الثمانينيات، سبل النمو الكمي وبعد أن بات الحفاظ على التفوق يتطلب ليس المزيد من الأسلحة ولكن المزيد من القدرة والكفاءة للحجم الكبير. بعبارة أخرى وبعد أن اتسمت الفترة من 1974-1979 بالنمو الكمي المطرد حيث نما الجيش الإسرائيلي نموًا بلغ 180%، وفي حين كانت برامج البحث العلمي العسكري الإسرائيلي غير قادرة بمفردها على تحقيق تحولات نوعية أساسية قبل نهاية الثمانينيات، بدأ مشوار التغييرات النوعية الفعلية بالتعاون مع الولايات المتحدة.[9]
وهكذا يظهر لنا كيف أن الاشتراك الإسرائيلي في أبحاث “مبادرة الدفاع الاستراتيجي” يمثل حلقة من حلقات التسابق على التسلح وهى التي سيطرت على الثمانينيات. وهو التسابق الذي ارتبط بتكتولوجيا عسكرية جديدة تقوم على الكيف، كما يرتبط بأنماط متطورة من التحالفات والتوازنات بين أطراف إقليمية وأطراف خارجية وخاصة القوتين الأعظم.
ويهدف التحليل في هذه الدراسة إلى إبراز مقدار الفرص والمكاسب التي توافرت لإسرائيل خلال هذه الحلقة، ومقدار القيود والضغوط التي تواجهها الأطراف العربية (بالتركيز على مصر أساسًا) ومن ثم عواقب محصلة هذه الفرص وهذه القيود على الأمن العربي في مواجهة السياسات التوسعية الإسرائيلية.
أولًا: الفرص والدوافع الإسرائيلية ونتائجها
تزامنت دعوة إسرائيل للاشتراك في “مبادرة الدفاع الاستراتيجي” الأميركية مع تنفيذ استراتيجية إدارة “ريغان” الأولى للدفاع عن منطقة الشرق الأوسط. ولا يمكن أن نفهم الفرص والإمكانات التي حظيت بها إسرائيل خلال الحلقة الراهنة من التسابق على التسلح في المنطقة، دون أن ندرك –في البداية بعمق وبوضوح- حقيقة ومدلولات هذا التزامن من ناحية، وهو التزامن الذي أحاط به من ناحية أخرى، تطورات هامة في عملية التوازن الكبرى بين القوتين الأعظم والتي كانت “مبادرة الدفاع الاستراتيجي” ذاتها علامتها الأساسية.
وينقسم التحليل فيما يلي إلى ثلاثة أقسام، أولهما، يتعرض لأبعاد ومدلولات هذا التزامن وما يقدمه من فرص؛ ويتناول الثاني، الدوافع والمصالح، في حين يتناول الثالث، النتائج العسكرية والسياسية للاشتراك الإسرائيلي في أبحاث هذه “المبادرة”.
1-الفرص: الدور الإسرائيلي الراهن في الاستراتيجية الأميركية والتطور في التوازن العالمي:
أ-على ضوء الاعتراف بوجود رابطة هامة بين التطور في الاستراتيجية الأميركية للدفاع عن المنطقة، وبين التطور في العلاقات الأميركية-الإسرائيلية منذ العام 1945 وحتى الآن، يمكن أن نصل إلى استكشاف حقيقة وظيفة إسرائيل الراهنة في الاستراتيجية الأميركية للدفاع عن المنطقة خلال الثمانينيات.
وبدون الدخول في تفاصيل تطور هذه الاستراتيجية منذ العام 1945 فإنه يكفي القول إن انتقالها من “مبدأ ترومان” إلى مبدأ يزنهاور” ثم “مبدأ نيسكون” وأخيرًا “مبدأ كارتر” حتى نهاية السبعينيات، قد صاحبه تدعيم متواصل في العلاقات الأميركية-الإسرائيلية بصورة تدريجية ومتصاعدة وإن لم تخل أحيانًا من حالات المد والجزر التي انتقلت بها من مرحلة إلى أخرى حتى وصلت إلى نقطة تحول أساسية وهامة منذ بداية الثمانينيات[10].
فبغض النظر عن الثوابت في العلاقات الأميركية-الإسرائيلية فإنه يمكن ملاحظة أن وضع إسرائيل في المراحل المتتالية التي مر بها تطور الاستراتيجية الأميركية، قد اكتسب في كل منها خصوصية معينة سواء من حيث درجة الأهمية أو أدوات الدعم الأميركيي لإسرائيل. ولقد كانت التحولات الأساسية في إطار وأدوات هذه العلاقات، ناجمة عن تراكمات كمية وكيفية في القدرة الإسرائيلية وفي الأوضاع الإقلمية وفي الإطار الدولي.
ومن هنا كانت خصوصية المرحلة الراهنة التي تبلورت خلالها حالة تحالف وثيقة أبرزت ما أضحت عليه هذه العلاقات من قوة ومركزية واستمرارية في ظل إدارة “ريغان”. فهى مرحلة متميزة ومتطورة في توظيف إسرائيل لخدمة أهداف الاستراتيجية الأميركية في المنطقة في ظل أوضاع عالمية وإقليمية خاصة. ولقد فرضت هذه الأوضاع على هذه الاستراتيجية تطورات هامة –منذ بداية الثمانينيات- حتى يمكن حماية المصالح الأميركية الإقليمية والعالمية وفق تصور “ريغان” لها وعلى ضوء رؤيته للصراع بين الشرق والغرب وانعكاساته على المنطقة.
فإذا كان “مبدأ نيكسون” قد قام على الاعتماد على قوى إقليمية لتحمل المسؤولية الأساسية في الدفاع عن نفسها وعن المنطقة، فإن “مبدأ كارتر” وخاصة بعد ثورة إيران والغزو السوفياتي لأفغانستان، قد أكد تصميم الولايات المتحدة على تحمل مسؤولية الدفاع الإقليمي عن المنطقة واستخدام كل الوسائل بما فيها القوة العسكرية. ودعمت إدارة “ريغان” هذا الخط وحاولت أن توفر كل الإمكانات والوسائل التي تساعد على مقاومة التوسع السوفياتي بدرجة فعالية قصوى[11]. وكان أمام السياسة الأميركية بديلان أساسيان: المشاركة العسكرية للحلفاء الأوروبيين في تنفيذ خطة الدفاع عن المنطقة؛ تعبئة نوع من “الاتفاق أو الرضاء الاستراتيجي” بين بعض الدول الأساسية في المنطقة في مواجهة الاتحاد السوفياتي. ومع ردود الفعل الأوروبية والعربية السلبية التي حالت دون تحقيق أي من البديلين أضحت أعباء الدفاع عن المنطقة لحماية المصالح الغربية، مسؤولية أميركية بالدرجة الأولى في نظر إدارة “ريغان”.[12]
ومن هنا تولدت الأرضية المناسبة التي دفعت بالطريفين الأميركي والإسرائيل للدخول في مباحثات لتعميق وتطوير تعاونهما الاستراتيجي بما يخدم أهداف ومتطلبات كل من الاستراتيجية الأميركية والإسرائيلية في المنطقة. فلقد أضحى التعاون مع إسرائيل سبيلًا ملائمًا لحل المشاكل العسكرية والفنية التي تعترض فعالية أداء قوات التدخل السريع الأميركية. وكانت إسرائيل تعرف قيمتها في حل هذه المشاكل تنفيذًا لاستراتيجية “ريغان” لإدارة الصراع العالمي حول المنطقة، لذا أخذت تركز على ترديد نغمة الخدمات التي يمكن أن تقدمها للولايات المتحدة مستغلة في ذلك التوجه المتشدد لإدارة “ريغان” وحرصها على تشكيل دفاع إقليمي عن المنطقة. ولم تكن الخدمات التي اقترحتها إسرائيل تقتصر على تعزيز موقع الولايات المتحدة في صراعها مع الاتحاد السوفياتي فقط بل تتعداه إلى تحقيق مصالح إسرايلية قوية في حالة نشوب حرب إقليمية جديدة.[13]
وبدأ التحول مع توقيع “مذكرة التفاهم والتعاون الاستراتيجب” بين الولايات المتحدة وإسرائيل في 30/11/1981 ثم إبرام “اتفاق التعاون الاستراتيجي” في تشرين الثاني (نوفمبر) 1983[14]، وأخيرًا “مذكرة التفاهم المشترك” في حزيران (يونيه) 1987. وكانت هذه النصوص التعاقدية اعترافًا أميركيًا مقننًا وعلنيًا –هذه المرة- بأن إسرائيل ركيزة استراتيجية أساسية وحليف يعتمد عليه في مواجهة الاتحاد السوفياتي. فهى لم تكن مجرد معاهدة أمن تلزم الولايات المتحدة بأن تهب لحماية إسرائيل أو تتعاون معها حول قضايا الدفاع عن أمن إسرائيل، ولكن كانت اتفاقًا للتعاون الأميركي-الإسرائيلي حول قضايا الدفاع عن الشرق الأوسط ضد تهديدات عسكرية سوفياتية أو تهديدات قوات يسيطر عليها الاتحاد السوفياتي. بعبارة أخرى رفع الاتفاق إسرائيل إلى مكانة جديدة بالنسبة لوضع علاقاتها مع الولايات المتحدة حيث نص على مبدأ الدعم المتبادل والأمن المتبادل والتعاون العسكري بين الطرفين، ومن ثم فإنه بدد المخاوف التي اندلعت في نهاية السبعينيات لدى بعض الأوساط الإسرائيلية والغربية حول التحول في الوضع الارتكازي لإسرائيل لصالح أطراف أخرى في المنطقة وخاصة مصر-السادات. وفضلًا عن هذه المكاسب السياسية كان الاتفاق يحقق مزايا عسكرية هامة. فكان تخزين المعدات والأسلحة الأميركية في إسرائيل يفتح المجال أمامها للحصول على بعض أسرار التكنولوجيا الحربية المتطورة إلى جانب التعاون المكثف في مجال تطوير الأسلحة وتصنيعها وتطوير الأليكترونيات وتكنولوجيا الاتصالات وصناعة الطيران.
ولهذا كله، وبالرغم من إشارة البعض[15] -تعليقًا على بعض ردود الفعل العربية الحادة عند الإعلان عن الإتفاق- إلى أن ما أعلن ليس فيه جديد وإنه مجرد حلقة في السلسلة الطويلة من الاتفاقات المعقودة بين البلدين، وبالرغم من إشارة البعض الآخر[16] إلى أن الاتفاق ليس مجرد “تحصيل حاصل” (كما حاولت أنظمة أخرى أن تفسره) حيث أنه مجرد امتداد لهذا التحالف ولكن في صورة مقننة ذات طبيعة كمية ونوعية أعمق، بالرغم من هذه الإشارات فإن الإطار الإقليمي والعالمي الذي أحاط بالإعلان عن الإتفاق من ناحية، وطبيعته الخاصة من ناحية أخرى تجعلنا أميل إلى القول بأنه ليس مجرد حلقة عادية في السلسلة الطويلة من الاتفاقات بين الدواتين ولكنه يعد حلقة متميزة ونقطة تحول في العلاقات الأميركية-الإسرائيلية وخاصة في ظل التطور في أبعاد القوة الإسرائيلية وفي تصورها لمجالها الحيوي. وكانت هذه النقطة هى المنطلق الذي ارتكزت عليه وأكمات دعوة إسرائيل للاشتراك في “مبادرة الدفاع الاستراتيجي” في آذار (مارس) 1985 والتي قننتها –بعد موافقة إسرائيل- مذكرة التعاون التي وقعها “رابين” في واشنطن العام 1987 والتي تحل محل اتفاق العام 1983 وتمتد لمدة عشر سنوات، وتنظم أمورًا عسكرية متعددة وخاصة عقود تطوير الصاروخ “آرو” في إطار أبحاث مبادرة الدفاع.
ب-إقترنت هذه المرحلة الراهنة، من التطور في طبيعة الدور الإسرائيلي في الاستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة بتطور في أسس الاستراتيجية الأميركية العالمية في ظل إدارة “ريغان” والذي عبر عنه الإعلان عن “مبادرة الدفاع الاستراتيجي” الأميركية والتي عرفت أيضًا بـ “حرب النجوم”. ولقد مهد هذا الاقتران وساعد على توظيف ودعوة إسرائيل للاشتراك في أبحاث هذه المبادرة.
وبمتابعة التطور في الفكر الاستراتيجي الأميركي والتطور في التسابق على التسلح بين القوتين الأعظم ومن ثم التطور في التوازن العسكري بينهما منذ العام 1945 وحتى بداية الثمانينيات، يمكن فهم كيف أن الإعلان عن المبادرة كان بمثابة بداية مرحلة جديدة في الاستراتيجية الأميركية وفي التوازن العالمي. لقد ظل الردع والتوازن هما حجر الزاوية لهذه الاستراتيجية في تطورها من مبدأ الاحتواء 1945 إلى استراتيجية “التدمير المؤكد المتبادل” في بداية الثمانينيات. وظل الفكر الاستراتيجي الأميركي مرتكزًا على مبدأ الهجوم كأساس للإبقاء على معادلة الردع المتبادل التي برز في ظلها تفوق أسلحة الهجوم بالمقارنة بأسلحة الدفاع. فبالرغم من تزايد التطورات التكنولوجية إلا أنها لم تؤد إلى قيام دفاعات كاملة ولذا ظلت الاستراتيجية الأميركية وحتى أوائل الثمانينيات، استراتيجية هجومية أساسًا. وكان الحفاظ على الأمن والاستقرار العالميين يعني ضرورة الحفاظ على استقرار حالة “التدمير المؤكد المتبادل” وذلك بمنع إحدى القوتين الأعظم من تطوير أنواع من الأسلح الهجومية أو الدفاعية التي يمكن أن تهز هذه الحالة[17].
ومن هنا يبرز مدلول “مبادرة الدفاع الاستراتيجي” التي أثارت التساؤل حول احتمالات حالة توازن القوى العالمية لما سيكون لها –في حالة تطبيقها بعد انتهاء مرحلة الأبحاث- من تأثيرات عميقة على درجة فعالية حالة “التدمير المؤكد المتبادل” نظرًا لتأثيرها المتوقع على الوزن النسبي لحالتي الهجوم والدفاع في صالح تفوق الأخيرة. وبدون الدخول في تفاصيل مضمون هذه المبادرة والجدل حول عواقبها بالنسبة للأمن الأميركي واستقرار التوازن العالمي[18]، فإن ما يعني هذه الدراسة –في هذا الموضوع منها- هو مدلول هذه المبادرة واشتراك إسرائيل فيها بالنسبة للدور الإسرائيلي في استراتيجية الولايات المتحدة تجاه المنطقة والسابق الإشارة إليه. ولا يرتبط هذا المدلول أساسًا بمدى قدرة المبادرة على إنهاء نظام الردع المتبادل بين القوتين الأعظم من عدمه وإنما يرتبط –بصفة خاصة- بانعكاساتها على الاستراتيجية الأميركية تجاه العالم الثالث بصفة عامة. أي يتربط –كما أبرزت إحدى الدراسات[19]- بسعي الولايات المتحدة نحو تطوير أجيال جديدة فعالة من أسلحة مسارح الحروب المحدودة التي تزيد من تدعيم مواقعها في مناطق العالم الثالث في مواجهة الاتحاد السوفياتي[20]. حيث يتضح من تحليل العقود بين إدارة مبادرة الدفاع والشركات الأميركية، أن البحوث لا تركز فقط على حل المشكلات الفنية الكبرى التي تعيق تطوير نظام منيع للدفاع ضد الصواريخ عابرة القارات، ولكن تركز أيضًا على التوصل بسرعة إلى نظام لتدمير الصواريخ عمومًا وخاصة تلك المنطلقة من منصات أرضية، ويتفق ذلك مع الاستخدامات التكتيكية بقدر ما يتفق مع الاستخدامات الاستراتيجية لأنظمة الدفاع هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى تحظى التطبيقات المباشرة للحرب الإشعاعية بأولوية كبيرة. وتعد هذه الحرب –على عكس الحرب النووية- ذات تأثير مدمر على أهداف منتقاة يمكن اختيارها وتحديده بدقة متناهية. ومن ثم فإن هذه الأسلحة –التي ليس لها تأثير مدمر واسع النطاق بشريًا وجغرافيًا- تكون مناسبة لخصائص الحروب في العالم الثالث وخاصة حروب التدخل.
جـ-ومن هنا يمكن أن نصل إلى فهم دوافع ومصالح الولايات المتحدة من وراء دعوة إسرائيل للاشتراك في أبحاث “مبادرة الدفاع الاستراتيجي” وهو البعد الأخير الذي يساعد –كما سبق الإشارة- على اكتمال الربط بين البعدين السابقين، أي الدور الراهن الإسرائيلي في الاستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة، والتطور في التوازن العالمي في ظل استراتيجية ريغان العالمية.
وتتلخص هذه الاهداف التي قدمتها مجموعة من الأدبيات الغربية، والعربية، والعبرية فيما يلي: من ناحية: رغبة الولايات المتحدة في الاستفادة من الكفاءات التكنولوجية والعلمية الإسرائيلية في علاج بعض المشاكل التي تواجهها برامج أبحاث المبادرة. ومن أهم هذه المشاكل؛ مشاكل تطوير الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى إلى حين التوصل إلى الغاية النهائية من المشروع وهو الدفاع المنيع ضد الصواريخ عابرة القارات[21]. ومن بين المؤشرات المباشرة على هذا الاهتمام إدخال بعض التعديلات في التشريعات الأميركية العام 1987 التي تشجع التعاون في مجال البحث والتطوير وإنتاج المعدات الدفاعية مع الحلفاء والأعضاء في حلف الأطلسي وغير الأعضاء فيه وخاصة إسرائيل. ولقد وفرت هذه التعديلات الدعم المالي اللازم للتعاون في مجال تطوير برامج الصواريخ المضادة للصواريخ في إطار “مبادرة الدفاع الاستراتيجي”.[22]
ومن ناحية أخرى: يمكن فهم دعوة إسرائيل للاشتراك في أبحاث المبادرة على ضوء خبرة تطور التعاون العسكري الأميركي-الإسرائيلي. فهذه الخبرة تبرز الدور الهام الذي لعبته إسرائيل في اختيار مدى فعالية السلاح الأميركي ومن ثم المساهمة في مجال تطوير وتعديل بعض أنظمة هذا السلاح المستخدم في القوات الأميركية، وفي الحصول على السلاح السوفياتي لدراسته وتقييمه، وفي تطوير بعض التطبيقات الجديدة التي نقلت إلى الولايات المتحدة وخاصة في مجال صناعة الطيران نظرًا لرخص وسرعة برامج هذا التطوير بالمقارنة بنظائرها الأميركية[23]. على ضوء هذه الخبرة يرى البعض[24] أن القضية ليست قضية الإفادة من العبقرية اليهودية أو الإبداع اليهودي، كما أنها ليست قضية افتقار الولايات المتحدة لخبرات وتقنيات لا تتوافر إلا في الكيان الصهيوني –كما تتصور بعض المصادر الإسرائيلية- ولكن القضية ببساطة هى الرغبة في دعم الكيان الصهيوني بالخبرات والتقنيات التي تساعد على متابعة دوره كمختبر تجارب حرب. ولهذا كله وبفرض قبول الرأي القائل[25] إن الأهداف المباشرة من “حرب النجوم” هى التطبيقات التكتيكية فإن ذلك يعني قابليتها للتطبيق في ساحات الحروب والعمليات في العالم الثالث مثل ساحة الصراع العربي-الإسرائيلي. وإذا كان جهاز الحرب الأميركي يفكر في اختبار وتطبيق أبحاث المشروع في ساحات الحروب المحدودة فهو لن يجد أفضل من إسرائيل للقيام بهذه المهمة.
ومن ناحية ثالثة: يمثل اشتراك إسرائيل في أبحاث المبادرة إضافة كمية ونوعية لطبيعة التحالف الأميركي-الإسرائيلي الذي وصل في العام 1983، إلى نقطة تحول –كما سبقت الإشارة- وعلى نحو يزيد من تدعيم المكانة الخاصة لإسرائيل في الاستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة. فإن مذكرة التفاهم التي وقعت في واشنطن في حزيران (يونيه) العام 1987 التي تم بقتضاها الإعلان عن موافقة إسرائيل على الانضمام لبرنامج المبادرة، تعد تطبيقًا آخر للمدلول السياسي لاتفاق التحالف الاستراتيجي العام 1983 وإن كان تطبيقًا ذا نوعية أعلى وأعمق فيما يتعلق بالصراع الأميركي-السوفياتي العالمي. ذلك لأن هذا الانضمام الإسرائيلي ربط مباشرة هذا التحالف بالتوازنات الاستراتيجية الكلية على مستوى النظام العالمي وليس حول المنطقة العربية فقط.
وأخيرًا يبقى الحرص الأميركي على حماية أمن ووجود إسرائيل بالحفاظ على تفوقها العسكري في مواجهة المستجدات العسكرية العربية، كما سنرى لاحقًا.
خلاصة القول: إن لتحليل السابق الذي ربط بين التطور في وضع إسرائيل في الاستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة من ناحية وبين التطور غي الاستراتيجية الأميركية العالمية من ناحية وبين الدوافع الأميركية من وراء دعوة إسرائيل للاشتراك في “مبادرة الدفاع الاستراتيجي”، يساعد هذا التحليل على توضيح ماهية الفرص التي تحققت للإسرائيل لزيادة دعم قدراتها العسكرية في مواجهة العرب، وهى الفرص التي وإن بدا أن منبعها هو الحليف الأميركي، فإن هذا لا يخفى أيضًا مسؤولية التطور العميق في القدرات الذاتية الإسرائيلية للاستفادة من هذا التحالف. فما هى إذًا الدوافع والمكاسب الإسرائيلية من وراء هذا الاشتراك وما هى نتائجه بالنسبة للتسابق على التسلح الإسرائيلي-العربي بالنسبة لتوازن القوى العربية-الإسرائيلية، ومن ثم بالنسبة لمستقبل الأمن العربي وتحديات الفكر الاستراتيجي العربي؟.
2-الدوافع والأهداف الإسرائيلية
لم يكن الاشتراك الإسرائيلي في أبحاث “مبادرة حرب النجوم” إلا نقطة تحول هامة في علاقات التعاون العسكري الأميركي-الإسرائيلي التي تصاعدت تدريجيًا وبصورة منتظمة عبر ما يقرب من 4 عقود. ولم تظل هذه العلاقات ذات اتجاه واحد تصب فيه المكاسب لدى الطرف الإسرائيلي بمفرده، ولكن أخذت تتطور لتصبح علاقات ذات اتجاهين تحقق مكاسب هامة للطرف الأميركي –كما سبقت الإشارة- وبقدر ما كان للولايات المتحدة دوافعها وأهدافها وراء هذا الاشتراك بقدر ما كان لإسرائيل بالطبع دوافعها وأهدافها ونتائجها المتوقعة.
وبدون الدخول في تفاصيل الأبعاد الفنية لهذا الاشتراك أو مراحل تطوره منذ دعوة وزير الدفاع الأميركي إسرائيل في آذار (مارس) 1985 وحتى توقيع “مذكرة التفاهم” لهذا الشأن في واشنطن في حزيران (يونيه) 1987 بعد إعلان إسرائيل موافقتها على هذه الدعوة[26]، تجدر الإشارة في بداية تناول الدوافع والأهداف إلى الملاحظات التالية التي تساعد على ربط التحليل في هذه الجزئية بالجزئية السابقة:
فمن ناحيى أولى: إن دوافع ومصالح الاشتراك الإسرائيلي لا تتصل أساسًا بالمستوى الاستراتيجي للمبادرة أي مستوى شبكة الصوراريخ المضادة للصواريخ الاستراتيجية السوفياتية، ولكن تنصب أساسًا على استخدام تكنولوجيات أبحاث هذه المبادرة في نظم التسليح الإسرائيلية. من ناحية ثانية: بقدر ما تهدف هذه النظم إلى تحقيق أهداف إقليمية تتعلق بالمواجهة العسكرية مع العرب، بقدر ما تتضمن أيضًا أبعادًا مؤثرة على دور إسرائيل العسكري في الاستراتيجية الغربية بصفة عامة والأميركية بصفة خاصة تجاه الدفاع عن المنطقة ضد النفوذ السوفياتي. من ناحية ثالثة: إن الدوافع والمصالح الإسرائيلية المعلنة، أو التي تناولتها أقلام المحللين الإسرائيليين بصفة خاصة، أبرزت جدلًا بين حجج تأييد وحجج معارضة لآثار هذا الاشتراك على المستوى الإقليمي والعالمي بل والداخلي.
وعلى ضوء هذه الملاحظات سيتجه التحليل التالي إلى بيان دوافع إسرائيل النابعة من الرغبة في مواجهة الصواريخ العربية وتطوير القدرات العسكرية الإسرائيلية بصفة عامة من ناحية، ومن ناحية أخرى إلى عرض بعض الآراء المؤيدة والمعارضة لآثار الاشتراك الإسرائيلي، حتى يمكن أخيرًا تقدير النتائج العسكرية والسياسية لهذا الاشتراك.
أ-الدوافع الأمنية المباشرة:
مواجهة الصواريخ لعربية وتدعيم التفوق التقليدي الإسرائيلي. تعد التطورات في القوة العسكرية العربية التقليدية من أهم الدوافع المباشرة لاشتراك إسرائيل في أبحاث المبادرة فمواجهة انتشار الصواريخ البالستيكية في المنطقة العربية (مصر، العرق، السعودية، سوريا، الجماهيرية الليبية) من أهم الأسباب التي يقدمها المحللون العرب [27]واليهود[28] والغربيون[29]، كمبرر لهذا الاشتراك لى أساس أنه سيمكن إسرائيل من بناء شبكة مضادة للصواريخ العربية.
وليس هناك ما هو أوضح من التعبير عن هذا الهدف من البيان الرسمي الذي أصدره البيت اأبيض مباشرة قبل توقيع “مذكرة التفاهم الاستراتيجي” بين الولايات المتحدة وإسرائيل في واشنطن في حزيران (يونيه) العام 1987 بعد إعلان إسرائيل موافقتها على الاشتراك في المبادرة. فلقد أشار الرئيس “ريغان” في هذا البيان إلى شعوره بالقلق تجاه الأوضاع والتطورات العسكرية الجديدة في المنطقة وخاصة فيما يتعلق بانتشار الصورايخ والأسلحة الكيميائية والتي غيرت من الوضع العسكري في المنطقة. وأشار البيان إلى أن هذه التطورات تتطلب تكاتف الجهود الدولية لإيقاف انتشار هذه الأسلحة كما تتطلب استمرار التعاون العسكري الأميركي-الإسرائيلي بل وتجعله هامًا. وعلى هذا الأساس –كما نص البيان- سوف يتم توقيع مذكرة تفاهم بين الدولتين بشأن التعاون في تصنيع صاروخ مضاد لنمو شبكة الصواريخ العربية وللأسلحة الكيميائية المنتشرة بالشرق الأوسط. كما تضمن البيان إشارة إلى أن إسرائيل لا يمكن أن توضع في موقف يجعلها تقدم تنازلات أمام العنف.
والجدير بالذكر أن ظاهرة انتشار الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى في الشرق الأوسط وفي العالم الثالث بصفة عامة، كانت قد احتلت اهتمامًا تدريجيًا متصاعدًا طوال الثمانينيات منذ العام 1981 مع إطلاق الهند لأول قمر اصطناعي لها بواسطة صاروخ منتج محليًّا.[30]
وفي حين كانت إسرائيل تأتي على رأس قائمة الدول التي يشار إلى قدراتها الناجحة في هذا المجال نجد في المقابل تصاعدًا في تركيز هجوم القيادة الإسرائيلية على نمو القدرات العربية في مجال الأسلحة بعيدة المدى. فبعد أن تم الكشف عن صفقة[31] الصواريخ الصينية “سي س س -2” CSS-2 للسعودية، أخذت الدوائر الإسرائيلية تسلط الأضواء على التطورات في المجال ذاته لدى العراق (على ضوء خبرة حربها مع إيران) ولدى سوريا. كما أبدت تخوفها من انتشار مثل هذه الأسلحة لدى دول عربية أخري وإيران، ومن استخدامها في أية حرب مقبلة مع إسرائيل، ومن تزويد الصواريخ بالرؤوس الكيميائية وربما النووية. كما أبرزت هذه الدوائر التعاون بين دول عربية وأطراف خارجية في هذا المجال. فأشارت إلى وجود مشروع مشترك بين العراق ومصر والأرجنتين لتطوير الصواريخ المتوسطة، وإلى اشتراك خبراء ألمان في تعديل صواريخ “سكود-ب” لدى العراق، وإلى اشتراك ألماني-برازيلي وبتمويل عراقي لتطوير صاروخ “س س 300”. ولقد تزامنت هذه الحملات مع شكوك أميركية متصاعدة[32] (كما سنرى فيما بعد)، كما كشفت عن جوانب متعددة جديدة في لعبة سباق التسلح في المنطقة وخاصة من حيث تنويع مصادر بعض نظم التسليح الهامة. فالاتفاق غير المكتوب بين القوتين الأعظم حول تقييد أو عدم إرسال الصواريخ لدول المنطقة، لم يلزم دول أخرى مثل الصين، البرازيل أو الأرجنتين. هذا ولقد تزامنت –تقريبًا- هذه الحملات الإسرائيلية مع ما أسمته تحديات جديدة للأمن الإسرائيلي والناجمة عن تغير الواقع المحيط بها نظرًا لامتلاك الدول العربية الصواريخ مع تحركات إسرائيلية لتعيد الضوابط لأمنها. وكان أفضل رد في تصورها هو الصواريخ المضادة للصواريخ. فصواريخ “أرو” Arrow التي تقوم إسرائيل بتطويرها مع الولايات المتحدة من خلال برامج التعاون الاستراتيجي المشترك، تستطيع أداء مهام متعددة في هذا الصدد.
وفضلًا عن هدف مواجهة الصواريخ العربية فإن الاشتراك الإسرائيلي في أبحاث المبادرة كان وراءه دوافع ومصالح أخرى أكثر شمولًا تتصل بالقدرات العسكرية الإسرائيلية في كلياتها، وتنبع من تقدير الإسرائيليين لما أضحت عليه أوضاعهم العسكرية –بالمقارنة بالعرب- منذ بداية الثمانينيات.
فالتقدير الإسرائيلي الحالي للتهديد النابع من القوة العسكرية العربية، يقوم على ثلاثة دعائم: 1-استمرار التزايد في الفجوة الكمية بين التسليح العربي والإسرائيلي. 2-نجاح العرب في التطوير الكيفي والنوعي لقواتهم الدفاعية والهجومية نتيجة القدرة على الحصول على أسلحة غربية وشرقية تختلف جذريًا عما كانت عليه الجيوش العربية خلال الستينيات والسبعينات. 3-قدرة العرب –بفضل الثروة النفطية وجاذبية السوق العربية الواسعة- على “إغراء” أو “ابتزاز” الدول الغربية والشرقية للحصول على التكنولوجيا المتقدمة[33].
ومن هنا أبدى العديد من الكتاب والمفكرين الاستراتيجيين في إسرائيل تخوفهم من تأكل تفوقهم التقليدي على الدول العربية، وأعربوا عن ضرورة حصول إسرائيل على هيكل جديد من المكاسب العسكرية عن طريق تطبيق الطفرات العلمية والتكنولوجية المرتبطة ببرنامج حرب النجوم.[34] ومن ثم فإن الاشتراك الإسرائيلي في هذه المبادرة، يعد حلقة هامة من حلقات النشاط الإسرائيلي في تحديث قوة إسرائيل التقليدية في إطار مفاهيم استراتيجية جديدة. وأبرز هذا النشاط –على ضوء تحليل بعض الدراسات التي توجه النظر إلى هذا المجال-[35]، كيف “أن سياسة التسليح الحالية لإسرائيل تعتمد بصفة أساسية على الاستفادة القصوى من إمكانات الردع “التقليدي” بجانب احتفاظها بإمكانات نووية تعرف جيدًا محاذير استخدامها. هذه الاستراتيجية في التسليح تعتمد على الوعي بإمكانات التكنولوجيا الجديدة والإيمان بأن المفاهيم التي استقرت في أعقاب حرب تشرين الأول (أكتوبر) في طريقها إلى التغيير. إن البناء الحالي لوسائل الدفاع العربي –الجوي والأرضي- والذي قام على الدروس المستفادة من حرب تشرين الأول (أكتوبر)، سوف يفقد الكثير من فاعليته في مواجهة امتلاك إسرائيل للأسلحة الموجهة بعيدة المدى ذات القواعد الأرضية أو المحمولة جوًا، كما إن الوسائل الهجومية للقوة العربية سوف تتأك قدرتها على الاختراق بعد نجاح إسرائيل في استخدلم أسلحة دفاعية تدخل حلبة السباق لأول مرة”. ولقد كانت مزايا هذه الإمكانات التكنولوجية الجديدة، هى الركيزة التي انطلقت منها الآراء المؤيدة للاشتراك الإسرائيلي. كما سنرى لاحقًا.
ب-بين حجج التأييد وبين الانتقادات للدوافع والأهداف الإسرائيلية:
تتلخص أهم أسانيد التأييد في ما يلي[36]:
1-دخول إسرائيل نادي الدول المتقدمة نظرًا للنقلة التكنولوجية الهائلة التي ستحدث في كثير من المجالات الحيوية (الإلكترونيات، الاتصالات، الحاسبات، الليزر، الطاقة، الصواريخ.. إلخ) وأثر ذلك على الصناعة والاقتصاد ناهيك عن الأثر العسكري.
2-تطوير نظام دفاعي وهجومي دقيق يعمق عنصري الدفاع والمفجأة في المواجهة بسبب تطوير شبكات الصواريخ المضادة وتدعيم نظام الهجوم الصاروخي، وبسبب تطوير أجهزة الاتصالات والمراقبة والتتبع وأجهزة الاستشعار الحرارية والبصرية والرادارية ونظم وبرامج الإدارة الآلية للمعركة والخاصة بالقيادة والتحكم والاتصالات والاستخبارات للتعامل مع التدفق الكثيف للمعلومات.
3-مواجهة احتمالات تسرب التكنولوجيا الدفاعية المتقدمة من الاتحاد السوفياتي إلى العرب.
أما الانتقادات فلقد تركزت على مجموعتين أساسيتين من الأسانيد[37]:
المجموعة الأولى: عسكرية تقوم على التشكيك في إمكان وفعالية بناء نظام دفاعي كامل ضد الصواريخ العربية نظرًا لعدة اعتبارات أهمها:
1-التكلفة المادية المرتفعة التي لا يمكن لإسرائيل توفيرها كاملة وبسهولة.
2-إمكان الدفاع عن عدة مناطق فقط وهى التي يؤدي المساس بها إلى حدوث أضرار استراتيجية جسيمة.
3-الاعتماد على الأنظمة الدفاعية يعد تغييرًا في المفهوم الأمني الإسرائيلي الذي اعتمد أساسًا على الاستثمار في المقدرة الهجومية وليس الدفاعية.
4-دفع العرب إلى تقوية نظمهم الهجومية.
5-المبالغة الكبيرة في قدرات الصواريخ العربية على الإصابة الدقيقة للأهداف البعيدة، وهو الأمر الذي يعني عدم ضرورة الصواريخ المضادة لها لانعدام التهديد الفعلي من جانبها، ولأن المدفعية يمكن أن تحل محلها.
أما المجموعة الثانية: فهى تركز على العواقب السياسية وخاصة على صعيد العلاقات السوفياتية-الإسرائيلية وما سيصيبها من أضرار سيكون أقلها هو التشدد في مسألة هجرة اليهود السوفيات. واستندت هذه الانتقادات إلى التوتر الذي أصاب هذه العلاقات عقب الإعلان عن الاشتراك الإسرائيلي حيث اتهم السوفيات (كما جاء في تقرير لوكالة تاس السوفياتية للأنباء عقب ما نشر في تموز/يوليو في العام 1986 عن الصاروخ الإسرائيلي “أريحا” الذي مداه إلى الحدود الجنوبية السوفياتية) إسرائيل بأنها أضحت موقعًا أميركيًا بديلًا للصواريخ التي أزيلت من أوروبا، وإن استمرار تطويرها لهذا الصاروخ سيلحق بها المخاطر الكثيرة هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى –وكما جاء في تعقيب لراديو موسكو- حاول الاتحاد السوفياتي أن يثني إسرائيل عن هذا الطريق مؤكدًا أنه لا ينوي وضع صواريخ نووية متوسطة المدى في أية دولة عربية وإن كان يحتفظ لنفسه بمثل هذا الحق في حالة الإتفاق مع الدول العربية المعنية. وكان هذا التحفظ الأخير يحمل تهديدًا غير مباشر في حالة استمرار الإصرار الإسرائيلي على تطوير الصاروخ المذكور.
وفي مواجهة هذه المواقف السوفياتية المتتالية –وغير الرسمية في الوقت نفسه- أصدر مجلس الوزراء الإسرائيلي بيانًا أشار فيها إلى استعداد إسرائيل لوقف أو إبطاء العمل في تطوير الصاروخ “أريحا” إذا أمكن التوصل إلى إتفاق يمنع أو يحد من إدخال هذا النوع من الصواريخ متوسطة المدى إلى المنطقة، وإن إسرائي لن تتوقف عن التطوير في غياب التزام سوفياتي وعربي بعدم محاولة تطوير صواريخ من النوع نفسه أو الحصول عليها.
وبالرغم من أن هذا البيان كان من قبيل المحاولات الإسرائيلية المعهودة لتهدئة المخاوف السوفياتية، إلا أن العديد من الأوساط الإسرائيلية المعارضة للاشتراك الإسرائيلي، ظلت تحتج أساسًا بخطورة الزج بإسرائيل في لعبة الصراع العالمي المباشر. وفي المقابل ظلت آراء إسرائيلية أخرى ترى أن ثمة خلافًا جوهريًا بين أوروبا وإسرائيل ذلك لأن الأخيرة لا تستطيع أن تقف على الحياد بين القوتين الأعظم وحيث لا مفر أمامها من إقامة حلف عسكري وسياسي وثيق مع الولايات المتحدة. كذلك رأت أوساط أخرى أن التحذيرات السوفياتية لم تمنع موسكو من البحث عن سبل لفتح صفحة جديدة مع إسرائيل بشأن المؤتمر الدولي حول الشرق الأوسط، وهى الخطوة التي لا تعد كافية –في نظرهم- لقطع إسرائيل تعاونها البحثي العسكري مع الولايات المتحدة خاصة وأن التفاقم في سوء العلاقات السوفياتية-الإسرائيلية والناجم عن استمرار هذا التعاون، لن يهدد أمن إسرائيل.
3-النتائج الاستراتيجية والسياسية لاشتراك الإسرائيلي
انطلاقًا من العلاقة بين التطور في التكنولوجيا والتطور في الفكر والاستراتيجية العسكرية وبين التطور في نظم التسليح فإن الآفاق الجديدة في بناء القوة العسكرية الإسرائيلية، والتي يتحيها الاشتراك في أبحاث المبادرة، لابد وأن تنعكس على الفكر العسكري الإسرائيلي، ومن ثم على الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية الكلية، أو المتعلقة باستخدامات الأسلحة المختلفة كل على حدة أو في منظومة واحدة. كما لابد وأن تنعكس أيضًا على موازين القوى العربية-الإسرائيلية وما يتصل بها من أبعاد سياسية.
ومن ثم فإن تحليل الدراسة لهذه النتائج سينقسم إلى صعيدين أساسيين: الأول: يتصل بالاستراتيجية الإسرائيلية لاستخدام مكونات القوة العسكرية. أما الثاني: فينصب على الاستخدامات السياسية لهذه القوة.
أ-النتائج الاستراتيجية العسكرية:
إن فهم هذه النتائج يقتضي التعرض لبعض القضايا الهامة. فهناك من ناحية القضايا التي تدور حول بعض مفاهيم العقيدة العسكرية (الهجوم، الدفاع، الردع). وهنا تثور التساؤلات التالية: ما هى أولوية أهداف الاستخدامات المباشرة للقوة العسكرية أي الهجوم، أم الدفاع أم الردع؟ وكيف سينعكس التغيير النوعي في القدرات الإسرائيلية على التكتيكات والعقائد القتالية على نحو يؤثر على الاستراتيجية الهجومية والدفاعية والردعية، وإلى أي حد ستتأثر القدرات العربية الهجومية والدفاعية بهذه التغيرات؟ وهناك، من ناحية أخرى، القضايا المتصلة بطبيعة الحرب وخصائصها (ننوية أم تقليدية، شاملة أم محدودة). وهنا أيضًا تثور مجموعات أخرى من التساؤلات، أولًا: كيف ستتطور أبعاد القدرة النووية الإسرائيلية وسيناريوهات استخدامها؟ وكيف ستتطور القدرات التقليدية وما هى احتمالات تطور لعلاقة بين الاستراتيجية النووية والتقليدية في نطاق الاستراتيجية الإسرائيلية الشاملة؟.
ثانيًا: بعبارة أخرى هل يعني اشتراك إسرائيل في مبادرة الدفاع الاستراتيجي” دخولها المرحلة النووية العلنية للأمن الإسرائيلي خاصة وأن هذا الاشتراك قد تزامن –ولو نسبيًا- مع اعترافات “فانونو” الشهيرة ف تشرين الأول (أكتوبر) العام 1986، وهى الاعترافات التي اتفق العديد من المراقبين على أهمية ما قدمته من مؤشرات سياسية وعسكرية عن تأكيد متلاك إسرائيل لرؤوس نووية؟ وهل يعني ذلك كله أن إسرائيل لرؤوس نووية؟ وهل يعني ذلك كله أن إسرائيل قد تحركت بعيدًا عن استراتيجية الغمو والشك لتواجه احتمال الإعلان رسميًا عن خيارها النووي أو لتواجه –على الأقل- مرحلة ما يسميه البعض[38] “استراتيجية الاستخدام الإيجابي للقدرات النووية”، أي استخدامها للتأثير على التفاعلات الإقليمية من أجل تحقيق أهداف سياسية وعسكرية محدودة تتعدي مجرد الحفاظ على كيان الدولة الإسرائيلية وتمتد إلى الاستعداد الإسرائيلي لإمكان استخدام أسلحة نووية تكتيكية ضد أهداف عربية حيوية وذلك في ظل حالات مواجهة قد لا يثور خلالها أي تهديد كامل للكيان الإسرائيلي؟ باختصار: إلى أي حد يمكن أن تكرس نتائج الاشتراك الإسرائيلي إمكانات الاستخدامات النووية التكتيكية والمحددة على حساب السيناريو النووي الاستراتيجي؟
ثالثًا: إذا كان الاشتراك الإسرائيلي يفتح –كما سبق ورأينا- الباب أمام آفاق جدية من التسلح التقليدي، فهل سيعني هذا مزيدًا من الاهتمام بالردع التقليدي حين يمكن استبدال التقليدي، حين يمكن استبدال الردع النووي تمامًا بآخر تقليدي؟ وإذا كان هناك –كما يطرح البعض-[39] عودة للاهتمام على المستوى العالمي بدور القوة التقليدية نظرًا لصعوبة الوصول –إن لم يكن استحالة- تحقيق حالة توازن مستقرة في الردع النووي المتبادل، وإذا كان إمتلاك إسرائيل للسلاح النووي لم يمنع العرب من اقيام بحرب تشرين الأول (أكتوبر)، وإذا كان أداء إسرائيل التقليدي في عدد من الحالات المحدودة (ضرب المفاعل العراقي، المواجهة مع سوريا في لبنان، الغارة على قيادة منظمة التحرير في تونس) قد حقق نتائج لايقدر على تحقيقها الرادع النووي –فهل-على ضوء هذا كله- ستتزايد أفضلية الروادع التقليدية المتطورة لدى إسرائيل؟ وما مصير خيارات الاستراتيجية النووية الإسرائيلية؟ هل ستمزج إسرائيل، وبصورة متطورة، بين منظومات من الأسلحة النووية والتقليدية بل والفضائية؟.
إن الإجابة على هذه التساؤلات يجب أن تقع في صميم اجتهادات الدارسين والممارسين والخبراء في مجال وحقل الفكر الاستراتيجي العربي المعاصر، وذلك حتى يمكن بلورة وتوضيح ما للاشتراك الإسرائيلي في أبحاث “مبادرة الدفاع الاستراتيجي” من آثار على التفاعل بين مفاهيم العقيدة العسكرية الإسرائيلية وبين منظومات استخدامات وحماية الأسلحة النووية والتقليدية، وكيفية تنفيذها للمطالب العسكرية الإسرائيلية التي يحددها الفكر العسكري الإسرائيلي على ضوء العوامل التي تحكمه حاليًا، وعلى ضوء التهديدات المتصورة للأمن الإسرائيلي، وعلى ضوء المتغيرات العالمية والإقليمية المحيطة. إن هذه البلورة وهذا التوضيح لجميع هذه الأمور، يعدان ضرورة حيوية لمواجهة التهديد الصهيوني المتزايد للأمن العربي.
وبدون الدخول في تفاصيل تطور العقيدة العسكرية الإسرائيلية والعوامل التي شكلت وتشكل الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي[40]، وبدون الدخول في تفاصيل تطور القدرات النووية والتقليدية والفضائية الإسرائيلية، فإنه يمكن طرح بعض التصورات المبدئية التي تحاول التعامل مع التساؤلات السابقة.
وتتلخص هذه التصورات في ثلاث مجموعات أساسية
1-على صعيد التسلح النووي والاستراتيجية النووية: برغم ما أحاط ويحيط بحقيقة القدرات النووية الإسرائيلية من غموض، وبالرغم مما ثار من جدل حول خيارات ونوايا وسيناريوهات الاستراتيجية النووية الإسرائيلية من جدل[41]، فإن الدور الذي لعبه العامل النووي في الصراع العربي-الإسرائيلي حتى الآن، يتلخص في قدر من الردع المعنوي والنفسي برز على وجه الخصوص في اللحظات الحرجة من حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973.
ولكن منذ بداية الثمانينيات أخذ الحديث يدور عن مستوى آخر من التسلح النووي الإسرائيلي أي التسلح التكتيكي. وهنا تلعب تكنولوجيات أبحاث “مبادرة الدفاع الاستراتيجي” دورًا هامًا في تطوير هذا النوع من التسليح الذي يتطلب –لتحقيق أهدافه- منظومات معينة من الأسلحة (رؤوس نووية صغيرة أو طلقات مدافع) وسبل الإيصال الملائمة (صواريخ ذات مدى كبير ودقة عالية)، ووسائل الاستشعار عن بعد.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن إتقان صنع القنابل والرؤوس المصغرة ذات التقنية العالية سيفسح المجال أمام استخدام مجموعة متطورة من الأسلحة كوسائل إيصال مثل الصواريخ المضادة للسفن والصواريخ جو-أرض بل ومدافع الميدان، وهى سبل إما متوسطة المدى يمكن أن تعمل داخل مسارح العمايات المختلفة، أو سبل تكتيكية مخصصة للاستخدام الميداني والقصف الاختراقي على مسافات قصيرة ومتوسطة. وفي مختلف هذه الحالات فإن فعالية الاستخدام تتوقف على القدرة على الوصول إلى الهدف، والقدرة على التعامل مع الوسائل المضادة (بالتضليل والتشويش أو المواجهة والتصدي). بعبارة أخرى فإن القدرة على التحكم في حجم ووزن القدرة التدميرية للأسلحة النووية يرتبط –بعمق- بتطوير وسائل الإيصال المناسبة التي يمكن أن تستخدمها إسرائيل في عمليات القصف التكتيكي العملياتي ضد التجمعات العسكرية العربية والخطوط الدفاعية والتحصينات الحدودية وقواعد الصواريخ العربية أرض-أرض. وإذا ما تم التوصل إلى هذا الوضع (وتساعد في هذا أبحاث المبادرة) فإن إسرائيل سوف تكون قادرة عندئذ على استخدام أسلحتها النووية ضمن نظام قتالي متكامل يتراوح في شموله من المهام الميدانية المباشرة إلى عمليات القصف التكتيكي العادي وتدمير الأهداف الحيوية المختارة وصولًا بالطبع إلى مستوى الردع الاستراتيجي الشامل[42]. خلاصة القول إن الاستخدامات التكتيكية لا تسقط العامل النووي من الحسابات الإسرائيلية ولكن تجعله أكثر دقة ومحدودية استنادًا إلى استخدام تكنولوجيات حديثة تظهر آثارها في مجال الإيصال ودقة الإصابة وحجم ووزن الرؤوس النووية.
ومن ثم فإن التحليل السابق يؤكد أمرًا هامًا أبرزته بعض التحليلات في بداية الثمانينيات[43]، وهو أن السيناريوهات المختلفة لاستخدامات إسرائيل لقدراتها النووية كسلاح ردع ضد التفوق التقليدي والكمي العربي، قد فقدت الآن مصداقية منطلقها الأساسي أو فرضيتها الأساسية، ألا وهى أن إسرائيل هى الطرف الذي يواجه العدوان العربي الواقع عليه مستخدمًا في ذلك الرادع النووي. ذلك لأن الحديث عن أن أمن إسرائيل مهدد ويستوجب الردع النووي لم يعد أمرًا مقبولًا، حيث أن التحليل التاريخي للصراع العربي-الإسرائيلي أبرز أن الجانب الإسرائيلي هو الذي قام دائمًا بالعدوان والهجوم.
بعبارة أخرى فإنه إذا كانت استراتيجية إسرائيل النووية قد قامت –بناء على هذا الرأي السابق- ليس على الدفاع والردع وإنما على الإجبار وفرض المكانة والسمعة فإن نتائج الاشتراك الإسرائيلي في “مبادرة الدفاع الاستراتيجي” والتي ستدعم إمكانات الردع التقليدي الإسرائيلي بإمكانات نووية تكتيكية –كما سبق ورأينا- لا بد وأن تزيد من هذا الاتجاه أي الإجبار وفرض المكانة والسمعة خاصة إذا ما توافرت أيضًا الحصانة الفعالة لمنظومات الأسلحة النووية على نحو يحول دون العرب وتوجيه ضربة أولى فعالة (ولو تقليدية) أي ضربة تدمر قدرة الرد لدى إسرائيل. وساعد أيضًا الاشتراك الإسرائيلي في أبحاث “المبادرة” على تدعيم هذه الحصانة وتنوع سبلها (تنوع سبل الإطلاق وعدد الأسلحة، تعدد سبل الإنذار والانتشار والتمويه والسرية)، بقدر ما يساعد –كما رأينا- على تطوير طبيعة القدرة النووية الإسرائيلية. حيث برز على صعيدها عامل نووي جديد ألا وهو القنبلة النووية التكتيكية أو الأسلحة النووية التكيكية، وهو العامل الذي اقترن بدوره بدخول الاستراتيجية النووية الإسرائيلية (كما يقول أ.د. حامد ربيع) مرحلتها الثالثة. وهى مرحلة الاستراتيجية الهجومية، التي بالاستناد إلى القنبلة التكتيكية، تهدف لتحقيق الهيمنة الأرضية والاستئصال البشري للقدرة المعاديية. وكانت المرحلة الأولى قد امتدت حتى العام 1972 وهى مرحلة “استراتيجية الردع”، في حين امتدت المرحلة الثانية وحتى حرب لبنان وعرفت بـ”استراتيجية الانتحار”[44]. بعبارة أخرى (وكما يقول أ.د.حامد ربيع أيضًا)[45] فإنه إذا كان السلاح النووي في العلاقة بين القوتين الأعظم هو أساسًا سلاح ردعي وليس سلاحًا للمارسة، فإن هذا السلاح –بالنسبة للقوى الإقليمية- ليس سلاحًا ردعيًا بل هو بالأساس لتحقيق السيادة لأحد الأطراف في مواجهة الأطراف المحلية، أي هو سلاح للمارسة وخاصة منذ اكتشاف القنبلة النووية التكتيكية، التي تسمح لإسرائيل بتحقيق الهيمنة على المنطقة. ومن ثم فهى أداة لخلق الاختلال في التوازن السلاحي في المنطقة لصالحها، ومنطلق لاختلال التوازن الإقليمي نظرًا لغياب القدرة على الضربة الثانيى لدى العرب خاصة.
2-على صعيد التسلح التقليدي والاستراتيجية التقليدية: سبق الإشارة إلى الآفاق المتطورة لبناء القوة التقليدية الإسرائيلية الحديثة باعتبارها إحدى النتائج الأساسية لاشتراك إسرائيل في أبحاث “المبادرة” من أجل تحقيق التفوق النوعي على القدرة العربية. وإذا كانت الاستراتيجية الإسرائيلية في إدارة صراعها مع العرب قد قامت على قدم نووية وأخرى تقليدية فإن إحدى الدراسات التي تحلل مستقبل القوة التقليدية بصفة عامة وفي المواجهة العربية الإسرائيلية بصفة خاصة[46]، ترى أن النشاط الإسرائيلي في مجال التسليح يشير إلى أولوية تحديث القوة التقليدية لدعم الردع التقليدي عن طريق المحافظة على التفوق النوعي لنظم الأسلحة التقليدية. ويستند هذا الرأي إلى تحليل أثر ظهور أجيال جديدة من الأسلحة التقليدية الحديثة في العالم، على طابع المعارك التقليدية في المستقبل، وإلى المقارنة بين تأثير السلاح النووي والسلاح التقليدي الحديث الذي ترتبت عليه إشارة العديد من المتخصصين الغربيين إلى أسلحة تقليدية حديثة تكافيء في قوتها أسلحة نووية، ذات قدرة محدودة. كما ترتب عليه إجماع معظم المحللين على أن تدعيم القوة التقليدية يمكن أن يباعد من لحد الذي يضطر عنده إلى استخدام السلاح النووي.
وإذا كان اهتمام إسرائيل بتدعيم وتطوير القوات التقليدية الحديثة يعكس استيعابًا للفكر الاستراتيجي الغربي، فإن العديد من التحليلات الإسرائيلية ذاتها –التي تهتم بتقييم الوزن المقارن والنتائج النسبية للرادع التقليدي والرادع النووي الإسرائيلي-[47] تبرز كيف أن فعاليات الردع التقليدي في تاريخ العسكرية الإسرائيلية إنما يبرز عدم إعلان إسرائيل رسميًا عن خيارها النووي، بل يجب أن يحول دونها وذلك. فمن أهم أركان الحجج التي تدافع عن استمرار ما يسمى استراتيجية “القنبلة في المخزن” إبراز الآثار الإيجابية للتفوق التقليدي الإسرائيلي في الجولات المتتالية مع العرب. ومما لا شك فيه أن نتائج اشتراك إسرائيل في أبحاث “المبادرة” بالنسبة لتطوير وتحديث القوى التقليدية لا بد وأن تزيد من قوة حجج هذا الاتجاه الداعي للاعتماد على لثالوث التقليدي (الهجمة الأولى، الانتقام الواسع المدى، ضرب المدن) لثني العرب عن اللجوء إلى القوة ولاستمرار تدعيم التغيير في الحسابات العربية نحو مزيد من الاستعداد لقبول إسرائيل.
3-الاستراتيجية الفضائية: خلال الشهور الأخيرة من العام 1988 أثارت العواقب المحتملة لاطلاق إسرائيل لأول قمر إصطناعي لها (وبذا أضحت الدولة الثامنة في هذا المجال بين دول العالم)، الكثير من التحليلات[48] حول إمكانات ونتائج دخول إسرائيل عصر الاستراتيجية العسكرية الفضائية وما لها من انعكاسات على الاستراتيجية النووية والتقليدية. فإذا كان اطلاق القمر الاصطناعي هو دليل على قدرة متطورة في المجالات العلمية، فإن قمرًا إصطناعيًا عسكريًا يكون ذا دلالات أمنية خطيرة. فهو ضرورة أساسية لاستخدام القوات التقليدية في صورتها الحديثة وتطبيقًا للمفاهيم والأفكار الاستراتيجية المتطورة التي من أهمها اضرب في العمق العربي عن بعد. كذلك تعد هذه الأقمار حلقة البداية في منظومة التصدي الإسرائيلي لخطر الصواريخ العربية. لأنها (الأقمار) تمنح إسرائيل قدرة كبيرة جدًا في مجالات المراقبة والمتابعة والانذار المبكر وهى مسائل ضحت تحتل اهتمامًا كبيرًا في النظام العسكري الاستراتيجي الإسرائيلي عقب دخول شبكات من الأسلحة المتطورة في الجيوش العربية. بعبارة أخرى يصبح هذا القمر –في حالة تطوير استخداماته العسكرية- أحد الوسائل الهامة جدًا لمنع وقوع هجوم مفاجيء على إسرائيل ومن ثم فهو يمثل وسيلة دفاعية ويضاعف من قدراتها على ردع القوات العربية.
ب-النتائج السياسية
وبقدر ما حملت الأبعاد العسكرية لتأثيرات اشتراك إسرائيل في “المبادرة”، احتمالات هامة بالنسبة لاستراتيجيتها العسكرية، فإن الأبعاد السياسية لهذه التأثيرات أيضًا تحمل في طياتها كثيرًا من الاحتمالات بالنسبة لمستقبل تسوية الصراع العربي-الإسرائيلي، وبالنسبة لمستقبل العلاقات الإسرائيلية بكل من القوتين الأعظم على وجه الخصوص.
1-مستقبل التسوية والمواجهة مع العرب: في هذا الصدد يمكن طرح التصورات التالية: من ناحية أولى: إذا كانت التحليلات العربية في معظمها قد رأت في نتائج الاشتراك الإسرائيلي في مبادرة الدفاع الاستراتيجي” وسيلة لتثبيت وضع إسرائيل كقوة إقليمية عظمي في المنطقة بحيث تستطيع اتباع استراتيجية الإجبار وأن تضطر دول المنطقة إلى اتباع سلوك سياسي يتماشى مع “الرؤية الإسرائيلية للسلام”، فإن بعض الآراء الإسرائيلية المعارضة للاشتراك الإسرائيلي قد أقامت معارضتها على أساس التأثير السلبي لنتائج الاشتراك على عملية السلام، في حين رأت آراء أخرى أن شبكة الدفاع ضد الصواريخ العربية ليست إلا أداة محايدة لا تغلق الباب أمام أي خيار حيث يمكن استخدامها لتدعيم السلام (من المنظور الإسرائيلي بالطبع) بطرق مختلفة. فهى إما أن تسهل من عملية الانسحاب من الأراضي المحتلة دونما خوف من أن تنصب فوقها صواريخ أو غيرها من الأسلحة المماثلة، لأنها ستفقد فاعليتها وخطورتها في ظل شبكة الدفاع، وإما أن تؤدي القوة الدفاعية الجديدة إلى مواصلة التمسك بهذه الأراضي المحتلة تحت مظلة دفاعية حديثة تجعل الصراع في المنطقة صراعًا أبديًا[49]. ومن ناحية ثانية: إذا كانت المقابلة بين هذه الآراء يمكن أن تبرز في الأذهان –في ظل إطار سياسي/استراتيجي مختلف- الجدال حول الآثار المحتملة لـ”مبادرة الدفاع الاستراتيجي” الأميركية على فرص السلام واستقرار مناخ العلاقة بين القوتين الأعظم، إلا أنه تجدر –في هذا الموضع- ضرورة التذكرة بالأمور التالية: وهى أنه ليس هناك نظام دفاعي كامل وبصورة دائمة. فاستحداث أحد طرفي صراع لمنظومة جديدة من التسلح لا بد وأن يعقبه رد فعل من الطرف الآخر لمحاولة إعادة التوازن بل والتفوق. ومن ثم ليس من الصواب الحديث عما تمارسه نظم تسليح طرف معين من تأثيرات حتمية ومستمرة في تجاه واحد على الإطار السياسي للعلاقات مع الأطراف الأخرى من الصراع، نظرًا لأن هذه التأثيرات تأخذ ائمًا طريقًا ذا اتجاهين وليس اتجاه واحد لصالح طرف واحد دائمًا. وكذلك نظرًا لأن القوىى والاسترتيجيات العسكرية ليست هى المتغيرات الوحيدة، أو الحاسمة، في تشكيل الأطر السياسية للصراعات المختلفة.
ولقد قدمت لنا خبرة الصراع العربي-الإسرائيلي مؤشرات هامة بهذا الصدد. فلقد أوضحت هذه الخبرة آثار التطور في موازين القوى العسكرية ونتائج الجولات العسكرية بين العرب وإسرائيل على الأبعاد السياسية المختلفة للصراع (درجة الاستعداد العربي لقبول إسرائيل، درجة الاستعداد لقبول تسوية تفاوضية، مضمون هذه التسوية، وضع هذا المضمون بين المنظور الإسرائيلي والمنظور-أو المنظورات العربية- للسلام).
ومع ذلك –وكما جاء في بعض التحليلات الإسرائيلية ذاتها[50]- فإن التغير في الحسابات العربية تجاه إسرائيل (وخاصة من حيث درجة الاستعداد للتفوض والابتعاد عن اللجوء إلى القوة العسكرية)، لا يرجع إلى تأثير الاستراتيجية والقوة العسكرية الإسرائيلية فقط ولكن إلى تأثير عوامل أخرى بجانبها؛ وهى التدني في التعاون العربي الشامل؛ والتناقض في الاهتمام بالقضية الفلسطينية؛ والتحول في السياسة المصرية. ولقد تفاوتت الأهمية النسبية لهذه العوامل عبر المراحل المتعاقبة لتطور المواجهة العسكرية-السياسية العربية الإسرائيلية. فلم يكن الردع التقليدي الإسرائيلي وسيلة كاملة دائمًا حيث اتضح في بعض المراحل أن قيودًا محلية ودولية تحد من قدرة إسرائيل على استغلال قدراتها العسكرية لتحقيق أهداف سياسية متكاملة. ومن ثم –ووفقًا لهذا الاتجاه- لم يكن نجاح الردع التقليدي الإسرائيلي، مضمونًا في حالة تغير العوامل والظروف المساعدة له والتي لا تسيطر عليها تمامًا إسرائيل وخاصًة استعادة العرب لوحدة صفوفهم.
وبغض النظر الأن عن الملاحظات التي قد تثور حول النوايا الحقيقية لمثل هذا التحليل الإسرائيلي، وما إذا كان يهدف إلى تحويل الانتباه عن عامل التفوق العسكري الإسرائيلي بمفرده، أو يقلل من أهمية الصراع مع إسرائيل بالمقارنة بانقسامات وخلافات أخرى على الصعيد العربي الإقليمي والمحلي، إلا أنه يجب الانتباه إلى مغزاه عند تحديد البدائل والآفاق العربية وخاصة من حيث إمكان مواجهة ما للقيود الدولية والفنية والسياسية، من تأثير على قدرة التطوير الحقيقية لقوة الردع العربية (كما سنرى فيما يلي). ولا أدل على أهمية هذا الانتباه من تلك المقولات لرئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية “أمنون شا حال” في منتصف الثمانينيات لما أسماه “مميزات استمرارية نوع من العجز الجماعي العربي”.[51] فمن هذه المميزات التي أوردها (والتي تترجم تقليدًا إسرائيليًا دائمًا في التعامل مع العرب) ما يلي: “العجز الواضح في التوصل إلى تعاون أو تآلف عسكري وحتى سياسي في مواجهة إسرائيل وبالتالي القصور في إيجاد الرد الجماعي على التحدي العسكري الذي تضعه إسرائيل بوجه العرب.. كذلك علينا أن نلحظ الانقسام في العالم العربي في النظر إلى موضوع محاربة إسرائيل، وفي هذه النقطة نجد أن غالبية الدول العربية تدرك أنه بسبب قوة إسرائيل العسكرية والدعم الاستراتيجي الذي تقدمه لها الولايات المتحدة، لا يمكن قهر إسرائيل ولا يمكن القضاء عليها بضربة عسكرية في جولة حرب واحدة وحاسمة. فمن الناحية الاستراتيجية لا بد من خوض حرب متواصلة ضد إسرائيل إلى أن يتحقق الهدف النهائي وهو القضاء على وجودها السياسي في المنطقة، أو على الأقل إعادتها إلى حجمها الطبيعي سواء من الناحية الإقليمية أو من ناحية مكانتها في المنطقة”.
ومن ناحية ثالثة: وعلى ضوء التصورات السابقة يمكن أن يتضح لنا التزامن ولو النسبي بين إعلان إسرائيل (ولو بطريقة غير مباشرة) في صيف العام 1987 عن صاروخيها ” أريحا 1/2″، ثم إعلانها في خريف العام 1988 عن أول قمر اصطناعي (بعدما تكشف في نهاية العام 1986 خلال فضيحة فانونو الشهيرة)، وبين تكثف الجهود الدولية والعربية المبذولة من أجل تحريك القضية الفلسطينية في ظل تبلور بعض محاولات الضغوط الدولية على إسرائيل لتحريك مواقفها على نحو يقابل الاعتدال والمرونة العربية المتزايدة تدريجيًا وخاصًة من جانب الطرف الفلسطيني الذي استمد من الانتفاضة الفلسطينية قوة دفع ومساندة سياسية كانت ذات آثار مختلفة الأبعاد على مدركاته وعلى سلوكه. وتأكدت لنا هذه الرابطة أكثر بين إفصاح إسرائيل عن أحدث مظاهر قوتها العسكرية وبين استمرار التشدد الإسرائيلي خلال الشهور الأخيرة من العام 1989 التي بذلت خلالها الدبلوماسية المصرية جهودًا (مبادرة النقاط العشر) لعقد حوار فلسطيني-إسرائيلي، حيث سبق زيارة “اسحاق رابين” لمصر للتباحث حول هذه المبادرة، قيام إسرائيل في أوائل أيلول (سبتمبر) العام 1989 بتجربة اطلاق الصاروخ “أريحا 2” في البحر المتوسط شمال الساحل الليبي. وكالمعتاد لم تكن إسرائيل هى مصدر الخبر ولكن وكالة “تاس” السوفياتية.
2-مستقبل العلاقات الأميركية-الإسرائيلية: في ظل الطبيعة الخاصة للمرحلة الراهنة من هذه العلاقات، تفجر من جديد وفي شكل مميز، العديد من التساؤلات التي سبق طرحها في مراحل سابقة من تطور هذه العلاقات: إلى أي حد تعد إسرائيل ركيزة للاستراتيجية الأميركية أم عبء استراتيجي على الولايات المتحدة؟. ما درجة تأثير استقلالية إسرائيل عسكريًا (أو على الأقل تحركها بانتظام نحو تحقيق هذه الاستقلالية) بالنسبة لكل من المصالح الإسرائيلية والأميركية المتابكة؟. هل تدعيم روابط التعاون العسكري بين الولايات المتحدة والعرب يثير مشاكل حقيقية على صعيد العلاقات الأميركية-الإسرائيلية –كما حدث في مناسبات عديدة- أم هى خلافات شكلية لا تمس الحرص الأميركي على استمرار التفوق الإسرائيلي؟.
ترتبط هذه التساؤلات بمجموعتين متقابلتين من المقولات التي تتردد في الأوساط العربية حول مستقبل التأثير السياسي للقوة العسكرية الإسرائيلية الراهنة. ففي حين تقوم بعض هذه المقولات على رفض المبالغة في الحديث عن التفوق والاستقلالية الإسرائيليين التي عبر عنها الاشتراك الإسرائيلي في “المبادرة”، نجد أن مقولات أخرى تقوم على أن إسرائيل لم تعد أسيرة الاعتماد على الولايات المتحدة الأمر الذي ستترتب عليه أثار سلبية على القضية العربية نظرًا لتدني فرص الاعتماد على احتمالات الضغط الأميركي على إسرائيل لتقديم تنازلات للوصول إلى تسوية سياسية شاملة.
ومن ثم يظل التساؤل الأساسي التالي قائمًا: ما أثر النتائج السياسية لاشتراك إسرائيل في أبحاث “المبادرة” على مستقبل الدور الأميركي المحتمل في تسوية الصراع العربي-الإسرائيلي؟ وهل سيكون بمقدور الولايات المتحدة أن تعالج –كما أعلن وزير الدفاع الأميركي “كارلوتشي” أثناء زيارته لمصر في تشرين الثاني (نوفمبر) العام 1988- قضايا الرؤوس النووية والكيميائية والصواريخ والصواريخ المضادة، أم ستظل أسيرة التزامها بالحفاظ على التفوق الإسرائيلي وتقييد القدرة العربية؟
ونظرًا لاختلاف التقديرات حول أبعاد هذه القضية فإنه يمكن الاكتفاء في هذا الموضع بالإشارة إلى الملاحظات التالية:
1-مع دخول التعاون الأميركي-الإسرائيلي مرحلة الذروة كانت القوة الإسرائيلية قد تصاعدت كقوة إقليمية لا يقتصر دورها في الاستراتيجية الأميركية، على المنطقة العربية فقط ولكن اتسع نطاق هذا الدور ليمتد إلى آفاق العالم الثالث بصفة عامة بعد أن برهنت إسرائيل عن كفاءتها كأداة عسكرية. بعبارة أخرى فإن التغير في التصور الاستراتيجي الأميركي لدور إسرائيل منذ بداية الثمانينيات صاحبه تغير في تصور إسرائيل لمجالها الحيوي كقوة إقليمية كبرى.[52]
2-مع التطور المتصاعد في العلاقات الأميركية-الإسرائيلية أجمع عديد من الأوساط الإسرائيلية في بداية الثمانينيات، على خطورة استمرار هذا الاتجاه وتناميه لما قد يترتب عليه من فقدان إسرائيل لاستقلالية قرارها الاستراتيجي. ومن ثم رأت هذه الأوساط أن الذي يسعى إلى تزايد الارتباط الاقتصادي والسياسي والعسكري بالولايات المتحدة إنما يبشر في الواقع بتقليص حدود قوة إسرائيل، وأنه من الأفضل السعي لاستثمار المساعدة الأميركية في تطوير الدولة الإسرائيلية وتقدمها الصناعي[53]. ولقد كانت مشكلة الطائرة “لافي” فرصة حية أبرزت أبعاد المخاوف الإسرائيلية من استمرار علاقات الاعتماد على الولايات المتحدة[54].
3-إنطلق أحد الاتجاهات الإسرائيلية المؤيدة للاشتراك الإسرائيلي في “المبادرة”، من الرغبة في تحقيق قدر من الاستقلالية عن الولاياات المتحدة نظرًا لخطورة الاستناد إلى الحماية الأميركية والغطاء النووي الأميركي لمواجهة تهديد سوفياتي للوجود الإسرائيلي، لأنه من غير المحتمل أن تتورط الولايات المتحدة في حرب نووية من أجل إسرائيل. ولهذا أكدت هذه الاتجاهات على ضرورة مشاركة إسرائيل بفعالية في المشروع، بل واستمرارها فيه حتى لو تخلت الولايات المتحدة عنه لأي سبب من الأسباب[55].
خلاصة القول: إنه إذا كانت الرغبة الإسرائيلية في تدعيم حالة الاعتماد على الذات –عسكريًا- كسبيل من سبل تدعيم أمنها في مواجهة العرب، قد ظلت مضطربة نتيجة الاعتماد الكبير على الولايات المتحدة في استيراد الأسلحة وفي تصنيعها، وإذا كانت تجربة استخدام الولايات المتحدة للأداة العسكرية للضغط سياسيًا على إسرائيل، قد أثبتت نجاحها في بعض الأحيان كما حدث في فترات متفاوتة، على الرغم من أن هذه الفترات كانت محدودة وكانت المصالح الأميركية –وليس العربية فقط- هى التي تتعرض للخطر، ولم يكن الضغط يستمر طويلًا حيث سرعان ما كان يرفع الحظر الأميركي عن السلاح بل ويعقبه تقديم ضمانات ووعود أميركية إضافية بمزيد من المساندة العسكرية والاقتصادية والدبلةماسية لإسرائيل، إذا أخذنا جميع هذه الأبعاد في الاعتبار يصبح من المنطقي الاعتراف بسهولة بأن النتائج العسكرية للاشتراك الإسرائيلي في “المبادرة” ستؤدي –في حالة زيادتها للاستقلالية العسكرية الإسرائيلية- إلى تخفيض احتمات الضغط السياسي الأميركي باستخدام الأداة العسكرية، دون أن تنتقص من قيمة وضع إسرائيل الراهن في الاستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة وعلى الصعيد العالمي بل ستزيدها دعمًا.
(3)مستقبل العلاقات مع الاتحاد السوفياتي: بالنظر إلى طبيعة الجدل بين الآراء المؤيدة والمعارضة للاشتراك الإسرائيلي في “المبادرة” حول ما سيكون له من آثار على العلاقات مع الاتحاد السوفياتي، وبالنظر إلى طبيعة رد الفعل السوفياتي المعلن بصدد الصواريخ الإسرائيلية متوسطة المدى، وبالنظر إلى بعض التأكيدات الرسمية الإسرائيلية أن هذه الصواريخ ليست موجهة أساسًا إلى الأراضي السوفياتية، بالنظر إلى جميع هذه الأمور (السابق توضيحها) من ناحية والمقابلة بينها وبين التطورات التدريجية في العلاقات الإسرائيلية-السوفياتية والتي تحمل مؤخرًا الكثير من علامات التقارب وتصعيد المناخ الإيجابي لهذه العلاقات من ناحية أخرى، يمكن القول إن نتائج الاشتراك الإسرائيلي في “المبادرة” لم تحمل حتى الأن مدلولات تزيد من سوء العلاقات المباشرة بين البلدين. فهى مازالت في نطاق محكوم بعديد من الاعتبارات مثلما حكمت من قبل مدلولات القدرة النووية الإسرائيلية بالنسبة لهذه العلاقات أيضًا.[56]
ولهذا يمكن القول –بالرغم من وجود اتجاهات في إسرائيل ترى في الاتحاد السوفياتي تهديدًا رئيسيًا لوجودها خلال الثمانينيات يجب أن تأخذه في الاعتبار كل سياسة أمنية-[57]، إن الآثار السياسية لنتائج الاشتراك الإسرائيلية في المبادرة (خاصة آثار الصواريخ) بالنسبة للعلاقات الإسرائيلية السوفياتية، إنما تكتسب مدلولاتها الحقيقية من اعتبارات أخرى، من أهما[58]:
1-استخدام إسرائيل لموضوع هذه الصواريخ كأداة ضغط مباشر للحد من تدفق الأسلحة السوفياتية على بعض الدول العربية في المنطقة. ولعل ما ينشر (متفرقًا) عن اتصالات القوتين الأعظم حول هذه القضية في المنطقة، وعن الاتصالات الأميركية-الصينية حول تقييد تقديم الصواريخ لبعض الدول العربية، يكون ذا دلالة واضحة حول هذا الموضوع.
2-تستخدم إسرائيل موضوع سحب الصواريخ المتوسطة المدى من أوروبا لتعرض نفسها كبديل يمكن أن يعتمد عليه الغرب في المستقبل حيث لا تدخل إسرائيل بصواريخها في نطاق الإتفاق بين الشرق والغرب.
ثانيًا: إمكانات تطوير الردع المصري (العربي)، بين القيود والضغوط وبين البدائل الممكنة
في صيف العام 1987 ومع نشر عدة صحف أجنبية لأخبار تطورات الصاروخين الإسرائيليين “أريحا 1/2” ومع توالي ردود فعل أطراف مختلفة، لم تصدر أية ردود فعل عربية أو مصرية “رسمية ومباشرة” حول هذا الموضوع من أجل التوضيح أو حتى التعليق. وبالرغم من أنه لا يمكن وصف هذا الوضع بأنه مجرد “تجاهل لأخبار تسليح العدو” لكن يمكن القول إنه كان نتيجة عدم إعلان إسرائيل رسميًا عن هذه التطورات حيث أن الأوساط العلمية والصحفية هى التي روت أنباءها. وفي الوقت نفسه صاحب هذا الوضع اهتمام عربي رسمي، وغير رسمي، بإتفاق “التعاون الاستراتيجي” الذي وقعته إسرائيل والولايات المتحدة في واشنطن في حزيران (يونيه) العام 1987 والذي تم بمقتضاه –رسميًا- انضمام إسرائيل إلى مبادرة “حرب النجوم”.
ما هى إذًا عناصر الرؤية المصرية العسكرية للوضع العسكري في المنطقة في ظل هذه التطورات؟ وما هى تصوراتها عن السياسات المطلوبة وما درجة القيود والضغوط التي تواجهها؟
(1)حول عناصر للرؤية العسكرية المصرية والسياسات القائمة والمطلوبة:
إن متابعة وتخليل ومقارنة مجموعة من التصريحات التي صدرت عن وزير الدفاع المصري المشير “أبو غزالة” عبر عدة سنوات مضت[59] قد تساعد على استخلاص بعض هذه العناصر.
ومن أهم العناصر المتكاملة المترابطة التي عبر عنها وزير الدفاع في أحد تصريحاته[60] ما يلي:
من ناحية أولى: إن العصر يشهد تطورات ومتغيرات في النواحي العسكرية منها انضمام الفضاء إلى مسارح العمليات وميادين القتال؛ استمرار التطور في الصواريخ البالستيكية العابرة للقارات؛ التطور الخطير في القدرة التدميرية لأسلحة العصر؛ دخول التكنولوجيا في أنظمة القيادة والسيطرة؛ بالإضافة إلى الغموض النووي.
ومن ناحية ثانية: ضرورة التأكيد على البناء العسكري لتحقيق مفهوم الردع وذلك بالتأكيد على بناء قدرات الدفاع عن الوطن. وهنا تبرز أهمية الموازنة بين الكيف والكم مع التركيز على صناعة السلاح المصرية.
ومن ناحية ثالثة: إن اختلال التوازن في القوى يؤدي إلى اشتعال الحروب، واحتكار القوة يحدث فوضى لا نهاية لها. في حين أن المسازاة في القدرات العسكرية بالمنطقة، هى التي تصنع الاستقرار.
ومن ناحية رابعة: ضرورة تعاضد الدول التي تجمعها ظروف متشابهة، من أجل تحقيق الاعتماد الجماعي على الذات، مع تحقق الترابط بين استراتيجياتها على نحو يظهر للأطراف الخارجية أن تحرشها بأي منها سوف يجر عليها الخطر في منطقة قد لا تكون مستعدة لخوض المواجهة فيها.
إن هذا التصريح الذي ربط بين الإعتراف بمتغيرات جديدة في عملية التسابق على التسلح قد تخل بالتوازن، وبين الحرص على مواجهة هذا الاختلال، وبين التأكيد على الردع كاستراتيجية عسكرية مصرية، وبين أهمية الاعتماد الجماعي على الذات، لم يكن إلا خيطًا من الخيوط في عملية تراكمية توضح عناصر هذه الرؤية المصرية والتي أفصحت عن نفسها في مناسبات سابقة ومتتالية.
وفيما يلي بعض الملاحظات حول هذه العناصر:
أ-عن سؤال حول مدى تأثير “حرب النجوم” على الدول الصغرى بصفة عامة ودول المنطقة بصفة خاصة، قال وزير الدفاع المصري[61]: “حرب النجوم حلقة من حلقات سباق التسلح بين الشرق والغرب. فبعد التطور المذهل في المجال التقليدي ومرورًا إلى المجال النووي، يتطور السباق إلى ما سمى بحرب النجوم. ولا شك أن التفوق في مجالات الفضاء يهم القوتان العظميان بشكل مباشر وتهتم به الدول الكبرى أيضًا، في حين تتحمل الدول المتوسطة والصغرى انعكاسات هذا السباق على قوة الحلفاء أو موازين القوى وما ينجم عنها من تأثير وتأثر على الأمن القومي”.
ب-وإذا لم يكن هذا التصريح العام قد لمس مباشرة أثر الاشتراك الإسرائيلي (الذي لم يكن قد قنن بعد)، فإن تصريحات أخرى لمست العناصر الأساسية التي تشكل خريطة الموقف العسكري وخاصة الصواريخ والصواريخ المضادة العربية والإسرائيلية، والأسلحة الكيميائية والأقمار الاصطناعية. وتتلخص هذه العناصر فيما يلي:
أولًا: إن ما قيل عن تطوير الصاروخ “أريحا” –والذي لم تعلنه إسرائيل ولكن تردد في عدة أوساط- يمكن لأية طائرة بعيدة المدى أن تؤدي مهام مماثلة لمهامه[62]. فضلًا عن أن وجود الصواريخ بعيدة المدى في المنطقة، ليس أمرًا جديدًا ولا قاصرًا على إسرائيل ولكنها توجد لدى السعودية والعراق والجماهيرية الليبية وسوريا.[63]
ثانيًا: التأكيد على أن المشكلة ليست في وجود الصواريخ من عدمها ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في ضرورة تأمين المنطقة ضد دخول الرؤوس النووية، خاصة وأن الصواريخ الموجودة –منذ وقت طويل- قابلة لحمل هذه الرؤوس، وهى القوة التدميرية التي لا يجب أن تنتشر في المنطقة حفاظًا على السلام والاستقرار[64].
ثالثًا: القمر الاصطناعي الإسرائيلي ليس نهاية العالم. ومع ذلك فإن النظر إلى ما يسمى “بنقطة التغيير” أي الحدث الذي يجعل أحد الطرفين يعيد حساباته في مواجهة الآخر، يدفع للتساؤل إن كان اطلاق هذا القمر يعد نقطة تغيير بالنسبة للاستراتيجية العربية[65]؟. ولكن الأمة العربية قادرة بخبراتها الفنية وقدراتها الاقتصادية، على معالجة الخلل الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني إثر دخول العدو مرحلة التجسس الفضائي[66].
جـ-ويبرز مفهوم الردع مفهومًا رئيسيًا في الخطاب العام للقيادة العسكرية المصرية خلال السنوات الماضية مما يعني أنه يمثل ركنًا أساسيًا –إن لم يكن الركن الأساسي- في العقيدة العسكرية المصرية. فلقد عبر عنه مرارًا وزير الدفاع المصري في السنوات السابقة[67]، موضحًا أنه يواجه معادلة صعبة ثلاثية تضع مطالب التطوير أمام ظروف اقتصادية صعبة وارتفاع رهيب في أسعار الأسلحة.
وإذا كان وزير الدفاع المصري قد صرح[68] إن مصر تدرس جميع المتغيرات التي تجري حولها خاصة بعد دخول الصواريخ أرض-أرض والأقمار الاصطناعية إلى المنطقة، فإنه يتضح من تصريحات أخرى له كيف أن حيازة الدول العربية للصواريخ هو أساس القدرة على الردع. فلقد نص أحد هذه التصريحات[69] على أن وجود صواريخ أرض-أرض لدى العديد من الدول العربية، هو حق لها للدفاع عن النفس، وأن هذه الصواريخ قد أثبتت سقوط نظرية الحدود الآمنة التي نادى بها البعض. كما أوضح في تصريح آخر [70]إن الصاروخ يعد سلاح ردع جيدًا لأنه يجعل ضرب السكان في المدن في متناول يد كل طرف، ولذا فإن الدول قليلة السكان والتي تعتبر الخسائر البشرية فيها مؤثرة للغاية، تنظر إلى الصواريخ التي لدى خصومها بقلق بالغ وتعتبرها سلاحًا رادعًا خاصة وأنه ليس هناك صاروخ ضد صاروخ. ومن ثم فإن إسرائيل ستدفع إلى التفكير مرات كثيرة قبل اتخاذ قرار مهاجمة أي من الدول العربية التي تمتلك هذه الصواريخ.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المقصود بالردع هنا ليس ردعًا نوويًا بالطبع (نظرًا لعدم امتلاك مصر حتى الأن قدرة نووية في هذا المجال) ولكن ردعًا تقليديًا أو “فوق تقليدي”. ولسنا هنا في موضع نقاش للأسباب التي لم ترغب مصر أو لم تقدر في ظلها على امتلاك خيار نووي. ولكن يكفي الإشارة إلى أحد المبررات العلنية التي تظهر في الخطاب العسكري المصري[71] وهى أن الإسرائيليين لا يزالون يعتقدون أن الحل التقليدي، أي الحرب التقليدية، ما زال يعد حلًا ناجحًا، وأن إسرائيل يمكن أن تلجأ إلى الحل النووي إذا ما اتحدت الدول العربية بما لديها من طاقات وإمكانات تحت قياد واحدة.
د_وهذه العبارة الأخيرة تقودنا إلى عنصر هام من عناصر مفهوم القيادة العسكرية المصرية عن الردع، وهو العنصر الذي تزايد الإفصاح عنه والتركيز عليه مع بداية، ثم اكتمال، عودة مصر إلى الصف العربي، ألا وهو قوة الردع العربية وليس المصرية فقط، وكذلك الإنتاج الحربي العربي. فعلى سبيل المثال دعا وزير الدفاع المصري[72] إلى إقامة قوة مسلحة عربية متطورة وقادرة على الردع لأنه بدونها لا مكان للعرب في الحاضر والمستقبل. كما أشار[73] إلى أن عودة مصر إلى العرب تفتح الباب للإتفاق على سياسات دفاعية وبرامج للتسليح والتدريب من أجل تحقيق الأمن القومي العربي. وإذا كان وزير الدفاع قد اعتبر[74] أن امتلاك القدرة التكنولوجية القادرة على تطوير نفسها يعد عنصرًا أساسيًا من عناصر الردع التي تعتمد عليها مصر التي تمتلك قاعدة صناعية حربية رفيعة المستوى، فهو قد رأي أيضًا[75]، أن الأمة العربية تملك كل المقومات التي تؤهلها لإنشاء صناعة سلاح عربية متطورة، وأنه لا بد من التنسيق فيما بين الدول العربية لمواجهة التهديدات التي تحيط بها، لا سيما ضرورة التنسيق في مجال الإنتاج الحربي المشترك.
وبالنظر إلى مجموع الملاحظات لسابقة حول رؤية القيادة العسكرية المصرية يمكن القول إنه يبرز على صعيدها عنصران أساسيان: الصواريخ العربية كقوة ردع، وضرورة وإمكان السعي إلى ردع عربي. ومع الاعتراف بأن طبيعة المصادر التي تم منها استخلاص عناصر هذه الرؤية –هى بعض التصريحات المعلنة والمنشورة الصادرة عن وزير الدفاع في فترة محددة- لا يمكن أن تخوض في تفاصيل أعمق حول كيفية تدعيم قوة الردع هذه، وحول الصعوبات التي تواجهها وحول الإجراءات المكملة لها وخاصة على الصعيد التكتيكي والعملياتي في ظل طبيعة وخصائص الاستراتيجية العسكرية المصرية، ومع الاعتراف من ناحية أخرى أنه لم يتم توثيق تصريحات تربط –ولو بطريق غير مباشر- بين هذه العناصر وبين نتائج الاشتراك الإسرائيلي في “مبادرة الدفاع الاستراتيجي”، أي عن كيفية مواجهة العرب لهذه النتائج، فإنه تم الاعتماد على مصادر أخرى لاستكمال الصورة وخاصة عن القيود والضغوط التي تواجه محاولات تطوير القوة العسكرية العربية التقليدية وفوق التقليدية (مع التركيز على البعد المصري).
(2)تطوير القوة العسكرية العربية: بين القيود والضغوط وبين البدائل الممكنة
لم يكن اختلال موازين القوى الاستراتيجية العربية-الإسرائيلية لصالح إسرائيل في مراحل متفاوتة من خبرة الصراع الإسرائيلي، نتاج متغيرات عربية وإسرائيلية فقط ولكن نتاج متغيرات خارجية أيضًا أي متغيرات من خارج المنطقة العربية.
ومن أهم أعراض (وأيضًا أسباب) هذا الاختلال هو غياب استراتيجية عسكرية وقوة ردع عربية موحدة، مع تزايد الفجوة بين الكيف العربي والكيف الإسرائيلي. وكانت هذه الأعراض بدورها نتاج متغيرات محلية وإقليمية وعامية. ولقد مارست هذه المتغيرات قيودًا وضغوطًا شتى على موازين القوى.
ومن أهم هذه القيود والضغوط على المستوى المحلي والإقليمي غياب إرادة سياسية عربية موحدة، وضعف القدرات الصناعية والتكنولوجية العربية. ومن أهم القيود والضغوط الخارجية تلك النابعة من النظام الدولي الشامل أي نظام العلاقة بين القوتين الأعظم وما له من انعكاسات على تفاعلات النظام الإقليمي العربي، وخاصة على تيارات السلاح والتكنولوجيا. وتتفاعل مع هذا النظام تأثيرات الضغوط النابعة من الدور الإسرائيلي ذاته.
وفيما يلي نقدم تحليلًا لبعض أهم تأثيرات هذه القيود:
أ-القيود والضغوط الداخلية: يثور أمامنا مستويات أساسيان من هذه الضغوط: المستوى الأول استراتيجي-سياسي والثاني علمي-تكنولوجي وهما مرتبطان كما سنرى. على صعيد المستوى الأول: الذي ينصب على حالة العلاقات العربية-العربية وافتقار استراتيجية موحدة للمواجهة مع إسرائيل، فليس هنا بالطبع موضع التفصيل في تشخيص الحالة وتفسيرها. ولكن يكفي الإشارة إلى التصورات التالية والتي تدور أساسًا حول الرابطة بين الوحدة والقوة والمواجهة مع إسرائيل وحول بعض البدائل الممكنة. وتتلخص هذه التصورات فيما يلي:
1-خيارات تبدو مفتوحة أمام التطور الكيفي للقوة العربية استنادًا إلى اعتبار الوحدة. ففي حين ينطوي استمرار وضع التجزئة الراهنة على استمرار تشتت القوة العربية واستمرار قدرة إسرائيل على إجهاض أي نمو ملموس لقوة إحدى البلدان العربية، فإن اختيار الوحدة العربية يعني حدوث طفرة كيفية-كمية حقيقية في عناصر القوة العربية بما يوفره في مواجهة إسرائيل، من إمكانات أكبر لاحتوائها[76].
2-لعبت مصر دورًا حيويًا في أبعاد العلاقة بين الصراع العربي-الإسرائيلي والتوجه نحو الوحدة العربية. فكلما تزايد الحضور المصري في العمل العربي المشترك كلما كان ذلك العمل مستفزًا للتدخل الإسرائيلي. وعلى العكس من ذلك فإنه لا يمكن تصور أن يكون العمل العربي المشترك والتوجه نحو الوحدة، عنصرين مهدئين للصراع إلا مع تحييد مصر وإخراجها من حلبة الصراع[77]. ومن ثم فإن الدور المصري عامل أساسي في تحريك الجهود العربية لتعبئة عناصر القوة الذاتية العربية في عملية المواجهة مع إسرائيل.
3-بالنظر إلى هذه التعبئة على الصعيد العلمي التكنولوجي العسكري والذي يعد ركنًا ركينًا من أركان القوة العربية في عملية المواجهة مع إسرائيل، نجد أن القاعدة التكنولوجية المصرية في مجال صناعات السلاح أو الصناعات المدنية، تظل أكبر قاعدة عربية.
4-إن الدور المصري على هذا الصعيد لا يغني عن عملية مكملة وأساسية وهى توزيع الأدوار بين الدول العربية بما يتفق وعناصر قوة كل منها. فلم يعد نمط توزيع القوة في النظام العربي نمطًا آحاديًا –كما شهدت الخمسينيات والنصف الأول من الستينيات حين تركزت عناصر القوة العسكرية والسياسية في مصر- ولكنه أضحى يعكس نمطًا للقوة المنتشرة حيث تعددت مراكز القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية. ومن هنا تبرز منطقية مبدأ توزيع الأدوار على صعيد تعاون عربي في المجالات العلمية التكنولوجية-العسكرية. فإن مثل هذا التعاون لم يعد أملًا يراود الأذهان ولكن أضحى الأن يمثل ضرورة أمنية كبرى، نظرًا لأن مواجهة التفوق النوعي الإسرائيلي تحتاج جهودًا مادية وعلمية وتكنولوجية تتخطى الإمكانات القائمة لدولة عربية واحدة. فإذا كان البعض يمتلك العنصر المادي فإن البعض الآخر يمتلك الخبرة التقنية والبشرية أو يمثل عمقًا استراتيجيًا.
5-وبلرغم من حيوية هذا التعاون وبالرغم من وجود إتفاق شبه عام بين المراقبين والمتخصصين العرب حول حقيقة واضحة وهى أن إعادة التوازن الاستراتيجي في مجال التسابق على التسلح، لن يتأتى إلا من خلال جهود جماعية عربية في مجال التصنيع والتخطيط[78]، فلا يمكن إنكار أن هذا التعاون أو التنسيق الفني له أبعاد سياسية استراتيجية هامة. ومع ذلك فإن تحقيقه لا يتطلب –كما يتصور البعض- شرطًا مسبقًا هو الوحدة السياسية العربية، ولكنه يتطلب كحد أدنى اعترافًا بحيوية انجازه ولو في ظل استمرار تعددية سياسية عربية. إذ إن التعاون الوظيفي والنوعي هو الذي يعد النواة الحقيقية للوحدة في ظل الظروف العالمية والإقليمية الراهنة. وإذا كان الصراع مع إسرائيل ما زال يلقي بظلاله الكثيفة على الانقسامات والخلافات العربية، فعلى القيادات العربية أن تدرك –ويقع على مصر هنا دور قيادي في بث وتعميق هذا الإداراك- أنه مهما كانت أسباب ومحاور الاختلافات حول سبل المواجهة مع إسرائيل، فإن هذه المواجهة ليست مجرد صراع سياسي وعسكري ولكنه صراع حضاري يقع في قلب سباق القدرات العلمية والتكنولوجية. وهذا الأخير أضحى مرهونًا وبقوة –بالنسبة للعرب- بمدى قدرتهم على التعاون أو التنسيق من أجل إحياء عناصر القوة العربية الذاتية هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى يرتهن نجاح هذا التعاون بالقدرة على التغلب على مجموعة من القيود الفنية الداخلية بقدر ما يرتهن بتوفير الإرادة السياسية اللازمة. وهذا يقودنا إلى المستوى الثاني من القيود الداخلية.
ينصب المستوى الثاني على المشاكل العلمية والتكنولوجية لتطوير القدرة العربية وخاصة في بعدها العسكري الذي هو ترجمة للأبعاد الأخرى. وتستعين الدراسة في هذا الموضع لمنطلقات ونتائج إحدى الدراسات التي تناولت تشخيص القضية وأسبابها وعواقبها وسبل مواجتهتها[79]. وهنا يمكن الإشارة إلى ما يلي:
1-على عكس إسرائيل التي حققت الكثير من النجاحات في دخول المستوى الأعلى من التعامل مع التكنولوجيا، فإن العالم العربي لا يزال في معظمه يجاهد في دخول المستوى الأدنى. ويكاد يكون هناك إتفاق بين كافة الباحثين العرب في هذا المجال على تعمق التبعية التكنولوجية العربية خلال السبعينيات والثمانينيات رغم تنامي الطلب على التكنولوجيا، ورغم التنامي الكمي للقاعدة العلمية والمعرفية العربية، وانعكس هذا الوضع بقوة على مجال إنتاج واستيراد السلاح.[80]
2-إن الحديث عن المشاكل العلمية والتكنولوجية لتطور القدرة العربية وخاصة العسكرية والتي تنعكس الأن في شكل فجوة متسعة بين إسرائيل والعرب، إنما يثير قضية كلية وشاملة ومتعددة الأبعاد. وهى قضية تعكس عملية تاريخية كبرى لتحول المجتمعات. ومن ثم فإن البعد العسكري في المواجهة العربية-الإسرائيلية، لا ينفصل عن باقي أبعاد التحدي الحضاري بل يمكن القول إنه محصلتها. كما إن البعد التكنولوجي الفني هو البعد الذي تلتقي عنده باقي الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية سواء على مستوى الأسباب أو الحلول[81].
3-يرجع التخلف التكنولوجي العربي إلى مجموعة من الأسباب تتلخص في النقاط الآتية:
(أ)الضغوط الخارجية خلال فترة الاستعمار وما بعدها لإجهاض التجارب التنموية العربية بطرق مختلفة وفي ظل التأثيرات السلبية للنظام الاقتصادي العالمي.
(ب)فشل الوطن العربي بعد الاستقلال في تطوير علاقات للاعتماد المتبادل بين أقطاره في كافة المجالات بما فيها المجال التكنولوجي.
(جـ)استمرار محدودية فاعلية القاعدة العلمية العربية رغم اتساعها بعد الاستقلال.
(د)طبيعة الإنسان العربي وطبيعة المناخ المؤسسي السياسي والاقتصادي المحيط بهذا الإنسان الذي لا يوفر الحرية اللازمة للخلق والإبداع.
(ز)الانفصال بين البحث العلمي من جانب والعملية الإنتاجية من جانب آخر في حالة معظم مراكز البحث العلمي والجامعات العربية، فضلًا عن الانفصال الكبير بين القرار السياسي والاقتصادي المتعلق بالتكنولوجيا وبين المهام الموكلة لهذه المؤسسات[82]. ويرجع هذا في تصورنا إلى طبيعة النظم العربية وانعدام المشاركة الفعلية في وضع وتنفيذ السياسات العامة في المجالات المختلفة، فضلًا عن استنزاف قدر من الموارد في أنشطة غير إنتاجية، وخلو الخطط التنموية من سياسة علمية وتكنولوجية واضحة المعالم ومحدودة الأهداف تندمج في إطار الاستراتيجية القومية الشاملة.
4-وإذا كانت الفجوة التكنولوجية بين العرب وإسرائيل هى فجوة شاملة وليست عسكرية فقط، وإذا كانت آثارها بالنسبة لموازين القوى الاستراتيجية تعد آثارًا خطيرة وحاسمة على مستقبل الصراع العربي-الإسرائيلي، فلقد تعددت المحاولات والاجتهادات العربية حول أمرين: من ناحية الاستراتيجيات الملائمة لمواجهة هذه الفجوة على الصعيد العسكري، ومن ناحية أخرى: المتغيرات والعوامل طويلة الأجل وقصيرة الأجل التي يمكن أن تعالج أسباب ومظاهر التخلف التكنولوجي العربي بصفة عامة.
5-وعن الاستراتيجيات القائمة واللازمة تم طرح أربعًا[83]. الثلاث الأول هى:
استراتيجية تحديث البنية العسكرية؛ استراتيجية التصنيع الحربي والإحلال محل الواردات؛ استراتيجية حرق المراحل. وإذا كانت الأولى قامت على التطوير البشري والمادي الذي اقتضى استيراد الجانب الأعظم من السلاح، فإن الثانية حاولت التصنيع ولكنها قامت على أسس قطرية وظلت تعتمد على الخارج بدرجة كبيرة فضلًا عن تعرضها لعواقب الضعف الشديد في الإنفاق على برامج البحث والتطوير. وعلى العكس فإن الثالثة رأت –ومن أجل تجنب مصاعب الاستراتيجيتين السابقتين- الدخول مباشرة إلى مجال تكنولوجيات الثورة الصناعية الثالثة والذي يمكن التغلب على صعوباته المتعددة من خلال التنسيق العربي. أما الاستراتيجية الرابعة فهي ترفض منطق الاستراتيجيات السابقة التي ترى أن اللحاق بإسرائيل يتطلب تطوير جيوش عربية تحصل على الأسلحة نفسها التي تحصل عليها إسرائيل وتحقق درجة تقدمها التكنولوجي ذاتها. ومن ثم ترى أن المطلوب هو زيادة العدد في الجيوش العربية المحيطة بإسرائيل –وخاصة الجيش المصري- حتى يتجاوز عددها ثلاثة ملايين مقاتل مع تطوير عدد من التكنولوجيات المحدودة والممكنة محليًا لخدمة دخول هذا العدد في المعركة بالفعل إذا حانت لحظة المواجهة، مع التدريب المكثف الذي يؤكد عنصر السرعة والإراق البشري على نحو يكفل تحييد التفوق التكنولوجي الإسرائيلي.
وعلى ضوء هذه المحاور وعلى ضوء عناصر الرؤية العسكرية المصرية السابق توضيحها، وعلى ضوء واقع مجتمعات واستراتيجيات الدول العربية لا يبقى إلا الإشارة إلى بعض الضوابط التالية التي يجدر الانتباه إليها عند التفكير في كيفية مواجهة الفجوة النوعية بين العرب وإسرائيل:
أ-عكست رؤية القيادة العسكرية المصرية –كما سبق ورأينا- مضمون استراتيجيتي تحديث البنية العسكرية والتصنيع الحربي وإحلال الواردات. وفي المقابل اقترح البعض الآخر[84] لجوء العرب إلى الأسلحة الأشعاعية (كسبيل لمواجهة آثار الاشتراك الإسرائيلي في أبحاث المبادرة) وهو الاقتراح الذي يعكس بدوره مضمون استراتيجية حرق المراحل. وعلى ضوء الصعوبات التي تواجه هذه الاستراتيجيات الثلاث، فإن العديد من الاعتبارات العملية والعلمية تدفع البعض الآخر إلى النظر بعين الاعتبار إلى مدلولات الاستراتيجية التي تقوم على الاعتماد على الكم المدعم بالتكنولوجيات الفاعلة لهذا العنصر. وبالرغم من الاعتراف في هذا الموضع بأنه من غير الممكن –كما يقول البعض-[85] تصور أن القضية هى الاختبار أو الاعتماد الكامل على أي من الاستراتيجيات الأربع بمفردها حيث أن القضية الأساسية هى البحث في الصيغة المناسبة التي تحدد العلاقة بين الاستيراد والتصنيع، والتكنولوجيات البسيطة والتكنولوجيات المتقدمة، وحجم العنصر البشري الأمثل، ومن ناحية أخرى إن هذا التحديد يعد مسألة صعبة على ضوء غياب رؤية العسكريين العرب المنشورة التي توضح طريقة تفكيرهم في هذه الأمور. بعبارة أخرى –وكما يحذر أ.د.حامد ربيع-[86] فإن الفكر الاستراتيجي في الوطن العربي على قسط ضخم من التخلف. في حين أن دقة الفكر الاستراتيجي وقدراته على تخطي مشاكله، يمثل أحد عناصر القوة في الجانب الإسرائيلي. بعبارة أخرى أيضًا فإن القضية الحاسمة والخطيرة هى تحديد شكل القوة التقليدية وغير التقليدية العربية المستقبلية على ضوء استيعاب وفهم الفكر العسكري الإسرائيلي للتمكن من إعداد البديل العربي الملائم. وليس بالضرورة أن يكون هذا البديل العربي هو الأولويات الإسرائيلية نفسها –مثل التكنولوجيا- فربما يكون الأفضل هو توظيف التفوق الكمي العربي باستحداث التكنولوجيات الملائمة. وأيًا كان الأمر فالأهم هو أن يكون هناك فكر استراتيجي عسكري متكامل يعكس تركيب القوى العسكرية ويستجيب لاحتياجاتها على ضوء خصائص الوضع القائم وإمكاناته.
ب-إن قضية التحول من الكم إلى الكيف العسكري (ولو كاستجابة للاحتياجات العربية وليس كمجرد رد فعل للتطور التكنولوجي الإسرائيلي) هى قضية مجتمعية شاملة يجب أن تدرس من خلال التفاعل بين المؤسسات العسكرية والمدنية ولا تترك للعسكريين بمفردهم. فقضايا الاستعداد والتطوير العسكريين ليسا بمعزل عن المجتمع بأسره. فالقيادة التكنولوجية التي يجب أن يقوم بها القطاع العسكري لن تصبح حقيقة دافعة ما لم ترتبط بمجالات التطوير في النظام المدني حتى تتحقق أكبر كفاءة ممكنة عند استخدام الموارد الاقتصادية، والفصل القائم بين القطاعين العسكري والمدني يضعف من هذه الكفاءة ومن ثم يحول دون مواجهة التحديات الخارجية وعلى رأسها التحدي الإسرائيلي.[87]
بعبارة أخرى فإن أبعاد قضية ما يسميه البعض[88] “معضلات الاقتصاد السياسي للدفاع في الوطن العربي” تثير كثيرًا من التساؤلات وتقدم في الوقت نفسه بعض الإجابات حول الشكل المفترض للتفاعل بين القطاعات المدنية والعسكرية وكذلك نتائجه بالنسبة للاقتصاد القومي في مجموعه، وذلك على ضوء الجدل الذي يثور حول معضلة العلاقة بين الإنفاق العسكري والتنمية. وتظل هناك مقولة أو نتيجة هامة يجب إبرازها وهى “إن الانفاق العسكري في المجتمعات النامية يميل إلى أن يصبح عبئًا سالبًا على النمو الاقتصادي والاجتماعي، إلا إذا كان مقننًا من خلال سياسة دفاع تستنفر إرادة المجتمع وتندمج في استراتيجية شاملة للنمو والتقدم القائم عى أقصى درجة ممكنة موضوعيًا من الاعتماد على الذات”.
خلاصة القول –حول القيود التكنولوجية الفنية- هى أن الخيار التكنولوجي هو أساس بناء قوة الدولة المعاصرة التي هى أساس القوة السياسية والعسكرية، وهو الأمر الذي يتطلب إعادة بناء حقيقية تقوم على تعبئة وحسن استخدام الموارد المتاحة. إن الحديث عن مواجهة التحدي الإسرائيلي لا يمكن أن ينفصل عن عملية تحول جذري شاملة ومتكاملة الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، عملية تتولد عن عناصر للإرادة العربية بقدر ما ستعيد الحياة إلى عناصر القوة العربية الكامنة أو المهملة، فإنه من الخطأ النظر إلى القضية بمعيار القوى العسكرية المباشر فقط ولكن يجب أن ننظر إليها بمنظار التحدي الحضاري بكل أبعاده والذي يفرض علاج قضايا مجتمعية كثيرة، علاجات جذرية ستكون هى الأساس الذي ينبني عليه علاج الآثار السلبية لقيود وضغوط خارجية. فبالرغم من اقتناعنا بأن الحل لا بد وأن يأتي من الداخل بالأساس، إلا أنه لا يمكن أن ننكر –من ناحية أخرى- القيود والضغوط التي تمارسها عديد من الأطراف الخارجية. فإذا كان اتساع القاعدة العلمية الإسرائيلية هو الذي حقق لإسرائيل أفضل السبل للاستفادة من المساعدات الخارجية –وخاصة الأميركية- فإن متغيرات التخلف التكنولوجي العربي هى التي جعلت الدول العربية أسيرة سياسات تصدير السلاح، في حين أن المصادر الخارجية لهذا السلاح لا يمكن أن تصبح المصدر الأساسي والوحيد لسد الفجوة النوعية بين القدرات العربية والإسرائيلية، ولكن تظل القدرة الذاتية هى المنطلق الذي يساعد على تقليص الآثار السلبية للقيود الخارجية. فما هى إذًا هذه القيود؟
ب-القيود والضغوط الخارجية:
من هذه القيود والضغوط ما هو فني أو سياسي أو عسكري وهى تبرز جميعًا إتفاق وحرص أطراف خارجية مختلفة (القوتان الأعظم، والدول الكبرى المصدرة للسلاح وإسرائيل) على عدم إتاحة الفرصة الحقيقية أمام الدول العربية –ومصر بصفة خاصة- للحصول على القدر اللازم من القدرات العسكرية التي تساعد على مواجهة التحدي الإسرائيلي المتصاعد.
لقد مارست مختلف هذه القيود والضغوط تأثيراتها في إحداث الفجوة التقليدية والنووية والفضائية مؤخرًا بقدر ما مارست أيضًا تأثيراتها على درجة نجاح وفعالية استراتيجيات مواجهة هذه الفجوة السابق الإشارة إليها. ونظرًا لأنه من غير الممكن –في هذا الموضوع من الراسة- التعرض لكل أنماط هذه التأثيرات طوال الثمانينيات فسنكتفي بالإشارة إلى بعض النماذج الحديثة التي ثارت خلال السنوات الأخيرة والتي شاركت فيها القوتان الأعظم وإسرائيل أيضًا:
القيود والضغوط النابعة من السياسات الغربية بصفة عامة والأميركية بصفة خاصة: إن خبرة هذه السياسات تجاه المنطقة ومصر بصفة خاصة، تبين كيف أن مبيعات ومعونات السلاح المقدمة لدول المنطقة كانت تسعى لتعميق النفوذ الغربي ولكن مع الحفاظ في الوقت نفسه على أمن ووجود إسرائيل. وبعد “البيان الثلاثي” في العام 1951، ومشروع ايزنهاور” في العام 1957 للدفاع عن المنطقة، ثم قيود وحصار الستينيات ثم ضوابط السبعينيات في ظل تنويع مصادر السلاح المصرية والعربية، برزت في الثمانينيات مشاكل سياسات المعونات والديون العسكرية الأميركية لمصر وكذلك مشاكل التصنيع الحربي[89]. هذا فضلًا عن استمرار السبل المتعددة (الفنية، السياسية، الاقتصادية) من أجل إجهاض أو تقييد أو منع الخيار النووي المصري العسكري في البداية ثم السلمي المدني أيضًا.[90]
ويجدر التوقف في هذا الموضع عند مدلول السياسة الأميركية تجاه قضيتين من قضايا التسلح التي برزت واكتسبت أبعادًا متجددة في الثمانينيات وهما قضيتا سباق الصواريخ، والأسلحة الكيميائية.
(1) بالنسبة لسباق الصواريخ: نجد أنه في حين أعلنت إسرائيل –ولو بطريقة غير مباشرة- عن صاروخها “أريحا-1، 2″، وصعدت من هجومها على الصواريخ العربية تبلورت، مع توقيع “مذكرة التفاهم الاستراتيجي” في حزيران (يونيه) العام 1987 بين إسرائيل والولايات المتحدة (كما سبقت الإشارة)، المواقف الأميركية المتتالية:
أ-بيان البيت الأبيض قبل توقيع مذكرة التفاهم والذي حرص –كما سبقت الإشارة- إلى تأكيد الإلتزام الأميركي نحو أمن إسرائيل ودرء الخطر الصاروخي العربي عنها.
ب-تصريحات أميركية (“جينز ديفنس ويكلي” 2/7/1988، و”انترناشيونال هيرالدتريبون” 27/6/1988) تتخوف من سباق الصواريخ في المنطقة. في نفسه الذي أعلن فيه المصادر ذاتها، عن اكتشاف أمر خطة مصرية سرية لنقل التكنولوجيا الخاصة بوقود دفع الصواريخ ومادة إنتاج الهيكل الأمامي وطرق الإخفاء لتجنب الرادار ونظام الهوائي العامل بالموجات القصيرة جدًا.[91]
جـ-كان وزير الدفاع الأميركي خلال زيارته الأخيرة لمصر في تشرين الثاني (نوفمبر) العام 1988، والتي تزامنت نسبيًا مع زيارة عدد كبير من القادة العسكريين الفرنسيين والإيطاليين، قد حذر –كما نشر في الأهرام- من سباق الصواريخ والحرب الكيميائية والقدرة النووية في المنطقة، وطالب بالتوصل إلى إتفاق حول هذا الأمر. كما أشار إلى مناقشتة الولايات المتحدة لذلك الموضو مع الاتحاد السوفياتي والصين ودول أخرى.
د-وفي حين أعلن الرئيس الأميركي “بوش” –خلال زيارته للصين في شباط (فبراير) العام 1989 في أول زيارة رسمية له بعد توليه الرئاسة- إن أحد الموضوعات التي تم مناقشتها، هو كيفية منع تصدير الصواريخ المتوسطة المدى لدول الشرق الأوسط، نجد أن الأهرام المصرية نشرت في آذار (مارس) العام 1989 تصريحات لمصادر من الخارجية الأميركية بأن الولايات المتحدة تعتزم إجراء مباحثات منفصلة مع كل من مصر وإسرائيل حول وسائل الحد من انتشار الصواريخ المتعددة المراحل.
هـ-وأخيرًا يأتي الموقف الأميركي تجاه ما أعلن في أيلول (سبتمبر) عن اطلاق إسرائيل لصاروخ “أريحا” المعدل الذي سقط بالقرب من الساحل الليبي. ففي حين أعرب الاتحاد السوفياتي عن قلقه، وأثرت المصادر العربية الرسمية الصمت، وانكرت إسرائيل علمها بالموضوع، فإن وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين وإن أكدتا إطلاق الصاروخ، إلا أنهما لم تعربا عن أي موقف حول مغزى هذا الحدث. فإذا كانت إسرائيل قد أرادت أنتتفادى ضغوطًا خارجية فما الذي يفسر التجاهل الأميركي لهذا الحدث الذي يتحدى الإتفاق الودي بين الدول الغربية حول نظام السيطرة على تكنولوجيا الصواريخ الذي أعلنته الولايات المتحدة في نيسان (أبريل) العام 1987[92]، فهل هذا الإتفاق موجه ضد العرب فقط؟ كما كانت –من قبل- سياسات عدم الانتشار النووي في العالم الثالث التي تدافع عنها الولايات المتحدة، هى بدورها سياسات تمييزية بين طرف وآخر؟!.
(2) بالنسبة للسلاح الكيميائي: شهدت الشهور الأولى من العام 1989 تصاعد الحملة المكثفة ضد خطر هذه الأسلحة في منطقة الشرق الأوسط، وفي العالم بصفة عامة، وهى الحملة التي صاحبت، بل وسبقت انعقاد المؤتمر الدولي حول الأسلحة الكيميائية في باريس في كانون الثاني (يناير) العام 1989[93]. ونستطيع أن نكتشف مدلولات خاصة من وراء هذه الحملة ونتائج هذا المؤتمر وبعض التطورات التي صاحبتهما من خلال ما يلي:
أ-دأبت الأوساط الإسرائيلية الصحفية المختلفة خلال السنوات السابقة –وخاصة بعد ثبوت فعالية استخدام السلاح الكيميائي في الحرب العراقية الإيرانية- على التحذير من خطورة الأسلحة الكيميائية لدى مصر والعراف وسوريا. وتركزت هذه التحذيرات على سوريا بصفة خاصة. في الوقت نفسه الذي أثارت فيه التجربة العراقية في مواجهة إيران –منذ العام 1984- ضجة كبيرة أثرت على العلاقات العراقية-الأميركية ووجهت الأنظار من جديد إلى اتجاه بعض دول العالم الثالث نحو هذا السلاح الذي سمى “السلاح النووي للدول الفقيرة”.
ب-تصاعدت حدة الاتهامات الأميركية الموجهة ضد الجماهيرية الليبية بإقامة مصنع لإنتاج الأسلحة الكيميائية إلى حد المواجهة العسكرية المحدودة بين البلدين. ولم يكن غرض هذه المواجهة التي تزامنت وانعقاد المؤتمر الدولي للأسلحة الكيميائية، احتواء الحالة الليبية فقط ولكن توجيه رسالة لأطراف أخرى في المنطقة وفي غيرها التي تعمل على امتلاك هذه الأسلحة أو تطويرها.
جـ-ولم تستثن مصر من هذا الهجوم في خلال هذه الفترة. فلقد نشرت صحيفة “النيويورك تايمز” في 10 آذار (مارس) العام 1989 أنباء عن مصنع مصري للأسلحة الكيميائية. وبالرغم من أن هذه ليست المرة الأولى التي ينشر فيها المراقبون الإسرائيليون عن امتلاك مصر لأسلحة كيميائية حيث سبق وتناولت عدة تقارير أميركية في بداية الثمانينيات هذا الموضوع[94]، إلا أن توقيت الحملة الأخيرة كان له مغزى هام. فلقد وقعت خلال الجولة التي قام بها الرئيس “مبارك” في عدة دول أوروبية خلال شهر آذار (مارس) العام 1989 والتي كانت تهدف إلى تعبئة المساندة الاقتصادية لمصر بقدر ما تهدف إلى تحريك القضية الفلسطينية. ولقد اتفقت عديد من الأوساط العربية والغربية على أن مضمون وتوقيت هذه الحملة يهدف إلى عرقلة جهود السلام. وخاصة مع تأكيد الرئيس “مبارك” أن مصر لا تعتزم بناء مصنع للأسلحة الكيميائية بل إنها تطالب بإزالة هذه المصانع ومصانع الأسلحة النووية من المنطقة.[95]
وبالرغم من إبراز وسائل الإعلام العربية والأجنبية للنفي القاطع للرئيس “مبارك –والذي سبق وأوضحه قبل عامين وزير الدفاع المصري-[96] إلا أن الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية في رده على سؤال حول الموضوع لم يشر إلا إلى أن مصر والولايات المتحدة تتشاوران من آن لآخر وبشكل وثيق حول موضوع انتشار الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والنووية، وإلى أن الولايات المتحدة تنظر إلى موضوع إنتاج الأسلحة الكيميائية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل على أنها “مشكلة عالمية”[97].
ومن ناحية أخرى تجدر الإشارة إلى أن هذه الحملة –على اعتزام مصر بناء مصنع للأسلحة الكيميائية- قد تزامنت مع تردد أنباء في صحف عربية ومصرية خلال شهر آذار (مارس) العام 1989 أيضًا، حول تعاون عراقي-مصري لإعادة بناء المفاعل النووي العراقي، وهو الأمر الذي كذبه رسميًا وزير الكهرباء المصري في خبر مقتضب نشر في “الأهرام” خلال الشهر نفسه. هذا وكانت قد ظهرت أيضًا –في صحف أميركية –كما نشر في الأهرام- حملة حول احتمالات “البعد النووي العربي”. وهذه الحملة سبقت أيضًا زيارة الرئيس “مبارك” للولايات المتحدة في نيسان (أبريل) 1989 من ناحية، وتمت خلال زيارة الملك فهد لمصر من ناحية أخرى، ث تلاها –من ناحية ثالثة- إعفاء المشير “أبو غزالة” من مهامه كوزير للدفاع المصري. وهو الأمر الذي تعددت تفسيراته وكان من بينها أنه كان استجابة لضغوط أميركية بسبب مشروع الصواريخ المصرية والتعاون المصري-العراقي في هذا المجال. وتتأكد مدلولات هذه الأحداث على ضوء المقارنة بين موقف الجانب المصري-العربي والعالم الثالث بصفة عامة وبين الموقف الأميركي خلال مؤتمر الأسلحة الكيميائية في باريس[98]. فلقد سعت الولايات المتحدة لتجريم وفرض قيود عالمية على إنتاج وتخزين الأسلحة الكيميائية لدى الدول الصغرى، في الوقت نفسه الذي رفضت الربط بين نزع السلاح النووي والسلاح الكيميائي. وفي المقابل حرصت مصر والدول العربية ودول العالم الثالث بصفة عامة، على تأكيد ضرورة هذا الربط. ولعل هذا الانقسام يفسر النتائج المتواضعة للمؤتمر التي لم تعد تأكيد مباديء سابقة حول “منع الاستخدلم” وليس “منع الإنتاج وتخزينه”.
إن محاول الربط بين هذه الأحداث على صعيدي قضية الصواريخ والسلاح الكيميائي، لتوضح لنا عدة حقائق حول الموقف الأميركي: استهداف السياسة الأميركية الإبقاء على احتكار إسرائيل بمفردها لأسلحة الدمار الشامل وسبل نقلها وإيصالها بعيدة المدى؛ التحذير دائمًا من مخاطر الأسلحة العربية المستحدثة وعدم الإشارة إلى نظائرها الإسرائيلية؛ عدم مساعدة الأطراف العربية في تطوير قدرات عسكرية فاعلة مناظرة للإسرائيلية بل وعدم التردد في إجهاض بعض محاولات هذا التطوير؛ ممارسة ضغوط مباشرة وغير مباشرة –سياسية واقتصادية- للحيلولة دون تطوير برامج عسكرية محددة. وما زالت خبرة الموقف الأميركي تجاه الخيار النووي المصري تقدم المزيد من المدلولات إلى جانب المدلولات السابقة حول تأثير القيود والضغوط الخارجية على إمكانات تطوير بدائل الردع المصرية-العربية. ومهما قيل عن مسؤولية القدرات العلمية الإسرائيلية أساسًا عن تطوير بدائلها، فإن مسؤولية دعم هذه القدرة ورفض الضغط عليها للانصياع إلى الضوابط الدولية، تظل ملقاة على الولايات المتحدة التي ما زالت ترى أن منع الطرف العربي من حيازة قدرات الردع التقليدي أو فوق التقليدي يعد هدفًا أساسيًا من أجل استقرار السلام (وفق المنظور الأميركي والإسرائيلي بالطبع).
الضغوط النابعة من السياسات الإسرائيلية: يمكن ادراك طبيعة هذه الضغوط على ضوء عنصر أساسي من عناصر الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية التقليدية والنووية على حد سواء ألا وهى: الحيلولة دون حدوث تطورات جذرية نوعية في الكيف العربي حفاظًا على التفوق الإسرائيلي لأن حدوث مثل هذه التطورات على الجانب العربي –والمصري بصفة خاصة- تنطوي على مخاطر جسيمة بالنسبة لأمنها.
هذا ويمكن الربط بين هذا العنصر وبين السياسات الأميركية التي تبني حساباتها في المنطقة على الاستعانة بالورقة الإسرائيلية. كذلك يمكن فهم تطبيقات هذا العنصر على ضوء خبرات عديدة في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي. حيث تنوعت –عبر فترات مختلفة- أدوات السياسة الإسرائيلية ما بين ضغوط غير مباشرة (ضد الخبراء الألمان في مصر خلال الستينيات)؛ الأعمال العسكرية المباشرة (ضرب المفاعل النووي العراقي)؛ الحملات الإعلامية المكثفة (كما حدث في حالة الصواريخ العربية والأسلحة الكيميائية)، ناهيك عن أساليب الضغوط السياسية والفنية المباشرة، بواسطة القوى الصهيونية، لمنع نقل التكنولوجيا والسلاح المتطور من الدول الكبرى[99].
وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى ما نشر مؤخرًا [100]عن تهديد إسرائيل بضرب أية جهود عراقية جديدة في المجال النووي. كما نشر أيضًا[101] عن خطة أمنية إسرائيلية لعرقلة المشروع المصري-العراقي لتطوير الصواريخ بعيدة المدى. وهى الخطة التي تتضمن ممارسة الضغوط على الشركات الأوروبية التي تساند الدولتين في مشروع التطوير بإمدادها بالمواد التكنولوجية والخبرات الفنية، وهى الخطة التي نجحت –نقلًا عن المصدر الناشر- في إقناع الولايات المتحدة بفرض قيود جديدة على بيع وتصدير مكونات تكنولوجية تستخدم في إنتاج هذه الصواريخ.
احتمالات المصادر السوفياتية: قام الاتحاد السوفياتي بدور أساسي في دعم القوة العسكرية المصرية في الفترات التي تعرضت فيها لحصار وقيود المعسكر الغربي. وساعد على ذلك توجه ومسلك السياسة الخارجية المصرية خلال الخمسينيات والستينيات، حتى منتصف السبعينيات. ومع ذلك فلقد ظل لهذا الدعم حدوده وضوابطه التي تحكمها –ليس بالنسبة لمصر فقط ولكن لعدد آخر من الدول العربية وخاصة سوريا والعراق –اعتبارات التوازن والمواجهة الشاملة مع القوة العظمى الأخرى في المنطقة.
ومن ثم فإنه مع استرجاع عناصر موقف الاتحاد السوفياتي من الخيار النووي العربي (والمصري)[102]، يمكن أن نتصور حدود الإمكانات الفعلية لحصول العرب “على الأسلحة الأشعاعية” التي يتصور البعض[103] محاولة الحصول عليها كرد فعل على نتائج اشتراك إسرائيل في “المبادرة”. فإنه من المعروف عن السوفيات إحجامهم عن تصدير آخر ما تقدمه ترسانتهم من البحوث العسكرية والإنتاج الحربي إلى أصدقائهم في العالم الثالث. ومن ناحية أخرى فإن ضوابط إمداد السوفيات لسوريا بالصواريخ توضح ما ستواجهه مصر –أيضًا- من حدود حتى ولو أفترضنا عودتها إلى مصادر السلاح السوفياتي (وهو افتراض يصعب تصور تحقيقه في الأجل القصير على الأقل)، مهما قيل عن اتساع نطاق مناورة نظام “مبارك” بالمقارنة بنظام “السادات”، ومهما ثارت التوقعات والاحتمالات حول مستقبل العلاقة بين القوتين الأعظم في المنطقة في ظل الانفراج الجديد.
خلاصة القول إن هذه النظرة السريعة والموجودة حول آثار بعض القيود واحتمالاتها تقودنا في النهاية إلى طرح التصورات التالية عن بعض البدائل: إعداد الخطط المحكمة لكيفية الاستعانة بما يعرف بالتسرب التكنولوجي أو الجاسوسية العلمية؛ تخطيط كيفية تحييد أثر الضغوط الإسرائيلية على المؤسسات العلمية والتجارية الأوروبية والأميركية؛ الاستمرار في توسيع نطاق شبكة العلاقات مع الاتحاد السوفياتي كي يكون مصدرًا لوسائل تطوير أساسية أو ثانوية؛ تدعيم الاتجاه نحو التعاون مع بعض دول العالم الثالث ذات القدرات التكنولوجية المتطورة مثل البرازيل والهند والأرجنتين؛ محاولة توظيف التعدد الحالي في مراكز القوة العالمية والذي أبرز على الساحة دور اليابان والصين.
ومع ذلك يجدر الانتباه إلى أن القدرة على تنفيذ هذه التصورات يرتهن بأطر العلاقات السياسية بين مصر وأطراف عربية أخرى وبين هذه الأطراف الخارجية المختلفة من ناحية، كما يرتهن من ناحية أخرى، بقدرة الدول العربية على التنسيق من أجل توزيع الأدوار لتحقيق أهداف محددة مسبقًا، كما يرتهن أخيرًا بتطوير القدرات البحثية والعلمية العربية في إطار عملية تطوير اقتصادية وسياسية واجتماعية جذرية للداخل. وذلك لأن القدرة على التغلب على أو تحييد أو تقليص آثار القيود السلبية النابعة من النظام الدولي، لن تتحقق على النحو الذي يساعد على مواجهة التحدي الأميركي إلا انطلاقًا من قاعدة قوة ذاتية مصرية عربية تخدم متطلبات رؤية عسكرية استراتيجية خلافة عن كيفية مواجهة التحدي الإسرائيلي من خلال تعبئة وتوظيف عناصر القوة العربية الحقيقية في تكاملها وليس من خلال مجرد التطوير الشكلي للبناء العسكري منفصلًا عن البناء الكلي للأمة.
*****
الهوامش:
[1] أتقدم بالشكر للأساتذة باكينام الشرقاوي، محمد كمال، محمد شوقي المعيدين بقسم العلوم السياسية، وأ.محمد عاشور طالب الدراسات العليا، لمساعدتهم في توثيق المادة العلمية التي تم الاستعانة بها في إعداد هذه الدراسة.
[2] أستاذ مساعد العلوم السياسية –كلية الاقتصاد والعلوم والسياسية- جامعة القاهرة.
[3] -Bahgat Korany, Ali E. Hilal Dessouki, <
[4] ستقتصر الدراسة على النموذج المصري ولن تتسع إلى خبرات القدرات العربية العسكرية الأخرى.
[5] د.عبد المنعم سعيد، لواء متقاعد أ.ح طلعت مسلم، “التحدي العسكري الإسرائيلي في المستقبل: معادلة الكيف والكم”، بحث مقدم إلى المؤتمر العربي الثاني “النظام العربي في بيئة دولية متغيرة”، (القاهرة: 8-10 كانون الثاني/يناير 1989)، ص ص 7،8، ص ص 11،12، ص ص 15-16، ص 28.
[6] التقرير الاستراتيجي العربي 1986، ص ص 394-408.
[7] د.محمد قدري سعيد، “مستقبل الردع التقليدي في المواجهة العربية الإسرائيلية”، السياسة الدولية، نيسان (أبريل)، 1988.
[8] د.عبد المنعم، لواء أ.ح طلعت مسلم، مصدر سابق.
[9] د.أسامة الغزالي حرب، مستقبل الصراع العربي-الإسرائيلي، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1987)، ص 221، ص ص 19-22.
-يزيد صايغ، “القوة العسكرية الإسرائيلية في الثمانينيات: نظرة إجمالية”. شؤون فلسطينية، أيار (مايو) 1985، ص ص 23-25.
-جمال الدين حسين، “التغيرات الاستراتيجية في القوة الإسرائيلية بعد أكتوبر 1973″، الدفاع 27/10/1988، ص 28.
-Anthony H. Cordesman. <
[10] انظر حول هذا التطور ما يلي:
-Bruce R Kuniholm, <
-Fred J.Khouri, <
-Naseer H. Aruri, <
-Adam M.Garfinkle, <
[11] Bruce Kuniholm. Op. Cit
[12] د.إسماعيل صبري مقلد، الصراع الأميركي-السوفياتي حول الشرق الأوسط، (الكويت: منشورات ذات السلاسل، 1986) ص ص 490-496.
-د.هيثم الكيلاني، “الاستراتيجية الأميركية في الجزيرة العربية-مكانة إسرائيل ودورها العضوي الثابت”، شؤون فلسطينية، العدد 185، آب (أغسطس) 1988، ص ص 48-72.
[13] أمين هويدي، لعبة الأمم في الشرق الأوسط: نحن وأميركا وإسرائيل، (القاهرة: دار المستقبل العربي، 1984)، ص ص 228-232، ص ص 251-273.
[14] -Mazher Hamed, <
-سيف الدين الدريني، “مذكرة التفاهم الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل”، شؤون فلسطينية، العدد 125، نيسان (أبريل) 1982، ص ص 33-35.
-د.عمر الخطيب، “العلاقات الأميركية-الإسرائيلية في ظل التعاون الاستراتيجي”، شؤون عربية العدد 36 شباط (فبراير) 1984، ص ص 102-128.
-عبد الحفيظ محارب، “التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل ووجهات النظر الإسرائيلية تجاهه”، الفكر الاستراتيجي العربي، العدد 3، 1982، ص ص 45-66.
-أمين هويدي، مصدر سابق، ص ص 251-273.
[15] سيف الدين الدريني، مصدر سابق.
[16] عمر الخطيب، مصدر سابق.
[17] حول هذه التطورات، انظر:
-د.نادية محمود مصطفى، “القوتان الأعظم والعالم الثالث”، الفكر الاستراتيجي العربي، العددان 17-18 تموز (يوليو) تشرين الأول (أكتوبر) 1986، ص ص 180-182، 184-187، 190-192، 196-198.
-John Spanier, Games Nations Play, (U.S.A: Praeges, 1978), pp. 166-180, pp. 185, 186.
-G.kegly, E. Wittkopf, World Politics: Trends and Transformations, 1981, pp. 337-39, pp, 409-415.
-Lean Sloss, Marc Dean Millot, <
-د.إسماعيل صبري مقلد، الاستراتيجية والسياسة الدولية، الطبعة الثانية (بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية 1985)، ص ص 112-117، 121-123، 156-159، 144-146.
[18] من الأدبيات التي تعرض لهذه الأمور، انظر على سبيل المثال:
-Gerome Slaterm, David Goldfischer, <
-Fred S.Hoffman, <
-Rodney Jones, Steven Hildreth, <
-David B.Rivkin, J.R, <
-أقطاب العلماء الأميركيين، مبادرة الدفاع الاستراتيجي: حرب الفضاء، دراسة تحليلية لأسلحة واستراتيجيات حرب الفضاء، ترجمة أ.د.محمد أسعد عب الرؤف (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1988)، ص ص 163-178.
-نازي ريشاني، استراتيجية حرب النجوم: إمكان تحقيقها”، الفكر الاستراتيجي العربي، العددان 15-16 كانون الثاني (يناير)-نيسان (أبريل) 1986، ص ص 279-281.
.[19] د.محمد السيد سعيد، “حرب الكواكب بين أميركا وإسرائيل”، )في): محمود أمين العالم (اشراف)، مستقبل الصراع العربي الصهيوني (القاهرة: دار الثقافة الجديدة، سلسلة كتب قضايا فكرية، الكتاب السابع، تشرين الأول/أكتوبر 1988)، ص ص 119، 120.
[20] تجدر الإشارة إلى أن مدلول المبادرة بالنسبة لإنهاء نظام الردع لمتبادل لصالح دفاع أميركي فاعل لا ينفصل عن هذا المدلول بالنسبة لساحة العالم الثالث. فإن تزايد الشعور الأمني الأميركي في مواجهة الاتحاد السوفياتي قد يصاحبه مزيد من السياسات التدخلية الأميركية في مناطق العالم الثالث. أي إن الأهداف العسكرية الشاملة إنما تخدم بدورها أهدافًا عسكرية على مسارح محددة.
[21] عوديد ليفشيتسن، “حرب الكواكب والتقصير الإسرائيلي”، (في): أ.أيلون وأخرون، الثابت والمتغير في الاستراتيجية الإسرائيلية، ترجمة المنار للصحافة والنشر المحدود، قبرص، تقديم يزيد صايغ، 1986.
[22] Michal Mecham, <
[23] Steven Spiegel, <
[24] بسام العسلي، “تطور الأسلحة الأميركية وتجربة الحرب: إسرائيل كمختبر السلاح، والجيش الإسرائيلي كذراع المستقبل لأميركا”، الدفاع العربي، تشرين الثاني (نوفمبر) 1986.
[25] د.محمد السيد سعيد، مصدر سابق، ص ص 124، 125.
[26] انظر في هذا الصدد:
-د.عبد المنعم سعيد، لواء أ.ح طلعت مسلم، مصدر سابق.
-د.قدري سعيد، مصدر سابق، ص ص 253-255.
-د.محمد السيد سعيد، مصدر سابق، ص 117.
-د.عوديد ليفشيتسن، مصدر سابق.
[27] انظر على سبيل المثال:
-د.محمد السيد السعيد، مصدر سابق.
-د.قدري سعيد، مصدر سابق، ص 255.
-“اشتراك إسرائيل في مبادرة الدفاع الاستراتيجي الأميركية”، مجلة الدفاع العربي. العدد2، تشرين الثاني (نوفمبر) 1986، ص 20.
-د.غسان الجندي، “أميركا والحلفاء وحرب الفضاء”، السياسة الدولية، كانون الثاني (يناير) 1986، ص ص 192-195.
[28] انظر على سبيل المثال: بعض النماذج العبرية المترجمة إلى العربية، والمنقولة عن بعض المصادر (غير المنشورة):
-ييعوت أحرونوت، 17/6/1988، 23/7/1988.
-دافار، 2/1/1988، 1/2/1988.
-هارتس، 22/6/1988، 5/7/1988.
-معاريف، 8/5/1988، 8/6/1988.
[29] انظر على سبيل المثال:
-Avram Schweitzer, <
-Emanuel A. Winstan, <
-Robert R.Ropelewski, <
[30] حول بداية تبلور الظاهرة وتصاعد ظهورها في عدد من الدول (وخاصة في الشرق الأوسط) التي سعت إلى إنتاجها أو حيازتها بمساعدة دول الشرق والغرب على حد سواء، وحول مخاطر وعواقب انتشارها وخاصة مع احتمالات حملها رؤوسا نووية أو كيميائية أو بيولوجية، وحول متطلبات إنتاجها محليًا وصعوباته سواء المتعلقة بالتعاون مع مصادر خارجية أو بالقدرات الذاتية، انظر على سبيل المثال:
Maurice Eisentein, <
وانظر أيضًا:
-مجدي علي عبيد، “الصواريخ الباليستيكية أرض-أر في الشرق الأوسط: المنشأ والتطور”، في هذا العدد من الفكر الاستراتيجي العربي. (رئيس التحرير).
[31] لمعرفة تفاصيل هذه الصفقة انظر:
سعد فاعور، “التسلح السعودي 1980-1987، الجزء الثاني: التسلح البحري والجوي”، الفكر الاستراتيجي العربي، العدد 29 تموز (يوليو) 1989، ص ص 119، 120 (رئيس التحرير).
[32] يزيد صايغ، “الشؤون العسكرية الإسرائيلية: تطورت بأبعاد استراتيجية”، شؤون فلسطينية، العدد 184، تموز (يوليو) 1988، ص ص 75، 76.
وحول الصوراريخ السورية انظر على سبيل المثال:
Paul Giniewski, <
وحول الصواريخ السعودية انظر على سبيل المثال:
-خالد زكريا السرجاني، “صفقة الصواريخ الصينية والتهديد الإسرائيلي للسعودية”، السياسة الدولية، تموز (يوليو) 1988.
-سعد فاعور، “التسلح السعودي 1980-1987. الجزء الثاني: التسلح البحري والجوي”، الفكر الاستراتيجي العربي، العدد 29 تموز (يوليو) 1989، ص ص 119، 120. (رئيس التحرير).
[33] د.عبد المنعم سعيد، لواء أ.ح طلعت مسلم، مصدر سابق، ص 15.
[34] عوديد ليفشيتسن، مصدر سابق.
[35] د.قدري سعيد، مصدر سابق، ص 255.
[36] -د.محمد السيد السعيد، مصدر سابق، ص ص 127، 128.
د.عبد المنعم سعيد، لواء أ.ح طلعت مسلم، مصدر سابق، ص ص 15، 16.
-عوديد ليفشيتسن، مصدر سابق.
-زئيف شيف، “مغامرة أم فرصة”، هارتس، 30/11/1987
-دان أركين “الدور الإسرائيلي في حرب الكواكب”، معاريف، 20/3/1987
[37] -عوديد ليفشيتسن، مصدر سابق، ص 189.
-بسام العسلي، مصدر سابق.
-سلامة أحمد سلامة، “من الطائرة لافي إلى الصاروخ أريحا-3″، الدفاع، العدد.4، أيلول (سبتمبر) 1987.
-شموئيل مائير، “الصواريخ السورية؛ إعادة نظر”، هارتس، 12/7/1987
-زئيف شيف، مصدر سابق.
-Avran Schweitzer, Op. Cit., p. 7.
[38] محمد عبد السلام، “المتغيرات الجديدة في الاستراتيجية النووية في الشرق الأوسط”، السياسة الدولية، تموز (يوليو) 1987، ص ص 266، 267.
[39] د.قدري سعيد، مصدر سابق، ص 250.
[40] حول هذه التفاصيل انظر على سبيل المثال:
-تطور العقيدة العسكرية الإسرائيلية خلال 35 عامًا: ترجمات مختارة من مصادر عبرية، إعداد سمير جبور، (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1983)، ص ص 53-66.
-عميد أ.ح حمدي زايد، “المفهوم الإسرائيلي للردع”، الدفاع، 18/1/1988، ص ص 63-66.
-عميد أ.ح وصفي محمد نور الدين، “تطور العقيدة والعسكرية الإسرائيلية نتيجة حرب أكتوبر”، الدفاع، 15/10/1987، ص ص 74، 75.
-لواء أ.ح محمود خليل، “الأمن القومي العربي المصري وحرب أكتوبر دراسة نظرية وتطبيقية”، (رسالة دكتواره غير منشورة. أكاديمية ناصر العسكرية العليا، 1985) ص ص 242-269.
-جميل عائد الجبوري، الحرب الوقائية في استراتيجية إسرائيل العسكرية، (القاهرة: معهد البحوث والدراسات العربية، 1977)، ص ص 102-106، ص ص 111-116، ص ص 139-147.
[41] انظر على سبيل المثال:
-Mark Gaffney, <
-د.تيسير الناشف، “التهديد النووي الإسرائيلي”، المستقبل العربي، أيلول (سبتمبر) 1987.
-سشاي فيلدمان، الخيار النووي الإسرائيلي، ترجمة غازي السعدي (دار الجليل للنشر، 1984).
[42] حسين آغا وأخرون، القوة العسكرية الإسرائيلية، (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر ومركز العالم الثالث للدراسات والنشر، 1982) العدد، ص ص 83-105.
[43] د.عبد المنعم سعيد، “استراتيجية إسرائيل النووية”، شؤون عربية، أيلول (سبتمبر) 1984.
[44] د.حامد ربيع، “مصر والحرب القادمة: السلاح النووي وتطور العقيدة القتالية الإسرائيلية”، الحلقة الثامنة، الوفد، 17/8/1989.
[45] د.حامد ربيع، “مصر والحرب القادمة: الدول العربية تستخدم الأسلحة التقليدية في تدمير السلاح النووي الإسرائيلي”، الحلقة التاسعة، الوفد، 31/8/1989.
[46] د.قدري سعيد، مصدر سابق، ص ص 253-256.
انظر أيضًا:
-د.قدري سعيد، “مستقبل القوة التقليدية: التكنولوجيا وفن الحرب”، التقرير الاستراتيجي العربي 1988 (القاهرة: مؤسسة الأهرام، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، 1989).
[47] أفنير يانيف، “الردع التقليدي الإسرائيلي: إعادة تقييم”، (في): لويس رينيه بيرليس (محرر): الأمن الإسرائيلي ومعركة الأرمجدون: الاستراتيجية النووية الإسرائيلية. ترجمة مركز الدراسات الاستراتيجية والعسكرية، القاهرة، حزيران (يونيه) 1987.
[48] حول احتمالات وعواقب إطلاق القمر الاصطناعي الإسرائيلي انظر:
-حمدي الشامي، “النتائج الاستراتيجية الخطيرة لإطلاق القمر الإسرائيلي”، الشعب، العدد 463، 11/10/1988.
-د.محمد حلمي مراد، “لا ياسيادة الرئيس: اطلاق القمر الإسرائيلي له دلالته ومقتضياته” الشعب، العدد 463، 11/10/1988.
-“إسرائيل بدأت عسكرة الفضاء في الشرق الأوسط”، الأحرار، 26/9/1988.
-أحمد نافع، “مسؤولية العرب بعد إطلاق القمر الإسرائيلي”، الأهرام، 7/10/1988.
-طلعت أحمد مسلم، “القمر الصناعي الإسرائيلي”، الأهرام، 28/9/1988.
[49] عوديد ليفشيتسن، مصدر سابق، ص ص 189-199.
[50] أفنير يانيف، مصدر سابق، ص ص 90-98.
[51]العميد أمنون شاحال، “إسرائيل والشرق الأوسط عام 2000″، تقرير عن أهم ما ورد في محاضرة شاحال –مدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية- بمعهد ديفيس للعلاقات الدولية التابع للجامعة العبرية (1986). (غير منشور).
[52] بهي الدين حسن، “إسرائيل الذراع الطويلة: السياسة الاستعمارية الجديدة”، المنار، عدد 242، حزيران (يونيه) 1988، ص ص 72-79.
[53] حسين آغا وآخرون، بعض مسائل الصراع العربي-الإسرائيلي (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1982) سلسلة الدراسات الاستراتيجية، العدد 1، ص ص 120-121.
[54] Duncan Clarke, Alan Cohen, <
[55] عوديد ليفشتيسن، مصدر سابق، ص ص 195-199.
[56] حول ردود الفعل السوفياتية تجاه القدرة النووية الإسرائيلية، انظر على سبيل المثال:
Lawrence Fredman, <
[57] عوديد بينون، “استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات”، (في): تطور العقيدة العسكرية الإسرائيلية خلال 35 عامًا، مصدر سابق، ص ص 86-100.
[58] سلامة أحمد سلامة، مصدر سابق، ص 8.
[59] تم انتقاء بعض هذه التصريحات من أرشيف جريدة الأهرام في الفترة من تشرين الثاني (نوفمبر) 1985 إلى آذار (مارس) 1989. ولا يمكن الادعاء بالطبع أنها تمثل كل التصريحات –داخل مصر وخارجها- في هذه الفترة.
[60] الأهرام، 14، 15/ 3/ 1989.
[61] مايو، 9/6/1986.
[62] الأهالي، 19/8/1987.
[63] الأخبار، 30/3/1988.
[64] الأهرام، 7/10/1988.
-حديث لوكالة أنباء الشرق الأوسط، 24/3/1988.
[65] أكتوبر، 9/10/1988.
[66] حديث لوكالة أنباء الخليج، 28/9/1988.
[67] انظر على سبيل المثال:
نص حديثه أمام لجنة الدفاع والأمن القومي في المؤتمر الرابع للحزب الوطني والذي نشرته الأخبار في 23/7/1986، وفي مفتطفات من أحاديثه في احتفالات تخريج دفعات من البحرية والطيران والحربية في 15، 20، 21/7/1987 على التوالي.
[68] الأهرام، 29/12/1988.
[69] الأهرام، 22/6/1988.
[70] المصر، 13/5/1988.
[71] المصدر نفسه.
[72] الأخبار، 9/10/1988.
[73] الأخبار، 7/10/1988.
[74] حديث لوكالة أنباء الشرق الأوسط، 26/12/1988.
[75] الدفاع، كانون الأول (ديسمبر) 1988.
[76] د.أسامة الغزال حرب، مصدر سابق، ص ص 23-26، ص 221.
[77]المصدر نفسه، ص ص 40-42، ص 223.
[78] انظر على سبيل المثال:
-د.عبد المنعم المشاط، “الأزم الراهنة للأمن القومي العربي”، الفكر الاستراتيجي العربي، العددان 6-7 كانون الثاني (يناير) أيار (مايو) 1983، ص ص 180-183.
-لواء د.كمال عبد الحميد، “القوة الذاتية العربية: كيف؟ ومتى؟”، الدفاع العربي، شباط فبراير 1988، ص 26-28.
-لواء د.نبيل أحمد إبراهيم، “الصناعة العربية والأمن العربي”، المنار، العدد 39/40 آذار (مارس)-نيسان (أبريل)، 1988.
-لواء حسن البدري، “في الوحدة والتعاون العسكري العربي”، المستقبل العربي، العدد 1، 1980.
[79] د.عبد المنعم سعيد، لواء أ.ح طلعت مسلم، مصدر سابق.
[80] المصدر نفسه، ص ص 5-11.
[81] المصدر نفسه، ص ص 3،4.
[82] المصدر نفسه، ص ص 31-34.
[83] المصدر نفسه، ص ص 22-30.
[84] د.محمد السيد سعيد، مصدر سابق، ص ص 129-131.
[85] د.عبد المنعم سعيد، لواء أ.ح. طلعت مسلم، مصدر سابق، ص ص 30-31.
[86] أ.د.حامد ربيع، مصدر سابق.
[87] د.عبد المنعم سعيد، لواء أ.ح. طلعت مسلم، مصدر سابق، ص ص 35-37.
[88] د.محمد السيد سعيد، “معضلات الاقتصاد السياسي للدفاع في الوطن العربي”، (في): كتاب المؤتمر الاستراتيجي العربي الأول (القاهرة: مؤسسة الأهرام، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، 1988)، ص ص 193-196، ص ص 215-217.
[89] من الأدبيات الغربية عن مشاكل الثمانينيات انظر على سبيل المثال:
-William Quandt, <
وعن رؤية بعض تيارات المعارضة المصرية لهذه المشاكل أيضًا انظر على سبيل المثال:
-أحمد عز الدين، “ماذا يريد البنتاغون من مصر”، صوت العرب، 19/4/1987.
-“ملف العلاقات المصرية-الأميركية: أكذوبة التسليح الأميركي لمصر”، صوت العرب، 3/5/1987.
-“العلاقات المصرية-الأميركية: التعليقات والنتائج”، صوت العرب، 28/6/1987.
[90] د.نادية محمود مصطفى، “السياسة المصرية والخيار النووي”، الفكر الاستراتيجي العربي، العدد 30 تشرين الأول (أكتوبر) 1989، ص ص 59-74.
[91] نقلًا عن: يزيد صايغ، “الشؤون العسكرية الإسرائيلية”، مصدر سابق، ص 76.
[92] طلعت مسلم، “الاتجاه بنغازي والهدف الرياض”، الأهرام، 27/9/1989.
[93] حول الدول المالكة لهذه الأسلحة واتجاهات التحديث والتطوير والقيود الدولية على استخداماتها ومستقبلها، انظر على سبيل المثال:
-مجدي علي عبيد، “الأسلحة الكيميائية بين الاستخدام والتحريم”، السياسة الدولية، نيسان (أبريل) 1989، ص ص 223-238.
[94]
[95]
[96]
[97]
[98] انظر:
– مجدي علي عبيد، مصدر سابق، ص ص 233، 234.
– “موقف موحد لمصر والعرب ومجموعة عدم الانحياز في مؤتمر باريس: نزع السلاح الكيميائي لا ينفصل عن نزح السلاح النووي”، الوفد، 12/1/1989، ص 6.
[99] حسين أغا وآخرون، مصدر سابق، ص ص 83-105.
[100] الأهرام، نيسان (أبريل) 1989.
[101] الوفد، 11 أيار (مايو) 1989.
[102] د. نادية محمود مصطفى، مصدر سابق.
[103] د. محمد السيد السعيد، “حرب الكواكب بين أمريكا وإسرائيل” مصدر سابق، ص ص 129، 130.
مجلة الفكر الاستراتيجي العربي، أبريل 1990
للتحميل اضغط هنا