إيران واستمرار الضغوط الأمريكية، واختبار العلاقات الأمريكية الأوروبية

مقدمة:

تعد الأزمة النووية الإيرانية منذ عقود مضت واحدة من أكثر القضايا الإقليمية إثارة للجدالات وللمخاوف (الأمنية، والسياسية، والاقتصادية)، ليس على مستوى فاعلي الشرق الأوسط وقواه الإقليمية وحسب، وإنما على مستوى القوى الكبرى كذلك. ذلك نظرًا لما تمثله إيران من مصدر للنفط عالميًا، فضلا عن نفوذها السياسي والعسكري الذي تستطيع من خلاله ضرب الاستقرار الإقليمي والإضرار بمصالح قوى عدة (وهكذا تفعل عبر سياسات تصعيدية متواصلة)، لاسيما إذا تلاعبت بالممرات المائية.

وقد اتسم عام 2020 بتكثيف سياسة الضغوط القصوى التي تتبعها إدارة ترمب إزاء إيران، والتي تضمنت عقوبات اقتصادية، وقيودَ سفر على كبار الدبلوماسيين الإيرانيين في الأمم المتحدة، فضلا عن تصعيد عسكري وصل إلى اغتيال قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري، قاسم سليماني (والمعروف بمكانته الاستراتيجية) في أوائل 2020، إضافة إلى مقتل عالمها النووي محسن فخري زاده في آخر العام[1].

نعم ليس خفيًا أن إيران قد تعايشت مع العقوبات طوال عقود مضت، لا بل إنها بنت قوتها العسكرية والنووية والاقتصادية في ظلها. وقد نجحت في التغلغل إقليميًا والاستحواذ على عواصم عربية وهي تحت العقوبات، إلا أنه لا شك في أنه مع مرور الوقت تتفاقم الخسائر.

وكانت إيران قد وجدت الفرصة في توقيع الاتِّفاق النووي عام 2015، حيث تحررت من عزلتها؛ إذ اكتسبت شرعية دولية كشريك في اتِّفاق متعدد الأطراف أنهى أزمتها النووية مع المجتمع الدولي، واعتُمِد هذا التحول من خلال القرار الأممي رقم 2231، ومن خلال جملة من البنود كان أهمها رفع العقوبات. وقد سعت حكومة روحاني إلى تكريس الاتِّفاق كغطاء واسع تشرعن من خلاله سلوك إيران وطموحاتها ونفوذها بما يتجاوز جوانب الاتِّفاق الفنية المتعلقة بمعالجة أزمة ملفها النووي، مستفيدة من تزامن توقيع الاتِّفاق مع اتساع نطاق دورها الإقليمي[2].

وفى حين أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران ملتزمة بالاتفاق المُبرَم، كان مجيء إدارة ترامب الذي قال واصفًا الاتفاق النووي أنه: “أسوأ اتفاق جرى التفاوض عليه على الإطلاق” لينسحب منه في عام 2018 لتصبح إيران ثانيةً أمام عقوبات أمريكية متراكمة تهدد بانهيار الاقتصاد، على نحو عمّق من أزمتها السياسية الداخلية المتمثلة في سلسلة متتالية من الاحتجاجات الشعبية، تتقدم على خط متواز مع احتجاجات في العراق ولبنان تهدد وكلاء وأدوات الجمهورية الإسلامية “ومكتسباتها” في البلدين.

وقد قوبلت سياسات ترامب تجاه إيران بمعارضة شديدة من أطراف الاتفاق الأخرى؛ أكبر ثلاث قوى أوروبية، وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وكذلك من الاتحاد الأوروبي ذاته، هذا إضافة إلى روسيا والصين.

ومن ثم اتجهت إيران إلى التحصن بحلفائها الإقليميين والدوليين، وكانت تجد دعمًا من الاتحاد الأوروبي، دعمًا ليس لسياسات إيران (حيث استراتيجية التصعيد القصوى التي قابلت بها سياسات ترامب، والتي حدث خلاف بشأنها مع أوروبا كما سنرى في تفاصيل التقرير)، وإنما حرصًا على بقاء الاتفاق النووي، وحفاظًا على توازنات بعينها مع الولايات المتحدة، خاصة أن العلاقات الأمريكية–الإيرانية كانت وما زالت علامة أساسية على تقاطعات الشرق الأوسط، وهي أحد العوامل المحورية لتحديد التوازنات في المنطقة.

ذلك الدعم الذي مثل تحديًا للعلاقات الأمريكية الأوروبية (المتأزمة حول العديد من القضايا خاصة في ظل إدارة ترامب). ولا يعني ذلك أن ثمة دعما أوروبيا مطلقا لإيران، لاسيما أن الموقف من الأزمة النووية يتشابك مع محددات أخرى تتعلق بالمواقف الأوروبية إزاء عدة قضايا أمنية وسياسية على المستوى الإقليمي (والتي خالفتها إيران كثيرا بصددها)، وفي هذا الإطار يمكن تفسير ما وصف بأنه تغير في الموقف الأوروبي في الفترة الأخيرة جراء رفض توجه السياسات الإقليمية الإيرانية، على نحو اعتبر معه البعض بأن هناك تحولا تاما ضد إيران وتقاربا مع الولايات المتحدة في بعض الأحيان. بينما يمكن القول إن الاتحاد الأوروبي قد اتخذ مسارين يواجه بهما التصعيد على الجانبين، مع الأخذ في الاعتبار أثر الضغوط الأمريكية أحيانًا.. فأي الرأيين أقرب إلى الواقع؟

وسط تلك التشابكات والمعادلات الملتبسة، تتباين التوقعات حول مآل الاتفاق النووي بعد فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، فهل سيستمر الخلاف الأوروبي الأمريكي، أم تتجه الأمور إلى التنسيق؟

تساؤل الدراسة:كيف تفاعلت إيران مع استراتيجية الضغوط القصوى الأمريكية؟ وما موضع الاتحاد الأوروبي في هذا الإطار من استراتيجيات الجانبين (الضغوط القصوى، التصعيد)؟ وكيف مثل موقفه من الاتفاق النووي تحديًا لعلاقته مع الولايات المتحدة؟ وما التوقعات مع مجيء بايدن؟وللإجابة عن تلك التساؤلات يتناول هذا التقرير النقاط التالية: القسم الأول- معالم استراتيجية الضغوط القصوى الأمريكية والتفاعلات الإيرانية (استراتيجية التصعيد)، القسم الثاني- التفاعلات الأوروبية واختبار العلاقات الأوروبية –الأمريكية

القسم الأول- معالم استراتيجية الضغوط القصوى الأمريكية، والتفاعلات الإيرانية:

أولًا- معالم الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران في عهد ترامب:

بداية تجدر الإشارة إلى أبرز نقاط الخلاف بين الولايات المتحدة وإيران: انزعاج الولايات المتحدة من المشروع الإيراني الإقليمي (عقب الثورة الإسلامية عام 1979) بمختلف مستوياته السياسية والاقتصادية والعسكرية؛ وكان النشاط النووي الإيراني هو بؤرة تركيز هذا الرفض، ولتوسيع دائرة المعارضة الدولية لهذا المشروع دفعت واشنطن بالملف إلى مجلس الأمن الدولي واستغلت نفوذها في إصدار عدة قرارات دولية عبر المجلس؛ لحمل إيران على وقف هذا البرنامج، فضلا عما ارتبط بذلك من عقوبات هدفها التضييق على حركة أموال الشركات الإيرانية.

ذلك إلى جانب التنافس الأمريكي الإيراني على النفوذ الإقليمي؛ تحديدًا في العراق، وخاصة بعد غزو الولايات المتحدة لبغداد وإسقاط نظامها السياسي؛ ليتحول العراق إلى نقطة رخوة وساحة للتنافس بين الطرفين، وقد وظّف كلّ جانب منهما القوى السياسية الموالية له في الساحة العراقية لصالحه. ومع وجود التنافس بين إيران والولايات المتحدة في الساحة العراقية إلا أنه يمكننا أن نلحظ وجود توافق غير مباشر بين الجانبين، يتمثّل في رغبة كليهما بعدم عودة العراق إلى سابق عهده. أما نقاط التضاد بين الجانبين فهي كثيرة؛ منها على سبيل المثال: الصراع حول النطاقات العسكرية والاقتصادية (وكان لذلك موضعه في التصعيد حول الاتفاق النووي)[3].

ذلك فضلا عن الصراع حول عدد من الملفات الإقليمية الأخرى مثل: أفغانستان، القضية الفلسطينية. ويمثل الملف النووري ورقة كلا الطرفين في ضغط كل منهما على الآخر في مختلف القضايا الصراعية، فالإشكالية النووية ليست منفصلة بحال عن غيرها من الملفات الإقليمية.

واتصالا بذلك، وبالعودة إلى الموقف الأمريكي من المشروع النووي الإيراني في المرحلة الراهنة، فقد تمثلت اعتراضات “ترامب” على الاتفاق النووي وفقاً لما صرح به، في أنه رفع العقوبات الاقتصادية المعطلة عن إيران، في مقابل فرض قيود ضعيفة على نشاطها النووي، ولم تضع أي حدود لسلوكها في المنطقة، وفشل في معالجة تطوير منظومة صواريخها الباليستية[4].

ذلك أن الاستراتيجية الأمريكية الراهنة المعروفة بـ “استراتيجية الضغوط القصوى”، تنطلق من رؤية ترامب أن الاتِّفاق يجب ألا يقتصر على المعالجة النووية المفروغ منها بالأساس، بل إنه حتما -ووفقا للرؤية الأمريكية ولرؤية بعض حلفائها الإقليميين (إسرائيل على جانب، ودول الخليج على جانب آخر) ومصالحهم- يجب أن يشمل تفاوضا حول برنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي، بما يحدّ من مصادر تهديد مصالح الولايات المتحدة ومصالح حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة، فضلًا عن ضمان عدم الوصول للعتبة النووية في المستقبل، من خلال تغيير ما يعرف ببند الغروب في الاتِّفاق النووي (والمفترض أن ينتهى فى 2025 ويمكن لإيران بعدها زيادة عمليات التخصيب، وهو ما كان أحد العيوب في الاتفاق من وجهة نظر ترامب ودفعته للانسحاب منه)[5].

في هذا الإطار تتكون استراتجية الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” تجاه طهران من مجموعة من المرتكزات يتمثل أبرزها في: السعي لتحقيق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية بشتى الطرق ولاسيما القضايا التي تتعلق بالأمن القومي، تكثيف الضغوط على النظام الإيراني من خلال العقوبات الاقتصادية، الاستعداد للدخول في مفاوضات مع الخصوم بما يحقق مصلحة واشنطن (ووفق رؤيتها الأحادية)، الكشف عن جرائم الأنظمة الخارجة عن القانون (الدول المارقة) ولاسيما أمام شعوبهم، فضلا عن التعاون مع الحلفاء. أي إن ساحات هذه المواجهة تشمل ثلاث ساحات رئيسة يتحرك فيها صانع القرار الأمريكي للضغط والتأثير على صانع القرار في إيران وهي: الساحة الدولية، والساحة الإقليمية، والداخل الإيراني[6].

يقول وزير الخارجية الأمريكي بومبيو في مقال له موضحًا معالم استراتيجية بلاده إزاء إيران: تعد كوريا الشمالية وإيران من أهم الدول التي توصف بالخارجة عن القانون (المارقة)؛ حيث يشتهر كلا النظامين بقضاء فترات طويلة في صنع برنامج نووي ينتهك المعايير الدولية. وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها واشنطن في مجال الدبلوماسية، كسرت بيونج يانج كل الاتفاقيات الدولية، وبالمثل فشلت الصفقة –خطة العمل المشتركة الشاملة- التي وقعتها إدارة أوباما مع إيران في عام 2015 لإنهاء طموحات إيران النووية… لقد كان الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” واضحاً خلال الحملة الانتخابية حول ضرورة وجود قيادة أمريكية جريئة، لوضع المصالح الأمنية لواشنطن على قائمة الألويات الأمريكية، بعكس مبدأ إدارة “أوباما” المتمثل في “القيادة من الخلف”؛ استراتيجية تسويقية خاطئة عملت على تقلص النفوذ والهيمنة الأمريكية[7].

وبشأن إيران خاصة يوضح بومبيو[8]: تسعى واشنطن لفرض أقصى قدر من الضغوط على تمويل المؤسسات الإيرانية للجماعات الإرهابية، ولاسيما “الحرس الثوري” بالتعاون مع “حزب الله” في لبنان وحركة “حماس” الفلسطينية، نظام الأسد في سوريا، “الحوثيون” في اليمن، الميليشيات الشيعية في العراق، ووكلائها للتآمر بشكل سري على مصالح واشنطن في جميع أنحاء العالم.

ويقدم بومبيو تفسيرًا للانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي[9]: في مايو 2018، انسحب الرئيس “ترامب” من خطة العمل المشتركة مع طهران، على خلفية عدم حمايتها لمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها؛ ففي يوليو لعام 2018 تم إلقاء القبض على دبلوماسي إيراني مقيم في فيننا وبحوزته مواد متفجرة كان من المقرر إلقاؤها وسط مسيرة سياسية بفرنسا. أي إنه في الوقت الذي تحاول فيه إيران إقناع  الدول الأوروبية بالبقاء في الاتفاق النووي، تخطط سراً لشن هجمات إرهابية في قلب القارة ذاتها.

ويفصل بومبيو في الاستراتيجية الأمريكية إزاء إيران[10]: بعد الخروج من الاتفاق النووي، بدأ “ترامب” حملة ضغوط متعددة الجوانب تشمل؛ العقوبات الاقتصادية، على أن يتمحور الهدف الأهم من هذه العقوبات حول ما إذا كانت إيران ستستمر أو تتوقف عن الأعمال التي أدت لفرض العقوبات؛ حيث إن التدخل المكثف من جانب “الحرس الثوري” تحت غطاء الخصخصة يجعل الاستثمار في إيران عديم الفائدة، فلا يعرف المستثمرون الأجانب ما إذا كانوا يقومون بتنشيط حركة التجارة أم دعم الإرهاب. ويؤكد بومبيو كيف أنه أيضًا تؤثر العقوبات على موارد النفط، لذا، يعتبر الضغط الاقتصادي هو المحدد الأبرز في حملة الضغوط الأمريكية على إيران، مستشهدا بحالة كوريا الشمالية، إذ يقول: من الواضح أن الرئيس “كيم” شعر بهذا الخطر؛ ولذلك لجأ إلى طاولة المفاوضات في قمة سنغافورة[11].

كما يتحدث بومبيو عن آلية أخرى تتعلق بالداخل الإيراني؛ إذ يقول: يعد الالتزام بكشف وحشية النظام الإيراني عنصرا حاسما داخل حملة الضغوط الأمريكية، فالأنظمة الاستبدادية لا تخشى شيئا سوى إظهار الأعمال الحقيقية التي تقوم بها. في الإطار ذاته، تعمل الإدارة الأمريكية على إيضاح مصادر الدخل غير المشروع للنظام؛ دعم الإرهاب واضطهاد الأقليات، فضلا عن أن الشعب الإيراني ذاته يجب أن يعرف حجم الدخل الحكومي وفيما ينفق[12].

وفي هذا السياق يشير بومبيو إلى التظاهرات التي خرجت إلى شوارع طهران، وغيرها من المدن الأخرى، من أجل الدعوة إلى حياة أفضل، في المقابل ردّ النظام بالاعتقالات والقتل. وعليه، أوضح “ترامب” أن الضغط سيزداد فقط إذا لم ترقَ النتائج إلى المستوى الذي تريده الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، فضلاً عن طلب واشنطن القيم بتغيرات جوهرية في مجال حقوق الإنسان.

ويؤكد بومبيو على محورية الدور الأوروبي بالنسبة للولايات المتحدة في استراتيجيتها تجاه طهران[13]: يفضل “ترامب” التعاون مع الحلفاء في إطار تنفيذ خطة الضغوط المتزايدة على إيران، لاسيما تلك التي تشارك واشنطن القلق من تداعيات تمدد النفوذ الإيراني؛ ويستشهد بتصريحات لمسئولين أوروبيين، حيث قال الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”: من المهم أن نظل منتبهين لأنشطة إيران الإقليمية وبرنامجها النووي”، وقالت رئيسة الوزراء البريطانية ساعتها “تيريزا ماي”: لابد من وضع التهديد الإيراني في دول الخليج والشرق الأوسط نصب أعيننا. ومن هنا فلن تدخر الدول الاوروبية جهداً في الانضمام للحملة العالمية لتغيير السلوك الإيراني. إلا أن بومبيو كان شديد الاختزال في تقديره للموقف الأوروبي، الذي -وإن اتفق في ضرورة تغيير السلوك الإيراني- إلا أن تصوره لسبل ذلك اختلف عن نظيره الأمريكي في معظم الأحيان، كما سنرصد لاحقًا.

ولوضع الاستراتيجية موضع التنفيذ، أعلن بومبيو عن تشكيل مجموعة عمل بشأن إيران في 16 أغسطس 2018، برئاسة براين هوك، الذي أصبح الممثِّل الخاصّ لوزارة الخارجية الأمريكية حول إيران، وهذه المجموعة تولَّت مهمَّة تنفيذ إستراتيجية «الضغوط القصوى»، من أجل تغيير سلوك إيران. وكان ضمن أهداف هذه المجموعة، تنسيق أنشطة وزارة الخارجية الأمريكية المتعلِّقة بإيران، والتنسيق بين الولايات المتحدة وحلفائها بشأن العقوبات على إيران، ومتابعة الدول التي تواصل علاقاتها التجارية مع طهران. وكان هوك يرى أنّ الضغط الاقتصادي والعُزلة الدبلوماسية والتهديد الموثوق باستخدام القوّة العسكرية من شأنه أن يجبر إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات بشروطٍ أمريكية.

إلا أن ما كان موضع تساؤل مؤخرًا، إعلان بومبيو في 6 أغسطس 2020، أنّ براين هوك المبعوث الأمريكي الخاصّ لإيران سيتنحَّى عن منصبه دون تحديد سببٍ لذلك، وكتب في تغريدةٍ بعد هذا الإعلان أنّ هوك سينتقل إلى القطاع الخاصّ؛ وقد اكتسب هذا الإعلان أهمِّيةً خاصّة؛ باعتباره تنحّيا غير متوقَّعٍ في مرحلةٍ حسَّاسة من المهمَّة التي كان يقوم بها هوك في إدارة الرئيس ترمب، من شأنه أن يكون له تأثيره على إستراتيجية الضغوط القصوى، التي صاغها وقام على مباشرتها منذ تولِّيه مهمَّته في 2018[14].

وقد دعم اختيار إليوت إبرامز تحديدًا كمبعوث خاص لإيران وجود تغييرٍ محتمل سيطرأ على التوجُّهات الأمريكية تجاه إيران، باتجاه أكثر راديكاليةً، رُبّما تصل إلى تبنِّي تغيير النظام؛ لأنّ إبرامز واحدٌ من الصقور المسيَّسين والمتشدِّدين تجاه إيران، وهو مخضرٌم وله سجلٌّ حافل بين المحافظين الجُدُد، وقد كان أحد الداعين لغزو العراق عام 2003، وهو يؤيِّد هجومًا عسكريًا إسرائيليًا على المنشآت النووية الإيرانية.

إلا إنّ الوقت الضيِّقٌ بالنسبة لترمب، وانشغاله بالسباق الانتخابي، وتركيزه على احتواء الأزمة الداخلية المتفاقمة، بعد تفشِّي وباء كورونا، لم يدع مساحة للدخول في مغامرات، هذا فضلًا عن أنّ ترمب لا يريد تصعيدًا عسكريًّا مع إيران (وإنما يريد أقصى ضغط)، وسبق أن أقال مستشاره للأمن القومي جون بولتون في سبتمبر 2019م؛ بسبب الخلاف حول هذا التوجُّه، ورجَّح في حينها توجُّهات هوك. إضافةً إلى ذلك، صادقت لجنة التخصيصات المالية بمجلس النوّاب الأمريكي على تعديل الميزانية الدفاعية لعام 2021، بما يمنع تمويل عملياتٍ عسكرية ضدّ إيران في حال بدئها دون موافقة «الكونجرس»[15].

ولا شكّ أنّ ثمَّة رسائل ضمنية من هذا التغيير المفاجئ للمسؤول عن ملفّ إيران. ربما تكون رسائل موجهة لروسيا والصين والأطراف الأوروبية التي كانت رافضة لتمديد حظر السلاح المفروض على إيران من خلال مجلس الأمن؛ وهي أنّ بديل تمديد حظر السلاح هو الاتّجاه للتصعيد العسكري؛ ومن ثمَّ هي نوعٌ من الضغط لتغيير مواقف هذه الدول[16].

وبشكل عام، سيتناول الجزء التالي أبرز المؤشرات على استراتيجية الضغوط القصوى الأمريكية على إيران، والتي تنوعت وفق ما سبق بين الاقتصادي والعسكري والسياسي وغير ذلك.

ثانيًا- مؤشرات الضغوط الأمريكية:

تتعدد المؤشرات على تفعيل الولايات المتحدة استراتيجيتها تجاه إيران:

التصعيد العسكري: على سبيل المثال في عام 2019 أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» أنها أرسلت حاملة طائرات هجومية، وقاذفات استراتيجية إلى منطقة القيادة الوسطى الأمريكية في الشرق الأوسط، لمواجهة التهديدات الإيرانية للقوات الأمريكية، وإغلاق مضيق هرمز. وقد صرح وزير الدفاع الأمريكى، باتريك شاناهان، أن إرسال حاملة طائرات وقاذفات للشرق الأوسط بسبب «تهديد جاد من القوات الإيرانية»، وأضاف: «ندعو النظام الإيراني لوقف جميع الاستفزازات، سنحمل النظام الإيرانى مسؤولية أي هجوم على قوات أمريكية أو مصالحنا». وفى بيان لاحق قال «البنتاجون» إن التحرك جاء استجابة «لمؤشرات على تعزيز الاستعداد الإيراني لشن عمليات هجومية على القوات الأمريكية ومصالحنا»[17].

وفى المقابل، صرح كيوان خسروي المتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي بقوله «إن ما أعلنته واشنطن استخدام أخرق لحرب نفسية مستهلكة». ورد «خسروي» على بیان لمستشار الأمن القومي الأمریكي، جون بولتون، حول إرسال حاملة الطائرات، قائلا: «إن بولتون یفتقر للخبرة العسكریة والأمنیة، وإن تصریحاته لأغراض استعراضیة»[18].

في أبريل 2020 تصاعدت حدة التحذيرات والتهديدات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، تزامنا مع الزيارة التي قام بها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد، يأتي هذا التصعيد بعد إعلان واشنطن تسليم عدد من القواعد العسكرية التي كانت تتواجد فيها إلى القوات العراقية وتجميد مهامها في التحالف الدولي للحرب على تنظيم “داعش”، وتركيز تواجدها في عدد من القواعد الحدودية، بجانب نشرها بطاريات صواريخ باتريوت على الحدود وإرسال الفرقة 101 ذات الطابع الخاص إلى العراق. وسوغت الولايات المتحدة تلك الإجراءات خوفا من وباء كورونا، علاوة على أن تنظيم داعش لم يعد يشكل خطراً. إلا أن مسألة نشر صواريخ باتريوت أثارت قلق إيران التي حذرت الولايات المتحدة من خطر جرّ الشرق الأوسط إلى “وضع كارثي” في خضمّ أزمة فيروس كورونا. ذلك لاسيما أن هذه الخطوة اعتبرت موجهًة ضد إيران في ضوء إعلان واشنطن اكتشاف “خطط إيرانية” رامية إلى جر الولايات المتحدة إلى حرب استنزاف طويلة الأمد على الأراضي العراقية[19].

كذلك لجأت واشنطن إلى الضربات العسكرية بالوكالة، وهذا من خلال دعم الضربات الإسرائيلية للميليشيات الإيرانية في لبنان وسوريا والعراق، وبالأخص في الأخيرة، التي لا تتم دون موافقة أمريكية، لسيطرتها على المجال الجوي العراقي. ففي 22 أغسطس 2019، أقرّ “نتنياهو”، بقصف قواعد عسكرية إيرانية في العراق، وأن بلاده لن تعطي إيران حصانة في أي مكان تقيم فيه قواعدها الموجهة ضد إسرائيل، سواء في العراق أو اليمن أو سوريا أو لبنان[20].

وتأتي الاغتيالات في إطار التصعيد العسكري: في إطار التصعيد الأمريكي ضد إيران رصدت إدارة الرئيس الأمريكي ترمب خلال السنوات الماضية مبالغ مالية كبيرة لمن يدلي بمعلومات عن قيادات بالحرس الثوري الإيراني وعن النظام المالي للحرس الثوري الإيراني ولحزب الله اللبناني.

على سبيل المثال في 19 أغسطس 2019 عرضت الخارجية الأميركية مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عمن وصفته بالعضو البارز بحزب الله سلمان رؤوف سلمان والذي اتهمته بالتخطيط لتفجير مركز الجالية اليهودية في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس عام 1994. كما عرضت الخارجية الأمريكية مكافأة تصل إلى 15 مليون دولار للحصول على معلومات تؤدي إلى الوصول لعبد الرضا شهلائي رجل الحرس الثوري في صنعاء أو تؤدي إلى تعطيل الآليات المالية للحرس الثوري الإيراني في اليمن والمنطقة [21].

وقد مثل مقتل “قاسم سليماني” في يناير 2020 علامة بارزة على هذا المسار الأمريكي، فهو بمثابة ضربة فاصلة لأنّه لا يمكن استبداله على المدى القصير. فقد كان مفكّراً استراتيجياً مهمّاً وقائدًا عسكريًا بارزًا يقوم على استراتيجية إيران الإقليمية. ومن ثم لاشك أن ذلك قد ترك أثره على «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني ووكلائه الإقليميين[22].

أيضًا الأداة السيبرانية: فعلى سبيل المثال نفذت الولايات المتحدة في يونيو 2019 هجوما إلكترونياً استهدف نظم تسليح إيرانية، وقد أدى الهجوم إلى تعطيل نظم لتوجيه وإطلاق الصواريخ[23].

الأداة الاقتصادية (العقوبات): حيث استراتيجية ترامب القائمة على أن سلاح العقوبات الاقتصادية هو الأكثر فاعلية والأقل تكلفة، خاصةً على ضوء خبرة التورط الأمريكي في العراق[24]. وكانت من أبرز محطات العقوبات الأمريكية، المجموعة الأولى من العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية بتاريخ 7 أغسطس 2018، وشملت صادرات النفط والشحن والمصارف المالية وحظر التعاملات التجارية وتبادل الدولار مع الحكومة الإيرانية، وكل القطاعات الأساسية في الاقتصاد الإيراني بالإضافة إلى حظر استيراد أو تصدير التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج المدني والعسكري.

كما أنه في نوفمبر 2018 كانت مرحلة جديدة من المواجهة بين إيران والولايات المتحدة بفرض حزمة جديدة من العقوبات[25].

أيضًا خلال سبتمبر 2019 فرضت الولايات المتحدة على إيران عقوبات اقتصادية في ثلاث مناسبات مختلفة[26]: ففي 3 سبتمبر 2019، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على ثلاث وكالات فضائية إيرانية، بدعوى أن طهران تستخدمها لتطوير برنامج الصواريخ الباليستية. وفي اليوم التالي، فرضت عقوبات على شبكة واسعة من الشركات والسفن والأفراد؛ انطلاقًا من أن الحرس الثوري الإيراني يديرها، وخصصت مكافأة مالية 15 مليون دولار لمن يبلغ عن أنشطة ميليشيات الحرس الثوري. وفي 20 سبتمبر2019، أعلن “ترامب” فرض عقوبات جديدة على المصرف المركزي الإيراني، بعد أيام من استهداف شركة أرامكو (الذي سنشير إليه لاحقًا)[27].

وفي ديسمبر 2019 صادق مجلس الشيوخ الأمريكي على “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين”، وأقره الرئيس الأمريكي مطلع عام 2020، ليدخل حيز التنفيذ في يونيو. وينص القانون على فرض عقوبات على النظام السوري، وداعميه الإيرانيين والروس، وكل شخص أو جهة، أو دولة تتعامل معه. وبموجب قانون قيصر تم فرض عقوبات على أكثر من 110 كيانات وأفراد داعمين لنظام الأسد[28]. وقد أكد المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون سوريا جويل ريبيرن أن “أمريكا مستمرة في ممارسة الضغوط على إيران عن طريق فرض العقوبات، من أجل الانسحاب من سوريا”[29].

كما أعلن “ترامب” سعيه لتصفير الصادرات النفطية الإيرانية، ضمن استراتيجية الضغوط القصوى، وبينما لم تصل هذه الصادرات لمستوى الصفر فعليًا، فقد انخفضت بشكل قياسي. ففي 12 سبتمبر 2019، أعلنت وكالة الطاقة الدولية أن إنتاج إيران من النفط الخام خلال أغسطس 2019، تراجع لأدنى مستوى منذ 30 عاما، وذلك بواقع 40 ألف برميل يومياً؛ مقارنةً مع أزيد من 2.2 مليون برميل في يوليو، و3.85 ملايين برميل قبل فرض العقوبات، كما هبطت صادرات إيران النفطية بواقع 170 ألف برميل يومياً في أغسطس 2019، إلى 200 ألف برميل[30].

ولكن بالتوازي مع ذلك، وفي محاولة أمريكية لطمأنة المستهلك العالمي، أعلن البيت الأبيض في بيان رسمي أن الولايات المتحدة والسعودية ودولة الإمارات: “ستلتزم العمل بما يتيح بقاء ‏الأسواق النفطية العالمية مزودة بما يكفي من كميات النفط المطلوبة”. وردت إيران على هذه التصريحات؛ إذ أبلغت منظمة أوبك أنه ينبغي عدم السماح لأي عضو في المنظمة الاستحواذ على حصة ‏عضو آخر من صادرات النفط، وقال وزير النفط الإيراني، بيجن زنكنة، متحديا: “إن الولايات المتحدة لن ‏تكون قادرة على تقليص صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر‏ مهما فعلت”[31].

هذا علمًا بأنه لا يبدو أن عدم وصول هذه الصادرات لمستوى الصفر يزعج “ترامب”؛ لإدراكه أن وصولها لمستوى الصفر سيدفع إيران لإحداث مزيد من التصعيد في مياه الخليج، لتحولها لمعركة صفرية؛ لأنها حينها لن تكون لديها ما تخسره. وبالتالي كان ضرورياً ترك منفذ صغير لصادرات النفط الإيرانية[32].

سياسيًا (توظيف الأوضاع المتأججة في الداخل الإيراني): رغم أن المسؤولون الأمريكيون، خلال تأكيداتهم العلنية يقولون إنهم لا يعملون على تغيير النظام السياسي في طهران، لكن في الوقت ذاته يشيرون إلى دعمهم السياسي والمعنوي للمتظاهرين الإيرانيين، وكذلك إلى مساعدتهم الالكترونية للمتظاهرين التي تسهل عليهم الاتصال ببعضهم البعض، ذلك اتساقًا مع القول بالرغبة في كشف الحقائق للشعوب (وقد سبقت الإشارة لهذا المعنى في تناول بومبيو لاستراتيجية الضغوط القصوى). على سبيل المثال: يقول المسئولون الأمريكيون إن سياسة “الضغوط القصوى” التي فرضتها إدارة الرئيس ترامب بعد انسحابها من الاتفاق النووي الدولي مع إيران، ساهمت في انفجار الاحتجاجات الشعبية التي عمت المدن الإيرانية. وفي أحد التصريحات قال وزير الخارجية مايك بومبيو في مقابلة مع شبكة فوكس التلفزيونية “هذه الاحتجاجات هي نتيجة مباشرة للانهيار الاقتصادي، وغياب الحريات السياسية، وبسبب سياسة نظام يرسل شبابه للقتال في الخارج والعودة كموتى، نظام لم يستخدم أمواله لتحسين نوعية حياة الشعب الإيراني. التظاهرات التي ترونها هي نتيجة هذه السياسات”[33].

وقبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حدث بعض تغير في التكتيك (على نحو يوحي وكأن الولايات المتحدة تتجه صوب تهدئة)، دون أن يعني تبدل في الاستراتيجية، حيث إن استمرار التصعيد ضد إيران دون إجبارها على التنازل، وعدم القدرة على التوصل لاتفاق نووي جديد، سيحسب فشلاً لإدارة “ترامب”، وهو ما سينعكس على احتمالات فوزه بهذه الانتخابات (وهو ما قد حدث بالفعل). وهو ما يفسر طلب “ترامب” من رئيس الوزراء الباكستاني “عمران خان”، التوسط لدى إيران لخفض حدة التوتر، وإمكانية عقد اتفاق نووي جديد. أيضًا ما لوحظ من قرارات وتصريحات أمريكية متناقضة بعضها يدفع نحو التهدئة والآخر نحو التصعيد. وهذا بهدف تشجيع إيران على العودة للتفاوض، في نفس الوقت لا يجعلها تستقبل هذه الإشارات على أنها ضعف أمريكي، بما يدفع إيران للتمادي أكثر في التصعيد[34].

بشكل عام، حققت الإستراتيجية التي صاغها هوك لتعديل سلوك إيران على مدى سنتين نجاحاتٍ مهمَّة، حيث قوَّضت بعض وأهمّ مكاسب الاتفاق النووي؛ إذ حرمت إيران من الاستفادة من فوائده الاقتصادية عبر توسيع نطاق العقوبات بصورةٍ غير مسبوقة، وفرضت قيودًا على العديد من قيادات النظام ومؤسَّساته والشركات المتورِّطة في أنشطته، وقلَّلت من دعم النظام للميليشيات في الخارج، وكل ذلك أسفر عن تراجع شعبية النظام في الداخل، وبيَّن الحواضن الشيعية في عددٍ من دول المنطقة كالعراق، ولبنان.

وإن كان على جانب آخر، لم يتمّ تقويض الاتفاق النووي بصورةٍ كاملة، ويظلّ بقاؤه انتكاسةً لوعود ترمب الذي وعد بإنهاء آثاره، كما أنّ الإستراتيجية لم تبتكر آليات أو لم تنسِّق سياساتٍ فاعلة للحدّ من نفوذ إيران الإقليمي[35]. ولا شك أن إيران لم تقف صامتة، بل تفاعلت عبر عدة مسارات لتقليل الخسائر وتحقيق مكاسب قدر الإمكان، وهو ما سيتطرق إليه التقرير فيما يلي.

ثالثًا- التفاعلات الإيرانية تجاه الضغوط الأمريكية (استراتيجية التصعيد):

تبنت إيران استراتيجية لتحصين الاتِّفاق النووي وحماية المكتسبات التي حققها المشروع الإيراني في الخارج من احتمال التعرض لأي انتكاسة تعود بالنظام إلى مربع العزلة والمواجهة، فقد اتبعت إيران استراتيجية تصعيد قصوى في مواجهة استراتيجية الضغط القصوى، ساعيةً لرفع تكلفة أي مجهود لاحتوائها وسياساتها الإقليمية. بالاعتماد على عدة مرتكزات: كسب دعم القوى الدولية لتقليل فاعلية العقوبات والعزلة الأمريكية، فضلا عن توظيف الكيانات الإقليمية التي تدين بالولاء لإيران، ذلك إلى جانب العمل فيما يعرف بالمنطقة الرمادية، التي تكمن ما بين الحرب والسلام؛ من أجل تحدي الوضع الراهن، وإدارة المخاطر في الوقت نفسه. من أهم المؤشرات على العمل الإيراني في المنطقة الرمادية، بشكل يمكنها من إنكار عملياتها العسكرية، الضربة العسكرية لمصافي شركة أرامكو السعودية (فقد تضاربت التقارير حول الجهة المسئولة كما سنرى)[36]. وبشكل عام تتفاعل إيران وفق تلك المرتكزات عبر عدة مسارات:

المسار الأول- تكثيف العلاقات الخارجية الاقتصادية لتعزيز وجود إيران كشريك دولي طبيعي لا سيما مع الدول المؤثرة في النظام الدولي (وكان لهذا المسار أولوية)، وتحديدًا أعضاء الترويكا الأوروبية الشركاء في الاتِّفاق (إنجلترا وألمانيا وفرنسا) بجانب روسيا والصين، إضافة إلى تعزيز العلاقة مع القوى الصاعدة والشركات متعددة الجنسيات في مجالات صناعة النفط والصناعات الثقيلة ونقل التكنولوجيا، أيضًا وقعت طهران العديد من مذكرات التفاهم والعقود مع الحكومات والشركات الكبرى، وزادت بالتالي معدلات تجارة إيران مع الدول الأوروبية وعدد من الدول الآسيوية وروسيا من أجل كسب المزيد ليس فقط من الفوائد الاقتصادية وإنما أيضًا من النفوذ الدبلوماسي في مواجهة الجهود الأمريكية لفرض عقوبات جديدة، في الوقت نفسه الذي ظلت فيه متحفظة على فتح المجال أمام علاقة متطورة مع الولايات المتحدة؛ سواء على الجانب السياسي أو الاقتصادي؛ لأن إيران ترى أن أحد أهم نقاط قوة نظامها هو استقلالية قرارها بعيدًا عن ضغوطات العلاقة مع الولايات المتحدة[37].

كما عززت إيران علاقاتها الاقتصادية مع حلفاء الولايات المتحدة بدول الخليج كوسيلة للضغط، على سبيل المثال وصل حجم التبادل التجاري مع الإمارات إلى 11 مليار دولار في عام 2017 (الإمارات من أكثر المتضررين من تصاعد الأزمة خاصة أن الإمارات تستضيف عدداً هائلاً من الإيرانيين يقدر بنحو 800 ألف شخص يستثمر الكثير منهم مليارات الدولارات)[38].

إلى جانب العراق الذي وصل حجم التبادل التجاري بينه وبين إيران سبعة مليارات دولار خلال عام 2018 (فضلا عن أن العراق بحاجة إلى إيران على مستوى الطاقة والغاز والسلع والتبادلات المصرفية ولذلك حصل على استثناء من العقوبات الأمريكية على الدول المتعاونة مع إيران)، كما ترتبط كل من قطر والكويت بعلاقات سياسية واقتصادية قوية مع إيران[39].

وبشأن المسار النفطي على وجه الخصوص، فقد خاضت إيران ما عرف بـ “حرب الناقلات النفطية”، في ظل إصرارها على تصدير النفط (بدوافع سياسية لإمداد حلفائها به، وأخرى اقتصادية). على سبيل المثال في 4 يوليو 2019، تم احتجاز ناقلة النفط الإيرانية “أدريان داريا1″؛ لأنها كانت محملة بالنفط ومتجهة لسوريا، في تحدٍّ للعقوبات، وذلك قبل الإعلان عن الإفراج عنها في 14 أغسطس 2019. وفي 7 سبتمبر 2019، نشر مستشار الأمن القومي الأمريكي “جون بولتون”، صورة للناقلة “أدريان” في ميناء طرطوس السوري. وفي اليوم التالي، أعلنت إيران عن وصول الناقلة إلى وجهتها وبيع النفط. وكانت إيران قد ردت على احتجاز ناقلتها باحتجاز ناقلة النفط البريطانية “ستينا إمبيرو” في مضيق هرمز في 19 يوليو. وبينما أعلن مالك الناقلة في 5 سبتمبر2019 عن إفراج إيران عن سبعة من أفراد طاقمها، أعلن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية “علي ربيعي” في 23 سبتمبر2019  أن بلاده أفرجت عن الناقلة البريطانية[40].

وفي يوليو 2020، صادرت الولايات المتحدة حمولات أربع ناقلات بنزين إيرانية وهي في طريقها إلى فنزويلا، وقد علق وزير النفط الإيراني بيجن زنكنه قائلا: إن “حمولة الوقود التي أعلنت الولايات المتحدة احتجازها، هي عمل تجاري، لا ينبغي تبديله إلى نزاع سياسي”[41].

وسعيًا وراء تأمين عمليات التصدير، أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أن إيران عملت بالفعل على بناء خط أنابيب يمتد من منطقة غور القريبة من ميناء غناوة شمال الخليج العربي إلى ميناء جاسك على ساحل بحر عمان، ذلك بهدف تصدير النفط عبر بحر عمان ومن ثم الاستغناء عن تصدير النفط من خلال مضيق هرمز، مؤكدًا أنه تم بناء 404 كم من ذلك الخط الذي تم بدء الإعلان عنه في سبتمبر 2018 ويبلغ طوله 1000 كم[42].

ورغم تلك التحركات، لا يمكن تجاهل الأثر العميق الذي تركته العقوبات في الاقتصاد الإيراني، فعندما يصف وزير النفط الإيراني بیژن زنگنه العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على إيران بأنها “حرب بلا دماء”، فإنه يشير بوضوح إلى عمق التأثيرات التي أنتجتها تلك العقوبات على بلاده، خاصة على صعيد تقليص حجم الصادرات النفطية الإيرانية، وهي المصدر الأساسي للدخل الإيراني، بشكل كبير، على نحو أسهم في ارتفاع معدلات التضخم والبطالة وانهيار العملة الوطنية[43].

وهناك اعتراف رسمي إيراني آخر بذلك، فقد ذكر روحاني في كلمة ألقاها في اجتماع لمجلس الوزراء، بنهاية أغسطس 2020، أن العقوبات الأمريكية تسببت في تراجع إيرادات البلاد بمقدار 900 تريليون ريال إيراني (214 مليار دولار)، منذ تطبيقها في مايو 2018 [44].

المسار الثاني- تعزيز القدرات العسكرية، حيث بدت إيران بداية الأمر على وشك التحرُّر من الحظر المفروض على السلاح وتعزيز قدراتها الدفاعية، من خلال صفقاتٍ عسكرية مع روسيا والصين، هذا ناهيك عن تطوير برنامج صواريخها البالستية (أحد أهم أسباب المواجهة مع الولايات المتحدة)، ومؤخَّرا صاغت الصين اتفاقية استثمار بقيمة 400 مليار دولار مع إيران يُعتقَد أنّها تحتوي على صفقات تسليح، فضلًا عن الاتّجاه لاتفاق إستراتيجي مع روسيا[45].

وقد كانت مناورات «الرسول الأعظم» في منطقة الخليج في أغسطس 2020 والتدريب على تدمير نموذجِ مجسَّمٍ لحاملة طائراتٍ أمريكية، أبرز رسالةٍ للردع خشية اتجاه ترمب نحو عمليةٍ عسكرية قبل الانتخابات لتحسين وتعزيز فُرصِه[46]. أيضًا أعلنت القوات البحرية الإيرانية في 18 يونيو 2020 عن اختبار صواريخ كروز قصيرة وبعيدة المدى خلال مناورات أجرتها في مياه بحر عمان وشمال المحيط الهندي[47]. وفي 22 يونيو 2020 أعلن قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني أن إيران لديها خطة لإقامة قاعدة بحرية دائمة في المحيط الهندي، مؤكدًا أن ذلك يأتي ضمن تعزيز الوجود البحري الإيراني في خليج عمان ومدخل المحيط الهندي، وأن الدوافع وراء ذلك القرار تتمثل فيما اسماه «تحقيق أهداف المرشد الأعلى» وأن تلك القاعدة من شأنها «توفير حضور خاص للصيادين ووحدات الصيد الصناعي في المحيطات في ظل تعرض سفن الصيد الإيرانية للقرصنة في تلك المنطقة»، مشيرًا إلى أن تلك القاعدة سوف تكتمل بحلول مارس 2021. وأهم ما في مضمون تلك الخطوة هو بدء إيران استراتيجية جديدة مفادها التواجد الدائم في مياه المحيط الهندي في توجه مغاير لسياسات سابقة كانت تعتمد على إرسال قطع بحرية في مهام محددة[48].

المسار الثالث- تدعيم النفوذ الإقليمي، وتوظيف ما سبق إنجازه على الصعيدين الاقتصادي والعسكري، حتى يمكن القول إن النجاح النسبي الاقتصادي لسياسة الضغوط القصوى الأمريكية، لم يصاحبه نجاح “سياسي” أمريكي، بمعنى إرغام طهران على تعديل أو تغيير سياستها في المنطقة[49]، فقد عمدت إيران إلى توظيف الجغرافيا والعمق الاستراتيجي وتوظيف البُعد الديني والمذهبي بخوض معارك نوعية، تعتمد على القوة الصاروخية والطائرات المسيرة والميليشيات المسلحة التابعة لها في دول المنطقة، باستخدام استراتيجية غير مباشرة “حرب العصابات”[50]. بل تبين مختلف المؤشرات والنشاطات الإيرانية أن إيران ردت على الضغوط الأمريكية، بتصعيد ضغوطها العسكرية ضد أهداف تخص الولايات المتحدة مباشرة[51]، ولاشك أن إيران أرادت بذلك امتلاك أوراق إقليمية يمكن أن تساوم بها لتحقيق مصالحها وحماية مكتسباتها، فضلًا عن أن هذا النفوذ عبر التأثير خارج الحدود يُبْقِي مشكلة إيران مع العالم خارج حدودها[52].

ولتحقيق ذلك قامت إيران بما يلي:

  • تعزيز خريطة تحالفاتها: على سبيل المثال، الروس لديهم تحالف استراتيجي مع إيران في الساحة السورية، والحكومتان العراقية والسورية حليفتان رئيستان لإيران ولا يمكنهما فك الارتباط معها سياسيًّا ومذهبيًّا، وتركيا تقاطعت مصالحها مع إيران بصورة رئيسة في عدد من الملفات المشتركة، فضلا عن حزب الله في لبنان، وهو قوة عسكرية لديها مرونة في التحرك خارج الحدود[53].
  • استغلال الفوضى السياسية بالعراق، مع اندلاع المظاهرات، وانشغال القيادة السياسية في بغداد بقمعها، وكثفت من تعزيز وجودها العسكري في العراق من خلال نشر المزيد من الصواريخ الباليستية ذات المدى المتوسط (600 ميل) التي يمكن أن تستخدمها إيران في أي مواجهة مع الولايات المتحدة[54].

وفي هذا السياق أيضًا وظفت إيران ما لديها من علاقات شخصية وثنائية ممتازة مع معظم الجهات الفاعلة السياسية والأمنية في العراق، مشجعةً في الوقت نفسه الانقسامات الداخلية في السياسة العراقية. ولتحقيق هذا الهدف، لا تتعامل إيران رسميًا مع مؤسسات الدولة أو المنظمات السياسية في العراق، بل تقوم الاستراتيجية الإيرانية بدلًا من ذلك على تقسيم المنظمات على مكوناتها الفردية وتتعامل مع رؤسائها علی انفراد وبشكل مستقل؛ ما ساعد على المساهمة في عدم الاستقرار في العراق واعتماد السياسيين فيه على التوجيهات الإيرانية[55]. وفي هذا الإطار عملت طهران على توجيه الحكومة العراقية وفق أهدافها في الحوار الاستراتيجي المنعقد بين الجانبين الأمريكي والعراقي في 11 يونيو 2020[56].

  • القيام بعمليات تستهدف الولايات المتحدة وحلفائها، كما يتبين من إسقاط طائرة استطلاع أمريكية دون طيار في يونيو 2019 [57]، أيضًا تفجير ناقلات ومنشآت نفطية سعودية وإماراتية، وبالفعل كان هجوم “أرامكو” الأكثر إثارة للجدل (المنطقة الرمادية)، ففي 14 سبتمبر 2019 أعلنت وزارة الداخلية السعودية استهداف معملين تابعين لشركة أرامكو بمحافظة بقيق وهجرة خُرَيص شرقي البلاد بطائرات مسيرة.

واتهم “بومبيو” إيران بتنفيذ الضربات، وحينها وصفت الخارجية الإيرانية هذه الاتهامات بأنها واهية، وفي حين كشف الحوثيون في بيان عن مسؤوليتهم عنها فإن شبكة “سي إن إن” الأمريكية الإخبارية ذكرت بأن الهجوم نفذ من العراق وليس اليمن، في حين أشارت وكالة “الغد برس” أن الهجوم شاركت فيه عشر طائرات، ثمانٍ انطلقت من اليمن، واثنتان من العراق. وفي 21 سبتمبر 2019، أعلنت السعودية حينها أنها على يقين بأن الهجوم على أرامكو لم يكن من اليمن. وحينها أعلن “ترامب” أن هناك العديد من الخيارات للتعامل مع إيران، بما يشمل الخيار العسكري. بينما هدد “روحاني” بحرب شاملة، في حال توجيه ضربة عسكرية ضد إيران[58].

وبشكل عام مثلت العملية نقلة نوعية لأنها انتقلت من ضرب تجارة النفط في الممرات المائية، لضربها في ومنابع إنتاجها، لتزيد من تكلفة الضغوط الموجهة ضدها بقيادة أمريكا، خاصة أن السعودية تعد الدولة التي تعوض السوق بالنفط، الناتج عن تراجع صادرات إيران النفطية بسبب العقوبات، وبالتالي تراجع حجم إنتاج وتصدير السعودية لفترة ما، يصب في صالح إيران، بحيث يزيد من التكلفة الناتجة عن منع إيران من تصدير نفطها[59]؛ ذلك النفوذ الذي وظفته إيران أيضًا لأجل الانتقام لمقتل كلّ من سليماني وزعيم ميليشيا «كتائب حزب الله» أبو مهدي المهندس[60].

فقد أعلن التحالف الدولي بالعراق في يناير 2020 عن وقوع هجومين قرب قاعدتين عراقيتين تستضيف قواته، كما أعلن أن قوات التحالف تتعرض لنيران غير مباشرة بالمنطقة الخضراء ببغداد خارج منشآت تابعة للتحالف، كما كشف التحالف بقيادة أمريكا عن سقوط صواريخ قرب قاعدة بلد الجوية، ردا على ذلك أعلن ترامب أنه تم تحديد 52 موقعا إيرانيا سيضربها الجيش الأمريكي إذا استهدفت إيران أي أمريكيين أو أصول أمريكية، كما ألغت الولايات المتحدة خطتها لإجراء تدريبات بحرية لسفينة برمائية هجومية على متنها آلاف من جنود مشاة البحرية فى أفريقيا، لتتوجه بدلًا من ذلك إلى الشرق الأوسط فى ظل تصاعد التوترات مع إيران[61].

المسار الرابع- التخفيف التدريجي للالتزامات النووية، تخلَّت إيران عن بعض قيود الاتفاق، وخفَّفت من التزاماتها النووية تدريجيًا، وشرعت في تعزيز قدراتها على التخصيب، وتخزين المياه الثقيلة، وتطوير أجهزة الطرد المركزي، وأخفت عن الوكالة الدولية بعض أنشطتها، وذلك في وضعٍ يعتبره البعض أسوأ ممّا كان عليه قبل الاتفاق النووي[62].

على سبيل المثال: في يوليو 2019 كانت قد أعلنت إيران عن المرحلتين الأولى والثانية من تقليص هذه الالتزامات، تمثلت في تخصيب اليورانيوم بنسبة 4.5 %، وهو ما يتجاوز الحد الأقصى المنصوص عليه في الاتفاق البالغ 3.67%. في 7 سبتمبر 2019، أعلنت إيران بدء المرحلة الثالثة من تقليص التزامها بالاتفاق النووي، حيث بدأت في تشغيل أجهزة طرد مركزي متقدمة وسريعة لتخصيب اليورانيوم عالي الجودة، تمثلت في 20 جهاز طرد من طراز “IR4” و 20 جهاز من طراز “IR6″، وبموجب الاتفاق النووي، يسمح لإيران بتشغيل ما لا يزيد عن 5060 من أجهزة الطرد من طراز “IR1” أقدم وأقل الطرز كفاءة وذلك حتى عام 2026[63]. وفي الخامس من يناير 2020، كشفت طهران عن “المرحلة الخامسة” من برنامجها القاضي بالتخلي عن التزاماتها الدولية بشأن النووي (كرد فعل على اغتيال سليماني)[64].

وبينما تندد الولايات المتحدة والقوى الأوروبية بمثل هذه الخطوات، وتتخذ بشأنها الإجراءات (مع الاختلاف بين الجانبين)، نجد الدعم الصيني والروسي لإيران في الملف النووي والمطالب بضبط النفس وعدم التهويل[65].

المسار الخامس– العمل على التوظيف الإنساني لجائحة كورونا (توجيه الاتهام للولايات المتحدة بالمسئولية): لما كان الاقتصاد الإيراني يترنح تحت وطأة ضغوط الوباء والعقوبات الأميركية وانخفاض أسعار النفط رغم سياسات إيران للتغلب على الأمر، فقد ساءت الأوضاع كثيرًا مع تفشي الوباء، خاصة في ظل تقاعس النظام الإيراني وتغليب حساباته السياسية الداخلية والخارجية، وكان التوظيف على الصعيد الإنساني: حيث تصريحات مسئولين إيرانيين عن مسئولية العقوبات الأمريكية عن تفشي الوباء في بلادهم وإن تلك العقوبات الأمريكية عرقلت جهود طهران لمكافحته، لاسيما أن إيران أشد بلدان الشرق الأوسط تضررا، على سبيل المثال صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني أن الضغوط الأمريكية على إيران في ظل تفشي وباء كورونا المستجد غير إنسانية. كما قال روحاني خلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي: “في هذه الظروف الصعبة، الضغط الأمريكي على شعب إيران غير إنساني أكثر من أي وقت آخر، واستمراره جريمة همجية ضد شعب عظيم وضد جميع المبادئ الإنسانية والقوانين الدولية”[66].

وهو الاتهام الذي نفاه وزير الخارجية الأمريكي الذي صرح أن “القنوات الإنسانية مفتوحة من جانبنا وإن كانت سياسة أقصى درجات الضغط التي نتبناها لا تسمح بمنح أموال لإرهابيين”. كما أعلنت الولايات المتحدة أنها قد اتصلت بإيران في فبراير 2020 عن طريق الحكومة السويسرية لتقول إنها “مستعدة لمساعدة الشعب الإيراني في مواجهة فيروس كورونا”[67].

كما كان توجيه الاتهام للجانب الأوروبي أيضًا، حيث نقل موقع الرئاسة على الإنترنت عن روحاني قوله: “الآلية المالية التي صممتها أوروبا لم تتمكن مع الأسف من اتخاذ خطوة ملحوظة وفعالة أو تلعب دورا”[68]. وإن كان الأمر لم يخل من بعض الإشارات الإيرانية في الرغبة في التهدئة على سبيل المثال، طرح وزير الخارجية الإيراني “جواد ظريف” عام 2019 مبادرة للتصديق على البرتوكول الإضافي الذي يتيح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكبر عدد من الطرق للتأكد من سلمية البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية [69].

لا شك أن الفاعل الأوروبي كان حاضرًا وسط تلك التطورات، وكان هدفه الأساس الحفاظ على الاتفاق النووي، فما منطلقات تفاعله، وما مساراته، وإلى أي مدى كانت طبيعة علاقته بالولايات المتحدة (سلبية أو إيجابية) موجهة لسياساته؟ هذا يتناوله التقرير في القسم الثاني منه.

القسم الثاني- التفاعلات الأوروبية واختبار العلاقات الأوروبية –الأمريكية

يتناول هذا القسم منطلقات ومحددات الموقف الأوروبي من الأزمة الأمريكية الإيرانية، وبينها طبيعة علاقته بالإدارة الأمريكية، وكيف انعكس ذلك على سياساته تجاه الأزمة، تلك السياسات التي اعتبرت في أغلبها داعمة للموقف الإيراني ومناهضة للسياسات الأمريكية، حتى أشهر ماضية، لتوصف مؤخرًا بأنها قد حدثت بها استدارة تجاه الموقف الأمريكي.

إلا أن التدقيق في الأمر بعض الشيء يكشف وكأن السياسة الأوروبية تجاه الأزمة تتخذ مسارين؛ أحدهما لتخفيف حدة الضغوط القصوى الأمريكية على إيران، والآخر تحذيري وتهديدي إزاء سياسة التصعيد الإيرانية (وقد برز مؤخرًا، بسبب تصاعد الاضطرابات الإقليمية، فضلا عن التهديدات الأمريكية للقوى الأوروبية)… وتريد القوى الأوروبية من ذلك ضمان الحفاظ على الاتفاق النووي من جانب، وضمان عدم جر الإقليم الشرق أوسطي إلى مغامرات غير محسوبة تضر بمصالحها المتضررة بالأساس نتيجة الصراعات الداخلية بدول المنطقة، ومن ثم تخسر المزيد من توازنها أمام القوة الأمريكية. ويفصل التقرير في كل من المنطلقات والمسارات فيما يلي.

أولا- منطلقات الموقف الأوروبي من الأزمة الأمريكية –الإيرانية:

بداية تجدر الإشارة إلى أن الموقف الأوروبي الرافض لهذه الدرجة من التصعيد الأمريكي والداعم لبقاء الاتفاق النووي لا ينفصل عن مواقف دولية أخرى كروسيا والصين والهند واليابان (وإن اختلفت تفاصيل الدوافع والمنطلقات وتصور حلول الأزمة)[70].

وبشأن الطرف الأوروبي محل التناول، تعد طبيعة العلاقة بين الطرف الأوروبي والإدارة الأمريكية محددًا أساسيًا في مدى القدرة الأوروبية على رسم وتنسيق السياسات بشأن الملف الإيراني. لقد كانت السياسات الأوروبية فى عهد الإدارات الأمريكية السابقة انعكاس لدرجة التوافق بينهم خصوصًا الملفات المتعلقة بالأمن، وقد انعكس وجود درجة كبيرة من التوافق للإرادات الأوروبية والأمريكية في توقيع الاتفاق النووي الإيراني فى صيف 2015 في ظل إدارة أوباما. ومن ثم فى ظل حالة التمايز الواضح بين الرؤى والتصورات الأوروبية ونظيرتها الأمريكية تجاه إيران بعد وصول ترامب للبيت الأبيض، اختلف الأمر[71].

فهناك خلاف في استراتيجية التعامل مع إيران بين الطرفين الأوروبي والأمريكي، فبينما تسعى الولايات المتحدة إلى تعديل سلوك إيران من مدخل صفقة شاملة تتضمن تعديلا في الجوانب الفنية للاتِّفاق النووي، فضلا عن إلزام إيران بإدخال تعديلات على سياساتها العسكرية واستراتيجيتها الخارجية، فإن الطرف الأوروبي (خاصة أعضاء الترويكا) كانت لديهم استراتيجية للتعامل مع قضايا الخلاف كل على حدة. ذلك لاسيما مع إدراك أن ما تريده الولايات المتحدة جملة واحدة يعدّ بالنسبة لصانع القرار الإيراني خسارة استراتيجية فادحة قد تنهي شرعية النظام وتقلص نفوذ إيران الإقليمي سياسيًا واقتصاديًا[72].

ومن ثم –وكما أشير- فقد كان لدى الأوروبيين تحفُّظ كبير على الانسحاب الأمريكي من الاتِّفاق النووي، بل كان العمل على وضع آليات يمكن من خلالها تقليل أثر هذا الانسحاب الأمريكي، وتضع وسائل لمواجهة العقوبات المتوقعة التي قد تطال بعض شركاء إيران الأوروبيين سواء من الدول أو الشركات (وسنفصل في ذلك في الجزئية التالية)[73].

من ثم وعلى جانب آخر، لا يمكن تجاهل طبيعة العلاقات بين الجانبين الأوروبي والأمريكي والنظام الإيراني كمحدد، فلم تكن العلاقات الثنائية بين إيران والاتحاد الأوروبي علاقة تصادمية فى معظمها بل إنها كانت مغايرة فى الكثير من الأحيان للسياسة الأمريكية؛ حيث فيما كانت السياسة الأمريكية تعمل بصورة كاملة فى اتجاه يتسم بالمقاطعة الاقتصادية والحصار والعزلة لإيران، فقد بذل الاتحاد الأوروبي جهودًا ملحوظة لإحداث مزيد من التقارب مع إيران، (ولذلك أسبابه التي تنقلنا لمجموعة أخرى من المحددات تتعلق بالمصالح الأوروبية الإقليمية)[74].

ولا يعني ذلك إغفال التمايزات الأوروبية النسبية فيما يتصل بمدى التقارب مع الجانبين الأمريكي والإيراني، على سبيل المثال: تميل الحكومة الألمانية تقليدياً نحو موقف مُستقِل عن الولايات المتحدة، كما لا يمكن تجاهل دور اللوبي الإيراني المتمثل في نواب من أصول إيرانية في البرلمان الألماني في رأب الصدع بين إيران وألمانيا، ومحاولة إنتاج موقف ألماني لا يضرب المصالح الإيرانية. ووفق ذلك يفسر عدم اتخاذ الحكومة الألمانية موقف قوي من النظام الإيراني على غرار الموقف البريطاني والفرنسي فيما يتعلق بالتعامل مع الاحتجاجات الشعبية[75]. ذلك بخلاف الموقف البريطاني الذي يميل أغلب الأحيان للسياسات الأمريكية، سواء فيما يتصل بإيران أو غيرها (الحرب على العراق خير مثال). وإن كان الموقف البريطاني ظل طوال فترة حكم تريزا ماى قريبا من الموقف الفرنسي والألماني وبعيدا عن الولايات المتحدة، حيث رفضت لندن الخروج من الاتفاق النووي (حتى رغم البريكست)، وشاركت بريطانيا في كل الاجتماعات حول تفعيل آلية “أنستكس” الاقتصادية، إلا أنه مع تولي بوريس جونسون رئاسة الحكومة حدث تحول نسبي ضد إيران؛ حيث قامت لندن بعدد من الخطوات ضد طهران، أبرزها دعم الحملة الأمريكية على مليشيات إيران في العراق[76].

وبشأن المصالح الأوروبية السياسية والاقتصادية بالشرق الأوسط ومع إيران، والتي يتولد عنها رغبة القوى الأوروبية في الحفاظ على الاستقرار، فالاتحاد الأوروبي علاوة على الاستفادة من مصادر الطاقة الإيرانية (النفط الإيراني، عالي الجودة ومنخفض التكلفة) وتحقيق بعض المصالح الاقتصادية والاستثماراتها مع إيران[77] وتعزيز صادرات سلعه الصناعية من خلال توسيع العلاقات الاقتصادية مع إيران في وقت سجّلت معدّلات النموّ الأوروبية أرقاماً منخفضة على مدى العقد المنصرم[78]، فضلا عن ذلك يستطيع الاستفادة من مكانة إيران الجغرافية والسياسية والاستراتيجية لإقامة نوع من توازن النفوذ في منطقة الشرق الأوسط مع الولايات المتحدة[79].

على جانب آخر تخشى أوروبا عدد من التهديدات التي قد يرتبها انهيار الاتفاق النووي، على سبيل المثال، أولاً تهديد الممرات المائية، التي يصل من خلالها النفط إليها. فبخلاف الولايات المتحدة، تعتمد أوروبا في جزء كبير من احتياجاتها للطاقة على الخارج. ثانياً، تخشى من أن يؤدي انهيار الاتفاق لامتلاك إيران سلاحاً نووياً، دون القدرة على التوصل لاتفاق جديد. كما تخشى من أن تؤدي الأزمة لحرب أو تصعيد عسكري، يزيد من معضلة اللاجئين في الداخل الأوروبي[80].

وفي هذا الإطار، أيّد تقرير الاستراتيجية العالمية للاتحاد الأوروبي الصادر بعد عام واحد على توقيع خطّة العمل الشامل والمشترك، التزاماً متوازناً: بمعنى أنه سيتابع الاتّحاد الأوروبي التعاون مع مجلس التعاون الخليجي والبلدان الخليجية منفردة. وانطلاقاً من الاتّفاق النووي الإيراني وعملية تنفيذه، سيُشرك الاتّحادُ الأوروبي أيضاً تدريجياً إيران في مجالات مثل التجارة والأبحاث والبيئة والطاقة ومكافحة الاتّجار والهجرة والتبادلات المجتمعية. ذلك بما يعزِّز الحوارَ مع إيران وبلدان مجلس التعاون الخليجي حول الصراعات الإقليمية وحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، سعياً لتفادي انتشار عدوى الأزمات القائمة ومعزّزاً التعاون والدبلوماسية[81].

لكن هل يعني ذلك ثبات المواقف المطلق؟ إن تلك المنطلقات ذاتها التي تجعل أوروبا تتخذ مواقفة هادئة إزاء إيران هي التي تدفع إلى العكس أحيانًا، كما بدا مؤخرًا (وسنفصل فيما بعد في السلوك الأوروبي في المسارين). إن الأمر يتوقف على مدى استجابة السياسة الإيرانية للمتطلبات الأوروبية، خاصة فيما يتعلق بالتأثير في السياسات الإقليمية وتوازنات القوى؛ لذا فكما أن الاتحاد الأوروبي عمل على تقليص حدة الضغوط الأمريكية على إيران وجعل علاقته مع إيران أكثر حضورًا، إلا أنه لا يخفى أن الاتحاد الأوروبي في بعض الأحيان تبنّى سياسة أكثر حدة من التى تتبناها الولايات المتحدة خاصة فيما يخص البرامج النووية الإيرانية[82].

وهو ما نلاحظه في المرحلة الراهنة؛ نظرا لبعض الحسابات الأوروبية والسياسات الإيرانية، حيث الطريقة التي تتعامل بها إيران إقليميًا كدعم القصف الحوثي لدول الخليج المستمر، والخطورة التي تسببها إيران لدول المنطقة والعداء المستمر لها. وشن الهجمات المتكررة وكذلك الاستمرار في دعمها للميليشيات بحزب الله، إلى جانب الطائفية التي تؤسس لها إيران في العراق، ونهب الثورات الخاصة بالعراق[83]؛ بما يعني أن السياسات الإيرانية لم تعدّ متوائمة مع ما سبق الإشارة إليه من منطلقات وجهت المواقف الأوروبية الرافضة للتعنت الأمريكي. ذلك فضلا عن أنه من الأساس لا يمكن تجاهل اختلاف بين مواقف القوى الأوروبية بين متشدّد تمثله بريطانيا وفرنسا، وموقف متفهم للموقف الإيراني تمثله ألمانيا.

ثانيًا- مسارات الاستراتيجية الأوروبية (التقارب والتباعد مع الولايات المتحدة):

وقفت أوروبا موقفًا حرجًا بين طرفي الأزمة، واللذان عولا عليها في استراتيجيتهما. فبينما عولت إيران على الدور الأوروبي في إجهاض استراتيجية “ترامب”، وتقليل فاعلية العقوبات، فقد عوّل الأخير على الدور الأوروبي في كبح جماح إيران، ومنعها من تطوير قدراتها النووية، في ظل العقوبات التي يفرضها عليها. لكن ما حدث أنه لم تستطع دول أوروبا تجاوز العقوبات الأمريكية، ودعم إيران اقتصاديا بالشكل الذي يرضيها، وهو ما ترتب عليه فشلها في منع إيران من تطوير قدراتها النووية، بعد أن واصلت تقليص التزاماتها النووية[84]. وبشكل عامّ فالأمر أصبح في حدّه الأدنى؛ محاولة الأوروبيين تجنب الاصطدام بإدارة ترامب المتشدّدة من ناحية، لكنهم من ناحية أخرى يبعثون بالتطمينات للإيرانيين ويحثونهم على التمسك بالاتفاق النووي بالرغم من ضغوطات إدارة ترامب، وفي الوقت نفسه ردعهم في حال تجاوز التصعيد[85].

وقد قامت الاستراتيجية الأوروبية الداعية للتهدئة على ما يلي:

المسار السياسي: منذ بداية التغير في الموقف الأمريكي مع مجيء ترامب حث الاتحاد الأوروبي أعضاء الكونجرس الأمريكي على عدم العودة لفرض العقوبات على طهران. وقال وزراء خارجية الاتحاد المجتمعون في لوكسمبورج عام 2017 إن عدم احترام اتفاق دولي دعمه مجلس الأمن قد يكون له عواقب وخيمة على السلام الإقليمي، وقد يقوض جهود كبح الطموحات النووية لكوريا الشمالية[86].

أيضًا قامت الأطراف الأوروبية بجهزد للوساطة، على سبيل المثال: في يوليو 2019، أكدت المفوضة العليا لشؤون الأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني في زيارة لها إلى بغداد، بعد أن التقت مع رؤساء البرلمان والجمهورية والحكومة العراقية، ، فيما يتعلق بالتصعيد، بعد أن أبلغت القيادة العراقية دعم الاتحاد الأوروبي للدبلوماسية العراقية، في مساعيها لاحتواء هذا التصعيد بين إيران والولايات المتحدة  محذرة من عواقب حدوث مغامرة خطيرة، وذلك على خلفية احتجاز الناقلة النفطية الإيرانية التي تهرب النفط إلى سوريا[87].

أعلنت ألمانيا في 30 أغسطس 2019 أن الدول الأوروبية ستكثف الجهود الدبلوماسية لإنقاذ الاتفاق النووي، وذلك بعد إجراء محادثات مع فرنسا وبريطانيا.

أيضًا جهود الوساطة التي قامت بها فرنسا، من أجل إنقاذ الاتفاق النووي ومنع إيران من الخروج منه من ناحية، ودفع الطرفين الإيراني والأمريكي لطاولة الحوار من ناحية أخرى[88]؛ ذلك أن فرنسا تدرك أن الرئيس الأمريكي لن يخوض مغامرة عسكرية في سنة انتخابية، كما تدرك فرنسا أن إيران لا تريد، بدورها، مغامرة عسكرية، ستكون كارثية بالنسبة لها على كافة المستويات[89]. حيث إنه في عام 2019 وحتى خلال فترة التوتر التي عقبت إسقاط طائرة الاستطلاع الأمريكية، طرح ترامب خيار عقد اجتماع مع الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال زيارته إلى الأمم المتحدة في سبتمبر للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وعلى خط متوازٍ طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إمكانية توسطه لجمع ترامب وروحاني بشكل غير رسميّ خلال وجودهم في الأمم المتحدة. ولكن هذه الطروحات وصلت إلى طريق مسدود لأكثر من سبب من بينها معارضة المرشد الإيراني علي خامنئي، وإصرار إيران على تراجع واشنطن عن بعض العقوبات، وهو ما رفضته إدارة ترامب. وقد زالت احتمالات عقد مثل هذا اللقاء بسبب ضربة أرامكو، واستبعاد الطرفين هذا الخيار من حساباتهما[90].

كذلك إعلان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في 23 سبتمبر 2019، خلال الجلسة الـــ 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، ضرورة التوافق حول الخلافات الأمريكية الإيرانية ووضع حد للتوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب وإيران من جانب آخر حول أنشطتها النووية ودورها الإقليمي في المنطقة العربية، وعلى الرغم من ذلك أكد فقد أكد رئيس وزراء بريطانيا جونسون، إنه بغض النظر عن آراء الجميع بشأن الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية فقد حان الوقت للتفاوض على اتفاق جديد[91].

كذلك اتبعت أوروبا سياسة الصبر الاستراتيجي والاحتواء مع إيران، على سبيل المثال: لم تتهم الدول الأوروبية الثلاث صراحة الحكومة الإيرانية بالوقوف وراء الهجمات الخطيرة التي شهدتها منطقة الخليج قبالة ميناء الفجيرة في 12 مايو 2019، وبعدها التحرش الإيراني بالسفن التجارية في 13 يونيو 2019، وتعاملت بريطانيا والدول الأوروبية “بصبر استراتيجي” مع خطف السفينة البريطانية “ستينا إمبيرو” رداً على احتجاز سفينة إيرانية خرقت الحظر المفروض على بيع النفط للحكومة السورية، وقد سبقت الإشارة إلى تلك الوقائع”[92].

وكان التحذير من المخاطر ومحاولة استباقها سمة أساسية للسياسة الأوروبية، فقد عقد وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا اجتماعاً، في بروكسل لبحث الملفّ الإيراني بحضور وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، بعد أربعة أيام على اغتيال قاسم سليماني لمناقشة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران عقب الاغتيال[93].

في هذا الإطار وذات التوقيت أيضَا صرح مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إنه يأسف لإعلان إيران التخلي عن التزامات بموجب الاتفاق النووي المبرم عام 2015 (كردّ فعل على حادث الاغتيال). وقال بوريل إن الاتحاد الأوروبي سيعتمد على تقييم الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتدقيق في التزام إيران بالاتفاق؛ ليؤكد أن “التطبيق الكامل للاتفاق النووي من الجميع الآن أهم من أي وقت مضى من أجل الاستقرار الإقليمي والأمن العالمي”[94].

المسار الاقتصادي: تجدر الإشارة إلى أنه بمجرد توقيع الاتفاق النووي الإيراني والبدء فى رفع العقوبات على إيران بدأت تتوافد على طهران ممثلي العواصم الأوروبية، وكان تدفق الاستثمارات والتبادل التجارى بين إيران والدول الأوروبية. وجاء التبادل الاقتصادى بين إيران وأوروبا بفائدة للجانبين؛ وذلك في محاولة لمعالجة التعثّر الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها أوروبا منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وعلى الجانب الآخر رغبة إيران فى الحصول على فرص أكبر للتبادل التجاري (كما سلف الذكر) خاصة بعد الإفراج عن الأموال المجمّدة لها فى البنوك الأوروبية، كما تعتبر إيران صاحبة ثالث أكبر احتياطي للغاز، ورابع أكبر احتياطي نفطي في العالم. وتحرص أوروبا على الحصول على إمدادات من إيران كبديل للواردات من روسيا[95].

أما عقب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، فقد استمرت السياسة الاقتصادية الأوروبية على النهج ذاته، حيث تمسك الاتحاد الأوروبي باستمرار علاقاته الاقتصادية مع ايران التي حققت معدلات نمو سريعة خلال الفترة 2015 -2017 بلغت 5,8 في المئة[96].

وكان بحث استخدام قنوات دفع جديدة بعيدا عن نظام الدفع الأمريكي، وكان الإعلان عن آلية “إنستكس” المالية، وقد أنشأتها كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا نهاية يناير 2019، وهي تقوم على تسهيل التبادلات التجارية مع إيران وتفادي العقوبات الأمريكية عبر الاستغناء عن استخدام الدولار في تسوية الصفقات، أو المرور عبر شبكة التحويلات المالية “سويفت”، ذلك فضلا عن حماية الشركات الأوروبية العاملة في إيران من العقوبات الأمريكية[97]، والاسم هو اختصار لما يعرف بـ “أداة دعم المبادلات التجارية مع طهران”[98].

وقد انعكس التخوف الأمريكي من الإجراءات الأوروبية في عدد من التصريحات الرسمية وغير الرسمية؛ إذ ذكر مستشار غير رسمي لإدارة ترامب لوكالة “أسوشيتد برس” أن لدى البيت الأبيض عدة نقاط مقلقة بخصوص الآلية المالية الجديدة، وهي تتعلق بإمكان أن تكون قادرة على التنافس بشكل فعال مع الآلية المصرفية الدولية الحالية “سويفت” كما يقلقها كذلك أن تستخدم دول أخرى خارج أوروبا الآلية الجديدة للحفاظ على تعاونها مع طهران. أما النقطة الثالثة فتعود إلى احتمال استغلال الآلية لتنفيذ عمليات خارج المجال الإنساني، رغم الوعود الأوروبية[99].

ولضمان الفاعلية حدّث الاتّحاد الأوروبي معايير الإقراض الخارجي التابع لبنك الاستثمار الأوروبي من خلال منح إيران أهليّة القيام بأنشطة استثمارية. غير أنّ السياسيّين الأوروبيّين لا يتمتّعون بالقوّة الكافية لإجبار الجهات الفاعلة الاقتصادية الأوروبية على القيام بأنشطة تجارية مع إيران نظراً إلى تهديد العقوبات الأمريكية. وقد سبق أن أوقفت الكثير من الشركات الأوروبية أنشطتها مع إيران خوفاً من الغرامات الأمريكية.  ومن ثم فمن أجل أن يستمرّ الالتزام الاقتصادي الأوروبي مع إيران، على الاتّحاد الأوروبي أن ينشئ قنوات تسديد معزولة عن الدائرة المالية التي تخضع للهيمنة الأمريكية[100].

ورغم تلك الصعوبات، لم تكن هذه الآلية أبدا مرضية للطرف الإيراني منذ البداية حين أعلن البنك المركزي الإيراني، أنه سيعمل على تأسيس كيان للتعاون مع الآلية المالية الأوروبية، مؤكدا في الوقت ذاته، أن هذه الآلية هي: “أقل بكثير من الالتزامات الأوروبية لمنع انهيار الاتفاق النووي”؛ وهو الأمر الذي أعاد التأكيد عليه مسئولون إيرانيون مع تفشي كورونا في بلادهم[101]. بل إن إيران عرقلت هذه الآلية برفضها وقف تمويل مليشياتها في المنطقة، خاصة حزب الله والحوثيين ومليشيا الحشد الشعبي في العراق، علما أن هذه المليشيات خاصة حزب الله موجودة على اللائحة الأوروبية للمنظمات الإرهابية[102].

كذلك هناك المبادرة الفرنسية المتمثلة في قرض أوروبي لإيران بقيمة 15 مليار دولار، مقابل الالتزام بتعهداتها تجاه الاتفاق النووي وتقديم ضمانات بشأن مضيق هرمز، وأنها تقبل بذلك فقط مقابل بيع نفطها. وفي 12 سبتمبر، أعلنت صحيفة “ديلي بيست” الأمريكية عن انفتاح “ترامب” على المقترح الفرنسي. وفي 15 سبتمبر، أعلنت إيران عن موافقة الدول الأوروبية على إيداع 15 مليار دولار في آلية “أنستكس” على ثلاث دفعات؛ لتجارة النفط[103].

وكان تفسير تلك التوجهات الفرنسية أن الهامش الضيق الذي تحاول الدبلوماسية الفرنسية التحرك في إطاره هو موافقة أمريكية على بعض الاستثناءات في تسويق النفط الإيراني، مقابل عودة الإيرانيين عن بعض التجاوزات التي قاموا بها للاتفاق النووي، والمساعي الفرنسية لا تنبع من النوايا الطيبة وإنما الرغبة في علاج بعض الاختلالات التي أصابت أوروبا سياسيًا واقتصاديًا جراء نظام العقوبات الأمريكي[104]. كذلك تجدر الإشارة إلى أن أوروبا قد قامت بدور رئيس في تحديث البنية التحتية الصناعية لإيران [105].

على الجانب المقابل، يمكن رصد بعض المؤشرات على تخوف الموقف الأوروبي في كثير من الأحيان إزاء السلوك الإيراني –على نحو ما ذكر- حتى بدا مؤخرا أن هناك شيئا من التحول في الموقف الأوروبي:

  • التصريحات الرافضة للسياسة الإقليمية الإيرانية وتجاوزاتها وما تسببه من خلل أمني، على سبيل المثال، رغم التخوف الأوروبي من تداعيات اغتيال سليماني، إلا أن ذلك لم يخف موقفها إزاءه، حيث كان لافتاً أن ألمانيا التي لها علاقات خاصة مع إيران هي أول دولة في الاتحاد الأوروبي تؤيد قتل قاسم سليماني، بل اعتبرت برلين سليماني مصدرا لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. وهو ما دفع الحكومة الإيرانية لاستدعاء القائم بالأعمال الألماني في طهران. كما وقف وزير الخارجية الفرنسي جان إيفل ودريان بجانب الولايات المتحدة في قتل سليماني واتهم إيران ومليشياتها وسليماني بأنهم وراء عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، كما اتهم إيران بتقويض الحرب على الإرهاب في المنطقة”[106].

ولا شك أن هذا الموقف يعود لأن الحرس الثوري الإيراني لم يهاجم القوات الأمريكية فقط في قاعدتي عين الأسد وحرير في كردستان العراق، بل استهدف قوات التحالف الدولي بالكامل، وهو ما دفع بريطانيا لإرسال مزيد من القوات للعراق والمنطقة، في حين قلصت ألمانيا عدد مستشاريها العسكريين، وقامت فرنسا بإجراءات احترازية جديدة لحماية قواتها وقواعدها العسكرية في المنطقة[107].

  • أعلنت الترويكا الأوروبية في فبراير 2020 في بيان لها أنها تقوم بتفعيل آلية فض الخلاف، والتي ينص عليها الاتفاق النووي في حال تنصَّل أحد الجانبين عن التزاماته. وجاء ذلك تحت وطأة التصعيد الإيراني (الهجمات العسكرية، والتنصل من الالتزامات النووية) والتهديد الأمريكي. حيث كان وزير الدفاع الألماني أكد أن لجوء الثلاثي الأوروبي إلى تفعيل آلية فض الخلاف جاء بعد أن هدّد الأمريكان الجانب الأوروبي بفرض رسوم جمركية بنحو 25 في المائة على السيارات الأوروبية في حال لم يقم الثلاثي بتفعيل الآلية. وقد أكدت فرنسا على لسان الرئيس إيمانيول ماكرون أن العالم لن يقف مُتفرِّجاً إزاء التهور النووي الإيراني، وأن هناك حاجة إلى اتفاق يتضمن زوايا جديدة، على رأسها البرنامج الصاروخي الإيراني.

وفي ظل هذا التصعيد الأوروبي، أظهرت إيران سَخَطاً من الموقف الأوروبي؛ إذ أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن الاتحاد الأوروبي باع استقلاليته ومكانته وخضع لابتزاز من الولايات المتحدة[108]. رغم ذلك أعلن ممثل الاتحاد للشؤون الخارجية، الإسباني جوزيب بوريل، أن الاتحاد الأوروبي الذي قام بتفعيل “آلية فض الخلاف” قرر منحها مهلة مفتوحة تفاديًا لإحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن مما يعني “نهاية الاتفاق النووي”[109].

  • الموقف من تمديد حظر الأسلحة على إيران: ومثل هذا الأمر تحديداً المحور الأساسي للخلافات الأمريكية-الأوروبية في التعامل مع إيران خلال الفترة الماضية. إذ لم تؤيد الدول الأوروبية بادئ الأمر مشروع القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن في 15 أغسطس 2020، وسعت من خلاله إلى تمديد الحظر المفروض على إيران في مجال الأسلحة الثقيلة، والذي لم تدعمه سوى جمهورية الدومينيكان فقط، كما رفضت قيام واشنطن في 20 سبتمبر الفائت، بتفعيل آلية “الزناد” أو العودة التلقائية للعقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران قبل الوصول للاتفاق النووي ورفعت بمقتضى القرار 2231.

اللافت في هذا السياق أنه بالتوازي مع رفض أوروبا تمديد الحظر الأممي المفروض على إيران في مجال الأسلحة الثقيلة، كان هناك إصرار من جانبها على استمرار العمل بحظر توريد الأسلحة الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي حتى عام 2023 [110]. وطبقاً لتلك الرؤية، إيران ليست لديها السيولة المالية الكافية لإبرام صفقات عسكرية نوعية مع روسيا أو الصين[111]. أيضًا تعتبر أوروبا أن الاستحقاق الأهم من الأسلحة الثقيلة، يتمثل في الحظر المفروض على الصواريخ الباليستية، الذي من المتوقع، وفقاً للاتفاق النووي، رفعه في عام 2023، باعتبار أن هذه الصواريخ هى القادرة على تهديد المصالح الأمريكية والأوروبية بشكل مباشر[112].

كما حاولت أوروبا عبر هذه السياسة تأكيد أنها ما زالت ملتزمة باستمرار العمل بالاتفاق النووي، وهي رسالة تحاول الدول الأوروبية توجيهها إلى إيران تحديداً، ومفادها أن الالتزام بالاتفاق هو الشرط الأساسي لمواصلة تطبيقه، وذلك في إطار محاولاتها إقناع طهران بالعدول عن خطواتها التصعيدية المتتالية. لكن هذه المحاولات لم تحقق نجاحاً يذكر في دفع إيران إلى تغيير موقفها[113].

الأمر الذي دفع الترويكا الأوروبية مؤخرا إلى إعلان معارضتها رفع حظر الأسلحة عن إيران، موجهة تحذيراً لطهران من أن “عدم التراجع عن خروقاتها للاتفاق النووي قد يعرض هذا الاتفاق للخطر”. وكتب وزراء الخارجية الثلاثة في إعلان مشترك، نرى أن رفع الحظر المقرر في أكتوبر 2020 الذي تفرضه الأمم المتحدة على الأسلحة التقليدية والذي وضع بموجب القرار 2231، يمكن أن تكون له آثار كبيرة على الأمن والاستقرار الإقليميين”، علما أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أيضًا قد تبنّت مؤخرًا قراراً ينتقد إيران بشأن برنامجها النووي[114].

  • انتقادات بشأن حقوق الإنسان: على سبيل المثال، ساءت العلاقات بين طهران والاتحاد الأوروبي، بسبب إعدام الصحفي روح الله زام، الذي سبق أن مُنح حق اللجوء السياسي في فرنسا. تجدر الإشارة إلى أن إعدام زام ليس أول عمل مزعج للاتحاد الأوروبي من هذا النوع تقوم به سلطات الجمهورية الإسلامية في السنوات الأخيرة. فقد حكم على الباحث في علم الاجتماع، البريطاني من أصل إيراني، كميل أحمدي، بالسجن تسع سنوات. وقد كان أحد مصادر المعلومات للمنظمات الدولية حول أوضاع حقوق الإنسان في إيران. (من التفسيرات أنه ربما قررت السلطات الإيرانية التشدد إزاء الاتحاد الأوروبي من أجل التعبير عن عدم رضاها بشأن الدعم السياسي والاقتصادي الأوروبي)[115].
  • وفي تقييم عام للسياسات الأوروبية إزاء الأزمة الأمريكية الإيرانية، نجد أنها لم تتمكن من تحقيق كل أهدافها، وإن لم يسقط الاتفاق النووي حتى هذه اللحظة، فثمة تحديات سياسية واقتصادية تتعلق في جانب ليس بقليل منها باختلال موازين القوى لصالح الولايات المتحدة، فليس بمقدور الاتّحاد الأوروبي أن يتجاهل سياسة الولايات المتّحدة على الرغم من أنّ هدفه المُعلَن هو أن يشقّ مساره الخاصّ في ما يتعلّق بسياسة إيران.

مثلا: من الناحية الاقتصادية، قللت العقوبات الأمريكية المعاد فرضها من جدوى الالتزام الأوروبي الاقتصادي مع إيران، نظراً إلى الهيمنة الأمريكية في النظام المالي الدولي (فاليورو لا يمكن أن يكون بديلا موثوقا عن الدولار بصفته عملة للاحتياطي الأجنبي حتى تُجرى إصلاحات جذرية له، ومن دون عملة احتياطي موثوق بها فلن تستطيع القوة المالية لأوروبا أن تتنافس مع القوة المالية للولايات المتحدة)[116]. وإلى صغر حجم علاقات الاتّحاد الأوروبي التجارية مع إيران مقارنة بتلك التي تربط الاتّحاد بالولايات المتّحدة[117].

ومن الناحية الجيوسياسية، تشكّل سياسة الضغط الأقصى الأمريكية تحدّياً هائلاً بالنسبة إلى الاتّحاد الأوروبي خاصة مع ما ترتبه من ضربات انتقامية إيرانية، وعليه لم يتمكن الاتحاد من المساعدة بفعاليّة في تخفيض العداوة الإقليمية الإيرانية السعودية، أو تحقيق تقدمً في ساحات صراع متعدّدة في أنحاء المنطقة، خاصة مع التعنت التصعيدي الإيراني على الجانب الآخر، والمستند على منطلقات أيديولوجية جامدة[118].

كما لا يجب إغفال أثر الانقسامات الداخلية في الاتحاد الأوروبي بشأن السياسة الخارجية، خاصة بعد تصويت بريطانيا عام 2016 على مغادرة الاتحاد، وما يعنيه ذلك من تفتت وتشتت في عناصر القوة والتأثير.

لذا فإن الفاعل الأوروبي رغم دقته في تحديد الأهداف ورسم المسارات واستدعاء أيا منها عند الحاجة، يجد نفسه مضطرًا بعض الأحيان إلى الرضوخ لتهديدات وضغوط أمريكية (كما ذُكر)، كما أن القوى الأوروبية ستقدم دائما علاقتها مع الولايات المتحدة على علاقتها مع إيران، نظرا لتشابك المصالح الاقتصادية والأمنية في كثير من جهات العالم [119]. لكن هل يحمل فوز “بايدن” جديدًا للثلاثي الأمريكي الإيراني الأوروبي؟

خاتمة: إيران…. بايدن.. أوروبا: ما مستقبل المعادلة؟

بداية، هناك توجه عام للتفاؤل عقب فوز بايدن الديمقراطي بانتخابات الرئاسة الأمريكية بشأن عدة ملفات إقليمية وبينها الملف الإيراني، وذلك نظرًا لاختلاف الخلفيات الفكرية والاستراتيجيات عن الجمهوري ترامب وتوجهاته الصدامية. لكن لا شك أن الأمر ليس بتلك السهولة؛ فثمة متغيرات أخرى وتعقيدات يجدر أخذها في الاعتبار. وفي الحالة الإيرانية نحن في هذا التقرير بصدد معادلة من ثلاثة أطراف أساسية: إيران، أوروبا، الولايات المتحدة.

نعم إن جوزيف بايدن الذي أصبح رئيسا منتخبا، أكد أن الولايات المتحدة ستعود إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، بشأن البرنامج النووي الإيراني. وهذا يعني أنه ربما يجري تخفيف العقوبات الأمريكية ضد إيران. ولكن ثمة احتمالات وتعقيدات:

هل تشير الأمور أنه سيحدث تنسيق أمريكي أوروبي (لاسيما أن كلاًّ من ألمانيا وفرنسا دعت إلى مقاربة مشتركة مع الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن حول الاتفاق النووي الإيراني[120]، كما أن بايدن صرح أن ترامب لم يكن يعرف أصدقاء الولايات المتحدة، وأن أوروبا الموحدة الديمقراطية أمر حيوي للولايات المتحدة[121]؟ وهل من الممكن أن يعاد ترتيب أوراق اللعبة وتقسيم الأدوار؛ بمعنى أنه في حين ترجع الولايات المتحدة خطوة للخلف، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يفعل العكس. خاصة أن إنزال عقوبات بحق إيران على انتهاكها حقوق الإنسان سيعود إلى جدول أعمال دول الاتحاد الأوروبي[122]؟ علمًا أن بايدن قال إنه “سيواصل استخدام العقوبات الموجهة ضد انتهاكات إيران لحقوق الإنسان ودعمها للإرهاب وبرنامج الصواريخ الباليستية”[123].

أم إن التنسيق على هذا النحو أو غيره بين الجانبين الأوروبي والأمريكي أمرٌ تواجهه المصاعب؛ حيث إن سبب الفجوة القائمة بين الاتّحاد الأوروبي والولايات المتّحدة في شأن إيران لا تقتصر على الرئيس ترامب وحده، وإنما هناك خلاف في الرؤى بين الطرفين حول عدد من الملفات الإقليمية التي هي في الوقت نفسه ذات الصلة بطهران[124]؟

ويزيد من التعقيد التصريحات الإيرانية، حيث تصريحات مسؤولين إيرانيين أن أي محادثات يجب أن تتم بعد الانتخابات الرئاسية في إيران في منتصف عام 2021 والتي من المتوقع أن يفوز فيها متشددون مناهضون للولايات المتحدة[125].

بشكل عام من غير المتوقع أن يحدث تغير جذري بين عشية وضحاها، فرغم أن تقديم تنازلات جزئية يبقى محتملا، مثل تحرير أرصدة إيرانية مجمدة، إلا أنه لا نية لدى الولايات المتحدة وأوروبا لرفع العقوبات قبل حل جميع القضايا العالقة، وأخطرها البرنامج الصاروخي، الذي تعتبره إيران مسألة سيادية لا تخضع للتفاوض أبدا[126]. بل إن الخصوم المتشككين سيرغبون في التزامات إضافية من بعضهم البعض[127].

على سبيل المثال، فإن عودة بايدن للاتفاق النووي لن تعني العودة له على ما كان عليه، فبايدن مع تعديل الاتفاق الحالي بصيغة جديدة تشمل ضمانات صارمة لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، وذلك بتعديل البند المتعلق بمدة الاتفاق، بند الغروب؛ ولذلك سيتفاوض بايدن على جعل التزام إيران بعدم زيادة التخصيب بشكل دائم.

فى المقابل ترفض إيران إجراء أي تعديل على الاتفاق النووي وتصر على الاتفاق الحالي بكل بنوده، ورغم أنها قد تبدي مرونة فيما يتعلق بتمديد مدة الاتفاق فإنه من الصعب عليها تقديم تنازلات فيما يتعلق ببرنامجها الباليستى وهو أهم سلاح تمتلكه، فقد صرح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أنه يريد عودة الولايات المتحدة للاتفاق مرة أخرى، لكنه قال إن “العودة للاتفاق لا تعني إعادة التفاوض”؛ لأنه “إذا أردنا القيام بذلك (إعادة التفاوض)، لكنا فعلنا ذلك مع الرئيس ترامب قبل أربع سنوات”[128]. كما أن إيران تتنازل عن دعم أذرعها العسكرية فى المنطقة، وهو ما يمثل أيضا عقبة أمام الحوار مع إدارة بايدن[129].

أما أوروبا، ففضلا عن التحديات السابق الإشارة إليها بصددها، فإنها ربما تحاول تلمس سبيل مختلف مع إدارة بايدن رغم نقاط الخلاف حول الأوضاع الإقليمية، وذلك بما يحقق مصالحها المتعثرة، لاسيما أن إدارة بايدن من المنتظر أن تكون أكثر مرونة، فيمكن لأوروبا أن تتواصل بشكل أعمق مع مجموعة العمل بشأن إيران التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية. كما أن ذلك لا يشترط أن يكون على حساب الاستقلال الأوروبي، فالاتحاد الأوروبي بإمكانه تعزيز استقلاليته من خلال تأسيس قنوات دفع مستقلّة عن الولايات المتّحدة، مثل صندوق نقد أوروبي [130].

وعلى ضوء ذلك، يمكن الإشارة إلى مسارين متتاليين ومتوازيين لإدارة للأزمة للمرحلة المقبلة:

المسار الأول، يتمثل في تأسيس قنوات تواصل سرية تساعد في تهيئة المجال أمام إجراء مفاوضات رسمية بعد ذلك، هذا بما قد يقلص من مساحة الخلافات ويسهم في تنفيذ مقاربة “العودة مقابل العودة”.

والمسار الثاني، ينصرف إلى مزيد من التفعيل لدور الوسيط بين الطرفين الأمريكي والإيراني من أجل تسوية الخلافات بينهما. وهنا، فإن الدول الأوروبية وروسيا هي المرشحة لممارسة هذا الدور، وإن كان ذلك لا ينفي أن ثمة عقبات قد تحول دون ذلك. إذ إن من المنتظر من إيران معاودة التشكيك في مدى حيادية الدول الأوروبية[131].

*****

الهوامش

[1] خبراء يثبتون فاعلية الضغوط الأمريكية على إيران، الوطن، 26 ديسمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/VRdOK

[2] محمود حمدي أبو القاسم، الرهان الأمريكي على أزمات الداخل في إيران، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 18 أكتوبر 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/5SmtF

[3] مستقبل النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط في ظل العقوبات الأمريكية، رؤية تركية، السنة 8، العدد2، مايو 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/i8Eme

[4] طارق دياب، تطورات الأزمة الإيرانية واستراتيجيات الأطراف الفاعلة، المعهد المصري للدراسات الاستراتيجية، 11 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/madCF

[5] محمود حمدي أبو القاسم، الرهان الأمريكي على أزمات الداخل في إيران، مرجع سابق.

[6] المرجع السابق.

[7] مايك بومبيو، المواجهة .. استراتيجية إدارة “ترامب” تجاه إيران، ترجمة: مرﭬت زكريا، المركز العربي للبحوث والدراسات، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/q5nnN

المقال الأساسي بعنوان:

  • Michael R. Pompeo, Confronting Iran: The Trump Administration’s Strategy, Foreign affairs, December 2018, available at: https://cutt.us/Enuhw

[8] المرجع السابق.

[9] المرجع السابق.

[10] المرجع السابق.

[11] المرجع السابق.

[12] المرجع السابق.

[13] المرجع السابق.

[14]  أثر رحيل هوك على مسار الضغوط الأمريكية على إيران، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 12 أغسطس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/UGD0Z

[15] المرجع السابق.

[16] مرفت زكريا، مأزق حظر السلاح… والصراع الأمريكي –الإيراني، مختارات إيرانية، العدد212، نوفمبر –ديسمبر 2019.

[17] التصعيد الأمريكي ضد إيران ينتقل من العقوبات إلى الحشد العسكري، المصري اليوم، 7 مايو 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/4chwV

[18] المرجع السابق.

[19] التصعيد الأمريكي الإيراني… هل يتحول لمواجهة مفتوحة على أراضي العراق؟، شفق نيوز، 8 أبريل 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/9iiHk

[20] طارق دياب، تطورات الأزمة الإيرانية واستراتيجيات الأطراف الفاعلة، مرجع سابق.

[21] محمد مصطفى العمراني، أهداف التصعيد الأمريكي الجديد ضد إيران، رأي اليوم، 7 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/ZEmLQ

[22] انظر الآتي:

  • مايكل ت, كوري شيك, ديفيد ديبتولا ، الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران: إعادة إحلال الردع وتمكين الدبلوماسية ، معهد واشنطن، 14 فبراير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/vReYE
  • قاسم سليماني: لماذا استهدفته الولايات المتحدة؟، بي بي سي عربي، 3 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/9Db4j

[23] طارق دياب، تطورات الأزمة الإيرانية واستراتيجيات الأطراف الفاعلة، مرجع سابق.

[24] المرجع السابق.

[25] د.نورا الحفيان، مسارات الموقف الأمريكي من الملف النووي الإيراني، المعهد المصري للدراسات الاستراتيجية، 5 أغسطس 2019، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/12r5Z

[26] طارق دياب، تطورات الأزمة الإيرانية واستراتيجيات الأطراف الفاعلة، مرجع سابق.

[27] المرجع السابق.

[28] انظر حول قانون قيصر:

  • رابحة سيف علام، قانون قيصر: من الصراع العسكري إلى الاقتصادي، مختارات إيرانية، العدد 212، نوفمبر – ديسمبر 2019، ص17.
  • جويل ريبيرن لـ “الوطن”: ضغوط أمريكية على إيران حتى الانسحاب من سوريا، الوطن، 23 ديسمبر 2020: https://cutt.us/ISs3W

[29] جويل ريبيرن لـ “الوطن”: ضغوط أمريكية على إيران حتى الانسحاب من سوريا، مرجع سابق.

[30] طارق دياب، تطورات الأزمة الإيرانية واستراتيجيات الأطراف الفاعلة، مرجع سابق.

[31] الأوروبيون وعقوبات ترامب على إيران، مركز الروابط، 5 مايو 2019، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/1uDGq

[32] طارق دياب، تطورات الأزمة الإيرانية واستراتيجيات الأطراف الفاعلة، مرجع سابق.

[33] هشام ملحم، سياسة الضغوط القصوى الأمريكية والانتفاضة الإيرانية، معهد دول الخليج العربي بأمريكا، 6 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/cx0PC

[34] طارق دياب، تطورات الأزمة الإيرانية واستراتيجيات الأطراف الفاعلة، مرجع سابق.

[35] أثر رحيل هوك على مسار الضغوط الأمريكية على إيران، مرجع سابق.

[36] محمود حمدي أبو القاسم، الرهان الأمريكي على أزمات الداخل في إيران، مرجع سابق.

[37] المرجع السابق.

[38] التصعيد الأمريكي-الإيراني.. أي مخاطر تواجهها دول الخليج؟، دويتشه فيليه، 8 مايو 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/4hxvI

[39] المرجع السابق.

[40] طارق دياب، تطورات الأزمة الإيرانية واستراتيجيات الأطراف الفاعلة، مرجع سابق.

[41] وزير النفط الإيراني يؤكد أن أمريكا احتجزت 4 ناقلات ويكشف التفاصيل، روسيا اليوم، 17 أغسطس 2020:https://cutt.us/WVQS0

[42] د.أشرف محمد كشك، حول إنشاء قاعدة بحرية إيرانية في المحيط الهندي، أخبار الخليج، 6 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/XqAxA

[43] انظر: د.محمد عباس ناجي، “العقوبات والحرب: المسارات المحتملة للتصعيد الإيراني- الأمريكي بين إرث ترامب وتوجهات بايدن”، كراسات استراتيجية، 311، نوفمبر 2020.

[44] عقوبات أمريكية ساحقة ضد إيران.. “سناب باك” في مهمة خاصة، العين، 8 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/VYyR1

[45] أثر رحيل هوك على مسار الضغوط الأمريكية على إيران، مرجع سابق.

[46] إيران تعتمد القوة القصوى في المناورات البحرية السنوية للحرس الثوري الإيراني، الحرة، 11 أغسطس 2020، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/uMEu8

[47] د.أشرف محمد كشك، حول إنشاء قاعدة بحرية إيرانية في المحيط الهندي، مرجع سابق.

[48] المرجع السابق.

[49] هشام ملحم، سياسة الضغوط القصوى الأمريكية والانتفاضة الإيرانية، مرجع سابق.

[50] محمود حمدي أبو القاسم، الرهان الأمريكي على أزمات الداخل في إيران، مرجع سابق.

[51] هشام ملحم، سياسة الضغوط القصوى الأمريكية والانتفاضة الإيرانية، مرجع سابق.

[52] محمود حمدي أبو القاسم، الرهان الأمريكي على أزمات الداخل في إيران، مرجع سابق.

[53] المرجع السابق.

[54] هشام ملحم، سياسة الضغوط القصوى الأمريكية والانتفاضة الإيرانية، مرجع سابق.

[55] بعد تأزم الملف النووي.. الموقف الأوروبي بين المطرقة الأمريكية والسندان الإيراني، المصري اليوم، 18 يوليو 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/OLOuX

[56] صافيناز محمد أحمد، إيران والحوار الاستراتيجي الأمريكي –العراقي، مختارات إيرانية، العدد 212، نوفمبر –ديسمبر 2019، ص22.

[57] هشام ملحم، سياسة الضغوط القصوى الأمريكية والانتفاضة الإيرانية، مرجع سابق.

[58] طارق دياب، تطورات الأزمة الإيرانية واستراتيجيات الأطراف الفاعلة، مرجع سابق.

[59] محمود حمدي أبو القاسم، الرهان الأمريكي على أزمات الداخل في إيران، مرجع سابق.

[60] مايكل ت, كوري شيك, ديفيد ديبتولا ، الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران: إعادة إحلال الردع وتمكين الدبلوماسية ، مرجع سابق.

[61] الصراع الأمريكى الإيرانى يشتعل.. صواريخ مجهولة تضرب محيط سفارة أمريكا بالعراق.. ترامب يهدد إيران بضربة غير مسبوقة.. ، اليوم السابع، 5 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/tycYZ

[62] أثر رحيل هوك على مسار الضغوط الأمريكية على إيران، مرجع سابق.

[63] طارق دياب، تطورات الأزمة الإيرانية واستراتيجيات الأطراف الفاعلة، مرجع سابق.

[64] مساع دبلوماسية أوروبية لإلزام إيران بالاتفاق النووي دون فرض عقوبات عليها، فرنسا 24، 14 يناير 2020: https://cutt.us/BGS3f

[65] محمود حمدي أبو القاسم، الرهان الأمريكي على أزمات الداخل في إيران، مرجع سابق.

[66] روحاني: الضغوط الأمريكية على إيران أثناء تفشي كورونا غير إنسانية، الوطن، 21 أبريل 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/EBTK8

[67] جوناثان ماركوس، فيروس كورونا: هل يصلح الوباء بين الولايات المتحدة وإيران؟، بي بي سي العربية، 19 مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/hOXyY

[68] روحاني: الضغوط الأمريكية على إيران أثناء تفشي كورونا غير إنسانية، مرجع سابق.

[69] انظر الآتي:

  • مرفت زكريا، مواقف متصاعدة … إيران بين المبادرة الروسية والتحالف الأوروبي الأمريكي في الخليج، المركز العربي للبحوث والدراسات، 3 أغسطس 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/dTBuz
  • تحديات عديدة: لماذا طرحت طهران التصديق على البرتوكول الإضافي؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 28 يوليو2019، متاح على الرابط التالي:  https://cutt.us/lK43v

[70] محمود حمدي أبو القاسم، الرهان الأمريكي على أزمات الداخل في إيران، مرجع سابق.

[71] مصطفى محمد صلاح، إيران بين التقارب الأوروبي والقطيعة الأمريكية، المركز العربي للبحوث والدراسات، 13نوفمبر2017، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/2h6Ss

[72] محمود حمدي أبو القاسم، الرهان الأمريكي على أزمات الداخل في إيران، مرجع سابق.

[73] المرجع السابق.

[74] طارق دياب، تطورات الأزمة الإيرانية واستراتيجيات الأطراف الفاعلة، مرجع سابق.

[75] تعارُض المواقف الأوروبية من تطبيق آلية فضّ الخلاف مع إيران: الأسباب والسيناريوهات، مركز الإمارات للسياسات، 19 فبراير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/cjiIE

[76] د.أيمن سمير، إيران والاستدارة الأوروبية الكاملة.. أسباب وتداعيات، العين، 12 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/6EkcQ

[77] طارق دياب، تطورات الأزمة الإيرانية واستراتيجيات الأطراف الفاعلة، مرجع سابق.

[78] علي فتح الله نجاد، أوروبا ومستقبل سياستها إزاء إيران: التعامل مع أزمة ثنائية، بروكنجز، 22 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/IRYFG

[79] مصطفى محمد صلاح، إيران بين التقارب الأوروبي والقطيعة الأمريكية، مرجع سابق.

[80] طارق دياب، تطورات الأزمة الإيرانية واستراتيجيات الأطراف الفاعلة، مرجع سابق.

[81] علي فتح الله نجاد، أوروبا ومستقبل سياستها إزاء إيران: التعامل مع أزمة ثنائية، مرجع سابق.

[82] مصطفى محمد صلاح، إيران بين التقارب الأوروبي والقطيعة الأمريكية، مرجع سابق.

[83] باحث يكشف عوامل تحول الموقف الأوروبي تجاه الاتفاق النووي مع إيران – فيديو، 6 ديسمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/TuqIS

[84] طارق دياب، تطورات الأزمة الإيرانية واستراتيجيات الأطراف الفاعلة، مرجع سابق.

[85] الأوروبيون وعقوبات ترامب على إيران، مرجع سابق.

[86] للمزيد، انظر:

  • مصطفى محمد صلاح، إيران بين التقارب الأوروبي والقطيعة الأمريكية، مرجع سابق.
  • الاتحاد الأوروبي يدافع عن الاتفاق النووي الإيراني رغم موقف ترامب، رويترز، 16 أكتوبر 2017، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/90c1g

[87] ما هو الموقف الأوروبي الحقيقي من التصعيد الإيراني الأمريكي؟، إذاعة مونتكارلو الدولية، 14 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/J1RvX

[88] طارق دياب، تطورات الأزمة الإيرانية واستراتيجيات الأطراف الفاعلة، مرجع سابق.

[89] ما هو الموقف الأوروبي الحقيقي من التصعيد الإيراني الأمريكي؟، مرجع سابق.

[90] هشام ملحم، سياسة الضغوط القصوى الأمريكية والانتفاضة الإيرانية، مرجع سابق.

[91] مصطفى صلاح، تجاذبات متعددة .. الاتحاد الأوروبي ومستقبل الاتفاق النووي، المركز العربي للبحوث والدراسات، 29 سبتمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/akIZi

[92] د.أيمن سمير، إيران والاستدارة الأوروبية الكاملة.. أسباب وتداعيات، مرجع سابق.

[93] ما محددات الموقف الأوروبي بعد التصعيد الأمريكي-الإيراني؟، التركية العربية، 7 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/JzRM5

[94] المرجع السابق.

[95] مصطفى محمد صلاح، إيران بين التقارب الأوروبي والقطيعة الأمريكية، مرجع سابق.

[96] المرجع السابق.

[97] طارق دياب، تطورات الأزمة الإيرانية واستراتيجيات الأطراف الفاعلة، مرجع سابق.

[98] الأوروبيون وعقوبات ترامب على إيران، مرجع سابق.

[99] المرجع السابق.

[100] علي فتح الله نجاد، أوروبا ومستقبل سياستها إزاء إيران، مرجع سابق.

[101] الأوروبيون وعقوبات ترامب على إيران، مرجع سابق.

[102] د.أيمن سمير، إيران والاستدارة الأوروبية الكاملة، مرجع سابق.

[103] انظر الآتي:

  • طارق دياب، تطورات الأزمة الإيرانية واستراتيجيات الأطراف الفاعلة، مرجع سابق.
  • 15 مليار دولار وضمانات بشأن هرمز.. هذه أبرز بنود المبادرة الفرنسية بشأن إيران، الجزيرة، 4 سبتمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/IMf5Q

[104] ما هو الموقف الأوروبي الحقيقي من التصعيد الإيراني الأمريكي؟، مرجع سابق.

[105] علي فتح الله نجاد، أوروبا ومستقبل سياستها إزاء إيران، مرجع سابق.

[106] د.أيمن سمير، إيران والاستدارة الأوروبية الكاملة، مرجع سابق.

[107] المرجع السابق.

[108] تعارُض المواقف الأوروبية من تطبيق آلية فضّ الخلاف مع إيران، مرجع سابق.

[109] المرجع السابق.

[110] مرفت زكريا، مأزق حظر السلاح… والصراع الأمريكي –الإيراني، مختارات إيرانية، العدد212، نوفمبر –ديسمبر 2019، ص29.

[111] كيف تتعامل أوروبا مع رفع حظر الأسلحة على إيران؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 11 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/rW1K

[112] المرجع السابق.

[113] المرجع السابق.

[114] محمد الجنون، الدول الأوروبية تقترب من سياسة أمريكا اتجاه إيران.. هل من خطوات مُقبلة؟، أخبار الآن، 23 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/ZHyfw

[115] الاتحاد الأوروبي سيعاقب إيران على إعدام الصحفي، روسيا اليوم، 16 ديسمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/QEKYD

[116] القوى الأوروبية والملف الإيراني.. عجز في مواجهة أمريكا، أخبار الخليج،  10 يوليو 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/X727G

[117] علي فتح الله نجاد، أوروبا ومستقبل سياستها إزاء إيران: التعامل مع أزمة ثنائية، مرجع سابق.

[118] المرجع السابق.

[119] القوى الأوروبية والملف الإيراني.. عجز في مواجهة أمريكا، مرجع سابق.

[120] موقف إدارة جو بايدن لن يكون مختلفاً عن موقف أوروبا المتشدد تجاه إيران، العربية، 22 نوفمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/21t4F

[121] د.دلال محمود، قضايا السياسة الخارجية للمرشح الديمقراطي جو بايدن، السياسة الدولية، العدد222، أكتوبر 2020، ص102.

[122] الاتحاد الأوروبي سيعاقب إيران على إعدام الصحفي، مرجع سابق.

[123] ايران اكثر ارتياحا الآن في التعامل مع الشيطان الأكبر.. تقرير: انتهى عهد ترامب.. هل تنتهي الضغوط الامريكية على إيران؟، اليوم الثامن، 8 نوفمبر 2020، متح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/bl77N

[124] علي فتح الله نجاد، أوروبا ومستقبل سياستها إزاء إيران: التعامل مع أزمة ثنائية، مرجع سابق.

[125] ايران اكثر ارتياحا الآن في التعامل مع الشيطان الأكبر، مرجع سابق.

[126] صابر كل عنبري، أوروبا توجه سياسة بايدن تجاه إيران، عربي 21، 26 ديسمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/8uIQG

[127] ايران اكثر ارتياحا الآن في التعامل مع الشيطان الأكبر، مرجع سابق.

[128] المرجع السابق.

[129] صابر عنبري، أوروبا توجه سياسة بايدن تجاه إيران، مرجع سابق.

[130] علي فتح الله نجاد، أوروبا ومستقبل سياستها إزاء إيران، مرجع سابق.

[131] د.محمد عباس ناجي، مرجع سابق.

فصلية قضايا ونظرات – العدد العشرون – يناير 2021

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى