إدارة أمريكية جديدة والإبادة فى غزة

جديد أولويات ترامب في ولاية ثانية ومكانة المنطقة العربية

أُعلن في صباح اليوم 6 نوفمبر 2024 فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب لفترة رئاسية ثانية، وما يشغلنا هو كيف يؤثر هذا التعديل على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العالم العربي وحرب الإبادة في غزة، خاصةً وأن السياسة الخارجية هي أحد المهام الرئيسية للرئيس الأمريكي يتمتع فيها بسلطات تفوق سلطات السلطة التشريعية (الكونجرس).

يحاول هذا المقال القصير تقديم عدد من المحددات التي ستؤثر في تفاعلها سويًا بوضوح على السياسات المتوقعة لإدارة ترامب تجاه منطقتنا. ويمكن إجمال هذه المحددات بما يسمي برؤية الرئيس للعالم[1]، وأعضاء الفريق المعاون له، ورؤية مؤسسات الدولة الأمريكية، وموقع المنطقة في أولويات الحملة الانتخابية، وأولويات الحملة في منطقتنا، وتأثر ذلك بالمسرح الأكبر الخاص بالسياسة الأمريكية تجاه النظام العالمي. وبالنظر إلى هذه المحددات نجد أنها تغطي المستويات الثلاثة لتحليل السياسة الخارجية: الفرد، والنظام الداخلي، والنظام العالمي.

جديد الولاية الثانية وفريق ترامب للرئاسة

يتولى ترامب منصب الرئاسة في وضعية أفضل كثيرًا من فترته الأولى. حيث إنه يتمتع هذه المرة بدعم واضح من الحزب الجمهوري، الأمر الذي يسر له الحصول على دعم الحزب بالكوادر لتكوين فريق حملته الانتخابية، والحصول على الدعم العلني لقيادات الحزب خاصةً في الكونجرس، حيث كان يلتقي ترامب قيادات الحزب الجمهوري بالكونجرس بانتظام مثل: “توم كوتون” و”ليندسي جراهام”، وكذلك استطاع ترامب تكوين فريق حملته من عدد من الكوادر التى عملت معه خلال فترته الرئاسية الأولي خاصة بوزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي مثل “البريدج كولبي” و”روبورت اوبرين” ووزارة الخارجية مثل “ريك جرنال.”

وعلى الرغم أن ذلك يبدو طبيعيًا لأي مرشح، إلا أن مقارنة وضعية ترامب هذه بعام 2016 يوضح الفارق الشاسع، حيث ترشح ترامب حينها ضد رغبة الحزب الجمهوري وأطاح بكافة المرشحين من مؤسسة الحزب واحدًا تلو الآخر في الانتخابات التمهيدية.

وكان ترامب وقتها مطالبًا ليس فقط برد الهجوم على الديمقراطيين بل أيضًا على الجمهوريين، فانعكس ذلك بشدة على مجال السياسة الخارجية حيث عانى ترامب من نقص حادٍ في الكوادر أثناء الحملة الانتخابية وحتى بعد الترشح. ففي سبتمبر 2016 وقع ما يقرب من مائة خبير جمهوري بالسياسة الخارجية بيانًا يعلنون فيه أنهم لن يتعاونوا مع ترامب حال فوزه بالرئاسة، وهذا ما حدث بالفعل، الأمر الذي دفعه لتعيين العديد من حديثي الخبرة بالسياسة الخارجية رغم محاولته اجتذاب عدد من أبناء المؤسسات مثل جنرال ماكماستر مستشار الأمن القومي السابق، إلا أن نقص الخبرات والجدال حول شخوص عدد من المرشحين لمناصب السياسة الخارجية أخر اعتمادهم وتوليهم لمناصبهم من جانب مجلس الشيوخ.

واختلاف هذه الوضعية يطرح تساؤلات حول مدى ثقة ترامب في المؤسسات عامة سواء حزبه أو مؤسسات السياسة الخارجية بما فيها الأمنية والعسكرية التى طالما افتقد الثقة في تقييماتها في الفترة الأولى، وعمد إلى إخراجها من الملفات المهمة له، ومنها صفقة القرن أثناء إدارته الأولى. وقام بإسناد هذه الملفات إلى محل ثقته من أفراد العائلة مثل جاريد كوشنر، وأشخاص تم ترشيحهم بشكل غير مباشر مثل مايكل بومبيو وزير الخارجية ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأسبق، وكذلك ريكس تيلرسون وزير الخارجية السابق على بومبيو.

هذا الأمر زاد من قدر الفوضى والعشوائية وعدم الاتساق في السياسة الخارجية الأمريكية خلال الفترة الأولى، منها على سبيل المثال سحب القوات الأمريكية من سوريا في نهاية عام 2018 لأغراض تتعلق بتوفير النفقات لبناء السور على الحدود المكسكية من موازنة وزارة الدفاع، الأمر الذي فسرته إيران على أنه بداية انسحاب أمريكي من المنطقة، وتزايد لاحقًا استهداف القوات الأمريكية بالعراق، فكان الرد الأمريكي باغتيال قاسم سليماني، ما مثّل مخاطرة كبيرة بالدخول في مواجهة أمريكية-إيرانية.

الشرق الأوسط في رؤية ترامب وفريقه

بالتطرق إلى رؤية ترامب للعالم فلابد من التوقف عند كتابه “فن الصفقة” الذي كتبه بالاشتراك مع “توني شوارتز”. يشرح الكتاب رؤية صراعية للعالم من منظور مادي اقتصادي، فأهم ما يظهره الكتاب أن نصائح ترامب الاقتصادية لا تتوقف عن عقد الصفقات فى سوق الأعمال، ولكنها تتخطى ذلك لتصبح رؤية للعالم، فالفوز هو القيمة الرئيسية، والمكسب المادي الدائم هو الغاية، وهو ما انعكس واضحًا على خريطة اهتمامات ترامب الشخصية خلال فترة رئاسته الأولى، حيث لم تحظ ملفات السياسة الخارجية باهتمامه بناءً على أهميتها الاستراتيجية ولكنه اهتم بالملفات من حيث الفائدة الاقتصادية؛ فاهتم في إقليمنا بإبرام الصفقات الاقتصادية والعسكرية مع دول الخليج، بينما أحال ملف عملية السلام لمستشاره جاريد كوشنر. وعلى الرغم من رغبته في مواجهة الصين إلا أنه اهتم بتقليل المساعدات والإنفاق على أي تواجد عسكري أمريكي في مناطق شرق آسيا. في هذه الأجواء يصعب الحديث عن مساحات القيم والعدل والحق في قضايا وصراعات قامت من أجل هذه القيم.

إن شخصًا بهذه الرؤية، وبناءً على الخلفية السابقة، فإن فريق ترامب للسياسة الخارجية ربما ستفوق أهميته أهمية الرئيس ذاته في فهم التحركات الخارجية لإدارته. ويُلاحظ أولًا- على هذا الفريق المرشح لتولى العمل في بالسياسة الخارجية والأمن القومي بحملة ترامب يلاحظ استمرار ولعه بتولي العسكريين المناصب الأهم في البيت الأبيض وربما وزارة الخارجية. فغالبية عناصر الفريق من خلفيات عسكرية، وعدد قليل من الدبلوماسيين. وثانيًا- أن الغالبية العظمى منهم متخصص في الشأن الصيني، ويكاد لا يكون لديه أي خبير داخل حملته يختص في شئون الشرق الأوسط، يعكس هذا الأمر أن المنطقة ليست ذات الأهمية الكبرى على أجندته مقارنة بالحرب في أوكرانيا والمواجهة مع الصين، خاصة بالنظر إلى العبء المالي للحرب الاوكرانية على الموازنة الأمريكية والتى كلفت الولايات المتحدة 174 مليار دولار منذ 2022. وكانت أغلب تصريحات ترامب وخطابه عن منطقتنا تركز على وقف الحرب بشكل عام ثمّ حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وأخيرًا رفض امتلاك إيران للسلاح النووي.

على جانب آخر، فإن هذا الفريق سيتفاعل مع مؤسسات الدولة الأمريكية تجاه منطقتنا، والتي تتبنى أجندة ترى إيران على رأس أولوياتها، فهي طبقًا لرؤيتهم مصدر عدم الاستقرار الرئيسي -وليس الاحتلال- وأن التعامل معها سواء من خلال منع حصولها على السلاح النووي من خلال إحياء الاتفاق النووي بشروط مغايرة تراعى وقف نشاطاتها الإقليمية أو ضرب منشآتها النووية إن اقتضي الأمر هو مهمتها الأولى. كذلك ترغب الولايات المتحدة في منع إيران من أن تكون بوابة الصين إلى الإقليم سياسيًا خاصةً بعد أن توسطت بين إيران والسعودية.

وأخيرًا يُعد وقف الحرب الأولوية الثانية على أجندة المؤسسات الأمريكية دون الانخراط في عملية سلام جديدة، ومع الاقتصار على ترتيبات اليوم التالي في غزة ولبنان بتحقيق إسرائيل ما تحتاجه من ضمانات أمنية، إذ يكاد يكون وقف الحرب هو الوعد الانتخابي الوحيد الذي قدمه ترامب للمسلمين في أمريكا. الأمر الذي يجب التوقف عنده حيث نخشى أن يقايض نتنياهو وقف الحرب بالحصول على دعم أمريكي للخطة الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين، خاصةً وأن صفقة القرن -التى لن تكون مقبولة إسرائيليًا الآن- شملت أفكارًا لكيفية تحميل دول الجوار العربي المسئولية الاقتصادية الفلسطينيين. كما ترغب المؤسسات الأمريكية في وضع جوهرة التطبيع السعودي – الإسرائيلي على قطار التطبيع العربي-الإسرائيلي، والذي سيحاول ترامب تحقيقه دون الاستجابة للمطلب السعودي بقيام دولة فلسطينية. كذلك يحظى وقف الحرب باهتمام القائمين على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين في ضوء المعارضة المتزايدة في الدول الآسيوية ذات الأغلبية المسلمة للتعاون مع الولايات المتحدة ضد الصين.

في النهاية لا بد من الإشارة إلى أن تبني ترامب للشعبوية في السياسة الخارجية يمثل خطرًا حقيقيًا على الأمن والسلم العالمي؛ فالشعبوية -كسياسات داخلية معادية للأجانب، داعمة للحمائية الاقتصادية، ومحققة لمصالح طبقات معينة بالمجتمع- لها امتدادات خارجية لا تستقيم في إطار استراتيجية واحدة، وتدفع ترامب لتبني سياسات متضاربة، الأمر الذي تحاول مؤسسات الدولة الأمريكية السيطرة عليه قدر الإمكان. وبالتالي فالصراع مع المؤسسات حتميًا في ضوء بحث ترامب عن سياسات ضيقة قصيرة الأمد بينما وظيفة المؤسسات بناء وتنفيذ الاستراتيجيات. وفي منطقتنا العديد من الأمثلة على هذه السياسات خلال فترته الأولى التي أرسلت بالرسائل الخاطئة لأطراف إقليمية مثل الانسحاب الأمريكي من سوريا الذي أساءت إيران تقديره عام 2018-2020 وكاد يكلف المنطقة حربًا إقليمية باغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليماني، ثم تغريدة ترامب الداعمة للحصار العربي الرباعي لقطر فور فرضه ثم التراجع عن ذلك تدريجيًا تحت ضغوط من مؤسسات الأمريكية.

—————————————

[1] يُشار إليها في هذا المقال على أنها جملة الصفات الشخصية والخلفية المهنية والتاريخية للمرشح أو الرئيس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى