مصير صفقة القرن والموقف الأمريكي تجاهها مع بدايات إدارة بايدن

مقدمة:

وصل جو بايدن سدة حكم الولايات المتحدة الأمريكية في مناخ مشحون من الصراع على السلطة، وبتركة لا يُستهان بها من المشكلات الداخلية التي اتسمت بالانقسام المجتمعي، والتراجع الاقتصادي، وفتك جائحة كورونا، وكذا قدر كبير من التحديات الخارجية للدولة العظمى الأولى في العالم، وما تحمله من رهانات جيواستراتيجية، ووسط ملفات ثقيلة على طاولة الرئيس لا تقبل التأجيل أو الإزاحة.

وما بين أولويات الداخل في تحقيق الاستقرار الداخلي وتجاوز مخلفات الجائحة، وأولويات الخارج في حفظ المكانة الدولية، وتحت وقع “معركة سيف القدس” المنذرة ببقاء المقاومة وصمودها ضد التطهير العرقي، والاستيطان الصهيوني، والمساس بقدسية القدس، يثير ملف “صفقة القرن” والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص، وملف الشرق الأوسط على وجه العموم، العديد من التساؤلات حول مصير هذه الصفقة في ظل حكم بايدن وفريق إدارته. وما بين ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية والتزامها بأمن الكيان الصهيوني، ومتغيراتها التي تَحْتَكِم للعوامل الداخلية في فلسطين وكذا التغيرات الإقليمية والدولية، يبرز التساؤل التالي: “ما مصير صفقة القرن؟ وفيما يتمثل الموقف الأمريكي منها في فترة حكم بايدن وفريق إدارته؟

وعلى ضوء التغيرات الحاصلة في أوساط الكونجرس الأمريكي، وفي الحزب الديمقراطي الحاكم وضمنه التيار التقدمي، وفي داخل المجتمع الأمريكي خاصةً والغربي عامةً، وموقفه من العدوان الأخير على غزة، هل يمكن القول إن هناك تحولا في المقاربة الأمريكية فيما يخص سياستها الخارجية تجاه القضية الفلسطينية؟. 

تتعدد الأسئلة وتتفرع معها الإجابات وتزداد لبسًا، غير أن الحقائق التاريخية تثبت أن الكيان الإسرائيلي يتبجح بالكشف عن مشروعه الصهيوني، وعن آلياته العدوانية والودية كلما ازداد الدعم الخارجي له خاصة الأمريكي، وعليه فإن “صفقة القرن” كخطوة جريئة رافقها تهليل وترحيب من طرف بعض الأنظمة السياسية العربية، تمثل من الناحية التاريخية شكلا من أشكال التطور في الأساليب الودية للصراع في شقها السياسي-الاقتصادي، المفصح عنه نتيجة التقارب الناجم عن علاقة نتنياهو-ترامب بصيغة اليمين الرافض للآخر، وهي بذلك تعبر عن صفقة تصفية في شكل تسوية، سيكون لها العديد من الآثار حتى على وجود الكيان الغاصب في حد ذاته، وعلى إثر ذلك يأتي هذا التقرير لمحاولة تقصي الإجابة عن تلك التساؤلات من خلال النقاط التالية:

  • “صفقة القرن” صفقة للتصفية باسم التسوية.
  • فريق إدارة بايدن وملامح سياسته الخارجية.
  • تداعيات “صفقة القرن” بين مساري المقاومة والتفاوض والموقف الأمريكي منها.

 

أولا: “صفقة القرن” صفقة للتصفية باسم التسوية:

منذ أن برز الكيان الصهيوني إلى الوجود صاحبته الرعاية الغربية لتختص الأمريكية منها بالتكفل به فتأخذ على عاتقها حمل حفظ أمنه واستقراره، فلاقى كل العناية في سبيل بناء وبقاء دولة إسرائيل حتى كُنيت بابنة أمريكا المدللة، ولكونها وليدة غير شرعية فقد حذت حذو الأوروبيين في استيطان أمريكا وبناء ولاياتها على أشلاء الهنود الحمر، فحشدت الدعم من الدول العظمى في العالم التي كانت السباقة في حركتها الاستعمارية وفي استيطان الشعوب المستضعفة والتفنن في إبادتها، كما استجدت إسرائيل التعاطف من الشعوب الغربية مع شعب الشتات بدعوى معاناته من المحرقة النازية، حتى تحقق اجتماعه على أرض الميعاد، وفق المقولة الأسطورية الكاذبة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، على الأرض التي أُخذت غصبًا وعلى أشلاء سكانها الأصليين، ليشتت الشعب الفلسطيني عبر أصقاع المعمورة بعد تقتيله وتهجيره، ليحشد ما بقي منه ويدك في مخيمات اللاجئين.

ونتيجة لما سبق أصبحت القضية الفلسطينية من أكثر القضايا الشائكة والمستعصية، وعلى إثرها أضحى العالم الإسلامي من أكثر المناطق توترًا وحروبًا في العالم، لكن في الوقت ذاته اختُزِلت أطراف الصراع في القضية، فقُزِّمَت ميادينه لتحصر في صراع حدود وحرب على المنظمات الإرهابية، بما يتجاهل كونه صراع وجود ومقاومة حضارية.

وفي إطار هذا التقزيم الفج للقضية، وفي مسار التوصل إلى حل لها في ظل الضعف والانقسام الداخلي في البيت الفلسطيني، وتشرذم وترهل عربي وإسلامي، وسط بيئة إقليمية أنهكتها الصراعات والنزاعات العرقية، والطائفية، والحدودية، وفي بيئة عالمية اتسمت بالتوترات والأزمات الصحية والاقتصادية، تأتي “صفقة القرن” بعد مائة عام على وعد بلفور، معلنًا عن بنودها ضمن الإفصاح عن خطة سلام الشرق الأوسط في الثامن والعشرين من يناير 2020م الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب -صاحب عقلية تاجر العقارات- بعد اجتماعات ومشاورات سرية وتلميحات علنية، للتعبير عن القضية باعتبارها سلعة عُقدت بشأنها صفقة متبنيًا الطرح الإسرائيلي اليميني المتطرف للاستيلاء على كافة الأراضي الفلسطينية.

وقد دُعمت بـ“اتفاقيات إبراهيم” التي هرولت بعض الأنظمة السياسية العربية عبرها نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، في خطوة تمويهية حول السلام في المنطقة ضد الخطر الإيراني والحركات الجهادية فيها، وبمقايضات بخسة لا تفي قدسية فلسطين حقها.

1- صفقة جديدة لمشروع صهيوني قديم

قبيل اعتلاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سدة الحكم صاحبته عملية إشهار واسعة في العالم مفادها أنه جالب السلام والخير للمنطقة العربية، بالرغم من تصريحاته العنصرية ورفضه كل آخر وانحيازه التام للجانب الإسرائيلي، فمنذ إعلانه في نوفمبر من العام 2016م، أن لديه “صفقة” لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي[1]، تتابعت النشاطات الأمريكية على الجبهات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية في هذا الإطار، فأفصحت الأيام عن الاجتماعات السرية التي أجراها صهره ومستشاره جاريد كوشنر وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي في المنطقة، والتلميحات التي أُفضِي بها دون الإعلان رسميا عن “نص رسمي” لبنود هذا المشروع، فقد أُعلِن في البداية عن بعض البنود، ليتم الإعلان عنها ضمن مبادرة خطة السلام في الشرق الأوسط، وقد يظن البعض أن الصفقة هي مشروع جديد غير أن بدايتها كفكرة بأسلوبها المالي-السياسي والسعي وراء تحقيقها يتوغلان في القدم قدم المشروع الصهيوني ذاته، وأسبق من المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقده الصحفي “تيودور هرتزل” المؤسس الأول والأب الروحي للدعوة الصهيونية وصاحب كتاب “دولة اليهود” في مدينة بازل السويسرية العام 1897م.

تعود بداية المحاولة الفعلية للمشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين باسم المال والاقتصاد حين عرض اللورد اليهودي “آشلي” في أكتوبر 1838م مذكرة على مجموعة من المسؤولين في لندن منهم قريبه “بالمرستون” الذي كان وزيرًا للخارجية آنذاك قبل أن يتولى رئاسة الحكومة البريطانية، ومما جاء في تلك المذكرة أنه عندما تصبح فلسطين المكان المميز والطبيعي لتجمع اليهود الجديد، يمكن استخدامها كمستعمرة للاقتصاد البريطاني الطامح للتوسع، في محاولة منه لربط مصالح بريطانيا الاقتصادية بمصير اليهود في فلسطين، وقد كان يعمل بالتنسيق الكامل مع المليونير “موسى حاييم مونتيفيور” الذي كان بدوره صهرًا للمليونير اليهودي البريطاني “ليونيل روتشيلد” صاحب بنك لندن[2].

وهو الأسلوب المالي الاستغلالي نفسه الذي استخدمه المليونير “موسى حاييم مونتيفور” في يوم 13 يوليو 1839م إثر لقائه بـ”محمد علي باشا” والي مصر بصفته رجل أعمال، وإعرابه عن رغبته في استئجار منطقة “الجليل” لمدة خمسين سنة لتأسيس شركة استثمارية خيرية، مهمتها تشجيع دعوة اليهود الفقراء المعذبين إلى فلسطين للإقامة فيها، مقابل تسديد ضريبة تصل إلى ملايين الجنيهات من استثمار هذه الأراضي التي ستستغل لمصلحة الطرفان، غير أن إغراءاته المالية قوبلت بالرفض وبغير علم “محمد علي باشا” آنذاك أن رجل الأعمال هذا هو زعيم الأقلية اليهودية في بريطانيا[3].

رغم ذلك لم يتوان اليهود سعيًا في تحقيق حلمهم، فاتجهوا صوب السلطان العثماني بتفويض بريطانيا للحديث في مصير فلسطين، منتهجين سياسة فرق تسد، وعبر التلويح بالمال باسم استفادة السلطان من الثروات اليهودية، غير أن وقع انسحاب مصر من الشام عام 1840م عجل في إعطاء الحلم الصهيوني باستعمار فلسطين دفعًا قويًا، فازدادت المطالب الصهيونية تبلورًا وجرأةً سعيًا نحو إقامة دولة صهيونية في فلسطين، وبدعم بريطاني على أنقاض انهيار أمن مصر الخارجي والذي جر معه أمنها الداخلي كي تنهار على وقع الاستعمار الأوروبي باقي المناطق العربية، وما إن وطأت قدم بريطانيا فلسطين باشر المشروع الصهيوني طريقه إلى أرض الواقع[4].

رغم الرفض الذي قوبل به اليهود عبر التاريخ الماثل في المقاومة الممتدة تاريخيًا إلا أن المخطط الصهيوني يتخذ دومًا سبلا مختلفة تمكن له التغلغل في مؤسسات الدول السياسية وغيرها، فمضوا عبر عقود من الزمن يحيكون المشاريع والخرائط، وفق رؤية مزيفة مفادها أن الازدهار الاقتصادي هو الشرارة التي ستنير شعلة السلام بالنسبة لجميع الناس في المنطقة بأسرها[5]. وهو أحد الإدعاءات التي ينتهجها الكيان الصهيوني، وذاك هو الأسلوب النفسي الذي يسبق كل عملية رسم خطة للسلام في المنطقة.

رغم كل ذلك لم تر النور مشاريع السلام الصهيونية في المنطقة، فلا مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي روج له شمعون بيريز عقب اتفاقات أوسلو 1993م مدعيًا فيه محاولة اجتثاث جذور كافة الأعمال العدائية بفعل السلام الاقتصادي[6]، ولا بعده مشروع الإصلاح الذي جاءت به الولايات المتحدة أوائل العام 2004م تحت مسمى “الشرق الأوسط الكبير” لإشاعة الديمقراطية ودعم النشاط الاقتصادي[7] وجد طريقه للواقع، كما أن إدارة البيت الأبيض لم تغامر بتبني أطروحات سابقة قدمها إسرائيليون نظرًا لكون ظروف الإقليم لا تسمح بتحولها إلى خطة يمكن تبنيها، بل لم تكن حتى على استعداد للمغامرة بتبني خطة توافق عليها أنظمة سياسية عربية دون تأييد جماهيري كاف لضمان تنفيذها على المدى البعيد[8].

وتتعدد الأطروحات الصهيونية باسم السلام، فمن أبرزها: ما اقترحه أفيغدور ليبرمان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق في حكومة نتنياهو تحت مسمى تبادل الأراضي المأهولة، وتضم فيها معظم أراضي الضفة الغربية للكيان الصهيوني[9]. بالإضافة إلى دراسة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق جيورا آيلاند عام 2010م، والتي قدّم فيها بديلين لحل الدولتين على أساس إقليمي يعتمدان في المضمون حشد أكبر قدر ممكن من التأييد العربي لهما، وهو عامل بدا مهمًا في التمهيد لصفقة القرن، عبر إيجاد القبول لبديل إقليمي حُدِّدَت أركانه إما بدولة اتحادية تشمل الأردن والأراضي الفلسطينية، أو بتبادل لأراض بين الفلسطينيين والإسرائيليين والمصريين[10].

وفي الحالتين وغيرهما من البدائل المقدمة على أساس تبادل الأراضي يسفر الكيان في كل مرة عن سعيه الحثيث للاستيلاء على المزيد من أراضي الضفة الغربية وابتلاعها ضمن خطط تقليص الوجود الفلسطيني على أراضيه، ولا تزال المشاريع قيد البحث ولعل صفقة القرن هي أحد تجلياتها الراهنة.

 

 

2- أبرز معالم الصفقة ومضامينها الظاهرة والخفية

يُعد رأس المال التعبير المادي الملموس لسيطرة اليهود على العالم، ويبدو هذا جليًا عند الحديث عن روح الطروحات الاقتصادية على المستوى العالمي، والتي تكشف عن الاستعمار عند تفسير ظاهرها، فالاستعمار كالرأسمالية وما بعدها هما بعض النشاط العالمي لليهود، والذي يستخدم فيه جل الوسائل الرامية إلى التطلعات البعيدة للشعب المختار، وعلى إثر ذلك النشاط تنزل دول وترفع أخرى وفق الوصية الشهيرة “فرق تسد”، وهو شعار يُجسد حقيقة اليهود وخطتهم المستمرة عبر المسار اليهودي، حيث العمل بصورة مستمرة إلى تحريك القوى الدنيا ضد العليا داخليًا[11]، ويضرب بين القوى الموحدة فيشتتها بينيًا، ويربطها بقوى أخرى خارجيًا فيجعلها خاضعة له.

وفي نفس المسعى المستمر تاريخيًا في سياسته، تمضي الصفقة ضمنيا لمحاولة محو عدة عقود من تاريخ الكفاح الفلسطيني، وتحويل الصراع لمسألة إنسانية إغاثية، بما يعني إمكانية حلها من خلال طمس البعد السياسي لها على المستوى العربي، واستدعاء الحلول الاقتصادية لضمان إنجاحها إذ تعتمد هذه الحلول بالدرجة الأولى على المال العربي الخليجي[12].

وتقوم الصفقة على خمسة أركان أساسية جاءت استجابة لمطلب المشروع الصهيوني، وتجاوزًا للتحديات التي يفرضها الواقع في سبيل تحقيق دولة إسرائيل الكبرى، تتكشف من خلالها الأطر والوسائل التي يجري فيها وبها الصراع في محاولة لجمع أطراف متضادة متكاملة، وتطويعها لخدمة المشروع الصهيوني، عبر منح حكم ذاتي للفلسطينيين، والسلام الاقتصادي، القدس عاصمة للكيان الصهيوني، التطبيع قبل التسوية، إنشاء تحالف إقليمي أمني[13]. وفيما يلي تفصيل تلك الأركان:

الإطار الرسمي المؤسساتي الماثل في الحكم الذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو حكم يجعل الفلسطينيين تحت سطوة الكيان الصهيوني بأن تتبع سيادة أراضيهم وشعبهم له، مع اشتراط عدم وجود جيش أو قوة فلسطينية بغية تجريدهم من أي محاولة مقاومة تسعى لتحقيق التحرر، وهو ركن يلغي حل الدولتين ويقوض إمكانية بناء الدولة الفلسطينية، وبالتالي عدم تحقق بناء قوة إقليمية محاذية لإسرائيل ضمانًا لاستمراريتها وبسطًا لهيمنتها، وهو ما يجعل من الفلسطينيين مسخًا تابعًا، يفقد فيه الفلسطيني هويته، فلا هو فلسطيني عربي كامل الحقوق، ولا هو إسرائيلي متهود حاصلا على الحقوق، ويتعقد الأمر أكثر بالنظر إلى ما يقره قانون “القومية اليهودية”[14] الصادر عن الكنيست والذي ينسجم مع الطبيعة العنصرية للكيان الاستيطاني الصهيوني.

فكرة السلام الاقتصادي، التي عبر عنها شمعون بيريز في كتابه “الشرق الأوسط الجديد”، والذي تلاه مشروع الشرق الأوسط الكبير، وكانت محور مؤتمر المنامة الذي عُقد بالعاصمة البحرينية في بداية ديسمبر 2020م، وهو مشروع للهيمنة الاقتصادية في المنطقة باسم خلق مصلحة للعرب مع الكيان الصهيوني تحقق العملية الاندماجية للطرفان، فتعزز قوة الكيان الاقتصادية الإقليمية لتجعل منه المركز ومن باقي الدول العربية جائلة في فلكه، عبر تنشيط وسائل الدعم والإعانة التي تعد أدوات ضغط في يد إسرائيل.

وبالدخول في عملية السلام على هذا الوضع، تحولت فيها أطراف الصراع من العدو إلى الحليف، فنقلت فيها المجابهة إلى داخل الصفوف العربية، فحققت أحد أهدافها في فصل القادة عن شعوبهم، وربط مصالحهم بالمصالح الخارجية، وهي مصالح أقلية حاكمة لا تعكس التوجهات الأساسية والمصالح الجوهرية للأمة.

– أن تكون القدس عاصمة للكيان الصهيوني، وتجلى ذلك عمليًا في القرار الذي أعلنه الرئيس الأمريكي السابق ترامب نقله السفارة الأمريكية من تل الربيع إلى القدس[15]، وهي عملية محورها إيديولوجية يواصل فيها الكيان توظيف اليهودية كعقيدة واقعيًا، وكتاريخ وضعي للشعب اليهودي تعتمد فيه على الأكذوبة، ويتم عمليًا مواصلة سياسة بناء المستوطنات في الضفة الغربية أخذا بالاعتبار أهمية البعد الجغرافي. وبالموازاة تجري تصفية كل قضايا الحل النهائي بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بشطب حق العودة، وهو ركن يسفر عن عمليات الفصل العنصري والتطهير العرقي، والتهويد والاستيطان التي ينتهجها الكيان في القدس وغيرها من المناطق كالجولان، بقوة السلاح والمجازر من جهة، وبالتهجير والتشريعات القاهرة من جهة أخرى، أمام تحدي العامل الديموغرافي الذي يفرضه تفوق تعداد النمو السكاني للفلسطينيين. ومع إلغاء جائر لحق عودة اللاجئين في المقابل محاولة لترجيح كفة تعداد العنصر اليهودي بجلبهم من كل حدبٍ وصوب.

فكرة التطبيع قبل التسوية، وهي الآلية القديمة والراهنة التي ينتهجها الكيان الصهيوني في عملية الصراع، عبر إدخال الدول العربية بعلاقات سياسية إدماجية معه قبل أن يتم تسوية القضية الفلسطينية، فمن ناحية يتم خلق البيئة المواتية لتقبل إسرائيل ومشاريعها الاقتصادية في المنطقة، بانتهاج عملية كاسحة لشيطنة الفلسطينيين بتشويه هويتهم مقابل تجميل هوية اليهود اعتمادًا على الجماعات الوظيفية العربية المتصهينة.

وللمجالات الثقافية وسائلها الفاعلة والفعالة في هذا النطاق، وما مسلسل “مخرج 7” ومسلسل “أم هارون” إلا نماذج لعمليتي التشويه والتجميل المكثفة التي تحاول عابثة اكتساح مخيال الأمة، وفي المسار نفسه جاءت “اتفاقيات إبراهيم” في 15 من سبتمبر المنصرم بين إسرائيل والإمارات والبحرين، لتلتحق بعدها السودان بالركب، كي تقر الأطراف المطبعة بالأصل الإبراهيمي الموحد لأبناء العمومة الذين آن لهم المضي في السلام الثقافي، والتنسيق الأمني بإشراف أمريكي[16].

ومثل هذه الاتفاقات استُلت منها الدول المطبعة من كونها طرفًا في الصراع ضد إسرائيل إلى طرف في الصراع مع الكيان الصهيوني بل متآزرا معه ضد القضية المركزية للأمة، فالتطبيع على هذا النحو يؤدي إلى انشقاقات حادة داخليًا وبينيًا في المجتمعات العربية تخلف على المستوى المتوسط والبعيد الانشقاق داخل الأمة إن لم يتم تحصينها.

– إنشاء تحالف إقليمي يجمع الدول العربية والكيان الصهيوني لمحاربة ما يُسمى “الإرهاب”، للقيام من خلاله بمحاربة حركات التحرر والنهضة، واستنزاف طاقات الأمة ومحاولة توجيه الصراع باتجاه حروب طائفية وعرقية، وحدودية بعيدًا عن المشروع الصهيوني، وفي الوقت ذاته القضاء على فاعلية المؤسسات العربية، والمبادئ القومية العربية من قبيل المصير العربي المشترك، والعمل العربي المشترك، والأهم الدفاع العربي المشترك، فبعد أن فشل ترامب في إنشاء “تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي” أو ما أطلق عليه مشروع “الناتو العربي” عام 2017م.

هذا في محاولة لترك بعض حلقات صراعات الشرق الأوسط للقوى العربية الحليفة[17]، وتحقيق بنية إقليمية للأمن الجماعي تخدم أهداف الولايات المتحدة في المنطقة، والتي تقلص من وجودها الإقليمي، وفي الوقت ذاته تستهدف إيران دون السماح للصين أو لروسيا باستغلال الفراغ وحصد النفوذ[18]. وتأتي محاولة مشروع التحالف العسكري من خلال تأكيد وزير دفاع الكيان الصهيوني بيني جانتس في بداية شهر مارس 2021 أن إسرائيل تعمل على إنشاء تحالف أمني إقليمي مع دول الخليج التي لها علاقات معها وتشاركها المخاوف بشأن إيران، بإقامة علاقات دفاعية مع كل دولة مطبعة وفق ترتيب أمني خاص[19]، وتبرز إيران هنا في زي العدو المشترك الذي يستجدي من إسرائيل استدعاء الحيثية المذهبية في العقل العربي تأجيجًا للصراع السني-الشيعي من ناحية، ومن ناحية أخرى تفعيل الحيثية العرقية المحيية للنعرة العرقية طرفاها العرب والفرس، دون إغفال حقيقة أن إيران قوة إقليمية طامحة ومالكة لبرنامج نووي ستكون خطرًا على إسرائيل، وبالتالي تشكل خطرًا على حلفائها في المنطقة، فرُبط عدم الاستقرار في المنطقة بالدور الإيراني، وليس بانعكاسات الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية.

ومن أهم التغيرات الحاصلة على سلم الأولويات التي نتجت عما سبق ذكره التحول نحو أولوية تزايد التنسيق العربي الصهيوني والأمريكي ضد إيران على حساب التنسيق الإقليمي العربي ضد الكيان الصهيوني، وعلى أساس ذلك برزت أولوية التطبيع العربي مع إسرائيل على حساب التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، وأولوية البعد التجاري المالي على البعد السياسي في العلاقات مع الدول العربية[20]. وتتبدى تلك التحولات في قبول التطبيع والتنازل عن الحق والأرض مقابل حفنة من المال وأراض غير الأرض المحتلة، تحت مسمى التنمية والازدهار في مقابل السلام، في صفقة غامضة تقدم حلولا مجحفة باعتبارها حلولا نهائية لقضايا مصيرية شائكة، تمثلت في القدس، الحدود، المستوطنات، حق عودة اللاجئين، والمياه، بتوظيف المال السياسي.

في هذا الإطار تجدر الإشارة إلى ما أسماه المسيري “الجماعة الوظيفية”، وتكون إما مجموعات مستجلبة من خارجه أو مجندة من داخله، والتي تناط بوظائف شتى إما وظائف مشينة أو مميزة، أو ذات حساسية خاصة وذات طابع أمني[21]، وهي المجموعات التي تطغى على الواقع السياسي والاقتصادي والثقافي للدول المطبعة التي قبلت صفقة القرن التي قدمها ترامب، وقد رحل ليعتلي الرئيس الجديد بايدن سدة الحكم، لتثار مسألة مصير هذه الصفقة في ظل الفريق الجديد.

ثانيا: فريق إدارة بايدن وملامح سياسته الخارجية:

إن أمريكا التي تقلدها الرئيس الحالي تختلف عن سابقتها، سواء في اقتصادها ووحدتها الداخلية، أو في مكانتها الإستراتيجية الخارجية، فقد مثل الرئيس السابق دونالد ترامب لدى بعض المحللين السياسيين نموذجا للفوضى وانعدام الرشادة السياسية التي خلخلت أسس الولايات المتحدة المجتمعية داخليًا وهزت مكانتها دوليًا، وتبين ذلك داخليًا حين استخدم نعرة التفوق العرقي تجاه السود والمهاجرين، مسببا حالة ارتداد للعلاقات الإثنية للمجتمع الأمريكي إلى عهد الستينات، وحين قدم استمرارية نمو الاقتصاد الأمريكي على العناية بحياة وصحة المواطن الأمريكي في التصدي لجائحة كورونا، وتجلى في الخارج حين أعلى الأسوار في وجه المهاجرين من المسلمين واللاتينيين، والخروج من اتفاقية باريس للمناخ، مكرسًا عزلة أمريكية غير مسبوقة، وهو ما أضر بأطروحة أمريكا الليبرالية حارسة حقوق الإنسان وزعيمة العالم الحر، والأمر نفسه في سياسته الخارجية تجاه الأنظمة العربية التي سامها ابتزاز دول الخليج بدفع المال مقابل الحماية، وبإعلانه عن صفقة القرن متجاهلا الطرف الفلسطيني والعربي فيها ومنح القدس عاصمة لإسرائيل، كي يضيف عليها هضبة الجولان عطاءً سخاءً من عنده، وتمضي دبلوماسيته في تحالف مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو لتلم المطبعين الذين جمعهم باسم الأسرة الإبراهيمية وفق “اتفاقات إبراهيم”، كل ذلك جعل بايدن يتخذ عبارتي “استعادة روح أمريكا” و”أمريكا عادت” شعار حملته الانتخابية وظفره بالرئاسة، فقد تعهد أنه سيتبع دبلوماسية أمريكية تتعارض مع تلك التي انتهجها ترامب.

وبمجرد تسلمه السلطة أنهى أربع سنوات من الأحادية القسرية، فأعلن البيت الأبيض عودة أمريكا إلى المنظمات متعددة الأطراف مثل اتفاقية باريس للمناخ، ومنظمة الصحة العالمية، وقد حدد بايدن منذ أول خطبة له أسس الدبلوماسية الأمريكية المتبعة بخطاب أكثر صرامة ضد روسيا، ورغبة في العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، وإظهار المودة نحو الحلفاء، وهي أسس يعمل مع فريقه لتحقيقها فلا يخفى على أحد أن المؤسسات المركزية في الدولة يسيرها الأفراد فيكون لهم الدور في اختيار البدائل الإستراتيجية للسياسة المتبعة. وعلى هذا الأساس سيتم التطرق لتشكيلة فريق إدارة بايدن ومواقفهم من القضية الفلسطينية حتى تتبدى معالم السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط عمومًا، وتجاه القضية الفلسطينية خصوصًا ومصير الصفقة فيها.

  • تشكيلة فريق إدارة بايدن، ومواقف أعضائه من القضية الفلسطينية

يتغلغل العنصر اليهودي في مؤسسات الدولة الأمريكية، كما تتوغل الإيديولوجية الصهيونية في بعض أفرادها، مما جعل للوبي الصهيوني كلمته في السياسة الأمريكية إما عن طريق الأعضاء مباشرة أو عبر التأثير فيهم أو الضغط عليهم، وهو ما يبدو في فريق الإدارة الجديد، فالرئيس جوزيف بايدن يتمتع بسجل طويل من الدعم لإسرائيل يتجلى ذلك في حياته المهنية كسيناتور وكنائب الرئيس أثناء حكم باراك أوباما، ولا يستغرب أحد تصريحاته المؤيدة والداعمة إذا ما علم أن له علاقات مع المجتمع اليهودي، فابنه بيو كان متزوجًا من يهودية وكذلك ابنته آشلي هي الأخرى، كانت متزوجة من يهودي[22].

بالإضافة إلى ذلك، بايدن له خبرة سياسية طويلة، قضى 36 عامًا منها في مجلس الشيوخ، متقلدًا العديد من الأدوار الرئيسية بما في ذلك رئيس لجنة الشؤون الخارجية، وهو ما يؤهله لإحياء عناصر الثقافة السياسية القديمة، متخطيًا مرحلة شهدت نظامًا سياسيًا أكثر تصادمية واستقطابًا[23].

وبالنظر إلى فريق إدارته، فنائبته كاميلا هاريس ذات الأصول الأفرو-أسيوية زوجة المحامي دوجلاس إمهوف يهودي الديانة، ما فتك الإعلام يشير لتأييده القوي لإسرائيل[24]، كما أنها تعد إحدى المقربات جدًا من جماعات الضغط اليهودية خاصةً لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، وبالتالي فمن الطبيعي تأييدها استمرار الدعم العسكري والسياسي لـلكيان الصهيوني، وضرورة استمرار الحملة ضد مناهضي السامية، فقد كانت أحد أعضاء مجلس الشيوخ الذين رفضوا قرار الرئيس السابق أوباما بالامتناع عن استخدام الفيتو ضد قرار صدر في مجلس الأمن الدولي يدين ضم إسرائيل للضفة الغربية، وفي الوقت الذي تعرب فيه عن رفضها بناء المستوطنات وتطالب إسرائيل باحترام حقوق الإنسان، فهي تؤيد حل الدولتين شريطة أن يتم عبر التفاوض بين الطرفين الفلسطيني والصهيوني، دون تدخل من أي جهة لفرض الحل على أي منهما، وتساند العمل ضد التنظيمات التي لا تعترف بالكيان الصهيوني وبحقه في الوجود والأمن، كما ترفض التجاوب مع حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات[25].

أما وزير الخارجية أنتوني بلينكين، فهو يهودي الأصل والديانة، شغل منصب مستشار الأمن القومي بين عامي 2013م و2015م، ونائبًا لوزير الخارجية الأمريكية بين 2015م و2017م، وخلال الحملة الانتخابية عمل على فتح قنوات التواصل بين جماعات الضغط اليهودية وفريقه السياسي[26]، كما يؤكد أهمية مساندة الولايات المتحدة للكيان الصهيوني، ويساند تنشيط دور الأمم المتحدة في مختلف القضايا إلا في الشرق الأوسط. وهو أبرز دعاة عدم ربط المساعدات الموجهة للكيان الصهيوني بأي شروط سياسية، غير أنه يعارض سياسة نتنياهو رئيس الوزراء السابق في توسيع المستوطنات دون اقتراح أي سياسة لمواجهة العملية، كما يميل لإبقاء الخلافات مع الكيان الصهيوني بعيدة عن الأضواء. كما لا يطالب بلينكين بعودة السفارة الأمريكية إلى تل الربيع، ومن مؤيدي حل الدولتين، ومن مناهضي نشاطات حركة بي دي أس، يحبذ التفاوض مع إيران، ويستبعد انتهاج سياسات المواجهة العسكرية معها[27].

أما مستشار الأمن القومي جاكوب سوليفان، فهو يهتم ببناء التحالفات الدولية وعدم التفرد الأمريكي باتخاذ القرارات الدولية، ساهم في ترتيب وقف إطلاق النار في المواجهة بين الكيان الصهيوني والمقاومة في غزة عام 2012، وتبدي بعض الأوساط الصهيونية توجسًا من مواقفه تجاه الفلسطينيين خاصة رؤيته للمشكلة الفلسطينية على أنها سبب عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، كما شارك في التفاوض السري مع الإيرانيين بخصوص البرنامج النووي سنة 2012 في سلطنة عمان[28].

ويعد وزير الدفاع لويد أوستن أول رجل أسود يتولى وزارة الدفاع، فرغم طول خبرته العسكرية لم يسبق له تولي أي منصب سياسي، فقد كان قائد قوات الأمريكية في الحرب على العراق، كذلك عمل قائدًا للقيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط الكبير، الذي ينظر له أنه منطقة يغلب على واقعها الفوضى والمفاجآت، وينتشر فيها التفتت المذهبي على حساب الهويات القومية، والاستقرار بالنسبة له يجب أن يوكل إلى سكان المنطقة، فالتدخلات العسكرية الأمريكية لم تعط النتائج المرجوة، لذا يجب إعطاء الأولوية للعمل الدبلوماسي، وله علاقات صداقة وثيقة مع وزير الدفاع الصهيوني بني جانتس، كما أعرب أوستن عن تحذيراته العديدة من علاقات حماس وحزب الله خاصةً مع إيران، وهو يرى في ذلك أمرًا يهدد أمن الكيان الصهيوني[29].

أما مدير جهاز المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي أي) وليم بيرنز، فقد كان سفيرًا في عدة دول عربية، إلى جانب أنه عمل مع خمسة رؤساء وعشرة وزراء خارجية أمريكيين، أحد أبرز نقاد السياسة الخارجية لترامب، يؤكد أن الأحادية القطبية مرحلة عابرة في التاريخ الأمريكي، فلابد لأمريكا أن تضع تراجعها بعين الاعتبار فلا تفرط في الاعتماد على قوتها الخشنة في علاقاتها الدولية، كما عليها أن تتواضع في ثقتها في إنجاز التحولات عميقة في الشرق الأوسط كونها لم تعد الفاعل المهيمن الوحيد، كما أنه أصبح أقل أهمية لها، فهي تواجه تحديات جيو-سياسية في الشرق الآسيوي، وهذا لا ينفي مصالحها في المنطقة كحرية الملاحة، والاستحواذ على مصادر الطاقة، وضمان أمن أصدقائها من تهديدات قوى خارجية أو إقليمية، والحيلولة دون ظهور وانتشار الجماعات الإرهابية ذات قدرة تتجاوز حدود المنطقة، وكذا منع انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة، كما أنه ميال لدبلوماسية الظل ويعد من المدافعين بقوة عن الاتفاق النووي مع إيران، حيث يرى أن إسرائيل أكثر أمنًا بهذا الاتفاق، وأن إقامة دولة واحدة لها يؤدي حتمًا إلى زعزعة المنطقة، وأن الحل الأفضل هو العودة لحل الدولتين[30].

وبرزت خبرات منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك مبعوث بايدن للشرق الأوسط في مجال بناء التحالفات ضد داعش، وفي الشأن العراقي، حيث عمل مستشارًا للسفير الأمريكي في بغداد، وشغل عدة مناصب ذات العلاقة بالمنطقة في إدارتي الرئيسين أوباما وبوش، وهو من الشخصيات الأكثر تشددًا تجاه المقاومة الفلسطينية المسلحة، وخصوصًا حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ومن الأكثر دعمًا لتوسيع دائرة التطبيع، وهو من أنصار فكرة التواجد العسكري في سوريا، كما أنه يؤيد تخفيف التوتر مع إيران إذا ما تبنت سياسة إقليمية أقل معاداةً للسياسة الأمريكية في المنطقة[31].

يمكن القول إن الرئيس بايدن المنتمي للحزب الديمقراطي، وفريق إدارته يعملون وفقًا لأولويات الولايات المتحدة عالميًا، تجاوزًا لتحديات ورهانات الداخل والخارج، لذلك فمن المرجح أن تتبنى الإدارة الجديدة عمليًا إطارًا مشابهًا لفترة حكم باراك أوباما، وموقفًا وسطًا بين نهج الانعزال ونهج التدخل المباشر في كل شيء، وهو ما يدفع بها للتدخل وفق ما تقتضيه مصلحتها وإمكاناتها وحسب تحالفاتها وتحت غطاء الشرعية الدولية، دون التورط في الأحادية المكلفة حتى لا يؤثر في استقرار النمو الاقتصادي الذي يعد أساس عظمة قوتها العسكرية ونفوذها الدولي[32]، فالموقف الوسط مع تحقيق التوفيق بين مقتضيات الداخل والخارج يشكل تحديًا جوهريًا للفريق الجديد وسياسته الخارجية.

  • أبرز ملامح السياسة الخارجية للفريق الجديد تجاه الشرق الأوسط

رغم تدخلها الطويل في المنطقة العربية الإسلامية ووجود من يعرف بـ”المستعربين” في وزارة خارجيتها، لم تتبن الولايات المتحدة يومًا “سياسة عربية” رسمية قائمة بذاتها، بل اعتمدت في الواقع الإستراتيجية الإمبريالية الكلاسيكية والمعروفة تاريخيًا بالوصية اليهودية “فرق تسد” بالتعاون مع حلفاء إقليميين، بل سعت إلى المحافظة على ثبات أهدافها مقدمة مصالحها الاقتصادية وبصورة ملحوظة، فانتهجت العمل على مجموعة من المصالح الجوهرية في المنطقة وهي: مكافحة الإرهاب، وقف انتشار الأسلحة النووية، ضمان حرية حركة التجارة، ضمان أمن المنطقة بالذود عن أمن إسرائيل مع السعي لسلام عربي-إسرائيلي.

فكان تدخل الولايات المتحدة باسم بسط الاستقرار على حساب تحقيق الديمقراطية، وهو ما يبرز تعارضًا في سياستها بين إستراتيجيتها فعلا والمتمثلة في تدبير الانقلابات على قادة وطنيين منتخبين، ودعم أنظمة قمعية ومساندة الاحتلال العسكري، وشن حروب سرية وعمليات عسكرية سرية غير شرعية في المنطقة، ودبلوماسيتها قولا التي روجت لها علانية كالدفاع عن حقوق الإنسان، التحرر، السلام والحرية[33]. وهو الأسلوب الأمريكي البادي تاريخيًا والثابت والمتكامل بين الأفعال والأقوال الدبلوماسية المنتهجة في سياستها الخارجية تجاه العالم الإسلامي عمومًا والقضية الفلسطينية خصوصًا.

فلم تكن الدعوة إلى الديمقراطية التي كانت تروجها كدبلوماسية عامة إلا لتعزيز القوة الناعمة لها، بالموازاة مع استخدام “القوة الصلبة” باسم شن الحروب في سبيل القضاء على الإرهاب وبدعوى إقامة الديمقراطية الأمريكية[34].

وحاليًا حتى تحافظ أمريكا على صورتها ومكانتها وفعاليتها السابقة، تفرض تداعيات الداخل الأمريكي على الرئيس أن ينتهج التصالح والتوافق مع الداخل وما يحتويه من جمهوريين، وفئات المتطرفين العنصريين والمتطرفين الدينيين. فمن المرجح أن يولي الاهتمام بالوضع الداخلي، وما تفرضه تداعيات جائحة كورونا، وأولوية تخفيف التوتر العنصري والتجاذب الإعلامي، وضرورة إعادة دورة الإنعاش الاقتصادي، دون إغفال تداعيات محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ الأمريكي[35]، كما قد يدعم نسبيا وزن الحزب الديمقراطي في الكونجرس قدرة بايدن على اتخاذ القرارات الإستراتيجية الداخلية والخارجية، إلى جانب نزعته التصالحية مع قطاع من الجمهوريين[36].

أما مع الخارج على المستويين الإقليمي والدولي، فيتحتم عليه أن يكون أقل ميلا للنزعة العسكرتارية، وهو ما يدفع به إلى العمل تدريجيًا على تخفيف التوترات، وتفهم مطالب حلفائه في قوات حلف الأطلسي، لاسيما في مجال الإنفاق الدفاعي، وعليه قد يميل للاستجابة بقدر معين، دون مبالغة في ذلك، لكل دولة أو جهة توجد لديه انطباعًا بأنها ستكون له مبعث قدر أكبر من الاضطراب[37]، وما يدل على ما سبق ممارساتيًا عودته لمنظمة الصحة العالمية وغيرها من الهيئات الدولية، واتفاقية المناخ، ووقف بناء الجدار مع المكسيك، وإلغاء قيود السفر لدول معينة، وتمديد عمل اتفاقية ستارت 3 لمدة خمس سنوات حتى عام 2026[38]، مع روسيا التي حثته عشية تنصيبه على انتهاج مقاربة أكثر بنائية في حواره معها[39].

وعسكريًا بداية سحبه للقوات الأمريكية في العراق وأفغانستان بهدف إعادة تحديد أولويات وزارة الدفاع، ومن ناحية أخرى صرح القائد المركزي الأمريكي الجنرال فرانك ماكنزي أن الولايات المتحدة منخرطة في مفاوضات بشأن القواعد لاستخدامها في مهام مكافحة الإرهاب بعد مغادرة القوات الأمريكية، وأكد اعتزام مواصلة القدرة على ملاحقة القاعدة وداعش من مواقع أخرى بالعمل مع الأصدقاء في المنطقة لتأسيس تلك القدرة[40]، وهنا يبرز الدور الذي تلعبه الجماعات الوظيفية الظاهرة والخفية في المنطقة والتي تضمن بقاء النفوذ الأمريكي رغم خروج قواته.

كما باشر البنتجون في تخفيض كبير للأنظمة المضادة للصواريخ في العراق، والكويت، والأردن وأفغانستان[41]، ويأتي ذلك في إطار مراجعة الفريق للوضع العسكري وتركيزه على استخدام الدبلوماسية أكثر من القدرات العسكرية، وهذا لا يعني أن إيران ليست تهديدًا، بل لتقدير الفريق أنه لن تندلع حرب مع إيران على ضوء التقدم الحادث في المفاوضات، وهو ما افترضه جيمس فارويل مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق لشؤون الدعم الإستراتيجي[42].

وحاول بايدن ترميم العلاقات مع حلفائه في قمة مجموعة السبعة، وكذا اجتماع قمة الناتو وأجندة الحلف بحلول العام 2030م، التي أقرتها حتمية مواجهة التحديات التي تفرضها القوة الصاعدة المتمثلة في الصين والقوة المتمردة التي تشكلها روسيا، واتفاقه مع قادة الحلف على إطلاق مشروع دفاعي جديد مبتكر، مفاده العمل مع الشركات الناشئة والجامعات[43]، علمًا أنه قد استقبلت القمة في يومها الأول بخروج آلاف المتظاهرين في لندن مطالبين من مجموعة السبع مساندة القضية الفلسطينية[44].

ووسط تلك التطورات تعد العلاقة الأمريكية مع الكيان الصهيوني علاقة مقدسة فمن الصعب حصر عدد المرات التي أكد فيها الرؤساء الأمريكيون التزامهم أمنه وتفوقه، وهو ما أصر عليه بايدن منذ وصوله إلى الحكم خاصة أثناء “معركة سيف القدس”، حين صرح عشية وقف إطلاق النار قائلا إن لا تغيير في الالتزام بأمن إسرائيل واستقرارها وقوتها[45]، وحقها في الدفاع عن نفسها، مؤكدًا أنها تمثل حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، بل من ثوابتها السياسية والإستراتيجية منذ أن ورثت الهيمنة على المنطقة بعد انسحاب الاستعمار البريطاني منها[46]. لذلك يحصل الكيان الصهيوني على دعم أمريكا العسكري والاقتصادي، فخلال السنة المالية 2018م وصل مبلغ الإعانة 236 مليار دولار، وعدل وفقًا للتضخم في العام 2020م، ليصل لـ 146مليار دولار من التمويل العسكري والاقتصادي والدفاعي الصاروخي، ما يجعل الكيان الصهيوني أكبر متلق تراكمي للمساعدات الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية[47].

في السنة المالية 2021، بعد مطالبة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بـ3.3 مليار دولار من التمويل العسكري الأجنبي لإسرائيل، أي ما يعادل 59٪ من الميزانية العالمية، سمح الكونجرس بـذلك، تزامنا مع فرض شروطا على دول أخرى، ففي ميزانية السنة المالية 2021م، تم حجب 225 مليون دولار من أصل 1.3 مليار دولار من صندوق التمويل الصغير المخصص لمصر، حتى تؤكد وزارة الخارجية أن مصر تتخذ خطوات مستدامة وفعالة لتعزيز حقوق الإنسان[48]، ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني لا تنطبق شروط إضافية، ولا يتم الالتزام بقوانين حقوق الإنسان[49].

ويُروج للإعانة لإسرائيل على أنها استثمار في تعزيز قيم أمريكا ومصالحها العالمية، وتعتبر المساعدة الأمنية لها استثمار محدد في السلام والازدهار في المنطقة بأكملها، بما يجعلها أكثر أمانا ويعزز الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تحقيق حل الدولتين المتفاوض عليه[50]، وينظر الإسرائيليون على أن هذه الإعانة هي جراء المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة، وهي ضئيلة مقارنةً بما تسدده سنويًا جراء التزاماتها اتجاه الحلف الأطلسي[51].

وتخلق تلك السياسات لإدارة بايدن مفارقة في إستراتيجيته، فبينما تدعو إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي إلى الدفاع عن حقوق الإنسان وحمايتها في سياستها الخارجية، وأن تقود في استعادة التعددية والقواعد في النظام الدولي، تتعهد في الوقت ذاته الحفاظ على التزام صارم بالمساعدة العسكرية للكيان الصهيوني، على الرغم من التناقض الواضح مع أهداف السياسة الأمريكية المعلنة، المتمثلة في حل الدولتين للقضية الإسرائيلية الفلسطينية، واستمرار الضم الفعلي للضفة الغربية وهدم المنازل والإخلاء وتدمير أحياء فلسطينية بأكملها[52].

وبالمقارنة بين إستراتيجيات السياسة الخارجية قولا وعملا يتضح أن الطرف الأمريكي الداعم لإسرائيل ما هو إلا طرف من الأطراف المغذية والداعمة للصراع، وهو ما يؤثر بكيفيات عدة على القضية الفلسطينية ومسار صفقة القرن، فثمة العديد من العوامل المؤثرة في الملفات ذات الصلة بها، وبالرغم من الانحياز الأمريكي التقليدي لإسرائيل، وتبني الولايات المتحدة الرؤية اليمينية الإسرائيلية الخاصة برئيس الوزراء السابق نتنياهو الناجم عن التقارب في العلاقة بينه وبين الرئيس السابق ترامب، إلا أن المتغيرات تثبت تحولات بادية ومؤثرة على السياسة الخارجية الأمريكية وهو ما بدا جليًا تحت وقع معركة “سيف القدس”.

ثالثا: تداعيات “صفقة القرن” بين مساري المقاومة والتسوية والموقف الأمريكي منها:

تمثل الحرب في الصراع العربي-الصهيوني ظاهرة دائمة وليست مؤقتة باعتبار أن العدوان مستمر دون توقف، كما تعد المجابهة الملتوية أحد الأساليب الصهيونية العدوانية، تتجسد عن طريق توظيف الاختلافات والانشقاقات العربية-العربية داخل الصراع الجوهري العربي- الصهيوني، من خلال صناعة الثورة التي لا تتطلب إلا تداول فكرة شريطة التمسك ببنائها، والعمل على توفير الشروط المادية والنفسية لهذه الثورة كي تتفجر، وذلك يعني حيازة الوسائل المادية والإيديولوجية، وهو أمر يستدعي التحكم في الجوانب الحياتية بالإمساك بزمام المال والاقتصاد، ويعد شح المواد الغذائية، والغلاء في الأسعار، والتي تجعل الحياة معقدة في كل صعيد حتى من الوجهة الإدارية، أسس الإعداد الجيد لصنع ثورة[53]، وتلك هي المعادلة التاريخية في التحكم بالوسائل المادية والإيديولوجية التي تربط الدول المتقدمة بالمتخلفة، بفعل قابلية هذه الأخيرة للتحكم وفقدانها للإرادة الحضارية رغم حيازتها للإمكانات الحضارية، وهو ما مكن اللوبي الصهيوني من الضغط وتمرير أهدافه، ومن خلق حالات عدم الاستقرار والفوضى.

وتتبدى مظاهر الصراع الداخلي في تفشي الثنائيات الحدية الاستقطابية القاتلة، فقد مثلت المقاومة العسكرية والتسوية السياسية ثنائية حدية استقطابية خلقت انقسامًا داخل البيت الفلسطيني، شتت جهوده الرامية لنصرة القضية، وكرست الانقسام حتى تحول مسار الصراع إلى مواجهة بين فصائل فلسطينية متناحرة في سبيل تحقيق مصالحها، وهو صراع أضر بالقضية وبدرجة الالتفاف الشعبي حولها.

كما أسهمت حالة الوهن العام للأمة على المستوى الدولي على تقديم الصفقة بالوجه الذي جاءت عليه، غير أن العدوان على القدس وتهجير سكانه العرب واستيطان المنطقة بغية تهويدها، واقتحام الأقصى والاعتداء على حرمته، بالإضافة إلى الحصار المفروض على غزة والعدوان عليها بدعوى حراسة الأسوار المغتصبة، كانت كافية لخوض المقاومة لمعركة “سيف القدس” تلبيةً لحماية الأقصى، وذودًا عن المضطهدين في القدس، وردًا قاطعًا لإفشال صفقة القرن، رغم محاولة الكيان الصهيوني تهيئة البيئة العربية الإسلامية عبر النشاط الذي عنيت به الجماعات الوظيفية في الأنظمة المطبعة، والتي تسعى جاهدة لخلق سبل تسوية تضمن للصفقة مسارها على الواقع.

  • معركة “سيف القدس” التأثير الخارجي في الداخل الأمريكي

إن تحولات الواقع في فلسطين خاصةً والعالم الإسلامي عامةً بالرغم من الهيمنة والسيطرة والتبعية والانحطاط الحضاري، يعسر توقعها لدى الكيان، الذي يظن أنه يحكم زمام المستعمَر، فبالرغم من القابلية للاستعمار يوجد في الأمة نبض ينبئ عن استمراريتها تخطه المقاومة الحضارية ضد الاضطهاد والعدوان، ولعل معركة “سيف القدس” التي كانت إثر جور الكيان الصهيوني واستصغاره للمكون الفلسطيني في المنطقة، ومحاولة فرضه لصفقة القرن بشتى الطرق والوسائل، وإقصائه لحق اللاجئين في العودة، وما لحقها من محاولات الإبادة والتهجير والاستيطان والتهويد، وعمليات اقتحام المسجد الأقصى، وجهًا من أوجه الصمود حفاظًا على الدين والأرض والعرض وعلى ماء وجه الأمة.

وفي خضم المعركة برزت فاعلية حركات المقاومة الفلسطينية على رأسها منظمة حماس ككيان سياسي فاعل في المنطقة من غير الدول، وأثبتت تطورًا وتغيرًا في هيكلتها الاجتماعية والسياسية والعسكرية، وكذا الأنشطة التي تمارسها، استجابةً منها لهيكليات الفرص التي أوجدتها ظروف العنف وعدم الاستقرار على الصعيدين المحلي والإقليمي[54]، فالمعركة على الرغم من نتائجها المروعة على قطاع غزة إلا أنها أعادت حماس إلى الواجهة داخليًا كي تكسبها مزيدًا من الاعتراف والشرعية والتوسع بالنظر إلى ما تقوم به من أنشطة متعددة الوجوه خاصة العسكرية، ما يمنحها مزيدًا من التجذر في بيئتها الخاصة لتمكنها من أنشطة هي من اختصاص الدولة الفاعلة، فولجت إلى المشهد السياسي لمضاهاة ومنافسة الفاعلين/اللاعبين من الدولة التقليدية.  ولا شك أن لهذه الشرعية المتنامية دور في إكسابها بعدًا دوليًا في العلاقات الدولية باعتبارها منظمة فاعلة غير رسمية تنشط في مضاهاة أو منافسة الفاعلين الرسميين من الدول في البيئة الدولية[55].

أدركت المقاومة عن معرفة تاريخية وواقعية حقيقة الكيان الصهيوني وادعاءاته المتهاوية كمزاعم قبته الحديدية، واعتماده على الإرباك النفسي وصناعة عظمته ومهابته في العقل العربي على خلاف ما يحويه الواقع، فنظرت له متجاوزة إدعاءاته، فكانت الهزيمة التي عددها الخبير العسكري رون بن يشاي فشملت فشل إسرائيل في تدمير منصات إطلاق الصواريخ في غزة، وقدرة المقاومة على الرد، وفي منع المستوطنين المتطرفين من اقتحام المسجد الأقصى، ودفعهم للانسحاب نحو الملاجئ، والعجز عن حماية مستوطنات غلاف غزة، وفي تزعزع الجبهة الداخلية، والإخفاق في الدعاية وحرب الإعلام والوعي على شبكات التواصل الاجتماعي بين الإسرائيليين أنفسهم، في مقابل توحد الفلسطينيين، وفي التراجع داخل الإدارة الأمريكية رغم الموقف الداعم الذي أبداه بايدن، فالاختلافات داخل إدارته  قد تجعل إسرائيل تعاني لاحقا، وكذا ضعف الرد الهجومي على صواريخ ورشقات المقاومة، كما أن تبعات فشل الدعاية الحربية الوخيمة بدأت تظهر آثارها للعلن في موجات التعاطف الواسعة مع فلسطين وشعبها[56].

فمن تداعيات المعركة أن كان لوقعها تأثيرًا شعبيًا وعالميًا لم تعرفه القضية من قبل، حتى بلغ الأمر إلى الداخل الأمريكي، سبقه تقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان حول الأوضاع في الكيان الصهيوني، فأجريت مقارنة علمية بإسقاط مؤشرات القانون الدولي لتصنيف الدول في أنها دول فصل عنصري على الحالة الإسرائيلية، ليخلص التقرير إلى أن الكيان الصهيوني تجاوز المعايير الأساسية لحقوق الإنسان بشأن الشعب الفلسطيني، من خلال دعم هيمنة المجموعة العرقية اليهودية على العرب الفلسطينيين، والاضطهاد الممنهج لهم، والقيام بأفعال لا إنسانية بحقهم، وعدم وجود النية لإنهاء الاحتلال، لذلك فهو قانونيًا وموضوعيًا دولة فصل عنصري، تمامًا على غرار النظام الجنوب إفريقي المنقرض[57]، فخلف التقرير وقعا على مختلف الأصعدة والمستويات، وزاد من تأكيد صحته العدوان الصهيوني الأخير.

وفقًا للتجربة التاريخية لا يأبه الكيان الصهيوني لهذه التقارير، فكل من ينتقده يتهمه بأنه معادٍ للسامية، معتمدًا على الصورة المسوقة له من قبل الحليف الأمريكي، على أنه دولة ديمقراطية تتبنى القيم السياسية والحقوقية الغربية، فكل ما يهمه معادلته الوجودية الجوهرية الماثلة في شرط بقائه وقوته المرتبط بضعف من حوله، لذلك يلتقي مشروعه الصهيوني مع المشروع الإمبريالي الغربي في إبقاء المنطقة ضعيفة، مفككة، منقسمة، ومتخلفة ماديًا، ومعنويًا وحضاريًا[58].

ومن تداعيات المعركة في الداخل الأمريكي، رغم الدعم المطلق وغير المشروط للإدارات الأمريكية المتعاقبة، وكذا الحزبين الديمقراطي والجمهوري لإسرائيل، وفي أوساط الرأي العام الأمريكي، لأول مرة برز بعض التصدع في التحالف الأمريكي-الصهيوني، فقد مثل العدوان على غزة  الاختبار الأول لبايدن في الساحة الفلسطينية، الذي في أوج المواجهة منع عدة مرات صدور بيان من مجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار الفوري، غير أن شدة العدوان وبشاعة الانتهاكات دفعت بالكثير من الأمريكيين إلى تساؤل عن جدوى هذا التحالف والإنفاق العسكري المفرط على حساب قيم الحرية والديمقراطية الأمريكية.

كما أسهم التنوع الذي يشهده الكونجرس الأمريكي في بروز تعدد في الموقف الأمريكي تجاه إسرائيل، فقد بلغت نسبة السود واللاتينيين والآسيويين والأمريكيين الأصليين في غرفتي الكونجرس 23 في المائة، وخلق ذلك تنوعًا في وجهات النظر وتفتتًا للقوى[59]، فقد تصاعدت أصوات التيار التقدمي داخل الحزب الديمقراطي في ذروة القتال بإصدار بيان يدعو إلى وقف إطلاق النار، وخلال المعركة قدم ممثلو الجناح اليساري في الحزب قرارًا بمنع صفقة سلاح قيمتها 735 مليون دولار للكيان الصهيوني، غير أن الإدارة الأمريكية أتمت الصفقة. أيضًا قام 500 شاب من أعضاء حملة بايدن الانتخابية بتوجيه رسالة إليه تطالبه بالضغط على إسرائيل وحماية الفلسطينيين بإدانة أعمال قتل المدنيين، وإنهاء الاحتلال والحصار والتوسع الاستيطاني[60]، وهو ما قد يُبدي أن حماية الكيان الصهيوني لم تعد تمثل موضوع إجماع يتخطى الأحزاب.

لم يكن تكثيف الضغوط لوقف إطلاق النار بمعزل عن الرأي العام العالمي في الشارع خاصة الأمريكي الذي أبرز تغيرًا كبيرًا في الرأي العام الجمعي، الذي شكل فيه اليسار وحركة السود مهمة، وحركة الأقليات، دورًا فاعلا في حشد المظاهرات وتأسيس وعي جديد بالقضية لم يُعرف له مثيل، دعمته الحملات المختلفة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، المناصرة للقضية في ظل تراجع سيطرة الإعلام الأمريكي التقليدي، في أوساط السود والأقليات الذين يمثلون أغلبية مصوتي الحزب الديمقراطي، فقد أحيت ممارسات الكيان العنصرية في القدس وعدوانه على غزة حادثة مقتل جورج فلويد التي جسدت صرخة في وجه استعلاء الرجل الأبيض. فلا يخفى تأثير مقتله في التوجه العام للأمريكيين السود والمتضامنين معهم من الأقليات نحو القضية الفلسطينية إذا عُلِم أن القائم ببرنامج تدريب قوات الشرطة المدنية الأمريكية خبراء إسرائيليون، حذرت من عنفويتهم مرارًا منظمة صوت اليهودي من أجل السلام Jewish Voice for Peace[61].

إن التحول التاريخي للحزب الديمقراطي وموقفه من الكيان الصهيوني، وفي أوساط الشعوب عبر العالم، سببه انتشار فكرة أن إسرائيل دولة احتلال وفصل عنصري، على خلاف الفكرة التي هيمنت تاريخيًا من أن إسرائيل ضحية في أذهان جمهور واسع من الشباب، وهو ما دفع إلى التساؤل عن بداية انهيار دعم الكيان الصهيوني. وفي هذا الإطار يبرز تياران في الداخل الأمريكي، تيار تقليدي إلغائي للآخر يتغذى على النعرة العرقية، داعمًا لطموح أمريكا القوة العسكرية العظمى في العالم، له اعتقاد راسخ بالتحالف الاستراتيجي مع إسرائيل، وتيار تقدمي استيعابي للآخر يرى أن الكيان الصهيوني حالة مضادة لطموح أمريكا القوة العظمى في العالم معتمدًا على النهج الدبلوماسي، يجد في التفاوض والتسوية أداة فعالة لتحقيق السلام في المنطقة، وحسب هذا التيار يعد النهج العدواني للكيان عائقًا في وجه تقدم أمريكا وبقاء استفرادها بالمكانة العالمية وتحقيق قيمها الديمقراطية، وهو ما يبرر الدعوة إلى إعادة مسار التفاوض والبحث عن تسوية للمضي قدمًا في استكمال اتفاقيات التطبيع التي شهدت تباطؤً ملحوظًا.

  • صفقة القرن بين مساري التطبيع والتسوية

في جو من الصخب والصراع تشكلت حكومة الائتلاف الجديدة في إسرائيل بزعامة نفتالي بينيت، ضمن توليفة ضمت ثمانية أحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومنها القائمة العربية الموحدة التي تعد أول حزب عربي (فلسطيني) ينضم لائتلاف حكومي منذ تأسيس الكيان الصهيوني، لينبئ عن تحالف هش يعج بالتناقضات لتيارات متناحرة على السلطة، تعجز عن لم الشرخ السياسي والاجتماعي على المستويين الداخلي والخارجي الذي أحدثه رئيس الوزراء السابق نتنياهو، المتابع في قضايا فساد، والذي اختزل علاقة الولايات بالكيان الصهيوني في علاقته مع الرئيس السابق ترامب ملغيًا بذلك العلاقة المؤسسية والتحالف العضوي  بينهما، وهو ما دفع بوزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني للقول إن ذلك سيشكل خطرًا على مستقبل العلاقة بين الجانبين[62].

في هذا الإطار كان التوجس من انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، وتخوف من وحدة الصف الفلسطيني، وتحسس لتأثيرات المعركة في المنطقة ومدى إفشالها للصفقة، ومساسها باتفاقيات التطبيع، رغم أن تاريخ الكيان الصهيوني يُظهر أنه لا يحدث تحولا جوهريًا في سياسته تجاه مشروعه الاستيطاني، غير أن المتغيرات الداخلية والخارجية رغم بشاعة جرائم الإبادة والاضطهاد، وعمليات تهيئة البيئة الإقليمية والدولية ومحاولات الاحتواء، لا يمكن ضمان ديمومتها على حالها، خاصةً بعد ما شهدته فلسطين من انبعاث للانتفاضة، لذلك من المرجح أن تعتمد الحكومة الجديدة دبلوماسية غير صدامية مع السلطة الفلسطينية، على غرار النهج المتبع مع إدارة بايدن[63].

وهو ما يدفع بالكيان الصهيوني إلى إدراج ذلك في إستراتيجياته الخاصة بالحفاظ على علاقاته التحالفية مع أمريكا من جهة، وعلى ثبات ميزان القوى بتعزيز قوته وقدرته في المنطقة مقابل تدعيم ضعف الأنظمة العربية والإسلامية من جهة أخرى، ويستدعي ذلك صيانة المكاسب التي حصلتها حكومته السابقة من الرئيس السابق ترامب، بل ومواصلة إتمامها مع الإدارة الجديدة، بتكييف الصفقة عن طريق إقحام الأطراف المطبعة في مباشرتها، وفرضها على الطرف الفلسطيني وفق مسار التسوية، باستخدام طرقه الملتوية عبر دبلوماسية الإنابة التي حولت مصر وقطر من طرف في الصراع إلى وسيط فيه. هذا فضلا عن استخدام ورقة الإعانات إما منحًا أو منعًا، كأداة لتمرير أهدافه لتحقيق بيئة مواتية للصفقة، فيجعل من الوضع الإنساني في غزة، وترهل السلطة الفلسطينية مدخلا للمساومات البخسة، بربط إدخال المساعدات بشروط إسرائيلية تشمل أنماط المساعدات المالية وغير المالية، وقوائم المواد المسموح إدخالها وتوقيتاتها، والجهات التي تقدمها، مع العمل على عرقلة المساعدات من قطر، وإيران وتركيا، كما سيجعل موضوع الجنود الإسرائيليين الأسرى أو جثث قتلاهم، عند المقاومة في غزة جزءً من تلك المساومات في مرحلة ما بعد وقف القتال[64]، معتمدًا في ذلك على تحالفه مع الولايات المتحدة في ناحية، وعلى الدول المطبعة في ناحية أخرى، محاولا تكريس بعض بنود الصفقة رغم ضعف أهمية طرحها أمام رفض الجانب الفلسطيني الكامل لها حتى دون الحاجة للنظر في تفاصيلها.

واقعيًا دحضت “معركة سيف القدس” مزاعم التطبيع ومراوغاته ومساعي التسوية وتلفيقاتها، والشكوك التي أثارتها حول الآفاق المستقبلية لمزيد من اتفاقيات التطبيع في ظل غياب تقدم ملموس في معالجة القضية الفلسطينية، بما يبديها أنها اتفاقيات أجريت بمعزل عن شعوب المنطقة ولحساب مصالح ضيقة. فقد صرح وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو أن صفقة الولايات المتحدة لبيع طائرات مقاتلة من طراز “أف-35” إلى الإمارات العربية المتحدة كانت جزءً لا يتجزأ من “اتفاقيات إبراهيم”[65]، كما جاء إعلان الرئيس السابق ترامب عن تطبيع العلاقات بين المغرب والكيان الصهيوني مقرونًا باعترافه بمغربية الصحراء، وبإقراره فتح قنصلية في مدينة الداخلة تقوم بمهام اقتصادية، من أجل تشجيع الاستثمارات الأمريكية.

ويضاف السودان إلى قائمة المطبعين نظير شطب الإدارة الأمريكية السابقة اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وموافقة الكونجرس على قانون الحصانة السيادية له بإيعاز من اللوبي الصهيوني، وهو الذي يحصنه من أي دعاوى قضائية تخص الإرهاب، باستثناء تلك المتعلقة بهجمات الحادي عشر من سبتمبر، لتتجه أنظار السودانيين إلى مستقبل ملف التطبيع والتجاذبات حوله في الإدارة الأمريكية الجديدة. ومنذ ذلك الحين إلى غاية كتابة هذه الأسطر خاب أمل السودان من نتائج اتفاق التطبيع مع الكيان الصهيوني وسط استثمارات أمريكية غير كافية، فالإدارة الجديدة لم تف بوعد سابقتها بالاستثمار في مشروعات الزراعة والتكنولوجيا كون الاستثمارات المالية الكبيرة التي روجت لها كانت ستساعد في تسويق الاتفاقية للشعب السوداني[66].

وتبقى خلفيات ودوافع تطبيع البحرين في الوقت الراهن غامضة لا تخرج من احتمال شراء التقنيات الإسرائيلية المتقدمة، بما في ذلك العسكرية، والتعاون في الجوانب الاقتصادية، والصحية، والسياحية وغيرها، وسواء رضي المطبعون أم لم يرضوا يواصل الكيان الصهيوني مساعي إنجاح التطبيع وإكسابه المصداقية في محاولة لتحقيقه على أرض الواقع رغم الرفض الشعبي القاطع له، وفي هذا المسعى يطلق كوشنر مستشار ترامب السابق وعراب صفقة القرن، معهدًا موسومًا بـ”إتفاقيات إبراهيم للسلام” تعزيزًا للتجارة والسياحة والتواصل بين إسرائيل والدول العربية[67]، في محاولة لإيجاد واقع عملي للصفقة.

وعلى الرغم من دعم إدارة بايدن لعملية التطبيع، إلا أنها لم تقدم أي حوافز لها كالتي استخدمتها إدارة ترامب لإقناع المطبعين بالتوقيع، ولكون أن العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية قضية خلافية في الساحة العالمية، فليس هناك حافز كبير لدول عربية إضافية للقيام بهذه الخطوة في الوقت الراهن[68]، وعلى غرار ما طالبت به كل الإدارات السابقة لإدارة ترامب، ستسعى الإدارة الحالية في وقت لاحق بالعودة لإحياء مفاوضات تنادي فيها بحل الدولتين، غير أنها تمتنع حاليًا عن الإعلان عن أي مبادرات للسلام مخافة أن يمس ذلك باستقرار الحكومة الجديدة، وهو ما يُرجح تجمد ملف عملية السلام في ظل عدم وجود أي حاجة أو ضغط من الجانب العربي، وانشغال بايدن بملفات يراها أكثر خطورة على مصالح أمريكا[69].

وتجدر الإشارة أنه في الوقت الذي أصر فيه بايدن على أمن إسرائيل واستقرارها على رفاة الشهداء في غزة، وقف على المنصة أمام العالم بأسره في حلف الناتو مؤكدًا وضع أوكرانيا في موضع يمكنها من الاستمرار في مقاومة العدوان الروسي، مبشرًا بإعداد أموال طوارئ في حالة حدوث توغل آخر، دعمًا لسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها[70]. خطابان يتجلى خلالهما الفرق الشاسع بين الدبلوماسية والإستراتيجية في الاحتكام إلى المصالح، فحين تعلق الأمر بفلسطين والمنطقة، نادى بايدن بالمساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتطرح هذه المساواة العديد من الأسئلة أكثر مما تجيب عنها، وسواء توفرت فرصة للضغط من أجل تغيير فعال، من خلال الابتعاد عن الشعارات الفارغة حول عملية سلام غير موجودة، وحل الدولتين غير المحتمل، إلى إتباع نهج قائم على القيم يركز على الحقوق والمساواة قد يقدم معيارًا يمكن من خلاله قياس المبادرات المستقبلية، غير أن الرؤية تساعد في تحريف النقاش السياسي حول جوهر القضية[71].

فمن المرجح أن تواصل إدارة بايدن تشجيع مزيد من الدول العربية على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، دون ممارسة ضغوط قوية أو ابتزاز الأنظمة العربية بهدف التقدم في هذا المسار، نظرًا للتراجع الملحوظ للتطبيع خاصة بعد المعركة الأخيرة، وقد لا تعتبر القدس عاصمة لدولة فلسطين المقترحة، كما لا تلتزم بإعادة السفارة الأمريكية إلى تل الربيع[72].

وهذا ما يترك المبادرة في يد الكيان الصهيوني الذي سيجد طرقًا جديدة للتعامل مع الفلسطينيين وإثبات أن الصراع المستمر منذ عقود في طريقه إلى الحل عبر التسوية، وذلك بجعل الهدنة دائمة مع اتخاذ إجراءات لخلق انطباع بأنه لم يتراجع عن مصادرة منازل الشيخ جراح، وانتهاك الأقصى، في ظل تغييب دور الأمم المتحدة كمنظمة دولية في الإشراف على عملية التسوية وإيكالها إلى الطرف الأمريكي ودور مصري في التواصل مع المقاومة، وهو ما يُفتت أطراف الصراع العربية ويحصرها في الطرف الفلسطيني في ناحية، والطرف الإسرائيلي الآخر في الصراع المدعوم بالحليف التقليدي الأمريكي الطرف الخفي في معادلة الصراع من ناحية مقابلة.

خاتمة:

لقد مثلت الصفقة واتفاقات التطبيع انعكاسًا للحالة الحضارية الخطيرة للأمة التي شابها الوهن والتراجع والتفتت، واستبداد الأنظمة، وتبعيتها للخارج، في ظل انعدام مشروعها الحضاري الذي يخط لها مستقبلها، وفي الوقت الذي يحاول فيه الكيان الصهيوني تأكيد رسو مشروعه الصهيوني في المنطقة، فجاءت الصفقة كي تكرس العدوان الصهيوني بحماية أمريكية وسط تراجع عربي وإسلامي، وتغييب للدور الدولي لهيئة الأمم المتحدة، وغياب للمنظمات العربية والإسلامية، مع تهاو لمبادئ القومية العربية على المستوى الرسمي، وبتعاون من أنظمة عربية أسهمت في مسار التطبيع وتكريس “اتفاقات إبراهيم”، ما أبدى أن كل السبل مهيأة في وجه حلم إسرائيل الكبرى، وعزم الكيان على إلغاء العرب من ذاكرة تاريخ فلسطين، فيحاول تهويد القدس ويعلنها عاصمة له، ويُلغي حق عودة اللاجئين، ويضع يده على ما بقي من الأراضي ومنابع المياه، فلا أحد على المستوى الرسمي يجرؤ على محاسبته في ظل الوهن، ويتعزز دعمه بحليفه الإستراتيجي الأمريكي الذي بارك الصفقة واتفاقات التطبيع مع العزم على تكريسها، مؤكدًا مرارًا على لسان رئيسه الجديد وفريق إدارته أن لا مساس بأمن إسرائيل واستقرارها.

وبعد انسياق بعض الأنظمة العربية المهرولة نحو اتفاقات التطبيع سرًا وجهرًا، تتباطأ مساراتها في ظل رفض شعبي لها وانعدام الإيفاء بالوعود من قبل الكيان الصهيوني، وسكوت عن تقديم الامتيازات من طرف الفريق الجديد، فقد كان لمعركة “سيف القدس” وتأكيد المقاومة لفاعليتها وشرعيتها داخليًا وخارجيًا، وقعًا على مسار التسوية واتفاقات التطبيع، فزعزعت مصداقية الصفقة التي أراد الكيان الصهيوني أن تكون مسرى للتطبيع مع الفلسطينيين، وإلغاء وجودهم وحقوقهم باسم تحقيق الازدهار الاقتصادي، لذلك يحاول مواراة هزيمته بدعوى أن “اتفاقات إبراهيم” اجتازت اختبار المعركة بسلام، كونها جاء في إطار مساومات ووعود ينتظر المطبعون تجسيدها على أرض الواقع.

وتتراجع الأنظمة المطبعة أثناء معركة “سيف القدس” ووقعها على المستوى العربي- الإسلامي، التي نفخت في روح الأمة للتطلع نحو حلم تحرير فلسطين واسترجاعها من جديد بعدما ظن الأغلبية أنها قد خبت، وكذا على المستوى العالمي، عبر حجم التعاطف الشعبي الذي حصده الفلسطينيون جراء بشاعة العدوان، وتقديم الصورة الحقيقية للقضية إلى الرأي العام العالمي، وفتح مسارات جديدة في سبيل كسب معركة الوعي العالمي، كل تلك التحولات أربكت خطوات الكيان الصهيوني فسيرت صفقته صفقة مشلولة في الوقت الراهن، تبحث لها عن مبررات في الواقع، وسندًا من الرئيس الجديد وفريق إدارته، وعونًا من الدول المطبعة، ولعل الوضع الراهن للولايات المتحدة يوجه الأدارة الجديدة نحو أولويات الداخل على الخارج، وأولوية تحالفه في مجابهة الصين وروسيا على انشغاله بتوترات الشرق الأوسط.

إن مجرد تغيير اللهجة لا يرتق إلى إحداث منعطف في السياسة الخارجية الأمريكية ومقارباتها، كما أنه ليس من شأنه التأثير فعلا في القرار السياسي الأمريكي على المدى المنظور، لكن الجدير بالملاحظة أن الوضع القائم قد حرك سواكن الدعم المطلق لإسرائيل في السياسة الأمريكية، كما زعزع الوعي العام العالمي الذي صنعه الكيان الصهيوني بترسانته الإعلامية العابرة للحدود، كي يُنبئ عن بداية وعي جديد بالقضية، فالتحولات الحاصلة في الكيان الصهيوني وائتلافه الحكومي الهش، وفي المنطقة، وفي الداخل الأمريكي، وجل المؤشرات تبعث على القول بفشل الصفقة في الوقت الراهن، فلطالما لفظت البيئة العربية والإسلامية الكثير من مشاريع الاستيطان وصفقاته حتى وإن هُيئت لها كل الظروف، من قبيل محاولات طمس الهوية واجتثاث الأصول، ذلك أن الكيان الصهيوني وإن أضر بالجوانب المادية والنفسية للأمة، تبقى الجوانب الروحية والقيمية تحفظ شيئًا من قداستها، وهي البارزة في الرباط بالمسجد الأقصى وما يمثله من بعد ديني عميق في قلب الأمة، كونه جوهر القضية وعنصر التفاف الأمة، فمن الضرورة تقدير أهمية المعركة فيه، والارتقاء بها إلى مستوى المواجهة، باعتبارها المسار المركزي لتصفية القضية على مستوى الهوية، ودحض أي محاولة لإعادة تسويق مشاريع إسرائيل داخليًا، وبينيًا وخارجيًا.

 

إن السبيل نحو فك الترابط التاريخي بين إسرائيل والولايات المتحدة الممجدة لمصلحتها هو جعلها عبئا عليها، ومجابهة المشاريع الخارجية الدخيلة بمشاريع داخلية أصيلة ومضادة، وذلك لا يتم إلا بالوحدة في صفوف الأمة والالتفاف حول ضرورة بعثها الحضاري وفق مشروع حضاري يرسم لها مكانتها بين الأمم، وذلك يستدعي الوعي بالكثير من الأوليات والضرورات تستوجب قبل كل شيء بناء أفراد ومجتمعات وقيادات الأمة وكوادرها حضاريًّا.

_______________________

الهوامش

[1] Monica Langley, Gerard Baker, Donald Trump In Exclusive Interview, Tells WSJ He Is Willing to Keep Parts of Obama Heealth Law, The Wall Street Journal, 11 November 2016, Accessed : 23 April 2021, 14 :15: https://2u.pw/arDqK

[2] محمود عوض، وعليكم السلام، مصر وإسرائيل والعرب.. الجذور والمستقبل، (القاهرة: دار المعارف، د ت ن )، ص 61.

[3] المرجع السابق، ص ص 64-65.

[4] المرجع السابق، ص 70.

[5] المشاريع التجارية الإسرائيلية العشرة الموحية بالسلام في الشرق الأوسط، وزارة الخارجية الإسرائيلية، 14 مارس 2010، تاريخ الاطلاع: 16 مايو 2021، الساعة 06:00، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/f8oj1

[6] شمعون بيريز، الشرق الأوسط الجديد، ترجمة: محمد حلمي عبد الحافظ، (عمان: الأهلية للنشر والتوزيع، 1994)، ص 220.

[7] نعيم الأشهب، مازن الحسيني، مشروع الشرق الأوسط الكبير أعلى مراحل التبعية، (عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع، 2005)، ص ص 30-31.

[8] بلال الشوبكي، صفقة ترامب لإنهاء القضية الفلسطينية فرص التطبيق في ظل المتغيرات الإقليمية، منتدى السياسات العربية- الديوان، ص 1، تاريخ الاطلاع: 12 مايو 2021، الساعة 7:30، متاح عبر الرابط التالي:  https://2u.pw/Zhwkz

[9] Sawasan Eamahi, The Land Exchange Project, Middle East Monitor, Obtober 2011, Accessed: 12 May 2021, 8:00, https://2u.pw/pKAeh

[10] Maj. Gen. (res.) Giora Eiland, Regional Alternatives to the Two-State Solution, The Begin-Sadat Center For Strategic Stadies, January 2010, p 35. Accessed: 21 April 2021, 8 :00, https://2u.pw/ySepy

[11] مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي: المسألة اليهودية، (الجزائر: دار الوعي للنشر والتوزيع، ج 2، 2013)، ص ص 81-82.

[12] بلال الشوبكي، صفقة ترامب لإنهاء القضية الفلسطينية، مرجع سابق، ص 2.

[13] محسن محمد صالح، وائل أحمد سعد (محررون)، التقدير الاستراتيجي (110): الآفاق المستقبلية لـ”صفقة القرن” الأمريكية، (بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، فبراير 2019)، ص 2، تاريخ الاطلاع: 20 مايو 2021، الساعة: 16:30، متاح عبر الرابط التالي:  https://2u.pw/s1vU2

[14] Raoul Wootliff, Final text of Jewish nation-state law, approved by the Kenesset early on July 19, The Times of Israel, 18 July 2018, Accessed : 11 April 2021, 12 :00, https://2u.pw/SpyEO

[15] محسن محمد صالح، وائل أحمد سعد، (محررون)، التقدير الاستراتيجي (110)، مرجع سابق، ص 3.

[16] ديفيد ماكوفسكي، كيف تتطلع “اتفاقات أبراهام” إلى السير إلى الأمام وليس إلى الوراء، معهد واشنطن، 16 سبتمبر 2020، تاريخ الاطلاع: 24 أبريل 2021، الساعة 17:25، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/ox61h

[17] محمد المنشاوي، مشروع “الناتو العربي” .. ماذا ينتظره في 2019؟، الجزيرة، 20 يناير 2019، تاريخ الاطلاع: 16 أبريل 2021، الساعة: 11:27، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/frqZH

[18] ياسمين فاروق، الطريق الطويل نحو تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي، مركز مالكوم كير-كارنيجي للشرق الأوسط، 25 مارس 2019، تاريخ الاطلاع: 16 أبريل 2021، الساعة: 11:45، متاح عبر الرابط التالي:   https://2u.pw/C2gi2

[19] إسرائيل تؤكد أنها تعمل على إنشاء تحالف أمني إقليمي مع دول الخليج، i24NEW ، 2 مارس 2021، تاريخ الاطلاع: 4 مارس 2021، الساعة : 20:15، متاح عبر الرابط التالي:  https://2u.pw/nGk0G

[20] محسن محمد صالح، وائل أحمد سعد (محررون)، مرجع سابق، ص 6.

[21] عبد الوهاب المسيري، الجماعات الوظيفية اليهودية نموذج تفسيري جديد، (القاهرة: دار الشروق، ط2، 2002)، ص 16.

[22] Views on Israel of U.S. Presidential Candidates 2020: Joe Biden, Jewish Virtual Library,  Accessed : 11 April 2021, 22 :00, https://2u.pw/TqGqY

[23] وليد عبد الحي، القضية الفلسطينية وفريق السياسة الخارجية الأمريكي الجديد، )بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، فبراير 2021)، ص4، تاريخ الاطلاع: 20 مايو 2021، الساعة: 16:30، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/jdZWL

[24] Manuel Roig-Franzia, Doug Emholff, Kmala Harris’s husband, is making history as America’s first male vice-presidential spouse, The Washington Post, 11 January 2021, Accessed: 25 April 2021, 17 :15, https://2u.pw/TT4bx

[25] View on Israel Of U.S Presidential Candidates 2020: Kmala Harris, jewish virtual library, Accessed : 11 April 2021, 23 :00, https://2u.pw/hGS56

[26] Gabe Friedman, Where Blinken Stands on Jwish Isses, from immigration to Israel, the Times of Israel, 24 November 2020, Accessed 24 April 2021, 14 :55, https://2u.pw/nbuzC

[27] Antony «Tony» Blinken, Jewish Virtual Library, Accessed: 24 April 2021, 22 :00, https://2u.pw/FlJDd

[28] Herb Keinon, Irael Can Sleep easy with Biden’s Top Foreigne Policy Picks- annalysis, The Jerusalemm Poste, 24 November 2020, Accessed: 25 April 2021, 09 :15, https://2u.pw/jLuyQ

[29] وليد عبد الحي، القضية الفلسطينية وفريق السياسة الخارجية الأمريكي الجديد، مرجع سابق، ص 5.

[30] Matthew Lee, Biden Taps Veteran Diplomat William Burns to head CIA, The Times of Israel, 11 January 2021, Accessed : 24 April 2021, 23 :00, https://2u.pw/nmUFx

[31] Ali Harb, Ragip Soylu, Biden Appoints Staunch Turkey Critic Brett McGurk to National Security Council, Middle East Eye, 8 January 2021, Accessed : 26 April 2021, 18 :00, https://2u.pw/Tg9Ix

[32] أسامة أبو الرشيد، تعقيب على دراسة مروان بشارة، أهداف الولايات المتحدة واستراتيجياتها في العالم العربي، (في): أحمد سعيد نوفل وآخرون، التداعيات الجيوستراتيجية للثورات العربية، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فبراير 2014)، ص176.

[33] مروان بشارة، أهداف الولايات المتحدة واستراتيجياتها في العالم العربي، (في): أحمد سعيد نوفل وآخرون، التداعيات الجيوستراتيجية للثورات العربية، مرجع سابق، ص ص 109- 110.

[34] المرجع السابق، ص 111.

[35] وليد عبد الحي، القضية الفلسطينية وفريق السياسة الخارجية الأمريكي الجديد، مرجع سابق.

[36] المرجع السابق، ص 6.

[37] المرجع السابق، ص 5.

[38] Paul Sonne, United States Extends Nuclear Treaty with Russia for Five Years, The Washington Post, 3 Febraury 2021, Accessed: 11 may 2021, 23:00, https://2u.pw/PfMpv

[39] AFP, Russia Urges Biden to Be ‘More Constructive’ Over Arms Treaty, The Moscow Times, 20 January 2021, Accessed: 20 january 2021, 07 :00, https://2u.pw/GwEok

[40] Amanda Macia, U.S Forces are Halfway through their Withdrawal from Afghanistan, CNBN, 08 June 2021, Accessed: 09 June 2021, 14 :52, https://2u.pw/N48Z5

[41] Gordon Lubold, Nancy A. Youcef, Micheal R. Gordon, U.S Military to Withdraw Hundreds of Troops, Aircraft, Antimissile Batteries From Middle East, The Wall Street Journal, 18 june 2021, Accessed: 19 June 2021, 04 :20, https://2u.pw/8M6Gq

[42] البنتاغون يعلن بدء خفض أنظمته المضادة للصواريخ في دول بالشرق الأوسط، الجزيرة، 19 يونيو 2021، تاريخ الاطلاع: 19 يونيو 2021، الساعة: 12:30، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/qJ9eK

[43] NORTH ATLANTIC TREATY TREATY ORGANISATION? On the Agenda, Brussels Summit-Nato, 14 June 2021: Accessed: 15 June 2021, 05 :15, https://2u.pw/VQJxT

[44] Toi Staff, Agencies, Thousands March in London Urging G7 Support for Palestinian Cause, The Times of Israel, 13 june 2021, Accessed: 14 june 2021, 12 :00, https://2u.pw/y9xHi

[45] Deirdre Shesgreen, U.S aid to Israel was always a given. Will growing support for Palestinians change that?, US Today News, 02 June 2021, Accessed: 03 June 2021, 11 :35, https://2u.pw/RpsBy

[46] محسن صالح، الأهداف والمصالح الإسرائيلية في النظام العربي، مرجع سابق، ص470.

[47] Josh Ruebner, Salih Booker, Zaha Hassan, Bringing Assistance To Israel in Line With Rights and U.S Laws, Carnegie Endowment for International Peace, 12 May 2021, Accessed: 14 May 2021, 20 :00, https://2u.pw/hAkef

[48] Ibid.

[49] Deirdre Shesgreen, U.S aid to Israel was always a given. Will growing support for Palestinians change that?, Op. cit.

[50] Letter Shows Overwhelming Bipartisan Support in House For Aid to Israel, Jewish Virtual Library, 22 April 2021, Accessed: April 22, 2021, 11 :00, https://2u.pw/3Y4rA

[51] عبد الوهاب المسيري، أسرار العقل الصهيوني، (القاهرة: دار حسام، 1996)،  ص 126.

[52]  Josh Ruebner, Salih Booker, Zaha Hassan, Bringing Assistance To Israel in Line With Rights and U.S Laws, Op. cit.

[53] مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي: المسألة اليهودية، مرجع سابق، ص ص 69-70.

[54] جولي سي. هيريك، الفاعلون/ اللاعبون غير الدول: تحليل مقارن للتغير والتطور داخل حماس وحزب الله، (في): بهجت قرني (محرر)، الشرق الأوسط المتغير نظرة جديدة إلى الديناميكيات العربية،( بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، أكتوبر 2011)، ص 309.

[55] محمد محارب، إسرائيل والتغيرات الجيوستراتيحية في الوطن العربي، (في): أحمد سعيد نوفل وآخرون (محررون)، التداعيات الجيوستراتيجية للثورات العربية، مرجع سابق، ص 507.

[56] وديع عواودة، إسرائيل في حالة إرباك وانتقادات ذاتية واسعة بعد المفاجأة وخسارة المعركة على الوعي في بدايتها، القدس العربي، 12 مايو 2021، تاريخ الاطلاع: 13 مايو 2021، الساعة: 09:30، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/jQqkX

[57] Human Rights Watch, A Thresshold Crossed, Israeli Authorities and The Crimes of Apartheid and Persecution, 27 April 2021, Accessed: 28 April 2021, 13 :41, https://2u.pw/Dx7r4

[58] محسن صالح، الأهداف والمصالح الإسرائيلية في النظام العربي، مرجع سابق، ص 455.

[59] أنتوني زورتشر، الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: تحول “مزلزل” في سياسات الحزب الديمقراطي الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية، بي بي سي عربي، 22 مايو 2021، تاريخ الاطلاع: 30 مايو 2021، الساعة: 09:30، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/3m8xJ

[60] أعضاء بالمئات في حملة بايدن الانتخابية يدعونهه لمحاسبة إسرائيل وحماية الفلسطينيين، الجزيرة مباشر، 24 مايو 2021، تاريخ الاطلاع: 30 مايو 2021، الساعة: 13:30، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/IY9Ip

[61] Sheren Khalel, US police Departments under Pressure to end Training Programmes with Israel, Middele East Eye, 22 June 2021, Accessed: 22 June  2021, 11 :24: https://2u.pw/Q9vLn

[62] Tzipi Livni, Opinion: Why Israel’s Annexation of Parts of the West Bank would be a Historic Mistake, The Washington poste, 03 Febraury 2021, Accessed : 03 May 2021, 16 :05, https://2u.pw/fAIBg

[63] محمد وتد، حكومة جديدة بإسرائيل.. رهينة للتناقضات واستمرارها منوط بنتنياهو، الجزيرة، 13 يونيو 2021، تاريخ الاطلاع: 13 يونيو 2021، الساعة: 22:30، متاح عبر الرابط التالي:  https://2u.pw/oQ4C2

[64] وليد عبد الحي، تقدير موقف: الآفاق المستقبلية لمعركة “سيف القدس”، (بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، مايو 2021)، تاريخ الاطلاع: 31 مايو 2021، الساعة: 18:30، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/nikay

[65] إمي سبيرو، بومبيو: بيع مقاتلات إف-35 للإمارات كان “بالغ الأهمية” لاتفاقيات إبراهيم، تاميز أوف إسرائيل العربية، 10 يونيو 2021، تاريخ الاطلاع: 11 يونيو 2021، الساعة: 13:30، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/DH1po

[66] السودان تشعر بخيبة أمل من نتائج التطبيع مع إسرائيل- تقرير، تاميز أوف إسرائيل العربية، 16 يونيو 2021، تاريخ الاطلاع: 17 يونيو 2021، الساعة: 4:30، متاح عبر الرابط التالي:

https://2u.pw/q8EuT

[67] Ron Kampeas, Jared Kushner lanches Peace Institue to Advance Abraham Accords, The Times of Israel, 05 May 2021, Accessed: 06 May 2021, 23 :05,  https://2u.pw/5KU61

[68] Yoel Guzansky, Gerald M. Feierstein, The first test if the Abraham Accords, The Middele East Institue, 01 June 2021, Accessed: 2 June 2021, 09 :51, https://2u.pw/Y3zxw

[69] محمد المنشاوي، مصير صفقة القرن بعد هزيمة ترامب، الشروق، 10 ديسمبر 2020، تاريخ الاطلاع: 19 ماي 2021، الساعة: 10:30، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/N17y8

[70] Statement Press Secretary Jen Psaki on Ukraine Security Assistance, The white House, 18 June 2021, Accessed: 19 June 2021, 5 :00, https://2u.pw/AAovv

[71] The middele east institue, Up for Debate: The Biden administration’s approach to Israel/Palestine, The Middele East Institue, 21 June 2021, Accessed :21 June 2021, 10 :00, https://2u.pw/z94ko

[72] Blinken ‘non-committal’ on East Jerusalem as Palestinian capital, Aljazeera, 11 Febraury 2021, Accessed: 11 May 2021, 07 :30, https://2u.pw/sBHzD

فصلية قضايا ونظرات- العدد الثاني والعشرون ـ يوليو 2021

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى