الأمة العربية الإسلامية: بين الثورات الشعبية والحروب الأهلية والحرب على الإرهاب: (من العدو؟)

مقدمة:

مع بداية عام 2017 تدخل الأمة العربية الإسلامية العام السابع لاندلاع موجة الثورات الشعبية المتوالية التي تحولت -تحت وطأة القوى المضادة للثورة داخليًا وخارجيًا- إلى حروب أهلية وتدخلات خارجية تحت راية الحرب على الإرهاب يعتريها ويسمها حالة اقتتال بيني غير مسبوق.
فلقد فتحت الثورات العربية مرحلة جديدة من تطور المنطقة العربية برمتها وليس فقط دولها فرادى، تطورا متعدد الأبعاد. فبعد هذه الأعوام الست تبين أن الأسباب التي وقفت وراء انتفاضات عدد من الشعوب العربية أواخر 2010 ومطالع 2011 لم تعد وحدها عوامل حركة الأحداث، فقد تقدمت للواجهة عناوين وقضايا أخرى تولدت تباعًا. فبعدما أعلنت الثورات شعارًا وهدفًا يتمثل في إسقاط أنظمة الحكم المستبدة، وإحداث تغييرات جذرية تتعلق بسياسات التخلف والفساد والقمع والتفاوت الاجتماعي والفشل الدائم التي هيمنت على الواقع العربي لعقود، إذا بتطورات ما بعد الأيام الأولى لكل ثورة والطريقة التي تشكلت بها صورة المشهد الثوري في كل قطر، ثم صعود الثورات المضادة، تفرز أوضاعًا أخرى وقضايا ربما أصبحت أكثر مركزية؛ على رأسها: تفجر العنف والعنف المضاد قطريًا وإقليميًّا، وتجدد أشكال التدخلات الخارجية والتوجه نحو إعادة تشكيل كاملة للمنطقة، قطريًا وإقليميًّا ومن حيث الصلات مع الخارج… كل ذلك تحت راية الحرب على الإرهاب.
وليس من المهم الوقوف فقط على الطريقة التي تحولت فيها المنطقة من حالة الثورة والتغيير السياسي –خاصة في نماذجه السلمية- إلى حالة (الإرهاب والحرب على الإرهاب) بكل ما تحمله هذه اللافتة من مضامين واحتمالات تتفاوت من حالة ودولة إلى أخرى، لكن الأهم هو فهم كيف أنها في المجمل –ومع اتساع رقعتها وتمددها وامتدادها زمنيًا- تدخل بالمنطقة في أزمات من نوع مختلف. ولذا فالأهم الوقوف على الطريقة التي انتقلت بها المنطقة من تطلعات التحرر إلى البحث عن الأمن والاستقرار إلى التأرجح بين عودة الاستبداد وما وراءه من علاقات هيمنة-تبعية مع الخارج أو مشروعات الفوضى والإغراق في بحار من العنف الشامل. وعلى رأس هذه الطرق التحالفات بين الداخل المضاد للثورات وبين أنماط تدخلات ومناورات القوى الكبرى بأزمات المنطقة؛ بين الاندفاع بالحل العسكري وأطروحات التسويات التفاوضية الهائمة.

(1)

وكما لم تحدث كل هذه التحولات النظمية الكبرى في فراغ، فهي لم تأت أيضًا من فراغ؛ فكل هذا برمته يفترض لفهمه استدعاء الذاكرة التاريخية الحضارية القريبة (منذ قرن على الأقل) والآنية بكل تفاصيلها (منذ نهاية الحرب الباردة على الأقل). فمن ناحية الذاكرة التاريخية الحضارية القريبة: فإن الحربين العالميتين الأولى والثانية جرت بعض معاركهما على أراضينا: الأولى أفضت إلى تصفية ما بقي من تركه عثمانية وسلمتها إلى نظام الانتداب لتقسيم الشام، والحرب الثانية أفرزت لنا إسرائيل وحربًا باردة عالمية ونظمًا عسكرية تولت إدارة الدول المستقلة الحديثة نيابة عن الاستعمار الذي رحلت قواته بعد أن خلف وراءه قوات جديدة؛ سواء المدنية منها أو العسكرية، كما خلف بذور استقطابات وصراعات ظلت تنمو وظل هو يوظفها حتى الآن.
ومن أهم هذه الاستقطابات: القومية العربية-الإسلامية، الإسلامي-العلماني، العرب-غير العرب، السني- الشيعي، المسلم- المسيحي. وأخذ الاستقطاب الأكبر حينئذ، وهو الاستقطاب بين تقدمي ثوري وبين محافظ رجعي؛ أي بين عدو للغرب وحليف للغرب يتغذى من جميع الاستقطابات المذكورة عاليًا، في ظل رعاية المشروع الصهيوني ورأس حربته إسرائيل منذ عام 1948. فإذا كان قلب الأمة العربية الإسلامية شهد في النصف الأول من القرن العشرين حروبا ضد القوى الاستعمارية وضد الاحتلال ومن أجل الاستقلال بكافة أشكالها وأدواتها، فإن الحروب في النصف الثاني من القرن اختلفت أنماطها وصولًا لما نحن فيه.
كانت الحروب العربية -الإسرائيلية منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين (حرب 48، حرب56، حرب 67، حرب 73، احتلال جنوب لبنان وحصار بيروت82، الانتفاضة الأولى87) هي مواقيت لاختبار تغير التوازنات الإقليمية والعالمية حول المنطقة، واقترنت هذه الحروب مع العدو الصهيوني بحروب أخرى بالوكالة في ظل الحرب الباردة بين النظم العربية؛ ومن أهمها: نموذج حرب اليمن (بين مصر والسعودية على أرض اليمن باسم الدفاع عن الثورة في مقابل الدفاع عن النظام التقليدي برعاية غربية). نموذج الحرب الأهلية في لبنان (1976-1991)، نموذج الحرب العراقية-الإيرانية (بين القومية العربية أو السنية التقليدية وبين القومية الفارسية أو الثورة الإسلامية الشيعية). واقترنت جميع هذه النماذج وغيرها بالحرب الأيديولوجية الكبرى بين النظم العربية، وبينها وبين جوارها الحضاري الإيراني في رعاية الحرب الباردة ثم الانفراج ثم تصفية الحرب الباردة. وصاحبها تحولات في البنى الداخلية (الاجتماعية والاقتصادية) تحت موجة الانفراد الأمريكي المتصاعد في مقابل الانسحاب السوفيتي المتصاعد وتحت موجة عواقب السلام المصري-الإسرائيلي خلال الربع الأخير من القرن العشرين.
بعبارة أخرى: فإنه إلى جانب هذا البنيان الإقليمي الموروث من تسويات ما بعد الحرب العالمية الأولى، فإن البنى الداخلية أضحت تحت وطأة الاختبار بين قوى جذب وشد، بين الحاجة للتغيير من ناحية والحفاظ على الأوضاع القائمة من ناحية أخرى.
ومن ثم فإن تفاصيل الذاكرة الآنية الممتدة والمتراكمة عبر ست سنوات، سواء على صعيد النظم الداخلية أو البنيان الإقليمي والإطار الدولي التدخلي، تكشف عن صورة وحالة إعادة تشكيل جديد للمنطقة بعد اندلاع الثورات العربية الشعبية السلمية ضد الاستبداد السياسي وضد الظلم الاجتماعي وضد التبعية الخارجية.
وتمثل هذه الحالة العربية على هذا النحو حالة أخرى –ولو متأخرة- في مسلسل إعادة تشكيل النظم الإقليمية الفرعية للأمة (العالم الإسلامي) منذ نهاية الحرب الباردة. فبعد حرب الخليج الثانية وتسوياتها بدأت الحروب في البلقان وفي القوقاز وفي جمهوريات آسيا الوسطى وفي قلب أفريقيا، وجميعها تفصح عن جذورها التاريخية العرقية أو القومية أو الدينية متشابكة مع الأبعاد السياسية الداخلية والخارجية.
وكشفت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 عن الجديد في الاستراتيجية الأمريكية العالمية للحفاظ على الهيمنة باسم الحرب الدولية على الإرهاب: ففي حين لم تتوقف في القلب العربي الانتفاضة الفلسطينية الثانية وحروب إسرائيل على الأمة في لبنان (2006) وغزة المحاصرة (2008)، واستمرت التدخلات الخارجية باسم حقوق الإنسان والديمقراطية وكافة أدوات القوة المرنة، فلقد عاد بقوة وفجاجة الاستعمارُ العسكريُّ مع العدوان الأمريكي على أفغانستان ثم على العراق واحتلاله بصورة كاملة طيلة عقد من الزمان (2003- 20014)، ووضع هذا الاحتلال خلال هذا العقد تحت دائرة الضوء كل سياسات الكشف عن “الانقسامات الداخلية” ليس في العراق فقط ولكن في كافة الأوطان العربية. فلم يكن الاستقطاب السني-الشيعي، والعربي-الكردي، الذي ألقى بثقله على أوضاع العراق في ظل الاحتلال وبعد انسحابه جزئيًا، إلا رأس جبل الجليد العائم الذي سرعان ما طفى بقوة وسرعة مدمرة في ظل الثورات المضادة ضد الثورات الشعبية.
فلم يكن هناك أفضل للنظم المتكلسة وحلفائها الخارجيين حماية للوضع القائم ومنعًا للتغيير في المنطقة من تصعيد أداة الاستقطاب والانقسام وصولًا إلى حالة الاقتتال الداخلي في شكل طائفي أو عرقي، ولم يكن هناك أفضل من ورقة الحرب على الإرهاب لتندس وتختلط وتؤثر في جميع هذه الأشكال من الفرقة التي نالت من قدرة القوى الثورية الوطنية –إسلامية كانت أو علمانية- على الاستمرار في مشروعها. وكانت إسرائيل هي الراعية الأولى، منذ السبعينات، لاتهامات الإرهاب التي ألصقتها ابتداء بكل حركات المقاومة ضدها خارج أرض فلسطين.
ولم تكن هذه التربة من الصراعات والانقسامات الراهنة وليدة التدخل الخارجي والتواطؤ الداخلي الانقلابي على الثورات فقط، ولكن كانت كاشفة عن جذور ممتدة لمصادر هذه الصراعات لم تنجح، أو لم ترغب، نظم الدول حديثة الاستقلال وريثة الاستعمار في إداراتها على نحو يُنشئ دولًا مدنية حديثة لا تمحي الخصوصيات القومية والدينية والثقافية، ولكن تديرها وفق نظام تعددي تداولي ديمقراطي إنساني، يحوّل التعدد والتنوع إلى مصدر ثراء وليس أن يقمعه أو يكبته أو يستأصله أو يضطهد بعضه لصالح البعض الآخر، كما حدث طيلة ما يقرب من نصف قرن حين آمنت “النظم العسكرية” أو النظم التقليدية أن الاستبداد هو المبرر لما يسمى الحفاظ على تماسك الوطن أو الاستقلال في مواجهة المؤامرات الخارجية.
وحين اندلعت الثورات الشعبية ضد هذه النظم، بعد تاريخ حافل من المعارضة الداخلية، فإن النظم المترنحة التي لا تجرؤ على القول –صراحة- إنها ضد الشعوب وضد الثورات، عملتا على التجمّل بثورات أو حروب بديلة (هجينة ومفتعلة). كما أن القوة الخارجية، بعد أن “خلقت” الإرهاب، أضحت تدير الثورات المضادة -أي الحرب على الإرهاب- عن بُعد هذه المرة؛ أي بدون الطرق التقليدية الاستعمارية التي تقوم على الالتحام العسكري على الأرض، فتدير هذه القوة الخارجية عمليات نظيفة؛ أي بدون خسائر لها.
فإن النظم العميلة والمترنحة التي قامت ضدها الثورات هي التي تقاتل الآن؛ تقاتل “كيانات مسلحة” قفزت فجأة إلى قلب الساحة (تدبَّرْ في آثار صعود داعش ومسارها) لتسحب البساط عنوة وبعنف عن الثورات السلمية، وتشارك في إجهاضها. وتعاقب هذه النظمُ الشعوبَ التي ثارت، تعاقبها على خطيئة الثورة وخطيئة الصعود الإسلامي الذي صاحبها. وإذا كان اندلاع الثورات قد دشن ما كان متوقعًا من تدخلات خارجية ضدها، وإذا كانت هذه الثورات قد اختلفت من حيث الاندلاع والمسار والمآلات السريعة، إلا أنها جميعها اشتركت في نفس هذه القواسم السابق الإشارة إليها.
وهكذا نرى، وامتدادًا للنمط الذائع تاريخيًا في المنطقة ألا وهو التفاعل الواضح بين السياقات الداخلية والإقليمية والخارجية على نحو ينعكس على حال المنطقة ووضعها العالمي، فإن مشهد ما بعد الثورات يكشف عن دور هذا التفاعل ونمط إعادة تشكيل توازنات المنطقة والجاري منذ ست سنوات وحتى الآن.

(2)

على الصعيد الداخلي: لم تجر الثورات والثورات المضادة بشكل واحد أو درجة واحدة، رغم أنها أضحت تشكل منظومة واضحة المعالم، لا يمكن فهم أحد حالاتها بانفصال عن الأخرى أو عن سياقها العالمي ثم الإقليمي العام. فإن الخريطة الحالية لمعارك هذه الجولة الثالثة (2011-2016) من الحرب العالمية الثالثة(**) التي تقودها الثورات المضادة في المنطقة تقدم خمس حالات راهنة: حالة الحرب ضد داعش في العراق وسوريا وخاصة منذ يونيو2014، حالة الحرب بين نظام الأسد البعثي والمعارضة المسلحة للنظام السوري، حالة الحرب مع الحوثيين في اليمن وخاصة منذ أغسطس 2014، وحالة الحرب في ليبيا بين قوات حفتر في الشرق وقوات ثورة 17 فبراير(في الغرب) وخاصة منذ مايو 2014 وبين كل منهما وداعش، والحرب في مصر بين نظام الانقلاب والجماعات المسلحة في سيناء والمعارضة السلمية منذ يوليو 2013. وجميع هذه الحالات ورغم اختلافاتها تلبسها النظم المتهاوية وحلفاؤها الخارجيون لباس الحرب على الإرهاب.
من ناحية: كان الناتج الأبرز والأخطر للثورات جميعا في مراحلها الأولى: صعود الإسلاميين وظهورهم بديلًا جاهزًا لأنظمة الحكم المستبدة، ولقد كان لذلك رد فعل رافض ومهيج من قبل النخب والتكوينات العلمانية والأنظمة الآيلة للسقوط جميعًا بقيادات عسكرية في الغالب. ومن ثم كان للسجال الثلاثي (الإسلامي-العلماني-الدولتي) الدور الأكبر في عرقلة المرحلة الانتقالية الأولى للثورات في تونس ومصر وليبيا، ونسبيا: اليمن، كما بدا أثر هذا التناطح على حالة الثورة في سوريا ضد نظام بشار الأسد الأسوأ عنفا ودمارا. وفي جميع هذه الحالات، ودون تمييز بين داعش وبين حركات إسلامية معارضة مسلحة وحركات إسلامية سياسية، ثم وضع الجميع في سلة “الإرهاب” على نحو وسم الثورات بأنها أفرزت “الإرهاب الإسلامي”.
ومن ثم، ومن قضية الحرية والديمقراطية والاستقلال ضد الاستبداد والتبعية، وقضايا التطهير من الفساد والتخلف، انتقل السجال إلى قضية الهوية والمرجعية الحاكمة، حتى تدرجت الأمور باتجاه سيادة العنف والعنف المضاد بين: الأنظمة والثورات، والدولة والمجتمع، وفي ظل تدخلات خارجية كثيفة وضاغطة في اتجاهات مختلفة، نقلت النزاع إلى مستوى إقليمي شامل؛ الأمر الذي جعل من قضية (الأمن الإقليمي العربي) قضية مظلة تنضوي تحتها اليوم سائر أزمات المنطقة العربية وتحدياتها.
ومن ناحية أخرى: فقد بدأت جميع الثورات العربية سلمية وبأهداف وفعاليات قُطرية، وإن بدت مشتركة في نوعية الدواعي والدوافع التي أدت إليها، إلا أن منها من دفع على عجل ومن قريب للتسلح واستخدام العنف لإسقاط النظام على غرار الوضع في ليبيا ثم سوريا، ثم اليمن، ومنها من قطع شوطًا في التحول الديمقراطي المعوّق ثم أجهض لترتفع شارة الحرب على الإرهاب المحتمل الحقيقي (مصر)، في حين ظلت حالة ثورة تونس تناضل للحفاظ على السلمية والوصول إلى “توافق وطني فاعل”.
ومن ناحية ثالثة: لماذا أرادوا في الخطاب السياسي والإعلامي الشائع ألا نرى الثورات إلا تحت هذه الأسماء، والتي لا تخدم إلا حالة ذهنية واحدة؛ وهي ضرورة موت الثورات التي أفرزت الإرهاب والفوضى؟
لماذا لا تسمى الأمور بأسمائها؟ لماذا لا نقول الحروب بين الشعوب وبين النظم المتهاوية؟ على الأقل، فإن ممثلي النظم واضحون. بعبارة أخرى: لماذا لا نقول الحرب على نظام بشار الأسد؟ الحرب على نظام علي صالح وحلفائه الحوثيين؟ الحرب على ورثة معمر القذافي؟ الحرب على ورثة نظام مبارك؟ والحرب ضد ورثة الاحتلال الأمريكي الطائفيين في العراق؟ أم إن جميع من يقاوم هذه النظم ليس له حق استخدام القوة المسلحة ردًا على عنف وإرهاب هذه النظم ذاتها؟
بعبارة أخرى: إن ذيوع المقولة السائدة وانتشارها في الخطابات السيارة، والمقصورة على سردية “الحرب على الإرهاب”، إنما هو أمر مقصود وله عواقب شديدة الخطورة؛ نظرًا لتعميماتها المفرطة. وهي التعميمات التي تصيب الذهنية والنظر بالاضطراب، وخاصة لدى السواد الأعظم من الناس الذي هو الضحية الأساسية لهذه الحروب، والذي يتحمل تكلفتها المرتفعة حيث يصبح السبب فيما يعانيه هو: الثورات التي صعّدت من “الإسلام السياسي”، وكشفت عن وجهه الحقيقي المسلح والعنيف وغير المتسامح والمعادي للآخر… والذي يشوه الإسلام.
لا أحد ينكر أن خريطة القوى الإسلامية المتحاربة فيما بينها وبين قوى الأنظمة هي خريطة معقدة ومتعددة الروافد. ولكن الأهم في المقولة الذائعة هو وسم (الجميع) بالإرهاب الإسلامي وتحميله مسئولية انهيار الأوضاع. وكأن النظم وحلفاءها الخارجيين أبرياء من دم ابن يعقوب ويجاهدون –مع العالم- في مواجهة هذا الإرهاب جهادًا عسكريًا يتخذ ذريعة لإهدار ما تبقى لهذه الشعوب من كرامة وحريات وموارد!!! ومن أجل ذريعة أخرى تسمى الاستقرار والأمن (ولكن: لمن؟).
ومن ثم فإن أي نقد أو معارضة لسياسات النظم المترنحة في “الحرب على الإرهاب” لا يصبح إلا مساندة للإرهاب وخدمة له، ولا يصبح الحديث عن حلول سياسية واقتصادية واجتماعية تدعم الحريات والعدالة الاجتماعية والتعددية إلا حديثًا خادمًا للإرهاب، ومعاديًا للوطن وللدولة وخيانة لهما وكرهًا في الجيش وتآمرًا على الدولة (دون أن يُطرح السؤال: أي دولة؟؟؟).
إن الحروب الدائرة، أيًّا كان توصيفنا لها، هي حروب مختلفة الدرجات والأشكال، ولكنها جميعًا حروب بين النظم القديمة المتمسكة بالبقاء وبين إرادة التغيير لدى الشعوب والتي اتخذت أشكالاً مختلفة. لكن الأطراف الإقليمية والدولية تناور بهذه “الحقيقة” على النحو الذي يخدم حسابات مصالحها وتوازنات القوى بينها.
والأمر الأكثر أهمية أن شكل الجديد المطلوب -ومن سيقوده ومن سيقوم على بنائه- لم يتضح بعد. ولذا لا عجب أن “الخارج” -وفي القلب منه إسرائيل- يستهدف بقاء الأوضاع على ما هي عليه، وإن لم يكن، فلتتجه للدرجة الأسفل في المشروع الاستعماري في المنطقة؛ أي مزيد من التجرئة والاستقطابات. إن الحرب الدائرة على الإرهاب على النحو الذي تجري به ليست إلا حربًا على ما تبقى من موارد هذه الأمة، ومن وحدة أراضيها ومن تطلعاتها للتغيير، دون أن تتبلور قوى قادرة على القيادة الرشيدة للتغيير سواء داخليًا أو إقليميًّا.

(3)

وعلى الصعيد الإقليمي وعبر الإقليمي وخاصة من جهة الجوار الحضاري الإيراني التركي
فلقد مثل هذا الانفجار المتزامن للثورات الشعبية السلمية ثم الثورات المضادة المسلحة عاملًا هيكليًا محفزًا لمزيد من الاختلال في توازن “النظام الإقليمي العربي” واختبار ما تبقى له من خصائص النظم: أنماط تفاعلات، أو تحالفات، أو هياكل ومؤسسات، أو أنماط القوى التدخلية.
فمن ناحية: تدعَّم الانفصال أو التمايز بين النظم الفرعية العربية: الخليج، الشام، مصر والسودان، شمال أفريقيا، على نحو شهد تغيرًا في دور ووظيفة النظام الخليجي وعلى نحو غير مسبوق من حيث درجة وطبيعة التدخلات المتزامنة والمتلاحقة في قضايا المنطقة، وخاصة التصدي للثورات واتجاهات التغيير الشعبية بقيادة إسلامية، حتى ولو تطلب الأمر التحالف مع الأعداء أو المنافسين السابقين (نظام مصر وروسيا بصفة خاصة) أو لو ترتب على الأمر فتور وتأزم التحالف التقليدي مع الولايات المتحدة وانكشاف الغطاء الذي كان يستر العلاقات الخليجية الإيرانية برداء واه لم يخفِ مكامن العداء والصراع سواء المذهبي أو المصلحي.
ومن ناحية أخرى: تبلورت اتجاهات للتحالفات والتحالفات المضادة المتحركة التكتيكية غير الثابتة التي تخضع لتغيرات سريعة تحت وطأة الأحداث المتسارعة –على الصعيد العسكري والدبلوماسي على حد سواء- حول إدارة الصراعات المتداخلة والمتشابكة في اليمن، العراق، سوريا وليبيا. وأوضح هذه المحاور: محور مصر- الخليج، محور تركيا- إيران- (روسيا)، ومحور تركيا- الخليج، ناهيك عن تقاطع هذه المحاور حول الأزمات المتفجرة. فإن المراقب والمدقق في التفاصيل عبر عدة سنوات لابد وأن يتساءل: من مع من؟، ومن ضد من؟ ولماذا؟ وإلى أين؟ على سبيل المثال: بعد الفتور والعداء تجاه الثورة في مصر جاءت المساندة الخليجية العتيدة للانقلاب في مصر 2013 ثم عاد التأزم والفتور من جديد، ورغم أزمة العلاقات السعودية -القطرية بسبب موقف الأخيرة من الثورة ثم من الانقلاب في مصر فقد جمع الدولتين، حول سوريا، تحالف مميز مع تركيا من حيث دعم الفصائل المعارضة المسلحة السورية، ورغم الصدام التركي-الإيراني- المباشر وغير المباشر، حول نظام الأسد في سوريا، تظل مؤشرات العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية متنامية بين الدولتين (ومن أبرزها مساندة تركيا إيران في ملف “البرنامج النووي”، والتنسيق السوري الإيراني الروسي الأخير حول حلب)، ورغم المساندة الخليجية المتميزة لانقلاب مصر فلم يحظ التحالف الدولي ضد الحوثيين بتنسيق أو تعاون بين الجانبين حول اليمن، وبالمثل بين الفرقاء في ليبيا: مصر والإمارات إلى جانب حفتر على عكس السعودية، وتظل العراق ساحة التداخل والتشابك الأكبر بين كافة المشروعات ومواقف القوى الإقليمية: السعودية (ومساندة السُّنة)، تركيا ومساندة التركمان وفي مواجهة مضبوطة مع أكراد العراق على عكس أكراد سوريا، فتح قنوات بين مصر ونظام العبّادي في العراق.
وهكذا تظل المواقف السياسية والدبلوماسية تقترب أو تتباعد أو تتصادم وتتشكل التحالفات المؤقتة وتنفك، أو تتصادم. وفي نفس الوقت يظل أمران على ديمومتهما: الأمر الأول- الاقتتال الداخلي العنيف بين أبناء الوطن الواحد، وقتال الجميع مع داعش على نحو يستنزف الطاقات المطلوبة في مواجهة النظم المستبدة، أما الأمر الثاني فهو: التلاعب الخارجي بالتوازنات على الأرض، سواء بالتدخل بأدوات القوة المرنة أو الصلدة.
وبقدر ما يمكن القول إن التفاعلات والتحالفات والتوازنات بين قوى الثورة وفيما بينها وبين قوى الثورات المضادة في داخل أوطاننا هي مناط ما واجهته هذه الثورات من تحديات وإعاقات نتيجة الفشل في عقد مصالحات داخلية أو تشكيل تحالفات إقليمية فاعلة، بقدر ما يمكن القول أيضًا إنه لا يتمكن الخارج الإقليمي إلا بقدر ما يسمح له ضعف الداخل.
ومن ناحية ثالثة: لم تعد التوازنات أو التحالفات الإقليمية العربية تتصل بسياسات ومصالح تقليدية فقط، كما في السابق حتى لو ارتدت أردية أيديولوجية (قومي تقدمي/ محافظ رجعي، غربي/ شرقي)، ولكن أضحت ذات طبيعة دينية ومذهبية وثقافية وقومية طائفية تؤثر بقوة –وتتأثر- بلعبة صراع المصالح الاستراتيجية.
كما كشفت المشروعات التدخلية الخارجية من الجوار الإقليمي عن نفسها بقوة وسقطت عنها كل أقنعتها الواهية وقفازاتها المخملية. فدخل المشروع التركي المدني الديمقراطي تحدي مساندة الثورات ودعم إرادات الشعوب العربية بكل ما حمله ذلك من تحديات خطيرة لأمن تركيا في داخلها (الأعمال الإرهابية) وفي جوارها (السوري والعراقي) وفي تحالفها التقليدي مع الغرب (بعد موجات الهجرة، والأهم بعد الانقلاب الفاشل)، ناهيك عن صدامها وعدائها مع النظم الانقلابية المستبدة التي تقتل شعوبها أو تقهر حرياتهم، وتظل علاقاتها مع إسرائيل ضبابية تتأرجح بين موجات التوتر والتصالح المشروط.
فالمشروع التركي يفتح القنوات مع كافة الأطراف العربية ويترك الأبواب نصف مفتوحة (على سبيل المثال: استمرار العلاقات التجارية والاقتصادية المصرية-التركية رغم الصدام المفتوح بين أردوغان والانقلاب)، كما فتح التغير في التوجه التركي نحو التعاون مع روسيا حول سوريا، الكثير من الأسئلة عن الموقف التركي من الثورة السورية.
أما المشروع الإيراني فلقد انقلب على وجهه الثاني؛ أي وجهه الطائفي الشيعي، بعد أن ظل وجهه الأول “المواجهة مع المشروع الأمريكي والصهيوني” يخطف أبصار كل المدافعين عن استقلال العروبة وهويتها الحضارية الإسلامية ومصالحها في الحرية وتحرير فلسطين.
فلقد أضحى الوجه الطائفي المعسكر يغلب ويتغلب على مساندة الحقوق لحساب مساندة النظم الشيعية الحليفة سواء في سوريا، العراق، اليمن، ولحساب مشروع نفوذ إيراني في الشام. ولم تكن داعش إلا الفزاعة التي يبرر بها هذا المشروع توغله المباشر في هذا الجوار بذريعة محاربة إرهاب داعش، إلا أن خطابات قادته وحلفائه من شيعة العراق ولبنان وسوريا لم تتوان عن كشف حقيقة أهداف هذا المشروع. ولذا كان لابد وأن يصبح الصدام الخليجي-الإيراني (وخاصة السعودي) أكثر صراحة ووضوحًا عن ذي قبل، وخاصة منذ الاتفاق النووي الإيراني واتضاح توجه إدارة أوباما نحو إعادة ترتيب أولويات وتحالفات الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة. حقيقةً، الصراع في أساسه ليس مذهبيًّا فقط ولكن أضحى التوظيف الظاهر للبعد الطائفي فاعلًا في تفسير وتبرير السياسات والمصالح الاستراتيجية الإيرانية.
ومن ناحية رابعة: المشروع الصهيوني وإسرائيل في قلب التفاعلات عبر هذه السنوات الست. وفي هذا الإطار، تظل القضية الفلسطينية قريبة من هذه التطورات الإقليمية: فلم يعد خافيًا ما أضحت تتعرض له من تصفية، وخاصة مشروع “الدولة الفلسطينية”، في ظل تصاعد الثورات المضادة وعدم تمكن الثورات العربية، وذلك بعد أن حملت هذه الثورات في بدايتها رياح التفاؤل وخاصة تلك القادمة من مصر حينذاك. وهو الأمر الذي أصاب السياسات الإسرائيلية حينها بالارتباك قبل أن تعطي الثورات المضادة الفرصة لإسرائيل من جديد لالتقاط الأنفاس والاستمرار -وبدرجة أقوى- في مخططات التهويد والحصار والتصفية. ولقد كرس الانقلاب في مصر هذه الفرصة؛ حيث دخلت العلاقات المصرية-الإسرائيلية في مرحلة تحول نوعي وتحالف استراتيجي في مواجهة “الإسلام السياسي” وفي مواجهة حماس، وفي مواجهة الثورات كافة، بذريعة محاربة الإرهاب.
فلقد أضحى التدهور في العلاقة مع حماس وتصاعد الاتهامات لها بالعمل ضد الأمن القومي المصري، لدرجة استصدار حكم من محكمة الأمور المستعجلة بحظر أنشطة حماس في مصر. وذلك في نفس الوقت الذي يتدعم فيه التنسيق الأمني المصري-الإسرائيلي على الحدود في سيناء لدرجة الحديث أحيانا عن إمكانية توجيه مصر ضربة لغزة مع استمرار إحكام الحصار عليها، مع استمرار العمليات العسكرية المصرية وبتنسيق مع إسرائيل وخاصة ما يتصل برفح المصرية والأنفاق باسم محاربة الإرهاب في سيناء.
وفي المقابل كانت المفاوضات الإسرائيلية مع السلطة الفلسطينية برعاية أمريكية أولًا (سبتمبر 2013) ثم برعايات أوربية وخاصة فرنسية بعد ذلك، تدخل في نفق مظلم كشف على التوالي عن انهيارها تحت وطأة استمرار التشدد الإسرائيلي حول شروطه؛ وعلى رأسها الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وذلك مع استمرار مخطط تهويد المسجد الأقصى و فرض السيادة الإسرائيلية عليه كاملًا. ناهيك عن السياسات العنصرية المتزايدة ضد عرب 48، ولم تكن لبنان أو سوريا أو العراق بغائبة عن الحركة الإسرائيلية متعددة المستويات.

(4)

أما على الصعيد العالمي؛ أي السياق التدخلي الخارجي للقوى الكبرى المتصارعة على النفوذ العالمي وعلى ساحتنا العربية والإسلامية: فلقد كانت السنوات الست السابقة شديدة الدلالة بالنسبة للمرحلة الثالثة (2011-2016) من الهجمة الغربية على الأمة بعد نهاية الحرب الباردة. وتظل بين الحلقات الثلاث اختلافات مهمة من حيث شكل ودرجة التدخل (وليس أهدافه): ففي حين شهدت المرحلة الأولى، وخاصة في حرب الخليج الثانية، تدخلًا تحت غطاء “الشرعية الدولية” وبسرعة وفعالية أعقبه حصار العراق لمدة عقدين من الزمان، اندلعت خلالها الانتفاضة الفلسطينية الثانية، كما شهدت المرحلة الثانية عودة الاستعمار الأمريكي العسكري في العراق بعد أفغانستان. ولكن ظلت المقاومة الحضارية للأمة قائمة بأشكال متعددة رغم الخذلان والدفاع والاعتذار الذي أصاب مواقف بعض النظم والنخب وخاصة في العلاقة مع إسرائيل وقبول الاحتلال الأمريكي على أنه تحرير للعراق من الاستبداد وخطوة نحو التحول الديمقراطي.
واتسمت التدخلات الخارجية الغربية عبر السنوات الست التالية بما يلي:
من ناحية: الانتقال من المساندة الحذرة والمتحفظة للثورات ومن الوعود بالمساندة دعمًا للتغير الديمقراطي وحماية حقوق الإنسان (الشعار الرئيسي الذي غزت في ظله أمريكا أفغانستان والعراق) إلى المراقبة عن بُعد لاحتواء الثورة اليمنية من جانب الحلفاء الخليجيين، أو الدعم المشروط (من خلال أوروبا) للثورة التونسية، أو رفع يد المساندة عن نظام مبارك والتنسيق الحذر مع المجلس العسكري والمناورة الالتفافية على نظام مرسي وأخيرًا الرضاء المتحفظ عن الانقلاب والسكوت عنه، والاهتمام الشديد باحتواء الانقسام في ليبيا (الوساطات الأوروبية) من أجل بناء نظام توافقي يدعم التصدي لداعش على أراضيها منعًا لتدفقات المهاجرين عبر المتوسط وتدفقات الأعمال الإرهابية داخل أوروبا، التأرجح بين مساندة المعارضة المسلحة في سوريا وبين رفع المساندة ومن التلويح بإسقاط الأسد إلى السكوت عن جرائمه وعدم عقابه ومن ثم عدم قبول سقوطه السريع قبل أن تتضح خريطة القوى على الأرض، وأخيرًا شحوب الدور الأمريكي في المفاوضات التي تزامنت مع “هزيمة المقاومة في حلب” والإعداد لما بعد حلب.
بعبارة أخيرة: إن النظم البائدة أو المترهلة الباقية التي تقود هذه الحروب ضد شعوبها ليست بالقوة التي تريد أن تبدو بها أو تمكنها من الاستمرار طويلاً. فهي لا تستمر في إجهاض الثورات وقتل مواطنيها وقمعهم إلا “بحلاوة الروح” (بإشاعة حالة الخوف من جديد بأكثر من ذريعة ووسيلة)، وبالمنشطات التي تقدمها القوى الخارجية. فهذه القوى تعطي أحيانًا وتمنع أحيانًا أو تناور أحيانًا ثالثة، بالقدر الذي يمنع من الانهيار المفاجئ والسريع لهذه النظم، ليس خوفًا على هذه النظم، ولكن حتى يتم ترتيب الأوضاع الجديدة (ما بعد الثورات المضادة)، أو حتى يتم حسم ترتيبات هذه الجولة الثالثة من الحرب العالمية الثالثة الدائرة في المنطقة منذ 1991. فإن المنطقة منذ 1991 تستعصي على إعادة التشكيل السريع كما حدث في حروب البلقان وحروب القوقاز.
من ناحية أخرى: رفض التدخل العسكري المباشر البري سواء ضد داعش أو ضد نظام الأسد أو ضد نظام القذافي. فباستثناء ضربات حلف الأطلنطي الجوية ضد قوات القذافي المهاجمة لبنغازي، وباستثناء طلعات الطائرات بدون طيار الأمريكية ضد قادة وقواعد القاعدة المتبقية في اليمن وليبيا، وباستثناء مبيعات السلاح وأعمال الاستشارة العسكرية، فإن الملمح الأساسي في الصورة أن القوى الغربية تدير من وراء الكواليس وبأيدينا اقتتالنا في الأوطان وعبر حدودها. وحين أعلن عن تشكيل التحالف الدولي ضد داعش بقيادة أمريكية، فلقد كان بمشاركة مالية وعسكرية من عدة دول عربية حرصت في البداية على الإعلان عن مشاركتها في القصف (الإمارات، الأردن). ولم يحرز هذا التحالف نجاحات سريعة بقدر ما أثارت استراتيجيته الغامضة والمتأرجحة بين استهداف داعش في سوريا أو في العراق، الكثير من التساؤلات حول أهدافه الحقيقية ومدى فعاليته. بعبارة أخرى: فإذا كانت الخطابات المعلنة من جانب القوى الخارجية تؤكد عدم التدخل العسكري المباشر فيما يجري، كما حدث في أفغانستان والعراق، فذلك ليس مكرمة منهم، ولكن تنفيذًا لرؤية وتصور مفاده: اتركوهم لأنفسهم حتى تنتج الفوضى شكلاً ما. ومن ناحية أخرى: لا تكف قيادات النظم المتهاوية عن استجداء المساعدة أو المساندة الخارجية ولو بدرجات وأشكال متنوعة. وفي كل الحالات، “الخارج” حاضر بقوة وبأنماط مختلفة، وتتعدد المشاهد وتترى عبر السنوات الست الماضية لتقدم مزيدًا من الأدلة. وهي تتطلب التدبر المنظومي فيها لنكتشف دلالاتها النظمية الكلية بالنسبة لما يتم إدارته من وراء الكواليس… ومن أهمها: مشاهد التسويات السياسية المرتقبة والمأمولة ولكن الفاشلة حتى الآن في وقف المجازر ضد المدنيين ومشهد حلب الأخير شديد الدلالة، ناهيك عن تعز وصنعاء وغيرهما.
ومن ناحية ثالثة: وبعد أن كانت روسيا-بوتين تراقب عن بُعد وبحذرٍ وتحفظٍ التطورات في الجوار العربي (ما يسمى البطن الرخوة للكيان الروسي والسوفيتي سابقًا والقيصري الأسبق) طيلة ثلاث سنوات، كشفت السياسات الروسية تجاه المنطقة -وبقوة وبوضوح منذ 2014- عن أهدافها وأدواتها على الساحة السورية أساسًا ثم المصرية من حيث الأولوية. وذلك بعد أن كانت أوكرانيا (وخاصة بعد ضم روسيا القرم بالقوة العسكرية) الساحة الأولى لكشف روسيا عن توجهها المعلن –مع بوتين- للتحدي السافر وبقوة لترتيبات نظام ما بعد الحرب الباردة القائم على الانفراد الأمريكي وهيمنة القوة الغربية بالأساس. وأدوات وتصاعد درجات التدخل الروسي لمساندة نظام بشار الأسد، غير خافية عن الأعين سواء في تحالفها مع إيران أو تقاطعها وصدامها مع التدخل التركي والسعودي، ناهيك بالطبع عن الأمريكي؛ سواء في مواجهة داعش أو فصائل المعارضة المسلحة الأخرى.
بعبارة أخرى، وتجاوزًا لمفاصل التدخل العسكري الروسي وتجلياته المتعددة لإنقاذ نظام بشار الأسد وخاصة منذ مارس 2015، فلقد مثل بؤرة كاشفة نوعية عن كيف أضحت المنطقة العربية مرة أخرى، ومنذ اندلاع الثورات المضادة تحت علم الحرب على الإرهاب، مساحة لاختبار حالة التوازنات العالمية وصراعات القوى والمصالح حول النظم الإقليمية الفرعية. فلقد كانت المنطقة العربية دائما –عبر تاريخها- ساحة أساسية لاختبار هذه التوازنات، وكان لهذه المنطقة دائما وضعها الخاص في هذه العمليات (راجع تاريخ القرن العشرين وحتى الآن).
وإذا كانت موجة التحول الديمقراطي العالمية قد امتدت وبنجاح منذ نهايات الحرب الباردة ثم عبر عقدين لأرجاء مختلفة من العالم وخاصة شرق أوروبا وأمريكا اللاتينية بل وجنوب شرق آسيا، فإن تأخر نجاح هذه الموجة -وليس وصولها إلى المنطقة العربية والإسلامية – كان يرجع لأسباب عديدة وخاصة السياقات الإقليمية والعالمية غير الصديقة لحدوث تغيرات جذرية في الأنظمة العربية الإسلامية بدون قيادة حلفاء الغرب. ناهيك بالطبع- وهو الأهم- عن طبيعة السياقات الداخلية (القطرية) التي نخرت فيها آفات الثنائيات المدمرة وخاصة الاستقطابات الإسلامية-العلمانية، والقومية والدينية والطائفية… وعلى نحو أبرز المقولات عن عدم التطابق بين الإسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان.
وكان اندلاع الثورات والثورات المضادة كاشفًا عن حقيقة نمط التدخلات الخارجية، وما يقترن بها من توازنات قوى عالمية، وفي هذه المنطقة التي انتفضت شعوبها بصورة جماعية من أجل التغيير، انتفضت بنفسها هذه المرة وبدون قيادة من نخب عسكرية أو مدنية أو دينية تقليدية. ومن ثم كان هذا النمط كاشفًا ليس عن نمط التوازنات العالمية الجديدة بين القوى الكبرى الصاعدة من جديد والهيمنة الأمريكية فقط، بل كون هذا النمط سواء بقيادة أمريكية أو قيادة متعددة مازال معاديًا جملة وتفصيلًا لإحداث تغيير في النظم القائمة، وخاصة بقيادة إسلامية ديمقراطية.
فإذا كان صعود الدور الروسي في المنطقة من جديد أضحى واضحًا وبقوة في الحالة السورية ثم المصرية ثم التركية ناهيك عن الإيرانية (بل وأحيانًا الخليجية ولو بصورة مترددة ومتقاطعة)، إلا أن متابعة تفاصيله الدقيقة عبر سنوات وخريطة امتداده لتبين أننا لسنا في حالة “الحرب الباردة التقليدية” التي اصطدمت خلالها (الخمسينيات- الستينيات من القرن العشرين) القوتان العظميان حينذاك على الساحة العربية وغيرها.
فالتنسيق الأمريكي الروسي، والتفاوض الأمريكي الروسي على كافة الأصعدة وحول منظومة كل القضايا الساخنة المتفجرة –طيلة السنوات الثلاث الماضية بصفة خاصة- لم تنقطع ولم تكن سرية بل شديدة العلانية والظهور في القمم الثنائية أو الجماعية أو المفاوضات المباشرة الثنائية بين وزيري الخارجية أو على هوامش كثير من الاجتماعات العالمية.
وهو الأمر الذي وإن لم يخف –في البيانات المعلنة- عن مناطق الاختلاف أكثر من مناطق الاتفاق حول “الحالة السورية” بصفة خاصة والمنطقة العربية بصفة عامة، إلا أن الجدير بالتذكرة جانبان أساسيان عن هذه الحالة. أولهما- التساؤلات والتحليلات عن مستقبل الدور الأمريكي في المنطقة أو عن حقيقة تراجعه فيها لصالح دور روسي جديد، وما يترتب على ذلك من خلل في التحالف الأمريكي-الخليجي بصفة خاصة ولحساب امتداد المشروع الإيراني تحت ضوء أخضر أمريكي بل وربما برعاية أمريكية صريحة وخاصة منذ الإعلان عن توقيع الاتفاق النووي الإيراني في صيف 2015، وهي التساؤلات التي تزداد عمقًا ووضوحًا على ضوء مشهد “حلب” ومشهد “ما بعد حلب” الجاري إعداد سيناريوهات له، وذلك في ظل التحول التركي، منذ مابعد انقلاب يوليو الفاشل بصفة خاصة، نحو التنسيق والتعاون المباشر مع روسيا حول سوريا. في حين تراقب السعودية الدور الروسي. ثانيهما- القواسم المشتركة بين مواقف الجانبين حول درجة وطبيعة تغيير الأنظمة في المنطقة ونطاق “المشاركة الإسلامية” وطبيعتها المسموح بها في عملية هذا التغيير (الإرهابيون من ناحية في مقابل “الإسلام الرسمي المدجن” من ناحية أخرى؛ أين موضع القوى الإسلامية الديمقراطية السلمية المدنية من ناحية ثالثة؟)، ناهيك بالطبع عن القواسم المشتركة بين الجانبين حول مآل ثورات شعبية للتغيير في المنطقة وحول ضرورة جدوى احتوائها وتقييدها إن لم يكن إجهاضها وإن اختلفت أسباب ودوافع الجانبين.

(5)

لماذا لم يأنِ أوان فرض تسويات سياسية من أعلى بسرعة؟ ومن أهم المجالات التي تشرح التداخل بين الأبعاد الداخلية والإقليمية والعالمية حين تشخيص وتحليل وتفسير ارتداد موجة الثورات الشعبية هو: امتداد واتساع ساحات “الاقتتال الأهلي” داخل حدود الدول وعبرها، وتعقد خريطة التدخلات الخارجية في كل منها، وعلى نحو غير مسبوق من حيث الدرجة (العمق والعنف والتلاعب الخارجي) وتأخر ثم فشل أو تعثر محاولات التسوية السلمية التفاوضية، رغم أن الخطاب المعلن الرسمي من كافة الأطراف المعنية وخاصة القوى الكبرى يلوك كلمة: “إن الحل السياسي السلمي هو الحل”. في نفس الوقت الذي تتسابق كافة الأطراف وتحت ذرائع متنوعة على رأسها الحرب على الإرهاب وخاصة إرهاب داعش وجماعات إسلامية أخرى، ومن وراء الكواليس أو بعلانية وبفجاجة، إما في الاندفاع نحو الحل العسكري الصريح (روسيا وإيران في سوريا، والتحالف الدولي بقيادة أمريكية ضد داعش، والنظام الانقلابي المصري في سيناء، السعودية وقيادة التحالف الدولي ضد الحوثيين وعلي صالح في اليمن) أو المناورة بالحل السياسي كورقة ضغط ومساومات (الولايات المتحدة في سوريا والعراق، وكذلك تركيا والسعودية وقطر) أو التلاعب به لأغراض داخلية أساسًا (مصر تجاه: حرب التحالف الدولي على الحوثيين، والحرب بين حفتر وثوار طرابلس، والحرب بين داعش والنظام العراقي الشيعي الطائفي والحرب بين الأسد ومعارضيه)، أو حالة اللجوء الصريح للقوة العسكرية في نهاية المطاف حفاظًا على وحدة وتماسك أراضي الدولة ووحدة شعبها (تركيا في سوريا والعراق بعد تصاعد العمليات الإرهابية في الداخل التركي وتمدد أكراد سوريا على الحدود والانقلاب العسكري الفاشل في 15-16 يوليو 2016). ووسط هذه التجليات العسكرية متعددة المستويات ومن بينها، تطل برؤسها -وعلى عجل وبدون نجاح سريع- محاولات التسوية السياسية التفاوضية أما لإيجاد حلول ابتداءً أو لخدمة أعمال إنسانية إغاثية. ولقد أضحت هذه الأعمال في نهاية المطاف، مع تعثر الحلول السياسية، غاية أساسية في التفاوض من أجل وقف إطلاق نار، والأمثلة على ذلك الوضع العام عديدة سواء في ليبيا أو اليمن أو سوريا بالأساس، ناهيك عن حالتي العراق ومصر: أي الدعوات الديكورية للمصالحة الشيعية السنية الكردية في ظل توازنات القوى السياسية والعسكرية بين الأطراف الثلاثة خلال مواجهتهم مع داعش والتفاعلات مع تدخلات الموقفين التركي والإيراني، أو الدعوات المتكررة “لما يسمى المصالحة” بين النظام الانقلابي في مصر وبين الإخوان والمعارضة من الخارج إجمالًا، والتي تطل برأسها بسرعة وتختفي بسرعة في مفاصل واضحة من تطور الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية في مصر.
وتعددت الأسباب والأشكال في كل حالة من الحالات الرئيسية الثلاث: ليبيا ، اليمن، سوريا، وجميعها في مجملها تجسد مقولة مهمة وهي: أن خرائط المعارك العسكرية وموازين القوى العسكرية بين الأطراف المتصارعة (النظم، المعارضة بفصائلها، داعش) وفقًا لنمط رعاية القوى الكبرى، هي المحك وهي المحدد الأساسي لمصير التسوية السياسية، فستظل تلك الأخيرة تتقدم وتتأخر وتتجمد أو تتجدد وفقًا للميزان العسكري على الأرض، ووفقًا لحسابات القوى الخارجية حول خريطة القوى السياسية المراد صعودها لترث بعض النظم أو لتتعاون معها أو لتتنافس معها بعد وقف النار.
فإن وقف الاقتتال ليس هدفًا في حد ذاته حماية للمدنيين وإنقاذًا للأرواح والحيلولة دون التدمير الحضاري لأوطان بأكملها أرضًا وشعبًا وثقافةً وروحًا وأجيالًا قادمة؛ ولكن الهدف هو شكل الخريطة الجديدة للنظم في المنطقة، وخريطة علاقاتها الخارجية، ولمَ لا؟ ألسنا في مرحلة إعادة تشكيل كاملة للمنطقة جيواستراتيجيًا من ناحية، ولوضعها في صراعات القوى العالمية من ناحية أخرى؟؟؟
ويمكن تدعيم مصداقية هذه المقولة باستدعاء الذاكرة التاريخية القريبة –على الأقل- منذ بداية الحرب الباردة والمتصلة بامتداد -ثم نمط تسوية- كل من الحرب العراقية الإيرانية، الحرب في البلقان وخاصة في البوسنة، الحرب في الشيشان، العدوان على العراق بعد عقدين من الحصار واحتلالها عقدًا آخر…
وتتعدد الأمثلة الشارحة للمقولة السابقة طوال ست سنوات، فقد توالت عبر هذه الأمثلة معارك الاقتتال والمآسي الإنسانية وأعمال العنف غير المسبوقة من حيث النوع والحجم والكثافة والامتداد وتداخل الفواعل وتقاطعها عبر أرجاء الأوطان العربية الإسلامية، كما توالت من ناحية أخرى، وتقاطعت مع الاقتتال، جهود وساطة أو تفاوض أو ….إلخ من أعمال السياسة والدبلوماسية. يتبين من جميعها – وخاصة الحالة السورية- كيف أنه كلما تتقدم القوى الثورية المعارضة (دون حساب داعش) كلما يحدث تدخل خارجي لمنع الحسم العسكري لصالحها، فيحدث تراجع وتتوقف جهود تسوية قائمة… وهكذا.
وحيث سوريا المثال الأوضح، فهي قلب الصراع الإقليمي العالمي الراهن حول المنطقة وساحة اختباره الأساسية، فنستدعي المشاهد التالية: من ناحيةٍ بعد تزايد ضغط المعارضة المسلحة على النظام وتوقع قرب سقوطه استخدم الأسلحة الكيميائية ضد شعبه في (مايو2013)، وبعد تصاعد التهديدات الأمريكية بتوجيه ضربة عسكرية له عقابًا على تخطيه ما أسماه أوباما ” الخط الأحمر” توصل وزيرا الخارجية الأمريكي والروسي لاتفاق يتم بمقتضاه تجريد النظام السوري من أسلحته الكيميائية دون التدخل العسكري ضده، وهو الأمر الذي أعطي قبلة حياة للنظام وأسهم في فشل تطبيق اتفاق جينيف (30 يونيه2012)، بل وفتح الطريق أمام تدفق وتدخل حزب الله أولًا. وحين لم يمنع ذلك من ترنح النظام كشف التدخل الإيراني العسكري المباشر عن وجهه بسفور وعلانية. الأمر الذي دفع إلى (جينيف2) بمبادرة أمريكية قلصت ما نصت عليه (جينيف1) من حيث شكل الحل السياسي على نحو يحفظ بقاء “الأسد” واعتباره جزءًا من عملية التسوية. وذلك في نفس الوقت الذي كشف التدخل الروسي العسكري عن نفسه بوضوح وخاصة منذ بداية حصار حلب وقصفها طيلة عام منذ نهاية 2015. وهو التدخل العسكري العنيف الذي استطاع، وفي إطار مراقبة أمريكية وأوروبية مشبوهة، أن يفرض شروطه السياسية على ساحة المفاوضات (القبول بأن يصبح الأسد جزءًا من الحل السياسي، عدم التمييز بين الفصائل المسلحة من حيث الإرهاب….)، وأن يُجذب الطرف التركي إلى محور إيران وروسيا بوضوح (هل على حساب محور تركيا -أوروبا-أمريكا؟ إن لم يكن على حساب محور تركيا-الخليج؟). ومن ثم ليس بعجيب أن بوتين، وقبل أن يغسل يديه من دماء أهل حلب المحاصرين، وفي حين يتم إجلاء آخر من بقي منهم، يدعو إلى مفاوضات لإيجاد حل سياسي.
ومن ناحية ثانية: وبعد تصاعد التهديد التركي السعودي بالتدخل العسكري البري وبتسليح المعارضة بالصواريخ في مواجهة تزايد التدخل العسكري الروسي-الإيراني، لم يتحقق هذا التدخل في إطار معارضة أمريكية له ولعوامل أخرى. وذلك في نفس الوقت الذي لم تحقق جينيف2 ( 22 يناير 2014) أي تقدم على نحو دفع بنقل الملف إلى الأمم المتحدة ( واستصدار ما عُرف بخارطة الطريق 18 ديسمبر2015) وخاصة بعد تصاعد التدخل الروسي العسكري (القصف الجوي) والصدام الروسي–التركي بسبب إسقاط تركيا طائرة روسية. وقبل التوصل إلى هدنة في حلب (فبراير-مارس 2016) استمر القصف الجوي الروسي وزاد تعنت النظام السوري وحلفائه بشأن شروط الهدنة كما تزايد حديث التقسيم والنظام الفيدرالي. وانتهى تمامًا الخطاب عن تدخل بري سعودي تركي ولو في إطار تحالف دولي بقيادة أمريكية، واستمر الضغط الشديد على فصائل المعارضة لتسليم بعض المواقع وإجلاء سكانها قبل الإعلان عن الهدنة. ثم جاءت “مشاهد حلب” منذ أن استهدف الروس شرق حلب لأكثر من ستة أشهر (النصف الثاني من 2016) وتوالت خلالها جولات الكر والفر بين المعارضة وقوات النظام والميلشيات الإيرانية وحزب الله، وتكررت الإعلانات عن المساعدة الأمريكية للمعارضة بالسلاح، واستمر الخلاف الدبلوماسي حول تحديد من “الإرهابي”: داعش أم فصائل أخرى وخاصة جبهة النصرة؟ وتوالت التطورات في المواقف التركية المنفردة وخاصة بعد الانقلاب العسكري الفاشل في 15يوليو 2016، وفي إطار من تزايد الفجوة بين المواقف الأمريكية والتركية نتيجة الاختلاف حول الموقف من أكراد سوريا واتجاههم لفرض السيطرة على شريط حدودي ممتد مع تركيا، وتم ذلك بمساعدة أمريكية تحت ذريعة أن مساندة الأكراد تعد جزءًا من محاربة داعش. وبعد التصالح مع روسيا عقب الفجوة الناجمة عن إسقاط تركيا الطائرة الروسية التي كانت تقصف الحدود السورية التركية (مناطق تركمانية) بدأت تركيا تدخلًا عسكريًا مباشرًا كثيفًا بالتنسيق مع قوات الجيش السوري الحر. وبعد أن كانت المعارضة تحرز تقدمًا في اختراق صفوف قوات النظام وتتقدم لإحكام الحصار حول مناطق في غرب حلب وفك الحصار عن شرق حلب، تراجعت من جديد قوات المعارضة المسلحة. وفي نفس الوقت الذي لم تتوقف فيه مفاوضات ثنائية تركية-روسية، روسية-أمريكية حول الوضع في حلب المحاصرة، تصاعدت الأزمة الإنسانية من جراء القصف المستمر والعنيف ونتيجة إحكام الحصار ولم يعد الحديث الأممي عن تسوية سياسية بل عن وقف إطلاق نار وهدنة للتمكين من أعمال الإغاثة الإنسانية وإجلاء الجرحي، ورغم تصاعد الإدانات لوحشية القصف الروسي دون توقف (اقتداء بنموذج جروزني) انتهت “مشاهد حلب الصامدة المقاومة” بمشهد إجلاء المدنيين والمسلحين المحاصرين في آخر الأحياء الصامدة دون استسلام في وجه بربرية الميلشيات الشيعية والقصف الجوي الروسي. ثم دعا بوتين بعد سياسة الأرض المحروقة في حلب لفرض الاستسلام، عن جولة مفاوضات جديدة في كازاخستان لبحث التسوية في سوريا…. فهل أضحت الخارطة العسكرية والتفاهمات الأمريكية- الروسية- التركية – الإيرانية تسمح بذلك الآن في نهاية 2016؟ وهل سيكون لذلك علاقة مع الحالات الأخرى في العراق واليمن وليبيا ومصر؟؟

(6)
خلاصة القول:

إن خريطة الجولة الراهنة (2011-2016) من عملية إعادة تشكيل الأوطان العربية الإسلامية بدوائرها الثلاث المتقاطعة (الداخلية- الإقليمية- العالمية) التي انطلقت منذ 1991، لتكشف لنا عن خصائص كبرى لاتجاهات هذه الجولة ومن ثم مآلاتها:
أولًا- العدو مُلتبس على الجميع في أوطاننا ولا اتفاق أو رضاء عامًّا حول تسميته على نحو يقود لتفاقم الانقسامات الداخلية والإقليمية. ففي مراحل سابقة من التاريخ المعاصر لهذه الأوطان كان العدو هو “الاستعمار الغربي المحتل عسكريا ثم أضحت الصهيونية وإسرائيل والغرب الاستعماري الجديد” سواء في ردائه الرأسمالي أو الشيوعي. حقيقة لم تنقطع الاختلافات حول هذه الأمور ولكنها لم تكن بمفردها الحاسمة في تحديد التحالفات المضادة أو تمثل دافعًا لاقتتال داخلي أو بيني ممتد أو متصاعد. ومع نجاح مشروع “السلام” الصهيوني في اجتذاب ركن الأمة (مصر) أولًا ثم ما تلاه من تداعيات، صعدت كفة الصراعات البينية واحتلت الأولوية (الحرب الأهلية في لبنان، الحرب العراقية -الإيرانية، أزمة الخليج الأولى، الحرب في اليمن) ولم يعد الصراع العربي الإسرائيلي –تدريجيًا- الصراع المركزي (وخاصة بعد 2001) حين صعدت راية “الإرهاب” وأضحى معروفًا بالصراع الفلسطيني -الإسرائيلي في ظل تصاعد الانقسامات بين الفصائل الفلسطينية منذ تطبيق أوسلو وخاصة بعد 2005.
وهكذا أضحى السؤال من العدو: إيران أم إسرائيل أم الإرهاب أم الإسلام السياسي؟ وكان سؤالًا مركبا أقوى بكثير من سؤال آخر أخذ يتصاعد بدوره: هل العدو خارجي فقط؟ وماذا عن الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي والاقتصادي والخلل الأخلاقي والقيمي؟ إلى متى يظل حشد هذه الأمة في مواجهة عدو خارجي فقط في حين أن “العدو في الداخل” هو الذي يُمكّن لهذا الخارجي ويحول دون التصدي له بنجاح بل ويحكم على كل محاولات التصدي بالفشل والإجهاض؟ بل وأضحى حليفًا للعدو الخارجي رغم تكرار التبريرات بأن الأوطان تتعرض لمؤامرة خارجية، الأمر الذي ازداد معه الإلتباس والغموض في تحديد العدو وهذا مكمن فهم الاقتتال الداخلي وعبر حدود الأوطان الآن: هل هو إرهاب داعش؟ هل هو الفوضى والفراغ الناجمتان عن الثورات والتي أعطت الفرصة لداعش؟ هل هي إيران أم المشروع الطائفي الشيعي في مواجهة السنة في العراق وسوريا واليمن في ظل غياب “مشروع سني أو مشروع عربي جامع”؟ هل هو نظم العسكر المتكلسة سواء في سوريا الأسد أو مصر السيسي أو اليمن صالح أو ليبيا حفتر التي تقاتل من أجل بقائها بذريعة قيادة الحرب على الإرهاب، سواء كان داعش أو جبهة النصرة أو فصائل ثوار ليبيا أو الإخوان (فحقيبة الإرهاب اتسعت لتضم كافة المعارضين من الحركات الإسلامية بدون تمييز واجب بين السلمي منها أو المعارضة المسلحة أو الإرهابي التكفيري)؟ هل هو النظم الخليجية التقليدية البترولية الموسومة برعاية “جذور الإرهاب الفكرية السنية المتطرفة”؟ هل هو المشروع التركي العثماني الجديد الذي يريد السيطرة على المنطقة؟ وأخيرًا هل هي المؤامرة الأمريكية العالمية الصهيونية لتقسيم المنطقة؟ هل هو مشروع بوتين لروسيا القوية الصاعدة في مواجهة الغرب من جديد؟
تتعدد الاتهامات وتتعدد الإجابات بتعدد الأطراف المتقاتلة والمتصادمة بقدر تصادم مصالحها الضيقة الطائفية، المذهبية، القومية أو السياسية الاستبدادية، والحاضر الغائب في كل هذه الشبكة: إسرائيل والمشروع الصهيوني. لم يعد يذكرنا بمشروعها وامتداداته إلا عدوانها المتكرر الوحشي على غزة والقدس وصمود غزة وانتفاضة الأقصى الثالثة.
ثانيًا- الصبغة الطائفية الفجة والمعلنة بدون حياء سواء في سوريا أو العراق أو اليمن، والصبغة الانقلابية العسكرية الأكثر فجاجة (التي تجمع بين صبغات أخرى) في مصر وليبيا واليمن، وعلى نحو يدفع إلى أمرين: من ناحية: يدفع إلى تحالفات وتحالفات مضادة تكسر كل القواعد المألوفة وتتسم بتداخل وتعقد كما تتسم بالسيولة في نفس الوقت. فلا يمكن تحديدها بدقة فهي متحركة علنًا وخافية لما وراء الكواليس: فهل روسيا تنافس أمريكا أم تنسَّق معها؟ هل أمريكا تتراجع من المنطقة أم تعيد ترتيب أولوياتها أو تسمح بتوريط روسيا وإيران؟ هل تركيا حليفة أمريكا والخليج الذي رفض الثورة وساند الانقلاب أم تسعى نحو إيران وروسيا؟ وهل التحالف الاستراتيجي المصري الأمريكي في أزمة؟ وماذا عن التحالف العضوي بين السيسي وإسرائيل؟… هل إيران تحارب داعش السنية التكفيرية أم تحارب الإرهاب وأين حربها ضد الشيطان الأكبر (أمريكا) والأصغر (إسرائيل)؟ ولماذا طغت الآن الأبعاد المذهبية على الأبعاد الاستراتيجية السياسية سواء للدور الإيراني في الخليج والشام أو سواء للدور السعودي في العراق أو سوريا واليمن؟… إلخ من الأسئلة التي تبرز من ثنايا الأحداث المتلاحقة عسكريًا ودبلوماسيًا على الساحات الداخلية والإقليمية والعالمية.
إن مشهد حلب، ومشهد الموصل ومشهد صنعاء وتعز، هذه المشاهد من حواضر المدن العربية الإسلامية العريقة تقدم لنا كثيرًا من الأدلة على أن سؤال “من العدو”؟ ومن الإرهابي؟ وراء صعود “الطائفية” المقيتة من جذور “التعددية والتنوع” الثرية التي حظيت بها هذه الأمة عبر تاريخها الزاهر وحتى تحولت إلى آفة الآفات ومكمن إعادة تقسيم جديد يجرى إعداده للأوطان بقوة السلاح والاقتتال الداخلي أساسًا والذي يحركه الخارج: الغربي عن بُعد، والروسي والإيراني والتركي والسعودي عن قرب.
إنه إعادة تقسيم للأوطان تتحدى صيغة “الدول القومية ما بعد الاستقلال” التي أورثها الاستعمار لأوطاننا، بل يترتب على آفات ممارسات النظم العسكرية التي ورثت تلك الدول ما بعد الاستقلال، حيث إن فشل هذه النظم عبر ما يزيد عن نصف قرن في بناء دول مدنية حديثة تقوم على احترام القانون أساسًا للتعددية هو الذي انكشف عنه الغطاء بعد تآمر قوى الثورة المضادة على الثورات الشعبية. حيث أضحى التوظيف السلبي للتعددية المريضة المشوهة دينيًا وثقافيًا واجتماعيًا أحد أهم أدوات هجوم الثورة المضادة على إرادة الشعوب في التغيير انطلاقًا من نموذج حضاري جديد لا حداثي علماني ولا تقليدي إسلامي.

ثالثًا- من الصعود الإسلامي في الثورات إلى أزمة المشروع الإسلامي؟

واقع اللحظة التاريخية للصعود الإسلامي مع الثورات لم يستمر طويلًا؛ لأن خصائصه واجهت تحديات من داخلها وخارجها. وهذه الخصائص هي:
أ‌- يجمع بين هذه الثورات كافةً، أنها انفجرت في إطار أزمة شاملة ثلاثية الأبعاد: 1- أزمة النظام العالمي السائد كأزمة هيكلية وقيمية في شقيها السياسي والاقتصادي، و2- أزمة النظم والهياكل المتيبسة والشائخة والفاسدة، والتي تراكمت عواقبها عبر ما يزيد عن نصف القرن من عمر “الاستقلال السياسي” للدول القطرية العربية، ثم 3- أزمة هوية الشعوب والمجتمعات التي شهدت تأرجحًا ممتدًا عبر قرن وأكثر، بين أيديولوجيات مستوردة مفروضة من أعلى ومن الخارج، تقاذفت انتماءاتِ النخبِ وشكلتْ جدالاتِها الفوقيةَ، دون قدرة على تحقيق إبداعٍ حقيقيٍّ لتحديث هذه المجتمعات وفق نموذج وطني حضاري. إلا أن تلك الأزمة الثلاثية بقدر ما ضغطت في اتجاه انفجار الثورات، بقدر ما تظل تمثل قوًى مضادةً ضاغطةً على مستقبل هذه الثورات يتحالف فيها الداخلي والخارجي بكل ما أوتوا من قوة ضد الشعوب، والأهم ضد المشروع الإسلامي؛ باعتباره كان دائمًا -وكما اتضح عبر القرنين الماضيين- مشروعًا حضاريًّا مقاومًا لاحتلال أقطار الأمة واستعمارها.
ب‌- يتسم ذلك “الصعود الإسلامي” بتعددية القوى والحركات الإسلامية الضالعة فيه، وخاصةً مع الصعود السياسيّ للسلفية التي تحولت روافد منها لقبول اللعبة السياسية، بعد أن كانت لفظتها كليةً من قبل، أو ارتبطت برافدها الجهادي العسكري في الداخل والخارج. ومن ثم، فإن المشاركة في الثورات سلميًّا أو عسكريًّا، والمشاركة في السلطة، برلمانيًّا أو تنفيذيًّا أو رئاسيًّا، طرحت على الساحة اختبارًا عن مآل تنوع الروافد السياسية الحركية القادمة من مرجعية واحدة (إسلامية). فالظاهر من خبرة الواقع والتاريخ القريب أن هذا التعدد -في معظم الحالات – لم يمثل تنوع الثراء والتكامل وتوزيع الأدوار بقدر ما هدِّد بتنوع التضاد، والذي شكل أرضية خصبة لقوى الثورة المضادة والقوى المضادة للمشروع الإسلامي ذاته.
وواجه الجانبان (الفكري والتنظيمي) لهذه القوى تحديات ثورية ضخمة؛ نظرًا لارتباط الصعود هذه المرة بثورات شعبية، وبمناخ من الحرية السياسية، وبالوصول التدريجي إلى السلطة؛ وهو الأمر الذي كان يفرض مراجعات نظرية وفكرية وحركية على هذه القوى والحركات نفسها وقبل غيرها.
فلقد سبق هذا النمط من الصعود في بداية الألفية الثالثة أنماط أخرى من الصعود عبر تاريخ المقاومة الحضارية (الممتدة على أكثر من مستوى، وبأكثر من أداة فكرية وحركية: مقاومة الاحتلال، مقاومة التغريب، مقاومة العلمانية، مقاومة التجزئة، مقاومة الاستبداد والظلم…). لقد قام الإسلاميون عبر هذه المقاومة الممتدة، وبروافدهم المتنوعة (الصوفية، السلفية، الإخوانية،…) بأدوار متعددة (سياسية، مجتمعية، دعوية،… )؛ حفاظًا على “الإسلامية” في المجتمع والدولة: هويةً ومرجعيةً. وهذه الأدوار جميعها -وإن كانت تصب في الصحوة الإسلامية أو التجديد والإصلاح والإحياء الإسلامي الحديث والمعاصر وتسعى نحو النهوض الحضاري من جديد- إلا أنها كانت في معظمها أدوار إما محظورة قانونًا، أو محاصرة، أو مقيدة، أو مراقبة، أو موظَّفة، تعاني من مقاومة فوقية داخلية وخارجية، وتواجه فيها اتهاماتٍ وشكوكًا عديدةً من داخل المجتمعات، في نفس الوقت الذي تلقى فيه رواجًا وتأييدًا من قواعد شعبية ممتدة.
ت‌- استعادت الثورات، الشرعيةَ القانونيةَ للقوى الإسلامية، وخاصةً في الدول التي أزاحت رءوس النظام (مصر وتونس). وقد كانت “الانتخابات العامة” هي الساحة التي كشفت عن الأوزان الحقيقية للقوى الإسلامية لدى الشعوب؛ تلك الأوزان التي طالما تم تزييفها بقرارات وسياسات سلطوية عليا مدعومةٍ بحروب فكرية وثقافية قادتها النخب العلمانية. بعبارة أخرى: من أهم ملامح فقه الواقع في بداية مسار الثورات أن: “الثورات الشعبية” قد ردَّتِ في البداية الاعتبارَ لوزن الرافد الإسلامي في المشروعات الوطنية لمقاومة الاستبداد والظلم الداخلي والخارجي، كما ردَّتِ إليه الاعتبار المفقودَ قهرًا من جانب النظم المستبدة. ولكن هذه المرة تم رد الاعتبار بفعل الإرادة الشعبية. إلا أن سرعان ما نجحت ممارسات هذه القوى ذاتها والحملات المنظمة ضدها، لإحياء وتجديد العداء والتشكك والاتهام لها.
ث‌- مفهوم الثورة ونموذجها في التقاليد والخبرات الإسلامية لا يتطابق مع نظائره في خبرات وتقاليد أخرى حضارية. ومن ثم، فإن سلوك ما بعد إزاحة رءوس النظم الفاسدة ورموزها بثورات شعبية سلمية (حالة مصر وتونس بصفةٍ خاصة) يفتح المجال أمام التنازع: بين مفهوم الإصلاح الشامل ولكن مع التدرجية في التغيير المجتمعي والسياسي، وبين مفهوم التغيير السريع والجذري. ومما لا شك فيه، أن الاختلاف بين مفاهيم الثورة من منظورات وخبرات مقارنة، من أهم أسباب حالة الاضطراب والفوضى الفكرية والسياسية التي اتسمت بها المراحل الانتقالية السلمية وحتى انفجر الاقتتال وخاصة بعد أن أطلت الثورات المضادة برءوسها وبعد أن سحبت الحركات المسلحة الراديكالية التكفيرية البساط من تحت الحركات السلمية الإسلامية. بعبارة أخرى، فإن السنوات الست الماضية تختبر بقوة كل إشكالية العلاقة بين السلمي والعسكري وبين الإصلاح والعنف من رؤي إسلامية.
فإن هذا المِفْصَل الذي دشنته ثورات شعبية حدث بعد أن راهنت السياسات الغربية، على مشروعات الإصلاح والتحول الديمقراطي في إطارٍ من التبعية للنموذج الحضاري الغربي، (سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا)؛ وهو نموذج غير عادل سياسيًّا أو اقتصاديًّا أو إنسانيًّا. وفي حين راهنت أدبيات سياسية ونظرية غربية على انتهاء عصر الثورات، فإذا بالثورات تعود من جديد، وفي قلب المنطقة العربية التي ظلت تستعصي على إعادة التشكيل وفق مشروعات وافدة، لأكثر من ثلاثة قرون. إنها موجة من الثورات، سبقتها موجاتٌ أخرى في العالم العربي والإسلامي (ثورات مقاومة الاستعمار وثورات التحرير والاستقلال) وفي أرجاء أخرى من العالم، وتُبين خبراتُها جميعًا كيف تعرضت الثورات لاخترافاتٍ خارجية، لإجهاضها أو احتوائها أو تقييدها أو توظيفها، والأهم أنها لم تحقق استقلالا وطنيًّا أو حريةً سياسيةً أو عدالةً اجتماعيةً أو تماسكًا ثقافيًّا على وجه الحقيقة بما يدفع بالنهوض الحضاري للأمام قُدُمًا، سواء بمشروعات قومية أو ليبرالية أو يسارية.
ومن ثم، وإذا كان انفجار الثورات العربية ضد كل التوقعات عن أفول نجم الثورات الشعبية في المنطقة العربية، وإذا كان اندلاعها تأكيدًا أيضًا على فشل مناهج الإصلاح التدرجية لنظم كانت حليفة لمن يدعي مساندة الإصلاح والتحول الديمقراطي وحماية حقوق الإنسان، فان استمرار هذه الثورات في ظل صعود الإسلاميين على ساحتها كان لابد أن يجدد السؤال: ما فرص هذا الصعود في النجاح؟” وكيف سيقدم الإسلاميون من منطلق مرجعية إسلامية، ومن واقع خبرات إسلامية، رؤيةً حضاريةً إسلاميةً تحقق الإصلاح والتجدد والنهوض؟ وكيف سيواجهون الكوابح والعراقيل المتوقعة من قوى الثورة المضادة داخليًّا وخارجيًّا؟
إن من تابع التحليلات طيلة السنوات الماضية حول مستقبل الصعود الإسلامي (السياسي) أولًا، ثم حول آثاره وعواقبه، ثم حول مآل وجوده من عدمه، والتشخيصات الطافية على السطح والنابعة من منظورات حداثية وعلمانية، يلاحظ بوضوح تحيزاتها المعرفية والفكرية وتوجهاتها السياسية، والتي لا تقدم في النهاية حقيقة علمية عن الواقع ولا ترشد حركة الواقع نحو المستقبل إلا لأغراضها في الداخل والخارج. ذلك لأنها كانت تطرح في البداية أمر الصعود الإسلامي كما لو كان (الفصيل الإسلامي) دخيلاً أو استثناءً، أو وافدًا أو مجهولاً غير متوقَّع ردود فعله ويصعب تصور سياساته، كما شخصت هذه المنظورات العلمانية الصعودَ الإسلامي وتصوّرته باعتباره إضافةً للتحديات والتهديدات التي تواجه الثورات أكثر منه فرصةً أو إمكانيةً وطاقةً للتغيير وفق نمط جديد تحتاج المنطقة لاختباره، مثلما اختُبِرت أنماطٌ أخرى من قبل.
وتحولت هذه التحديات إلى تهديدات واضحة داخلية وخارجية وعالمية “للمكون الإسلامي” برمته في الثورات، وكانت هذه التهديدات وخاصة تجاه المكون الذي شارك في الثورات وما تلاها من عمليات سياسية متعددة الأدوات الفكرية والسياسية والاقتصادية ناهيك عن العسكرية وأخطرها “الوسم الإجمالي بالإرهاب” والضغوط المتلاحقة لتقديم تنازلات فكرية أو سياسية “لإعادة الشرعنة” ولإعادة القبول المشروط في الحياة السياسية (الحالة التونسية) أو للإقصاء أو الاستئصال الكامل (حالة الإخوان في مصر) أو الحصار والتوظيف في محاربة داعش (الحالة الليبية) أو الاهمال وعدم المساندة (إخوان اليمن وحصار تعز).
بعبارة أخرى: الصراع على السلطة في الأوطان بعد الثورات كان منذ البداية ذا أبعاد فكرية استراتيجية انجدلت مع الأبعاد السياسية. وتأكد الأمر مع الثورات المضادة والحروب الأهلية، وظلت ساحة الاختبار هي: “الإسلامية” في السياسة والمجتمع، على نحو أعطى الفرصة لخطاب الاستبداد والأمن ليعلو من جديد ويتجاوز خطاب الثورة والتغيير من أجل حرية وكرامة الشعوب والعدالة. ولقد تقاطع الجدال حول هذه “الإسلامية” مع الطائفية والعنصرية وعدم التسامح وعلى نحو يتم توظيفه سياسيًا بدرجة كبيرة.
ومن ثم تتعدد الآن أوجه أزمة “المشروع الإسلامي الحضاري” من أجل التغيير للتصدي لعدة أزمات مترابطة: “الإرهاب”، العلاقة بين الدولة –المجتمع، طبيعة الدولة والمجتمع، الإدارة الرشيدة للتعددية في أوطاننا، أنماط علائق السلطة،…(***).

رابعًا- من نظام عربي إلى نظام شرق أوسطي؟

لا تتحدد ” النظم” Systems بوجود مؤسسات جماعية فقط؛ ومن ثم فإن بقاء الجامعة العربية –بلا فعالية- لا يعني استمرار نفس النظام العربي وما مر به من تغيرات وتحولات طيلة ما يقرب من النصف قرن.
وكان من أهم التحديات التي تواجه دارسي هذا النظام، هل هو نظام عربي أو نظام شرق أوسطي؟ هل هو وطن عربي أو شرق أوسط كبير (أو صغير)؟ وقصة هذه الصفة “العربية” في مقابل “الشرق أوسطية” قصة طويلة تتناول صراع رؤيتين عن “الذات” وامتداداتها “الإقليمية” والحضارية وما يغلف ذلك كله من مشروعات سياسية متقابلة. وتجددت تلك القصة مع التغيرات الكبرى الإقليمية والدولية، بعد السلام المصري -الإسرائيلي، وبعد الحرب العراقية –الإيرانية، وبعد سلام الطائف، وبعد حرب الخليج الثانية وبعد الحادي عشر من سبتمبر ومشروع المحافظين الجدد عن “الشرق الأوسط الكبير”…. وجميعها قصص معاصرة (ناهيك عن السابقة منذ تسويات الحرب العالمية الأولى على الأقل التي اتمت فك الرابطة الإسلامية والعثمانية لصالح روابط أخرى أكثر محدودية) تجسد الانجدال بين التاريخي–الجغرافي وبين الديني-الحضاري، وبين السياسي-العسكري والاقتصادي، كما تجسد التنافس بين المشروعات الكبرى: الإسلامية، القومية العربية، والليبرالية. واقترن تاريخ مراحل متعاقبة من تطور نظام المنطقة بسيادة لمشروع دون آخر: القومي العربي حتى عام 1977، شبه الليبرالي الجديد ما بعد عام 1977، متنافسا مع “الإسلامي” المحظور قانونيًا بروافده، ومع القومي واليساري المتراجع.
وواجه النظام العربي منذ الثورات والثورات المضادة تحديات ثلاثة مترابطة: الأول- تحدي المشروع “الإسلامي” للمشروعات الأخرى (كما سبق التوضيح) وفي شكل غير مسبوق في تاريخ تطور المنطقة المعاصر، والثاني- تحدي “الإقليمية الفرعية” التي كادت تتأسس فعليًا ومؤسسيًا (النظام الخليجي، شمال أفريقيا، الشام)، والثالث- انخراط النظم التدخلية الهامشية (إسرائيل، وإثيوبيا) والحضارية (التركية والإيرانية) انخراطًا فعليًا في إدارة وتشكيل التوازنات والخرائط وعلى نحو يحقق مصالح حيوية لكل منها استفادة من حالة “الفوضى العربية”.
بعبارة أخرى، لم يعد المكون التدخلي الخارجي الإقليمي في “النظام العربي” إلا مكونا أصيلا في التفاعلات النظمية العربية على نحو يتحدى بل ويهدد أنماط التحالفات التقليدية في المنطقة. فماذا عن: “الرؤى القومية العربية” التي طالما ومن منطلقات أيديولوجية عارضت توجهات السياسات الإيرانية والتركية بقدر معارضتها للسياسات الإسرائيلية، ولكن أين هذه التوجهات القومية العربية الآن من هذه المشاريع؟ ولماذا يسكتون عن التحالف الإسرائيلي مع مصر؟ ولماذا يسكتون عن إيران وليس تركيا؟ ولماذا يسكتون عن النظم الخليجية وتدخلاتها في اليمن؟
ومن ناحية أخرى: لماذا هذا التأرجح للمشروع السني الوهابي المحافظ بقيادة سعودية بين ما يبدو مساندة الثورة في سوريا، وبين الرفض والعداء للثورة في مصر، وبين احتواء وتقييد الثورة في اليمن، وبين المراقبة الحذرة للثورة في ليبيا وتونس؟ ألم تُسهم هذه المواقف في فتح الطريق أمام قوى الثورات المضادة سواء الحوثيين أو الأسد أو انقلاب مصر أو حفتر، حيث لم تحز الثورات فرصة للتحاضن و التعاضد بل سرعان ما تعرضت للهجوم بأشكال مختلفة ومن داخل الإقليم قبل خارجه؟ فلم يكن السياق الإقليمي –بقيادة خليجية- صديقا للثورات في مجملها؛ وهو الأمر الذي ساهم في توجيه ضربة للرافد الإسلامي السني السلمي الديمقراطي المعتدل، وفتح الطريق أمام داعش (ومن أوجدَها وساندها ودفعها للوثوب) وأمام إيران وإسرائيل، وكَبل توجه تركيا لمساندة الثورات بقيود داخلية وإقليمية…وكل ذلك ساعد في فتح الباب أمام البعد الطائفي في الصراعات المسلحة السياسية على النفوذ والمكانة ومن أجل بقاء النظم والأسر. وتعرض “المكون السني”، )ولا أقول مشروع سني رفضًا للطائفية من الأساس(، لكل ما يتعرض له الآن، بعد اتهامه وخاصة في ردائه السعودي الوهابي بأنه حاضن ومصدر “الإرهاب الإسلامي”. إذن كيف نقيم توجهات وسياسات السعودية: ألم توجه لنفسها –ومشروعها السني المحافظ الذي يتهم والآن بإنه مصدر الإرهاب- ضربة قاسمة حين وأدت الثورة في اليمن وحاربتها في مصر وسوريا، لأنها بقيادة إسلامية تنافس النموذج السعودي وتهدد مصالح الحلفاء الكبار في الغرب؟ في حين كان يمكنها التصدي لداعش بل والحيلولة دون ظهورها، وكذلك التصدي للمذهبية الشيعية الإيرانية وتوظيفها السياسي المقيت الآن؟؟
هل خطوط تحالف أيديولوجية جديدة تتشكل في مواجهة “الإسلامية” جملة وتفصيلا على نحو يستدعي شعار مساندة الحرب على الإرهاب وحتى لو على حساب المساندة المعتادة للمقاومة الفلسطينية وللاتجاهات التقدمية في مواجهة المحافظة الوهابية الخليجية …؟ بعبارة موجزة كيف تَحول أعداء الأمس الأيديولوجيين إلى أصدقاء اليوم النفعيين؟ هل هذه تحالفات مؤقته سرعان ما تنفرط بانتهاء دوافعها المصلحية الضيقة التي تحرك كافة الأطراف؟
ألا يعني ذلك افتقاد الأمة العربية الإسلامية -الآن تحت وطأة الطائفية التي لوثت مفهوم “الجوار الحضاري” وهزت مفهوم الأركان الحضاريه الثلاثة للأمة (العربية، الفارسية، التركية)- إلى مشروع حضاري بل إلى مشروع قيادة إقليمية فاعلة قادرة على الإدارة لوقف الاقتتال وحماية الشعوب والتمييز بين المشروعات الصديقة أو العدوة؟

قائمة مراجع:

1. د.نادية محمود مصطفي ، القوتان الأعظم والعالم الثالث من الحرب الباردة إلى الحرب الباردة الجديدة، مجلة الفكر الاستراتيجي العربي، تشرين الأول/أكتوبر 1986.
2. ـــــــــــــــــــ، أزمة الخليج الثانية والنظام الدولي الجديد، في د.أحمد الرشيدي (محرر): أزمة الخليج والأبعاد الدولية والإقليمية، جامعة القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية، أكتوبر 1991.
3. د. أحمد يوسف (محرر) الوطن العربي والتغيرات العالمية ، القاهرة، معهد البحوث والدراسات العربية 1991.
4. د.عبد المنعم سعيد : أزمة الخليج والنظام العالمي الجديد ، مجلة العلوم الاجتماعية ، المجلد 9 ، العددان 1، 2 ربيع – صيف 1991
5. د. حسنين توفيق : النظام الدولي الجديد، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1992.
6. د.نادية محمود مصطفى، المنطقة العربية والنظام الدولي الجديد، القسم الأول، في: تقرير الأمة في عام 1992 م 1412هـ، القاهرة: مركز الدراسات الحضارية، 1993.
7. د.ودودة بدران : الرؤى المختلفة للنظام العالمي الجديد (في) د. محمد السيد سليم (محرر) النظام الدولي الجديد ، مركز البحوث والدراسات السياسية ، جامعة القاهرة ، 1994.
8. د.نادية محمود مصطفى، التحديات السياسية الخارجية للعالم الإسلامي،(في): أعمال مشروع التحديات التي تواجه العالم الإسلامي، القاهرة: رابطة جامعات الدول الإسلامية، نوفمبر 1999 ، الفصلان الأول والثاني.
9. ـــــــــــــــــــــ، التحديات السياسية الخارجية للعالم الإسلامي: بروز الأبعاد الحضارية الثقافية، في: نادية محمود مصطفى وسيف الدين عبد الفتاح، محرران، الأمة في قرن، عدد خاص من حولية أمتي في العالم، الكتاب السادس: تداعي التحديات والاستجابات والانتفاض نحو المستقبل، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية ومكتبة الشروق الدولية، 2002.
10. ـــــــــــــــــــــ، أولى حروب القرن الحادي والعشرين: رؤية أولية، مجلة السياسة الدولية، 2003.
11. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، الثورات العربية والنظام الدولي .. خريطة الملامح والإشكاليات، والمآلات، مجلة الغدير اللبنانية، يونيه 2011.
12. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ، بين فقه الواقع وفقه التاريخ: حالة الصعود الإسلامي في ظل الثورات العربية، في: ملحق مجلة السياسة الدولية “تحولات استراتيجية على خريطة السياسة الدولة”، عدد أبريل 2012.
13. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، الثورات العربية في النظام الدولي : خريطة الملامح والإشكالات والمآلات، (في) د.نادية مصطفى، د.سيف الدين عبد الفتاح (إشراف) العدد الحادي عشر من حولية أمتي في العالم “الثورة المصرية والتغيير الحضاري والمجتمعي”، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2012.
14. أمجد جبريل، السعودية والخليج: نحو تحالفات وأدوات جديدة في إدارة المنطقة، (في) د.نادية مصطفى، د.سيف الدين عبد الفتاح (إشراف) العدد الحادي عشر من حولية أمتي في العالم “الثورة المصرية والتغيير الحضاري والمجتمعي”، المرجع السابق.
15. شيماء بهاء الدين، التفاعلات التركية الإيرانية مع الثورة المصرية: فرص وتحديات تشكل تحالف استراتيجي حضاري، (في) د.نادية مصطفى، د.سيف الدين عبد الفتاح (إشراف) العدد الحادي عشر من حولية أمتي في العالم “الثورة المصرية والتغيير الحضاري والمجتمعي”، المرجع السابق
16. إبراهيم معمر، إسرائيل والثورة المصرية: قراءة في السجال الداخلي، (في) د.نادية مصطفى، د.سيف الدين عبد الفتاح (إشراف) العدد الحادي عشر من حولية أمتي في العالم “الثورة المصرية والتغيير الحضاري والمجتمعي”، المرجع السابق
17. أمجد جبريل، الدبلوماسية الإسرائيلية بعد الثورة المصرية: دراسة في موقع إسرائيل من التفاعلات الإقليمية والتحالفات الجديدة، (في) د.نادية مصطفى، د.سيف الدين عبد الفتاح (إشراف) العدد الحادي عشر من حولية أمتي في العالم “الثورة المصرية والتغيير الحضاري والمجتمعي”، المرجع السابق
18. عبد الإله بلقزيز (محرر)، الربيع العربي إلى أين؟….أفق جديد للتغيير الديمقراطي، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2012).
19. Lin Noueihed, Alex Warren, The Battle for the Arab Spring: Revolution, Counter-Revolution and the Making of a New Era, (New Haven: Yale University press, 2012)
20. جاسر عودة (د)، بين الشريعة والسياسة: أسئلة لمرحلة ما بعد الثورات، (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط2، 2013).
21. David W. Lesch, Mark L. Haas(eds), The Arab Spring: Change and Resistance in the Middle East, (Colorado: Westview press, 2013)
22. Paul Danahar, The New Middle East: The World After the Arab Spring, (New York: Bloomsbury press, 2013)
23. مروان بشارة، العربي الخفي: وعود الثورات العربية ومخاطرها، (الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، ط1، 1434هـ/2013).
24. أ.د.نادية مصطفى، من الثورة إلى الحرب على الإرهاب: تحالفات الداخل والخارج، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، متاح على الرابط التالي:
http://www.hadaracenter.com/index.php?option=com_content&view=article&id=885:2014-04-27-10-26-42&catid=272:25-2011&Itemid=544
25. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ، هل كان صعود داعش وتوقيت انتشارها مفاجأة؟، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، متاح على الرابط التالي:
http://www.hadaracenter.com/index.php?option=com_content&view=article&id=979:2014-09-06-12-31-44&catid=300:2014-10-11-13-53-53&Itemid=544
26. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ، الجديد في الموجة الثانية من التحالف الدولي ضد الإرهاب: من الحوار والقوة الناعمة والذكية إلى اللا حوار والقوة الغاشمة، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، متاح على الرابط التالي:
http://www.hadaracenter.com/index.php?option=com_content&view=article&id=980:2014-09-06-13-16-40&catid=299:2014-10-11-13-52-40&Itemid=544
27. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ، الاستنفار الغربي ضد “داعش”: مرحلة أخرى من التدخل الخارجي ضد الثورات العربية، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، متاح على الرابط التالي:
http://www.hadaracenter.com/index.php?option=com_content&view=article&id=995:2014-09-16-14-23-28&catid=319:2014-10-11-14-05-59&Itemid=544
28. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ، بمناسبة الذكرى الأولى لتنصيب السيسي: كيف نقرأ نفاق أذرع نظام 3 يوليو تجاه نتائج الانتخابات التركية؟، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، متاح على الرابط التالي:
http://www.hadaracenter.com/index.php?option=com_content&view=article&id=1223:122&catid=318:2014-10-11-14-05-33&Itemid=544
29. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ، مع الذكرى الأولى لتنصيب السيسي: مازال نظام 3 يوليو يبحث عن الشرعنة من الخارج، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، متاح على الرابط التالي:
http://www.hadaracenter.com/index.php?option=com_content&view=article&id=1218%3A3-7&catid=85%3A2012-12-09-11-09-38&Itemid=484
30. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ،الثالث من يوليو…عامان من البحث عن الشرعنة الإقليمية والدولية، القاهرة: موقع إضاءات، متاح على الرابط التالي:
http://ida2at.com/3rd-july-two-years-searching-for-evil/
31. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ، الثورة المضادة عنوانها الحرب على الإرهاب: حرب عالمية ثالثة تدار من وراء كواليس خارجية، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، متاح على الرابط التالي:
http://www.hadaracenter.com/pdfs/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8.pdf
32. أمجد جبريل، السياسات الخليجية تجاه مصر 2012-2014: دلالات ومستقبل التأييد السياسي والمالي (في) د.نادية مصطفى، د.سيف الدين عبد الفتاح (إشراف) العدد الثاني عشر من حولية أمتي في العالم ” عامان من تحولات الثورة المصرية (يونيو 2012-يونيو2014)، منشور على موقع مركز الحضارة للدراسات السياسية، على الرابط التالي:
http://www.hadaracenter.com/index.php?option=com_content&view=category&id=365&Itemid=527
33. أمجد جبريل، الرؤية الإسرائيلية لمصر بعد 3 يوليو، (في) د.نادية مصطفى، د.سيف الدين عبد الفتاح (إشراف) العدد الثاني عشر من حولية أمتي في العالم ” عامان من تحولات الثورة المصرية (يونيو 2012-يونيو2014)، المرجع السابق.
34. أحمد سعيد نوفل وآخرون (مجموعة مؤلفين)، التداعيات الجيوستراتيجية للثورات العربية، (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، فبراير 2014).
35. توبي ماثيسن، ترجمة: أمين الأيوبي، الخليج الطائفي والربيع العربي الذي لم يحدث، (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، 2014).
36. علي الدين هلال (تحرير)، حال الأمة العربية 2013-2014: مراجعات ما بعد التغيير، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، مايو 2014)
37. وحيد عبد المجيد، ماذا يبقى من قواعد النظام العالمي، افتتاحية العدد، مجلة السياسة الدولية، العدد 198، أكتوبر 2014.
38. د.نادية محمود مصطفى، العدالة والديمقراطية: التغيير العالمي من منظور نقدي حضاري إسلامي، القاهرة، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2015.
39. وحيد عبد المجيد، أزمة النظام العالمي وأغرب حروب التاريخ، افتتاحية العدد، مجلة السياسة الدولية، العدد 199، يناير 2015.
40. باسم راشد، العالم طبقًا لكسينجر: كيف يمكن الدفاع عن النظام العالمي؟، (عرض كتاب لـ وولفجانج إيشنجر)، مجلة السياسة الدولية، العدد199، يناير 2015.
41. عبد الناصر الجندلي، المنظومة القيمية للنظام الدولي بعد الحرب الباردة، مجلة السياسة الدولية، العدد200، أبريل 2015.
42. وحيد عبد المجيد، “توازن الضعف” في “النظام العالمي”، افتتاحية العدد، مجلة السياسة الدولية، العدد 201، يوليو 2015.
43. حسن أبو طالب، نحو عالم بدون هيمنة غربية، مجلة السياسة الدولية، العدد 202، ديسمبر 2015.
44. وحيد عبد المجيد، نحو تفسير جديد للتغيير في العالم، افتتاحية، مجلة السياسية الدولية، العدد 200، أبريل2015.
45. Robert F. Worth, A Rage for Order: The Middle East in Turmoil, from Tahrir Square to ISIS, (New York: Farrar, Straus and Giroux,2016)
46. وحيد عبد المجيد، دور القوى الدولية الكبرى في تنامي الإرهاب، افتتاحية، مجلة السياسة الدولية، العدد203، يناير 2016.
47. كما ساهمت ملاحق المجلة في هذا المجال، انظر على سبيل المثال:
– ملحق تحولات استراتيجية بعنوان: الأمن الإقليمي: المعادلات المتغيرة للتعاون الأمني ومستقبل النظام الدولي، مجلة السياسة الدولية، العدد 205، أبريل 2016.
– وملحق اتجاهات نظرية بعنوان: اللاجئون… الاختبار الكاشف للدولة والإقليم والعالم، مجلة السياسة الدولية، العدد 205، أبريل 2016.
*****

الهوامش:

* أستاذ العلاقات الدولية المتفرغ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.
(**)وكانت الحلقتان الأُوليان في المرحلتين (1991- 2001)، (2001- 2011) وثلاثتهما يجمعهما الغرب تحت شعار “الحرب العالمية على الإرهاب (الإسلامي)”.
(***)د.نادية مصطفى (إشراف و تحرير)، المشروع الإسلامي الحضاري وتحديات ما بعد الثورات العربية، حولية أمتي في العالم، العدد الثالث عشر، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية. (تحت الإعداد للنشر)

 

  • تُشرت في فصلية قضايا ونظرات- العدد الرابع، يناير 2017،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى