نسمع جعجعةً ولا نرى طحينًا: هل من جديد في المواقف العربية من طوفان الأقصى؟

يستهدف هذا التقرير استكمال رصد تطورات المواقف العربية على المستويين الرسمي والشعبي من عملية طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على غزة، وذلك بعد دخولها الأسبوع الثالث على التوالي. والمفترض أن يرصد هذا التقرير مواقف الدول العربية! التي بالكاد تتخذ موقفًا يمكن رصده، فالأحرى إذًا أن يوسم التقرير الحالي باللامواقف العربية من عملية طوفان الأقصى. غير أن دواعيَ الموضوعية وفهم الواقع تدفعنا لرصد ردود أفعال الدول العربية الرسمية ووضعها في سياق يسمح بقراءتها وتحليلها.

وإن كان التقرير السابق عن مواقف الدول العربية[1] قد انتهي إلى أنه لا جديد يذكر في مواقفها سوى استمرار التنديد بالعدوان ومناشدة المجتمع الدولي، ومواصلة الاتصالات البينية والإقليمية والدولية وهلم جرا، مع البدء في إدخال بعض المساعدات الطفيفة -وبشكل دعائي- دون أن يكون لها أثر في سد الاحتياجات المتزايدة لسكان القطاع، فإن هذا التقرير يتشكك في أننا أمام موقف عربي أساسًا مع دخول الحرب أسبوعها الثالث واستمرار تصاعد العدوان الإسرائيلي الوحشي السافر، وتفاقم المعاناة الفلسطينية، وارتفاع عدد الشهداء ليتجاوز 7 آلاف شهيد واقتراب المصابين من 20 ألفا، بالإضافة إلى قطع موارد الحياة الأساسية عن القطاع؛ بأمر الاحتلال.

وعليه، فإن هذا التقرير يقتصر على رصد الخطاب العربي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك بعض تصريحات وأفعال الدول العربية اللافتة خلال هذا الأسبوع، مع أبرز ما حدث على مستوى ردود الأفعال الشعبية غير الرسمية.

أولًا- الخطاب العربي في الأمم المتحدة:

أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة 27 أكتوبر -بأغلبية ساحقة- مشروع قرار قدمته الأردن يدعو إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل و حركة حماس؛ إذ صوتت لصالح القرار 120 دولة عضوة في الأمم المتحدة ورفضته 14 وامتنعت عن التصويت 45 دولة. ويتضمن القرار الأردني هدنة إنسانية فورية ودائمة ومتواصلة تفضي إلى وقف القتال، وكذلك وصول المساعدات الإنسانية بشكل فوري وكامل ومستدام وآمن ودون عوائق، ويطلب من إسرائيل إلغاء أمرها بإخلاء شمال غزة[2].

وبجانب هذا القرار وقبل التصويت عليه استمرت الظواهر الصوتية العربية من مناشدات وتنديدات ومطالبات واستعطاف واستجداء للمجتمع الدولي والضمير العالمي…إلخ. فخاطب المندوب الفلسطيني الدائم في الأمم المتحدة رياض منصور أعضاء الجمعية العامة في جلسة يوم الخميس 26 أكتوبر، بالقول: “صوّتوا لوقف هذا الجنون، أمامكم فرصة لتقوموا بشيء، لتفعلوا شيئًا، لتعطوا إشارة واضحة، اختاروا العدل لا الانتقام، اختاروا احترام القانون لا أن تمرّروا خرقه، اختاروا السلام لا المزيد من الحروب”[3].

أما أيمن الصفدي وزير الخارجية الأردني والمتحدث عن المجموعة العربية فقد رفع من حدة الصوت العربي مطالبًا بصرخة واحدة مجتمعة؛ فقال: “فلنطلق صرخة واحدة، صرخة ضد سفك الدماء، فلنتحد من أجل السلم، فلنتحد من أجل العدالة، فلنتحد من أجل حق كل فلسطيني وكل إسرائيلي بأن يعيشوا أحرارًا من ويلات الحرب ومن الخوف، ليكونوا قادرين على السعي نحو حياة مليئة بالأمل والفرص”. إلا أن الأهم من صرخاته كان إقراره مسبقًا بمصير القرار الذي طالب الجمعية بالتصويت عليه، حيث قال: “نعلم جميعا أن إسرائيل ستتجاهل هذا القرار لأنها تجاهلت الكثير من قرارات الأمم المتحدة قبله”[4].

جدير بالذكر أن جلسة الجمعية العامة جاءت بعدما فشل مجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء 25 أكتوبر في تبني مشروعي قرارين أميركي وروسي بشأن غزة، إذ استخدمت روسيا والصين حق النقض (فيتو) ضد المشروع الأميركي، في حين فشل المشروع الروسي في الحصول على أصوات كافية.

ثانيًا- الجديد في “المواقف” العربية الرسمية:

في مصر استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الأربعاء 25 أكتوبر في القاهرة، التي وصلها ماكرون في إطار جولته التي شملت الأردن وإسرائيل والضفة الغربية. أوضح السيسي في هذا اللقاء أن “الهدف المعلن إسرائيليًا بتصفية حماس يتطلب سنوات طويلة جداً”، وهو تصريح يقول -إذا ما أضيف إلى جانب اقتراحه السابق بترحيل الفلسطينين إلى صحراء النقب حتى تنهي إسرائيل مهمتها في القضاء على الجماعات المسلحة بغزة- أن الرئيس المصري مؤيد للقضاء على حماس وحركات المقاومة في غزة. ثم أتى بمُعادٍ من الكلام مكرورٍ حول عدم سماح مصر بأي نزوح نحو الأراضي المصرية، والمطالبة بضرورة إدخال المساعدات، والحفاظ على أرواح المدنيين من الطرفين، وأخيرًا حذر من أن الاجتياح البري الإسرائيلي لقطاع غزة قد ينتج عنه سقوط ضحايا كثيرين جدًا في صفوف المدنيين[5].

وفي السعودية أكد كل من الرئيس الأمريكي جو بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، خلال مكالمة هاتفية جمعتهما يوم الثلاثاء 24 أكتوبر، حول الوضع في الشرق الأوسط، استكمال مفاوضات السلام في المنطقة (التطبيع السعودي-الإسرائيلي)، التي بدأت قبل شهور بين المملكة السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل، وذلك بعد انتهاء الحرب في قطاع غزة حسبما أعلن البيت الأبيض[6].

ومن ناحية أخرى وفي خطوة ساعية للتخفيف من حدة الروح السلبية وأجواء الحزن التي تعم العالم العربي، افتتح رئيس هيئة الترفية السعودية تركي آل الشيخ السبت الماضي 28 أكتوبر، موسم الرياض 2023 بنسخته الرابعة في العاصمة السعودية الرياض وسط حضور جماهيري ضخم، وبمشاركة عدد كبير من نجوم الفن والرياضة عربيًا وعالميًا، وفعاليات متنوعة تشمل الرياضة والفن..إلخ!

ومن ناحية أخرى تداولت الكثير من وكالات الأنباء عن رويترز تصريحًا لمسؤول أمريكي قال فيه: إن قطر أبلغت الولايات المتحدة بأنها منفتحة على إعادة النظر في وجود حركة حماس على أراضيها بمجرد حل أزمة الرهائن لدى الحركة. وذكر المسؤول أنه جرى التوصل إلى هذا التفاهم، الذي نشرته صحيفة واشنطن بوست لأول مرة، خلال اجتماع بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، خلال زيارة بلينكن للدوحة[7]. جدير بالذكر في هذا المقام أن وساطة قطر قد أدت في وقت سابق إلى الإفراج عن (4) أسرى لدى حماس ، قالت حماس إنها أفرجت عنهم لدواعٍ إنسانية.

أما ما يخص المساعدات، فقد دخلت الدفعة الخامسة من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة يوم الخميس 26 أكتوبر عبر معبر رفح ، وسلم الهلال الأحمر المصري لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والهلال الأحمر الفلسطيني 12 شاحنة مساعدات. وفي هذا الإطار قال مدير إعلام معبر رفح وائل أبو عمر إن العدد الإجمالي لشاحنات المساعدات التي وصلت قطاع غزة منذ بداية الحرب وصل إلى 74 شاحنة فحسب، مع دخول الشاحنات التي تحمل أدوية ومواد غذائية صباح يوم الخميس عبر معبر رفح[8].

وقد اعتبر الهلال الأحمر الفلسطيني -في بيان أصدره من قبل- أن شاحنات المساعدات التي دخلت تمثل “نقطة في بحر الاحتياجات الإنسانية للقطاع”، وأن المساعدات حتى الآن لا تحتوي على الوقود الضروري لاستمرار عمل القطاع الصحي الذي أعلن انهياره بالكامل، لا سيما مع استمرار قطع الكهرباء. وفي السياق ذاته قال بريان لاندر نائب رئيس قسم الطوارئ في برنامج الغذاء العالمي إن دعم سكان غزة كان يتطلب نحو 465 شاحنة من المساعدات الإنسانية يوميًا قبل اندلاع الصراع. كما صرح مدير برنامج الطوارئ بالمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط ريك برينان إن المنظمة غير قادرة على تزويد المستشفيات في الشمال بالإمدادات الطبية أو الوقود الذي تشتد الحاجة إليه، ووضح كذلك أن ثلث مستشفيات غزة باتت الآن متوقفة عن العمل في وقت أصبح فيه العبء الطبي هائلًا، وأن حوالي ثلثي العيادات لا تعمل[9].

وجدير بالذكر أنه منذ يوم الأحد 22 أكتوبر تغير مسار شاحنات المساعدات الإنسانية؛ حيث باتت تمر قبل دخولها من معبر رفح إلى الجانب الفلسطيني على معبر العوجة البري أولًا بين مصر وإسرائيل لتفتيشها من قبل جيش الاحتلال، ضمن “إجراءات تنسيقية وتفتيشية بشكل أكثر تحديدًا”؛ بحسب تصريحات محافظ شمال سيناء، اللواء محمد عبد الفضيل شوشة، خلال مؤتمر صحفي يوم الأربعاء 25 أكتوبر بحضور وفد من منظمة الصحة العالمية واليونيسف والأمم المتحدة[10].

ثالثًا- الموقف العربي الشعبي: تراجع مستوى الفعاليات

بالرغم من استمرار المظاهرات الداعمة والمؤيدة للمقاومة الفلسطينية سواءٌ في الأردن أو لبنان أو اليمن، إلا أن الملاحظ هو تراجع حدتها في الأسبوع الثالث؛ وسواءٌ أكان ذلك بفعل تدخل السلطة، أو بفعل طول فترة الحرب؛ مما أدى إلى انحسار حدة التفاعل على المستوى الشعبي العربي.

وفي المقابل لم يهدأ زخم تفاعل الأزهر الشريف في مصر مع الأحداث، فكتب الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر عبر صفحته على موقع الفيس بوك يوم الجمعة 27 أكتوبر: “إن ما يمارسه الاحتلال الصهيوني الغاشم الآن في غزة من قصف مكثف، وقتل، وقطع للكهرباء والإنترنت، وتدمير لكل مظاهر الحياة، وحجب كل مصادر الحقائق والمعلومات حول ما يحدث من مجازر وجرائم حرب، لهو إرهابٌ أعمى، وانتهاكٌ واضحٌ لكل المواثيق والأعراف القانونية والإنسانية، وعلى العالم إدانته واتخاذ الإجراءات الحاسمة لوقفه فورًا، ولن يرحمَ التاريخ كل من تخاذلوا في الدفاع عن الفلسطينيين الأبرياء، وكل من دعم استمرار هذا الإرهاب الصهيوني. وواجب على الأمة العربية والإسلامية وكل أحرار العالم التكاتف لإيجاد حل فوري لإنقاذ هذا الشعب المظلوم الذي يُمارسُ ضده مجزرة إنسانية لم يعرف التاريخ الإنساني مثيلًا لها”[11]. كما وجه الأزهر بتسيير قافلة من 18 شاحنة من بيت الزكاة والصدقات المصري محملة بالأدوية والمواد الغذائية والإغاثية إلى غزة، وصلت مساء يوم الثلاثاء 24 أكتوبر إلى ميناء رفح البري على الحدود المصرية الفلسطينية[12].

ختامًا، يصح في وصف الحالة العربية المثل المعروف: “أسمع جعجعة ولا أرى طحينًا” والذي يقال لمن يكثر من الكلام ولا يعمل، ويكثر من الوعود ولا ينجز؛ وهو ما ينطبق على الموقف العربي الرسمي الآن مع انتهاء الأسبوع الثالث من العدوان الإسرائيلي على غزة، واستمرار الدول العربية في مناشداتها وإداناتها وجعجعاتها الفارغة، بلا فعل قوي ولا موقف معتبر.

 

هوامش

[1]  اتظر: عبدالرحمن عادل، طوفان الأقصى: تطورات المواقف العربية الرسمية والشعبية، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 25 أكتوبر 2023، متاح على الرابط: https://cutt.us/byy4O.

[2]  الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا عربيا لهدنة إنسانية في غزة، الجزيرة، 27 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 28 أكتو بر 2023، متاح على الرابط:  https://cutt.us/ieWuV.

[3] الجمعية العامة تستأنف دورتها الاستثنائية الطارئة حول فلسطين وتبحث مشروع قرار من المجموعة العربية، موقع الأمم المتحدة، 26 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 28 أكتوبر 2023، متاح على الرابط: https://news.un.org/ar/story/2023/10/1125347.

[4]  المصدر السابق.

[5] السيسي بعد اجتماعه مع ماكرون: لن نسمح بأي نزوح نحو الأراضي المصرية، العربية، 25 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 29 أكتوبر 2023، متاح على الرابط: https://cutt.us/c0k8g.

[6] بعد «تفتيش الحرب».. السيسي يلتقي ماكرون في القاهرة | ابن سلمان وبايدن: استئناف مباحثات السلام بعد حرب غزة، مدى مصر، 25 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 25 أكتوبر 2023، متاح على الرابط: https://cutt.us/TU3K6.

[7] مسؤول أميركي: قطر منفتحة لإعادة النظر بوجود «حماس» على أراضيها، الشرق الأوسط، 27 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 28 أكتوبر 2023، متاح على الرابط: https://cutt.us/W4a2g.

[8]  الدفعة الخامسة من المساعدات تدخل غزة دون وقود، الجزيرة، 26 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 28 أكتوبر 2023، متاح على الرابط: https://cutt.us/Rjn2N.

[9] هيئات أممية: المساعدات الحالية لغزة لا تكفي، الجزيرة، 24 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 27 أكتوبر 2023، متاح على الرابط: https://cutt.us/rF2in.

[10] بيسان كساب وآخرون، من رفح إلى العوجة.. تفتيش إسرائيل للمساعدات الإنسانية يؤخر دخولها إلى غزة، مدى مصر، 26 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 27 أكتوبر 2023، متاح على الرابط: https://cutt.us/y55L6.

[11]  انظر الصفحة الرسمية للشيخ أحمد الطيب على الفيس، على الرابط: https://www.facebook.com/GrandImam?mibextid=LQQJ4d.

[12]  شيخ الأزهر يوجه بتسيير قافلة إلى غزة من 18 شاحنة محملة بالأدوية والمواد الغذائية والإغاثية، بوابة الأهرام، 24 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 27 أكتوبر 2023، متاح على الرابط: https://gate.ahram.org.eg/News/4597899.aspx.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى