الملف النووي الإيراني: السياسة الأوروبية تجاه قوة نووية إسلامية

مقدمة:

يُعد الملف النووي الإيراني واحدًا من أبرز الملفات الشائكة، ليس فقط على الساحة الإقليمية وإنما العالمية أيضًا. فهو مرآة لحال النظام العالمي من عدة أوجه؛ على سبيل المثال: غياب مصداقية القيم العالمية وما يتصل بازدواجية المعايير (حيث السماح لإسرائيل بامتلاك ما تشاء من قدرات نووية ومنع غيرها)، توظيف الأبعاد المذهبية والعرقية في إدارة الصراعات والمساومات بدلا من بناء الجسور (السياسات الإقليمية الإيرانية والتلاعب بدول وشعوب المنطقة بما يخدم صفقاتها النووية)، هذا فضلا عن كون هذا الملف يعكس حال التنافس بين القوى العالمية ومن بينها الفاعل الأوروبي الذي يبحث عن مكانة عالمية ومكاسب اقتصادية عبر محاولة توجيه الأحداث في ملف حيوي كالملف النووي الإيراني، وهنا محور هذا التقرير الذي يركز على السياسة الأوروبية فيما يتصل بأزمة الملف النووي لإيران كنموذج لقوة نووية إسلامية. وذلك في ضوء الموقف الأوروبي من الاتفاق النووي (أو خطة العمل الشاملة) المبرم بين إيران والغرب في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما”. حيث يبدو الحرص الأوروبي على الإبقاء على هذا الاتفاق، خاصةً عقب انسحاب الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” منه في عام 2018، ليتجدد الأمل في إحياء الاتفاق مع وصول “جو بايدن” للبيت الأبيض، ذلك الأمل الذي تجلى في مفاوضات فيينا، رغم ما تواجه من عقبات على رأسها الحرب الروسية–الأوكرانية.

وفي هذا السياق، يحاول التقرير الإجابة عن التساؤلات التالية: ما دوافع أوروبا للحرص على استمرار الاتفاق النووي مع إيران؟ وما أبرز الآليات التي صاغتها في هذا الصدد؟ وماذا عن محادثات فيينا التي ترعاها أوروبا، وتعد طوق الإنقاذ للاتفاق النووي في الوقت الراهن؟ وهل يدعم السياق الدولي الجهود الأوروبية أم يعرقلها؟

المحور الأول- الاتفاق النووي الإيراني 2015: دوافع التمسك الأوروبي وآلياته

أولا- دوافع التمسك الأوروبي بالاتفاق

يؤدي الاتحاد الأوروبي، سواء من خلال مؤسساته أو دوله مفردة، دورًا يحتل مساحة غير قليلة –بغضِّ النظر عن الخلاف حول تقييم فاعليتها- في الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي بخصوص برنامج إيران النووي. وكانت أبرز مراحل التفاعل الأوروبي ما يلي[1]:

في الفترة من 2003-2005، کان الاتحاد الأوروبى مفاوِضًا مستقلًا مع إيران فى ظل رفض الولايات المتحدة الأمريکية فكرة التفاوض من الأساس. فعقب الكشف عن البرنامج النووي الإيراني في أغسطس 2002، تجسدت المخاوف الأوروبية ليس فقط من التهديد النووي الإيراني ولكن أيضاً من احتمال تكرار المأساة العراقية فى مارس 2003. ولهذا قررت دول الترويكا (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) التدخل الدبلوماسي[2]. وانطلاقًا من الاعتقاد الأوروبي في تلك الفترة بأن العقوبات والعزل ومحاولات تغيير النظام السياسي فى إيران لن تساعد فى إنهاء الأزمة، جاءت المبادرات الأوروبية للتفاوض مع إيران. على سبيل المثال: اتفاقية باريس عام 2004 والتي ألزمت إيران بإيقافٍ تامٍّ لأنشطتها النووية طيلة فترة التفاوض مع الترويكا مقابل تجنب إحالة الملف النووي إلى مجلس الأمن[3].

وفي الفترة من 2006-2008 أصبح دور الاتحاد الأوروبي منسِّقًا للمواقف وذلك بعد دخول مجموعة 5+1 في الأزمة في محاولة التفاوض بشکل جماعي مع إيران والضغط عليها بعقوبات من مجلس الأمن الدولي. فعلى خلفية صعوبة التفاوض مع “أحمدي نجاد” الرئيس المحافظ، جاء اتفاق وزراء الدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا، ألمانيا، فرنسا) في يناير 2006 على أنه يجب إحالة ملف طهران النووي إلى مجلس الأمن الدولي[4].

ثم تأكد دور الاتحاد الأوروبي بوصفه واضعًا للعقوبات بشکل مستقل عن مجلس الأمن في الفترة 2008-2013، فرض الاتحاد الأوروبي في يوليو 2008 مجموعة من العقوبات على إيران[5]، كما اتخذت تدابير قمعية أوروبية ضد إيران منذ انعقاد مجلس الشؤون الخارجية يوليو 2010[6]. وتم توسيع نطاق هذه الجزاءات المستقلة عدة مرات، ولا سيما إبّان انعقاد مجلس الشؤون الخارجية في أول ديسمبر 2011؛ حيث قرّر تشديد الجزاءات في 23 يناير 2012. ليطالب المجلس الأوروبي إيران في 29 يونيو 2012 أن تقرّر على نحو عاجل إذا كانت مستعدة لاستهلال عملية مفاوضات جدية[7].

وفي الفترة من 2013 وحتى 2018 لعبت القوى الأوروبية دور الوسيط والشريك للوصول إلى الاتفاق في 2015 وکذلك دور المسهِّل لتنفيذ بنوده حتى 2018. ذلك في إطار رئاسة “أوباما”؛ حيث لاقى الانتقال من سياسة العزلة إلى سياسة الانخراط والحوار مع إيران ترحيبًا کبيرًا من جانب الدول الأوروبية[8]. وفي 24 نوفمبر 2013، توصلت مجموعة 5+1 وإيران إلى اتفاق مؤقت لمدة ستة أشهر في جنيف فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. وتمثلت أهم بنود هذا الاتفاق في التزام إيران بوقف تخصيب اليورانيوم لنسبة أعلى من 5٪[9]. كما تم تعليق بعض الجزاءات الأوروبية والأمريكية والتي تشمل -على سبيل المثال- الجزاءات التي تستهدف قطاع السلع البتروكيميائية الإيرانية[10]. هذا ليتم الاتفاق على خطة العمل الشاملة بين إيران والغرب في يوليو 2015.

لكن فيما بعد عام 2018، ومع انسحاب “ترامب” من الاتفاق، كانت مرحلة جديدة من الدفاع الأوروبي عن الاتفاق النووي لعام 2015, حيث وقف الأوروبيون في الصف الأول للدفاع عن تطبيقه، حيث يعتبر مؤيدوه أنه الحل الأمثل لتفادي حيازة إيران السلاح النووي. وكل ذلك رغم ما سنرى من مآخذ أوروبية على السياسات الإيرانية، لكن دون الوصول إلى درجة قصوى من التصعيد على النمط الأمريكي. وهو ما جعل المواقف الأوروبية من إيران، توصف أحيانًا بالتردد والغموض، ومن جهة ثانية بتباين المصالح بين الدول الأوروبية وسياساتها (على سبيل المثال التقارب البريطاني في عهد “جونسون” مع الولايات المتحدة)[11].

تجدر الإشارة بدايةً إلى مسائل عامة تشترك فيها أوروبا مع الولايات المتحدة، للعمل لمنع إيران من أن تتحول إلى قوة نووية؛ مثل إدراك أن حصول إيران على القنبلة النووية يعني تحول منطقة الشرق الأوسط إلى ساحة للسباق النووي، فضلا عن تهديد لتدفق النفط إلى الدول الغربية[12].

أما فيما يتعلق بالفاعل الأوروبي وتمسكه بالمسار الدبلوماسي ممثلا في اتفاق عام 2015 لمواجهة هذه المخاطر، حتى عقب الشريك الأمريكي، فنرصد الأسباب التالية:

  • الرغبة في إثبات المكانة الدولية للاتحاد الأوروبي وقدرته على التأثير؛ حيث يتماشى هذا الاتفاق مع استراتيجية الاتحاد الأوروبي لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، والتي اعتمدها في ديسمبر 2003، والتي أكدت على الآليات السياسية للقضاء على هذه الأنواع من الأسلحة، ومن هذه الآليات التعاون مثلاً مع الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية. وقد تجلت نصوص هذه الاستراتيجية بوضوح من خلال الاتفاق النووي الإيراني[13].

ومن ثم يعتبر الاتّحاد أن خطّة العمل الشاملة المشتركة عام 2015 تمثل نجاحه الدبلوماسي الأهمّ في الماضي القريب؛ حيث اقتنصت الخطة موافقة طهران على لجْم نشاطات برنامجها النووي وأخضعته لنظام تفتيش صارم. بالمقابل، ألغت الدول الأعضاء الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا، العقوبات الاقتصادية المرتبطة بالملف النووي بعد تطبيق خطّة العمل الشاملة المشتركة بدءا من عام 2016[14].

يُشار في هذا الإطار أيضًا إلى مشروع «الاستقلال الإستراتيجي»، الذي طرحته فرنسا؛ إذ ترى باريس أنَّ هذا المشروع سيُحوِّل الاتحاد الأوروبي من قوَّة اقتصادية إلى لاعب جيوسياسي دولي مستقِلّ عن الولايات المتحدة. وقد حظِيت هذه الفكرة بشعبية في أوروبا، لا سيّما خلال عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب[15]. ويعتبر الموقف الأوروبي المتمسك بالاتفاق النووي واحدا من تمثلات هذا الاستقلال.

المصالح الإستراتيجية والأمنية وأمن الطاقة خاصةً: يرتبط ذلك برغبة أوروبا في توظيف القدرات الإيرانية بمناطق تقاطُع النفوذ والتأثيرات المتبادلة، على وجه الخصوص في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط[16]. كما أن من شأن الحفاظ على الاتفاق النووي ضمان الأمن والاستقرار في تلك المنطقة التي تُعَدّ ذات أهمِّية قصوى لإمدادات الطاقة العالمية. وبالتالي يمكن وصفها بأنها مفتاح أمن الطاقة؛ ذلك إضافةً إلى رغبة دول الاتحاد الأوروبي في تنويع مصادر الطاقة، وتخفيض اعتمادها الكبير على روسيا[17]. فضلا عن أن حلحلة الصراعات الإقليمية بشكل عام في الشرق الأوسط يسهم في تأمين الحماية لأوروبا ضدّ معضلات الهجرة واللجوء، على غِرار ما حدث نتيجة الأزمة السورية.

المكاسب الاقتصادية، لم تمنع الأزمة النووية من تطوير العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، على سبيل المثال: احتل الاتحاد الأوروبي المرتبة الرابعة من بين شركاء إيران التجاريين في عام 2012، إذ بلغ حجم واردات البضائع من إيران 5,5 مليارات يورو، وبلغ حجم الصادرات إليها 7,4 مليارات يورو. ومثّل النفط ومشتقاته 90 في المائة من الواردات الأوروبية من إيران؛ لذا يؤدي فرض الحظر على إيران إلى تراجع حاد في المبادلات التجارية[18].

ومن ثم فمع إبرام الاتفاق النووي عام 2015 تعضدت رؤية الأوروبيين لإيران كشريك تجاري. كون إيران تمثِّل فرصة ذهبية أمام الشركات الأوروبية، في ظلّ اقتناص الشركات الأمريكية لمعظم الفرص الاستثمارية في منطقة الشرق الأوسط[19].

أيضًا تكمن نقاط القوّة لعلاقة أوروبا الاقتصادية مع إيران في الدور الرئيسي الذي اضطلعت به أوروبا في تحديث البنية التحتية الصناعية لإيران[20]. وقد قام الوزير الألماني للشؤون الاقتصادية والطاقة آنذاك، “زيجمار جابرييل”، بزيارة إلى إيران في 14 يوليو 2015 بعد الإعلان عن الاتفاق مباشرة، مصطحبًا معه وفدا ًكبيرًا من رجال الأعمال ومنسوبي القطاعات التجارية، بُغية عقد الصفقات والتوقيع على عقود الاستثمار مع الطرف الإيراني. كذلك زار وزير الخارجية الفرنسي “لورنت فابيوس”، بعد أسبوعين من توقيع الاتفاق، طهران للغرض ذاته، كما أرسلت إيطاليا وفدًا مكوَّنًا من 300 رجل أعمال إلى طهران في بداية أغسطس 2015. وقد تم تسويغ تلك الخطوات كجزءٍ من سياسة التغيير عبر التبادل التجاري والعلاقات الودِّية (CTTR)، وهو ما منح هذا الاستئناف مناعةً ضدّ أيّ تقييم موضوعي يرتبط بسياسات إيران الإقليمية على سبيل المثال[21].

وفي عام 2017، بلغت قيمة إجمالي الصادرات الأوروبية إلى إيران من البضائع والخدمات 10.8 مليارات يورو (12.9 مليار دولار)، وبلغت قيمة الواردات ضعف أرقام عام 2016 تقريبا[22]. كما أعلن الموقع الإخباري للمفوضية الأوروبية أن التجارة بين إيران والاتحاد الأوروبي في عام 2021 بلغت نحو خمسة مليارات يورو، بنسبة نمو بلغت 9٪ مقارنة بالعام السابق[23].

ويدرج الاتحاد الأوروبي ذلك في سياق سياسة التغيير من خلال التبادل التجاري والتقارب التي تهدف إلى تسهيل إحداث تغيير في الدول ذات النظام السلطوي عبر التعاون والتبادل التجاري معها، ومن خلالها تُبرر علاقات الاتّحاد الأوروبي مع الأنظمة السلطوية[24].

لهذه الأسباب أخذ الاتحاد الأوروبي على عاتقه مهمة الحفاظ على الاتفاق النووي عقب الانسحاب الأمريكي وذلك عبر سبل عدة سنتطرق إليها فيما يلي.

ثانيًا- آليات الإنقاذ الأوروبي للاتفاق النووي:

شكَّلت الصفقة النووية منعطفًا مهمًّا في مجرى العلاقة الأوروبية–الإيرانية؛ للأسباب السابق ذكرها. وکانت “فيدريکا موغيريني”، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية الأوروبية، قد أکدت على أهمية الاتفاق في مؤتمر صحفي بواشنطن في نوفمبر 2017 من خلال تصريحها بأن هذا الاتفاق “ليس اتفاقًا ثنائيًا ولا هو حتى اتفاق بين ست أو سبع أطراف دولية، ولکنه قرار ملزم من مجلس الأمن الدولي؛ وبالتالي تصبح کل دول الأمم المتحدة ملتزمة بضمان تنفيذ بنوده”. وبالتالي، مثل قرار الانسحاب الأحادي الذي اتّخذه الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” من خطّة العمل الشاملة المشتركة في 8 مايو 2018 تحدّيًا كبيرًا لسياسة التعاون والتقارب الأوروبية مع إيران. وبدأ التأثير الاقتصادي للعقوبات الأمريكية يظهر حتّى قبل إعادة فرضها. فقد أُجبرت الكثير من الشركات والمؤسّسات المالية الأوروبية على وقف أنشطتها مع إيران فيما تدهورت العملة الوطنية الإيرانية[25].

رغم ذلك بقي للفاعل الأوروبي قوته وحجيته للتمسك بالاتفاق النووي؛ على جانبٍ، بقاء الخيار العسكري مستبعدًا حتى في أوقات التلويح به أمريكيًا أو إسرائيليًا، وذلك في ضوء قراءات موضوعية للسياقات الإقليمية والدولية التي لا تحتمل ذلك. على الجانب الآخر، فعلى الرغم من أنّ اتّباع واشنطن نهجًا متشدّدًا مع إيران قد قـوّى أوساط متشدّدة في إيران معادية لخطّة العمل الشاملة المشتركة، يُظهر قادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية استعداداً للإبقاء على الاتّفاقية. ففي 23 مايو 2018، طلب المرشد الأعلى الإيراني من أوروبا أن تقدّم ضمانات ملموسة. وكان ذلك بمثابة مؤشر على حاجة الجمهورية الإسلامية إلى أوروبا من أجل مساعدتها في التخفيف من حدّة الضغط الأمريكي، وعدم العودة إلى العزلة الدولية ثانيةً[26].

لكن لا يعني ذلك أن الأمور قد تطورت على وتيرة واحدة، حيث تنوعت الآليات الأوروبية للحفاظ على الاتفاق بين أسلوب الترغيب، وأسلوب الترهيب الذي لجأت إليه نتيجة سياسات التصعيد الإيراني في مقابل سياسة الضغوط القصوى الأمريكية، ومن أبرز الآليات الترغيبية:

– التحايل على نظام العقوبات الذي فرضه “ترامب”[27]؛ حيث قررت المفوضية الأوروبية وضع خيارات أوروبية؛ ومنها التشريع الذي يمنع أية شرکة أوروبية من الالتزام أو تنفيذ العقوبات الأمريکية المفروضة على إيران؛ لأن ذلك يمثل تقويضًا للمصالح الأوروبية. وفي 7 أغسطس 2018، قررت دول الاتحاد الأوروبي تمرير مشروع القانون هذا تحت مسمىa Blocking Statute[28].

تدشين آلية التعامل المالي «إنستيكس – INSTEX»: في سبتمبر 2018، أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي السابقة “فيديريكا موجيريني” عن أداة قانونية تُدعى Special Purpose Vehicle SPV))، أو ما يمكن تسميته قناةً مالية لأغراضٍ محدَّدة، تهدف إلى إبقاء عمليات التجارة قائمةً مع إيران وفق القانون الأوروبي ودون التعرُّض للعقوبات الأمريكية. غير أنّ الاتحاد الأوروبي في اجتماع مجلسه في 28 من يناير 2019، فشِل في الوصول إلى إجماعٍ بشأن الإعلان عن آلية التعامل المالي (SPV).

لذلك جاء الإعلان عن آلية تبادلٍ مالي «آلية دعم التبادل التجاري» (إنستيكس– INSTEX)؛ إذ أعلنت كلٌّ من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا (علمًا أن المملكة المتحدة التي خططت لمغادرة الاتحاد الأوروبي أقل حماسة من السياسيين الفرنسيين والألمان لرؤية الآلية باعتبارها بداية لحملة أوسع لإنشاء منفذ قائم على اليورو بدلاً من الدولار[29]) على هامش اجتماع وزراء خارجية الدول الأوروبية في بوخارست 31 يناير 2019، عن تدشين هذه الآلية[30]. وكان الهدف الأساسي لهذه الآلية قيام إيران بتسليم النفط أو منتجات أخرى إلى أوروبا، وبدلاً من دفع الأموال إلى البنوك الإيرانية ستذهب الأموال إلى الشركات الأوروبية التي تبيع الدواء أو الغذاء إلى إيران[31].

وقد عرقلت إيران كثيرًا هذه الآلية برفضها وقف تمويل مليشياتها في المنطقة[32]. لكن قد جرت أوّل عملية تبادُل لأغراض إنسانية عبر آلية «إنستيكس» من جانب ألمانيا في أبريل 2020[33].

أيضًا كان البرلمان الأوروبي قد وافق في 4 يوليو 2018 على إضافة إيران إلى قائمة الدول المؤهلة للدخول في الأنشطة الاستثمارية التي يقوم بها بنك الاستثمار الأوروبي (إلا أنه على أرض الواقع قررت الشرکات الأوروبية الكبرى الخروج من السوق الإيراني خوفًا من العقوبات الأمريكية التي قد يتم فرضها من قبل وزارة الخرانة الأمريكية عليها)[34].

ذلك الاتجاه الذي عبر عنه فيما بعد الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، حين أكد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة 23 سبتمبر 2020 أن بلاده وشركاءها الأوروبيين “لن يقبلوا” بوجهة نظر الولايات المتحدة بأن بإمكانها إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران لأنها انسحبت من هذا الاتفاق “بمبادرة منها”[35].

– تفعيل آلية فضّ النزاع المنصوص عليها بالاتفاق: جاء القرار الذي أعلنت عنه فرنسا وألمانيا وبريطانيا في 14 يناير 2020، المتعلّق باللجوء إلى أحكام تلك الآلية بعدما كشفت إيران عن الخطوة الخامسة في سلسلة خروقاتها للالتزامات النووية، التي سبق أن ابتدأتها منذ 8 مايو 2019[36]. ورغم أن هذه القرارات تعتبر أن إيران تشكّل تهديداً “للأمن والسلام الدوليين”، إلا أنها من وجهة نظر الدول الأوروبية الثلاث، يمكن أن تؤدي إلى توفير مساحة للحوار مع إيران قد ينجم عنها حلّ يحفظ ماء وجه واشنطن وطهران على حدّ سواء[37].

– الإبقاء على قنوات التفاهُم وتقديم الضمانات لإيران: حيث راهنت الأطراف الأوروبية على بقاء الصفقة بحُكم شرعيتها الدولية. بناءً على هذه المنطلقات، قدمت أوروبا مبادرات للوساطة بين الولايات المتحدة وإيران: على خلفية تصاعد التوتُّر في الخليج العربي، وإعلان إيران عن خطّتها لتخفيض الالتزامات النووية، أوفدت فرنسا “إيمانويل بون” المستشار السياسي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى طهران، ليقدِّم مُقترَح «الوقف مقابل الوقف»، ويعني به وقف العقوبات مقابل وقف تخفيض الالتزامات النووية.

ومع الأخذ بالاعتبار موقف إيران الرافض للمُقترَح الفرنسي، إلّا أنّ الإيرانيين سعوا إلى إبقاء الباب مفتوحًا أمامه. فعندما حاول الرئيس الفرنسي في نهاية أغسطس 2019 الجمع بين وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف وممثِّلي قمّة مجموعة الدول السبع بمن فيهم الرئيس الأمريكي ترامب، أسرع وزير الخارجية الإيراني إلى فرنسا لتحقيق هذا الهدف. لكن المحاولة لم لرفض الجانب الأمريكي على ما يبدو لهذه المبادرة[38]. كما سعت فرنسا إلى ترتيب لقاء بين الرئيسين الأمريكي السابق دونالد ترامب والإيراني حسن روحاني على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2019، إلا أن ذلك لم ينجح في تحقيق نتائج تذكر في هذا السياق، في ظل إصرار كلا الطرفين على التمسك بمواقفه وعدم تقديم أية تنازلات مسبقة[39].

  • استراتيجية “غض الطرف”: حيث غض أوروبا الطرف في بعض الأحيان –وليس كل الأحيان- عن تجاوزات النظام الإيراني، سواء في الداخل أو في الخارج.

على مستوى الداخلي الإيراني: مع حلول يناير 2017، وُجد أنه من أصل حوالي 110 اتّفاقيات وُقّعت بعد خطّة العمل الشاملة المشتركة وبلغت قيمتها 80 مليار دولار أمريكي على الأقلّ، تمّ توقيع 90 اتّفاقية منها مع شركات تملكها أو تتحكّم بها تلك الكيانات التابعة للدولة الإيرانية أو شبه التابعة لها. وذلك بخلاف التوقّعات عقب الاتفاق بإتاحة المزيد من المساحة للمجتمع المدني وتحسين وضع حقوق الإنسان نتيجة تحسن الأوضاع الاقتصادية للجميع. ما حدث هو تركيز للثروة حكوميا ومن ثم مزيد من تدهور حقوق الإنسان. في هذا الإطار، دخلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية الأزمة الأكثر حدّة في تاريخها إذ نشبت الاحتجاجات في خلال العام 2017/2018[40].

لم تتخذ الدول الأوروبية مواقف منددة بالنظام الإيراني على نحو ما قامت به الولايات المتحدر. وبدلا من ذلك، ركزت الدول الأوروبية على مواقف سطحية مثل مطالبة النظام بمراعاة مطالب المحتجين وعدم انتهاك حقوق الإنسان في التعامل مع الاحتجاجات، مثل تأكيد الخارجية البريطانية ضرورة احترام حرية التعبير، والحق في التظاهر السلمي، بعد استمرار المظاهرات في شوارع المدن الإيرانية ضد فساد وديكتاتورية النظام[41]. كما وجهت الدول الأوروبية إشارات عديدة أفادت أنها ما زالت حريصة على علاقاتها مع إيران، والتي رأت أنها تطورت بشكل كبير منذ توقيع الاتفاق النووي في 14 يوليو 2015؛ حيث شارك مسئولون أوروبيون سابقون في المؤتمر الدولي الثاني للأمن الذي عقدته إيران في 8 يناير 2018[42].

وقد تم إرجاع تلك المواقف الحذرة التي اتبعتها العواصم الأوروبية في التعامل مع الاحتجاجات الإيرانية في ضوء عوامل عديدة، بينها:

– إعطاء الأولوية للاتفاق النووي، حيث ترى الدول الأوروبية أن التدخل في أزمة الاحتجاجات الإيرانية، سيمنح الفرصة للمتشددين داخل إيران من أجل ممارسة ضغوط على حكومة روحاني لاتخاذ خطوات أكثر تصعيدًا خلال المرحلة القادمة[43].

– التخوف من التأثير على بعض القضايا العالقة بين الطرفين والتي تحظى باهتمام خاص من جانب الدول الأوروبية، مثل القضايا الخاصة بأحكام السجن التي صدرت ضد بعض مزدوجي الجنسية، مثل نازانين زغاري البريطانية من أصل إيراني[44].

على مستوى السياسات الإقليمية: لم تتهم دول الترويكا الأوروبية الحكومة الإيرانية صراحة بالوقوف وراء الهجمات الخطيرة التي شهدتها منطقة الخليج قبالة ميناء الفجيرة في 12 مايو 2019، ولم تشجب بعدها التربص الإيراني بالسفن التجارية في 13 يونيو 2019، كما تعاملت بريطانيا والدول الأوربية “بصبر استراتيجي” مع خطف السفينة البريطانية “ستينا إمبيرو”[45]؛ رداً على احتجاز سلطات حكومة جبل طارق السفينة الإيرانية (جريس 1) التي خرقت العقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيرانية وكذلك عقوبات الاتحاد الأوروبي على الحكومة السورية التي بدأت في مايو 2011[46].

  • دعم دمج إيران في المجتمع الدولي، وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنه قد أيّد تقرير الاستراتيجية العالمية للاتحاد الأوروبي، الصادر بعد عام واحد على توقيع خطّة العمل الشامل والمشترك، التزاماً متوازناً: بحيث يتابع الاتّحاد الأوروبي التعاون مع مجلس التعاون الخليجي والبلدان الخليجية منفردة. وانطلاقاً من الاتّفاق النووي الإيراني وعملية تنفيذه، سيُشرك الاتّحادُ الأوروبي أيضاً تدريجياً إيران في مجالات مثل التجارة والأبحاث والبيئة والطاقة ومكافحة الاتّجار والهجرة والتبادلات المجتمعية. وسيعزِّز الحوارَ مع إيران وبلدان مجلس التعاون الخليجي[47].

رغم ذلك هناك بعض الخطوات التصعيدية بعينها التي اتخذتها أوروبا (بالتوازي أحيانًا مع خطوات التقارب)، مع إصرار إيران على التصعيد في مقابل سياسة الضغوط القصوى الأمريكية. ومن تلك السياسات الإيرانية:

– تجارب الصواريخ البالستية الإيرانية: أثارت تجارب الصواريخ البالستية الإيرانية مخاوف الأوروبيين، إذ تُمثِّل هذه الصواريخ تهديدًا عسكريًّا للأراضي الأوروبية. فمع بداية فبراير 2019، أظهرت الحكومة الإيرانية في مقطع مرئي قصير تجرِبة إطلاق صاروخٍ بالستي مسمى «هويزه». وفي تصعيدٍ آخر، أجرَت إيران تجربةً على الصاروخ البالستي متوسط المدى «شهاب-3» في 24 يوليو 2019[48]. أيضًا أعلن الحرس الثوري الإيراني في أبريل 2020[49] عن النجاح في إطلاق أول قمرٍ صناعيٍّ عسكريٍّ إلى مداره الواقع على بعد 425 كم من سطح الأرض[50].

– تهديد أمن الملاحة في الخليج: وعلى الجبهة الجيوسياسية الإقليمية، سعت إيران إلى تحقيق هدفها بالحفاظ على قوّتها الإقليمية وتوسيعها مع المزيد من التعنّت، الذي تجلت مؤشراته في العراق وسوريا كما استمرت طهران في تصعيد التوتّرات مع المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وهما شريكان مهمّان للاتّحاد الأوروبي[51]. كما أن الحرس الثوري الإيراني لم يستهدف القوات الأمريكية فقط في قاعدتي عين الأسد وحرير في كردستان العراق، بل استهدف قوات التحالف الدولي بالكامل، وهو ما دفع بريطانيا لإرسال مزيد من القوات للعراق والمنطقة، في حين قلصت ألمانيا عدد مستشاريها العسكريين، وقامت فرنسا بإجراءات احترازية جديدة لحماية قواتها وقواعدها العسكرية في المنطقة[52].

– تقليص إيران لالتزاماتها النووية بين كل فترة والأخرى، مثلا منذ بداية عام 2020، صدرت تصريحات من مسؤولين إيرانيين تهدِّد بخرق الاتفاق النووي والعودة إلى تخصيب اليورانيوم، كنوعٍ من الضغط على الأوروبيين؛ لدفعهم إلى تسريع عملياتهم الدبلوماسية وتنفيذ وعودهم[53]. علمًا أنه انتهت مهلة حددها قانون أقره البرلمان الإيراني، مطلع ديسمبر 2020، يلزم الحكومة باتخاذ خطوات إضافية من انتهاك الاتفاق، وذلك في محاولة للضغط على إدارة “بايدن” لرفع العقوبات المفروضة. وقبل انتهاء المهلة رسميًّا، باشرت المنظمة الذرية الإيرانية تنفيذ القانون، برفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20٪، وأنتجت معدن اليورانيوم، الوارد استخدامه في صنع الأسلحة النووية، وزادت من أجهزة الطرد المركزي في منشأة نطنز[54].

ومن الخطوات الأوروبية في المقابل، والتي كانت محدودة نوعًا ما:

-تأييد العمليات العسكرية الأمريكية ضد إيران، كان لافتاً أن ألمانيا التي لها علاقات خاصة مع إيران هي أول دولة في الإتحاد الأوروبي تؤيد مقتل قاسم سليماني، بل واعتبرت برلين سليماني مصدرا لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وقدمت دعما كاملا وغير مشروط للهجمات الأمريكية ضد مليشيات الحشد الشعبي في معبر القائم. وهو ما دفع الحكومة الإيرانية لاستدعاء القائم بالأعمال الألماني في طهران[55]. أيضًا مع تولي “بوريس جونسون” رئاسة الحكومة البريطانية حدث تحول ضد إيران، حيث دعم الحملة الأمريكية على مليشيات إيران في العراق، وتحميل إيران وسليماني مسئولية الهجمات على القوات الأمريكية وقوات التحالف في العراق[56].

-التصريحات المنتقدة لتخفيض إيران التزاماتها النووية: على سبيل المثال تصريحات مسئول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل”، في يناير 2021، والتي حذر فيها من أن “الاتفاق النووي عند منعطف خطير”، وذلك في تعقيبه على قيام إيران برفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 20٪[57].

-الدعوة إلى خطوات بشأن البرنامج الصاروخي الإيراني، والذي يشكِّل خطرًا نوعيًّا على الأراضي الأوروبية، لكن رغم ذلك لم يُضمَّن في الاتفاق النووي، والعلّة تكمُن في اعتبارات ارتأت أوروبا والولايات المتحدة في عملية التكامل ما بين الاقتصاد الإيراني ونظيره الغربي والعالمي عاملًا مؤثِّرًا لخلق سياسات أكثر اعتدالًا للحكومة الإيرانية؛ عبر تداخُل المصالح الغربية والإيرانية وتوافقها[58].

انتبهت الدول الأوروبية إلى خطورة الأمر. وهنا، فإن تلك الدول اعتبرت أن التغاضي عن تلك الملفات فرض ارتدادات سلبية في مرحلة لاحقة، حيث استندت إليها طهران في الرد على العقوبات الأمريكية وتوجيه تهديدات علنية ومباشرة إلى كل الأطراف بما فيها الدول الأوروبية ذاتها[59].

ومن أبرز الخطوات التي اتخذتها القوى الأوروبية على صعيد هذا الملف خلال السنوات الماضية، الدعوة التي وجَّهها الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” نوفمبر 2017 إلى إيران لإجراء حوار بشأن صواريخها الباليستية، حيث أعلنت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية “أنيس إسباين” حوار “صريح لا يقبل المساومة”. إلا أن تلك الدعوات واجهت عاصفة من الرفض الإيراني شارك فيها جميع المسؤولين الإيرانيين، المحافظين منهم والإصلاحيين؛ بدعوى أن الشؤون الدفاعية غير قابلة للتفاوض[60]. لكن الأهم أن الرفض الثاني للمبادرة الفرنسية جاء من “فردريكا موغيريني” منسقة السياسة الخارجية للاتِّحاد الأوروبي التي اعتبرت أن هذه المبادرة سوف تعرِّض الاتِّفاق النووي للخطر، وهو الاتِّفاق الذي تَوَصَّل إليه المجتمع الدولي مع إيران بصعوبة بالغة[61]. لكن مع تأكيد “إبراهيم رئيسي” أن برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني غير قابلٍ للتفاوض، وهي التصريحات التي تبدو معاكسة للتوجهات الأوروبية[62]، تكشَّفت ملامح موقف أوروبي جديد في البيان الذي صدر عن الاتحاد في 4 فبراير 2019، ليعرب عن قلقه إزاء برنامج الصواريخ البالستية، وتدخُّلات إيران الاقليمية، وعدم التزام إيران بتعهُّداتها في إطار الاتفاق النووي، ويطالب بكفّ الأنشطة العدائية لطهران في بعض العواصم الأوروبية[63].

– التلويح بملفّي حقوق الإنسان والإرهاب: رغم تغاضي الاتحاد الأوروبي أحيانًا، إلا أن مصداقيته القيمية فرضت عليه أحيانًا أخرى اتخاذ بعض الإجراءات في هذا الصدد؛ نظرا إلى التدهور المستمر في وضع حقوق الإنسان في إيران[64]. ومؤخرًا فرض الاتحاد الأوروبي بعض العقوبات أثناء محادثات فيينا التي استهدفت ثلاثة كيانات حكومية إيرانية وثمانية مسؤولين أمنيين، بمن فيهم القائد العام للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، وذلك على خلفية حملة القمع «العنيفة» التي شنَّتها إيران في أعقاب الاحتجاجات التي اندلعت في عام 2019[65].

أمّا في إطار الضغوط المتعلِّقة بملفّ الإرهاب، فقد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على أجهزة الاستخبارات الإيرانية في يناير 2019 بعدما اتهم طهران بالضلوع في مخططات لاغتيال معارضين للنظام في الأراضي الهولندية والدنماركية والفرنسية. أيضًا فرضت برلين في الشهر ذاته عقوبات على إيران بسبب تخطيط أجهزة الاستخبارات الإيرانية لعمليات اغتيال في أوروبا[66].

وكان للجانب المدني مساحته في هذا الصدد؛ فعلى سبيل المثال دعا ما يزيد عن 20 دبلوماسياً ووزير خارجية أوروبيين سابقين، إلى تحميل وزير الخارجية الإيراني السابق “محمد جواد ظريف” «مسؤولية مباشرة، ومحاسبته» عن تعديات إيران في أوروبا، خاصة محاولة تفجير مؤتمر المعارضة الإيرانية في فرنسا[67].

المحور الثاني- محادثات فيينا: المسار وسياق تفاعلات القوى الدولية

أولا- محادثات فيينا: مسار الإنقاذ

وبناءً على ما سبق بيانه من حرص أوروبا على الاتفاق المبرم عام 2015، وما سلكته من مسارات وآليات لعدم انهياره، توسطت أوروبا مع وصول “جو بايدن” إلى سدة الحكم من أجل فتح باب المفاوضات لإعادة إحياء الاتفاق النووي، بوصفها تمتلكُ مفتاح الوصول إلى نتيجةٍ ناجحة، وبدأت المفاوضات في فيينا في أبريل2021 بمشاركة أمريكية غير مباشرة[68].

وقد عُقدت ست جولات في الفترة بين أبريل ويونيو 2021، وتوقفت لأجل الانتخابات الرئاسية الإيرانية. ورغم عدم الوصول إلى اتفاقات نهائية، إلا أنه قد أعربت وزارة الخارجية الإيرانية في تقريرها الدوري للبرلمان حول المفاوضات النووية في 12 يوليو 2021، عن أملها أن تُستكمل المفاوضات المتعلقة بإحياء الاتِّفاق النووي بعد تَسلُّم حكومة إبراهيم رئيسي السلطة[69].

خلال الفترة الانتقالية قبل استئناف المفاوضات، أجرى مساعد وزير الخارجية الإيراني وكبير المفاوضين “باقري كني” جولة في عواصم الترويكا الأوروبية؛ للتأكيد على الاقتراحات السابقة التي طرحها الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” على الدول الأوروبية، بالعمل على تعزيز العلاقات الثنائية وتطوير التعاون السياسي والاقتصادي بعيداً من المسار التفاوضي بشأن الملف النووي. وذلك يصب في إطار وضع رؤية استباقية تقوم على فتح قنوات تعامل وتفاهم مع هذه الدول وفصل مواقفها عن الموقف الأمريكي، والاستعداد إلى استئناف المفاوضات[70].

على الجانب الآخر، طالبت الولايات المتحدة والقوى الأوروبية أن تستأنف المفاوضات من حيث توقفت في يونيو 2021، خاصة أن الطرف الأوروبي أعلن إن الجولات الستّ السابقة أنجزت ما بين 70-80 في المائة من الاتفاق المنشود[71]. وقد حذر وزير الخارجية الفرنسي “جان إيف لودريان” طهران من أي موقف تفاوضي “مراوغ” في هذا الإطار[72].

واستؤنفت المحادثات في نوفمبر 2021 بعد توقف دام خمسة أشهر، وبالفعل لم تسر الأمور كما يجب، حيث: كانت ثمة تطورات أخرى. فحسب تصريحات للمتحدث الرسمى باسم المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية “بهروز كمالوندي”، قبيل ثلاثة أسابيع فقط من استئناف محادثات فيينا وبالتحديد فى 4 نوفمبر 2021، فإن إيران ضاعفت مخزونها من اليورانيوم على التخصيب بنسبة 20٪ ووصل إلى 210 كيلو جرامات، كما أعلن ما هو أخطر من ذلك؛ وهو أن إيران تحتفظ بـ 25 كيلو جراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪؛ ما يعني أن المسافة باتت محدودة للوصول، إن أرادت، إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 90٪ اللازمة لإنتاج القنبلة[73].

وقد صرح وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” أن الإشارات القادمة من المباحثات النووية في فيينا “لا تبعث على التفاؤل”. ووجه “بلينكن” انتقادات لإيران قائلا: “لن نقبل أن تواصل إيران برنامجها النووي، بينما تجري مباحثات في فيينا”. بينما قال الرئيس الفرنسي “ماكرون” إن الجولة الحالية من المحادثات النووية مع إيران في فيينا لم تكن ناجحة على ما يبدو[74].

أيضًا قدمت إيران رؤية مغايرة للمتوقع من الغرب، وذلك من خلال مسودتين قدمتهما: وفي هذا الصدد، قال المنسق الأوروبي للمحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة بمفاوضات فيينا “إنريكي مورا” أن إيران “تطالب بتغييرات كبيرة” تتعارض في بعضها مع اتفاق 2015، ومن غير الواضح كيف يمكن سد الفجوات الجديدة في إطار زمني واقعي بناء على المسودات الإيرانية”[75]. ومن ثم رفضت الدول الأوروبية المسودتين بشأن العودة للاتفاق النووي واعتبرتهما مخيبتين للآمال، حتى وصفت إيران بأنها تتخذ موقفا مدمرا في المفاوضات[76].

ورغم الشد والجذب المتواصل، استمرت نبرة أوروبية تتسم بالتفاؤل الحذر. في هذا الإطار، أعلن سفير فرنسا لدى الأمم المتحدة “نيكولا دي ريفييه” في ديسمبر 2021 أنه لا يزال من الممكن إحياء الاتفاق النووي مع إيران، مشيرا إلى أنه يتم السير لإنقاذه بسرعة، و”أنه يجري الاقتراب من النقطة التي يكون فيها تصعيد إيران لبرنامجها النووي قد أفرغ تماما خطة العمل الشاملة المشتركة من مضمونها”[77].

وإذا كانت الجولة السابعة من المحادثات قد انتهت بقدر من الإحباطات المتبادلة بين إيران ومفاوضيها من القوى الدولية خاصة الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة، فإن إقبال الوفود التفاوضية على “الجولة الثامنة” التى بدأت يوم 27 ديسمبر 2021 جاء ضمن حزمة مهمة من التطورات بعضها حمل مؤشرات إيجابية، وبعضها الآخر يحمل حزمة المؤشرات التي تُنبئ بالعكس؛ أي بفشل المفاوضات[78]. من المؤشرات الإيجابية تصريح “إنريكي مورا” بُعيد ختام اللجنة المشتركة للاتفاق النووي في 18 ديسمبر 2021، أن المشاركين في الاجتماع توصلوا إلى نص مشترك للتفاوض حول إحياء بنود اتفاق عام 2015. وأضاف “مورا”: “إن هذا لا يعني التوصل إلى اتفاق، بل سيكون الأساس لمواصلة المفاوضات”[79].

ومن المؤشرات التي قد تبدو سلبية في هذا الإطار، أنه بالتزامن مع انطلاق الجولة التفاوضية أجرت إيران مناورات “الرسول الأعظم 17″، في الفترة من 20 إلى 24 ديسمبر 2021، بالإضافة إلى إطلاق صاروخ “سيمرغ” إلى الفضاء في 30 من الشهر نفسه، وهو ما تم تفسيره بأن هذه الخطوات التصعيدية جاءت بالتوازي مع التهديدات المتواصلة التي توجهها إسرائيل بأن كل الخيارات مطروحة لمواجهة التهديد النووي الإيراني[80]. كما تم تفسير ذلك التصعيد بأنه يأتي في ظل رؤية إيران بأن المشاركة الأوروبية في المفاوضات “غير بناءة”، وبالتالي أرادت طهران إيصال رسالة مفادها أن “أى محاولات خارجية للحد من أنشطتها الصاروخية تخاطر بتجاوز خط أحمر أساسي”؛ حيث تبرر دائمًا حقها بامتلاك منظومة صواريخ باليستية متطورة وذلك من منظور ردعي فحسب[81].

وفي الفترة التالية تأرجحت المؤشرات والتصريحات بين توقعات بأن إنجاز الاتفاق بات وشيكًا والعكس:

ففي فبراير 2022 أعلنت مصادر أوروبية أن المحادثات دخلت مرحلة حاسمة، فيما تحدثت طهران عن تقدم لافت في المفاوضات[82]. وقد صرح زير الخارجية الإيراني: نحن نقترب من الاتفاقية، وهناك بعض القضايا المتبقية؛ وهي خطوطنا الحمراء. وإذا قلنا اليوم إننا أقرب من أي وقت مضى إلى التوصل إلى اتفاق؛ فذلك لأننا أبلغنا الأمريكيين (عبر وسطاء) والدول الأوروبية الثلاث، بأننا نقول لهم بكل وضوح إن دوركم قد حان الآن، إنه الوقت المناسب لنرى المبادرات والمرونة من قبل الجانب الغربي[83].

وفي مارس 2022 كان الإفراج عن الصحفية الإيرانية البريطانية نازنين زغاري-راتكليف، التي كانت إيران قد حكمت عليها بالسجن لعدة سنوات بتهمة التجسس، بالإضافة إلى مواطن إيراني بريطاني آخر، كما تواردت أنباء أن الولايات المتحدة تدرس إزالة اسم الحرس الثوري الإيراني من قائمة “الإرهاب” بعد أن كانت إدارة ترامب قد أضافته إلى القائمة في عام 2019[84].

لكن على الجانب الآخر، فإن الإعلان عن احتجاز الولايات المتحدة شحنتي نفط إيرانيتين أسهم سلبيًّا في تعليق المفاوضات[85]. فضلاً عن المطالب الروسية ثم الحرب الروسية الأوكرانية –كما سنرى- وهذا ما يدفع إلى طرح التساؤل التالي: هل السياق الإقليمي والدولي وما يعج به من تنافسات، بل صراعاتٍ وحروب، داعم أم معرقل للجهود الأوروبية في هذا الملف؟!

ثانيًا- السياق الإقليمي والدولي: داعم أم معرقل للجهود الأوروبية؟

على الصعيد الإقليمي، فإن استئناف المفاوضات حول الاتفاق النووي هو أيضًا استئناف للمفاوضات حول مجمل القدرات الإيرانية ومن بينها “المشروع الإقليمى لإيران”؛ وهو لا شك أمر ترفضه إيران[86]. وهنا تبرز أهمية جبهة الحلفاء الإقليميين لإيران، وتضم الحلفاء في العراق إلى جانب سوريا وحزب الله فى لبنان وحركة أنصار الله الحوثية فى اليمن. لكن إيران تتعرض إلى خسائر غير قليلة في معظم أطراف جبهة المقاومة؛ سواء في العراق أو في سوريا ولبنان. على سبيل المثال، فقد أضحى الوضع الداخلى لحزب الله في لبنان أكثر تعقيداً فى ظل الضغوط الاقتصادية[87].

وفي هذا الإطار -وفقًا لباريس- فإن المحادثات الشاملة الجديدة مع طهران ستؤولُ إلى الفشل في حال استغلَّ الإيرانيون الضغط في الجوانب «الإقليمية» للمماطلة في مسار المفاوضات، علمًا أن باريس تلعبُ دورَ وسيطٍ دبلوماسيٍ بين إيران ودول المنطقة لتهدئة الأمور، واتَّضح ذلك في المؤتمر الإقليمي الذي عُقد في بغداد في 28 أغسطس 2021 بعنوان «مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة»[88].

ويبقى الأمر في هذا الصدد رهنًا بالسياسات الإيرانية، فإذا أخذت إيران المسار المهادن على جبهاتها الإقليمية لا شك أن ذلك من شأنه تعزيز الجهود الأوروبية في إنقاذ الاتفاق.

أما إسرائيل، فمن المعروف موقفها الرافض للاتفاق ومن ثم مفاوضات استئنافه، فعلى سبيل المثال قال رئيس الوزراء الإسرائيلي “نفتالي بينيت” إن إيران تقدُم على “ابتزاز نووي” –في إشارة إلى الإعلان عن بعض النشاطات النووية الإيرانية بالتزامن مع استئناف جولات المفاوضات- لافتا إلى أن الرد المناسب على ذلك ينبغي أن يكون وقف المفاوضات فورًا، واتخاذ خطوات صارمة من قبل الدول العظمى[89].

وقد تبادلت كل من إيران وإسرائيل خلال الفترة الأخيرة رسائل عسكرية تحذيرية متبادلة. ففي الوقت الذي أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية أن اللجنة المالية في الكنيست صادقت على ميزانية دفاع إضافية بقيمة تسعة مليارات شيكل (نحو 2.9 مليار دولار) لدعم جهود أجهزة الأمن في تحييد “مخاطر” البرنامج النووي الإيراني، قامت إيران بإجراء مناورات عسكرية كما سبقت الإشارة؛ استهدفت تحذير تل أبيب “حال ارتكابها أي حماقة” حسب تصريحات المسئولين الإيرانيين[90]. ولا ينتظر في اللحظة الراهنة أن يكون لإسرائيل دور جذري، إلا إذا تمادت إيران في الاستجابة للاستفزازات على نحو يضعف موقفها والموقف الأوروبي في المفاوضات.

وبشأن روسيا والصين: فإن روسيا والصين -كقوى ذات سياساتٍ متصادمة مع السياسات الأمريكية ومساندة للموقف الإيراني في الملف النووي- استهجنت الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، وندِّدت بالعقوبات المفروضة على إيران، وباقترانها بالمساعي الدبلوماسية الإيرانية سعت الأطراف الثلاثة لاستمالة الدول الأوروبية نحو مواقف أكثر معارضة لقرارات “ترامب” الأُحادية[91]. لكن هل استطاعت الدولتان التجاوز عن ملفات الخلاف والتنافس مع أوروبا لإنجاز حل للأزمة الإيرانية؟

فعليًّا لم تأت سياسات الدولتين داعمة للسياسة الأوروبية، على سبيل المثال فإن الدعم الروسي والصيني لإيران كثيرًا ما جعلها لا تأبه بمسارات التفاوض ومنحها ثقة في القدرة على مواجهة العقوبات، فالاتفاقية الاستراتيجية الإيرانية مع الصين وفرت لإيران القدرة على تحدي حظر تصدير النفط والحصول على مساعدات مهمة، وكذلك فعل الروس فى تقوية الصمود الإيرانى سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا[92].. مثلا كشف مسؤول إيراني خلال الفترة الأخيرة عن موافقة الحكومة الروسية على منح قرض حكومي بقيمة خمسة مليارات يورو لتمويل المشاريع الاقتصادية في بلاده[93]. تجدر الإشارة أيضًا إلى الانضمام الإيراني لمنظمة شنغهاي، والملاحظ على المستوى الاقتصادي ضعف علاقات إيران الاقتصاديّة مع دول المنظمة باستثناء الصين، بل إنَّ بعض الدول كالهند وباكستان حلفاء للولايات المتحدة التي لا تزال تحتفظ بسلطة العقوبات على إيران، وتفرض على العديد من الدول الالتزام بذلك. من ثم يبدو أنَّ موافقة الدول المؤثّرة في منظمة شنغهاي، كروسيا والصين لانضمام إيران، يأتي في إطار التنافس الحادّ بين الأقطاب الدوليّة المؤثّرة في الشؤون الدوليّة والإقليميّة[94].

وتتمادى طهران في ذلك الاتجاه في الوقت الراهن، خاصة في ظل مقولة رئيسي الشهيرة إنها: لن ترهن اقتصادها لنتيجة المفاوضات النووية الجارية في فيينا، وإنها تريد حلا جذريًّا للقضايا الخلافية واتفاقًا مستدامًا يضع حدًّا للضغوط الغربية على إيران. طهران تفضّل التوجه شرقًا، ولا سيما في ظل ما وصفه بـ”عدم وفاء الدول الغربية بتعهداتها في الاتفاق النووي وانسحاب الإدارة الأمريكية السابقة منه”[95]. ولنتناول كل من الصين وروسيا بشكل منفصل:

الصين وموقع الملف الإيراني من تنافسها مع أوروبا، تعد الصين منافسًا قويًا لأوروبا، وقد كشفت قمَّة «الناتو» الثامنة والعشرين لعام 2021 عن تهديد جديد للحلف، يتمثَّل في بروز الصين ونفوذها على الساحة الدولية[96]. ويعد الملف الإيراني واحدًا من أهم الملفات الذي تساوم بها الصين الغرب، ومن مؤشرات الدعم الصيني لإيران ما نُشر مؤخرًا من مسودة اتفاقية تحت عنوان “برنامج التعاون الشامل بين جمهورية الصين الشعبية وجمهورية إيران الإسلامية”، وتشمل هذه المذكرة -التي تم عرض إطارها الأولي منذ يناير 2016- التعاون في مجال النفط والطاقة وتطوير البنى التحتية وغير ذلك[97]. وقد شددت لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني على ضرورة عدم الكشف عن تفاصيل الاتفاق الإيراني الصيني وفقا للمصلحة الوطنية[98]. ولا شك أن ذلك له تأثيرات سلبية بالنسبة لمفاوضات فيينا.

أما بالنسبة إلى روسيا في ظل المواجهات الراهنة مع أوروبا، فحتى -وإن كان من مصلحة روسيا على المدى الطويل إنجاز الاتفاق؛ وهو هدف أوروبي بالطبع- إلا أن موسكو أيضًا تستخدم المفاوضات للمساومة في ملفاتها الخلافية مع أوروبا والغرب عامة. ومن مظاهر تلك العرقلة: الإيعاز إلى “باقري كني” خلال زيارة إلى موسكو في 29 أكتوبر 2021، التي وصل إليها آتياً من بروكسل، عبر رفع سقف توقعاته من الشريك الروسي، الإيعاز له برفض عرض أوروبي للتسوية وتقريب وجهات النظر عبر عقد لقاء بين إيران ودول الترويكا الأوروبية الشريكة في الاتفاق النووي (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا)[99].

وتأتي المحطة الأهم محطة الحرب الروسية على أوكرانيا؛ حيث إنه بعد الوصول إلى مرحلة لا بأس بها في المفاوضات مع إيران إذا بروسيا تفجر الأوضاع عبر شن حرب على أوكرانيا، فضلا عن شروطها التي طرحتها فيما يتصل بالمفاوضات النووية. علمًا بأن هذه الحرب لها وجهان فيما يخص أمر إيران: الوجه الأول يجعلنا نفترض أن الحرب في أوكرانيا جعلت الانتهاء من أزمة الاتفاق النووي أمرا ملحًّا لحاجة السوق العالمية للنفط الإيراني بعد رفع العقوبات عن إيران. وعلى الجانب الآخر، فإنه ليس سهلا تنفيذ الاتفاق إذا لم تكن الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا على درجة معقولة من التوافق أو إذا كانت روسيا خارج الاتفاق وتلعب دورا سلبيا –على نحو ما أشير- فماذا إذا اشتعلت الحرب!

أهمية الموقف الروسي تكمن في أنه كان من المتفق عليه سابقًا منح روسيا دورًا مهمًّا في ضبط النشاط النووي الإيراني؛ نظرا للعلاقات القوية التي تربط روسيا وإيران كما أن تطبيق الاتفاق يحتاج إلى الخبرة التقنية الروسية المطلوبة لتخزين اليورانيوم الإيراني المخصب وفق ما نص عليه الاتفاق[100]. قهل تستطيع أوروبا إيجاد البديل؟[101]، هذا جانب. على جانب آخر، اتخذت روسيا خطوات من شأنها تعطيل الاتفاق؛ حيث طالبت بضمان تجارتها الحرة مع إيران كشرط لاستمرار مشاركتها في المفاوضات، بمجرد أن ترفع الولايات المتحدة عقوباتها على إيران؛ وذلك كجزء من الحل التفاوضي في فيينا[102].

ونظراً لأن روسيا تخضع لعقوبات اقتصادية وتجارية غربية، والتي يُرجح أن يتم تمديدها أكثر من تخفيفها؛ بسبب حربها على أوكرانيا، فقد تم رفض طلب موسكو، وحينها أعلن مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل” توقف المفاوضات بسبب “عوامل خارجية”[103]. كما حذرت ألمانيا وبريطانيا وفرنسا من أن التفاوض مع إيران بشأن إحياء الاتفاق النووي قد ينهار بسبب المطالب الروسية[104]. وحضت الولايات المتحدة إيران وروسيا على اتخاذ “قرارات” ضرورية للتوصل سريعًا إلى تفاهم بشأن الاتفاق، معتبرة أن الكرة باتت في ملعبهما لتجاوز المأزق[105].

وبسبب ذلك، سافر وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان” إلى موسكو 15 مارس 2022، وقد صرح: “لن تكون هناك على الإطلاق صلة بين التطورات في أوكرانيا ومحادثات فيينا”[106]، ولكن لا شك أن ذلك التصريح غير واقعي. ذلك علمًا بأن موسكو أعلنت في هذه الأثناء تلقيها الضمانات المطلوبة من واشنطن بأن العقوبات التي تستهدفها بسبب أوكرانيا لن تشمل تعاونها مع طهران؛ الأمر الذي فُسر بأنه حاولة لرفع عقبة أمام إعادة إطلاق الاتفاق النووي الإيراني[107].

أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن التطورات في الشرق الأوسط والسياسة الأمريكية بشأنها في ظل إدارة “بايدن” تكشف أن هناك قواعد جديدة للعبة في التعامل مع إيران، أبرز ملامحها أن الخيار العسكري ليس هو الخيار المُفضَّل لدى الولايات المتحدة الأمريكية كبديل لفشل الاتفاق، وذلك لأن المواجهة مع إيران ستكون بمثابة تورط جديد لها في المنطقة، ولا تعني الجاهزية لهذا الخيار رغبتها فيه[108].

خاتمة:

تبقى لنا أن نتوقف أمام سيناريوهات المستقبل القريب المحتملة أو المتوقعة، وإشكالات الدور الأوروبي في إدارة الأزمة النووية الإيرانية.

  • سيناريوهات المستقبل القريب

وفق ما سبق تناوله، جاءت أبرز السيناريوهات حول مستقبل محادثات فيينا التي تحرص القوى الأوروبية على استكمالها بنجاح على هذا النحو:

  • سيناريو نجاح المحادثات، ومما يدعم هذا الاتجاه أن إيران في حاجة شديدة إلى مثل هذا الاتفاق، خاصة لجهة احتواء أزمتها الاقتصادية المتفاقمة والتي انعكست بشكل قوي على مجمل المستويات الأخرى، لاسيما المستوى الاجتماعي[109]. في مقابل ذلك، فإن هذه الصفقة تعني بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية إطالة الأمد الزمني الذي تحتاجه إيران للوصول إلى مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية[110]. وبالتأكيد سيكون لذلك النجاح نتائج إيجابية سياسيًّا واقتصاديًّا بالنسبة لأوروبا.
  • أما السيناريو الآخر فيتمثل في فشل المفاوضات، حيث ربما تؤدي الخلافات المتراكمة بين القوى المعنية فضلاً عن غياب الثقة، إلى الفشل على نحو سوف يدفع كل طرف إلى التفكير في خيارات أخرى. فمن ناحية إيران، قد لا تنحصر هذه الخيارات في البرنامج النووي، وإنما ستمتد، في الغالب، إلى الملفات الأخرى، على غرار إجراء مزيد من التطوير في برنامجها الصاروخي، فضلاً عن الإمعان في التدخل في الأزمات الإقليمية[111].

ومن تداعيات ذلك بالنسبة لأوروبا، أن تأخير التوقيع والمصادقة على الاتفاق النووي يعني تأخير دخول النفط الإيراني إلى الأسواق بطاقة مليوني برميل يوميا فيزيد الضغط في أوروبا على إمدادات النفط الحالية بعد وقف الإمدادات الروسية وارتفاع أسعار خاماته فتتفاقم أزمة أوروبا[112]، ولا شك أن ذلك سوف يؤثر على مكانة أوروبا على الصعيد العالمي.

  • إشكالات الدور الأوروبي في إدارة الأزمة النووية الإيرانية:

وبناءً على ما سبق أيضا، يمكن بلورة أهم الإشكالات التي تعرقل الدور الأوروبي في إنجاز المحادثات النووية فيما يلي:

  • إشكالات تتعلق بالاتحاد الأوروبي ذاته:

* الدافع الاقتصادي لتأسيس الاتحاد الأوروبي يمنع الاتحاد من أن يصبح قوَّةً مستقِلَّةً على المسرح الدولي، ليس لنقص الإمكانات، بل لغياب الإرادة السياسية؛ إذ لا تُجمِع دولُ الاتحاد الأوروبي على رؤية جيوسياسية واحدة. على سبيل المثال يقوم المشروع الفرنسي على دعم السيادة الأوروبية، بينما بعض الأطراف الفاعلة الأوروبية تعتبر الكيان الأوروبي جزءًا من النظام الاقتصادي الدولي القائم على القواعد الأمريكية[113].

* يرتبط بما سبق الافتقار إلى سياسة خارجية قوية جامعة للدول الأوروبية؛ فباستثناء القوى البارزة فيها، فإن بقية الدول لا تولي الأمر أهمية لأنها مقتنعة بوجود مستويين من الحماية يتمثلان في الحماية الاقتصادية الأوروبية والحماية العسكرية الأمريكية[114].

* الصعوبات التي تكتنف عملية اتخاذ القرار نتيجة حالة السيولة التي تشوب الساحة السياسية الأوروبية بسبب التحولات الناتجة عن ظاهرة الهجرة والتهديدات الإرهابية التي تعتبر أحد المصادر الرئيسية لظهور الأحزاب القومية الشعبوية التي تهدف إلى إعادة تشكيل وصياغة المشهد السياسي العام في أرجاء القارة الأوروبية كافة، وربما قد تؤدي إلى تقويض ركائز الديمقراطية الليبرالية في أوروبا[115].

  • إشكالات تتعلق بالإدارة الأوروبية لأزمة الاتفاق النووي:

* إن الدور الأوروبي يعجز عن الانتقال من الوسيط عن بعد إلى الوسيط الفاعل والمباشر والقوي، الذي يستطيع أن يحصل على مساحة حركة حقيقية في التفاوض، وليس فقط المشاركة على الهامش، فالجانب الأوروبي له تصوراته، ولديه خبرات الممتدة في التعامل مع الجانب الإيراني؛ وهو ما يتيح له مساحات من الانتقال والتفاعل الجاذب والمباشر؛ وهو ما يدركه الجانبان الأمريكي والإيراني، ومع ذلك لا يسعيان إلى ترك الترويكا لفرض خياراتها[116].

* منحت أوروبا إيران فرصةً بإعادة إحياء الاتفاق النووي دون حسم حقيقي لقضايا الخلاف، وتركتها لمفاوضاتٍ متابعة، وهو الخطأ نفسه الذي حدث أثناء المفاوضات النووية في عام 2015، وذلك مثل المشروف الإقليمي وملف الصواريخ البالستية[117].

– إشكالات تتصل بالتوازن بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة:

* الضعف النسبي الأوروبي مقابل الولايات المتحدة، خاصة في مجال الدفاع، ففي عام 1997 أنفقت بريطانيا 2.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، بينما مؤخرًا أضحى لا يصل هذا الإنفاق إلا إلى 2 في المائة وبريطانيا واحدة من القوتين العسكريتين الرئيسيتين في أوروبا تليها فرنسا[118]. وذلك يؤثر في أي سعي لأوروبا لتأسيس نفوذ ومساحة خاصّة بها لدى إيران وفي الشرق الأوسط ككُل، بعيدًا عن المظلة الأمريكية.

* الانقسام في التصورات بين الاتّحاد الأوروبي والولايات المتّحدة، والذي هو نتيجة وجهات نظر مختلفة للسياسات الإيرانية السابقة للانسحاب الأمريكي من خطّة العمل الشاملة المشتركة. وفيما مال الاتّحاد الأوروبي إلى التغاضي في كثير من الأحيان إزاء سياسات إيران، عمدت الولايات المتّحدة تحت إدارة “ترامب” إلى تشويه صورتها، كما كان الحال في خلال إدارة جورج “بوش الابن”[119].

هذه أزمات هيكلية، بل على مستوى الرؤية والتفاعلات أيضًا، يعانيها الاتحاد الأوروبي وقواه المؤثرة، لا ئؤثر فقط على أدائه في الشأن النووي الإيراني، وإنما مجمل الملفات التي يضطلع فيها بدور.

[1] د.محمد مطاوع، السياسات الأمريکية– الأوروبية تجاه الاتفاق النووى الإيرانى: الإدراکات والتفسيرات، مجلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية –جامعة القاهرة، المجلد 21، العدد 4، أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/GGYrP

[2] المرجع السابق.

[3] د.علاء رزاك النجار، سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه تطورات الملف النووي الإيراني 2015- 2019، مدارات إيرانية، المركز الديمقراطي العربي، العدد 10، المجلد 3، ديسمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي:https://cutt.us/E3rn2

[4] أوروبا تتفق على إحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن، dw، 13 يناير 2006، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/nKxnz

[5] د.علاء رزاك النجار، سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه تطورات الملف النووي الإيراني 2015- 2019، مرجع سابق،  ص185.

[6] أوروبا تشدد العقوبات ضد إيران، الإمارات اليوم، 21 يوليو 2010، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/O0KhZ

[7] الاتحاد الأوروبي وإيران، وزارة أوروبا والشئون الخارجية- فرنسا، 22 يونيو 2015، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/igKlZ

[8] محمد مطاوع، السياسات الأمريکية – الأوروبية تجاه الاتفاق النووى الإيرانى: الإدراکات والتفسيرات، مرجع سابق.

[9] المرجع السابق.

[10] الاتحاد الأوروبي وإيران، مرجع سابق.

[11] سام منسي، حماة إيران وارتباك المقاربات الغربية، الشرق الأوسط، 5 أبريل 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/9fukO

[12] محمد مطاوع، السياسات الأمريکية– الأوروبية تجاه الاتفاق النووي الإيراني، مرجع سابق.

[13] “كورنيليوس أديباهر”ركيزة مستقبلية: الدور الأوروبي في الاتفاق النووي الإيراني، عرض: منى مصطفى، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 13 فبراير 2016، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/jhhxm

– انظر النص الأصلي:

Cornelius Adebahr, “The Linchpin to the Iran Deal’s Future: Europe”, The Washington Quarterly, Vol.38, No.4 (Washington: The Elliott School of International Affairs, Winter 2016), pp. 115-131.

[14] علي فتح الله، أوروبا ومستقبل سياستها إزاء إيران: التعامل مع أزمة ثنائية، معهد بروكنجز، 22 أكتوبر 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/YaK13

[15] مستقبل «الناتو» ومشروع «الاستقلال الإستراتيجي» الأوروبي، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 3 نوفمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/LjLh3

[16] سليمان حسين الوادعي، الأطراف الأوروبية والاتفاق النووي مع إيران: تراجع الأهمِّية واحتمالات المستقبل، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 11 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/9dSRs

[17] المرجع السابق.

[18] الاتحاد الأوروبي وإيران، مرجع سابق.

[19] سليمان حسين الوادعي، الأطراف الأوروبية والاتفاق النووي مع إيران، مرجع سابق.

[20] علي فتح الله، أوروبا ومستقبل سياستها إزاء إيران: التعامل مع أزمة ثنائية، مرجع سابق.

[21] سليمان حسين الوادعي، الأطراف الأوروبية والاتفاق النووي مع إيران، مرجع سابق.

[22] صفقات تجارية ضخمة بين أوروبا وإيران مهددة بسبب العقوبات الأمريكية، بي بي سي عربي، 12 مايو 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/hS6AY

[23] ارتفاع حجم الواردات الأوروبية من إيران بنسبة 29٪، روسيا اليوم، 19 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://n9.cl/4vnjd

[24] علي فتح الله، أوروبا ومستقبل سياستها إزاء إيران: التعامل مع أزمة ثنائية، مرجع سابق.

[25] المرجع السابق.

[26] المرشد الإيراني يطرح شروطه على أوروبا للبقاء في الاتفاق النووي، العربي الجديد، 23 مايو 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/ThIw6

[27] القوى الأوروبية والملف الإيراني.. عجز في مواجهة أمريكا، أخبار الخليج، ١٠ يوليو ٢٠١٩، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/xd3mG

[28] انظر الآتي:

  • محمد مطاوع، السياسات الأمريکية– الأوروبية تجاه الاتفاق النووي الإيراني، مرجع سابق.

– The “New” Iran E.O. and the “New” EU Blocking Statute – Navigating the Divide for International Business, gibsondunn, 9 August 2018, available at: https://2u.pw/YnXV2

وکان هذا هو التشريع الذي کان قد استخدمه الاتحاد الأوروبي في التسعينيات عندما تعرضت مصالح شرکاته لأضرار نتيجة العقوبات الأمريکية الأحادية المفروضة على کوبا فى تلك الفترة.

[29] ما هي الآلية المالية الأوروبية للتجارة مع إيران؟، العربي الجديد، 13 مارس 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/7hqg9

[30] سليمان حسين الوادعي، الأطراف الأوروبية والاتفاق النووي مع إيران، مرجع سابق.

[31] د.أيمن سمير، إيران والاستدارة الأوروبية الكاملة.. أسباب وتداعيات، العين الإخبارية، 12 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/yn72m

[32] المرجع السابق.

[33] سليمان حسين الوادعي، الأطراف الأوروبية والاتفاق النووي مع إيران، مرجع سابق.

[34] محمد مطاوع، السياسات الأمريکية– الأوروبية تجاه الاتفاق النووي الإيراني، مرجع سابق.

[35] كيف انتفض الأوروبيون في وجه العقوبات الأمريكية ضد إيران، dw، 25 سبتمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/zSuhV

[36] سليمان حسين الوادعي، الأطراف الأوروبية والاتفاق النووي مع إيران، مرجع سابق.

[37] مايكل يونغ، ماذا يعني أن تفعّل الدول الأوروبية آلية فضّ النزاع في الاتفاق النووي مع إيران؟، مركز مالكوم كير –كارنيجي للشرق الأوسط، 23 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/Kejg7

[38] سليمان حسين الوادعي، الأطراف الأوروبية والاتفاق النووي مع إيران، مرجع سابق.

[39] انعكاسات التصعيد: هل تتراجع العلاقات الإيرانية- الأوروبية في عهد بايدن؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة 24 يناير 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/eTcZB

[40] علي فتح الله، أوروبا ومستقبل سياستها إزاء إيران: التعامل مع أزمة ثنائية، مرجع سابق.

[41] هايدي صبري، السر وراء الحماس الأمريكي لمواجهة إيران مقارنة بأوروبا؟، العين الإخبارية، 2 يناير 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/YLcLp

[42] د.محمد عباس ناجي، المواقف الأوروبية من الاحتجاجات الإيرانية… محاولة للفهم، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 11 يناير 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/QEymz

[43] إن العلاقات بين إيران وبريطانيا سبق أن قُطعت في عام 2011 عقب اقتحام مجموعة من الإيرانيين للسفارة البريطانية في طهران في 29 نوفمبر من ذلك العام، بعد أن وجهت إيران اتهامات لبريطانيا بدعم الجهود الدولية لفرض عقوبات عليها بسبب أزمة ملفها النووي، قبل أن تعيد الدولتان العلاقات الدبلوماسية بينهما مرة أخرى في 23 أغسطس 2015، عقب توقيع الاتفاق النووي.

[44] د.محمد عباس ناجي، المواقف الأوروبية من الاحتجاجات الإيرانية… محاولة للفهم، مرجع سابق.

[45] د.أيمن سمير، إيران والاستدارة الأوروبية الكاملة.. أسباب وتداعيات، مرجع سابق.

[46] احتجاز ناقلة نفط إيراني متجهة لسوريا في جبل طارق، العين الإخبارية، 4 يوليو 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/GMGyE

[47] علي فتح الله، أوروبا ومستقبل سياستها إزاء إيران: التعامل مع أزمة ثنائية، مرجع سابق.

[48] سليمان حسين الوادعي، الأطراف الأوروبية والاتفاق النووي مع إيران، مرجع سابق.

[49] الحرس الثوري الإيراني: نجاح إطلاق أول قمر صناعي عسكري، بي بي سي عربي، 22 أبريل 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/RlySF

[50] إطلاق إيران صاروخًا يحمل قمرًا صناعيًّا.. الأهمية والدلالات، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 26 أبريل 2020، متاح عبر الرابط التالي:  https://2u.pw/Du7Q1

[51] علي فتح الله، أوروبا ومستقبل سياستها إزاء إيران: التعامل مع أزمة ثنائية، مرجع سابق.

[52] د.أيمن سمير، إيران والاستدارة الأوروبية الكاملة.. أسباب وتداعيات، مرجع سابق.

[53] سليمان حسين الوادعي، الأطراف الأوروبية والاتفاق النووي مع إيران، مرجع سابق.

[54] د. طارق فهمي، أوروبا بين التردد الأمريكي والمراوغة الإيرانية، العين الإخبارية، 25 فبراير 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/IyK4I

[55] د.أيمن سمير، إيران والاستدارة الأوروبية الكاملة.. أسباب وتداعيات، مرجع سابق.

[56] المرجع السابق.

[57] انعكاسات التصعيد: هل تتراجع العلاقات الإيرانية- الأوروبية في عهد بايدن؟، مرجع سابق.

[58] سليمان حسين الوادعي، الأطراف الأوروبية والاتفاق النووي مع إيران، مرجع سابق.

[59] انعكاسات التصعيد: هل تتراجع العلاقات الإيرانية- الأوروبية في عهد بايدن؟، مرجع سابق.

[60] انظر الآتي:

– فرنسا وإيران: التسوية التي لا تقبل المساومة، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 17 نوفمبر 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/hb3Hz

– إيران ترفض دعوة الرئيس ماكرون لإجراء محادثات حول صواريخها الباليستية، مونت كارلو الدولية، 12 نوفمبر 2017، متاح عبر الرابط التالي:  https://2u.pw/Y88PU

[61] فرنسا وإيران: التسوية التي لا تقبل المساومة، مرجع سابق.

[62] محمد بن صقر السلمي، أوروبا ورئيسي المؤتمنُ على إرث الثورة، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 6 يوليو 2021، متاح عبر الرابط التالي:  https://2u.pw/rwFsr

[63] فرزين نديمي، المجابهة الصاروخية الإيرانية: تهديداتٌ محتملة على أوروبا والخليج، معهد واشنطن، 29 مارس 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/JXJCQ

[64] العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإيران، مرجع سابق.

[65] تداعيات عقوبات الاتحاد الأوروبي على إيران وسط استمرار محادثات فيينا، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 4 مايو 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/bOn35

[66] تقارير: الحكومة الألمانية تفرض عقوبات جديدة على إيران، dw، 21 يناير 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/Y3KYZ

[67] دعوات أوروبية لمحاسبة ظريف عن تورط سفارات إيران في «الإرهاب»، الشرق الأوسط، 29 يناير 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/X4XeU

[68] الاتفاق النووي الإيراني: ما الذي يريده اللاعبون الأساسيون من محادثات فيينا؟، بي بي سي، 29 نوفمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/mpLI7

[69] المرجع السابق.

[70] حسن فحص، إيران والبحث عن ضمانات أوروبية قبل الأميركية، 12 نوفمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/hb4Xl

[71] مفاوضات فيينا النووية: حسابات واشنطن وطهران المتعارضة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 6 ديسمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/dzg27

[72] الاتفاق النووي الإيراني: ما الذي يريده اللاعبون الأساسيون من محادثات فيينا؟، مرجع سابق.

[73] د. محمد السعيد إدريس، محادثات فيينا النووية وتحديات المشروع الإيرانى، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 15 يناير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/T9eBd

[74] فيينا.. ماذا دار في الأيام الخمسة وما الذي ينتظر إيران؟، سكاي نيوز عربية، 5 ديسمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/aLvRH

[75] د. محمد السعيد إدريس، محادثات فيينا النووية وتحديات المشروع الإيرانى، مرجع سابق.

[76] “موقف مدمر للمفاوضات”.. القوى الأوروبية ترفض مقترحات إيرانية بشأن العودة للاتفاق النووي، الجزيرة، 4 ديسمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/CL8qn

[77] سلطات فرنسا: نقترب من إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني بسرعة، قناة النشرة، 14 ديسمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي:   https://cutt.us/CVIDl

[78] د. محمد السعيد إدريس، محادثات فيينا النووية وتحديات المشروع الإيرانى، مرجع سابق.

[79] مفاوضات فيينا.. تنازل الدول الأوروبية الثلاث عن مواقفها تجاه إيران، وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء، ۱۸ ‫دیسمبر ۲۰۲۱، متاح عبر الرابط التالي:   https://cutt.us/tM2xP

 [80] شروق صابر، مغزى التوقيت: رسائل صاروخية إيرانية عديدة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 1 يناير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/Zxu7z

[81] المرجع السابق.

[82] نتائج مفاوضات النووي على طاولة وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الحدث،21 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي:  https://2u.pw/43ADe

[83] وزير الخارجية الإيراني ليورونيوز: نقترب من عقد صفقة مع الغرب وملف تبادل المعتقلين مطروح، يورو نيوز، 22 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/S441V

[84] رغم مناورات روسيا.. الغرب وإيران نحو إعادة إحياء الاتفاق النووي!، dw، 21 مارس2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/R47hm

[85] رغم جهوزية نص الاتفاق.. ما العوامل الخارجية التي تعيق المفاوضات النووية بفيينا؟، الجزيرة، 12 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/tz32c

[86] د. محمد السعيد إدريس، محادثات فيينا النووية وتحديات المشروع الإيراني، مرجع سابق.

[87] المرجع السابق.

[88] كليمنت ثيرمي، العلاقات الفرنسية – الإيرانية في عهد رئيسي.. مسارٌ أكثر صِدامًا، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 20 أكتوبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/OQumm

 [89] فيينا.. ماذا دار في الأيام الخمسة وما الذي ينتظر إيران؟، مرجع سابق.

[90] شروق صابر، مغزى التوقيت: رسائل صاروخية إيرانية عديدة، مرجع سابق.

[91] لماذا الأوربيون حذرون في موقفهم من الاحتجاجات الإيرانية؟، dw، 3 يناير 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/8vSyz

[92] د. محمد السعيد إدريس، محادثات فيينا النووية وتحديات المشروع الإيرانى، مرجع سابق.

[93] لتجاوز الأزمة المالية.. هكذا توظف إيران الأموال الروسية للنهوض باقتصادها، الجزيرة، 10 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/DimXw

[94] إيران ومنظمة شنغهاي: مزايا الانضمام وحدود الحركة، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 29 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/fO30w

[95] الغموض یلفه.. الطاقة والاستثمار أبرز بنود الاتفاق الإيراني الصيني، الجزيرة نت، 17 يناير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/64Fzx

[96] مستقبل «الناتو» ومشروع «الاستقلال الإستراتيجي» الأوروبي، مرجع سابق.

[97] الاتفاق الصيني الإيراني بين الترحيب والرفض.. هل تتحقق أهدافه؟، الجزيرة نت، 31 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/dNDGW

[98] انظر حول التعاون الصيني – الإيراني:

– الغموض یلفه.. الطاقة والاستثمار أبرز بنود الاتفاق الإيراني الصيني، مرجع سابق.

– محمود البازي، التوجه شرقًا أستراتيجية إيران الجديدة… دراسة تحليلية نقدية لاتفاقية التعاون المشترك بين الصين وإيران، مدارات إيرانية، المركز الديمقراطي العربي، العدد 10، مجلد 3، ديسممبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/cIvMV

[99] حسن فحص، إيران والبحث عن ضمانات أوروبية قبل الأميركية، مرجع سابق.

[100] ألفرد عصفور، تداعيات حرب أوكرانيا على مستقبل الاتفاق النووي الإيراني، أخبار الآن، 16 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/zdgqo

[101]  بعد تفاقم صعوبات مفاوضات نووي إيران.. خبراء يتحدثون عن سيناريوهاتها المحتملة، الجزيرة، 15 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/1xAmE

[102] رغم مناورات روسيا.. الغرب وإيران نحو إعادة إحياء الاتفاق النووي!، مرجع سابق.

[103] توقف المفاوضات.. وعصا روسيا والصين في عجلة “فيينا”.. ودفاع خامنئي عن “دور إيران الإقليمي”، إيران إنترناشونال، 12 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/37Os0

[104] رغم مناورات روسيا.. الغرب وإيران نحو إعادة إحياء الاتفاق النووي!، مرجع سابق.

[105] بسبب المطالب الروسية.. دول أوروبية تحذر من انهيار الاتفاق النووي المتوقع مع طهران واتصال بين وزيري خارجية قطر وإيران، الجزيرة، 12 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/KtS2d

[106] رغم مناورات روسيا.. الغرب وإيران نحو إعادة إحياء الاتفاق النووي!، مرجع سابق.

[107]  موسكو تتلقى ضمانات من واشنطن في شأن “النووي الإيراني”، إندبندنت عربية، 15 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/bFlhf

[108]  د. محمد عباس ناجى، أحمد عليبة، مسارات رئيسية ثلاثة لمفاوضات فيينا النووية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 30 نوفمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/HmB8E

[109] المرجع السابق.

[110] المرجع السابق.

[111]فيينا.. ماذا دار في الأيام الخمسة وما الذي ينتظر إيران؟، سكاي نيوز عربية، مرجع سابق.

[112] ألفرد عصفور، تداعيات حرب أوكرانيا على مستقبل الاتفاق النووي الإيراني، مرجع سابق.

[113] مستقبل «الناتو» ومشروع «الاستقلال الإستراتيجي» الأوروبي، مرجع سابق.

[114] القوى الأوروبية والملف الإيراني.. عجز في مواجهة أمريكا، مرجع سابق.

[115] رمزي عز الدين رمزي، سبعة تحديات تواجه الدور الأوروبي، الشرق الأوسط، 7 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي:    https://cutt.us/f853v

[116] د. طارق فهمي، أوروبا بين التردد الأمريكي والمراوغة الإيرانية، مرجع سابق.

[117] محمد بن صقر السلمي، أوروبا ورئيسي المؤتمنُ على إرث الثورة، مرجع سابق.

[118] القوى الأوروبية والملف الإيراني.. عجز في مواجهة أمريكا، مرجع سابق.

[119] علي فتح الله، أوروبا ومستقبل سياستها إزاء إيران: التعامل مع أزمة ثنائية، مرجع سابق.

 

فصلية قضايا ونظرات – العدد الخامس والعشرون ـ أبريل 2022

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى