المأساة/الملحمة الفلسطينية الجارية لم تبدأ في 7 أكتوبر

ملخص ذاكرة ومسار الصراع منذ 1948

أولا- ثلاثة أسئلة بين يدي المأساة/الملحمة

  • ماذا فعل هابيل ليقتله قابيل أو قايين؟ هذا سؤال غاية في الأهمية.

وبناء عليه، ماذا فعل الفلسطينيون العرب لكي تحتل بريطانيا أرضهم ثم تسلمها إلى يهود أوروبا لكي يقيموا فيها دولة لهم؟ ماذا فعل الفلسطينيون حتى يحاربهم اليهود القادمون من أوروبا ويطردوهم من منازلهم وقراهم ويذبحون من يصمد منهم؟ ماذا فعل من بقي في فلسطين من أهلها حتى تغتصب إسرائيل بيوتهم ومزارعهم وأراضيهم وتعطيها لأغراب قادمين من الخارج باسم “الاستيطان”؟ وبأي حق تجتاح القوات الإسرائيلية باحات المسجد الأقصى يوميًا وتحمي تعديات هؤلاء المستوطنين (الذين توحشوا في السنوات الأخيرة) على مسجد إسلامي محض، له عند كل المسلمين عبر العالم شأن كبير؟

  • وماذا يُنتظر من هابيل إذا لم يكن قد قتلته ضربة أخيه؟ هذا هو السؤال الثاني.

فماذا يُتوقع من الفلسطينيين  بعد نحو 100 عام من الاعتداء عليهم ليل نهار، و75 عاما من الاحتلال؟ و56 سنة من السجن الكبير؟ وعشرات السنين من المهانة واغتصاب الحياة وقتل الشباب والأطفال والنساء؟ ماذا يُنتظر منهم؟

  • هل بدأت القصة فعلاً يوم 7 أكتوبر 2023؟ هذا هو السؤال المحوري.

المؤكد من كل طريق أنه لا، ثم لا ثم لا. لم تبدأ المأساة الراهنة يوم 7 أكتوبر، وإن لها ذاكرة.. ذاكرة طويلة مشحونة بالتفاصيل المهمة، ذاكرة لها دلالاتها. لقد كان هناك أو هنا في فلسطين: تاريخ، وأرض، وبشر، وعلاقات، وتفاعلات، … لقد كانت هنا حياة وأحداث!!

ثانيا- موجز مسار الصراع العربي الإسرائيلي

في البدء كان العرب في فلسطين.

  • ثم أكد وجودهم وملكيتهم لفلسطين ظهور الإسلام ودخول العرب والمنطقة كلها في الإسلام. ولمدة ألفي سنة متصلة لم ينازع أحد في عروبة هذه الأرض؛ لا في زمن الإغريق ولا الرومان، ولا زمن الروم البيزنطيين، فضلاً عن ألف وخمسمائة عام من الاستقرار الإسلامي.
  • في القرنين الحادي عشر والثاني عشر ميلاديا، احتل الصليبيون فلسطين، ثم أخرجهم المسلمون بعد قرنين من المقاومة وحروب التحرير. ثم هجم المغول في القرن الثالث عشر على فلسطين، بعد أن دمروا نصف العالم (الشرق)، لكنهم هزموا في فلسطين (في عين جالوت)، ولم يحتلوها.
  • وظلت فلسطين أرض العرب والمسلمين، ويعيش فيها مسيحيون ويهود بأمان وسلام عام، عبر ألف وخمسمائة سنة تقريبًا.
  • حتى جاء الاحتلال الأوروبي في القرن التاسع عشر إلى المنطقة، وكانت فلسطين ولاية تابعة للدولة الإسلامية الشاملة: الخلافة العثمانية. واحتلت بريطانيا أرض فلسطين أثناء الحرب العالمية الأولى 1914، وأقامت عليها نظامًا استعماريًا مؤقتًا باسم (الانتداب) نيابة عن عصبة الأمم (1919-1939).
  • أثناء الاحتلال البريطاني بدأت خطة توطين يهود أوروبا في فلسطين، ووعدت بريطانيا الرأسماليين اليهود بمنح يهود أوروبا وطنا قوميًا لهم (في فلسطين): وعد بلفور 1917.
  • وبالفعل بدأت الحركة الصهيونية في دفع وحفز يهود شرق أوروبا للهجرة إلى أرض فلسطين، التي كان يقطنها أجداد الفلسطينيين الحاليين. كان 96% من سكان فلسطين من العرب المسلمين.
  • وعبر ثلاثين سنة (1917-1947)، انتقلت عصابات يهودية إلى فلسطين، وتم تسليحها بأسلحة حديثة وكثيرة من قبل الدول الغربية (بريطانيا والولايات المتحدة وغيرهما). وأثناء الحرب العالمية الثانية ومع اضطهاد هتلر ليهود ألمانيا نفخت الصهيونية في الأمر وصنعت أسطورة (الهولوكوست) لكسب تعاطف العالم، ودفع مئات الألوف من اليهود إلى فلسطين.
  • تم إشعال حرب على العرب واقتراف الكثير من المذابح لتهجير الفلسطينيين من قراهم ومدنهم؛ ليحل محلهم اليهود في بيوتهم وقراهم. وفي 15 مايو 1948 تم إعلان قيام دولة إسرائيل (لم تكن موجودة من قبل). ونتيجة ألعاب دولية هزم العرب أمام العصابات اليهودية في حرب عام 1948، وبدأ اعتراف القوى الغربية بدولة إسرائيل.
  • رفض العرب –الفلسطينيون وإخوانهم في العروبة- سياسة فرض الأمر الواقع، ومشروعات تقسيم أرضهم بينهم وبين اليهود منذ 1937، و1947، واختاروا المقاومة ضد الاحتلال اليهودي، حتى هاجمت إسرائيل بقية الأراضي العربية في فلسطين 1967، واستولت على فلسطين كلها، وعلى أراض من مصر وسوريا (سيناء والجولان). وبعد ست سنوات وفي عام 1973، هاجمت مصر وسوريا إسرائيل واستطاعتا هزيمتها؛ ومن ثم استرجاع مصر لأرض سيناء بعد مفاوضات. وظلت كل أرض فلسطين تحت يد الإسرائيليين، بالإضافة إلى الجولان السوري حتى اليوم.
  • استمر الفلسطينيون في المقاومة والكفاح المسلح من أجل استرداد أرضهم كلها. ثم تراجع الفلسطينيون ورضوا بإقامة دولتهم على الأرض التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وتنازلوا عن أرضهم التاريخية (اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية الممثل المعترف به للشعب الفلسطيني بإسرائيل بحدودها عام 1948، ورضوا بالسلام في مقابل أرضهم التي احتلت عام 1967، وهذا ما سيعرف باتفاق أوسلو 1993).

ثالثا- موجز الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في الحقبة الأخيرة(1993- 2023):

ثلاثون سنة من العدوان المتصاعد والمستمر من إسرائيل على الفلسطينيين…

ماذا جرى منذ أوسلو ولماذا تجمدت عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين؟ هذا هو سؤال ما قبل 7 أكتوبر:

من أوسلو بدأت الجولة الأخيرة المستمرة لمدة ثلاثين عامًا. نقطة البدء الواقعية هي ما بعد أوسلو.

من المهم لأي منصف أو راغب في الإنصاف أن يراجع جيدا ويفهم تطورات هذه الحقبة الأخيرة من الصراع العربي/الفلسطيني مع إسرائيل لمعرفة مكمن المشكلة، ومنبع الصراع، ومفجر الأزمة الراهنة…

  • فعقب إيلام وإيذاء متبادل من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وشعور متبادل بالعجز عن الخروج من دوامة العنف والعنف المضاد (خاصة عبر انتفاضة الشعب الفلسطيني الأولى المسماة انتفاضة أطفال الحجارة 1987-1990)، اختارت قيادة إسرائيل (إسحاق شامير، إسحاق رابين – شيمون بيريز-…)، وقيادة فلسطين (ياسر عرفات حركة فتح ومعظم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية) اللجوء إلى عملية سلمية تحت عنوان (الأرض/الفلسطينية مقابل السلام/مع إسرائيل). وبدأت مفاوضات ثنائية إسرائيلية–فلسطينية منذ 1991، توصلت إلى خطة لإقامة سلطة فلسطينية على الأرض المتبقية من فلسطين وحجمها نحو 22.5% من أرض فلسطين؛ وهي أرض مقطعة بين الضفة الغربية وفيها (القدس)، وقطاع غزة، على أن يحصل عليها الفلسطينيون بالتدريج.
  • في 4/5/ 1994 تم توقيع (اتفاق القاهرة) لإقامة حكم ذاتي فلسطيني محدود في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال (5) سنوات؛ تبدأ بانسحاب إسرائيل فوريا وجزئيا من (أريحا) في الضفة، وجزئيا من قطاع غزة خلال (3) أسابيع من تاريخ التوقيع.
  • تم عمل بروتوكولات لتنظيم العلاقات /والسياسة الاقتصادية للحكم الذاتي (بروتوكول باريس)، والسياسة الأمنية (إنشاء قوات الشرطة المدنية الفلسطينية). وكانت هذه السياسات تضع الاقتصاد والأمن الفلسطيني ضمن الاقتصاد والأمن الإسرائيلي.
  • تم تقسيم الضفة إلى ثلاث مناطق (أ، ب، ج)؛ منطقة (أ) خالصة للفلسطينيين هي الأصغر، ومنطقة (ب) متوسطة السيطرة، ومنطقة (ج) تحت سيطرة إسرائيل تخضع لمفاوضات مؤجلة.
  • تلكأت إسرائيل في تسليم الأرض وماطلت وواصلت الاستيطان والاعتداءات اليومية على الفلسطينيين بالقتل والاعتقال، فقامت الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 -2001، وشيدت إسرائيل جدارًا عازلاً أكل الكثير من أرض 1967 لصالح إسرائيل، واستمرت سجالات السلام –اللاسلام، حتى توفي عرفات نوفمبر 2004.
  • مع الوقت، وتجدد الاشتباكات، قررت إسرائيل الانسحاب (أحاديا؛ أي قرار من غير اتفاق) من قطاع غزة 2005، حيث كانت تريد أن تكون غزة مجالاً لصراع فلسطيني–فلسطيني، خاصة بعد صعود التيار الإسلامي (أي حماس) فيها، ومنافسته للتيار القومي (حركة فتح)، وانسحبت إسرائيل فعلاً 2005 من غزة مع استمرار سيطرتها على الأجواء والبحر والمعابر الحدودية المحيطة بغزة؛ أي وضعها تحت حصار كامل.
  • وبالفعل بدأ التنافس بين حماس وفتح، وعقدت انتخابات لتكوين حكومة فلسطينية منتخبة وفازت فيها حماس 2006، وجرى تشكيل حكومة وطنية بقيادة إسماعيل هنية؛ فظهر رفض دولي لهذه الحكومة، وحجب الأموال عن السلطة (عوائد الضرائب / والمساعدات الخارجية)؛ بدعوى أن حركة حماس لا تعترف بإسرائيل، ولا تقبل بالتخلي عن الكفاح المسلح، ولا تتقيد باتفاقيات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. وفعلا وقع الصراع الفلسطيني-الفلسطيني 2007، في نفس العام الذي عقد فيه مؤتمر (أنابوليس) في الولايات المتحدة واعتمد (حل الدولتين) نوفمبر 2007.
  • من 2008 حتى الآن يتواصل الصراع بين حماس والفصائل الفلسطينية في غزة في جهة، وإسرائيل في الجهة الأخرى، مع دوامة اعتداءات يومية متصاعدة على المواطنين الفلسطينيين في الضفة وعلى بيوتهم وأراضيهم ومسجهم الأقصى، في ظل انقسام فلسطيني-فلسطيني، وموقف عربي غير مرحب بحركة حماس، وفشل محاولات عديدة للمصالحة الفلسطينية، وتجمد تام لما يسمى عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية.
  • تظل القضية المركزية هي تراجع إسرائيل عن عملية السلام، وتجميدها لكل الحلول وللمراحل المتفق عليها، وإصرارها على مواصلة سياسة الاستيطان، واغتصاب الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وخاصة في القدس (الشرقية)، وتهويد القدس، وتصاعد الاعتداءات اليومية من قطعان المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين والتضييق عليهم؛ ما أدى إلى مواجهات بين المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة وقوات إسرائيل في جولات عديدة.
  • اتسع الصراع مع عموم الفلسطينيين مع استمرار وتصاعد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي العدوانية، وجرت جولات بين مقاومة غزة ومقاومة الضفة من جهة، والإسرائيليين من جهة أخرى في أعوام 2008/ 2009، 2012، 2014، 2018، 2021 حتى هذه الجولة القائمة والمختلفة التي بدأت 7 أكتوبر 2023؛ حيث سبقها مباشرة تغول إسرائيل على القدس والأقصى وعلى أهل الضفة، واستمرار الحصار المظلم على قطاع غزة، وتوقف مسار قضية التحرر والاستقلال وحل الدولتين؛ ما يستوجب إحياء لها، وتجديدا لفعل المقاومة وجولات تحرير فلسطين.

ومن هنا جاء يوم 7 أكتوبر، وحلت الكارثة القائمة اليوم!!

والخلاصة أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين واستمرار ممارساته العدوانية بحق الشعب وحرياته، وبحق أرضه وحياته، وبحق دينه ومقدساته… كان يجب أن يصنع:

يوم 7 أكتوبر 2023!!

الذي يعد بداية لجولة جديدة ومختلفة من هذا الصراع الطويل،

والممتد من لدن قابيل وروحه الإجرامية،

إلى حركات المقاومة التي ترفض أن تستسلم لمنطق الظلم والإجرام والعدوان!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى