العلاقة الخاصة: كيف يرتِّب الاتحاد الأوروبي علاقته مع الولايات المتحدة الأمريكية؟

مقدمة:

لا يخفى على كافَّة المحلِّلين أن هناك علاقة غاية في الخصوصية على الساحة الدولية فيما بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. فالطرفان يُشكِّلان معًا جُلَّ ركائز الكتلة الغربية وحضارتها، والتي لم تزل تغذيها أطرٌ أيديولوجية وقِيمية واحدة؛ حيث الحياة الليبرالية، باقتصادها الرأسمالي، ونظمها السياسية الديمقراطية، ونزعاتها التحرُّرية، بل ويدعمها منظورٌ أمنيٌ موحَّد يتم الارتكان إليه في حال طرأت معطياتٌ معيَّنة. ولعلَّه قد أضحى من البديهيات أن التحالف الأوروبي/الأمريكي الذي ترسَّخ على إثر انقضاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945 كان هو التحالف الأبرز الذي هيمن على السياسة العالمية منذئذٍ؛ إذ كانت كلمته هي العليا في تحديد شكل النظام العالمي خلال مرحلة ما بعد الحرب، وكذا في إرساء قواعد المؤسسات الدولية التي انطوى عليها، كما شكَّل ذلك التحالف القوة الدافعة التي روَّجت لمبادئ الأيديولوجية الليبرالية على الساحة العالمية، بالتوازي مع تقهقر خصومه، وعلى رأسهم الاتحاد السوفيتي الذي باء بالانهيار في عام 1991، عقب حربٍ باردة استمرَّت زهاء خمسة عقود.

والواقع أن هذه المسيرة الحافلة بالانتصارات قد أثبتت صدق ما يمكن لذلك التحالف الأوروبي/الأمريكي تحقيقه انبثاقًا ممَّا وصفه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق وينستون تشرشل، في خطابه الشهير الذي ألقاه بمدينة فولتون الأمريكية في مارس 1946، بـ”العلاقة الخاصة”[1]، للدلالة على متانة العلاقات البريطانية/الأمريكية، وأهمية الاستمرار في توطيدها لمواجهة التحديات الدولية المختلفة، ذلك الوصف الذي ما لبث أن انسحب على مجمل العلاقات الأوروبية/الأمريكية[2]. ومع ذلك، لم يكن تاريخ هذه العلاقات القوية سالمًا من التباينات فيما بين أطرافها؛ إذ اعترتها خلافاتٌ إزاء عددٍ من القضايا الرئيسية؛ لعلَّ أبرزها العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وغزو العراق عام 2003، وصولًا إلى أشدها وطأة إبَّان عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي أثارت توجُّهاته تحركات أوروبية مشوبة بالتحدِّي، ما فجَّر العديد من التساؤلات، ليس فقط عمَّا إذا كان هناك تراجع في “خصوصية” العلاقات الأوروبية/ الأمريكية، بل وعمَّا إذا كان قد حان انهيار التحالف القائم عليها بالكلية.

وعلى الرغم من حالة الزخم الإيجابية التي شهدتها العلاقات عبر الأطلسي، عقب مغادرة ترامب البيت الأبيض في يناير 2021؛ بفضل حرص الرئيس الجديد جو بايدن على أهمية تعزيزها في سياق صراع بلاده الآخذ في التنامي مع كلٍّ من القوتَين الروسية والصينية، فضلًا عمَّا أسهمت به الأزمة الروسية/الأوكرانية مؤخَّرًا من استعادة قدر كبير من “خصوصية” تلك العلاقات مرةً أخرى.

ومع ذلك، فإنه لا تزال تحوم شكوك كثيرة بشأن مستقبل تلك العلاقات، لا سيَّما في ظل ما يُجمِع عليه المراقبون من أن الساحة الدولية تشهد حاليًّا بزوغ نظام دولي جديد تنتهي فيه القطبية الأحادية، بما لذلك من تداعيات على وضع الولايات المتحدة، ومن ثمَّ حليفها الأوروبي التقليدي، الذي لم يزل مفتقِدًا القدرة على تحقيق الاستقلال في قراره الاستراتيجي، ناهيك عن ضمان الانسجام فيما بين أعضائه، بما يجعل الاتحاد بلا ريب على مفترق طرق صعب ذي خياراتٍ أصعب، في بيئة دولية جديدة لا زالت قسماتها النهائية غير معروفة.

في هذا السياق، تسعى هذه الورقة إلى الوقوف على الكيفية التي يرتِّب بها الاتحاد الأوروبي علاقته مع الولايات المتحدة الأمريكية. وفي سبيل ذلك، تعرض الورقة بإيجاز إلى أسس العلاقة ومقوِّماتها، ثم التحديات التي ألْقت بظلالها عليها، لاسيَّما التي أحدثتها إدارة ترامب، والتي كان لها بالغ الأثر على الجانب الأوروبي ورؤيته، ومن ثمَّ علاقته بالجانب الأمريكي، ثم تتطرَّق إلى فترة ما بعد ترامب، والأزمة الأوكرانية؛ ارتباطًا بدورها في مخاض النظام الدولي الراهن من ناحية، وفي رأب الصدع الغربي من ناحيةٍ أخرى، ثم تعرض أخيرًا لمجموعة استخلاصات بشأن مسألة البحث، ولآفاق العلاقات الأوروبية/ الأمريكية المستقبلية.

أولًا- العلاقة الأوروبية / الأمريكية الخاصة: أسسٌ ومقوِّمات

تاريخيًّا، تعود العلاقات الأوروبية/الأمريكية إلى ما قبل إعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن الإمبراطورية البريطانية في عام 1776، وذلك عبر التفاعلات التي انخرط فيها المستوطنون الأوروبيون لعقودٍ مع سكان أمريكا الأصليين. الأمر الذي أدّى -بشكلٍ أو بآخر- إلى ظهور مشاعر مشتركة، تُكلِّلها الهوية والقِيَم الموحَّدة عبر ضفَّتي الأطلسي. ولقد لعب انخراط الولايات المتحدة ومسارعتها إلى نجدة أوروبا إبَّان الحربَيْن العالميَّتَيْن خلال القرن الماضي دورًا كبيرًا في تعزيز ذلك المنحى، لا سيَّما وأن ضحايا الجنود الأمريكيين في الحرب الثانية كان أقل قليلًا من ضحايا المملكة المتحدة التي اندلعت الحرب على تخومها[3]. الأمر الذي حدا بـ”وينستون تشرشل” إلى نحْت مصطلح “العلاقة الخاصة” لتوصيف الرابطة بين الولايات المتحدة وبريطانيا على نحو ما سلف بيانه، والذي أخذ يتَّسع رويدًا رويدًا لوصف العلاقات الأوروبية/الأمريكية وطبيعتها إجمالًا.

لقد شكَّلت خصوصية تلك العلاقات إحدى الركائز الأساسية التي ساهمت في تشكيل النظام العالمي إبَّان مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك ما أثبتته من فاعلية خلال الحرب الباردة بين القوَّتَيْن الأمريكية والسوفييتية. ولا يخفى أن تلك العلاقات قد شهدتْ آنذاك نوعًا من التوثيق والتكامل على مستوى كلي بين طرفَيْها؛ مدفوعةً بالتهديدات الأمنية والاستراتيجية التي فرضها الخصم السوفييتي وأتباعه إزاء الكتلة الغربية عمومًا، وأيضًا بحاجة الطرف الأوروبي المُلحَّة في استعادة قوته وتعزيز موارده التي أنهكتها الحرب، بالاعتماد على القوة الأمريكية التي لم تنَل مجريات الحرب كثيرًا من اقتصادها. إذ لاحت في هذا السياق عدة مشروعات هيكلية تدفع قدمًا نحو تعزيز المنظومة الغربية ككل، كان من أبرزها “مشروع مارشال” المُعلَن في عام 1947؛ بهدف إنعاش اقتصادات أوروبا المُدمَّرة وإعادة إعمارها؛ وكذا تأسيس حلف شمال الأطلسي “NATO” في عام 1949، بمشاركة الولايات المتحدة وكندا وعددٍ من بلدان أوروبا، من بينها المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا ولوكسمبورج وهولندا والنرويج؛ بغية تعزيز الأمن الجماعي الغربي لردع أي تهديد توسُّعي من قِبَل الاتحاد السوفيتي في القارة الأوروبية.

على أنه قد ساد الاعتقاد خلال تلك الفترة بأن هناك حالة من تقسيم الأدوار فيما بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين؛ إذ اضطلعت الأولى بقيادة العالم الغربي اقتصاديًّا وسياسيًّا واستراتيجيًّا، فيما تقبَّل الطرف الأوروبي التسليم بالتفوُّق أو الهيمنة الأمريكية، بالنظر إلى قدرتها على لعب دور القطب الغربي الذي بإمكانه إحداث نوع من توازن القوى على الساحة الدولية، بما يتضمَّنه ذلك من التصدِّي للتهديدات الجيوستراتيجية الخطيرة التي تهدِّد أمن العالم الغربي إجمالًا. الأمر الذي أسفر بدوره عن انحسارٍ تدريجي لنفوذ القوى الأوروبية على الساحة الدولية، والذي أخذ يتضاءل بالفعل نتيجة فقدانها لمستعمراتها في العالم النامي، بما حدَّ من قدرتها على الوصول إلى مواردها واستغلالها على النحو الذي كان عليه الحال قبْلًا[4].

وبناءً على ما سبق، يمكن القول إن العلاقات الأوروبية/ الأمريكية الخاصة قد وجدت ركائزها في ثلاثة مُقوِّمات رئيسية: الأول: الروابط الحضارية والثقافية التي تجمع طرفَي الأطلسي معًا، والتي يمكن التعبير عنها بمنظومة الحياة الواحدة التي تميِّز بنيان العلاقات عبر الأطلسي عن كثيرٍ غيره في البيئة الدولية. الثاني: المصلحة المشتركة في تعزيز المنظومة الغربية مقابل القوى المعادية لها، والتي سعت أوروبا في سياقها إلى تأمين وجودها ومصالحها، بدعمٍ ورعاية من القوة الأمريكية العظمى. الثالث: حقيقة “الاختراق الأمريكي” للساحة الأوروبية، باعتبارها عمقًا استراتيجيًّا لواشنطن على الصعيد العالمي، وهي الحقيقة التي فرضتها طبيعة تقاسم الأدوار المذكورة سلفًا، والتي وعتها البلدان الأوروبية جيدًا[5].

ثانيًا- العلاقة الخاصة وسط تباين الأهداف وتواتر التحديات

في مقالٍ له في مطلع القرن الجاري، أشار المندوب الدائم الأسبق للولايات المتحدة لدى حلف شمال الأطلسي “Ivo H. Daalder” إلى أن الولايات المتحدة لم تكن راغبة في الواقع في تقاسم المسؤولية مع أوروبا بقدر ما كانت مُصِرَّة على تفوق الحلف الذي تهيمن عليه في المسائل الأمنية الأوروبية؛ بغية ضمان استمرار سيطرتها على كلٍّ من الحلف وأوروبا. هذا فيما كانت الأخيرة غير راغبة في التخلُّص من اعتمادها على واشنطن، ولم يزل يعتريها القلق بشأن الاحتمال المزدوج المتمثل في: التخلِّي الأمريكي عنها أو تعاظم الهيمنة الأمريكية إزائها. ومع ذلك، أشار الكونجرس الأمريكي في تصويتٍ أجراه في ربيع عام 2000 إلى أنه يجب على أوروبا ألا تنظر إلى المشاركة الأمريكية العسكرية والاقتصادية طويلة الأجل كأمرٍ مُسلَّم به[6].

في الواقع، ومنذ تسعينات القرن الماضي شهدت العلاقة عددًا من التطورات التي أثرت سلبًا نسبيًّا على تصورات كلٍّ من الطرفَيْن تجاه الآخر، فيما عزَّزت المنحى الأمريكي الذي أشار إليه “Daalder”، فلقد أضحت الولايات المتحدة القطب الأوحد المهيمن على الساحة الدولية عقب انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة لصالحها فى عام 1991، وقد سعت للحفاظ على مكانتها الرفيعة تلك، وضمان هيمنتها على المناطق الاستراتيجية في العالم، وتأمين احتياجاتها من موارد الطاقة في آنٍ واحد، إلى تبنِّي نهج عدائي دائم ذي دعاوى متنوعة مثل مكافحة الإرهاب والاستبداد ودعم الحريات وتعزيز السلم والأمن الدوليين؛ لمحاولة تبرير تصرفاتها ومنحها الشرعية داخل وخارج أراضيها[7]، إذ احتلت واشنطن أفغانستان والعراق في عامَي 2001 و2003 على التوالي، وقادت قوات حلف شمال الأطلسي في كوسوفو من قبل في عام 1999، في أكبر وأشمل عملية جوية تقودها في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كما دعمت الثورات الملوَّنة في دول فضاء الكومنولث الروسي في جورجيا (2003) وأوكرانيا (2004) وقيرغيزستان (2005)، فيما واصلت تقديم دعمها لتايوان وهونج كونج ضد الصين، هذا بخلاف استفزازاتها لكلٍّ من إيران وكوريا الشمالية، ارتباطًا بملفيْهما النوويَّيْن، رغم مهادنتها لكلٍّ من الهند وباكستان وصمتها التام عن البرنامج النووي الإسرائيلي، بما أدَّى إلى خروج بيونج يانج من معاهدة منع الانتشار النووي في عام 2003، فيما نَحَت هي وطهران إلى تبنِّي برنامج نووي عسكري[8].

ولقد تسبَّبت سياسة واشنطن تلك في انتشار بؤر التوتر على الصعيد العالمي وتعزيز فرص استدامتها، بما تضمَّنته من كشفٍ لازدواجية المعايير الأمريكية، فضلًا عن دفعها كلًّا من الصين وروسيا تحديدًا، المعنيَّتَيْن بأغلب خطوات واشنطن الاستراتيجية؛ باعتبارهما قوتين محتملتين تنافسانها عالميًّا، إلى تعزيز تعاونهما معًا في عددٍ من الأطر الأمنية والاقتصادية متعدِّدة الأطراف؛ إذ انخرطتا في تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون، النافذ ميثاقها في سبتمبر 2003، لتوطيد الأمن ومحاربة الانفصالية على أراضي أعضائها[9]؛ وكذا مجموعة “BRICS” في عام 2006، والتي أطلقت في عام 2014 مبادرتَيْن لإنشاء “بنك التنمية الجديد” و”صندوق ترتيب احتياطي الوحدات” العالميَّيْن؛ في محاولةٍ لمناوئة وتقويض الكيانات التي تسيطر عليها واشنطن، كحلف شمال الأطلسي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية والبنك الدولي وغيرها[10].

هذا إلى جانب تدخُّل موسكو عسكريًّا في جورجيا في عام 2008، وانتزاعها القرم من أوكرانيا في عام 2014، فيما واصلت بكين تأكيد حقوقها في بحر الصين الجنوبي، وطرحت في عام 2013 مبادرة “الحزام والطريق” التي تُعَدُّ إحدى أكبر مبادرات القرن الجاري، والتي يشارك فيها أكثر من 60 دولة من آسيا وأفريقيا، وحتى أوروبا[11].

في ذلك السياق المعقَّد، لم يكن موقف البلدان الأوروبية أقل تعقيدًا. فمن جهة، كانت الأخيرة قد حقَّقت تقدُّمًا كبيرًا في التقارب والاندماج، بنفاذ معاهدة ماستريخت المؤسِّسة للاتحاد في عام 1993، وهي المعاهدة التي وجَّهت كذلك باتخاذ الآليات اللازمة لتبنِّي سياسة أوروبية خارجية وأمنية مشتركة، بما يساعد على تعزيز قدرة الكيان الأوروبي على العمل المستقل في المجال الأمني والدفاعي، وكذا بغية التغلب على هواجس تخلي واشنطن عنه أو تعزيز هيمنتها عليه، وهو تطور نظرت إليه الأخيرة بعين الريبة[12]، حتى قامت بإحداث أحد أكبر اختراقاتها في هذا الصدد إبَّان غزو العراق الذي أقنعت فيه واشنطن بعض دول الاتحاد، مثل بريطانيا وإسبانيا وإيطاليا والدنمارك، للوقوف إلى جانبها، فيما عارضته بشدَّة كلٌّ من ألمانيا وفرنسا، بصورة أظهرت مدى هشاشة السياسة الخارجية الموحَّدة للاتحاد، وبُعْد مسيرته تجاه تحقيق الاستقلالية فيها[13].

من جهةٍ ثانية، أخذت التباينات تتراكم فيما بين الجانبين بشأن الرؤى والأولويات؛ فبينما كان اهتمام واشنطن منصبًّا على تعزيز هيمنتها العالمية على النحو المذكور سلفًا، جذبت قضايا العولمة والهجرة واليد العاملة والمناخ وحقوق الإنسان واحترام القانون الدولي، وكذا التعاون متعدِّد الأطراف وحل النزاعات في إطار الأمم المتحدة، الاهتمامَ الأوروبي[14]. وفي هذا السياق، يُشار إلى أن مساعي واشنطن قد قضتْ على العديد من آمال الاتحاد بشأن تلك القضايا، بما في ذلك تأليب الأوضاع ضد اثنتَيْن في غاية الأهمية بالنسبة له؛ أي روسيا بعمقها الاستراتيجي والجيوسياسي ذي الأهمية الخاصة لضمان أمن أوروبا الشرقي ومصدرها الرئيسي للغاز؛ والصين وسوقها الضخم واقتصادها العملاق الصاعد، والتي شرع الاتحاد في عقد قمم منتظمة معها منذ عام 1998، حتى بلغت مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة في عام 2003، لتصبح بكين ثاني أكبر شريك تجاري لأوروبا في عام 2009، فيما كانت الأخيرة أكبر شريك تجاري للأولى[15].

ولربما يُفهَم من استراتيجيات واشنطن إزاء كلٍّ من موسكو وبكين أنها تتضمَّن عنصرًا أساسيًّا يقضي بضمان تبعية الاتحاد الأوروبي للولايات المتحدة دون غيرها، استراتيجيًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا، هذا في الوقت الذي يُعقِّد من موقف الاتحاد وتفاعلاته على الساحة الدولية، لكونه محسوبًا حصرًا على واشنطن، وهو ما يصبُّ في صالح الأخيرة مباشرةً.

بيد أن شروخًا عدَّة قد نالت من علاقة الطرفَيْن فور حلول ترامب على البيت الأبيض في يناير 2017، والذي فرض بسياساته البراجماتية المحضة تحدياتٍ حقيقية ومُلِحَّة أمام الاتحاد الأوروبي وبلدانه، إلى الحدِّ الذي قرَّر فيه الأخير عدم إدراج الولايات المتحدة في قائمة الدول المُعفاة من حظر السفر إليه في عام 2020، في سياق إجراءات مواجهة وباء Covid-19، في حين وَضَع الصين، التي انخرطت واشنطن في حربٍ تجارية معها منذ مارس 2018، ضمن هذه القائمة[16].

فلقد كان ترامب، بتوجُّهاته الانعزالية وشعاره “أمريكا أولًا”، غير واثق في المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة ووكالاتها وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي[17]، وذلك على عكس الأخير الذي اعتبر تقوية تلك المؤسسات تشكِّل خطوة متقدِّمة توافقت القوى الأوروبية على تبنِّيها لخلق معسكر قوي ضد واشنطن، بينما تعتمد هذه القوى في تأمين نفقاتها العسكرية والاستراتيجية والاقتصادية لنموِّها على واشنطن ذاتها، وهو ما عدَّه نوعًا من الخيانة لبلاده؛ لتكون إدارته هي الأولى التي تنظر إلى الاتحاد كـ “عدو”، أو على أقل تقدير كـ “خصم”، منذ نشوء علاقة التحالف “الخاصة” بين ضفتَي الأطلسي منذ الحرب العالمية الثانية[18]، ولهذا السبب، سعى ترامب إلى تقويض الاتحاد ومحاولة تفكيكه، مُستغِلاَ الظرف الحرِج الذي يمر به الأخير من أزمات الهجرة واللجوء وتصاعد التنظيمات الشعبوية والمتطرفة التي يناهض بعضها الاتحاد علانيةً… إلخ.

فلقد أيَّد ترامب بقوة استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد في عام 2016، وصرَّح مستشاره للأمن القومي الأمريكي “جون بولتون”، في مايو 2019، بأن بلاده ترى في خروج بريطانيا وسيلة لتقوية حلف شمال الأطلسي وجعله أكثر فاعلية[19]، كما سعت إدارته جاهدةً إلى مضايقة الاتحاد في إطار ما تبنَّته من إجراءاتٍ تجارية حمائية متشدِّدة، بالنظر إلى العجز الهائل الذي شهده الميزان التجاري الأمريكي مع أوروبا، والمُقدَّر بأكثر من 151 مليار دولار لصالح الأخيرة، وذلك مع استهداف قوتَي الاتحاد الرئيسيتَيْن ألمانيا وفرنسا[20]. ففي مارس 2018، فرضت الإدارة الأمريكية رسومًا جمركية عقابية بنسبة 25٪ على واردات الصلب و10٪ على واردات الألومنيوم من ألمانيا والاتحاد الأوروبي[21]. ثم عاودت الكرَّة في مارس 2020، عبر فرض رسومٍ إضافية بنسبة 15٪ على طائرات “إيرباص” التي يتم تصنيعها في أوروبا، إلى جانب 25٪ على منتجات الاتحاد الأوروبي من النبيذ والأجبان وزيت الزيتون، والتي للصادرات الفرنسية ميزة نسبية فيها[22].

هذا فضلًا عن قرار ترامب بسحب نحو 12 ألف جنديًّا أمريكيًّا من ألمانيا وإعادة نشر بعضهم فى دولٍ أوروبية أخرى، من بينها بلجيكا وإيطاليا، في خطوة أضْفت مزيدًا من التوترات فيما بين القوة الاقتصادية الأوروبية الأولى والولايات المتحدة، وذلك بالطبع إلى جانب مطالباته المتكرِّرة لبرلين برفع إنفاقها الدفاعي في حلف شمال الأطلسي إلى 2٪ من ناتجها المحلي الإجمالي، في سياق انتقاداته الصريحة للدول الأوروبية على عدم إسهامها المنصف في ميزانية الحلف[23].

وعلى الصعيد الدولي، انسحب ترامب من اتفاقية باريس الدولية للمناخ في يونيو 2017، والتي كانت ثمرة جهود ضخمة قام بها سلفه باراك أوباما والاتحاد الأوروبي، نتج عنها توقيع جُلِّ دول العالم عليها في عام 2015. كما قرَّر في ديسمبر 2017 الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ونقل مقر السفارة الأمريكية إليها، في خطوةٍ عدَّها الاتحاد الأوروبي “ضربة لعملية السلام”، لتزيد سوءًا بقطع تمويل واشنطن لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (UNRWA) في أغسطس 2018[24]. هذا فضلًا عن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني في مايو 2018، وإعادته فرض العقوبات على طهران، مُقوِّضًا بذلك محادثاتٍ مُضنِية استمرَّت لسنوات، ومُهدِّدًا كذلك الصفقات الضخمة التي سرعان ما انخرطت فيها شركات أوروبية عملاقة مثل “إيرباص” و”توتال” و”بيجو” وفولكسفاجن” مع الجانب الإيراني عقب توقيع الاتفاق في عام 2015[25]. يُضَاف إلى ما سبق قرارُ ترامب النافذ في نوفمبر 2020 بشأن الانسحاب من معاهدة “الأجواء المفتوحة” المُبرَمَة في عام 1992بين روسيا والولايات المتحدة و32 دولة أخرى، معظمها منضوية في حلف الأطلسي، وذلك رغم الاستعداء الأمريكي لموسكو، ما أثار حدة الهواجس لدى بلدان الاتحاد، لا سيما الشرقية منها المتخوِّفة من الجارة الروسية، كبولندا ودول البلطيق الثلاث[1].

في الواقع، لم تكن الرسائل التي حملتها شخصية ترامب وقراراته مُحيِّرة للأوروبيين بقدر وضوحها الجليِّ؛  حيث بدا أنه يجب على الأوروبيين تقديم ضريبة “منفعة” للولايات المتحدة جرَّاء خدماتها الدفاعية بالأساس، والانصياع لإرادتها، وإلا فليتولَّوا زمام شؤونهم بأنفسهم، ولكن مع مراعاة التعقيدات الضخمة التي فرضتها إدارته على المستويَيْن البيني والدولي.

ومن ثمَّ، فقد شرع الاتحاد مبكرًا بمحاولة تأمين مصالحه في سياقٍ مستقل يشوبه التحدِّي لواشنطن، ففي نوفمبر 2017، وقَّعت 23 دولة من الاتحاد الأوروبي على وثيقة لإقامة “تعاون هيكلي دائم في الأمن والدفاع (PESCO)”، بما يؤسِّس لـ “اتحاد دفاعي أوروبي” مستقبلًا[2]، ولقد أكَّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضرورة تعزيز تلك الخطوة، وإنشاء “جيش أوروبي موحَّد” مهمَّته حماية أوروبا من “الصين وروسيا وحتى الولايات المتحدة”، داعيًا البلدان الأوروبية إلى أهمية “استخلاص العبر” و”التخلِّي عن السذاجة” في علاقاتها مع واشنطن، مقابل التحلِّي بـ “ذات الروح البراجماتية الأمريكية”[3]. كما أعلن الاتحاد في مايو 2018 عن تمسُّكه الكامل بالاتفاق النووي الإيراني، واتخاذ تدابير لحماية مصالح الشركات الأوروبية المتعاقدة مع طهران، من بينها تفعيل قانون شُرِّع في عام 1996 تلتزم الشركات الأوروبية بموجبه بعدم الامتثال للعقوبات الأمريكية[4].

في سياقٍ متَّصل، أعلن الاتحاد والصين التوصُّل إلى اتفاقية استثمار “تاريخية” في آخر ديسمبر 2020، من شأنها استبدال أكثر من عشرين معاهدة استثمار ثنائية بين دول الاتحاد كافة والصين، وفتح فرص ضخمة لشركات الطرفين في كثيرٍ من المجالات، كالنقل البحري والجوي والتمويل والحوسبة والأبحاث والسيارات والاتصالات، مع احترام الملكية الفكرية للشركات الأوروبية، وحظر عمليات النقل القسري للتكنولوجيا[5]. وعليه استطاعت بكين لأول مرة التفوق على واشنطن في علاقاتها التجارية مع الاتحاد؛ إذ أضحت شريكه التجاري الأول في عام 2020، بحجم استثمارات بلغ 586 مليار دولار[6].

حدث هذا بالتوازي مع انخفاض حجم التجارة الأوروبية/الأمريكية بنحو 61.1 مليار يورو في العام المذكور عن العام السابق عليه؛ إذ بلغ 555 مليار دولار، مقارنة بـ 616.1 مليار يورو خلال عام 2019[7]. من جهةٍ أخرى، وجد العدو الروسي الذي لطالما ناصبه ترامب العداء، نافذةً كبرى لتعزيز وجوده في قلب أوروبا؛ وذلك بإصرار برلين على إنشاء خط “Nord Stream II” لاستيراد الغاز الروسي؛ لتأمين احتياجاتها من الطاقة، رغم انتقاداتٍ أوروبية عديدة، وكذا رغم أنف الولايات المتحدة التي طمحت إلى زيادة غازها الصخري المُسال الذي يُصدَّر إلى أوروبا منذ عام 2016، والذي يفوقه الغاز الروسي بسعره المنخفض وقربه الجغرافي وسهولة نقله[8].

ثالثًا- رأب الصدع وعودة الزخم للعلاقات الأوروبية/الأمريكية

إبَّان مغادرة ترامب البيت الأبيض في يناير 2021، عقد مسؤولو الاتحاد الأوروبي آمالهم على الرئيس الجديد جو بايدن ليقوم بترميم التصدُّعات الضخمة التي أحدثها سلفُه في العلاقات الأوروبية/الأمريكية، وكذا في القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك، معوِّلين في ذلك على خبرته السياسية الطويلة وهضمه لأهمية العمل المؤسَّسي، بما يتضمَّنه ذلك من وجوب استعادة الثقة مع الحلفاء، والتخلِّي عن سمات عدم التنبُّؤ واللايقين التي طَغَتْ بشدَّة على تصرُّفات مَنْ سبقه. والواقع أن الطرفَيْن قد حقَّقَا الكثير في هذا الصدد؛ إذ تمَّ الاتفاق خلال القمة الأوروبية/الأمريكية المنعقدة في منتصف يونيو 2021 على إنشاء “مجلس مشترك للتجارة والتكنولوجيا”؛ بغية توسيع التجارة والاستثمار فيما بين “الحليفَيْن”، وكذا تعليق الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة حول الإعانات غير القانونية الممنوحة لشركتَي “إيرباص” و”بوينج” لصناعة الطائرات لمدة خمس سنوات، بما يضع حدًّا لخلافٍ استمر لمدة 17 عامًا[9]، كما تمَّ الاتفاق كذلك في أواخر أكتوبر 2021، على إلغاء الرسوم التي فرضتها إدارة ترامب سلفًا على الواردات الأوروبية من الصلب والألومنيوم، فيما تراجع الاتحاد عن تنفيذ إجراءات مضادَّة كان ينوي فرضَها إزاء منتجات أمريكية في ديسمبر من العام المذكور[10]. أضِف إلى ذلك اهتمام الإدارة الأمريكية بإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، والمبادرة في فبراير 2022 بإعادة العمل بإعفاءات ترتبط بالبرنامج النووي المدني للجمهورية الإسلامية، بما يعزِّز من أرضية التفاهم المشتركة بين الجانبَيْن الأوروبي والأمريكي[11].

وتجدر الإشارة إلى أن التقارب الذي أحدثه بايدن كان كفيلًا بإحداث تصدُّعاتٍ بديلة في علاقات الاتحاد مع بكين؛ إذ رفض البرلمان الأوروبي بأغلبية واسعة في مايو 2021 التصديق على اتفاقية الاستثمار “التاريخية” المُشَار إليها أعلاه؛ بدعوى أن الصين قد اعتدتْ على الحريات الأساسية حينما فرضت عقوباتٍ على برلمانيِّين ومواطنين أوروبيِّين في مارس 2021، وهي العقوبات التي جاءت ردًّا على عقوباتٍ أوروبية صدرت في ذات الحين بحق أربعة مسؤولين صينيِّين، على خلفية قمع أقلية الإيجور المسلمة بإقليم شينجيانج[12]. كما طرح الاتحاد في أول ديسمبر 2021 مبادرة “البوابة العالمية” للاستثمار في البنى التحتية عالية الجودة وفي قطاعات الصحة والتعليم والمناخ والرقمنة في جميع أنحاء العالم، عبر ضخِّ ما يصل إلى 300 مليار يورو حتى عام 2027، وهي مبادرة عُدَّتْ منذ طرحها منافسةً لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، رغم رفض مسؤولي الاتحاد ذلك الادِّعاء[13].

من جهةٍ أخرى، أفْضت التوتُّرات التي شهدتها الساحة الدولية بشأن أوكرانيا الراغبة في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، والتي تطوَّرت إلى حدِّ دخول القوات الروسية الأراضي الأوكرانية في 24 فبراير 2022، إلى إمداد العلاقات الأوروبية/الأمريكية بقدرٍ كبير من “الخصوصية” التي افتقدتها لسنوات؛ ذلك أن تلك الأزمة قد مثَّلت أكبر معضلة أمنية منذ انقضاء الحرب العالمية الثانية، بما تنطوي عليه من احتمالية الدخول في حرب باردة جديدة بين الشرق والغرب أو ربما حرب عالمية جديدة “نووية”، والتي ستكون أوروبا إحدى ساحاتها لا محالة. ومن ثمَّ، فإن وعي أوروبا بالمخاطر الأمنية والاستراتيجية المُحدِقة بها قد فرض عليها ضرورة تعزيز علاقتها مع حليفها الأمريكي الرئيسي على الساحة الدولية، بما في ذلك داخل حلف شمال الأطلسي، الذي أعلن أمينه العام Jens Stoltenberg عن نشر قوات الردِّ السريع التابعة للحلف، لأول مرة في تاريخه، في عددٍ من بلدان الحلف الشرقية والمجاورة لروسيا، تحسُّبًا لأي اعتداء روسي عليها[14].

فلقد فرض كلاهما عقوباتٍ مشتركة غير مسبوقة على روسيا، من أبرزها عقوباتٍ ضدَّ الرئيس بوتين ووزير خارجيته سيرجي لافروف، وتجميد أرصدة البنك المركزي الروسي وحظر التعامل معه، وإبعاد بعض البنوك الروسية عن نظام “SWIFT” الدولي للتحويلات المالية، وحظر بيع الطائرات ومعدَّاتها، وكذا تصدير العناصر ذات الاستخدام المزدوج مثل المواد الكيميائية أو الليزر إلى روسيا. كما قرَّرت واشنطن حظر النفط والغاز الروسي “بالتشاور الوثيق” مع “الحلفاء”، فيما تعهَّد الاتحاد الأوروبي بإنهاء اعتماده على واردات الغاز والنفط الروسيَّيْن بحلول عام 2030، وذلك رغم اعتماده على روسيا في حوالي 40٪ من الغاز ونحو 27٪ من النفط، بل وأعلن الاتحاد حظر الاستثمارات الأوروبية في قطاع الطاقة الروسي وصادرات السلع الكمالية وواردات منتجات الصلب، ما من شأنه التأثير على منتجات بقيمة 3.6 مليار دولار، هذا فيما تمَّ تجميد مشروع “Nord Stream II” الخاص بألمانيا[15].

رابعًا- استخلاصاتٌ وآفاقٌ مستقبلية

لعلَّ من بين النتائج المؤكَّدة التي يمكن بلوغها من السرد أعلاه، هو الإشارة إلى التبعية الأوروبية للولايات المتحدة الأمريكية، بغضِّ النظر عن مداها، أو أية تباينات قد تُوحِي بخلاف ذلك. وتلك التبعية مدارها الرئيسي هو “الافتقار الأوروبي الاستراتيجي للأمن”، والذي تعوِّضه الولايات المتحدة؛ بكونها القوة العظمى المهيمنة على الساحة الدولية، والروابط الحضارية والتاريخية التي تجمعها بالجانب الأوروبي. ومن ثمَّ، يمكن الادِّعاء بأن أية خلافات بينية قد تنشأ عن طبيعة القيادة الأمريكية وتأثيرها، أو الرغبة الأوروبية لممارسة نوعٍ ما من الاستقلالية الاستراتيجية، أو تلك الناشئة عن البيئة الدولية وتفاعلاتها، لاسيما فيما يتعلَّق بكلٍّ من روسيا والصين، أو أية مصالح قد تدفع الاتحاد إلى تبنِّي سياسات مناوئة ظاهريًّا لتوجُّهات واشنطن كلها لا تتجاوز الخط الأحمر الذي يفرضه ذلك المدار.

ولذلك الادِّعاء العديد من الشواهد المؤكِّدة له، من بينها مثلًا إصرار قادة الاتحاد حين التوصل إلى اتفاقية الاستثمار التاريخية مع بكين في ديسمبر 2020 على ألَّا تؤثر حال التصديق عليها على علاقة الاتحاد بواشنطن[16]، وأيضًا توقيع الاتحاد الأوروبي من قبلُ اتفاقًا بميزانية ضخمة في سبتمبر 2019 مع طوكيو، حليفة واشنطن وخصم بكين، للاستثمار في البنية التحتية وتعزيز الربط بين أوروبا وآسيا[17]، بما يُفهَم منه محاولة الاتحاد مناهضة التمدُّد الصيني على الساحة الدولية، وهو هدف يصبُّ مباشرةً في صالح واشنطن، التي كانت حينذاك تحت قيادة ترامب الذي “أهان” الاتحاد بسياساته. ولقد كانت التكتيكات الأوروبية تلك واضحة إلى حدِّ مطالبة الرئيس الصيني شي جين بينج الاتحادَ بـ “أن يلعب دورًا أكثر إيجابية في الشؤون العالمية، وأن يُظهِر استقلالًا استراتيجيًّا حقيقيًّا”، وذلك خلال القمة التي جمعته بقادة الاتحاد في يوليو 2021، بعد أسابيع قليلة من رفض البرلمان الأوروبي التصديق على اتفاقية الاستثمار المُشار إليها[18].

ولعلَّ من الدلائل القوية حاليًّا لدعم الادِّعاء أعلاه هو سعي الاتحاد الحثيث إلى حظر وارداته من الغاز والنفط الروسيَّيْن، رغم تشكيلهما جزءًا كبيرًا من العمود الفقري لطاقته، وذلك لأجل أوكرانيا؛ الدولة التي لا تحظى بعضوية الاتحاد ولا بعضوية حلف شمال الأطلسي، ما يدل على أن مصلحة الاتحاد في البقاء والرغبة في مواجهة التهديدات الأمنية الروسية، مُقدَّمة على ما دونها من المصالح، ما يعني بالتالي أن علاقة أوروبا بواشنطن مُقدَّمة على غيرها من العلاقات، ولا ريب أن تلك الأزمة قد أعادت التذكير بأن واشنطن هي الضامن الوحيد والنهائي لأمن الاتحاد على الصعيد العالمي، ناهيك عن دورها المباشر في إعادة إحياء الحلف الذي طالما سيطرت عليه الولايات المتحدة، وسيطرت من خلاله على أوروبا، وذلك بعد ازدياد الشكوك حول فاعليَّته أو أهميَّته فيما بعد انقضاء الحرب الباردة، ما يقتضي وجوب الانقياد الأوروبي لها.

في الواقع، تُدرِك واشنطن أهمية أوروبا جيدًا بالنسبة لها؛ إذ إن الأخيرة تمثِّل قوة ناعمة كبرى دبلوماسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا على الصعيد العالمي، بما في ذلك تمسُّكها الكبير بمبادىء حكم القانون واحترام حقوق الإنسان مقارنةً بغيرها، ومن ثمَّ فهي قوة موازِنة إلى حدٍّ كبير لخصوم الولايات المتحدة، والذين في صدارتهم روسيا، وكذا الصين التي تسعى إلى تعزيز قوتها الناعمة ونفوذها عالميًّا، عبر مبادراتها الاقتصادية الضخمة. بل وتلعب القوة الناعمة الأوروبية في ذات الوقت دورًا مُكمِّلًا لممارسات واشنطن الخشنة الهادفة إلى تأكيد هيمنتها عالميًّا، تلك الهيمنة التي تشمل بشكلٍ غير مباشر ضمان أمن حلفائها، الذين من بينهم وأهمِّهم الاتحاد الأوروبي، بما يعني أن المصالح البراجماتية المتبادلة تلعب دورًا كبيرًا في العلاقات الأوروبية/الأمريكية.

والواقع أن مسألة الاهتمام بحقوق الإنسان واحترام القانون توفِّر للاتحاد مساحةً لتدارُك مواقفه إذا بَرَزَ تناقضٌ ما بين رغبته في تحقيق مصالحه الخاصة وسبل الحفاظ على روابطه بواشنطن، وتكفي للدلالة على ذلك أن رفض البرلمان الأوروبي لاتفاقية الاستثمار مع الصين قد جاء على خلفية قمع بكين لأقلية الإيجور المسلمة، رغم أن ذلك القمع قد استمرَّ لسنواتٍ قبل التوصُّل حتى للاتفاقية في ديسمبر 2020، وكذا توقيع الاتحاد لعقوباتٍ على روسيا، على خلفية قضية المعارض الروسي ألكسي نافالني الذي يفضِّله الغرب على بوتين (2020/2021)، ومن قبله تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرجي سكريبال وابنته (2018)، إلى حدِّ طرد نحو 20 دولة بالاتحاد لعددٍ من الدبلوماسيِّين الروس، فيما انضمَّت إليها الولايات المتحدة. وذلك رغم الحاجة الأوروبية للطاقة ولسوق المنتجات الزراعية الذي توفِّره روسيا[19].

بالإضافة إلى ما سبق، فإن مسألة الاستقلال الاستراتيجي والدفاعي الأوروبي عن الولايات المتحدة لن يكون بوسعها هي الأخرى تجاوز الخط الأحمر المذكور سلفًا. فعلى الرغم من مصادقة الاتحاد على تشكيل قوة عسكرية قوامها 5 آلاف مقاتل، وتعهُّده بزيادة إنفاقه العسكري ليتمكَّن من تنفيذ التدخُّلات العسكرية بمفرده بحلول عام 2025[20]، أخذًا في الاعتبار ما كشف عنه ترامب سابقًا من تحدياتٍ أمام أوروبا، بل وحتى الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان في أغسطس 2021 دون أية مشاورات مع أوروبا أو إيلاء أي اهتمام للتداعيات الأمنية المنوطة بها.

التوصُّل لسياسة دفاعية أوروبية مستقلَّة  تقف أمامها العديد من العراقيل، من أبرزها ما ترتَّب على توسُّع الاتحاد وحلف شمال الأطلسي شرقًا بانضمام بلدان كانت تابعة فيما سبق للاتحاد السوفييتي؛ إذ على الرغم من الثِقَل الجيوسياسي الهائل الذي اقترن بذلك التوسُّع، والطمع في أن يكون ذلك تعزيزًا لأمن أوروبا تجاه خصمها الروسي، إلا أن ذلك يشكِّل في حدِّ ذاته عبئًا على القوى الأوروبية الكبرى ارتباطًا بمسألة تحقيق سياسة خارجية ودفاعية مستقلَّة؛ فرغم الخطوة المتقدِّمة التي تمَّ اتخاذها في نوفمبر 2017، لتأسيس “اتحاد دفاعي أوروبي” مستقبلًا، إلا أن التشكيك في تلك الخطوة وعوائدها لم يزلْ قائمًا، حتى إن ذلك قد بدَا بشدَّة في اجتماعٍ لقادة الاتحاد في أكتوبر 2021، إذ وُجِد معسكران: الأول بقيادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، والذي يريد تعزيز استقلال الاتحاد، والثاني يشمل بلدانًا شرقية كبولندا ودول البلطيق التي تخشى روسيا وتريد تقوية أوروبا في إطار حلف شمال الأطلسي[21]، كما شكَّك الممانعون أيضًا في قدرة فرنسا تحديدًا، كونها تتزعَّم اتجاه الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي، على قيادة الاتحاد وضمان أمنه بعيدًا عن واشنطن، بل ويشتبهون في أغلب الأحيان بأن باريس تريد استخدام أوروبا للدفاع عن مصالحها بشكل أساسي[22]، يُضَاف إلى ذلك العقبات المؤسَّسية التي تشترط الإجماع فيما بين بلدان الاتحاد كافة على أية سياسة دفاعية أوروبية[23]، وهو أمر بعيد المنال في ظلِّ العقبات المذكورة، وفي ظلِّ التحديات الناشئة عن الأزمة الروسية/الأوكرانية مؤخَّرًا، والتي ليس أقلها عودة الحرب الباردة من جديد بين روسيا والغرب، بما يفسح المجال أكثر لتوثيق الروابط الأوروبية/الأمريكية في إطار حلف الناتو.

هذا، ولعلَّه قد بات من الجليِّ أن النظام العالمي ذي القطبية الواحدة الذي تقوده الولايات المتحدة في طور التغيير. وبغضِّ النظر عن شكل النظام الجديد، فإن الاتحاد الأوروبي سيواجه بلا ريب تحدياتٍ جمَّة وضخمة، ارتباطًا بعلاقته مع واشنطن. ومع ذلك، قد يكون من أكبر ما يواجهه مستقبلًا هو عودة ترامب بقراراته البراجماتية المحضة مرةً أخرى للبيت الأبيض. فعلى الرغم من اعتزام بلدان أوروبا، تحت ضغط الأزمة الأوكرانية، إلى زيادة إنفاقها الدفاعي في حلف شمال الأطلسي، وفقًا لما كان يرجوه ترامب، إلا أنه لا يُستبعَد أن تقوم الولايات المتحدة بزيادة الضغط على الاتحاد الأوروبي لبذل المزيد، تحت تأثير “الفزَّاعة الروسية”، فضلًا عن إعادته القيود على بعض المعاملات التجارية كما فعل من قبل، ناهيك عن أوامره في الوقت ذاته بتحديد علاقة الاتحاد ببكين التي امتنعت عن إدانة التدخُّل الروسي في أوكرانيا[24].

وبغضِّ النظر عن موسكو التي أخذت العلاقات الغربية معها مسارًا لا عودة فيه، إلا أن علاقات الاتحاد ببكين ستشهد مزيدًا من التجاذُبات، ارتباطًا بالاختراق الصيني للساحة الأوروبية عبر آليات الحزام والطريق ومنتدى التعاون بين الصين ودول وسط وشرق أوروبا (17+1)، بما في ذلك خشية أن تفتح المشاريع الصينية “السخية” انقسامًا بين القوى المركزية، مثل ألمانيا وفرنسا ودول الشمال ونظيرتها التي عانت أكثر من غيرها من أزمة عام 2008 وتحتاج إلى السيولة لخزائنها العامة، مثل اليونان والبرتغال وإيطاليا وإسبانيا ودول الشرق[25].

وخلاصة القول هنا أن على الاتحاد إيجاد صيغة ما لتحقيق التوزان في ظلِّ العداء الجيوسياسي والجيواقتصادي الذي من المرجَّح استمراره فيما بين واشنطن وبكين، وذلك بالتوازي مع تسريع وتيرة تعزيز القوة الدفاعية الأوروبية، وتوطيد العلاقات الأوروبية بغيرها من الكيانات الإقليمية الأخرى بغية محاولة امتصاص التداعيات السلبية المرتبطة بتحولات النظام العالمي. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الاتحاد معالجة مصداقيَّته المتآكلة بشأن دفاعه عن حقوق الإنسان، بالنظر إلى التناقض الشديد فيما بين تعامله مع اللاجئين الأوكرانيين “الأوروبيين” وغيرهم من اللاجئين الذين قصدوا أراضيه منذ عام 2011، والتي تكشف عن معايير مزدوجة قد تؤدِّي إلى تراجع قوته الناعمة في سياق النظام الدولي المنتظر.

[1] ترامب يعلن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية “الأجواء المفتوحة” الدفاعية مع روسيا، موقع France 24، 21 مايو 2020، تاريخ الاطلاع: 6 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/mry8ybh2

[2] الاتحاد الأوروبي يضع حجر الأساس للوحدة الدفاعية، موقع Deutsche Welle، 13 نوفمبر 2017، تاريخ الاطلاع: 29 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://p.dw.com/p/2nXoD

[3] انظر الآتي:

  • جيش أوروبي موحد.. فكرة يواجهها أكثر من عقبة، موقع Russia Today عربي، 6 ديسمبر 2018، تاريخ الاطلاع: 4 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://ar.rt.com/l5tb
  • ماكرون يحث الأوروبيين على التخلي عن “السذاجة” في علاقاتهم بواشنطن، موقع Deutsche Welle، 28 سبتمبر 2021، تاريخ الاطلاع: 4 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://p.dw.com/p/40yZc

[4] الاتحاد الأوروبي سيفعل قانونا لحماية المصالح الاقتصادية مع إيران، موقع BBC عربي، 17 مايو 2018، تاريخ الاطلاع: 29 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/tHs3n

[5] أحمد قنديل، اتفاقية الاستثمار “التاريخية” بين الصين والاتحاد الأوروبي والتوازنات الدولية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 10 يناير 2021، تاريخ الاطلاع: 20 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/Ov0Vp

[6] للمرة الأولى.. الصين تطيح بالولايات المتحدة وتصبح الشريك التجاري الأول للاتحاد الأوروبي، موقع Russia Today عربي، 15 فبراير 2021، تاريخ الاطلاع: 7 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://ar.rt.com/ps20

[7] رضا محمد هلال. العلاقات الصينية الأوروبية: الاقتصاد أولًا، مرجع سابق.

[8] انظر الآتي:

  • ما هو “نورد ستريم 2” وما علاقته بالأزمة بين روسيا وأوكرانيا وتأثيره على ألمانيا؟، موقع CNN بالعربية، 9 فبراير 2022، تاريخ الاطلاع: 11 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/E4mYp
  • نورهان الشيخ، مستقبل العلاقات الروسية- الأوروبية: الفرص والتحديات، موقع تريندز للبحوث والاستشارات، 10 مارس 2021، تاريخ الاطلاع: 28 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/2p8fzazs

[9]انظر الآتي:

  • اتفاق بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لتسوية الخلافات بين “إيرباص” و”بوينغ”، موقع France 24، 15 يونيو 2021، تاريخ الاطلاع: 8 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/mmzewzph
  • قادة أوروبا والولايات المتحدة يتفقون على إنشاء مجلس للتجارة والتكنولوجيا، موقع Russia Today بالعربية، 15 يونيو 2021، تاريخ الاطلاع: 8 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://ar.rt.com/qmgd

[10] الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يتفقان على إلغاء رسوم على الواردات الأوروبية من الصلب والألمنيوم، موقع France 24، 31 أكتوبر 2021، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/3dy9f3ey

[11] استئناف مفاوضات النووي الإيراني وشولتس يتحدث عن “لحظة حاسمة”، موقع Deutsche Welle، 8 فبراير 2022، تاريخ الاطلاع: 7 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://p.dw.com/p/46g7M

[12]  الصين تندد بتعليق الاتحاد الأوروبي اتفاق استثمار وتدعوه للتخلي عن “المواجهة”، موقع Euro News، 21 مايو 2021، تاريخ الاطلاع: 27 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/3s6z7bhj

[13]  الاتحاد الأوروبي يكشف عن خطة بميزانية “سخيّة” لبسط نفوذه التجاري عالميا، موقع Euro News، 1 ديسمبر 2021، تاريخ الاطلاع: 27 فبراير 2022، متاح عبر الرابط على التالي: https://tinyurl.com/ye75ubza

[14]  قوات الناتو.. الانتشار في أوروبا الشرقية، موقع Sky News عربية، 3 مارس 2022، تاريخ الاطلاع: 10 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/y6dz823p

[15]  انظر الآتي:

  • روسيا وأوكرانيا: ما هي العقوبات المفروضة على موسكو؟، موقع BBC عربي، 9 مارس 2022، تاريخ الاطلاع: 12 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/TZhwA
  • الاتحاد الأوروبي يوافق على سلسلة جديدة من العقوبات على روسيا، موقع Euro News، 15 مارس 2022، تاريخ الاطلاع: 15 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي:

https://tinyurl.com/y65ncn5j

[16]  خديجة عرفة، اتفاقية الاستثمار بين الصين والاتحاد الأوروبي: الفرص والتحديات، موقع الصين اليوم، 4 فبراير 2021، تاريخ الاطلاع: 20 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/4omq5

[17] Paul M. Diez, The EU and Japan join forces on China’s New Silk Road, ABC Economy, 13 October 2019, Accessed: 23 February 2022, available at: https://cutt.us/xEO7F

[18] ماكرون وميركل يبحثان مع شي جينبينغ العلاقات الأوروبية الصينية والتحديات المناخية والصحية، موقع France 24، 6 يوليو 2021، تاريخ الاطلاع: 26 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/4svj2ek8

[19] انظر:

– نورهان الشيخ، مستقبل العلاقات الروسية-الأوروبية: الفرص والتحديات، مرجع سابق.

– تحسن الحالة الصحية لابنة الجاسوس الروسي السابق في بريطانيا، موقع BBC عربي، 29 مارس 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/3t2GF

[20]  عبير سليم، بوريل: الاتحاد الأوروبى فى خطر والهجوم الروسى على أوكرانيا يُشكل إنذارًا، موقع الدستور، 21 مارس 2022، تاريخ الاطلاع: 22 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://www.dostor.org/3750125

[21]  انقسام في الاتحاد الأوروبي بشأن استراتيجية دفاعية مشتركة، موقع Deutsche Welle، 6 أكتوبر 2021، تاريخ الاطلاع: 27 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://p.dw.com/p/41KF1

[22]  من بإمكانه قيادة أوروبا بعد رحيل ميركل؟، موقع Euro News، 28 ديسمبر 2021، تاريخ الاطلاع: 26 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/yc3f723u

[23] The EU Common Foreign and Security Policy, Stiftung Wissenschaft und Politik, Accessed: 26 February 2022, Available at: https://cutt.us/0KVbK

[24]  حرب أوكرانيا: الولايات المتحدة تحذر الصين من مغبة تقديم مساعدات لروسيا، موقع BBC عربي، 14 مارس 2022، تاريخ الاطلاع: 15 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/XpmPL

[25] Paul M. Diez, The EU and Japan join forces on China’s New Silk Road, ABC Economy, Op. cit.

[1] The Sinews of  Peace (‘Iron Curtain Speech’), A speech delivered by Winston Churchill on 5 March 1946 at Westminster College, Fulton, Missouri, United States of America. Accessed: 7 March 2022, available at: https://cutt.us/TwzR4

[2] في ذكرى استقلال أمريكا عن بريطانيا: حب مديد بعد حربين، BBC عربي، 4 يوليو 2021، تاريخ الاطلاع: 20 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/2TR1I

[3]  علي رضا كوهكن، العلاقات الأمريكية الأوروبية في عهد ترامب، فصلية طهران لدراسات السياسة الخارجية، المجلد الرابع، العدد الرابع عشر، خريف 2019، تاريخ الاطلاع: 26 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/pI9mN

[4] المرجع السابق.

[5] عبد الوهاب بن خليف، العلاقات الأوروبية- الأمريكية.. تجاذبات الهيمنة والتعاون، مجلة الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة البليدة 2، الجزائر، المجلد الرابع، العدد الأول، 2010، ص 215.

[6] Ivo H. Daalder, Europe: Rebalancing the U.S.-European Relationship, Brookings Institution, 1 September 2000, Accessed: 17 February 2022, available at: https://cutt.us/qprhF

[7]  عبد الوهاب بن خليف، العلاقات الأوروبية- الأمريكية.. تجاذبات الهيمنة والتعاون، مرجع سابق، ص ص 220- 223.

[8]  انظر الآتي:

  • المرجع السابق، ص 221.
  • كميل حبيب، الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في كوسوفو، مجلة الدفاع الوطني اللبنانية، العدد 32، أبريل 2000، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/37kr5xn8
  • سمير حمياز، التعاون الروسي- الصيني لمواجهة الهيمنة الأمريكية: منظمة شنغهاي نموذجًا، المجلة الجزائرية للأمن والتنمية، المجلد التاسع، العدد الثاني، يوليو 2020، ص ص 162- 163.
  • هدى الشيمي، لماذا تفاوت الموقف الأمريكي تجاه الدول الساعية لامتلاك أسلحة نووية؟، موقع مصراوي، 17 أغسطس 2017، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/4zyd8uj2

[9] سمير حمياز، التعاون الروسي- الصيني لمواجهة الهيمنة الأمريكية: منظمة شنغهاي نموذجًا، مرجع سابق، ص 165.

[10] رامز الشيشي، الإطار الدولى والقانوني لمجموعة البريكس، المركز الديمقراطي العربي للدراسات السياسية والاقتصادية، 24 يوليو 2021، تاريخ الاطلاع: 6 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://democraticac.de/?p=76225

[11] عمر جمال، تعزيز الصين لنفوذها عالميا من خلال الدبلوماسية الناعمة 2013-2020، المركز الديمقراطي العربي للدراسات السياسية والاقتصادية، 13 نوفمبر 2021، تاريخ الاطلاع: 6 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://democraticac.de/?p=78460

[12] Ivo H. Daalder, Europe: Rebalancing the U.S.-European Relationship, Op.cit.

[13]  مريم مرغيش، محطات تاريخية – أوروبا والسعي الدائم للخروج من العباءة الأمريكية!، 17 مايو 2018، موقع Deutsche Welle، تاريخ الاطلاع: 22 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://p.dw.com/p/2xtws

[14] عياد البطنيجي، الولايات المتحدة وأوروبا ومستقبل العلاقة بين ضفتي الأطلسي، البيان، 24 نوفمبر 2021، تاريخ الاطلاع: 26 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/j965l

[15]  عباس جواد كديمي، بزوغ نجم الصين هو الدافع لعلاقات شراكة استراتيجية طويلة الأمد بين الاتحاد الأوروبي والصين، صحيفة الشعب الصينية، 4 ديسمبر 2009، تاريخ الاطلاع: 20 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/9tiRe

[16]  كريس دويل، أبعاد الصراع والتقارب في المصالح الأمريكية-الأوروبية في الشرق الأوسط، تريندز للبحوث والاستشارات، 14 يوليو 2020، تاريخ الاطلاع: 26 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/5ybmznkn

[17]  المرجع السابق.

[18]  علي رضا كوهكن، العلاقات الأمريكية الأوروبية في عهد ترامب، مرجع سابق.

[19]  مروة نظير، فرصة بريكست: لماذا يدعم “ترامب” خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 16 يونيو 2019، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/73Llm

[20]  علي رضا كوهكن، العلاقات الأمريكية الأوروبية في عهد ترامب، مرجع سابق.

[21]  ترامب يفرض رسوما على الواردات ـ فهل الحرب التجارية قادمة؟، موقع Deutsche Welle، 8 مارس 2018، تاريخ الاطلاع: 9 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://p.dw.com/p/2tzuF

[22]  رضا محمد هلال، العلاقات الصينية الأوروبية: الاقتصاد أولًا، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، 29 يوليو 2021، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/5AVQj

[23]  سحب الجنود الأمريكيين من ألمانيا.. العدد أكبر مما كان معلنًا، موقع Deutsche Welle، 29 يوليو 2020، تاريخ الاطلاع: 9 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://p.dw.com/p/3g812

[24] انظر الآتي:

  • إسماعيل عزام، ترامب وتحطيم الاتحاد الأوروبي.. عندما يحمل الحليف معول الهدم!، موقع Deutsche Welle، 26 أبريل 2018، تاريخ الاطلاع: 8 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://p.dw.com/p/2wjKM
  • واشنطن توقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، موقع France 24، 1 سبتمبر 2018، تاريخ الاطلاع: 8 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/2p8e2ujh

[25] ليلى الطيبي، ما هي الشركات المتضررة من إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران؟، موقع France 24، 10 مايو 2018، تاريخ الاطلاع: 8 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/cz27k2y8

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى