مستقبل الكيان الصهيوني: الداخل الإسرائيلي بين الحرب والأزمات المتعددة
مقدمة:
مثَّل ما حدث فجر السابع من أكتوبر صفعة مباغتة للاحتلال الإسرائيلي، أدخلته في حالة صدمة وهذيان لم يستطع الخروج منها حتى اليوم، رغم مرور ما يقارب ستة أشهر على ما حدث، ومما يضفي على الأمر طابعًا دراميًا، أن مواجهة متعددة الجبهات كهذه كانت أمرًا متوقعًا أن تبادر به إسرائيل في هذه المرحلة، فمن جهة تمضي مشاريع التطبيع “اتفاق إبراهيم” مع الأنظمة العربية الخليجية بوتيرة متسارعة، ومن جهة أخرى أحكم المستوطنون والحكومة المتطرفة قبضتهم على الضفة، وبقيت مشكلة قطاع غزة لا بد من تصفيتها. وهناك أيضًا احتياج داخلي لشن هذه الحرب، فقد ذكرت دراسة خرجت في يوليو الماضي، عن باحثين بمعهد الأمن القومي بجامعة تل أبيب، أن نتنياهو قد يلجأ إلى مواجهة متعددة الجبهات لمحاولة تجاوز الأزمة الأخيرة التي اشتعلت في المجتمع الإسرائيلي ومحاولة توحيد صفوفه، بعد ما بدأت التحذيرات من حرب أهلية تكثر في المجال السياسي الإسرائيلي، منذ إعلان الحكومة مشروعها للإصلاحات القضائية في يناير ٢٠٢٣[1].
فالمجتمع الإسرائيلي يعاني من أزمة جوهرية عمرها من عمر الدولة، تتعلق بطبيعتها وأنها “يهودية وديمقراطية في الوقت نفسه”، والكم الهائل من التناقضات التي تحمله هذه العبارة. ويفاقم من حجم الأزمة غياب أي دستور دائم للدولة منذ نشأتها والاعتماد على المحكمة العليا لملىء هذا الفراغ، بالإضافة للانعكاسات المعاصرة للأزمة من صعود لليمين، وسيطرته غير المسبوقة على الحكومة والكنيست، وسعيه لإحكام السيطرة على باقي مؤسسات الدولة من جهة، وضمه للأراضي الفلسطينية ومد مشاريعه الاستيطانية بوتيرة جنونية من جهة أخرى، وهو ما يهدد ديموقراطية الدولة من وجهة نظر المعارضين. ومن ثم فجرت أزمة الإصلاحات القضائية بدورها، الإشكاليات الأعمق التي تضرب بجذورها في صلب المجتمع الإسرائيلي، وفي هذا السياق شديد التعقيد جاءت صفعة السابع من أكتوبر، لتغيم على الأفق السياسي والمجتمعي الإسرائيلي، ليجد الداخل الإسرائيلي نفسه بعد ذلك بين رحى الحرب وأزماته المتعددة.
في هذا التقرير نستعرض أزمات الداخل الإسرائيلي، والتعقيدات التي أضافتها عملية “طوفان الأقصى” على هذه الأزمات، ثم نحاول استكشاف طبيعة “اليوم التالي للحرب” داخل إسرائيل.
أولًا- أزمات الداخل الإسرائيلي
-
التصدعات المجتمعية:
تعد التركيبة المجتمعية الإسرائيلية تركيبة شديدة التنوع والتعدد، أقرب لعدم التجانس بالنظر لطبيعة نشأة وتشكل الدولة، فالدولة تشكلت عبر عملية احتلال للأراضي الفلسطينية، أعقبها موجات استيطان لهذه الأراضي عبر تدفق للمهاجرين اليهود من شتى بقاع الأرض، ظلت الهجرة مستمرة بوتيرة متفاوتة حتى قبل السابع من أكتوبر، ومن ثم فالمكون الرئيس للمجتمع الإسرائيلي إما مهاجرين أو أبناء مهاجرين، والهجرة تعني أن يغير هؤلاء القادمون قومياتهم، مواقعهم التاريخية والجغرافية، نمط حياتهم، وأداورهم الاجتماعية وطبقاتهم، وثقافتهم، وبالطبع ألقت هذه التغيرات بثقلها على المجتمع، وهو ما دفع الحكومة لمحاولة تطبيق ما أسمته “وعاء الانصهار” منذ خمسينيات القرن الماضي؛ لخلق مجتمع متجانس. لكن الدراسات القادمة من الداخل الإسرائيلي في السنوات الأخيرة ترى أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، وبات يُنظر إليها كمحاولات مصطنعة أو قسرية للتجانس، وتؤكد هذا الطرح التوترات العنيفة التي يشهدها الداخل الإسرائيلي بمستوياته المختلفة؛ الاجتماعية والسياسية والاقتصادية[2].
ويمكن بصفة عامة تقسيم التصدعات التي تضرب بجذورها في أعماق المجتمع الإسرائيلي إلى خمسة تصدعات رئيسية ؛الصدع الأول هو الصدع الديني /العلماني، ويعني وجود مجموعة من الإسرائيليين العلمانيين مقابل مجموعة أخرى من الإسرائيليين المتدينين، وتختلف كلا المجموعتين حول النمط الثقافي العام للدولة وهويتها، ونظام الحكم، وجوهر الدولة هل ديني أم ديموقراطي، هذا الصراع الذي يؤطر الأزمات السياسية التي تعاني منها الدولة في السنوات الأخيرة. الصدع الثاني قائم على التمييز بين اليهود الغربيين “الأشكيناز” المنحدرين من أمريكا وأوروبا، والشرقيين ” السفارديم” القادمين من الدول العربية أو إفريقيا؛ حيث عانى هؤلاء الشرقيون من العنصرية والتمييز المجتمعي لصالح الغربيين في الرواتب والمناصب، حتى إن بعض الغربيين كان لا يزوج ابنته من شرقي، ورغم تراجع وتيرة هذا التمييز وحدة هذا الصدع، لكنه بقي موجودًا حتى الآن. أما الصدع الثالث فهو بين اليمين واليسار، والاختلاف الأساسي بينهما حول الموقف من القضية الفلسطينية، فبينما يتمسك اليمين بخيار الدولة الواحدة، ومن ثم زيادة وتيرة بناء المستوطنات والقضاء على الوجود الفلسطيني بشتى الطرق سواء القتل أو التهجير أو غيره، يقدم اليسار نفسه كداعم لحقوق الإنسان والأقليات، ويبدي استعداده للتفاوض مع الفلسطينيين على أساس الانفصال عنهم وحل الدولتين[3].
الصدع الرابع بين العرب واليهود؛ ففي العام ١٩٤٨ بقي حوالي ١٥٠ ألف فلسطيني من أصل ٩٠٠ ألف كانوا يعيشون داخل أراضي ٤٨ بعد فشل محاولات تهجيرهم، ثم أجبروا على حمل الجنسية الإسرائيلية بعد ذلك، لكن هذا التواجد المتزايد للعرب بالنظر لمعدلات الإنجاب، والمختلف قوميًا ودينيًا، يمثل خطرًا على يهودية الدولة، ما يدفع بتوترات واحتكاكات دائمة بين العرب واليهود، خصوصًا وأن فلسطينيي ٤٨ يعتبرون وفق الأعراف الدولية هم أهل الأرض والسكان الأصليون. أما الصدع الخامس فيتمثل في الانقسام الطبقي داخل المجتمع الإسرائيلي بين الفقراء والأغنياء، فقد كشفت مؤسسة التأمين الوطني في دولة الاحتلال الإسرائيلي، أن 21٪ من السكان أصبحوا تحت خط الفقر، حتى أواخر 2022 وبداية 2023، كما أظهر التقرير السنوي للمؤسسة أن عام 2022 شهد زيادة في أعداد فقراء إسرائيل مقارنة بالعام الذي سبقه، وقال إن حالة الفقر استشرت بين شرائح مختلفة من المجتمع. كما تطرق التقرير للربعين الثاني والثالث من عام 2023؛ حيث أوضح أن 30.9٪ يعانون انعدام الأمن الغذائي لأسباب اقتصادية، وذكر أن العام الحالي ينذر بأن إسرائيل أصبحت من بين الدول الأفقر مقارنة بمعدلات الدول المتقدمة، وأن نحو مليوني مواطن في إسرائيل، بما في ذلك 870 ألف طفل ونحو 150 ألف مسن، يعيشون تحت خط الفقر[4].
هذه التصدعات تمثل الخريطة الرئيسية لطبيعة الأزمات الكامنة، والقابلة للتفجر في أي لحظة داخل المجتمع الإسرائيلي، خصوصًا في ظروف استثنائية كهذه، وسيأتي التقرير على ذكر بعض منها.
-
الإصلاحات القضائية:
في يناير٢٠٢٣، أعلن ياريف ليفين وزير العدل في حكومة نتنياهو عما أسماه “الإصلاحات القضائية”، تضمنت هذه الإصلاحات تقويض صلاحيات المحكمة العليا وتقييدها في كل ما يتعلق بإلغاء قوانين للكنيست أو قرارات للحكومة أو قرارات وأوامر صادرة عن المؤسسة الأمنية والعسكرية، من خلال تصويت الأغلبية العادية في الكنيست، في مقابل ذلك منح حق التشريع للسلطتين التنفيذية والتشريعية فيما يخص الحقوق الأساسية كالملكية والتنقل والتظاهر بالإضافة لحق اختيار قضاة المحكمة العليا، وتهدف الإصلاحات كذلك إلى تغيير قانون الحصانة البرلمانية لأعضاء الكنيست والوزراء ورئيس الوزراء، بحيث لا يواجهون التحقيق أو المحاكمة خلال توليهم مناصبهم، كما تهدف إلى إلغاء بند “الاحتيال وخيانة الأمانة” في القانون الجنائي والعقوبات، بحيث يتحول السياسي والموظف الحكومي إلى رجل فوق القانون[5].
هذه الإصلاحات مدعومة بالأساس من قبل الائتلاف الحاكم المكون من أحزاب دينية وقومية متطرفة أهمها حزب الليكود، بالإضافة لحزب الصهيونية الدينية بقيادة بتسلئيل سموتريتش، وحزب القوة اليهودية بقيادة إيتمار بن غفير، وحزب نوعم بقيادة آفي ماعوز، ويرى هؤلاء أن التعديلات القضائية ستساعد على المحافظة على هوية الدولة اليهودية من جهة، ومن جهة أخرى تفتح خيارات أوسع للعمل على ضم الضفة الغربية أو على الأقل أجزاء واسعة منها دون معارضة تُذكر من المحاكم الإسرائيلية، ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية بالكلية.
لكن تيارات مجتمعية مختلفة من اليسار والوسط، بالإضافة للجيش، ومنظمات المجتمع المدني، ورجال الاقتصاد ورأس المال، رفضت هذه الإصلاحات بشدة وقامت بموجة احتجاجات واسعة حاشدة لم يشهدها المجتمع الإسرائيلي من قبل؛ إذ يرون أن محاولة الحكومة الحالية تغيير تركيبة القضاء وصلاحياته مفيدة لنتنياهو وائتلافه، وخطيرة على إسرائيل وديموقراطية الدولة، بل إن هناك من اعتبرها “انقلابا سياسيا” يمهد إلى تغير جوهر نظام الحكم في إسرائيل.
فالمحكمة العليا لها وضعية خاصة في دولة كإسرائيل؛ حيث لم تتفق الأحزاب الإسرائيلية منذ ١٩٤٨ على دستور للدولة، واستعاضت عن ذلك بقوانين الأساس التي تشكِّل أساس الحكم وتنظم العلاقة بين السلطات الحاكمة والمجتمع، يتمثل دور المحكمة العليا هنا في حفظ التوازنات السياسية و”حماية الحقوق الأساسية”، لذا فتقليص صلاحيتها يعني من الناحية العملية أن ميزان القوى سيميل لصالح السلطات التشريعية التي ستتمكن من سن القوانين، بما في ذلك قوانين الأساس، مع تقييد دور المحكمة أو أي رقابة قضائية، وهو ما يعد انقلابًا سياسيًا في نظام الحكم بالفعل. بالإضافة إلى ذلك فإن الإصلاحات تمنح أعضاء الكنيست نفوذا أوسع في لجنة تعيين قضاة المحكمة العليا، وذلك بهدف منح السلطات السياسية دورا محوريّا في اختيار أعضاء اللجنة، وهو ما سيسمح للحكومة بالسيطرة على المحكمة العليا بعد ذلك، وهو ما تراه المعارضة محاولة من قبل الائتلاف الحاكم لمساعدة نتنياهو وزعيم حزب “شاس”، المتحالف معه، آرييه درعي، في مشكلاتهم القانونية وقضايا الفساد والاحتيال التي تلاحقهم[6].
لكن هذه الأزمة لها جذور تمتد لنطاق أبعد من معركة الإصلاحات القضائية الحالية، فخلال العقدين الماضيين تضاعفت قوة الأحزاب اليمينية والدينية المتطرفة حتى استطاعت تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة بزعامة بنيامين نتنياهو، في ديسمبر 2022، والتي تعتبر الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل. تتشكل القاعدة الاجتماعية لهذا الخليط المتنوع في الأساس من الحركات الدينية، والقوميين المتطرفين، وحركات المستوطنين، ويتمتعون مجتمعين بما مجموعه 64 مقعدًا في الكنيست من أصل 120 مقعدًا، والتي تمكنهم من تمرير التشريعات والقوانين التي تعكس أيديولوجيتهم المتطرفة وأجندتهم وتمكنهم من السيطرة على السلطة في إسرائيل، وترسيخ يهودية الدولة، بالإضافة لتمرير السياسات التي تزيد من التهميش، والتمييز ضد الفلسطينيين في إسرائيل والفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال في الضفة الغربية أو الحصار في قطاع غزة.
ويدرك الجانبان أن الأزمة الحالية في المقام الأول أزمة هوية عميقة على العديد من الجبهات، كما أنها في جذورها صراع على السلطة والنفوذ في المجتمع الإسرائيلي. فهي تعكس معركة شرسة تدور رحاها في المقام الأول -ولكن ليس حصرا- بين النخبة الجديدة التي تميل إلى اليمين، والنخبة القديمة التي تميل إلى يسار الوسط. تكتسب النخبة الجديدة السلطة السياسية تدريجيًا، وهي تطمح الآن إلى استغلال قوتها الانتخابية بشكل كامل وفعال لتحل محل النخبة القديمة، التي تعتبرها أشكنازية، ومتغطرسة، وقسرية. وفي الوقت نفسه، تفقد النخبة القديمة قوتها السياسية، وبالتالي فإنها تحاول -حسب مؤيدي الائتلاف- الحفاظ على قوتها وسيطرتها باستخدام وسائل خارج البرلمان. وبعبارة أخرى، يعتقد معسكر الائتلاف أن الأقلية السياسية تحاول استخدام الاحتجاج العام لفرض نظرتها العالمية على الحكومة.[7]
-
أزمة الحريديم:
تمثل الامتيازات الاجتماعية والسياسية للحريديم أحد الأزمات التي تضرب بالمجتمع الإسرائيلي في السنوات الأخيرة؛ حيث يرفض المجتمع الإسرائيلي هذه الامتيازات، ويسعى بالفعل لسحبها منهم منذ عدة سنوات. لكن السابع من أكتوبر ضرب على وتر الأزمة بقوة، فتضاعف غضب المجتمع تجاههم. ففي عام 1949 أقر الكنيست قانون خدمة الدفاع، الذي ينص على أن التجنيد العسكري إجباري لجميع المواطنين الإسرائيليين، لكن خلال حرب عام 1948، أبرم رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون اتفاقًا مع زعماء الطائفة الحريدية لإعفاء أولئك الذين انقطعوا لدراسة التوراة بدوام كامل من الخدمة العسكرية الإلزامية، فيما عُرف بعد ذلك باسم “توراتو أومانوتو”، أي “التوراة مهنته”، ولم يتم تنفيذ هذا الاتفاق من خلال التشريع، بل من خلال لائحة وزارة الدفاع. وتسمح هذه الآلية لرجال الحريديم “بتأجيل” خدمتهم في جيش الدفاع الإسرائيلي من خلال الدراسة في المدرسة الدينية من سن 18 عامًا حتى بلوغهم سنًا محددًا لا ينطبق فيه التجنيد عليهم.[8]
في البداية كانت نسبة هؤلاء الحريديم قليلة، وكان الرهان أن يذوبوا في المجتمع الإسرائيلي العلماني، لكن نتيجة لارتفاع معدل الولادات في المجتمع الحريدي ونموه الهائل مقارنة ببقية المجتمع اليهودي الإسرائيلي، فإن النظام الذي سمح في البداية بعدة مئات من الإعفاءات أدى الآن إلى تجنيد 69٪ فقط من الرجال اليهود و59٪ من النساء اليهوديات، حيث زاد عدد الحريديم وأصبح تأثيرهم مهمًا في الحياة السياسية الإسرائيلية؛ فهم يشكّلون اليوم نسبة 14٪ من نسبة اليهود؛ والتوقعات أن النسبة ستصبح في عام 2055 نحو 27٪ من مجموع السكان اليهود[9].
تكمن الأزمة في أن الحريديم قد تضاعفت قوتهم الديموغرافية في السنوات الأخيرة، وبالتالي زادت قوتهم السياسية، حتى أصبحوا العنصر الأهم في تشكيل أي حكومة إسرائيلية، وباتوا جزءًا أساسيًا من الأزمة السياسية في إسرائيل منذ ٢٠١٩؛ فهم من جانب متشددون جدًا في عزلتهم المجتمعية، لا يشاركون في الدورة الاقتصادية، ولا يدفعون الضرائب، ولا يحاربون في الجيش، ولا يدرّسون أولادهم العلوم العصرية في المدارس، بل يعملون فقط على العقيدة، في المقابل يشترطون الحصول على موارد مالية كبيرة لطلاب مدارسهم. هذه الامتيازات والمخصصات الاقتصادية الكبيرة، والمدفوعة عمليًا من باقي فئات المجتمع اليهودي، أدت بشعور عام من السخط والظلم الاجتماعي زاد من حدته أزمات المجتمع الإسرائيلي منذ سنوات، إذ تنظر باقي فئات المجتمع لأنفسهم باعتبارهم “حمير الحريديم” فبينما هم يعملون، ويدفعون الضرائب، ويخدمون بالجيش، تذهب كل الامتيازات في النهاية للحريديم فقط أجل لضمان دعمهم السياسي في الانتخابات.[10]
لكن منذ السابع من أكتوبر تصاعدت وتيرة الغضب تجاههم، والدعوة لضرورة مشاركتهم في الخدمة العسكرية مع بقية أبناء الشعب خاصة في تلك الظروف، وقد عقدت المحكمة العليا الإسرائيلية جلسة يوم الاثنين ٢٦ فبراير لهذا العام للنظر في عدد من الالتماسات المُقدَّمة إليها للطعن في قانونية المخصصات المالية التي تُغدقها الدولة (الحكومة) على المدارس الدينية اليهودية التي يتعلم فيها شُبّان من تيارات “الحريديم”، وطالبت الالتماسات هذه بإلزام الحكومة والجيش الإسرائيلي بالبدء فورًا بتجنيد الشبان الحريديم للخدمة العسكرية، من جهة أولى، وبالوقف الفوري للأموال الباهظة التي ترصدها الحكومة لتمويل مدارسهم الدينية، من جهة ثانية، وقد أمهلت المحكمة الحكومة حتى يوم 24 مارس الجاري موعدًا أقصى لتقديم ردودها على هذه الأوامر، على أن تصدر قرارها القضائي النهائي في الموضوع. وهو ما دفع الحاخام الإسرائيلي الأكبر لليهود السفارديم يتسحاق يوسف بالتهديد خلال موعظة السبت في ٩ مارس الجاري، بمغادرة اليهود المتدينين البلاد إذا أجبروا على أداء الخدمة العسكرية. وهو ما يؤشر بمعركة شرسة بين مختلف أطراف المجتمع بخصوص قانون التجنيد الجديد[11].
-
عرب الداخل والتحولات الديموغرافية:
يبلغ تعداد عرب ٤٨ داخل إسرائيل ما يقارب ١.٧ مليون نسمة أي حوالي ٢١٪ من مجمل سكان الداخل الإسرائيلي، وتتعامل إسرائيل مع “التوازن الديموغرافي” من منطلق أمني / سياسي بالأساس، لذا فقد شكّل مبدأ “الأغلبية اليهودية” التي لا تقل عن ٨٠٪ هاجسًا كبيرًا بالنسبة لمؤسسي الحركة الصهيونية، وقادة إسرائيل لاحقًا، بشكل جعله ربما أحد أهم ركائز وأهداف المشروع الصهيوني الاستيطاني، كما يمثل هذا المبدأ حجر الأساس في تشكيل السياسات الإسرائيلية المختلفة التي سعت، ولا تزال، إلى الحفاظ على “ميزان ديموغرافي” يميل لصالح اليهود في فلسطين، من خلال المجازر، والأسر والاعتقال وعمليات التطهير العرقي المستمرّة بأشكال مختلفة، منذ عام 1948 وحتى اليوم؛ حيث يمثل وجود الأقلية العربية الفلسطينية “خطر ديموغرافي”، ويعتبر أي تغيير في هذه النسبة بمثابة مساس بـأمن إسرائيل القومي بمعناه الواسع، وفي السنوات الأخيرة باتت التغييرات الديموغرافية توضع ضمن “مؤشر المخاطر والتحدّيات” التي تواجه إسرائيل على المديين القريب والبعيد[12].
ففي إحدى الدراسات الصادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، يتحدث الباحث شموئيل إيفن عن مستقبل إسرائيل كدولة يهودية ديموقراطية من منظور ديموغرافي، خصوصًا في ظل زيادة عدد الوفيات، والحد من معدلات الهجرة إلى إسرائيل، ويعتمد كاتب الدراسة في تقسيمه للمجتمع على خطاب رئيس الدولة السابق رؤوفين ريفلين في العام 2015، والذي افترض وجود تركيبة اجتماعية في إسرائيل تنقسم إلى أربع قبائل: المتديّنون، العلمانيون، الحريديم، والعرب، تمتلك كل قبيلة ثقافتها وعاداتها الخاصة.
وبحسب الدراسة، فإن عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة (بدون القدس الشرقية) المتوقّع بحلول العام 2050 سيبلغ قرابة 10 ملايين فلسطيني، في المقابل؛ من المتوقّع أن يصل عدد اليهود في إسرائيل إلى 10.6 مليون نسمة (7.5 مليون يهود دون الحريديم، و3.1 مليون حريدي) و3.2 مليون عربي (بمن في ذلك الفلسطينيون في القدس الشرقية)، أي أن عدد الفلسطينيين في فلسطين الانتدابية (من البحر إلى النهر) سيكون أكثر من عدد اليهود، لكن في الداخل تحفظ الزيادة الملحوظة المتوقعة في أعداد الطائفة الحريدية “التفوّق الديموغرافي اليهودي” في إسرائيل، وفق أقل التقديرات[13].
يتمثّل التحدّي الديموغرافي لإسرائيل إذًا في الحفاظ على هويتها كـ”دولة يهودية ” في مواجهة الفلسطينيين الذين تتنامى ديموغرافيتهم بشكل كبير، كما يتضّح من البيانات السابقة، ويتمثّل الهدف الإسرائيلي في الحفاظ على “ميزان ديموغرافي إيجابي” لليهود مقابل الفلسطينيين داخل إسرائيل، وهي العملية التي يُطلق عليها “الميزان الضيّق”، والذي سيتأثر بشكل سلبي في حال أقدمت إسرائيل على ضم مناطق تحتوي على فلسطينيين، خصوصًا وأنها لا تمتلك إحصائيات دقيقة لعدد الفلسطينيين في هذه المناطق، لذا ظهرت دعوات بالابتعاد عن ضم أي مناطق تتضمّن فلسطينيين في الضفة الغربية، والعمل استنادًا إلى مبدأ “تبادل الأراضي” ضمن أية تسوية سياسية مُستقبلية والذي يضمن أكبر عدد مُمكن من اليهود وأقل عدد من الفلسطينيين داخل حدودها، لأن الاستمرار في ضم الأراضي سيؤدي حتمًا إلى دولة واحدة مزدوجة القومية، قد يحكمها العرب بالأغلبية وقتا ما، لكن هذا الاقتراح بالتوقف عن الاستيطان يبدو دربًا من الخيال في ظل تزايد نسبة اليمين داخل المجتمع الإسرائيلي[14].
لكن منذ السابع من أكتوبر بات الوجود العربي الآني داخل إسرائيل -في حد ذاته- يمثل تهديدًا وجوديًا للدولة، بغض النظر عن أية اعتبارات ديموغرافية مستقبلية، وباتت سياسة الإخراس والقمع هي المتبعة تجاه المجتمع الفلسطيني هناك، بمشاركة المؤسسات السياسية والإعلامية وعامة الناس في المجتمع الإسرائيلي. ومع أن سياسات قمع فلسطيني الداخل قد تصاعدت منذ تولي بن غفير وزارة الأمن القومي الإسرائيلي سنة ٢٠٢١، بعد إعلانه المتكرر رغبته في التخلص منهم بشكل علني، لكنه مؤخرًا استغل حالة الحرب والطوارئ لتنفيذ سياسته ضد فلسطينيي الداخل دون عوائق، وأكدت الحرب بما لا يدع مجالًا للشك، أن التعامل مع فلسطينيي الداخل يضرب كل مزاعم إسرائيل عن ديموقراطية الدولة والتعايش داخلها في مقتل، وأنه على الرغم من المواطنة الممنوحة لهم، لكنها تبقى مواطنة هشة، تخضع خضوعًا تامًا للدوافع الأمنية ولاحتياجات الإجماع الإسرائيلي، وأن النظرة لعرب الداخل أنهم أعداء محتملون، يستحيلون في وقت الحرب والأزمات لأعداء حقيقيون بالفعل، تعني وجود صدعًا أعمق عصي على الرأب في الداخل الإسرائيلي[15].
ثانيًا- فاتورة الحرب الباهظة
– اقتصاد متأزم
منذ السابع من أكتوبر، ورغم امتلاك الاقتصاد الإسرائيلي قاعدة خدمية، وقاعدة صناعية كبيرة، وقاعدة زراعية على نطاق أضيق، تعتمد جميعها على تكنولوجيا متقدمة، بالإضافة إلى لدعم الكبير الذي تلقته إسرائيل من المعسكر الغربي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الأوروبيين من جهة أخرى، فإنّ هذين العاملين لم يمكنا الاقتصاد الإسرائيلي من تلافي الضرر البالغ والمستمر الذي لحق به جراء هذه الحرب، والتوقعات العالمية بانكماشه خلال السنوات القادمة. فوفقًا لوزير المالية الإسرائيلي، تقترب التكلفة المالية للعملية العسكرية التي تقوم بها إسرائيل ضد قطاع غزة من 250 مليون دولار أميركي يوميًّا، أي نحو 1.75 مليار دولار أسبوعيًّا، ونحو 7.5 مليار دولار شهريًّا؛ أي نحو 1.5 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي[16].
من جهة أخرى، أخلت السلطات الإسرائيلية العديد من المستوطنات جنوب البلاد بما في ذلك الواقعة في منطقة “غلاف غزة”، بعد الهجوم الذي شنته المقاومة الفلسطينية على المنطقة نفسها، وإطلاق آلاف الصواريخ من القطاع. لكن النازحين لم يقتصروا فقط على الجنوب، فمع تدخل “حزب الله” على الحدود اللبنانية واندلاع اشتباكات ومواجهات مع الجيش الإسرائيلي، اضطرت تل أبيب لإخلاء البلدات الواقعة شمالا قرب المنطقة الحدودية، وبلغت تكلفة الإخلاء ٥.٦ مليار شيكل.
وقالت صحيفة “إسرائيل اليوم” إن عدد من تم إخلاؤهم من الجنوب والشمال بلغ 120 ألف إسرائيلي، تم وضعهم في فنادق و”مدن خيام” في مدن بعيدة نسبيا عن المواجهات، مع بدء الفنادق في الامتلاء، قالت الصحيفة: إن الحكومة الإسرائيلية وجهت بإعطاء كل إسرائيلي لا مكان له 200 شيكل (نحو 50 دولارا) يوميا على أن يتدبر أمره بنفس. بالإضافة لذلك وبحسب بيانات سلطة الضرائب الإسرائيلية، حتى الآن، تم تقديم 204 ألف دعوى بالتعويض عن الأضرار غير المباشرة التي لحقت بالمصالح التجارية في جميع أنحاء البلاد خلال أكتوبر الماضي، وتم دفع 167 ألفا منها بقيمة 3.7 مليارات شيكل (أكثر من مليار دولار)، وتقدر سلطة الضرائب أنه عن شهر أكتوبر وحده سيدفع 8 مليارات شيكل (2.5 مليار دولار)، كتعويض عن الأضرار غير المباشرة فقط. أما بالنسبة للأضرار المباشرة التي لحقت بالممتلكات، فقد تم دفع 600 مليون شيكل (167 مليون دولار) فقط حتى الآن من المليارات التي ستكون مطلوبة لتغطية الخسائر[17].
انعكست هذه التكلفة الباهظة للحرب على الوضع الاقتصادي للمجتمع الإسرائيلي بصفة عامة، ففي تقرير جديد لبنك إسرائيل المركزي أكد أن مديونية العائلات سجلت ارتفاعا كبيرا، في أشهر العدوان الأولى على قطاع غزة، على ضوء ارتفاع كلفة المعيشة، التي لم تنعكس في وتيرة التضخم بفعل شلل قطاعات اقتصادية، إلا أن أسعار المواد الغذائية والبضائع الحياتية سجلت ارتفاعا بنسبة أكثر من ضعفي نسبة التضخم المالي المعلنة.
كما ذكر تقرير البنك المركزي أن ضائقة العائلات في إسرائيل تستفحل، وهذا يظهر من معطيات تسديد القروض في شهر ديسمبر الماضي؛ إذ سجل ذلك الشهر ذروة في العجز عن تسديد القروض، بقيمة إجمالية 3.2 مليار شيكل (877 مليون دولار)، وهذا أعلى بنسبة 43٪ مما كان في الشهر نفسه من العام السابق (2022). يضاف إلى هذا أن طلب القروض من البنوك ومن شركات بطاقات الاعتماد سجل أيضا ذروة، وبلغ حجم القروض للعائلات، من دون قروض الإسكان، في الشهر الأول من العام الجاري 2024، نحو 570 مليون شيكل (156 مليون دولار)، وهذا أعلى بنسبة 26٪ عما كان عليه في الشهر نفسه من العام الماضي 2023.
ومن المتوقع أن يزداد عجز الميزانية الإسرائيلية على المدى البعيد، وأن ترتفع مستويات المديونية للعائلات، بالإضافة لمستويات الفقر والبطالة، ففي بحث أجراه “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، جاء فيه أن ميزانية الجيش الإسرائيلي ستستمر في الارتفاع حتى عام 2027؛ إذ يرى أن الصرف الثابت للجيش سيكون سنويا من العام المقبل 2025 وحتى عام 2027، نحو 120 مليار شيكل، وميزانية العام الجاري 155 مليار شيكل، بينما الميزانية السنوية للجيش، حتى العام 2022، كانت تتراوح ما بين 56 مليار إلى 60 مليار شيكل، يضاف لها نحو 13.5 مليار شيكل هي الدعم العسكري السنوي الأميركي لإسرائيل؛ بمعنى مضاعفة الميزانية سنويًا حتى العام 2027 وهو ما يعادل ما بين ٦ و٨٪ من حجم الناتج العام[18].
– قضية الأسرى:
تعد قضية الأسرى أحد أبرز المستجدات المرتبطة بعملية “طوفان الأقصى” والسابع من أكتوبر، إذ لم يسبق لفصائل المقاومة الفلسطينية أن أسرت هذا العدد الكبير من الإسرائيليين، لذا مثلت هذه القضية أبرز الأوراق التي استخدمتها المقاومة في مفاوضتها للضغط على الإسرائيليين منذ بداية الحرب، مستغلة اشتعال الرأي العام الإسرائيلي واحتجاجات أهالي الأسرى المطالِبة بعودة أبنائهم.
من جهتها، حددت القيادة الإسرائيلية منذ بداية الحرب هدفين رئيسيين لها؛ القضاء على حماس، واستعادة الأسرى، ورغم أن الحكومة تسوق أهدافها وكأنها بنفس القدر من الأهمية، لكن حديثها الدائم عن أن مدة الحرب قد تطول، وغضها الطرف عن مقتل عدد من الأسرى نتيجة القصف، يعني أن عودة الأسرى ليست بهذه الأهمية التي يتحدث القادة السياسيون عنها[19].
ومع استمرار المفاوضات مع حركات المقاومة الفلسطينية، تظهر الخلافات الداخلية بالحكومة الإسرائيلية بشأن صفقة تبادل الأسرى المحتملة؛ حيث يعارضها نتنياهو لاعتقاده أن الثمن المقابل غير معقول، بالإضافة إلى رغبته في إطالة أمد الحرب قدر المستطاع، تأجيلًا للمواجهة المنتظرة بينه وبين المعارضة والمجتمع الإسرائيلي. كذلك يعارضها اليمين وممثلوه داخل الحكومة؛ الوزير بتسلئيل سموتريتش، والوزير إيتمار بن غفير، فضلا عن وزراء وأعضاء آخرين في الحكومة ينتمون لباقي أحزاب اليمين، ويرون أنه لا بد من إعادة النظر في الصفقة والمقابل الذي تريده المقاومة، وأن الموافقة تعني الخضوع وخسارة الحرب. وترى المعارضة من جهة أخرى أن هناك تباطؤ متعمد في اتخاذ القرار من قبل نتنياهو والتحالف اليميني داخل الحكومة، ما دفع وزير الدفاع غالانت مؤخرًا لعقد جلسة بديلة لبحث صفقة تبادل الأسرى الحالية، بعد رفض نتنياهو عقد المجلس الوزاري المصغر لمناقشتها.
وتضع قضية الأسرى نتنياهو في وضع صعب؛ حيث تتعقد ظروف الحرب أكثر، ويزداد الضغط الدولي عليه لوقف إطلاق النار، وتضيق الخيارات أمامه؛ فإما المضي قدمًا نحو إبرام صفقة تبادل ووقف لإطلاق النار، وحينها سيكون قد خالف حلفاءه من اليمين المتطرف في قضية مصيرية كتلك ربما لأول مرة، وسيلزمه آنذاك محاولة استرضاء اليمين وضمان استمرار دعمهم له، وإما الخيار الثاني وهو الوضع المعقد الذي يحاول أن يفرضه نتنياهو، عبر استمرار الحرب حتى القضاء على حماس، ورفض تحرير آلاف الأسرى الفلسطينيين، وعودة الأسرى الإسرائيليين، ويبدو هذا أمرًا صعبًا في ظل استفحال الانقسام بين النخبة السياسية الإسرائيلية، واستمرار نزيف الاقتصاد الإسرائيلي والاحتجاجات المطالبة بعودة المتظاهرين من جهة، والضغط الدولي لوقف إطلاق النار، والضغط لتقنين المساعدات الأمريكية من جهة أخرى[20].
– الأزمات اليومية:
لا تقتصر الأزمات التي يعاني منها الداخل الإسرائيلي على ما سبق ذكره فقط، فهناك العديد من الأزمات اليومية التي تواجهها مختلف القطاعات يوميًا منذ بداية الحرب، فعلى سبيل المثال يعاني نظام الرعاية الصحية والنفسية في إسرائيل منذ بداية الحرب؛ حيث وصل معظم المصابين إلى مستشفيات الجنوب بأعداد تفوق طاقتها بكثير، على سبيل المثال استقبل مركز سوروكا الطبي حوالي 700 فرد، منهم حوالي 120 في حالة خطيرة بينما كان السيناريو الأسوأ الذي توقعه المستشفى سابقًا هو استقبال ما لا يزيد عن 100-200 جريحا. وكذلك الحال بالنسبة لنظام الرعاية الاجتماعية، ففي يوم واحد تمت إضافة عشرات الآلاف من السكان إلى قوائم خدمات الرعاية الاجتماعية، بما في ذلك 126 ألف شخصا تم إجلاؤهم في حوالي 220 منشأة في جميع أنحاء البلاد. بالإضافة لذلك، فإن الغياب المؤقت عن العمل لنحو 20٪ من القوى العاملة إما بسبب الإجلاء، أو منع دخول العمال الفلسطينيين أو هجرة بعض العمالة الأجنبية، أو استدعاء قوات الاحتياط؛ كل هذا يمثل مزيدا من الضغط على الاقتصاد الإسرائيلي[21].
ثالثًا- اليوم التالي للحرب
يبدو اليوم التالي للحرب في إسرائيل شديد القتامة كذلك، فعلى الرغم مما تملكه من قدرات عسكرية هائلة ودعم دولي كبير، لم يحقق جيش الاحتلال الإسرائيلي أيًّا من أهدافه المعلنة طوال العدوان، بل على العكس فشل حتى اللحظة في مهماته الأساسية، كتحرير الأسرى، أو وقف إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية، أو تدمير المقاومة وتفكيك قدراتها العسكرية، وإعادة احتلال غزة. هذا الفشل يعني أن إسرائيل على موعد مع أزمة سياسية شديدة التعقيد وغير مسبوقة في تاريخها.
-
موجات احتجاج عنيفة
من المتوقع أن تشهد إسرائيل بعد الحرب موجة احتجاج غير مسبوقة، تفوق تلك التي شهدتها عقب حرب ١٩٧٣، لتطالب بإقالة حكومة اليمين، وتقديم المسؤولين عن هذا الفشل الأمني والعسكري غير المسبوق للمحاكمة، ولرفض الإصلاحات القضائية.
كذلك فإنه في حال لم يتم التوصل إلى حل توافقي بشأن تجنيد الحريديم حتى نهاية الشهر الحالي، ستكون حكومة نتنياهو ملزمة في أبريل المقبل بتقديم قانون الخدمة الإلزامية الجديد وقانون الاحتياط، الذي يتضمن تمديد الخدمة العسكرية النظامية وزيادة عدد أيام الاحتياط، ومن المتوقع أن القانون المذكور ستتم الموافقة عليه أيضا من قِبل أولئك الذين لا يتحملون العبء من أعضاء الحكومة والائتلاف من الأحزاب الحريدية. لكن وزير الدفاع يواف غالانت تحدث عن رفضه أن يمرر قانون التجنيد الجديد دون موافقة كل أحزاب الائتلاف الحكومي عليه، كما رفضت أحزاب المعسكر الوطني القانون كذلك، ما لم يتضمن بندا بالموافقة على زيادة عدد الإسرائيليين الذين يتم تجنيدهم تدريجيا في العقد المقبل، والمقصود هو ضم اليهود الحريديم للخدمة العسكرية الإلزامية. لذا فمن المتوقع مستقبلًا أن تواجه إسرائيل واحدة من أكبر الأزمات الاجتماعية على الإطلاق، لكن خطوط الصدع التي ستقسم المجتمع الإسرائيلي هذه المرة لن تكون سياسية فقط بل قيمية أيضًا. وإذا مُرر القانون بهذا الشكل، فإن إسرائيل تنتظر عاصفة الجنود النظاميين والاحتياط، بعد استيعابهم لهول صدمة الحرب الحالية، وهو ما يشكل خطرا كبيرا على تماسك المجتمع، ستكون له انعكاسات قوية على المؤسسة العسكرية والأمنية[22].
من جهة أخرى، ينتظر عرب الداخل كذلك بعد الحرب المزيد من تضييق الخناق عليهم بالحد من حرية التعبير، وإمكانية شطب ما يخصهم من أحزاب سياسية وتنظيمات المجتمع المدني، وملاحقة رجال العلم والصحافة، والنيْل من لجنة المتابعة العليا للجماهير الفلسطينية، وزيادة معدلات الإجرام بحقهم، خصوصًا في ظل عملية التسليح المستمرة للمجتمع الإسرائيلي، بالإضافة إلى تعالي أصوات عامة الإسرائيليين بضرورة تهجيرهم إلى الأردن ولبنان، وتصحيح ما يصفونه بخطأ الدولة حين تركتهم يعيشون في مدن كالجليل والمثلث والنقب عقب نكبة 1948، مما قد يدفعهم لحركة احتجاجات كتلك التي حدثت منذ عدة سنوات.
تنتظر إسرائيل بعد الحرب إذًا العديد من نقاط الاشتعال، لكن الأخطر هنا أن حركة الاحتجاجات هذه قد تتحول لحرب أهلية مسلحة، بالنظر لتسهيلات الحصول على السلاح، وحركة التسليح غير المسبوقة للمجتمع الإسرائيلي، التي قادها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.
-
لجنة تحقيق وتحالفات جديدة للحكم
بعد السادس من أكتوبر 1973 اشتعل الرأي العام الإسرائيلي غاضبًا من الفشل الاستخباراتي في توقع هجوم الجيش المصري آنذاك، وشُكلت لجنة تحقيق بقيادة رئيس المحكمة العليا أغرانات، وقد أقرت هذه اللجنة ما يسميه الإسرائيليون “ثقافة قطع الرؤوس” للرد على الفشل. لذا من المتوقع أن تُشكل لجنة كهذه تقوم بحركة إقالات جماعية كتلك التي حدثت مع قادة الجيش وبعض الوزراء، بالإضافة إلى استقالات آخرين على غرار ما فعلت جولدا مائير آنذاك، وإن كان يبدو أنه لا يمكن تنحية نتنياهو عن المشهد السياسي الإسرائيلي بسهولة.
بعد حرب ١٩٧٣، خسر حزب العمل الانتخابات، واتجهت خيارات المجتمع الإسرائيلي ناحية اليمين، فسيطر حزب الليكود على مقاليد الحكم بشكل كبير منذ ١٩٧٧، ومنذ ذلك الحين ونسبة اليمين المتطرف في ازدياد. والمتوقع بعد عملية طوفان الأقصى أن يبحث المجتمع الإسرائيلي كعادته عن قائد قوي يطبق نظرية الجدران الحديدية تجاه الشعب الفلسطيني، قادر على الخروج بالإسرائيليين من نفق الأزمات المظلم الذي دخلوا فيه بفعل الحكومة الحالية. لذا فمن المتوقع كذلك أن يتراجع نفوذ أحزاب الصهيونية الدينية، وهو ما حدث بالفعل باستبعاد نتنياهو لهم من مجلس الحرب المصغر، لكنه قد يتراجع بشكل أكبر بعد الحرب لصالح أحزاب يمينية أخرى، بالإضافة لبعض أحزاب الوسط واليسار.
ووفقًا لاستطلاع رأي أجرته القناة 13 الإسرائيلية مؤخرًا، يمكن لحزب يميني بقيادة نفتالي بينيت -رئيس الوزراء السابق- أن يكون بديلا للأحزاب اليمينية الحالية؛ حيث من الممكن أن يفوز بحوالي 19 مقعدًا في الانتخابات المقبلة، الأمر الذي من شأنه أن يعيد صياغة الخريطة السياسية بشكل كبير، مما قد يؤهله ليحل محل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وأظهر الاستطلاع أيضًا أن تحالف الوحدة الوطنية الوسطي بزعامة وزير الدفاع السابق بيني غانتس من المرجح أن يحصل على 22 مقعدًا -ارتفاعًا من 12 مقعدًا في عام 2022- في حين وصلت بعض الاستطلاعات بالعدد إلى ٤٠ مقعدًا، خاصة وأن التحالف يضم أعضاءً من أحزاب مختلفة، من بينها حزب الليكود نفسه، في حين أن حزب الليكود بزعامة نتنياهو وأحزاب الصهيونية الدينية من المتوقع أن تتراجع شعبيتها بقوة[23].
-
انعدام الثقة
يقول ألكسندر بيرنز -أستاذ التاريخ بجامعة الفرنسيسكان-: “فقد الشعب الإسرائيلي شعور الأمان الكامل منذ حرب الغفران، وبعد السابع من أكتوبر لا أظنه سيستعيده مرة أخرى، لقد ذهبت صورة إسرائيل التي لا تقهر، وحضرت صورة أكثر تواضعًا”، لذا فعلى المستوى الداخلي كان المجتمع الإسرائيلي يعاني أزمة ثقة في النظام السياسي قبل السابع من أكتوبر، لكنها استحالت بعد السابع من أكتوبر إلى ما يشبه انعدام الثقة بالكلية، وهو ما يعني أن الحكومة ستواجه صعوبة في منح سكان مستوطنات غلاف غزة والشمال الثقة مرة أخرى للعودة إلى ديارهم[24].
ولعل هذا ما يجعل الإسرائيليون متمسكين بالمنطقة العازلة بطول الجدار الفاصل بين قطاع غزة ومستوطنات الغلاف، ومحاولة عقد اتفاق دبلوماسي مع لبنان لإبعاد حزب الله لمسافة ستة أميال عن الحدود، كما سيتعيّن على الحكومة أيضًا أن تقنع شعبها بأنهم في أمان، على الرغم من فشل المخابرات الإسرائيلية الذريع في اكتشاف هجوم السابع من أكتوبر والتحذير منه، وفشل القوات الإسرائيلية في الدفاع عن المجتمعات القريبة من غزة[25].
-
وضع اقتصادي متدهور
وعلى الجانب الاقتصادي، فإن الزيادة في ميزانية الجيش ستأتي على حساب النمو الاقتصادي العام، لأنه كلما اتجهت الأموال للجيش والعسكرة، فإن النمو الاقتصادي سيتراجع. كذلك فإن هذه الزيادة تأتي على حساب مشاريع بنى تحتية، وتعليم ورفاه، واستثمارات من شأنها أن تشجع حركة الاقتصاد وتزيد فرص العمل، مما سيؤثر على كافة شرائح المجتمع الإسرائيلي، والفئات الأفقر منها بشكل خاص، مما يؤشر على مزيد من المشاكل التي ستواجهها الحكومة الحالية والحكومات القادمة على مستوى الجبهة الداخلية. بالإضافة إلى مشكلات مجتمعية تتعلق بالبطالة، وارتفاع معدلات الفقر، ونقص الناتج المحلي، وهو ما تشير إليه العديد من الدراسات التي خرجت من إسرائيل أثناء الحرب الحالية، من أن إسرائيل ستحتاج سنوات لتتعافى من آثار هذه الحرب اقتصاديًّا.
خاتمة:
بالإضافة للوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المتأزم الذي يعاني وسيعاني منه المجتمع الإسرائيلي في قابل الأيام، فإن لعملية “طوفان الأقصى” تأثير أهم على مستوى التصورات الجماعية للإسرائيليين أنفسهم، فما حدث في السابع من أكتوبر ليس مجرد هزيمة عسكرية لإسرائيل، لكنها خسارة أدت لانحلال وتآكل جزء ليس بالهين من الأساطير التي تتمترس ورائها وتصدرها إسرائيل للخارج والداخل طوال الوقت، ومع استمرار الحرب ستزداد وتيرة هذا الانحلال والتآكل تحت وطأة فشل تحقيق الأهداف المعلنة؛ فالمجتمع الذي يعرِّف نفسه ويستمد هويته من الصراع منذ نشأته، لن تستطيع أي سردية أو صورة للنصر أن تمحو أثر تلك الخسارة من مخيلته.
من جهة أخرى دفعت “طوفان الأقصى” الإسرائيليين لمساءلة أنفسهم: هل قرأوا قدرات الفلسطينيين على الصمود في وجه سياستهم الحربية، وعلى مقاومتهم وعدم تمكنهم من تحقيق نصر عسكري بشكل صحيح؟ فأثناء الحرب تعالت أصوات الداخل تتمنى على قادة إسرائيل التحلّي بقدر من التواضع في كل ما يرتبط بقدرات الجيش الإسرائيلي ومحدودية هذه القدرات من جهة، وبمقدرتهم معرفة إمكانات الخصم من جهة أخرى. هذا الاعتراف بمحدودية القدرات الأمنية والدفاعية يدفع في اتجاهين مختلفين: اتجاه يرى ضرورة إبعاد الفلسطينيين عن أراضيهم، حتى يستعيد الإسرائيليون شعور الأمان؛ فيهجَّر أهل غزة لمصر، ويهجر أهل الضفة و48 للأردن، وهناك اتجاه آخر يرى أنه لا بد لإسرائيل أن تتعافى من إدمانها للعنف كحل لكل أزماتها السياسية. ووفقًا لأستاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا زئيف ماعوز يكمن تعافي إسرائيل من العنف في هزيمة قاسية، تجبرها على دفع ثمن اختيار العنف كحل أولي لكافة مشاكلها السياسية.
ختامًا، تبدو مقولة إن “ما قبل السابع من أكتوبر ليس كما بعده”، مقولة شديدة الحقيقية والكثافة، تختزن بداخلها تغيرات غير مسبوقة ومستمرة حتى الآن، على مختلف المستويات الدولية والإقليمية، والداخلية الفلسطينية والإسرائيلية، يصعب التكهن بكل سيناريوهاتها المحتملة، لكثرة الفاعلين، وتداخل وتعقد المشهد وتسارعه، لكن إحدى حقائقها شديدة الوضوح أن الداخل الإسرائيلي يألم ربما للمرة الأولى بهذا الشكل غير المسبوق، ويتحمل جزاء ما كسبت حكوماته ومستوطنيه لعقود من الزمن.
______________
هوامش
[1] Meir Elran and Kobi Michael, The Formative Socio-Political Crisis in Israel: Implications for National Security, Strategic Assessment, Vol. 26, No. 2, July 2023, pp.137-145.
[2] Ibid, pp.137-145.
[3] عباس إسماعيل، التحوّلات البنيوية في المجتمع الإسرائيلي ودلالاتها، مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية، ١٠مارس٢٠٢٣، تاريخ الاطلاع: ٢٩ فبراير ٢٠٢٤، https://2u.pw/FppyNw5I
[4] Bar pleg, Israel’s Poverty Rate Is among the Highest in the Developed World, New Report Shows, Haaretz, 23Dec2023, accessed at 27 Feb2024, available at: https://2u.pw/Xp0txxJ
[5] Pnina Sharvit Baruch & Bell E. Yosef, The Independence of the Courts and Israel’s National Security, the institute for National security studies, 19 Feb. 2023.
[6] محمود جرابعة، صراع التعديلات وتداعياته على الإسرائيليين والفلسطينين، مركز الجزيرة للدراسات، تاريخ النشر: ٢٦ مارس ٢٠٢٣، تاريخ الاطلاع: ٤ مارس ٢٠٢٤، https://2u.pw/3VonhsyX
[7] Meir Elran and Kobi Michael, The Formative Socio-Political Crisis in Israel: Implications for National Security,Strategic Assessment,Vol. 26, No. 2,pp.137-145. July 2023.
[8] The Haredi Exemption, Israel Policy Fourm, 7 Jul 2023, accessed at 7 Mar 2024, available at: https://2u.pw/DSRJ4js
[9] المرجع السابق.
[10] عباس إسماعيل، التحوّلات البنيوية في المجتمع الإسرائيلي ودلالاتها، مرجع سابق.
[11] محمد وتد، قانون التجنيد الجديد يفتح أزمة جديدة لنتنياهو تهدد بتفكك حكومته، موقع الجزيرة نت، ١مارس٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٧مارس٢٠٢٤، https://2u.pw/bmKCjkhy
[12] عبدالقادر بدوي، دراسة جديدة: ديموغرافية إسرائيل مع بداية العقد الجديد..التداعيات والأبعاد القومية، مدار، ٢٦ يوليو ٢٠٢١، تاريخ الاطلاع: ٣٠ فبراير ٢٠٢٤، https://2u.pw/CFXPn9d
[13] المرجع السابق
[14] عباس إسماعيل، التحوّلات البنيوية في المجتمع الإسرائيلي ودلالاتها، مرجع سابق.
[15] هيئة التحرير، الحرب على غزة..سياسة الإخراس والترهيب والملاحقة تجاه الفلسطينيين في إسرائيل، مركز مدى الكرم لللأبحاث، نوفمبر ٢٠٢٣، https://2u.pw/RjJLLtZ
[16]هيئة التحرير، تداعيات طوفان الأقصى على الاقتصاد الإسرائيلي: تكاليف باهظة، مركز الجزيرة للدراسات، ٣٠ أكتوبر ٢٠٢٣، تاريخ الاطلاع: ١٠ مارس ٢٠٢٤، https://2u.pw/W4a4UCu
[17] محمد وتد، تفاصيل خطة إسرائيلية لجلب اليهود وتوطينهم بغلاف غزة والضفة، الجزيرة نت، ١٧ فبراير ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٣ مارس ٢٠٢٤، https://2u.pw/Yh6qTpP.
[18] برهوم جرايسي، أزمة الاقتصاد الإسرائيلي: انكماش غير مسبوق ومديونية العائلات في ارتفاع وميزانية الجيش ستتضاعف، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، ٢٦ فبراير ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٦ مارس ٢٠٢٤، https://2u.pw/tLYckgI
[19] Steve Hendrix, Heidi Levine and Loveday Morris, After releases, an invisible divide separates Israel’s hostage families, the Washington post, Dec. 2023, accessed at: 9 Mar. 2024, available at: https://2u.pw/xtCAI4g
[20] Claire Duhamel, Alexandra VARDI, Lauren BAIN, Israeli society more divided than ever over issue of Gaza hostages, france24, 2 Feb. 2024, accessed at: 6 Mar. 2024, available at: https://2u.pw/sRvfKMbg
[21] Chen Mashiach, The October War and Its Impact on Israel’s Society and Economy, Taub center, 25 Dec2024, Accessed at: 8 Mar. 2024, available at: https://2u.pw/YQFh4l66
[22] Daniel Byman, A Future Look Back at Israel’s War on Hamas: How a pre-mortem analysis could limit potential failures in Gaza, Foreign policy, 26 Dec. 2023, accessed at: 9 Mar. 2024, available at: https://2u.pw/GXvzvrs
[23] JAMIE DETTMER, Clashing visions of Israel’s future, politico, 29 Jan. 2024, accessed at: 12 March 2024, available at: https://2u.pw/wi7wWh6.
[24] OLIVIA B. WAXMAN,How the Yom Kippur War Changed Israel,Time, 11Oct.2024, accessed at: 13March.2024, available at: https://2u.pw/7hMWVv45
[25] كفاح زبون، إسرائيل تغيّر تكتيكاتها القتالية في غزة… وتواصل العمل على «المنطقة العازلة»، الشرق الأوسط، ٢ فبراير٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ١٤مارس٢٠٢٤، https://2u.pw/CvQkfQsj
- نُشر التقرير في فصلية قضايا ونظرات- العدد الثالث والثلاثون- أبريل 2024