حلقة جديدة في الأزمة الليبية: الاتفاق الليبي-الليبي

مقدمة:

أخذت الحملة العسكرية “كرامة ليبيا” التي شنتها قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة “طرابلس” بالانحسار والتقهقر وتحول مسار الحرب لصالح “حكومة الوفاق الوطني” في طرابلس بعد الهجوم المضاد الذي شنته تحت اسم “بركان الغضب” بفضل الدعم التركي العسكري الذي مَكَّنها من تكبيد قوات حفتر خسائر كبيرة وإخراج قواته من محيط طرابلس ومن قاعدة الوطية الجوية في يونيو 2020، وألجأها إلى التراجع حتي بلغت مدينة “سرت” الساحلية وقاعدة “الجفرة” الجنوبية لتضرب قوات البركان عليهما حصارًا. منذ ذلك الحين تعالت نداءات وقف اطلاق النار من أطراف دولية متداخلة في الأزمة الليبية وكان أبرزها المصري والروسي لاعتبارات استراتيجية على رأسها الهزائم التي لحقت بحليفهم بشرق ليبيا. وقد بدا واضحا الغضب المصري من التقدم المحرز لصالح قوات الوفاق حتي هدد الرئيس المصري بأن “مدينة سرت” و”قاعدة الجفرة” خط أحمر النسبة لمصر وأن أي تقدم فيهما سيستدعي تدخلًا عسكريًا مصريًا، وظهر من اللقاء الذي جمع بين السيسي وحفتر وعقيلة صالح بالقاهرة حالة من الاضطراب والقلق حول تلك الهزائم المتتالية آنذاك، والتي نتج عنها تراجع مكانة حفتر العسكرية والسياسية وبروز نجم عقيلة صالح كطرف رئيسي في الأزمة الليبية.

وثبت من ذلك فاعلية التدخل التركي وقدرة حكومة الوفاق على تثبيت أركانها فعليا على الأرض، وأن النهج العسكري الذي كان يصر عليه حفتر كحل وحيد للأزمة الليبية وفرض هيمنته على كامل التراب الليبي كبده خسائر كبيرة وتراجع لصالح الحلول السياسية والدبلوماسية، ليمنح ذلك كافة مسارات التسوية الحالية والتي تعد امتدادا لمؤتمر برلين ومباحثات جنيف جدية وحافزا لتصبح أكثر فاعلية في حلحلة الأزمة الليبية والخروج من عنق المرحلة الانتقالية والاتفاق على كيفية إدارتها.

ونرصد بالتحليل في هذا التقرير آخر مستجدات مسارات تسوية الأزمة بين أطراف الصراع في ليبيا، ومحاور المفاوضات الحالية، وأهم تحديات تلك المسارات، والسيناريوهات المحتملة للأزمة الليبية في ظل الاتفاق “الليبي-الليبي” الجديد.

أولًا- مسارات تسوية الأزمة بين أطراف الصراع الليبي:

تأتي مسارات التفاوض الحالية كامتداد للمسارات الثلاثة (العسكري، والاقتصادي، والسياسي) التي انبثقت عن مؤتمر برلين المنعقد في أوائل العام الحالي، وتبناها مجلس الأمن بقراره 2510، الذي دعا الطرفين للتوصل إلى اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار. وقد دفعت الهزائم التي لحقت بقوات حفتر وتحقق توازن نسبي في الردع بين الطرفين بتلك المفاوضات إلى مزيد من الجدية خاصة من طرف حفتر الذي كثيرا ما انتهكت قواته كافة المحاولات السابقة لوقف اطلاق النار على نطاق واسع. ومنذ 21 أغسطس الماضي يسود في ليبيا وقف لإطلاق النار بعد هدنة أُبرمت بين رئيس حكومة الوفاق فايز السراج ورئيس البرلمان المجتمع بطبرق عقيلة صالح، تحولت لاحقا لوقف دائم لإطلاق النار والعمليات القتالية في عموم البلاد، والتوافق على جعل منطقتي سرت والجفرة منزوعتي السلاح تحت تأمين عناصر أمنية؛ بناء على محادثات أميركية مع الطرفين[1]، إضافة إلى إعادة تصدير النفط، والتمهيد لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في مارس المقبل. وقد أشارت عدة تقارير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي أقنعت أطرافاً وأجبرت أخرى على القبول بهذا الحل لمعضلة سرت والجفرة[2]. وبالرغم مما ظهر من حديث المتحدث باسم قوات حفتر “المسماري” من تململ حفتر وعدم قبوله بالاتفاق بين السراج وعقيلة صالح إلا أن معسكر حفتر أعلن في النهاية قبوله باتفاق وقف اطلاق النار[3]؛ لتبدأ عملية تفاوض شاملة بين لجان تمثل الحكومة الليبية وبرلمان طبرق.

وكان قد سبق هذه العملية الشاملة جولة أولى من الحوار الليبي ما بين 6 و10 من سبتمبر الماضي، جمع وفدي المجلس الأعلى للدولة ومجلس نواب طبرق بالمغرب ولحقتها عدة لقاءات أخرى عقب اتفاق الهدنة بمدينة بوزنيقة المغربية وجنيف والقاهرة وتضمنت عدة ملفات رئيسية. فقد ركزت المفاوضات المغرب على تقاسم المناصب السيادية، وإدارة تشكيل حكومة انتقالية جديدة، والملف العسكري ووقف اطلاق النار ووجود المرتزقة، وملف الاقتصاد الليبي خاصة ملفات: الأموال الليبية بالخارج والمؤسسات الاقتصادية وملف النفط الليبي، وقد تعززت كافة المسارات وأصبحت أكثر جدية بالهدنة التي تحولت لاتفاق لوقف دائم لإطلاق النار بين الطرفين والتي دُعِمت بإجراءات بناء الثقة بينها. ونستعرض فيما يلي اتفاق وقف اطلاق النار والمسارات الثلاثة لحل الأزمة الليبية:

  • اتفاق وقف إطلاق النار:

بعد مفاوضات استمرت خمسة أيام ضمن الجولة الرابعة من المحادثات في جنيف بين أعضاء اللجنة العسكرية الليبية المشتركة “5+5″؛ أبرم طرفا النزاع في ليبيا اتفاقا لوقف دائم لإطلاق النار في كل مناطق ليبيا برعاية الأمم المتحدة، وقد دخل الاتفاق حيز التنفيذ (الجمعة 23 أكتوبر 2020). ومثل الوفدان الموقعان قوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليا وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وقد اتفقا على الانسحاب عسكريا من سرت والجفرة، وأن يغادر جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب ليبيا في غضون ثلاثة أشهر من توقيع الاتفاق، وتحديد المجموعات المسلحة الوطنية ودمجها في مؤسسات الدولة الليبية. ومن المقرر أن تبحث الاجتماعات المقبلة للجنة 5+5 توحيد المؤسسات العسكرية الليبية. كما طلب الطرفان رفع الاتفاق إلى مجلس الأمن الدولي لاعتماد قرار ملزم لكل الجهات بوقف دائم لإطلاق النار، وقد أكدت المبعوثة الأممية بالإنابة “ستيفاني وليامز” أن المجلس يدعم الاتفاق، وأنه سيستخدم العقوبات ضد من يعرقله[4].

وقد لاقى الاتفاق ترحيبا دوليا كبيرا، غير أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان -الذي دعّم بقوة قوات حكومة الوفاق- كان له رأيٌ آخر، وقد أعرب عن اعتقاده بأن توقيع اتفاقٍ لوقف إطلاق نار دائم في ليبيا ضعيف المصداقية، وقال إن الاتفاق تم على مستوى مندوبيْن “أحدهما يمثل الانقلابي حفتر”، والآخر قائد عسكري من مصراتة يمثل حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فايز السراج، ولفت إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا ليس اتفاقا على أعلى مستوى، وشكك في استمراه ونجاحه: “ستُظهر الأيام مدى صموده”، وأردف: “أتمنى أن يتم الالتزام بهذا القرار لوقف إطلاق النار”.

وتحمل انتقادات الرئيس التركي لاتفاق وقف إطلاق النار عدة دلالات يشير بعضها إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا لم يكن على مستوى تطلعات تركيا، خاصة أنه لم يستند إلى ما وصفتها الرئاسة التركية -في وقت سابق- بعودة خطوط الجبهة في ليبيا عام 2015، وهو ما يستدعي انسحاب قوات حفتر من مدينة سرت المطلة على البحر المتوسط، والتي تعد بوابة العبور إلى حقول النفط في الشرق، وكذلك انسحابها من قاعدة الجفرة الجوية. ويشير ذلك إلى تخوف تركي من انتكاسة الجهود التي بذلتها تركيا مع قوات حكومة الوفاق لدحر قوات حفتر؛ حيث ترى أنقرة ضرورة تبني موقف قوي لإبعاد خليفة حفتر عن المشهد الليبي في الفترة المقبلة، فضلا عن أن الاتفاق لم يقدم حلولا واضحة لمشاكل عالقة كمسألة المقاتلين الأجانب الذين جلبهم الروس والإماراتيون وكيف سيتم سحبهم من ليبيا في غضون ثلاثة أشهر. ومن جهة أخرى تتخوف تركيا من تهميش دورها في المرحلة المقبلة بعد دورها الكبير في دعم حكومة الوفاق وما ترتب عليه من ترابط في المصالح بينهما، ومصير الاتفاقية الأمنية التي أبرمتها تركيا مع حكومة السراج؛ لأن أحد بنود الاتفاق ينص على “تعليق الاتفاقيات العسكرية التي أبرمتها أطراف الصراع في ليبيا”[5].

ويواجه هذا الاتفاق اختبارًا حقيقيًّا من حيث التطبيق وآليات المراقبة المحلية والدولية له؛ وهو ما عبَّر عنه مراقبون أن الاتفاق قد ينزع فتيل الصراع العسكري للأزمة شريطة إبعاد أي أطراف محلية قد تعرقله. وصمود الاتفاق يتوقف على توافق ودعم دولي من الدول المعنيّة بالأزمة الليبيّة، وعلى رأسها: روسيا وتركيا، على ضرورة تطبيق كافة بنوده، ومن أهمها: انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، وإبعاد شخصية حفتر من المشهد نهائيا، وضمان عدم خرقه أو تلاعبه بهذا الاتفاق[6].

  • محاور المفاوضات

أ. مباحثات اللجنة العسكرية المشتركة

تمثل أول مسارات حل الأزمة في: اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5)، تحت رعاية الأمم المتحدة بجنيف. وشارك بها خمسة من كبار الضباط ممثلين عن حكومة الوفاق وخمسة من كبار الضباط يمثلون قوات حفتر، والتي عقد منها أربع جولات حتى الآن؛ أُولاها كانت (الاثنين 3 فبراير 2020)، وجرى الاتفاق حينها على ضرورة استمرار التفاوض وصولا لاتفاقية شاملة لوقف إطلاق النار في ليبيا، وبالرغم من تأكيد الطرفين على استمرار الهدنة التي بدأت حينها في 12 يناير الماضي وعلى أهمية احترامها وتجنب خرقها لكنها لم تستمر، وقد دعم الطرفان حينها عملية تبادل الأسرى وإعادة الجثامين، وضرورة الإسراع بعودة النازحين إلى منازلهم لا سيما في مناطق الاشتباكات[7].

وكانت المرحلة الثانية؛ التي بدأت (الثلاثاء 18 فبراير 2020) قد توصلت فيها اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» إلى مسودة اتفاق وقف مستدام لإطلاق النار وإعادة الأمن والاستقرار إلى المناطق المدنية، وذلك في نهاية الجولة الثانية من المحادثات؛ إذ اتفق الطرفان على عرض المسودة على قيادتيهما لمزيد من التشاور. على أن تلتقي اللجنة في جنيف لاستئناف المباحثات في شهر (مارس 2020)، واستكمال إعداد اختصاصات ومهام اللجان الفرعية اللازمة لتنفيذ الاتفاق المنشود، وعملت البعثة مع الطرفين خلال هذه الجولة على «إعداد مسودة اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار وتسهيل العودة الآمنة للمدنيين إلى مناطقهم، مع وجود آلية مراقبة مشتركة تقودها وتشرف عليها كل من البعثة واللجنة العسكرية[8]، إلا كل تلك التفاهمات ظلت حبيسة غرف المفاوضات ولم تحقق أي تغيير على حالة المعارك على الأرض.

وقد أحدثت الانتصارات التي حققتها قوات الوفاق حتى بلوغها مدينة سرت والجفرة فيما بعد هزة عنيفة في صلابة حفتر تجاه وقف إطلاق النار، ومع ضعف دور حفتر العسكري وبروز عقيلة صالح لقيادة مفاوضات مع حكومة الوفاق لإيقاف حالة الاحتراب الدائرة، برز دور اللجنة العسكرية المشتركة مجددا والتي انتهت اجتماعاتها بجنيف 23 أكتوبر بتوقيع اتفاق لوقف اطلاق النار والتأكيد على إخراج المرتزقة من ليبيا، وقد انتهت اللجنة في اجتماع آخر لها بمدينة الغردقة المصرية إلى الاتفاق على تشكيل قوة شرطة ليبية مشتركة بسلاح خفيف ومتوسط؛ مؤلفة من عناصر أمنية من حكومة الوفاق والحكومة الموقتة للإشراف على أمن المدينة؛ تمهيداً لإخلاء المدينة من السلاح واحتضانها سلطة ليبية جديدة وموحدة بعد انسحاب قوات طرفي الصراع منها[9].

وعقدت اللجنة اجتماعها الأخير -والجولة الخامسة لها- في مدينة غدامس (غرب)، موصيةً باستئناف الطيران إلى سبها وغدامس وتأهيل المطارات وفق الحاجة، وقد اتفقت أيضا على تشكيل لجنة عسكرية فرعية للإشراف على عودة القوات إلى مقراتها وسحب المرتزقة من خطوط التماسّ، وكذلك تدبير مراقبة وقف إطلاق النار بمشاركة مراقبين دوليين. وانتظار ما ستسفر عنه نتائج الاجتماع المقرّر في السادس عشر من الشهر الجاري في مدينة البريقة، من أجل التوافق على توحيد «حرس المنشآت النفطية»، وكان من المفترض أن تعقد لقاءات أخرى للجنة قبل هذا الموعد في مدينة سرت، التي اتُّخذت مقرّاً رئيسياً للاجتماعات خلال المرحلة المقبلة[10].

ب. المباحثات السياسية

عُقدت أولى جولات المسار السياسي (الأربعاء 26 فبراير 2020) بهدف الوصول لأرضية سياسية مشتركة تؤول لاتفاق سياسي شامل؛ وكان من المفترض أن يضم الحوار السياسي 13 ممثلاً عن برلمان طبرق الداعم لقوات حفتر و13 ممثلاً عن مجلس الدولة الموالي لحكومة الوفاق[11]، بالإضافة لشخصيات سياسية ليبية وزعماء أحزاب تلقت دعوة من غسان سلامة المبعوث الأممي لليبيا آنذاك[12]، إلا أنها تمت في أجواء ساخنة كان القتال محتدما حينها بين الطرفين، لتستأنف مفاوضات المسار السياسي قبيل الهدنة التي أعلنها السراج وعقيلة صالح في مدينة بوزنيقة المغربية، وجاء معها ملتقى الحوار الليبي بتونس ليكون استكمالا للجولات السابقة وعوضا عن الملتقي الجامع الذي كان مخططا له قبل هجوم حفتر على طرابلس في مارس من العام الماضي 2019.

ويبحث المسار السياسي عدة قضايا جوهرية في مسألة التسوية السياسية خلال ثلاثة مسارات رئيسية، هي: المسار التنفيذي في جنيف، والمناصب السيادية في المغرب، والمسار الدستوري في مصر، تتضمن بمجموعها توحيد المؤسسات، ووضع رؤية وبرامج محددة لحلحلة الوضع المعيشي والمتأزم في ليبيا، وغيرها كمسألة التشكيلات المسلحة، وتتلخص في تشكيل مجلس رئاسي من رئيس ونائبين وحكومة منفصلة عنه، ثم وضع معايير شاغلي المناصب السيادية انتهاء بالمسار الدستوري. وفيما يلي إشارات إلى مضامين هذه الأمور:

  • اتفاق المناصب السيادية:

عقدت جولتان من المباحثات بالمغرب بين الطرفين أولاهما كانت ما بين 6 و10 من شهر سبتمبر الماضي بمدينة بوزنيقة الساحلية جنوبي العاصمة المغربية الرباط، والذي نتج عنه اتفاق وفدي المجلس الأعلى للدولة الليبي ومجلس النواب بطبرق على مسودة اتفاق بشأن معايير اختيار شاغلي المناصب السيادية في انتظار اعتماده من قبل المجلسين. وكان الطرفان أعلنا في 10 سبتمبر الماضي توصلهما لاتفاق شامل بشأن المعايير والآليات الشفافة والموضوعية لتولي المناصب السيادية بهدف توحيدها، ويتعلق الاتفاق بتطبيق المادة 15 من اتفاق الصخيرات السياسي، الموقع في 17 ديسمبر 2015. ونظرا للانقسام الكبير في ليبيا بين شرقها وغربها، فإن أغلب هذه المؤسسات السيادية، إن لم يكن كلها، أصبحت منقسمة، وبرأسين. ومن بين المؤسسات الأخرى غير السيادية التي من الممكن إخضاعها لنفس آليات التعيين: المؤسسة الوطنية للنفط، والمؤسسة الليبية للاستثمار، بالنظر إلى ثقلهما الاقتصادي والمالي، والتنافس المحموم عليهما[13].

وقد استؤنفت مفاوضات الجولة الأولى في أواخر شهر سبتمبر، وقد أحرزت تقدما حول آلية اختيار المؤسسات السيادية والرقابية والقانونية، وعلى طرق وآليات الترشيح لهذه المؤسسات السيادية، إلا أن رئيس مجلس النواب المنعقد في طبرق عقيلة صالح قال في مقابلة تلفزيونية آنذاك إنه يشترط الاعتراف بمخرجات برلين وإعلان القاهرة من المجلس الأعلى للدولة ورئيسه خالد المشري قبل أي لقاء بينهما وقد كانت هناك مساعٍ مغربية لعقد لقاء رسمي بينهما، وأبدى المشري استعداده للحضور، لكن ظهر تردد من جانب عقيلة[14].

ثم انطلقت الجولة الثانية من المفاوضات أوائل شهر أكتوبر من أجل استكمال الإجراءات اللازمة التي تضمن تنفيذ وتفعيل هذا الاتفاق، وقد تُوِّجت بالتوصل إلى تفاهمات شاملة بشأن معايير اختيار المناصب القيادية للمؤسسات السيادية التي تحددها المادة الـ15 من الاتفاق السياسي الموقَّع في الصخيرات عام 2015، وأنهما يضعان التفاهمات التي جرى الاتفاق بشأنها رهن إشارة مؤسستي المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب بطبرق للتصديق عليها[15].

  • حكومة جديدة ومقرها سرت

كان من نتائج المباحثات بين أطراف الأزمة التوافق على اختيار مدينة “سرت” لتكون مقرا جديدا للسلطة التنفيذية المرتقب تشكيلها، كون كل الأطراف الليبية تستطيع أن تصل إلى هذه المدينة (التي يسيطر عليها حفتر الآن)، وتتوفر بها البنية التحتية التي تحتاجها السلطة المؤقتة، حسب ما صرح عقيلة صالح، إلا أن عضو لجنة الحوار عن مجلس الدولة، عبد القادر احويلي أكد أن “كل ما قاله رئيس البرلمان يعد حتى الآن مبادئ فقط، ولم يصل إلى مرحلة الاتفاقات، كون المخرجات المبدئية في مونترو وبوزنيقة والقاهرة تحتاج إلى اعتماد: إما من مجلس النواب مجتمعا ومجلس الدولة أيضا مجتمعا، أو لجنة الحوار السياسي الليبي المجتمعة في تونس”[16]. ويشترط عقيلة صالح جعل سرت والجفرة منزوعتي السلاح بجعل سرت مقرا للحكومة المؤقتة؛ وهو يثير تساؤلات حول قدرة عقيلة صالح على فرض قرار انسحابات المرتزقة الروس من سرت والجفرة وجعلهما منزوعتي السلاح حتي تصبح سرت مقرا للحكومة الجديدة المؤقتة.

 

  • المسار الدستوري

استضافت القاهرة في 11 أكتوبر الماضي وفدين من المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب بطبرق، للتباحث بشأن المسار الدستوري لحل الأزمة الليبية، وتتكون اللجنة من عشرة أشخاص، بينهم ثلاثة من أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي بصفة مستشارين، وستعمل البعثة الأممية في النهاية على جمع المشاركين بحوارات جميع المسارات في جلسة واحدة، لإجراء صياغة نهائية لما جرى التوصل إليه[17].

وقد خلصت اجتماعات طرفي النزاع الليبي في مصر حول المسار الدستوري إلى الاتفاق على عقد جولة ثانية من المباحثات، وفق ما جاء في البيان الختامي للاجتماعات. وأضاف البيان: “أجريت مُناقشات قانونية حول إمكانية الاستفتاء على مشروع الدستور الحالي من عدمه، وطُرِحت على طاولة المفاوضات آراء ومقترحات عِدة (لم يكشفها البيان)”. وقد تمسك مجلس الدولة بضرورة إجراء استفتاء لليبيين على مشروع الدستور، فيما دعا برلمان طبرق إلى تعديله، وحثَّت البعثة الأممية الحاضرين على ضرورة الخروج باتفاق قانوني يضمن ترتيبات دستورية توافقية تسمَحُ بتفعيل الاتفاق السياسي الشامل، وفق ما جاء في البيان. وأفاد البيان بأن “الطرفين أبديا مرونة فائقة في الحوار، واتفقا على الاستمرار في المناقشات، وأعربا عن رغبتِهِما في عقد جولة ثانية في مصر لاستكمال المُناقشات البناءة حول الترتيبات الدستورية”[18].

  • الانتخابات البرلمانية والرئاسية

وفي نفس السياق جرت مشاورات بين الأطراف الليبية في مونترو السويسرية في الفترة من 7 إلى 9 سبتمبر الماضي، وكانت الأطراف الليبية التي اجتمعت في مونترو رفعت توصياتها إلى الحوار الشامل الذي سيعقد في الفترة القادمة في جنيف برعاية البعثة الأممية. ومن أهم هذه التوصيات: الذهاب إلى مرحلة انتقالية جديدة مدتها 18 شهرا، وتعديل المجلس الرئاسي، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وفق قاعدة دستورية[19]. ووفق البيان الختامي للمشاورات ستبدأ هذه الفترة (الانتقالية) بإعادة تشكيل المجلس الرئاسي، وإنشاء حكومة وحدة وطنية تمثل الجميع وتكرس جهودها لتقديم الخدمات وتهيئة الظروف اللازمة لإجراء الانتخابات الوطنية، ويشمل ذلك تنفيذ قانون العفو الذي أقره البرلمان، وتسهيل عودة النازحين ومن يعيشون في الشتات، كخطوة ضرورية لتحقيق المصالحة الوطنية التي تشتد الحاجة إليها. كما ثمن البيان مقترح “نقل الوظائف والمكاتب الحكومية الرئيسية مثل السلطة التنفيذية ومجلس النواب، على أساس مؤقت، إلى سرت بعد تنفيذ الترتيبات الأمنية واللوجستية المناسبة[20].

وفي لوزان السويسرية، جرت مباحثات أخرى بين ممثلين عن مجلسي النواب في طبرق والأعلى للدولة والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، كاستكمال لمباحثات “مونترو”، ومهدت هذه المباحثات للملتقى السياسي الليبي الـمُنعقد في تونس من 8 إلى 11 نوفمبر 2020. وناقشت الوفود المجتمعة في لوزان آليات إعادة تشكيل المجلس الرئاسي، وإنشاء حكومة وحدة وطنية، ومعايير اختيار وزراء الحكومة وفصلها عن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني. وتوافقت الوفود في اجتماعات “مونترو” السابقة حول إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في نهاية فترة انتقالية تمتد إلى 18 شهرا وفق إطار دستوري يتم الاتفاق عليه[21].

وقد صرح عقيلة صالح أن فترة السلطة المؤقتة قسمت إلى ثلاث مراحل، الأولى- توحيد المؤسسات الليبية، وتوفير حاجات المواطنين الليبيين، والثانية- إقرار القواعد الدستورية والقانونية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ثم الثالثة- الانتخابات، ويختار الشعب الليبي رئيسا ومجلس نواب جديدا”[22].

  • ملتقي الحوار السياسي الليبي بتونس

يأتي ملتقى الحوار السياسي الليبي بتونس كقناة جامعة لكافة المسارات السياسية السابقة، بهدف وضع ترتيبات الحكم والتمهيد لإجراء انتخابات في أقصر فترة ممكنة. وهدف الملتقى -بشكل عام- إلى تحقيق رؤية موحدة بشأن إطار وترتيبات الحكم، والتي ستفضي إلى إجراء انتخابات وطنية في أقصر إطار زمني ممكن من أجل استعادة سيادة ليبيا والشرعية الديمقراطية للمؤسسات الليبية، وسيأخذ الملتقى في الاعتبار توصيات مونترو، والتفاهمات التي توصل إليها الليبيون في محادثات بوزنيقة والقاهرة[23].

وقد عقدت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة ستيفاني وليامز أول اجتماع -عبر آلية الاتصال الافتراضي- في مسار ملتقى الحوار السياسي الليبي، والذي كان بمثابة لقاء تحضيري تم خلاله إطلاع أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي على ما تم إنجازه مؤخرا في المسارات العسكرية والاقتصادية ومسار حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وقد انطلقت الاجتماعات المباشرة بين أعضاء الحوار الليبي ابتداء من يوم 9 نوفمبر في العاصمة التونسية.

واتفق المشاركون في ملتقى الحوار الليبي على إطلاق عملية سياسية سُميت “المرحلة التمهيدية للحل الشامل”، ونص الاتفاق على صون سيادة الدولة الليبية وتعهدِ أطراف النزاع بعدم ارتهان القرار الليبي ومقدرات البلاد لأي قوة خارجية، وتوحيد مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية. وبشأن السلطة السياسية، نصَّت الوثيقة على أنها تتكون من المجلس الرئاسي، الذي تُمثل فيه أقاليم البلاد الثلاثة بالتساوي، وحكومة الوحدة الوطنية، على أن تُنتخب الهيئتان بشكل متزامن من طرف ملتقى الحوار السياسي الليبي. وأشارت الوثيقة إلى أن المرحلة التمهيدية للحل الشامل تبدأ من منح الثقة للحكومة القادمة، على ألا تتجاوز 18 شهرا، وتنتهي بانتخابات رئاسية وبرلمانية.

ثانيًا- تحديات الاتفاق الليبي-الليبي:

على الرغم من الجهود المبذولة من البعثة الأممية وطرفي الأزمة الليبية خلال المباحثات السالف ذكرها بكافة مساراتها للوصول لاتفاق جامع حول إدارة المرحلة الانتقالية والوصول لسلطة تنفيذية وتشريعية منتخبة، وذلك بالتوازي مع محاولات الوصول لاتفاق حول إدارة ملفات جوهرية وأحد أكبر مسببات استمرار الصراع في ليبيا بالمرحلة الانتقالية، وآخرها التجهيزات الحالية للمؤتمر الجامع بتونس لتحديد مسارات مهمة تخص إجراء انتخابات ديمقراطية في ليبيا، إلا أن هناك عدة تحديات في إدارة المسارات السابقة بالمرحلة الانتقالية ستختبر مدى قدرة الطرفين على الإيفاء بمتطلباتها، وتتجسد تلك التحديات في ستة تحديات رئيسية:

  1. إدارة الشأن العسكري وملف المليشيات الأجنبية

يأتي الملف العسكري كأحد أبرز التحديات التي تواجه أي جهود لحل الأزمة الليبية، خاصة مع تفاقم مسألة الإمداد العسكري من قبل حلفاء طرفي النزاع وعلى وجه الخصوص حفتر وحلفائه من الروس والإماراتيين بالأسلحة والمرتزقة؛ حيث لا تكاد شحنات الأسلحة والمرتزقة تتوقف حتى تتجدَّد عمليات الإمداد تلك من حين لآخر. وعلى الجانب الآخر، فإن حكومة الوفاق ليست بأفضل حال؛ حيث إنها تعتمد أيضًا في قوتها على مليشيات مسلحة غير نظامية، ولم تتمكن من إخضاعها لسلطتها بالكامل حتى الآن ووجود نزاعات بين الكتائب المصراتية والطرابلسية على النفوذ بالعاصمة طرابلس[24].

ويعتبر ملف مليشيات المرتزقة أحد أهم التحديات التي يواجهها اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين في ظل استمرار امتدادات الإمارات وروسيا لحفتر، وتركيا لحكومة الوفاق؛ حيث إن هناك 350 رحلة إمداد عسكرية روسية وصلت ليبيا خلال الأشهر التسعة الأخيرة، وبمتابعة الجسر الجوي الروسي يُلاحظ أن الرحلات التي سُجِّلت في ديسمبر/كانون الأول 2019 وعددها ثمانية وصل عددها في يوليو/تموز 2020 إلى 75 رحلة؛ وهي زيادة تُظهِر نيّات موسكو الجادة للغاية على الأراضي الليبية[25]، وتقول مديرة استخبارات القيادة الأفريقية بالبنتاغون الأدميرال هايدي بيرغ أن مجموعة فاغنر لديها الآن 3000 عنصر و2000 مرتزق سوري هناك، بينما تمتلك تركيا 5000 مرتزق سوري خاص بها، حدّ تصريحها لـ”نيويورك تايمز”، وقد سبق أن أعلنت القيادة الأميركية في أفريقيا “أفريكوم” رسميًّا أن موسكو أرسلت مقاتلات عسكرية إلى ليبيا لدعم “فاغنر”، ونشرت في مايو المنصرم صورًا لمقاتلات ميج 29 وسوخوي سو 24 أُرسِلت إلى قاعدة الجفرة الجوية[26].

وإلى جانب ملف المرتزقة فإن هناك شكوكًا حول إمكانية بناء جيش وطني موحد وجهاز شرطي موحَّد في ظل التباين بين والعداء بين قوات الشرق والغرب وقيادات كلا الجانبين لا تسيطر سيطرة كاملة على المليشيات، فضلا عن تباين الرؤى بين القيادات العسكرية والمليشيات، فمن جانب حفتر لا يمكن الجزم بقدرته على التحكم في ملف مرتزقة فاغنر، كما أن مليشيات كان قد أعلنت رفضها أكثر من مرة لكافة محاولات التهدئة السابقة، إلى أن ألجأتها الهزائم العسكرية هي ومجمل قوات حفتر على التراجع نحو سرت والجفرة.

وعلى الجانب الآخر في حكومة الوفاق هناك تنافس ومشاحنات قديمة بين المليشيات المصراتية والطرابلسية وحدها هجوم حفتر على طرابلس، فضلا عن التباين في الرؤى بين القيادة العسكرية والسياسية المشاركة في مفاوضات اللجنة العسكرية المشتركة مع القادة الميدانيين في حكومة الوفاق؛ والتي تميل نحو الاندفاع المسلح وعدم إبداء أي مظاهر للملاينة، ولا نعلم هل هو تبادل أدوار داخل حكومة الوفاق أم إنه اختلاف حقيقي في الرؤي؟ وهناك شواهد على هذا التباين؛ حيث اعتقلت كتيبة ثوار طرابلس المشاركة في عملية بركان الغضب المكلَّفَ بتسيير أعمال مؤسسة الإعلام محمد بعيو، الذي عيّن في منصبه بصلاحيات وزير قبل أسابيع قليلة، وبقرار من رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، وذكرت الكتيبة أن “قرار اعتقال بعيو اتخذ بعد أن أزال شعار عملية بركان الغضب العسكرية التابعة لوزارة الدفاع في حكومة الوفاق من الشاشة الرئيسية للقناة الرسمية للدولة، ووضع مكانه شعاراً جديداً باسم (إعلام السلام)”؛ لتهاجم القوة العسكرية مقر القناة وتعيد الشعار، قبل أن تحاصر بيت رئيس مؤسسة الإعلام وتعتقله[27]. كما  أنه على الرغم من ترحيبيها باجتماعات اللجنة العسكرية بسِرت؛ أعلنت القوات المساندة بغرفة عمليات سرت-الجفرة رفضها فتح الطريق أو التواصل مع أي منطقة تحت سيطرة المرتزقة الأجانب؛ مشترطة خروج المرتزقة وانسحاب مليشيا خليفة حفتر[28]. ولا يمكننا الجزم بوجود صلة بين الواقعتين أو كونهما تعبران عن حالة انقسام بدرجة كبير إلا أن هناك شواهد أخرى ستذكر لاحقا في رصد الخلاف داخل حكومة الوفاق.

وبالرغم من ذلك، فمن المؤكد وجود هشاشة في السيطرة على المليشيات من كلا الجانبين، وأن دمجهما في جيش موحد يواجه صعوبات جمة في صفوف طرفي الصراع، فضلا أن تتوحد قوات كلا الجانبين في جيش واحد في ظل العلاقات العسكرية المتباينة والمتنافسة بين حلفائهما وتحديدا مصر وتركيا، ومن المعلوم أن الطرفين قد تلقت قواتهما تدريبات عسكرية من مصر وتركيا، مما يطرح التساؤل حول قدرة كلا الجانبين على التوافق على سياسة دمج للقوات وفصل تحيزاتها القلبية والسياسية لبناء جيش احترافي حديث.

  1. جموح حفتر وحلفائه وجرائم الحرب في ليبيا

بالرغم من حالة الانكسار التي أحاطت بدور حفتر بالمشهد الليبي وخفوت بريق بنادقه على تخوم طرابلس إلا أن وجوده مازال نقطة لا ينفك الحديث عنها في مسار تسوية الأزمة الليبية. ففي ظل استمرار عملية تسليح قواته ودعمه بالمرتزقة من قبل روسيا والإمارات بالرغم من اتفاق وقف اطلاق النار، والذي شمل تفاهمات حول خروج المرتزقة من ليبيا، فضلا عن خرق قوات حفتر العديد من الاتفاقات السابقة؛ وهو ما عبّر عنه وزير الدفاع الليبي “صلاح الدين النمروش” حين طالب الأمم المتحدة بوضع ضمانات عملية بحيث لا يتم الانقلاب على بنود الاتفاق كما حصل أكثر من مرة[29].

بالإضافة إلى ذلك فإن وجود حفتر في المشهد الليبي المقبل بات شائكا للغاية في ظل تصاعد الاتهامات الحقوقية له ولقواته بجرائم الحرب والتورط في المقابر الجماعية، حيث إنه في أعقاب تراجع قوات حفتر تم اكتشاف العديد من المقابر الجماعية ومقار تعذيب بمدينة “ترهونة”؛ الأمر الذي أثار صدمة في الأوساط الليبية والدولية وكان آخرها في أواخر أكتوبر الماضي والتي وصل عددها إلى 25 مقبرة جماعية[30]. وفي نفس السياق فقد قبلت محكمة أمريكية بفرجينيا دعوة قضائية ضد حفتر تتهمه بالمسؤولية عن مقتل مدنيين ليبيين خلال هجومه على بنغازي عام 2014 بسبب امتلاك حفتر “الليبي-الأمريكي” الجنسية عقارات في المدينة اشتراها ما بين عامي 2014-2017 بقيمة ثمانية ملايين دولار[31]، ومن المتوقع أن يدفع ذلك نحو تأزيم أي دور لحفتر في المستقبل. وقد أكد السراج على عدم إهمال المساءلة أو التفريط حول جرائم الحرب من زرع ألغام بمنازل المدنيين والمقابر الجماعية المتورط فيها حفتر[32].

بالتأكيد ليس من مصلحة حفتر مرور أي اتفاق ونجاح أي مبادرة سياسية تقصيه من المشهد وتجعله هامشيا في أي معادلة سياسية؛ لأنه كان يريد الاستحواذ على كل شيء وهذا ما برهنه من خلال حربه على طرابلس وتفضيله الحل العسكري على الحلول السلمية، كما أعرب هو أكثر من مرة عن رفضه خيار الانتخابات والديمقراطية كمسار لحل الأزمة الليبية. بالإضافة لكل ذلك فالأطراف الخارجية الداعمة لحفتر، مثل الإمارات والسعودية والأردن وروسيا ومصر، لا يبدو أنها ستتخلى سريعا عنه فهو إحدى ضمانات مصالحهم ورؤيتهم بالساحة الليبية.

  1. تردي الأحوال المعيشية وتظاهرات الشرق والغرب الليبي

كانت التداعيات الاقتصادية وتردي الوضع المعيشي وانهيار البنية التحتية في كثير من المناطق والمدن في ليبيا خاصة في المناطق القريبة من ساحات المعارك بين طرفي النزاع أحد النتائج الكارثية التي أدت لتفاقم حالة السخط العام لدى الليبيين. فقد خرجت عدة تظاهرات في شرق ليبيا بمدينة “بنغازي”[33]، وفي “سبها” جنوب غربي البلاد، وفي الغرب بالعاصمة طرابلس؛ أي في المناطق التي يسيطر عليها كل من حكومة الوفاق وقوات حفتر وبرلمان طبرق؛ للتعبير عن غصب قطاعات من الشعب من تدهور الظروف المعيشية والفساد في بلاد تشهد نزاعا مسلحا منذ سنوات. وعلى إثر تلك الاحتجاجات أعلن فايز السراج عن إجراء تعديلات في الوزارات الخدمية، خاصة بعد خروج مظاهرات احتجاجية في طرابلس ومصراتة، تنديدا بتدهور الأوضاع المعيشية والفساد[34].

وتعاني مدن ليبية عدة وخاصة في مناطق الجنوب من نقص حادٍّ في الوقود والسيولة النقدية وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة. ويرتبط ذلك التدهور على المدى القصير بأزمة الإغلاق النفطي التي نفذتها قوات تابعة لحفتر وأثرت سلبا على الاقتصاد الليبي وعلى المتطلبات المعيشية لليبيين من الطاقة. فقد تخطت خسائر إغلاق المنشآت النفطية التسعة مليارات دولار[35]، وقد صرحت المؤسسة النفطية أنها لا تستطيع توفير احتياجات محطتي كهرباء الزويتينة وشمال بنغازي بسبب الإغلاق القسري للمنشآت النفطية، كما أكدت على استنزاف الميزانية المخصصة لاستيراد المحروقات؛ وذلك لتغطية العجز الناجم عن توقف إنتاج الغاز الطبيعي وتوفير المحروقات للسوق المحلي خلال الأشهر الماضية[36].

وتضع تلك الأزمة طرفي الصراع الليبي أمام تحدي الإيفاء بالاحتياجات المعيشية التي تأثرت سلبا بشدة من الصراع السياسي والعسكري الدائر بين الطرفين، ويدفع أي استمرار للصراع بين الطرفين نحو مضاعفة الأزمات المعيشية وخسائر ليبيا بشكل عام، ومن ثم يمكن اعتبارها واحدا من اهم عوامل إزجاء مسارات التسوية الحالية، والتي سيكون أحد محكات اختبارها قدرتها على الوصول لسياسات وآليات عملية ومتفق عليها لإدارة ملف النفط أو يكون أحد أبرز أوجه الصراع بين الأطراف بالداخل والخارج.

  1. ملف النفط الليبي

كان ملف النفط الليبي أبرز الملفات التي تم استهدافها وتوظيفها بالأزمة الليبية، فمن جهة سعى حفتر للسيطرة على الحقول والموانئ النفطية لاستخدامها كأداة ضغط. فحتى وقت قريب كانت قوات تابعة لحفتر قد فرضت حصارا على معظم المنشآت والحقول والموانئ النفطية في البلاد لمدة ثمانية أشهر وأوقفت الإنتاج فيها، مما تسبب في خسائر فادحة للاقتصاد الليبي. وقد أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط أن خسائر الإغلاقات تجاوزت حاجز التسعة مليارات دولار، وكان أحمد المسماري الناطق باسم قوات حفتر قد أعلن قرارا بإغلاق كافة الحقول والموانئ النفطية حتى تحقيق عدة شروط، منها إيداع عوائد النفط في دولة أجنبية، ووضع آلية شفافة للإنفاق بضمانات دولية، ومراجعة حسابات مصرف ليبيا المركزي في طرابلس لمعرفة كيف وأين أنفقت عوائد النفط طوال السنوات الماضية[37].

وقد حاول حفتر انتزاع موافقة أمريكية لتصدير النفط بعيدا عن المؤسسة الوطنية للنفط إلا الأمر لم يجر كما كان يرغب وواجه ضغوطا أمريكية لإنهاء الإغلاق النفطي؛ ليعلن في 19 أغسطس الماضي فتح حقول وموانئ النفط الخاضعة لسيطرة قواته، بعد فشله في فرض شروطه السابقة لإعادة ضخ النفط الليبي[38]. وقد أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط أواخر أكتوبر الماضي رفع حالة القوة القاهرة عن حقل الفيل جنوب غربي البلاد، مؤكدة انتهاء الإغلاقات في كافة الحقول والموانئ الليبية[39].

  1. الخلاف داخل معسكر الوفاق:

طفا على سطح الأزمة الليبية خلاف نشب داخل حكومة الوفاق بين رئيس المجلس الرئاسي بالحكومة فايز السراج ووزير داخليته فتحي باشاغا، فقد أصدر السراج قرارا بإيقاف وزير الداخلية فتحي باشاغا عن العمل، وإحالته إلى التحقيق[40]، بشأن التصاريح والأذونات، وتوفير الحماية اللازمة للمتظاهرين، والبيانات الصادرة عنه حيال التظاهرات والأحداث الناجمة عنها، التي شهدتها مدينة طرابلس وبعض المدن الأخرى أواخر شهر سبتمبر الماضي، والتحقيق في أي تجاوزات ارتُكبت في حق المتظاهرين، وكلف وكيل وزارة الداخلية العميد خالد أحمد التيجاني مازن، بتسيير مهام الوزارة، وتعيين الفريق أول محمد الحداد (من مصراتة) رئيساً لأركان الجيش.

في المقابل، أعلن وزير الداخلية حينها امتثاله للقرار، مطالباً بأن تكون جلسة التحقيق علنية[41]، وبدا من هذا القرار أن هناك خلافات كبيرة بين باشاغا والسراج، أظهرت وكأن هناك صراع أجنحة داخل حكومة الوفاق أو تنازعا في الصلاحيات بين رئيس حكومة الوفاق وطاقمه الاستشاري والوزاري، وظهر ذلك في مناسبات عدة آخرها خلافه مع وزير داخليته على خلفية الاحتجاجات التي وقعت بين قوات الأمن ومتظاهرين في طرابلس، غير أن باشاغا عاد إلى منصبه بعد زيارة تركيا. وكان واضحا أن أنقرة عملت على احتواء الخلاف بين السراج وباشاغا في إطار التحالف الذي تدعمه، والذي يسيطر على مساحات واسعة من غرب ليبيا، وعلى أكبر مدينتين في الغرب الليبي، وهما طرابلس العاصمة ومصراتة[42].

ويبدو أن الخلاف لا يتوقف عند مسألة تنازع السلطة والصلاحيات بل يمتد لإدارة الصراع مع حفتر من وجه نظر الأتراك حليف حكومة الوفاق؛ فهم يفضلون استمرار المعركة حتى تحرير سرت والجفرة ومنطقة الهلال النفطي من قبضة قوات حفتر[43]، في حين أن السراج فاجأ الجميع بالهدنة المعلنة مؤخرا بالتوافق مع عقيلة صالح، وقد وردت أنباء عن ضغوط أمريكية لإبرام تلك الهندنة[44]، وأشار تقرير استخباراتي بأن “باشاغا” يحظى بدعم تركي في مواقفه في حين يحظى السراج بدعم أمريكي في مواقفه أيضا تجاه الصراع مع حفتر وحلفائه[45]. وهذا الخلاف يحمل أيضا بصمات اختلاف الرؤى بين ما هو سياسي وما هو عسكري، فقد كان السراج يعول كثيرا على المفاوضات واللقاءات التي جمعته بحفتر أكثر من مرة وتعاهدات حفتر له، وتأنى السراج في اتخاذ موقف من حفتر ورفض العديد من طلبات المواجهة من قادة عسكريين إبان الصراع حول منطقة الهلال النفطي وحملة حفتر على الجنوب حتى خان حفتر ثقته بمحاولة اجتياحه للعاصمة طرابلس.

وربما يفسر ذلك ما أعلنه فايز السراج في 16 سبتمبر الماضي استعداداه لتسليم السلطة قبل نهاية شهر أكتوبر الماضي، حيث من المرجح أن أسباب إعلان السراج استقالته مرتبطة بالمظاهرات التي شهدتها طرابلس مؤخرا احتجاجا على تدهور الأحوال المعيشية وانقطاع الكهرباء، وبصراع بين الأجنحة المختلفة التي تسيطر على طرابلس. ولعل الخلاف المعلن بين السراج ووزير داخليته، فتحي باشاغا يبرز ذلك، فعندما علق رئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، عمل وزير الداخلية عن ممارسة مهامه في نهاية أغسطس، احتفلت بعض الميليشيات في طرابلس بإطلاق النار في الهواء، وعندما عاد فتحي باشاغا من زيارة لتركيا عبر الطائرة، استقبلته مليشيات أخرى استقبال الأبطال، وجابت المواكب شوارع العاصمة، ما يشير إلى أن إعادة باشاغا إلى منصبة بسرعة، تحت ضغط من الأمم المتحدة وتركيا والقوى الأجنبية الأخرى التي تدعم حكومة الوفاق الوطني؛ خوفا من تمرد الميليشيات الموالية له في مصراتة، وربما تبرز الزيارة التي قام بها كلٌّ من باشاغا والسراج للقاهرة على حدة محاولة كلاهما الانفتاح على الأطراف الدولية الفاعلة في المشهد الليبي لضمان دور سياسي مقبول إقليميا في المرحلة المقبلة[46].

وقد تندلع الخلافات داخل حكومة الوفاق وبين الميليشيات المؤيدة لها، بسبب غياب الخطر المحدق الذي وحد الميليشيات عندما حاول خليفة حفتر اجتياح طرابلس العام الماضي. ومن المؤكد أن الخلافات داخل حكومة الوفاق ستعقّد المشهد الليبي أكثر مما هو معقد الآن[47]. ومن المرجح أن تلويح السراج بالاستقالة وتسليم منصبه لحكومة جديدة كان بهدف تخفيف الضغط عنه من المنازعين له، فما إن أعلن ذلك حتى عبر الرئيس التركي عن عدم ارتياحه لمغادرة السراج في الوقت الحالي كما دعاه كل من المستشارة الألمانية ميركل ألمانية ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري؛ إلى الاستمرار في منصبه منعا لحدوث فراغ سياسي في المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق؛ وهو ما دفع السراج للتراجع عن قراره لحين التوافق على مجلس رئاسي جديد[48].

  1. السياسة الخارجية ما بعد الاتفاق الليبي

يأتي ملف السياسة الخارجية الليبي كأحد الملفات المختلف عليها بشدة بين طرفي الأزمة، فعلى امتداد فترة الصراع بين الطرفين نسج كلٌّ منهما شبكة من التحالفات الدولية مع قوى إقليمية متصارعة فيما بينها أيضًا، فمن جهة تتحالف حكومة الوفاق مع تركيا ووقعتا عدة اتفاقيات كان أهمها اتفاقية الدعم العسكرية واتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، والتي جاءت في وقت يشتعل فيه التنافس والصراع بأزمة غاز شرق المتوسط بين تركيا واليونان وقبرص ومصر، في حين أنه هناك تنافس تركي فرنسي روسي مصري لحيازة أكبر نفوذ ممكن بليبيا؛ حيث تتمترس روسيا ومصر و(فرنسا خلف الكواليس) مع حفتر وبرلمان طبرق، وقد وقع برلمان طبرق اتفاقية دفاع مشترك مع مصر.

ويشير هذا الكم من العلاقات الخارجية المعقدة لدى طرفي الأزمة بين حلفائهما إلى احتمالية نشوب خلاف كبير حول تلك العلاقات عند تشكل حكومة انتقالية جديدة؛ خاصة مع حجم المصالح التي ربطها حلفاء كل منهما بوجوده بليبيا. فمن جهة نجد أن أنقرة تخشى أن يتهدد نفوذها بليبيا مع تشكل حكومة جديدة خاصة أن دورها كان حاسما في معركة طرابلس، فضلا عن أهمية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع الجانب الليبي والتي أعلن برلمان طبرق رفضها وطالب بإعادة مراجعة كافة الاتفاقيات التي وقعتها حكومة الوفاق وعرضها على البرلمان أولا قبل اعتماد العمل بها.

ومن جهة أخرى، فإن التواجد الروسي في ليبيا عبر شحنات الأسلحة ومرتزقة الفاغنر في ازدياد بشكل يعزز قلق الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من تأثير هذا التواجد الروسي وإمكانية أن تستغله موسكو لصالحها ضد الأوروبيين عبر التحكم في البوابة الجنوبية لأوروبا والضغط عليها في ملف الطاقة والمهاجرين وممارسة دور دولي مؤثر في الأزمة الليبية بما يضمن لها حضورا في المياه الدافئة في ليبيا مع حضورها الحالي في سوريا.

ومن زاوية ثالثة تبدو أهداف النظام المصري في ليبيا تتعلق بالأساس بمخاوف القاهرة من تسلل المسلحين الإسلاميين من ليبيا إلى مصر عبر الحدود الممتدة على طول 1150 كيلومترا بين البلدين، ورغبة مصر في الحصول على نصيبها من إعادة الإعمار، فضلا عن إعادة أكثر من 1.5 مليون عامل مصري فروا من البلاد بسبب الحرب؛ بخلاف مقتضيات المنافسة الجيوسياسية التقليدية مع أنقرة[49]، والذي تفاقم منذ الربيع العربي خاصة مع دعم أنقرة للتيارات الإسلامية والحالة الديمقراطية في المنطقة.

كل تلك التعقيدات الدولية تضع ترتيبات المرحلة الانتقالية في حالة اختبار صعب حول كيفية إدارة السياسة الخارجية في ظل هذا التباين بين أطرافها المحليين تجاه الأطراف الدولية الفاعلة في ليبيا والمتنازعة هي أيضًا فيما بينها.

خاتمة: سيناريوهان للمستقبل

أما سيناريوهات المرحلة المقبلة في الأزمة الليبية؛ ففي ظل المعطيات الحالية، فإننا أمام مسارين رئيسيين يحكمان مستقبل أي محاولة لتسوية الأزمة الليبية:

السيناريو الأول- استكمال محاولات التسوية السياسية؛ بالرغم من أجواء الفشل التي أحاطت بالمبادرات الدولية الثلاث سابقا، والتي استؤنفت عقب اتفاق الهدنة، أظهرت كافة محاولات التسوية السياسية السابقة وسنوات الصراع بين أطراف الأزمة الليبية أن أية إمكانية لإيجاد حل سياسي مرهونة بتدخل دولي كافٍ وفعالٍ بآليات على الأرض للفصل بين القوات وإيقاف تدفق الأسلحة والمقاتلين الأجانب لكلا الطرفين، وكبح اندفاع الفاعلين الدوليين والداخليين؛ إما بالترضية أو بالعقوبات؛ لذا فإن فرصة نجاح مساعي التسوية الحالية تعتمد على مدى التزام أطراف الصراع بمخرجات مسارات التفاوض الحالية والخروج منها باتفاق شامل مجمع عليه لإدارة المرحلة الانتقالية وفاعلية التدخل الأممي والدولي وآلياته العملية على الأرض.

السيناريو الثاني- العودة إلى الحلول العسكرية؛ مع فشل حفتر في هجومه على طرابلس واندحار قواته لتتمركز في سرت والجفرة وكفاءة الدعم التركي لحكومة السراج الذي مكن حكومته وحلفاءها من الصمود أمام هجمات قوات حفتر، ووفق المعطيات الحالية من المسارات والتحديات؛ فإن أحد أكبر التحديات أمام الليبيين ما إذا كان حفتر سيسحب فعلا مليشياته ومرتزقة شركة “فاغنر” الروسية من مدينة سرت ومحافظة الجفرة، بحسب ما نصّ عليه الاتفاق. وليس ذلك فقط، فالاتفاق ينصّ على مغادرة المرتزقة والمقاتلين الأجانب، من ليبيا كلها في غضون 90 يوما من تاريخ توقيع الاتفاق. لكن المشكوك فيه، أن تتنازل روسيا بسهولة عن مشروعها لإقامة تواجد عسكري “دائم” في جنوب البحر المتوسط، لمحاصرة الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي “الناتو” من الجنوب، ردا على درعه الصاروخي قبالة حدودها الغربية[50]، ومن ثم يبدو انسحاب مرتزقة فاغنر من ليبيا، يبدو أمرا مستبعدا جدا؛ لأن لديها أجندتها الخاصة، وثمة شكوك حول قدرة حفتر على إجبار “فاغنر” على الخروج من ليبيا إن قرر ذلك. فالمسألة معقدة أكثر مما تبدو في الظاهر، خاصة مع استمرار تعزيز “فاغنر” تواجد مرتزقتها في ليبيا شرقا وجنوبا، على عكس مسارات الحوار في جنيف، كما أن حفتر طالما تملص من اتفاقات سابقة، منها خرقه سبع مرات تفاهمات وقف إطلاق النار.

لكن من زاوية أخرى، يُعتبر ترسيم وقف إطلاق النار، أمرا جوهريا خاصة أنه يأتي في لقاء مباشر لوفدي الطرفين وجها لوجه، وليس عبر تفاهمات غير مباشرة بوساطة أممية. ويبدو أن طرفي الصراع قد وصلا إلى قناعة بعدم قدرة أي طرف على حسم المعركة عسكريا، خاصة مع دخول فاعلين دوليين لدعم كليهما، ووصول معركة عضّ الأصابع إلى درجة عدم قدرة أي طرف على التحمل أكثر، ما دفع الشعب الليبي، سواء في الشرق أو الغرب أو الجنوب، للخروج في مظاهرات عنيفة للاحتجاج على أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية التي لم تعد تُطاق. واستمرار المواجهة العسكرية في ليبيا، يعني انهيار الدولة ككل، ما يعرضها للانقسام أو التفتُّت، ما يفسر التنازلات التي يقدمها كل طرف رغم أنها قبل عام كانت أمرا مستحيلا[51].

ومع الزخم الدولي والإقليمي الحالي بالإضافة للتحرك الأمريكي؛ من المرجح خفوت صوت البنادق بين الطرفين لفترة، واستمرار ذلك يعتمد على التوافق بين الأطراف الفاعلة وقدرة طرفي الأزمة على الوصول لاتفاق شامل للمرحلة الانتقالية[52].

 

*****

الهوامش

[1] محمود رفيدة، سرت والجفرة منزوعتا السلاح…هذا ما يريده ترامب وأردوغان وسط ليبيا، موقع الجزيرة نت، 13 أغسطس 2020، تاريخ الزيارة: 24 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/32fQnUM

[2] د.نزار كريكش، أمريكا تضغط بقوة لإنجاحه…هل ينهي اتفاق وقف إطلاق النار الأخير الصراعَ الليبي المستمر منذ 6 سنوات؟، موقع عربي بوست، 22 أغسطس 2020، تاريخ الزيارة: 20 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3k4uGNr

[3] للمزيد راجع التالي:

  • علاء عبد الرحمن، المسماري يهاجم وقف إطلاق النار…هل انقسم “الشرق”؟ (فيديو)، موقع عربي 21، 23 أغسطس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2HVuB1M
  • ليبيا…قوات حفتر ترفض وقف إطلاق النار وحكومة الوفاق تتهمها بالعودة إلى مربع الحرب، موقع الجزيرة نت، 24 أغسطس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3mEiAfG
  • حسين دسوقي، المسماري: الجيش الليبي ملتزم باتفاق وقف إطلاق النار، أخبار اليوم، موقع أخبار اليوم، 24 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2THVit9

[4] يقضي بسحب القوات من سرت والجفرة…فرقاء ليبيا يوقعون اتفاقا لوقف دائم لإطلاق النار، الجزيرة نت، 23 أكتوبر 2020، تاريخ الزيارة: 24 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/34wBy1U

[5] زاهر البيك، لماذا لم ترحب تركيا باتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا؟، الجزيرة نت، 24 أكتوبر 2020، تاريخ الاطلاع: 24 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/37Ey92Z

[6] انتقاد تركي وترحيب غربي وبيان مصري…أبرز ردود الفعل إزاء اتفاق وقف إطلاق النار بليبيا، الجزيرة نت، 23 أكتوبر 2020، تاريخ الاطلاع: 24 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/34tMlK3

[7] جولة جديدة قريبا لمحادثات ليبيا بجنيف…هذه نقاط الاتفاق، عربي 21، 8 فبراير 2020، تاريخ الاطلاع: 19 فبراير 2020، الساعة 14:00، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/2Th4uoT

[8] بيان بعثة الامم المتحدة للدعم في ليبيا حول الجولة الثانية من محادثات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، 24 فبراير 2020، تاريخ الاطلاع: 26 فبراير 2020، الساعة 14:11، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/39kkoVd

[9] محمد العربي، هل يمهد الاتفاق الليبي في القاهرة لحل نهائي لأزمة سرت؟، اندبندنت عربية، 25 سبتمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3oQSxEf

[10] ليبيا…تفاهمات غدامس تضع آليات تنفيذ اتفاق جنيف (تحليل)، وكالة الأناضول، 6 نوفمبر 2020، تاريخ الزيارة: 9 نوفمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/38AfKF3

[11] الحوار السياسي حول ليبيا ينطلق في جنيف…”بمن حضر”، العربية نت، 26 فبراير 2020، تاريخ الاطلاع: 5 فبراير 2020، الساعة 19:10، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/2PLiZiB

[12] الكشف عن قائمة المشاركين في مباحثات ليبيا السياسية المتواصلة في جنيف، المغرب اليوم، 28 فبراير 2020، تاريخ الاطلاع: 30 فبراير 2020، الساعة 10:06، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/2VQ8Bd0

[13] خالد مجدوب، المغرب…طرفا الحوار الليبي يوقعان مسودة اتفاق المناصب، وكالة الأناضول، 6 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2TLgC0X

[14] الحوار الليبي…وفد مجلس الدولة يتوجه إلى الرباط وجهود مغربية لجمع المشري وصالح، الجزيرة نت، 1 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3jPSIvP

[15] تفاهمات جديدة باتجاه الحل السياسي…وفدا الحوار الليبي يوقعان في المغرب اتفاقا بشأن اختيار المناصب السيادية، الجزيرة نت، 7 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2GuS8WI

[16] علاء فاروق، ماذا وراء حديث “عقيلة” عن مرحلة انتقالية ونقل الحكومة لسرت؟، عربي 21، 25 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3oSaZMw

[17] القاهرة تستضيف اليوم مباحثات ليبية حول المسار الدستوري، الجزيرة نت، 11 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/364mHem

[18] المباحثات الليبية بمصر تنتهي بالدعوة لجولة ثانية حول الدستور، عربي 21، 14 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3n1vogH

[19] مباحثات ليبيا…توقيع اتفاق بشأن المناصب السيادية وتوصيات حول الانتخابات والفترة الانتقالية، الجزيرة نت، 12 سبتمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2JxPVuJ

[20] سويسرا…اجتماع التشاور الليبي يوصي بفترة انتقالية 18 شهرا، وكالة الأناضول، 10 سبتمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3enMDFx

[21] مباحثات ليبيا…تفاهمات مبدئية بجنيف بشأن سرت والجفرة وملفات أخرى في مفاوضات بلوزان، الجزيرة نت، 22 أكتوبر 2020، تاريخ الزيارة: 24 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2HzzA7U

[22] علاء فاروق، ماذا وراء حديث “عقيلة” عن مرحلة انتقالية ونقل الحكومة لسرت؟، مصدر سابق.

[23] بهدف ترتيبات الحكم ووضع إطار زمني للانتخابات…استئناف الحوار الليبي في تونس، الجزيرة نت، 10 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3867dcq

[24] بلال عبد الله، أزمة الاحتجاجات في العاصمة الليبية طرابلس: الأبعاد وحدود الاحتواء، مركز الإمارات للسياسات، 10 سبتمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2I6To30.

[25] حشد عسكري غير مسبوق…ما الذي تحضر له روسيا في ليبيا الآن؟، ميدان، الجزيرة نت، 11 أكتوبر 2020، تاريخ الزيارة: 21 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3jWwh8h.

[26] المصدر السابق.

[27] زايد هدية، خلافات الداخل الليبي تثير شكوكاً في تفاهمات الخارج، اندبندنت عربية، 12 أكتوبر 2020، تاريخ الزيارة: 26 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/35hHFr5.

[28] الجيش الليبي يشترط انسحاب حفتر لعقد مباحثات “5+5” بسرت، وكالة الأناضول، 6 نوفمبر 2020، تاريخ الزيارة: 10 نوفمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2IpHj8G

[29] وزارة الدفاع تطالب بضمانات حتى لا يتم الانقلاب على الاتفاق، ليبيا أوبزيرفر، 23 أكتوبر 2020، تاريخ الاطلاع: 25 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3ewrGsm

[30] راجع التالي:

  • مقابر جماعية جديدة في ترهونة.. والعدد يصل إلى 20 (صور)، عربي 21، 27 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3jZfGke.
  • ليبيا.. اكتشاف 5 مقابر جماعية في ترهونة، وكالة الأناضول، 5 نوفمبر 2020، تاريخ الزيارة: 9 نوفمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/36qdKw2.

[31] راجع التالي:

  • نيويورك تايمز: محكمة أمريكية تنظر في قضايا جرائم الحرب ضد حفتر، القدس العربي، 23 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3eraIvn.
  • محكمة أمريكية تقبل الدعوى القضائية ضد خليفة حفتر، قناة الجزيرة على اليوتيوب، 29 سبتمبر 2020، تاريخ الزيارة: 26 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/32bnnO0.

[32] أبرز ردود الفعل إزاء اتفاق وقف إطلاق النار بليبيا، مصدر سابق.

[33] مظاهرات غاضبة شرق ليبيا لليوم الثالث (فيديو + صور)، روسيا اليوم عربي، 13 سبتمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3l1R23I.

[34] اتهم حفتر بإفشال مبادرات السلام…السراج يقرّ تعديلات وزارية ويحذر من “المندسين”، الجزيرة نت، 24 أغسطس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3p6Lbg3.

[35] ليبيا…خسائر إغلاق المنشآت النفطية تتخطى الـ9 مليارات دولار، روسيا اليوم عربي، 31 أغسطس 2020، متاح عبر الرابط التال: https://bit.ly/2TVsZY7

[36] حكومة الوفاق تؤكد احترامها حق التظاهر بطرابلس وحفتر يواصل إغلاق حقول النفط، الجزيرة نت، 24 أغسطس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3k12Fqj.

[37] ليبيا…إمدادات عسكرية من سوريا لحفتر واحتجاجات بالجنوب على الأوضاع المعيشية، الجزيرة نت، 16 أغسطس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3l1vP9U.

[38] محمد رفيدة، فشل مجددا في فرض شروطه…هل أجبرت الضغوط الدولية حفتر على تصدير النفط؟، الجزيرة نت، 20 أغسطس 2020، تاريخ الزيارة: 12 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3k5nkcG.

[39] رفع الحصار عن حقول النفط في ليبيا وحكومة الوفاق تتمسك بالتعاون العسكري مع تركيا، الجزيرة نت، 26 أكتوبر 2020، تاريخ الزيارة: 28 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2TZriZT.

[40] ليبيا…أعضاء بـ”الأعلى للدولة” يكشفون سبب الخلاف بين السراج ووزير الداخلية، وكالة سبوتينك، 29 أغسطس 2020، تاريخ الاطلاع: 22 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3jtW2fY.

[41] زايد هدية، الحراك الشعبي يكشف خلافات قيادات العاصمة الليبية، إندبندنت عربية، 29 أغسطس 2020، تاريخ الاطلاع: 22 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://bit.ly/37Jppsu

[42] استعداد السراج لتسليم السلطة: استجابة للمتظاهرين أم تمهيد لحل سياسي في ليبيا؟، نقطة حوار، بي بي سي عربي، 18 سبتمبر 2020، تاريخ الزيارة: 22 سبتمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://bbc.in/34ujuVT

[43] بلال عبد الله، أزمة الاحتجاجات في العاصمة الليبية طرابلس: الأبعاد وحدود الاحتواء، مصدر سابق.

[44] نزار كريكش، أمريكا تضغط بقوة لإنجاحه…هل ينهي اتفاق وقف إطلاق النار الأخير الصراعَ الليبي المستمر منذ 6 سنوات؟، مصدر سابق.

[45]] ( Sarraj-Bachagha split driven by US-Turkey spat over ceasefire, africaintelligence, 31 August 2020, Link: https://bit.ly/2TX5jTm.

[46] راجع التالي:

  • وسط تكتم شديد…السراج في زيارة خاطفة إلى القاهرة، موقع ميديا مونيتور، 10 نوفمبر 2020، تاريخ الزيارة: 10 نوفمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3eLBIFT.
  • وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا يصل القاهرة للقاء مسؤولين مصريين، روسيا اليوم، 4 نوفمبر 2020، تاريخ الزيارة: 10 نوفمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2IpLXn8.

[47] تقرير يحذر من “حرب” داخل حكومة الوفاق ويكشف سرّ الخلاف بين السراج وباشاغا، أصوات مغاربة، 15 سبتمبر 2020، تاريخ الاطلاع: 22 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://bit.ly/2Ts0zEQ

[48] راجع التالي:

  • علاء فاروق، المشري يطالب السراج بالاستمرار بمهامه مع قرب انتهاء مهلته، عربي 21، 29 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://bit.ly/388z386.

  • السراج يتخلى عن استقالته استجابة لدعوات متعددة، عربي 21، 30 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3oYCOmy.

[49] محمد السعيد، دولة بالغرب ودولة بالشرق!…هل أصبح تقسيم ليبيا أمرا واقعا؟، ميدان، الجزيرة نت، 16 يونيو 2020، تاريخ الزيارة: 24 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3mTXFWf.

[50] هاجر أحمد، شوكة بالخاصرة الأوروبية…ماذا تريد روسيا من التدخل في الصراع الليبي؟، مدونات الجزيرة، 28 يونيو 2020، تاريخ الزيارة: 13 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3pdk2YF.

[51] هل انتهت الحرب في ليبيا بعد اتفاق وقف إطلاق النار؟ (تحليل إخباري)، وكالة الأناضول، 23 أكتوبر 2020، متاح عبر التالي: https://bit.ly/35VmHxl.

[52] محمد السعيد، دولة بالغرب ودولة بالشرق!…هل أصبح تقسيم ليبيا أمرا واقعا؟، ميدان، الجزيرة نت، 16 يونيو 2020، تاريخ الزيارة: 24 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3mTXFWf.

فصلية قضايا ونظرات – العدد العشرون – يناير 2021

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى