تحديات ومآلات الإقليمية الأفريقية

مقدمة:

تضرب مساعي الإقليمية والتكامل الإقليمي[1] في أفريقيا بجذورها الفكرية لأكثر من قرن من الزمان، وبأسسها القانونية التنظيمية لأكثر من عشرات العقود[2]، فترتيبات التكامل الإقليمي في أفريقيا، وبشكل خاص في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تأثرت في معظمها بتاريخ التفاعل بين القارة والعالم الغربي، وما أسفرت عنه التقسيمات الاستعمارية للقارة من دول غير متجانسة للغاية؛ الأمر الذي قادَ إلى معضلة اندماج وطني للعديد من تلك الدول دفعتها -متفاعلة مع عوامل أخرى- إلى السعي للدخول في تجارب تكاملية إقليمية بغية المكاسب المحتملة من ثمار التكامل بين دول القارة ما أسفر عن تعدُّد وتنوع تلك التنظيمات الإقليمية[3].

ويمكن -بدرجة من المرونة والوعي بتداخل التقسيمات- تقسيم التنظيمات الإقليمية في أفريقيا إلى ثلاثة أنواع طبقًا للاهتمامات الرئيسة لها وأسس نشأتها. أولها: التجمعات الإقليمية المعنية بقضايا تنظيم استخدام الأنهار وإدارتها (من أمثلتها هيئة حوض نهر النيجر CFN – اللجـنة المشتركة لتنمية حوض نهر السنغال OMVS – اتحاد نهر مانو MARU – لجـنة حوض بحيرة تشاد: CBLT – منظمة تهيئة نهر كاجيرا وتنميته – منظمة تنمية نهر جامبيا – تجمع دول حوض نهر النيل (الأندوجو) UNDUGU الذي حلت محله بعد ذلك «هيئة تكونيل»، ثم «مبادرة دول حوض النيل»).

والنوع الثاني: التجمعات والتنظيمات الهادفة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين دول القارة، (من أمثلتها: المنظمة المشتركة لأفريقيا وموريشيوس OCEM – اتحاد شـرق أفريقيا EAC – الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ECOWAS – الجماعة الاقتصادية لدول منطقة البحيرات العظمى (CEPGL) – الجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا ECCAS – الاتحاد الجمركي للجنوب الأفريقي SACU – الجماعة الإنمائية لأفريقيا الجنوبية “السادك” SADC – السوق المشتركة لشرق أفريقيا وجنوبها “الكوميسا” COMESA).

وأخيرًا وليس آخرًا، تجمُّعات سياسية وأمنية، تهدف إلى تحقيق حدٍّ أدنى من التشاور والتنسيق وحلِّ النزاعات ومن أمثلتها: اتحاد المغرب العربي UAM – الهيئة الحكومية للتنمية “إيجاد” IGAD – وكذا مجموعة “الإيكواس للمراقبة” – والتي تُعرف اختصارًا بـ”إيكوموج”   ECOMOG والتي تعدُّ الذراع الأمني والعسكري لتنظيم الإيكواس الاقتصادي الأساس[4].

والتنظيمات السابقة مجرد أمثلة للتنظيمات الأفريقية العاملة في مجال التكامل الإقليمي بأبعاده المختلفة؛ فأفريقيا أكثر القارات من حيث تركز مشروعات وخطط ومنظمات التكامل، الأمر الذي اعتبره البعض خطوة على طريق التكامل الاقتصادي والسياسي القاري، ورأى فيه آخرون حجر عثرة أمام مثل ذلك التكامل[5].

أسْفر ذلك التباين في تقييم دور التنظيمات الفرعية عن تباين آخر يتَّصل بجهود تنسيق العمل بين تلك المنظمات الفرعية، بما في ذلك الاتفاقية الإطارية لمنطقة التجارة الحرة القارية[6]. فذهب الفريق الأول إلى أن الدافع وراء تلك الاتفاقية هو البناء على ما أنجزته التنظيمات الفرعية، بينما يرى الفريق الثاني أن غايات تلك الاتفاقية تدلِّل على صحة رأيهم فيما يتَّصل بالصعوبات والتحديات الناجمة عن تعدُّد التنظيمات الإقليمية الفرعية والتي تطلَّبت مثل تلك الاتفاقية للتغلُّب على تلك الصعوبات[7]. وذهب فريق ثالث إلى أن الدافع سياسي أكثر منه اقتصادي مستنتجًا من ذلك حتمية فشل الاتفاقية لعدم استيعاب قادة القارة لدروس التجارب السابقة[8].

وعند قيام الاتحاد الأفريقي وبمقتضي اتفاقيته التأسيسية التي دخلت حيِّز النفاذ عام 2002، كان هناك وعي بمعضلة تعدد التنظيمات والتجمعات الاقتصادية على الساحة الأفريقية وتأثيراتها على قدرات العمل الجماعي القاري في مواجهة التحديات التي فرضتها التغيرات الدولية وما عرف بـ”العولمة”، فتمَّ اعتماد الجماعة الاقتصادية الأفريقية، كأداة رئيسة لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالقارة ومواجهة تلك التحديات؛ عبر ترشيد عدد التجمعات والتنظيمات الإقليمية القائمة ودمجها في عدد أقل، درءًا للآثار السلبية التي يمثلها ذلك التعدُّد علي مساعي التكامل ؛ وتمثلت التجمُّعات التي تمَّ اعتمادها من جانب الاتحاد في ثمانية تجمعات هي: الجماعة الاقتصادية لدول شرق وجنوب أفريقيا “الكوميسا” COMESA، والجماعة الإنمائية لدول الجنوب الأفريقي “السادك” SADC، والجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “الإيكواس” ECOWAS، و تجمع دول الساحل والصحراء “السين صاد” CEN SAD، والجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا “الإيكاس” ECCAS، والجماعة الحكومية للتنمية “الإيجاد” IGAD، واتحاد المغرب العربي UMA، وتجمع شرق أفريقيا (EAC)[9].

ورغم تلك الجهود، فإن مستوى فاعليتها على الصعيد القاري والإقليمي الفرعي لا يزال -من وجهة نظر الكثيرين- منخفضًا؛ فعلى مدى السنوات العشر الماضية لم يَزِدْ متوسط التبادل التجاري بين الدول الأفريقية بحسب بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) لعام 2019[10] عن 15.4٪، وكانت أعلى نسبة تم تسجيلها لنسبة التجارة بين الدول الأفريقية، في عامي 2015 و2016؛ حيث بلغت 19٪ و20٪ على التوالي من إجمالي التجارة بين دول القارة[11]، تَرَكَّزَ معظمها في التجارة بين البلدان الأفريقية التي هي أعضاء في نفس المجموعة الاقتصادية الإقليمية[12]. في ذات الوقت الذي لم تَزِدْ فيه نسبة إسهام القارة بكاملها في التجارة الدولية عن 2.9٪ من الإنتاج العالمي و2.6٪ من التجارة العالمية لعام 2019[13] على الرغم من أن سكان القارة يشكِّلون نحو 16.3٪ من سكان العالم، وتحتوى القارة نسبًا مرتفعةً من موارد العالم وثرواته المعدنية؛ حيث تمتلك المنطقة نسبة كبيرة من احتياطيات المعادن العالمية: 60٪ من المنجنيز، و75٪ من الفوسفات، و85٪ من البلاتين، و80٪ من الكروم، و60٪ من الكوبالت، و75٪ من الألماس[14].

في ضوء ما سبق، وتكاملًا مع الجزء الخاص بالاتحاد الأفريقي في هذا التقرير، تسْعى هذه الورقة إلى تقييم واقع الإقليمية الأفريقية وما طَرَأَ عليها من تطوُّرات، وما اتَّخذته من إجراءات لتعزيز التعاون بين دول القارة في ضوء الوثائق الخاصة بالتنظيمات الأفريقية؛ القارية منها والفرعية. وأهم التحديات التي تواجه مسيرة التكامل الإقليمي في القارة؛ وصولًا إلى استشراف مستقبل تلك الجهود والتنظيمات.

أولًا- الإقليمية والتكامل الإقليمي في أفريقيا: الدوافع والغايات

تكشف القراءة المتأنِّية لديباجات المعاهدات والاتفاقات القارية والإقليمية الفرعية، عن تنوُّع الدوافع والغايات الكامنة خلف مساعي الإقليمية والتكامل الإقليمي في أفريقيا، وإن ارتبطت في مجملها بمفاهيم التحرر الوطني والوحدة الأفريقية، وقضايا التنمية والاستقرار والأمن داخل القارة ودورها وثقلها الخارجي[15].

فعلى الصعيد الاقتصادي الاجتماعي[16] من المعلوم أن الدول الأفريقية في مجملها تصنَّف بين الدول المتخلِّفة اقتصاديًّا، حيث يتَّسم معظمها بالتخصص في إنتاج المواد الأولية، وضعف القطاع الصناعي وتخلُّف أدواته الإنتاجية، مع قلَّة رؤوس الأموال، وضعف نصيب تلك البلدان من الاستثمار الأجنبي، علاوة على تفاقم أعباء خدمة الديون[17]. وهو ما أسْفر عن انخفاض الدخل القومي لهذه الدول ونصيب الفرد منه. فـوفقًا لبيانات الأمم المتحدة لعام 2021 فإنه من بين قائمة تضم 46 دولة هي الأقل نموًّا في العالم هناك 33 دولة أفريقية[18] من بينها دول ولدت داخل التصنيف (جنوب السودان 2012)؛ وأخرى انضمَّت للقائمة رغم كونها من الدول البترولية (أنجولا 1994)، وثالثة وهي الغالبية من الدول باتت ضيفًا دائمًا عليها رغم مرور عشرات السنوات على إدراجها في تلك الفئة من البلدان[19].

رغم تعدُّد أسباب ضعف الأداء الاقتصادي، وتهميش الدول الأفريقية في الاقتصاد العالمي، ظلَّت الطبيعة الانقسامية التنافسية بين النظم والبرامج الاقتصادية للدول الأفريقية بمثابة القيد الرئيس والعقبة الكؤود أمام نمو وتنمية القارة؛ لذا سَعَتْ حكومات تلك الدول إلى تبنِّي خطط اقتصادية للتنمية اعتُبر التكامل الإقليمي فيها -ولو نظريًّا- أحدَ السُّبل الأساسية لتحقيق التنمية انطلاقًا من المزايا التي توفِّرها العملية التكاملية[20].

فالتكامل بما يتيحه من حشد للموارد والأسواق الكلية، يتيح للدول الأعضاء الدخول في مشروعات وصناعات -لم تكن الدول فرادى تستطيع القيام بها- بما يجعله بمثابة قاطرة للتنمية وليس مجرد انعكاس لها[21]. كما أن السماح بحرية انتقال رأس المال، بحيث يتَّجه رأس المال إلى حيث أفضل الفرص المالية والاقتصادية، يحقِّق مبادئ الاستخدام الأمْثل للموارد ويقلِّل من إهدارها[22].

كما أن التكامل الإقليمي -إذا أُحسن توظيفه- يمكن أن يُحَسِّنَ وضع البلدان الأفريقية على الصعيد الدولي، ويزيد  قدرتها على المساومة والتفاوض مع القوى الدولية بشأن شروط التبادل الاقتصادي[23].

وتقدِّم تجربة أفريقيا مع المخاطر الناجمة عن وباء “كورونا” أو “كوفيد 19” مثالًا دالًّا على الفرص والتحديات التي تطرحها مثل تلك الأزمات، فرغم ما أسْفرت عنه أزمة “كورونا” من تباطؤ مسيرة التكامل الإقليمي بفعل سياسات الإغلاق الحدودية على الصعيد العالمي والقاري، فإنها من ناحية أخرى ولذات الأسباب ولتوقُّف سلاسل التوريد العالمية، برهنت وبقوة على أهمية الإقليمية كإستراتيجية للتعامل مع مثل تلك الأزمات وتفادِي آثارها السلبية[24] في ظلِّ القدرة المحدودة لمعظم دول القارة. فالقدرة المحدودة للدولة على تعبئة هذه الموارد على المستوى الوطني جعلت من الضروري اتباع نهج إقليمي؛ لإدارة الوباء والتعامل معه[25].

وبالمثل لعبت الأيديولوجيات والأفكار والقيم دورًا مهمًّا في بلورة ملامح الإقليمية ومشاريع التكامل الإقليمي في القارة، وكان لها أيضًا دورها كمرشَّح (فلتر) لنفاذ هذه الدولة أو تلك لعضوية المنظمة بحسب التقارب القيمي والأيديولوجي لأعضاء الجماعة؛ فالمساعي التكاملية ليست مجرد تعبير عن المصالح أو انعكاس للدوافع المادية، بل كثيرًا ما يصاحبها و/أو تساندها قناعات أيديولوجية، ما يجعل تلك التنظيمات دليلًا وعاملًا مساعدًا على تطور الهويات الوطنية والإقليمية وتساندها في صورة مراتب أو مستويات للهوية؛ بحيث يمكن لتلك الهويات (المحلية والإقليمية) أن تتعايش ويكمل بعضها البعض، بدلًا من أن تكون متنافية متنافرة؛ ينفي بعضها بعضا ويرفض بعضها بعضًا”[26].

وقد مثَّلت فكرة الوحدة الأفريقية الأساس الأيديولوجي للنزعة الإقليمية الأفريقية باعتبارها حركة أيديولوجية ضد الهيمنة الاستعمارية، ومع الاستقلال الدستورى لجميع الدول الأفريقية، وما صاحب انتهاء الحرب الباردة من تراجع في الخلافات الأيديولوجية؛ شهدت فكرة الوحدة الأفريقية تحولًا في المضمون واتساعًا في النطاق الاقتصادي على حساب الأبعاد الأيديولوجية، حيث تراجعت خطابات مكافحة الهيمنة لصالح سيادة مفاهيم حرية التجارة وانتقال عناصر الإنتاج. وأصبحت أيديولوجية عموم أفريقيا بمثابة مظلَّة فكرية لمشروعات التكامل الاقتصادي القاري والفرعي؛ وصار يُنظر إلى المجموعات الاقتصادية الإقليمية بأبعادها الثقافية والسياسية والاقتصادية؛ على أنها اللبنات الأساسية للهوية الأفريقية الإقليمية[27].

وعلى صعيد ثالث، حظيت الدوافع السياسية للإقليمية والتكامل الإقليمي في أفريقيا باهتمام أكبر مما حظيتْ به  تجارب الإقليمية في أماكن أخرى من العالم. ارتبط ذلك بحالة الضعف النسبي للدول الأفريقية الناجم عن الولادة القسْرية المشوَّهة للعديد من دول القارة والنظم الحاكمة بها. ففي كثير من الحالات تمَّ تسليم السلطة من قبل القوى الاستعمارية إلى حكَّام ما بعد الاستعمار بدلًا من أن تكون نتيجة لعلاقة شرعية واختيار حر بين الحكام والمحكومين، ما جعل ارتباط المواطنين مع دولهم محدودًا في كثير من الأحيان والبلدان، وعليه نظر بعض قادة الدول للإقليمية كأداة سياسية لتأسيس أو تعزيز السيادة وإضفاء مزيد من الشرعية على نظمهم، وتأكيد المساواة بين الدول، والبرهنة على أن تلك القيادات تساهم في توفير المصالح والمنافع العامة الإقليمية من خلال المشاركة ولو صوريًّا في تأسيس أو عضوية المنظمات الإقليمية[28].

ويمكن القول إن انتهاء الحرب الباردة بانتصار المنظومة الغربية بقيمها وسياساتها الليبرالية القائمة على إزالة القيود حول حرية انتقال عناصر الإنتاج، قد عمَّق من ضعف الدولة الأفريقية وقدرتها على أن تكون فاعلًا دوليًّا من ناحية[29]، وشكَّل من ناحية أخرى حافزًا لعملية التكامل الإقليمي باعتباره مدخلًا أساسيًّا للتعامل مع المشكلات، واستعادة الثقة بين قوى الداخل[30]. ساعد على ذلك انهيار سياسة المحاور التي كانت قائمة في القارة الأفريقية على أساس أيديولوجي، وتبنِّي معظم الدول الأفريقية الأخذ بآليات السوق والتحول الديمقراطي، وهو أمر اعتبره البعض شرطًا أوليًّا من شروط نجاح بل قيام عملية التكامل الإقليمي[31].

فمع انكشاف ضعف وهشاشة الدول الأفريقية وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية -لا سيما في أعقاب انتهاء الحرب الباردة وما كانت تُتيحه من فرص للمناورة والتحايُل على المطالب الدولية فيما يتَّصل بقواعد ومعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان والشفافية- اضطرت الدول الأفريقية إلى قبول التعاون مع دول الجوار لحلِّ بعض المشكلات الداخلية فيها باعتباره أخفَّ الضرريْن، بعدما كانت تتمسَّك في السابق بأنها “مشكلة داخلية” لا يجوز لأحد التدخُّل فيها. وقد أخذ هذا التدخُّل أحد نمطيْن هما: قبول الوساطة في الصراعات الداخلية، والثاني قبول التدخُّل العسكري من قبل الدول فرادى أو تحت مظلَّة التجمع الإقليمي[32].

علاوة على ما سبق، اعتبر البعض أن إقامة التجمعات الإقليمية في أفريقيا عامل مساعد فى تحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي؛ حيث يمكنها أن توفر إطارًا لتسوية وحل الصراعات المكلِّفة، وتحويل مناطق الصراع إلى مناطق مصالح مشتركة، من خلال خلق كيان أوسع يستوعب الانتماءات الأولية الضيِّقة[33].

خلاصة القول، إن الاعتبارات الاقتصادية الاجتماعية والفكرية الأيديولوجية، وكذا السياسية، أكَّدت الحاجة الماسَّة إلى قيام تجمُّعات إقليمية قوية؛ باعتبارها القوة القادرة على مواجهة محاولات هندسة القارة من خارجها، وعلى تحقيق الاستقلال اللازم والسلطة لتمثيل شعوب القارة في الاقتصاد السياسي الدولي؛ وإن لم يَنْفِ ذلك بحال أثرَ العوامل والضغوطات الخارجية في قيام واستمرارية بعض المنظمات الإقليمية، ممثلة في الضغوطات الفكرية بضرورة محاكاة نموذج الاتحاد الأوروبي للتكامل والإقليمية، أو الضغوطات المادية ممثلة في حزم الدعم المالي والاقتصادي الغربي المحفِّزة للتعاون الإقليمي على الساحة الأفريقية[34].

ثانيًا- الإقليمية والتكامل الإقليمي في أفريقيا: المراحل والإنجازات

بدأت مرحلة مبكرة من التكامل الاقتصادي على الصعيد القاري خلال العقود الأولى من الاستقلال بموجب خطة عمل لاغوس، وهي مبادرة من منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي منذ عام 2002) تم تبنِّيها في عام 1980. وقد فشلت هذه المرحلة المبكرة من التكامل في تحقيق أهدافها إلى حدٍّ كبير، حيث كان  الكثير من قادة دول القارة متردِّدًا في التنازل عن بعض مظاهر وجوانب “السيادة”، لصالح عملية تكاملية أوسع نطاقًا. لذا، وباستثناء التكامل في منطقة الفرنك، لم يصل التنفيذ أبدًا في أيٍّ من مساعي التكامل آنذاك إلى وضع اتفاقية للتجارة الحرة، ناهيك عن درجة أعمق من التكامل، ساعد على ذلك افتقاد تلك الدول القدرة على تقديم التعويضات للمتضرِّرين من عملية التكامل على المستوى الإقليمي[35]. وبعد نحو عقدٍ من الزمان تبنَّت دول القارة معاهدة أبوجا لعام 1991 والتي استهدفت إزالة كافة الحواجز التى تعوق حركة التجارة فى السلع والخدمات من ناحية، وتحقيق حرية حركة كافة عناصر الإنتاج والوصول إلى الاندماج الكامل للقارة[36]. وذلك على ست مراحل متتالية في فترة زمنية لا تتعدَّى 34 عامًا من دخول المعاهدة حيِّز النفاذ[37] (دخلت حيِّز النفاذ في مايو 1994)؛ على الترتيب التالي: المرحلة الأولى (1994-1999)، المرحلة الثانية (1999-2007)، المرحلة الثالثة (2007-2017)، المرحلة الرابعة (2017-2019)، المرحلة الخامسة (2020-2023)، المرحلة السادسة (2024-2028).

وطبقًا للمراحل السابقة، يكون من المفترض الآن (سبتمبر 2022) أن الجماعة الاقتصادية الأفريقية قد أكملت مراحلها الأربع الأولى، وعلى وشك الانتهاء من المرحلة الخامسة، إلا أنه استنادًا إلى تقرير مفوضية الاتحاد الأفريقي الصادر عام 2019 بعنوان “حالة التكامل الإقليمي في أفريقيا”، والتقرير الثالث الصادر عام 2021 بعنوان “جعل حرية تنقل الأفراد مركز التكامل القاري”، تفاوت أداء التنظيمات الإقليمية المذكورة في تحقيق الأهداف والغايات سالفة البيان، فلم تتجاوز أي من المنظمات الإقليمية إكمال المرحلة الثالثة؛ مع قدر من الانتقائية في تطبيق بعض جوانب المراحل التالية ودونما التزام بالنهج التدرُّجي الوارد في اتفاقية أبوجا[38].

وعلى صعيد سياسات الاندماج الاجتماعي والتي تشمل  مجالات مثل الصحة والجنس والهجرة والتعليم؛ طوَّرت المجموعات الاقتصادية الإقليمية لا سيما “السادك” والجماعة الاقتصادية لشرق أفريقيا مبادرات للتنقل الوظيفي، وأخرى لمكافحة أمراض معيَّنة (فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز، وكوفيد 19)، والتوازن بين الجنسين. كما اتخذت الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “الإيكواس” عدة إجراءات لصالح الشباب ومكافحة البطالة. وذلك عبر الإطار الإستراتيجي للجماعة الذي أكَّد على استخدام المناهج التشاركية المجتمعية لتطوير السياسات واتخاذ القرارات على جميع المستويات. وضمان آليات شفافة لتقديم البرامج والمشاريع المجتمعية والوطنية؛ وإعطاء الأولوية للسياسات والمشروعات التي توفِّر فرصًا أفضل لأبناء الإقليم للانخراط في أنشطة اجتماعية وسياسية واقتصادية منتجة[39]. ومن ناحيتها جعلت الكوميسا الاندماج الاجتماعي وتمكين المرأة من أولوياتها من خلال برنامجها “50 مليون امرأة تتكلَّم” وميثاقها الاجتماعي والذي تضمَّن بيان خصوصية وأهمية دور المرأة في التكامل الإقليمي والتحديات التي تواجهها وسبل التعامل معها[40].

وعلى صعيد حرية تنقُّل الأشخاص، ومع الاعتراف بوجود فجوات وتفاوتات في نطاق تلك الحرية ومدى تنفيذها، حقَّقت المجموعات الاقتصادية الإقليمية تقدُّمًا ملحوظًا ومتفاوتًا كان للـ”إيكواس” فيه السبق حيث يتمتع مواطنو دول غرب أفريقيا بحق التنقُّل دونما قيود، وبلغت نسبة الالتزام بمعايير مقياس الاندماج[41] 100٪ متساوية مع الجماعة الاقتصادية لشرق أفريقيا، بينما كان معدل التزام باقي التنظيمات ومن بينها “السادك” و”الكوميسا” أقل من 65٪[42]. فرغم تبنِّي الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي (السادك) بروتوكولا بشأن تسهيل حركة الأشخاص الطبيعيِّين، والقضاء تدريجيًّا على العقبات التي تعترض ذلك؛ إلا أنه لم يدخل حيِّز التنفيذ بعد[43].

وفيما يتَّصل بتكامل عناصر الإنتاج أو التكامل الإنتاجي والبنية التحتية؛ أشار تقرير 2019 إلى سعي جميع المجموعات الاقتصادية الإقليمية جاهدة لضمان التكامل الإنتاجي الفعال الذي يُعَدُّ -كما سلف البيان- من بين العوامل الحاسمة لإنشاء قاعدة اقتصادية أكثر تنوعًا ومرونة في مواجهة الصدمات. يشمل ذلك بناء القدرات البشرية والمؤسسية لإضافة قيمة إلى السلع والخدمات مع زيادة دخول الأفراد؛ من ذلك على سبيل المثال: وضع مشروع إطار لتعزيز التعاون في اكتساب التكنولوجيا وتطويرها ونقلها وتسويقها للابتكارات وأطر الملكية الفكرية من قبل جماعة شرق أفريقيا، وقيام “الكوميسا” بمبادرات ملحوظة في مجال تشجيع الاستثمار في أقاليم الدول الأعضاء[44].

وأشار التقرير (2019) إلى سعي جميع المجموعات الاقتصادية الإقليمية لتطوير البنية التحتية وربط عواصم أفريقيا والمراكز التجارية والإنتاجية من خلال السكك الحديدية عالية السرعة وفقًا لخطة الاتحاد الأفريقي 2063، مستدلًّا بتبنِّي “السادك” إطارًا ورؤية لتطوير البنية التحتية لعام 2027 بهدف توجيه مشروعات تطوير سلسة وفعَّالة من حيث التكلفة للبنية التحتية عبر الحدود[45]. في مقابل ذلك، أكَّد تقرير (2021) على ضعْف أداء التنظيمات الإقليمية المختلفة في هذا الجانب وضعْف الالتزام بصفة عامة بمتطلبات التكامل الإقليمي في هذا الجانب وفق “مقياس الاندماج” متعدِّد الأبعاد. وهو ما يكشف عمق مشكلة البنية التحتية على الساحة الأفريقية[46].

وعلى صعيد التكامل التجاري، اتفق التقريران على أن معظم التنظيمات الإقليمية الأفريقية نجحت في زيادة معدلات التبادل الكلية فيما بين الدول الأعضاء مقارنة بالماضي[47]. إلا أن تقرير عام 2021 واستنادًا إلى المقياس متعدِّد الأبعاد أشار إلى تميُّز أداء كلٍّ من “الإيكواس” “والكوميسا” و”جماعة شرق أفريقيا” مقارنةً بغيرها من الجماعات الأخرى[48]. حيث وقَّعت جميع الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وصدَّقت غالبيَّتها على اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، والتي كان من المقرَّر أن يبدأ العمل بموجبها في يوليو 2020، لكنها واجهت بعض التأخيرات بسبب تفشِّي وباء كوفيد 19[49].

وعلى صعيد الاندماج النقدي قامت المجموعات الاقتصادية الإقليمية الأفريقية بعدة مبادرات تهدف إلى تعزيز التكامل في هذا الجانب من خلال تحديث أطر السياسة النقدية في المنطقة، وبلورة مدونات قواعد السلوك لصناع أسواق الأوراق المالية من أجل تعزيز ممارسات السوق الفعَّالة. واستنادًا إلى مقياس الاندماج متعدِّد الأبعاد لعام 2021؛ كان الأداء الأفضل من نصيب “السادك”، والجماعة الاقتصادية لدول شرق أفريقيا، لما أحرزتْه كلٌّ منهما من تقدُّم في إنشاء  المؤسسات التحضيرية للتكامل النقدي، من ذلك ما نَصَّتْ عليه خطة التنمية الإستراتيجية الإرشادية الإقليمية للجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي من إنشاء المعهد النقدي ولجنة توحيد معايير التقارب وإنشاء اتحاد نقدي كهدف طويل المدى، والذي سيتطلب بالضرورة إنشاء بنك مركزي لدول المجموعة[50]. يضاف إلى ذلك، اشتراك الجماعة النقدية لغرب أفريقيا، ومن بينها بعض دول الإيكواس وكذا دول وسط أفريقيا، في نفس العملة؛ وتوقيع دول الجماعة الاقتصادية لشرق أفريقيا على بروتوكول العملة الموحدة[51]. وهو ما يمثل أساسًا يمكن البناء عليه لتنفيذ عملاتهم الإقليمية.

واتِّساقًا مع ما سلف بيانه من أثر التحولات الدولية على أجندة التكامل على الساحة الأفريقية، انعكست خطابات العولمة الخاصة بحماية البيئة على مساعي الإقليمية والتكامل في أفريقيا، وتعتمد درجة كفاءة التنظيمات الإقليمية في هذا المضمار (حماية البيئة) على ما تملكه من أدوات ومؤسسات وما تتبعه من سياسات إقليمية موضوعة لحماية البيئة وإدارتها[52]. وتشير البيانات إلى تبنِّي المجموعات الاقتصادية الإقليمية في أفريقيا -وإن على استحياء وبأثر محدود- خطابًا مماثلا وبرامج للعناية بالبيئة؛ فعلى سبيل المثال، يوجد لدى الهيئة الحكومية الدولية للتنمية (الإيجاد) برنامج لحماية البيئة يهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء للحفاظ على جودة البيئة وحمايتها وتحسينها. كما أن لدى الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي برنامج عمل (بروتوكول) بشأن الإدارة البيئية للتنمية المستدامة يهدف إلى تعزيز حماية البيئة، الاستخدام العادل والمستدام للموارد، وتعزيز الإدارة المشتركة للبيئة العابرة للحدود[53].

وعلى صعيد التكامل المالي والسياسي واللذان يمثلان قمة هرم التكامل فإن المؤشرات تشير إلى أنه رغم ما حقَّقته السادك والكوميسا على صعيد صياغة المواثيق وتوقيع الاتفاقات الخاصة تنسيق السياسات المالية للدول الأعضاء، ورغم ما تبنَّته الإيكواس والجماعة الاقتصادية لشرق أفريقيا وما أنشأتْه من تنظيمات مثل محكمة العدل والبرلمان الإقليمي، فإن مؤشرات التكامل على هذين الصعيدين وخاصة الأخير منهما ما زالت تراوح مكانها بدرجة كبيرة، حيث إن هذه الخطوة ليست جزءًا من أولويات المجموعات الاقتصادية الإقليمية أو بالأحرى تحتاج العديد من الخطوات السابقة عليها[54].

ثالثًا- الإقليمية والتكامل الإقليمي في أفريقيا: المعوقات والتحديات

أوضحت السطور السابقة أن معظم المجموعات الاقتصادية الإقليمية في أفريقيا تسعى -ولو ظاهريًّا- إلى تحقيق أهداف التكامل المختلفة الخاصة بها والتي تتوافق جميعها مع أجندة التكامل الأفريقي على النحو المنصوص عليه في معاهدة أبوجا وجدول أعمال الاتحاد الأفريقي لعام 2063. إلَّا أن تلك المساعي تجابهها العديد من التحديات المتنوِّعة المجالات (سياسية واقتصادية واجتماعية)، ومتعدِّدة المستويات (داخليًّا، وإقليميًّا، ودوليًّا)، ويمكن الإشارة إلى بعضها فيما يلي:

  • المعوقات والتحديات السياسية والأمنية

تعتبر المعوقات السياسية والأمنية، أهم المعوقات باعتبارها العامل المهيمن على المعوقات الأخرى، ويأتي في مقدِّمة تلك المعوقات الطابع الفوقي لمعظم المؤسسات وافتقار الإرادة السياسية والالتزام السياسي بعملية التكامل[55]. فعلى الرغم من توسُّع المنظمات الإقليمية الأفريقية في فتح أبواب التمكين والمشاركة لفئات المجتمع المختلفة في أجهزة ومؤسسات تلك التنظيمات، على نحو ما تشير برامج ووثائق تمكين الشباب والمرأة وتنظيمات المجتمع المدني بصفة عامة؛ إلا أن اليد العليا تبقى للسلطات والمؤسسات الحكومية التي تملك منح ومنع تلك الأدوار، وبالتالي تكشف أن أدوار تلك التنظيمات المدنية بكافة أطيافها إن لم تكن لمقتضيات التجاوب مع مطالب المانحين الدوليِّين فهي في أفضل الحالات أدوار فرعية ثانوية[56].

وعلى ذات الصعيد تكشف بعض الممارسات عن استمرار فجوة الثقة بين الدول أعضاء التنظيمات الإقليمية وظاهرة إعلاء المصالح الفردية الآنية للدول على حساب المصالح الكلية الجماعية، وإحجام الدول الأعضاء في تنظيمات التكامل الإقليمي عن تنفيذ القرارات الصادرة عن تلك التنظيمات[57]، يدلِّل على ذلك موقف زيمبابوي موجابي من منظمة السادك ومخاوفه من جنوب أفريقيا، وكذلك موقف بعض دول الإيكواس خاصة الدول الناطقة بالفرنسية من نيجيريا، أضف إلى ذلك تقاعس الدول الأعضاء في الوفاء بحصصهم المالية للمنظمات التكاملية الإقليمية رغم قيامها بالتصديق على برامج وبروتوكولات المنظمة والقرارات الصادرة عنها[58]، الأمر الذي يَشِي بأن عضوية المنظمة -لا غاياتها- لدى البعض هي أساس الانضمام بغية تعزيز الاعتراف بتلك الدولة إقليميًّا، وتدعيم شرعيَّتها داخليًّا كما سلفت الإشارة[59].

ويعدُّ التمسُّك الحرفي بالسيادة الوطنية للدول الأعضاء، والتأخُّر في تنفيذ قرارات تعديل السياسات والقوانين واللوائح الوطنية لتتوافق مع السياسات الجديدة للتنظيم الإقليمي، أحد عوائق التقدُّم في طريق التكامل الاقتصادي، بفعل سَعْيِ بعض قادة تلك الدول إلى تعظيم مصالح دولته عند اتخاذ القرارات على المستوى الإقليمي[60]، مع رفض التنازل عن قَدْرٍ من اختصاصاتهم الوطنية لصالح فاعلية التنظيم الإقليمي. رغبة في عدم فقدان رقابتهم وهيمنتهم المطبَّقة على المستوى الوطني[61]، وهو أمر يرتبط بالافتقار إلى الديمقراطية والاستقرار السياسي، فممارسات الدول إقليميًّا لا تنفكُّ عن قناعاتهم وممارساتهم الداخلية[62].

ولعل في حرص المواثيق المعدَّلة والحديثة لمنظمات التكامل الإقليمي على الصعيديْن القاري والإقليمي، على التأكيد على مفاهيم ومؤشِّرات الحكم الجيد، وحقوق الإنسان، والتمكين والمساءلة، نوعًا من الاعتذار الظاهري عن تجاهلها لعقود من ناحية، و/أو ذريعة لجلب المساعدات الخارجية لبرامج التكامل ومشروعاته، وهي المساعدات التي تمثل بدورها قيدًا اقتصاديًّا وسياسيًّا على حرية إرادة تلك التنظيمات والدول الأعضاء بها على نحو ما تكْشف خبرة تعامل الاتحاد الأوربي مع تلك التنظيمات.

  • العقبات القانونية والإدارية

تكْشف بعض ممارسات التنظيمات الإقليمية عن أن حرص الدول الأعضاء في تلك التنظيمات على الوصول إلى توافق عام بين الدول على القرارات الصادرة، هو محاولة لتفادي حدوث الانشقاقات والصراعات الصريحة عند عملية التصويت، وأملًا في التزام الكافَّة بتطبيق ما يتم التوصُّل إليه من قرارات؛ وذلك أسْفر عن مشكلات تتعلَّق بطول الفترة الزمنية اللازمة للوصول إلى مثل تلك القرارات، وعن إفراغ القرارات في صورتها النهائية من مضمونها وفاعليتها في ظلِّ الحرص على إرضاء كافَّة الأطراف على ما بينها من تبايُنات يصعب الجمْع بينها. وهو أمر يرتبط في جانب منه بمعضلة أخرى وهي الاختيار ما بين “عمق” التكامل و”اتساعه”، حيث يخدم البعد الأول (العمق) الغايات السياسية ويعزز نسبيًّا إمكانات التنسيق بين عدد محدود من الأعضاء، بينما يهدف البعد الثاني إلى التصدِّي لواقع ضيق أسواق الدول الأعضاء وأثر ذلك على إمكانات التكامل[63]، ولعل ذلك ما دفع الاتحاد الأفريقي لمحاولة التنسيق بين الغايتين من خلال ما عُرف ببرنامج الحدِّ الأدنى للتكامل[64].

ومن ناحية ثانية، وعلى الرغم مما سلفت الإشارة إليه من اهتمام، وتحسُّن نسبي لمشروعات البينة التحتية في القارة وخاصة في مجالات النقل والمواصلات وكذا في مجال الصحة العامة، فإن قطاعات البنية التحتية ما زالت دون المستوى المأمول القادر على دعم ومساندة مساعي تحقيق التكامل الإقليمي في معظم مناطق القارة.

ويزداد الأمر تعقيدًا في ظلِّ اختلاف النظم المحاسبية والإدارية ونقص الكوادر الفنية و/أو ضعف الموجود منها[65]؛  بفعل انتشـار المحسوبية والوساطة في تعيين الكوادر العاملة بالمنظمات الإقليمية، ونظم الحصص والتوزيع الجغرافي للوظائف دونما اعتبار لعناصر الكفاءة والجدارة، وغياب الإحصائيات والمعلومات اللازمة لدعم عمليات التكامل[66]، وعدم وضوح تقسيم العمل بين الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية أحيانًا؛ وتعدُّد عضوية الدول في المنظمات بما يعوق الانتقال إلى مرحلة متقدِّمة من التكامل الاقتصادي. وهو ما اعترف به الاتحاد الأفريقي داعيًا إلى وضع معايير واضحة لقيام وقياس فاعلية التنظيمات الإقليمية في تحقيق غايات الاندماج والتي أسْفرت عن مقياس الاندماج متعدِّد الأبعاد السالف الإشارة إليه[67].

ولا شك أن فقر البنى التحتية الأساسية كالطرق، والاتصالات، والطاقة الكهربائية يمثِّل تكاليف وأعباء وقيود إضافية على التعاملات والمبادلات الاقتصادية والتجارية بين الدول الأفريقية. فالافتقار إلى وسائل النقل الكافية والملائمة يؤدِّي ذلك إلى وجود ما يشبه الأساليب الحمائية أمام دخول منتجات كل دولة أفريقية إلى أسواق الدول الأخرى، وبالمثل فإن ضعف وسـائل الاتصال وعدم توافر المعلومات في الوقت المناسب يؤثر على سرعة وكفاءة اتخاذ القرارات الخاصة بعمليات التبادل والتفاعل بين الدول الأعضاء في عملية التكامل[68].

  • المعوقات الاقتصادية والاجتماعية:

يذهب البعض إلى أن مشروعات الإقليمية والتكامل الإقليمي في القارة الأفريقية تعاني من خلل هيكلي يتمثَّل في عدم ملائمة نموذج التكامل المتبع نظريًّا (النظرية الوظيفية)، وعمليًّا (الاتحاد الأوروبي) للواقع الأفريقي، فالوظيفية من وجهة نظر هؤلاء نظرية عفا عليها الزمن تتناقض افتراضاتها والواقع الأفريقي[69]، والنموذج الأوروبي يعتبر وليد البيئة الصناعية الغربية وقيمها القائمة على حرية انتقال عناصر الإنتاج والاعتماد المتبادل، وبالتالي أسْفرت المحاكاة التامَّة لمثل هذا النموذج بدواعي استزراع أفضل الممارسات العالمية دون مراعاة خصوصية البيئة الجديدة عن العديد من المشكلات ومثلت أحد أعراض ما أسماه البعض “فخ القدرة” حيث يتم تبنِّي أشكال تنظيمية ناجحة في مكانها ونقلها لآخر دون توفر شروط عملها ونجاحها[70].

وتمثِّل الحواجز الكبيرة في مجال النقل والاتصالات، والاختلافات الواضحة بين الدول الأعضاء في مستوى التنمية والدخول؛ والتباين الكبير في الناتج المحلي الإجمالي؛ وتشابه هياكل إنتاج معظم الدول الأعضاء في التجارب الإقليمية،  والتي تكاد تنحصر في إنتاج السلع الأولية، وعقبات اقتصادية إضافية تؤدِّي إلى التنافس والاستقطاب أكثر منها إلى التعاون. حيث ترتفع احتمالات أن تكون آثار التكامل لصالح الأعضاء الأكبر وهو ما قد يدفع البلدان الصغيرة إلى تبني سياسات تجارة خارجية أكثر حمائية كما تشير خبرة الإيكواس[71].

وعلى ذات الصعيد، تؤثر بعض أبعاد السياسة النقدية والمالية مثل المغالاة في معدَّلات سعر الصرف، واختلاف السياسات المالية على مناخ الاستثمار، وهو أمر شديد الحساسية والتعقيد. فرغم عناية كافَّة المنظمات الإقليمية على التنسيق في هذا الشأن إلَّا أن معدَّل الإنجاز ما زال دون المستوى في كافَّة تلك التنظيمات[72]. فعلى سبيل المثال ومن خلال إحصاء عدد 217 قرارًا صادرًا عن “الكوميسا” في الفترة من 2009 إلى 2012، وجد أن 13٪ من القرارات لم تكن موجهة إلى أي طرف. وأنه رغم توقيع أغلبية الدول الأعضاء على 75٪ من وثائق اتفاقات الكوميسا التي كان من المقرَّر تنفيذها من عام 2009 إلى عام 2012 (وعددها 12 وثيقة)، فإنه تمَّ التصديق على خمسة وثائق فقط لم يدخل بعضها رغم ذلك حيِّز النفاذ[73]. وهو أمر تتداخل فيه العوامل الداخلية والروابط الخارجية بدرجة كبيرة، خاصة مع ما سلف بيانه من حقيقة التنافس بين منتجات البلدان الأفريقية التي يتخصَّص معظمها في المواد الأولية التي يبيعونها للبلدان الصناعية.

علاوة على ذلك، تؤثِّر عوامل الاقتصاد السياسي -لا سيما تلك التي تنطوي على تضارب بين المصالح الوطنية والإقليمية، والخاسرين والفائزين المحتملين من ترتيبات التكامل الإقليمي- على نجاح أو عدم نجاح التكامل الإقليمي في غرب أفريقيا وهو ما يشكِّل عائقًا رئيسيًّا أمام التجارة البينيَّة، وهو ما يقتضي تعويض الدول التي تخسر من جرَّاء العملية التكاملية[74].

ويلْفت النظر على الصعيد الاجتماعي، أن الحدود في أفريقيا يبدو وكأنما تمَّ إنشاؤها لإبعاد الناس وليس لتسهيل حرية الحركة؛ حيث غالبًا ما تقع الأراضي الحدودية الأفريقية على الهامش معزولة عن الدولة؛ وتفتقر غالبيَّتها إلى المرافق الأساسية مثل مياه الشرب والمدارس والمراكز الصحية. وهو ما يجعلها عرضة دائما لتحديات الصحة والأمن[75]، وبؤرة لشبكات العلاقات الاجتماعية الإقليمية الرسمية وغير الرسمية وشبكات الفساد بأنماطه المختلفة[76] فالحدود الاصطناعية المشوهة لدول القارة وما خلقته من توزيع للجماعات الإثنية والقبلية عبر تلك الحدود ولدت شبكات مصالح بين تلك الجماعات وبعضها البعض من ناحية، وبينها وبين مسؤولي البلاد على الجانبين من ناحية ثانية، كما أن التجارة مع دول العالم (خارج المنطقة الإقليمية) تعد مصدرًا أساسيًّا للضرائب والدخول التي تَصُبُّ في صالح فئة من الجماعات النافذة اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، وينصبُّ اهتمامهم الأساسي على حماية مصالحهم ومكاسبهم الخاصة الناجمة عن تلك العلاقات ومَدِّ نطاقها، في ضوء ذلك يسْهل تصوُّر قيام شبكات المصالح تلك بروافدها المختلفة بعرقلة جهود التكامل لصالح مكاسبهم الآنية[77].

ويرى بعض الباحثين أن إخفاق تجارب التنمية بصفة عامة ومن بينها تجارب التكامل في أفريقيا يرجع إلى التبعية الخارجية. فأفريقيا ما زالت تعتمد في معاملاتها الاقتصادية على علاقاتها الثنائية مع أوروبا أكثر منها على دول جوارها الإقليمية في ظلِّ افتقار المنتجات الأفريقية إلى التنويع والنزوع إلي الاحتكار، وبالتالي فإن النتيجة المنطقية هي مزيد من ترسيخ واقع الضعف والتبعية[78]. وتعدُّ علاقة فرنسا بالدول الفرانكفونية في غرب أفريقيا، أحد أبرز الأمثلة على تلك التبعية، والتي ظهرت جليَّة في تشجيع فرنسا قيام الجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا “سياو” لتضمَّ الدول الفرانكفونية، وكذلك قيام الدول الفرانكفونية في غرب أفريقيا بتثبيت عملتها للفرنك الفرنسي؛ الأمر الذي مثَّل عقبةً أمام تطوُّر مساعي التكامل بين دول الإقليم ككل[79].

وتعدُّ الشركات متعدِّدة الجنسية إحدى أدوات تكريس التبعية، حيث أدَّى وجود هذه الشركات في الدول الأفريقية إلى صعوبة منـافسة المشروعات المحلية والإقليمية لها؛ في ظل احتكار هذه الشركات لعنصـري التكنولوجيا ورأس المال، ومساندة أبناء الطبقة والنخبة الحاكمة في الدول الأفريقية لنشاط هذه الشركات، باعتبارهم في كثير من الحالات وكلاء لهذه الشركات في دولهم[80].

وعلى الرغم من اعتقاد البعض أن مصالح هذه الشركات تدعم عملية التكامل الاقتصادي بين دول القارة، لما يترتَّب عليه من وجود أسواق واسعة أمام منتجاتها؛ وما يعْنيه ذلك من مزيد أرباح، إلا أنه إدراكًا لحقيقة أن قيام التكامل الإقليمي، قد يؤثر سلبيًّا على إستراتيجية تلك الشركات -من خلال زيادة القوة التفاوضية للدول الإقليمية- كان حرص الشركات متعدِّدة الجنسية في أفريقيا على تعميق تبعية واندماج اقتصاديات دول القارة في السوق الرأسمالية الدولية، أكثر منه بين الدول الأفريقية وبعضها البعض[81].

خاتمة:

تكْشف مطالعة معظم المصادر التي تمَّ الاعتماد عليها في كتابة هذه الورقة عن نظرة سلبية تشاؤمية بشأن واقع ومستقبل الإقليمية والتكامل الإقليمي في قارة أفريقيا، وعلى الرغم من نزوع النفس إلى متابعة جمهور الباحثين والكتاب، إلا أنه سيتمُّ التركيز على مجموعة من محفِّزات نجاح التكامل الإقليمي ومتطلبات ذلك؛ على نحو يمكن البناء عليه مستقبلًا رؤية أكثر إيجابية وتفاؤلًا بشأن أفريقيا دولًا وقارَّة.

وأول ما ينبغي التأكيد عليه هو التراجع النسبي لهوس التمسُّك بالسيادة لدى الدول الأفريقية، والازدياد التدريجي في تقبُّل تدخُّل دول الجوار والمنظمات الإقليمية -استنادًا إلى معاهدات أو قرارات تنظيمية- فيما كان حكرًا على الحكومات باعتباره شؤونًا داخلية. على نحو ما تكشف وثائق الاتحاد الأفريقي وجماعة الإيكواس والسادك وغيرها من التنظيمات الإقليمية التي تضمَّنت نصوصها حق التدخل في دوله الأعضاء لاستعادة السلام والأمن ضد “الجماعات المسلَّحة والمرتزقة والجماعات الإجرامية المنظمة العابرة للحدود الوطنية”، أو في حالات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بارتكاب جرائم إبادة أو جرائم ضد الإنسانية، أو عدم الاعتراف بالحكومات التي تصل إلى السلطة بغير الطريق الدستوري.

فمع الوعي بالتراجعات التي تشهدها مثل تلك النصوص والمواثيق في أرض الواقع عند التطبيق، إلا أنها بصياغتها الواضحة والمحددة نسبيًّا مقارنة بالصياغات العامة السابقة لمثل تلك الاتفاقات والمعاهدات، فإنها توفِّر متضافرةً مع غيرها من العوامل الإيجابية الأخرى فرصة أكبر لنجاح الإقليمية.

ثانيًا- لا شك أن تواري الخلافات والاستقطابات الأيديولوجية وتراجُعها لصالح اعتبارات المصالح المشتركة، يزيد من احتمالات دعم وتعزيز المشاريع الإقليمية والتكامل الإقليمي ودفعها قُدُمًا.

ثالثًا- إذا ما استثنيْنا فترات الأزمات المالية والوبائية التي اجتاحت العالم وأفريقيا، فقد شهد الاقتصاد الأفريقي بصفة عامة بعض التحسُّن والاستقرار النسبي، مقارنةً بما كان عليه في الماضي، فوفقًا لما سَلَفَ بيانُه خلال الورقة؛ نمت التجارة بين الدول الأفريقية إلى أكثر من 15٪ ووصلت فيما بين بعض التجمُّعات (السادك) إلى 20٪، صاحب ذلك نمو الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا جنوب الصحراء بمعدَّل وصل متوسِّطه إلى 5.7٪ خلال العقد الماضي، مع استمرار الاهتمام والاستثمار في البنية التحتية، مما يؤكِّد إجمالًا تحسُّن الوضع الاقتصادي للمنطقة، ونتيجة لذلك، فإن الوضع الاقتصادي المعاصر للإقليمية مشجِّع وإن ظلَّ دون المأمول.

أخيرًا وليس آخرًا، لا بد من الإشارة إلى ضرورة دعم ومساندة جهود ومبادرات الاتحاد الأفريقي بشأن تنسيق العلاقات بين المجموعات الاقتصادية الإقليمية والاتحاد الأفريقي، والحرص على صياغة معايير أكثر دقةً وإحكامًا فيما يتَّصل بقياس التقدُّم المحْرز في مساعي الإقليمية والتكامل الإقليمي، حيث أكَّدت أزمة “فيروس كورونا” أهمية الاعتماد الأفريقي على الذات، وأهمية الإسراع في إقامة السوق الأفريقية وتنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، حيث ولَّدت لدى الأفارقة شعورًا متزايدًا بأنهم وحدهم، وأنه إن كان ثمة منقذ فسيكون الأفارقة أنفسهم. وقد قدَّمت شركات النسيج الأفريقية مثالًا على قدرة الدول الأفريقية على التجاوب مع الأزمات حينما انتهزت الفرصة لإنتاج الأقنعة وغيرها من معدات الحماية الشخصية؛ وقيام شركات أخرى بإنتاج مواد التعقيم وحتى أجهزة التنفس الصناعي، فالضرورة هي أم الاختراع وهي بالفعل فرصة للصناعة الأفريقية للظهور والنمو.

ولا يعني ما سبق، الدعوة إلى دفن الرؤوس في الرمال بعيدًا عن صعوبات ومشكلات الإقليمية والتكامل الإقليمي في القارة، أو الزعم أن طريق التكامل الإقليمي والإقليمية سوف يكون طريقًا ورديًّا خاليًا من الأشواك، ففي ظل ما سبق بيانه من معضلات وقيود على حركة الإقليمية والتكامل الإقليمي، فإن الفاعلية الكاملة لتلك التنظيمات دونها خرط القتاد[82] ممثلًا في القوى الداخلية والإقليمية والدولية التي تمثل جهود التكامل الإقليمي تلك خطرًا حقيقيًّا على مصالحها؛ وتمثل الأخيرة العقبة الكؤود أمام نجاح مساعي التكامل على نحو ما أسهبت في تفصيلها العديد من الدراسات.

 

_____________________

الهوامش

[1] ليس ثمة اتفاق بين الباحثين حول مضمون وجوانب الإقليمية، حيث يختلف معناها من باحث لآخر ومن مدرسة فكرية لأخرى، باختلاف السياقات والأزمنة، كما أن هناك أيضًا خلافات أساسية بشأن كيفية دراسة ومقارنة الإقليمية، وهل الإقليمية في أنحاء العالم ظاهرة فريدة ومنفصلة؟، أم أنها جزء من منطق أوسع وأكثر عالمية؟. وبصفة عامة.. من الشائع التمييز بين موجة سابقة من الإقليمية في الخمسينيات والستينيات (يشار إليها غالبًا باسم “التكامل الإقليمي”)، عمادها الاعتماد على الذات في مواجهة الغير والحمائية والتصنيع،  وموجة أو جيل أحدث من الإقليمية يشار إليها غالبًا باسم “الإقليمية الجديدة”  تبدأ في النصف الأخير من ثمانينيات القرن العشرين جوهرها الاعتماد على مفاهيم السوق وإزالة كافة القيود في مجال العلاقات الاقتصادية والتجارية الدولية. ويرى البعض أن التمييز بين “القديم” و”الجديد” فقد الكثير من معناه الأصلي بفعل التحولات السياسية الدولية، لصالح السعي لفهم وتحديد ملامح الاستمرارية والانقطاع بين القديم والحديث. انظر:

– Wil Hout and M. A. M. Salih, A political economy of African regionalisms: introduction, Collection: Social and Political Science 2019, pp. 1-14, accessed: 22 August 2022, available at: https://cutt.us/mdC5R

– Fredrik Söderbaum, Comparative regional integration and regionalism, January 2007, accessed: 22 August 2022, pp. 479-480, available at: https://cutt.us/HLrLY

[2] يُرجع البعض الأسس الفكرية للتكامل الإقليمي في القارة إلى فكرة الوحدة الأفريقية كسبيل لمواجهة معاناة أفريقيا والأفارقة على الأصعدة المختلفة (إنسانية – اقتصادية – سياسية – اجتماعية – ثقافية..). وتنظيميًّا تعود جذور التنظيمات التكاملية على الساحة الأفريقية إلى حقبة الحكم الاستعماري ولغايات استعمارية؛ حيث استهدفت بالأساس ترشيد نفقات القيام بأداء الوظائف لاستعمارية وخفض أعباء خزانة المستعمر. راجع:  محمد عاشور، التكامل الإقليمي في أفريقيا: الضرورات والمعوقات، القاهرة: معهد البحوث والدراسات الأفريقية، 2007، ص ص 13-15 وكذا هامش 1 ص 79.

[3] See:

– Wil Hout and M. A. M. Salih, A political economy of African regionalisms: introduction, Op. cit., pp. 3-4.

– Jaime de Melo, Mariem Nouar, and Jean-Marc Solleder, Integration Along the Abuja Road Map: A Progress Report, in: Richard Newfarmer, John Page, and Finn Tarp (eds.), Industries without Smokestacks: Industrialization in Africa Reconsidered (Oxford, 2018; Online edition, Oxford Academic, 20 December 2018), p. 388.

– Naceur Bourenane: Regional Integration in Africa: Status and Perspectives, in: Jorge Braga de Macedo and Omar Kabbaj (Preface), Regional integration in Africa, (Paris: OECD, 2002), pp. 18-26.

[4] محمد عاشور، مستقبل التكامل الإقليمي في أفريقيا: قراءة في ضوء الواقع والتحديات، أفريقيا 2050،  23 يوليو 2017، تاريخ الاطلاع 22 أغسطس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/K24Jr

[5] Margaret P. Karns, Karen A. Mingst, and Kendall W. Stiles, International Organizations: The Politics and Processes of Global Governance, (Boulder, CO: Lynne Rienner Publishers, 2015), p. 226.

[6] ترجع فكرة إنشاء منطقة التجارة الحرة (الأفريقية) القارية The Continental Free Trade Area (CFTA) إلى عام 2012، وتتمثل أهدافها في تعزيز التجارة بين الدول الأفريقية وتسريع التكامل القاري، راجع:

– Economic commission of Africa, Report: The Continental Free Trade Area (CFTA) in Africa – A Human Rights Perspective, 2017, pp. 18-19, accessed: 28 August 2022, available at: https://cutt.us/1bcZ3

[7] Margaret P. Karns, Karen A. Mingst, and Kendall W. Stiles, International Organizations, Op. cit., p. 226.

[8] Adekeye Adebajo, New African free trade accord oblivious to past failures, Business Day (South Africa),  25 March 2019, accessed: 28 August 2022, available at: https://bit.ly/3BTJBFq

[9] Jaime de Melo, Mariem Nouar, and Jean-Marc Solleder, Integration Along the Abuja Road Map, Op. cit., p. 389.

[10] UNCTAD, Key Statistics and Trends in Regional Trade in Africa, United Nations publication issued by the United Nations Conference on Trade and Development. 2019, p. V., accessed: 20 August 2022, available at: https://cutt.us/ixjrB

[11] Trade Law Centre (Tralac), Summary of intra-Africa trade 2019, p. 1, accessed: 20 August 2022, available at: https://cutt.us/SFTfA

[12]Ibid.

[13] UNCTAD, Key Statistics and Trends in Regional Trade in Africa, Op. cit., p. V.

[14] Andrew Mold and Samiha Chowdhury, Why the extent of intra-African trade is much higher than commonly believed—and what this means for the AfCFTA, Brookings, 19 May 2021, accessed: 22 August 2022, available at: https://cutt.us/KJA0W

[15] تضمَّنت ديباجة معاهدة “أبوجا” لعام 1991 والتي تعتبر مرجعية أساسية لمعظم مواثيق التنظيمات الاقتصادية الأفريقية، ما يلي: إن الدول الموقعة على المعاهدة “مراعاة لمبادئ القانون الدولي التي تحكم العلاقات بين الدول؛ وإذ تضع في اعتبارها المبادئ والأهداف المنصوص عليها في ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية. وإدراكًا منا لواجبنا في تنمية واستخدام الموارد البشرية والطبيعية للقارة من أجل الرفاهية العامة لشعوبنا في جميع مجالات النشاط البشري؛ وإدراكًا منا للعوامل المختلفة التي تعوق تنمية القارة وتعرِّض مستقبل شعوبها لخطر جسيم. بالنظر إلى مختلف القرارات والإعلانات الصادرة عن جمعيتنا في الجزائر العاصمة في سبتمبر 1968 وفي أديس أبابا في أغسطس 1970 ومايو 1973 والتي تنص على أن التكامل الاقتصادي للقارة شرط مسبق لتحقيق أهداف منظمة الوحدة الأفريقية… إعادة تأكيد التزامنا وتصميمنا على اتخاذ الخطوات اللازمة لتسريع إنشاء المجموعة الاقتصادية الأفريقية المقترحة؛ وإذ يلاحظ أن الجهود التي بذلت بالفعل في التعاون الاقتصادي القطاعي الإقليمي ودون الإقليمي مشجعة وتبرر تكاملًا اقتصاديًّا أكبر وأكمل؛ وإذ يلاحظ الحاجة إلى تقاسم مزايا التعاون بين الدول الأعضاء بطريقة منصفة وعادلة من أجل تعزيز التنمية المتوازنة في جميع أنحاء القارة. قرَّرنا إنشاء مجموعة اقتصادية أفريقية تشكِّل جزءًا لا يتجزَّأ من منظمة الوحدة الأفريقية…”.

تم الاعتماد على النص الإنجليزي للاتفاقية على الرابط التالي: https://cutt.us/SMoL5

ولا يختلف الحال كثيرًا في معاهدات إنشاء “الإيكواس”، و”الكوميسا”، و”السادك” سوى في بعض الجزئيات الخاصة بطبيعة التحديات في المنطقة المعنية.

[16] محمد عاشور، التكامل الإقليمي في أفريقيا: الضرورات والمعوقات، مرجع سابق، ص ص 19-21.

وانظر أيضًا:

– Erich Leistner, Regional Cooperation in Sub-Saharan Africa, Africa Insight, Vol. 27, No. 2, 1997, pp. 112-113.

– Rolf J. Langhammer and Ulrich Hiemenz, Regional Integration among Developing Countries: Opportunities, Obstacles and Options, (Boulder: Westview Press, 1990), pp. 1-12.

[17] Economic Commission for Africa, Assessing Regional Integration in Africa, Addis Ababa: Economic Commission for Africa, 2004, pp. 18-19.

[18] تلك الدول هي: مدغشقر، أنجولا، ملاوي، مالي، بنين، موريتانيا، موزامبيق، بوركينا فاسو، بوروندي، النيجر، جمهورية أفريقيا الوسطى، رواندا، تشاد، ساو تومي وبرينسيب، جزر القمر، السنغال، جمهورية الكونغو الديمقراطية، سيراليون، جيبوتي، إريتريا، الصومال، إثيوبيا، جنوب السودان، جامبيا، السودان، غينيا، غينيا بيساو، توجو، أوغندا، جمهورية تنزانيا المتحدة، ليسوتو، ليبيريا، زامبيا. راجع:

UN List of Least Developed Countries (as of 24 November 2021), accessed: 28 August 2022, available at: https://cutt.us/yfH0Z

[19] Ibid.

[20] Jaime de Melo, Mariem Nouar, and Jean-Marc Solleder, Integration Along the Abuja Road Map, Op. cit., pp. 388-389.

[21] محمد عاشور، التكامل الإقليمي في أفريقيا: الضرورات والمعوقات، مرجع سابق، ص 24.

وراجع: عراقي الشربيني، المشكلات التوزيعية وآثارها على التكامل الاقتصادي الإقليمي (تجربة شرق أفريقيا)، مجلة الدراسات الأفريقية، القاهرة: معهد البحوث والدراسات الأفريقية، جامعة القاهرة، العدد الخاص، 1994، ص ص 20-21.

[22] محمد عاشور، التكامل الإقليمي في أفريقيا: الضرورات والمعوقات، مرجع سابق، ص 23.

[23] انظر: المرجع السابق، ص 25. وانظر أيضًا:

– Wil Hout and M. A. M. Salih, A political economy of African regionalisms: introduction, Op. cit., pp. 20-30.

[24] African Union, The African Integration Report 2021: Putting free movements persons at the centre of continental integration, pp. 111-112, accessed: 2 September 2022, available at: https://cutt.us/oljFt

[25] Jo Adetunji, How regionalism has helped Africa manage the COVID-19 pandemic, The Conversation, 4  July 2021, accessed: 28 August 2022, available at: https://cutt.us/sMhxG

[26] Wil Hout and M. A. M. Salih, A political economy of African regionalisms: introduction, Op. cit., p. 23.

[27] Ibid.

[28] Ibid. pp. 24-26.

[29] African Union, The African Integration Report 2021, Op. cit., p. 10.

[30] محمد عاشور، التكامل الإقليمي في أفريقيا: الضرورات والمعوقات، مرجع سابق، ص 25.

[31] Josef C. Brada and José A. Mendez, Political and Economic Factors in Regional Economic Integration, Kyklos, Vol. 46, No. 2, 1993, Basel: Hebling & Lichtenhahn Verlag AG, pp. 187-189.

[32] محمد عاشور، التكامل الإقليمي في أفريقيا: الضرورات والمعوقات، مرجع سابق، ص ص 25-26.

وانظر كذلك: إبراهيم نصر الدين، مشكلة الاندماج الوطني والتكامل الإقليمي في أفريقيا، في: محمد عاشور (تحرير)، التكامل الإقليمي في أفريقيا: الواقع والآفاق، القاهرة: معهد البحوث والدراسات الأفريقية، 2005، ص ص 61-63.

[33] محمد عاشور، التكامل الإقليمي في أفريقيا: الضرورات والمعوقات، مرجع سابق، ص ص 24-29.

[34] Wil Hout and M. A. M. Salih, A political economy of African regionalisms: introduction, Op. cit., pp. 26-27.

[35] Ibid.

[36] الأمم المتحدة، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، اللجنة الاقتصادية لأفريقيا، تقييم التقدم المحرز في مجال التكامل الإقليمي في أفريقيا، أبريل 2007، ص 4.

[37] Treaty Establishing the African Economic Community, Abuja, Nigeria, 3 June 1991, Article 6, p. 10, accessed: 25 August 2022, available at:  https://cutt.us/4Aq7o

[38] Report on The Status of Regional Integration in Africa: The Executive Summary, African Union Commission, February 2019, pp. 1-7, accessed: 24 August 2022, available at: https://cutt.us/oZ9fe

[39] Ibid, p. 4.

[40] Framework for the Comprehensive Support for Women and Youth, COMESA, Cross Border Traders in the COMESA Region, July 2018, pp. 10-20, accessed: 24 August 2022, available at: https://cutt.us/ea3Aa

[41] يستند المؤشر (المقياس) الجديد لتقييم درجة التقدم في تحقيق التكامل الاقتصادي، على ثمانية أبعاد وثلاثة وثلاثين مؤشرًا تتمثَّل تلك الأبعاد في : 1- حرية حركة الأشخاص؛ 2- الاندماج الاجتماعي؛ 3- التكامل التجاري؛ 4- التكامل المالي؛ 5- التكامل النقدي، 6- تكامل البنية التحتية، 7- التكامل البيئي؛ 8- التكامل السياسي والمؤسسي. انظر:

– The African Integration Report 2021, The African Integration Report 2021, African Union Op. cit., p. 17.

[42] Ibid., p. 19.

[43] Report on The Status of Regional Integration In Africa: The Executive Summary, Op. cit., p. 4.

[44] Ibid., pp. 4-5.

[45] Report on The Status of Regional Integration in Africa: The Executive Summary, Op. cit., p. 4.

[46] The African Integration Report 2021, Op. cit., p. 21.

[47] Report on The Status of Regional Integration in Africa: The Executive Summary, Op. cit., p. 5.

[48] The African Integration Report 2021, Op. cit., p. 21.

[49] West Africa Regional Integration Strategy Paper 2020-2025: Edited Version, African Development Bank Group, 2020, pp. VII-IX, accessed: 24 August 2022, available at: https://cutt.us/pMTGc

[50] The African Integration Report 2021, Op. cit., p. 22.

[51] Report on The Status of Regional Integration in Africa: The Executive Summary, Op. cit., p. 5.

[52] The African Integration Report 2021, Op. cit., p. 23.

[53] Report on The Status of Regional Integration in Africa, Op. cit., p. 5.

[54] The African Integration Report 2021, Op. cit., p. 24.

[55] للمزيد.. انظر: محمد عاشور، التكامل الإقليمي في أفريقيا: الضرورات والمعوقات، مرجع سابق، ص ص 37-44.

[56] Mark Chingono and Steve Nakana, The challenges of regional integration in Southern Africa, African Journal of Political Science and International Relations Vol. 3. No. 10, October 2009, pp. 404-405, accessed: 25 August 2022, available at: https://cutt.us/Hz9Dm

[57] Jaime de Melo, Mariem Nouar, and Jean-Marc Solleder, Integration Along the Abuja Road Map, Op. cit., pp. 495-496.

[58] Mark Chingono and Steve Nakana, The challenges of regional integration in Southern Africa, Op. cit., p. 402.

[59] Wil Hout and M. A. M. Salih, A political economy of African regionalisms: introduction, Op. cit., pp. 6-7.

[60] The African Integration Report 2021, Op. cit., pp. 25-26.

[61] محمد عاشور، مستقبل التكامل الإقليمي في أفريقيا، مرجع سابق.

[62] Wil Hout and M. A. M. Salih, A political economy of African regionalisms: introduction, Op. cit., pp. 10-12.

[63] Jaime de Melo, Mariem Nouar, and Jean-Marc Solleder, Integration Along the Abuja Road Map, Op. cit., pp. 408-409.

[64] تقدَّمت مفوضية الاتحاد الأفريقي عام 2009 بمشروع برنامج الحد الأدنى للتكامل، ويهدف إلى تركيز طاقة وعمل المجموعات الاقتصادية الإقليمية والاتحاد الأفريقي على مشروعات ذات أولوية تتَّصف بنزعة إقليمية وقارية تعمل كقاطرة نحو تعميق التكامل داخل الأقاليم وبينها، ويتكون برنامج الحد الأدنى من التكامل من الأنشطة المختلفة التي يجب أن تتفق عليها المجموعات الاقتصادية الإقليمية والأطراف المعنية لتسريع عملية التكامل الإقليمي والقاري وإنجازها بنجاح. ويشمل البرنامج الأهداف ممكنة التحقيق المحدَّدة في الخطة الإستراتيجية للاتحاد الأفريقي وسيتم تنفيذها من قبل المجموعات الاقتصادية الإقليمية والدول الأعضاء ومفوضية الاتحاد الأفريقي (AUC) بالتعاون مع شركاء التنمية في أفريقيا. ويسمح البرنامج للمجموعات الاقتصادية الإقليمية بالتقدُّم بوتيرة مختلفة في عملية التكامل. حيث يمكن للمجموعات الاقتصادية الإقليمية تنفيذ برامجها الخاصة (التي تعتبر برامج ذات أولوية) وفي نفس الوقت، محاولة تنفيذ الأنشطة الواردة في خطة الإدارة الإستراتيجية، والتي تمَّ تحديد محتوياتها من قبل المجموعات الاقتصادية الإقليمية نفسها بالتعاون الوثيق مع المفوضية. وتشمل القطاعات ذات الأولوية حرية تنقل الأشخاص والسلع والخدمات ورأس المال؛ والسلام والأمن؛ والطاقة والبنية التحتية؛ والزراعة؛ والتجارة؛ والصناعة؛ والاستثمار والإحصاء. للمزيد راجع:

– Minimum Integration Programme (Mip), African Union, May 2009, pp. 6-9, accessed: 25 August 2022, available at: https://au.int/en/ea/ric/mip

[65] The African Integration Report 2021, Op. cit., p. 28.

[66] The African Integration Report 2021, Op. cit., p. 17.

[67] انظر الهامش رقم (41) في هذه الورقة.

[68] See:

– Mark Chingono and Steve Nakana, The challenges of regional integration in Southern Africa, Op. cit., pp. 405-406.

– Nazir Alli, Integration and Infrastructure in Africa, in: Jorge Braga de Macedo and Omar Kabbaj (Preface), Regional integration in Africa, Op. cit., p. 189.

[69] Mark Chingono and Steve Nakana, The challenges of regional integration in Southern Africa, Op. cit., p. 406.

[70] Jaime de Melo, Mariem Nouar, and Jean-Marc Solleder, Integration Along the Abuja Road Map, Op. cit., pp. 391-392.

[71] Ibid., pp. 393-394.

[72] محمد عاشور، مستقبل التكامل الإقليمي في أفريقيا، مرجع سابق.

[73] Jaime de Melo, Mariem Nouar, and Jean-Marc Solleder, Integration Along the Abuja Road Map, Op. cit., p. 392.

[74] West Africa Regional Integration Strategy Paper 2020-2025: Edited Version, African Development Bank Group, Op. cit., p. 5.

[75] The African Integration Report 2021, Op. cit., p. 118.

[76] فعلى سبيل المثال: أغلقت نيجيريا في عام 2020 حدودها في وجه الدول المجاورة بدعوى تزايد التهريب وتزايد انعدام الأمن؛ للمزيد انظر:

– Jaime de Melo, Mariem Nouar, and Jean-Marc Solleder, Integration Along the Abuja Road Map, Op. cit., p. 392.

[77] محمد عاشور، مستقبل التكامل الإقليمي في أفريقيا، مرجع سابق.

[78] Mark Chingono and Steve Nakana, The challenges of regional integration in Southern Africa, Op. cit., pp. 404-406.

[79] محمد عاشور، مستقبل التكامل الإقليمي في أفريقيا، مرجع سابق.

وللمزيد انظر:

– Uka Ezenewe, ECOWAS and The Economic Integration of West Africa, New York: St. Martin’s Press, 1983, p. 140.

– Kwame A. Ninsin, Political Economy of Integration in Africa, in: Youssef M. Sawani (ed.), reflections of African scholars on the African union, Tripoli: world center for the study and research of the green book and African Association of Political Science (AAPS), 2005, p. 69.

[80]  محمد عاشور، مستقبل التكامل الإقليمي في أفريقيا، مرجع سابق.

[81] المرجع السابق.

[82]  «دونه خَرْط القتاد»: كناية عن الشيء لا يُنال إلا بمشقَّة عظيمة.

 

فصلية قضايا ونظرات- العدد السابع والعشرون ـ أكتوبر 2022

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى