بوليفيا بين الأزمات الاقتصادية والسياسية

مقدمة:

شهدت بوليفيا في الأعوام الخمسة الماضية وقوع انقلابين -الأول دستوري والثاني عسكري- على حزب “الحركة نحو الاشتراكية” الذي يقوده الرئيس البوليفي السابق إيفو موراليس. وقع الانقلاب الأول في نوفمبر 2019، عقب احتجاجات المعارضة على نتائج الانتخابات الرئاسية وادعاء تزويرها. ونتيجة للضغوط من قِبل قادة الجيش والشرطة والضغوط الخارجية، خاصةً من منظمة “الدول الأمريكية – OAS” التي أصدرت تقريرًا يؤكد أنه تم تزوير الانتخابات، قدَّم موراليس استقالته وتوجه إلى المكسيك بعد أن عرضت عليه اللجوء السياسي لدوافع إنسانية[1].

أما الانقلاب الثاني، فوقع في 26 يونيو 2024، وقاده قائد الجيش السابق الجنرال خوان خوسيه زونيغا، الذي استفاد من حالة الانقسام في أعلى مستويات الحزب الحاكم[2]، وسعى من خلال محاولته الانقلابية إلى “إعادة هيكلة الديمقراطية في البلاد وتغيير الحكومة” على حد زعمه[3].

نسعى في هذه الورقة إلى الإجابة عن عدد من الأسئلة نحو: ما هي ملامح الأزمة السياسية في بوليفيا؟ وما المشكلات الاقتصادية التي تعرضت لها منذ الانقلاب الدستوري في 2019؟ وما تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد البوليفي؟ وما احتمالات الصراع على السلطة بين الرئيس الحالي لويس آرسي وبين زعيم “الحركة نحو الاشتراكية” إيفو موراليس؟ وما تأثير ذلك الصراع على الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد؟

أولًا- الأزمة السياسية في بوليفيا: بين الداخل والخارج

إن التاريخ السياسي لبوليفيا منذ استقلالها عن الاحتلال الإسباني في 1825، يعتبر سلسلة من الانقلابات والانقلابات المضادة، فقد شهدت البلاد ما يصل إلى أربعة أنظمة سياسية مختلفة في السلطة منذ عام 1950، وحكمها بدورها أوليغارشية ملاك المناجم وأصحاب الأراضي، وحزب ثوري بعد عام 1952، وأنظمة عسكرية من عام 1964 إلى عام 1982 مدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على غرار دول أمريكا الجنوبية الأخرى، استمر هذا الوضع حتى التسعينيات التي بدأت تشهد فيها البلاد موجة ديمقراطية محدودة مصحوبة بإجراءات نيوليبرالية من ضمنها خصخصة الشركات العامة خاصةً في قطاعات التعدين[4].

وترجع جذور الأزمة السياسية الحالية في بوليفيا إلى الانقلاب الدستوري على الرئيس إيفو موراليس في نهاية عام 2019، والذي تم على إثره إجبار أول رئيس من السكان الأصليين وصاحب أطول فترة رئاسية (2006-2019) على الاستقالة من منصبه وسط احتجاجات اجتماعية وضغوط عسكرية وخارجية. لقد سبق صعود موراليس إلى الرئاسة حدوث أزمة سياسية أيضًا؛ حيث شهدت الفترة (2000-2005) سلسلة من التمردات الاجتماعية على البرجوازية الحاكمة ذات الأصول الأوروبية المدعومة من قِبل الغرب؛ حيث أطاحت الحركات الاجتماعية الشعبية وخاصةً المؤيدة لحقوق السكان الأصليين والمعادية للنيوليبرالية والنفوذ الأمريكي، بالرئيس غونزالو سانشيز دي لوسادا في عام 2003 وكارلوس ميسا في عام 2005، مما أدى إلى تولي حكومة انتقالية بقيادة إدواردو رودريغيز فيلتزي.

حقق حزب موراليس “الحركة نحو الاشتراكية” فوزًا ساحقًا في انتخابات ديسمبر 2005، ووعد بتحولات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية جذرية[5]؛ حيث انتخب البوليفيون زعيم الحركة إيفو موراليس رئيسًا للبلاد، بأكبر هامش مقارنة بأي زعيم آخر منذ عام 1982، وذلك بعد أن تعهد بتغيير الطبقة السياسية التقليدية في البلاد وتمكين الأغلبية الفقيرة من السكان الأصليين. وفي عامي 2009 و2014، فاز موراليس بسهولة بإعادة انتخابه، وحافظ حزبه على سيطرته على السلطة التشريعية. ولكنه في عام 2016، خسر بفارق ضئيل في استفتاء للموافقة على تعديل دستوري كان سيسمح له بالترشح للفترة الرابعة في الانتخابات الرئاسية لعام 2019[6].

لقد أثارت حكومة إيفو موراليس نقاشات حادة بشأن درجة النجاح والإخفاق فيما يتعلق بسياساتها فيما يقارب 14 عامًا من تواجدها في السلطة. ففي حين أن هناك إجماعًا حول التحولات المهمة التي نتجت عن الأجندة التقدمية الطموحة للحركة نحو الاشتراكية، بما في ذلك صياغة وإصدار دستور جديد في عام 2009، وتأميم قطاعات رئيسية من الاقتصاد، والحد من الفقر، واستعادة حقوق السكان الأصليين الذين عانوا من التهميش والاستغلال من قبل الاستعمار الإسباني والبرجوازية المنحدرة من أصول أوروبية التي حاذت الثروة والسلطة منذ الاستقلال عن الاستعمار[7]. ففي الجانب الآخر، هناك سخط موجَّه لحكومة موراليس يتعلق بتقويض وتدهور المؤسسات الديمقراطية وزيادة الاستبداد والفساد والسياسات البيئية الكارثية، كثير من هذه الادعاءات صادرة عن المعارضة اليمينية التي تعبر عن الأقلية غير الهندية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية.

أعطت الإصلاحات التي قام بها موراليس شرعية لحكومته بين السكان الأصليين الذين عملوا على منح ثقتهم له ولحزبه في كافة الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والنيابية. بل وحتى عندما سعت الحركة إلى تعديل الدستور ليسمح بتدخل الدولة في تأميم بعض قطاعات الاقتصاد ويعيد توزيع الأراضي على السكان الأصليين وغيرها من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، وعلى الرغم من المعارضة الشديدة من اليمين البوليفي إلا أن تلك التعديلات، التي أجريت في 25 يناير 2009، حازت قبولًا واسعًا وبلغت نسبة تأييد الدستور نحو 97.61٪[8].

ولكن قوبلت هذه الإصلاحات برفض من البرجوازية البوليفية والولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي أدى إلى دعم الولايات المتحدة لتحركات المعارضة اليمينية للإطاحة بالحكومة اليسارية التي تعتبرها واشنطن حكومة متطرفة. فالإدارات الأميركية المتعاقبة تسعى إلى الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة في مختلف أنحاء أمريكا الوسطى والجنوبية، وذلك تبعًا لمبدأ مونرو الذي يتعاطى مع دول القارة كفناء خلفي لنفوذ واشنطن. وعلى الرغم من أن السياسة التي تنتهجها واشنطن في أميركا اللاتينية غالبًا ما تكون متسترة بخطاب تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإنه يمكن تلخيصها في دعم الأنظمة اليمينية والعسكرية التي تتوافق مع التوجهات الاقتصادية والأمنية وأهداف السياسة الخارجية الأميركية، وإقصاء النظم السياسية التقدمية أو الثورية في القارة التي تعادي المصالح الأمريكية[9].

أدارت واشنطن أهدافها تلك بطرق خشنة عبر التدخلات الاستخبارية للإطاحة بأنظمة الحكم عبر انقلابات عسكرية، أو من خلال طرق أخرى ناعمة تقوم فيها بتوفير الدعم المادي والتقني للحركات اليمينية المعادية للديمقراطية تحت شعارات التحول الديمقراطي والتنمية الاقتصادية، وتدير واشنطن تلك الجهود عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والصندوق الوطني للديمقراطية الممول من الحكومة[10].

أدى الصراع على تفسير المواد الدستورية، خاصةً حكم المحكمة العليا الذي نص على أن “تحديد فترات الولاية ينتهك حقوق الإنسان”، إلى أزمة سياسية؛ كونه قد قدم المُبرر لموراليس لخوض الانتخابات للمرة الثالثة بعد التعديلات الدستورية التي تمت في 2009؛ وذلك على الرغم من استفتاء عام 2016 الذي خسره. على إثر ذلك تصاعد العنف في البلاد، خاصةً بعد الادعاءات واسعة النطاق بتزوير الانتخابات -اتضح فيما بعد عدم صحتها-، والتي تُوِّجت بضغوط من المؤسسة العسكرية، أجبرت موراليس في نهاية المطاف على الفرار من البلاد.

أسفرت تلك الاحتجاجات والضغوط العسكرية عن استقالة موراليس ونائبه ألفارو جارسيا لينيرا[11]، بالإضافة إلى استقالة كبار مسؤولي الحركة نحو الاشتراكية في الحكومة والهيئة التشريعية ومنهم رئيسا مجلسي الشيوخ والنواب، مما أدى إلى استنفاد الخط الدستوري لخلافة موراليس. ونتيجة ذلك الفراغ تولت “جانين آنيز” مقعد الرئاسة بصفتها النائبة الثانية لرئيس مجلس الشيوخ[12]، وهي سياسية محسوبة على اليمين البوليفي. شن أعضاء حزب “الحركة نحو الاشتراكية” هجوما عليها واتهموها بالتخطيط للإطاحة بالرئيس موراليس بالتعاون مع شخصيات من الشرطة والجيش. وترافقت فترة رئاستها مع جائحة كورونا في وقت كانت تعاني فيه البلاد من هشاشة سياسية واجتماعية في ظل الحكومة الانتقالية، وفي الوقت نفسه كان نمو الاقتصاد البوليفي يتباطأ منذ عام 2015؛ ويرجع ذلك أساسًا إلى انخفاض صادرات الغاز الطبيعي إلى الأرجنتين والبرازيل[13].

قامت حكومة آنيز بتغيير مسار السياسة الخارجية البوليفية تغييرًا جذريًا، وذلك باستعادة العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وطرد 700 طبيب كوبي كانوا العمود الفقري لنظام الصحة العامة لحكومة موراليس. كما سحبت الحكومة الانتقالية سفيريها من تحالفي ألبا واتحاد دول أمريكا الجنوبية الأكثر ميلا إلى اليسار وانضمت إلى مجموعة ليما المدعومة من الولايات المتحدة. وشنت آنيز حملة تغيير واسعة استهدفت بها أعضاء “الحركة نحو الاشتراكية” في المناصب العامة، فأجرت حوالي 15 تغييرًا وزاريًا في عامها الواحد في منصبها؛ واستمرت التعيينات (السياسية) رفيعة المستوى حتى قبل أسبوع واحد فقط من تنصيب لويس آرسي. شملت الحملة استبدال حوالي 80 في المائة من السفراء واستعادة العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة بعد انقطاع دام 11 عامًا. وفي الوقت نفسه، رفعت إدارة ترامب حظرًا طويل الأمد على المساعدات الأجنبية لبوليفيا، فُرِض سابقا عندما فشل موراليس في التعاون مع جهود الولايات المتحدة لمكافحة المخدرات[14].

أعلن وزير التنمية في حكومة آنيز دعمه لخصخصة المؤسسات العامة وتقليص دور الدولة، الأمر الذي أثار شبح العودة إلى سياسات التقشف السابقة والسيطرة على الاقتصاد -بما في ذلك الموارد الطبيعية مثل الليثيوم- من قِبَل الشركات العابرة للحدود الوطنية. وعلاوة على ذلك، فإن الخطاب العنصري المثير للانقسام الذي ينتهجه الرئيس المؤقت، والذي يتراوح بين التغريدات المحذوفة التي تحتقر الاحتفالات الأصلية “الشيطانية”، والتعليقات الأحدث التي تصف قادة الحركة نحو الاشتراكية بأنهم “متوحشون”، يوحي للعديد من البوليفيين الأصليين بأن المكاسب الكبيرة التي تحققت في ظل سياسات موراليس لإنهاء الاستعمار معرضة لخطر التفكيك[15].

بعد سنة من “الانقلاب الدستوري” ونتيجة تراجع مؤشرات الاقتصاد خلال الفترة الانتقالية، عاد مرشح موراليس للانتخابات الرئاسية، لويس آرسي وزير المالية السابق في عهد موراليس، إلى سدة الرئاسة بالاقتراع الشعبي ومن الجولة الأولى. رضخت المعارضة هذه المرة واعترفت بالهزيمة، وقال المرشح المنافس الرئيس السابق كارلوس ميسا: “هناك فجوة كبيرة بين المرشح الذي احتل المركز الأول وبيننا، وبصفتنا مؤمنين بالديمقراطية، يقع على عاتقنا الآن الاعتراف بوجود فائز في هذه الانتخابات[16].

ثانيًا- من الانقلاب الدستوري إلى الانقلاب العسكري

أكدت نتائجُ الانتخابات الرئاسية في 2020 الصدعَ الكبيرَ بين اليسار واليمين المدعوم غربيا، وأوضحت أن اليمين البوليفي لا يتمتع بدعم شعبي كما روَّج في وسائل الإعلام. لكن على الجانب الآخر، أظهرت تلك النتائج أيضا صدعًا داخل المعسكر اليساري خاصة بين الرئيس موراليس والرئيس الجديد آرسي، ونشأت كتلٌ متنافسة داخل الحركة نحو الاشتراكية، وترجِّح بعض التقديرات أن الانتخابات الرئاسية التي سوف تجرى العام المقبل في بوليفيا ستشهد مرشحيْن لليسار هما آرسي وموراليس إن لم يكن هناك مرشح ثالث[17].

لقد شهدت عملية اختيار مرشح لمنصب الرئيس ونائبه خلافات بين بعض الأجنحة داخل حزب “الحركة نحو الاشتراكية”، تفاقمت تلك الخلافات بعد شروع إيفالو موراليس في إجراء تعديلات شاملة داخل حكومته حتى يمهد لإجراء تعديلات دستورية تسمح له بالترشح لولاية رابعة، لكن فشل الاستفتاء في حصد أغلبية أدى إلى تعمق الخلافات بين الأجنحة المتنافسة داخل الحزب خاصة جناح وزير خارجية موراليس الأسبق “ديفيد تشوكيهوانكا” المحسوب على ما يسمى “التيار الهندي المعتدل” وهو زعيم قبيلة أيمارا وشغل منصب وزير الخارجية في حكومة موراليس لمدة أحد عشر عامًا، وجناح نائب الرئيس “جارسيا لينيرا[18]. حيث سعى تشوكيهوانكا بشكل حثيث لخلافة موراليس في رئاسة الدولة، الأمر الذي أثار غضب الثاني وأثر على علاقتهما، لذلك استبعده موراليس من منصب وزير الخارجية واستبدله “بفرناندو هواناكوني” المحسوب على جناح “جارسيا لينيرا”. كذلك استبعد موراليس عددًا من الوزراء والمسؤولين المحسوبين على تشوكيهوانكا مثل وزير البيئة “ألكسندرا موريرا”[19].

بعد فترة وجيزة من إقالته، تم تعيين تشوكيهوانكا ليشغل منصب الأمين العام للتحالف البوليفاري (ألبا)[20]، الأمر الذي اعتبره الصحفي البوليفي فرناندو مولينا بمثابة إبعاد إلى منصب دبلوماسي ثانوي، وأرجعه إلى البنية الشخصية للأحزاب السياسية البوليفية: “كان رد الفعل ضد تشوكيهوانكا راجعًا إلى حقيقة مفادها أن بيئة [موراليس] لم تكن تسمح بظهور رئيس جديد… إن سقوط الزعيم يعني رحيل مجموعة بأكملها عن السلطة[21].

بعد هذه الإجراءات الداخلية، ترشح موراليس للانتخابات الرئاسية في عام 2019، ولكنها انتهت باستقالته ولجوءه إلى المكسيك[22]. ومع تحديد موعد انتخابات 2020 ومنع موراليس من خوضها، قدَّم تشوكيهوانكا نفسه كخليفة لموراليس حتى يحصل على ترشح حزب الحركة نحو الاشتراكية لخوض الانتخابات على مقعد الرئيس، وهو الأمر الذي قوبل بدعم من قبل فرعي الحزب في لاباز وسانتا كروز فضلا عن دعم اتحاد العمال والفلاحين الإقليمي “توباك كاتاري” وتحالف نقابات التجارة المعروفة بـاسم “ميثاق الوحدة” وهي مجموعة متحالفة مع الحركة نحو الاشتراكية[23].

على الرغم من ذلك، رفض موراليس تلك القرارات، واختار بدلا من ذلك وزير المالية السابق لويس آرسي كمرشح لمنصب الرئاسة عن الحزب، على أن يكون تشوكيهوانكا هو مرشح الحزب على منصب نائب الرئيس. وتُرجِع بعض التقديرات تلك القرارات في إطار “وضع موراليس ونواة المنفيين في الأرجنتين آرسي في المقام الأول، وذلك لأنه بدا لهم مرشحًا أفضل في لحظة الأزمة الاقتصادية؛ ولأنهم لم يريدوا أن يحتل منافس -وهو أيضًا من السكان الأصليين- المنصب الرئيسي“. ومع ذلك، فإن “المرشح [الذي تم انتخابه فعليًا] في بوليفيا من قبل الحركة نحو الاشتراكية [القاعدة الشعبية] لتمثيلها في انتخابات عام 2020 كان تشوكيهوانكا[24].

قوبل قرار موراليس بالرفض من قِبل عدد من الاتحادات العمالية والنقابية التي عبرت عن انزعاجها من عدم احترام خياراتها، مشيرين إلى أن تشوكيهوانكا حصل على دعم من المنظمات الموجودة في سبع من الإدارات التسع[25]. من جانبه، اختار تشوكيهوانكا عدم الطعن في ترشيح آرسي ودعا القطاعات المتحالفة مع الحركة نحو الاشتراكية إلى قبول قرار موراليس، وهو النداء الذي نجح في إخماد المزيد من الصراع الداخلي في الوقت الحالي. ورغم عدم تمكنه من تأمين ترشيح حزبه لمنصب نائب الرئيس، إلا أن ترشيح تشوكيهوانكا لمنصب نائب الرئيس كان بمثابة عودة الجناح الأصلي لحزب الحركة نحو الاشتراكية إلى “المستويات العليا” من الحزب، خاصة بعد فوز قائمة آرسي – تشوكيهوانكا بأغلبية ساحقة في انتخابات عام 2020[26].

في الوقت الذي تشير فيه انتخابات 2020 إلى ظهور جزئي للأزمة السياسية داخل الحركة نحو الاشتراكية، واجه آرسي تحديات كبيرة بما في ذلك إدارة الوباء وإعادة تنشيط الاقتصاد. وعلى عكس إدارة موراليس السابقة -التي استخدمت احتياطيات بوليفيا من الغاز الطبيعي والهيدروكربون لتمويل برامج الإنفاق الاجتماعي للفقراء- ورث آرسي اقتصادًا دمرته جائحة كورونا، فوفقًا للمعهد الوطني للإحصاء في بوليفيا فقد أكثر من 700 ألف شخص وظائفهم أثناء الوباء، وتجاوز العدد الإجمالي للعاطلين عن العمل في البلاد 2 مليون شخص من إجمالي 11 مليون نسمة هم عدد سكان بوليفيا[27].

كما ورثت الإدارة الجديدة سلسلة من أقساط القروض الدولية التي أقرتها إدارة آنيز المنتهية ولايتها، بما في ذلك 240 مليون دولار أميركي مستحقة لصندوق النقد الدولي و324 مليون دولار أميركي للبنك الدولي. والأمر المهم هو أن هبوط أسعار السلع العالمية كان له تأثير شديد على شركات الهيدروكربون والغاز المملوكة للدولة في البلاد وخزائن الدولة المرتبطة بها؛ حيث يتوقع صندوق النقد الدولي انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في بوليفيا بنسبة 8٪ هذا العام، وهو أسوأ ركود منذ أكثر من ثلاثة عقود.

ونتيجة هذا الوضع، تصاعدت الاحتجاجات الاجتماعية على تردي الأوضاع الاقتصادية، حيث عانى البوليفيون بشكل متزايد من تباطؤ النمو وارتفاع مستويات التضخم وشح العملات الأجنبية، الذي ألقى بظلاله على عمليات استيراد الوقود، وهو ما تجلى في أزمة اصطفاف السيارات في طوابير طويلة أمام محطات البنزين التي تعاني من نقص الوقود. وعلى خلفية التردي في الأوضاع الاقتصادية، اصطدم الرئيس آرسي وزعيم الحركة نحو الاشتراكية موراليس في معركة سياسية أدت إلى شل جهود الحكومة في التعامل مع هذه الأزمة، كون الأخير قد عمل على تعطيل مساعي الحكومة في الاقتراض من خلال حلفاءه في البرلمان البوليفي[28].

جاء انقلاب الجنرال خوان خوسيه زونيغا، كتتويج لحالة الاضطراب السياسي في البلاد والصراع بين موراليس وآرسي، برَّر زونيغا خطوته باعتبارها تأتي بمثابة قطع الطريق أمام عودة إيفو موراليس إلى الرئاسة، واصفًا موراليس بأنه “مهووس بالأساطير” و”ديماغوجي” و”بوليفي سيئ” و”خائن” بطبيعته، متهمًا إياه بالوقوف وراء ما يسمى “الثورة الملونة” التي كانت تسعى إلى زعزعة استقرار الحكومة. مشددًا على أنه “لا يمكن لهذا الرجل أن يكون رئيسًا لهذا البلد مرة أخرى“، مضيفًا أنه سيفكر في اعتقال الرئيس السابق[29].

عقب فشل الانقلاب وإلقاء القبض على الجنرال زونيغا ومعاونيه، أدان موراليس تحركات الجيش ودعا إلى “اعتقال جميع المتورطين في هذه الشغب ومحاكمتهم”، وذلك قبل أن يعتبر المحاولة الانقلابية جزءا من مسرحية أدارها الرئيس لويس آرسي، متهمًا آرسي “بخداع البوليفيين.. لكسب نقاط سياسية بين الناخبين”[30].

تُظهِر هذه المواقف عمق الأزمة السياسية داخل الحركة نحو الاشتراكية، فموراليس الذي يحظى بكاريزما عالية ودعم كبير من مزارعي الكوكا والعمال النقابيين، لم يكن راضيًا عن السماح لآرسي بالترشح لإعادة انتخابه دون منافسة. بعد عودته من المنفى، أعلن موراليس عن خططه للترشح في الانتخابات الرئاسية لعام 2025، مما أدى إلى اندلاع معركة ضارية للسيطرة على حركة الاشتراكية المنقسمة، لقد سعى كلا الرجلين إلى تقويض كل طرف منهم للآخر[31].

ثالثًا- تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على بوليفيا

تتمتع بوليفيا بوفرة من الموارد الطبيعية، ومن بين الأصول الأكثر قيمة في البلاد مخزوناتها المعدنية والهيدروكربونات (البترول والغاز الطبيعي) ومواردها الطبيعية المتجددة مثل المنتجات الزراعية خاصة الكوكا النبات الأولي لمادة الكوكايين. وعلى مدى قرون ارتبط ازدهار بوليفيا بسلعة معينة تشكل أهمية مركزية في عملية التبادل الدولي: الفضة والقصدير والصراع على المياه والغاز في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والآن الليثيوم[32]. ولقد تم تأسيس هيكل الاقتصاد البوليفي على قطاعين أساسين، الأول القطاع الاستراتيجي الذي يولد الفائض: الهيدروكربون والتعدين والمعادن والكهرباء والموارد البيئية، والثاني القطاع الذي يولد الدخل والعمالة: التنمية الزراعية، والتحول الصناعي التصنيعي، والسياحة والإسكان[33].

ومنذ الحقبة الاستعمارية، كانت بوليفيا تميل بقوة إلى تصدير الموارد غير المتجددة. ففي عام 2006، بلغت قيمة الصادرات من الصناعات الاستخراجية 3.1 مليون دولار أميركي من إجمالي الصادرات البالغ 4.234 مليون دولار أميركي (أي ما يقرب من 75٪). وبالإضافة إلى ذلك، ونظرا لوفرة الموارد الطبيعية، كان للاستثمار (الأجنبي والوطني) ميل إلى التركيز في هذه القطاعات ذات العائد المرتفع، ولكن مع تفاعل ضئيل مع بقية القطاعات الاقتصادية[34].

لقد شهدت بوليفيا العديد من التغييرات في اتجاه سياساتها الاقتصادية خلال القرن الماضي؛ ففي بداية القرن العشرين، كانت البلاد دولة ليبرالية ذات اقتصاد يركز بشكل كبير على قطاع التعدين، وبحلول عام 1952 أدخلت تغييرات هيكلية مهمة في المجتمع، تتراوح من مشاركة أكبر للدولة في الاقتصاد إلى تأميم مواردها الطبيعية الاستراتيجية. وبحلول عام 1971، تبنت بوليفيا نظام رأسمالية الدولة، الذي كان في حالة من الفوضى الشديدة بحلول منتصف الثمانينيات. وفي عام 1985، مع صدور المرسوم الأعلى رقم 21060، تم إنشاء اقتصاد سياسي جديد، وهو الاقتصاد الذي تبنى رؤية أكثر ليبرالية ونفذ إصلاحات واسعة النطاق لتعزيز الكفاءة من خلال مشاركة القطاع الخاص. ولكن في عام 2006، أدى صعود الحركة نحو الاشتراكية إلى إدخال تغييرات على النموذج الاقتصادي وإقامة آليات لاستعادة السيطرة على الاقتصاد للقطاع العام.

وبالنظر إلى دور الدولة في الاقتصاد، فلا شك أن بوليفيا تحت حكم حركة الاشتراكية قد تحولت بشكل كبير من نموذج يقوده السوق في الغالب (الليبرالي الجديد) إلى نموذج تنمية تقوده الدولة بشكل أكبر. والمؤشر الأكثر وضوحًا لهذا التحول هو الزيادة المستمرة والمهمة في الاستثمار العام، والذي زاد أكثر من الضعف عن ما قبل حركة الاشتراكية سواء من حيث القيمة المطلقة أو كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي[35].

في الوقت الحالي، يمكن أن يُعزى تراجع أداء الاقتصاد البوليفي إلى عودة النموذج الاقتصادي الذي يعتمد بشكل كبير على تصدير المواد الأولية. فالنخبتان القديمة والجديدة، إلى جانب الدولة البوليفية -بغض النظر عن الميول الإيديولوجية لقادتها- لم تعتمدا فقط على استخراج الموارد الطبيعية من أجل النمو الاقتصادي، بل عملتا أيضًا على تغذية هذا النموذج المعتمد على المواد الأولية باستمرار دون محاولة تغيير هذا النمط الراسخ. وكما يشير أحد الباحثين فإن “وهم المعجزة الاقتصادية البوليفية يتفكك تدريجيا، مما يجعل من الصعب على نحو متزايد الحفاظ على مستويات الإنفاق العام المرتفعة سابقا داخل البلاد. وعلى نحو مماثل، فإن الشعور بالرفاهة الاقتصادية الذي كان مدعوما بدولار رخيص يتآكل يوما بعد يوم، على الرغم من الجهود المستمرة التي تبذلها الحكومة لتعزيز رواية الاستقرار”[36].

إن الاقتصاد البوليفي، الذي كان في يوم من الأيام من بين أنجح اقتصادات أميركا الجنوبية، يعاني من أزمات خطيرة تفاقمت عقب جائحة كورونا وأزمات الاقتصاد العالمي؛ تمثلت في النقص الحاد في الدولار الأميركي، وتراجع إنتاج الغاز، وارتفاع حجم الديون. وقد أدى تضاؤل ​​الاحتياطيات الأجنبية إلى ارتفاع معدلات التضخم ونقص الوقود والمواد الأساسية، مع معاناة المواطنين بشكل متزايد في الحصول على السلع الأساسية. وعلى خلفية هذا التدهور الاقتصادي، تزعَّم قائد الجيش السابق انقلابًا عسكريًا فاشلا، مما أدى إلى إشعال فتيل دورة من الاحتجاجات والإضرابات التي لا تزال قائمة[37].

لقد وصلت الجائحة إلى بوليفيا في العاشر من مارس 2019، في وقت كان فيه الوضع الاجتماعي والسياسي هشًا بسبب الأزمة التي نتجت عن الانقلاب الدستوري وفشل الحكومة الانتقالية في إدارة الأزمة الاقتصادية. وعلى نحو مماثل، كان الاقتصادي الكلي هشًا بفعل تباطؤ النمو الاقتصادي منذ عام 2015، الأمر الذي وضع عملية التقدم الاجتماعي -التي تحققت في العقد السابق وأعطت نتائج باهرة في الحد من الفقر وتوسيع الطبقة المتوسطة- تحت الاختبار[38].

في السادس من فبراير 2024، خفضت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تصنيف بوليفيا للتخلف عن سداد ديونها بالعملة الأجنبية على المدى الطويل من “بي سالب” (-B) إلى “تريبل سي” (CCC). يرجع ذلك إلى انخفاض احتياطات النقد الأجنبي التي وصلت إلى مستويات حرجة في عام 2024. في يناير الماضي، نشر البنك المركزي البوليفي تقريرًا ذكر أن احتياطيات البلاد الصافية من العملات الأجنبية في نهاية عام 2023 بلغت 1.7 مليار دولار فقط، وهو أدنى مستوى لها في 19 عاما و11٪ فقط من ذروتها البالغة 15 مليار دولار في عام 2014[39].

إن ضغوط ميزان المدفوعات تؤدي إلى خفض قيمة العملة في الاقتصاديات التي بها سعر صرف مرن، ولكن بوليفيا لديها سعر صرف ثابت، وبالتالي فإن بنكها المركزي يقوم ببيع العملات الأجنبية للدفاع عن قيمة البوليفيانو ردًا على ضغوط خفض قيمته. ويكمن السبب الرئيسي وراء مشكلة ميزان المدفوعات في تآكل إنتاج الغاز الطبيعي وصادراته على مدى العشرين عامًا الماضية. ففي فبراير الماضي، وضع الرئيس لويس آرسي خطة للحد من المعوقات البيروقراطية التي تعترض المصدرين وزيادة الاستثمارات في قطاع الزراعة، وخاصة في إنتاج الحبوب، لتعزيز تدفقات الدولار إلى الاقتصاد. ولكن وكالات التصنيف الدولية تشكك في أن هذه التدابير من شأنها أن تمنع أزمة العملة من الإطاحة بالاقتصاد البوليفي الهش[40].

ووفقًا لوكالة فيتش، فإنه من بين الاحتياطيات البالغة 1.7 مليار دولار، كان 1.57 مليار دولار منها عبارة عن احتياطيات من الذهب و166 مليون دولار فقط من النقد الأجنبي. وبسبب سعر الصرف الثابت في بوليفيا، اضطر البنك المركزي إلى الدفاع عن ربط عملته بأقل من سبعة بوليفيانو مقابل الدولار الأميركي من خلال بيع العملات الأجنبية. ولكن مع تقلص احتياطيات النقد الأجنبي، تتزايد المخاوف من اضطرار البلاد إلى التخلي عن ربط عملتها بالدولار الأميركي، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى خفض قيمة العملة بشكل كبير وارتفاع التضخم إلى درجات غير مسبوقة[41].

ووفقًا لغاري رودريجيز، المدير العام للمعهد البوليفي للتجارة الخارجية، فإن الوضع المتردي لأسعار الصرف الأجنبي في بوليفيا قد يعيق بشكل خطير القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية والتصديرية وسوق الدواء، مرجعًا ذلك إلى أن “حوالي 85٪ من الواردات هي مستلزمات وسلع رأسمالية ومعدات نقل ووقود، ومن المستحيل التوقف عن شرائها”[42].

للخروج من هذه الأزمة الاقتصادية، عملت حكومة الرئيس آرسي على حشد الدعم الاقتصادي من الصين، في بداية الأمر قدمت الصين المساعدة لبوليفيا لتجاوز أزمة جائحة كوفيد-19، حيث قدمت بكين ملايين الجرعات من اللقاح لسكان البلاد. وفي حين أن الدعم المالي والاستثمارات الاستراتيجية من الصين ستنقذ بوليفيا من أسوأ أزماتها الاقتصادية، فإن الصين ستستفيد أكثر من الشراكة لأنها ستحول اعتماد بوليفيا الاقتصادي بعيدًا عن الولايات المتحدة والمؤسسات النيوليبرالية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

ومع انهيار احتياطيات بوليفيا من الدولار، زودت الصين بوليفيا بمبالغ متزايدة من اليوان. وبات بوسع بوليفيا استخدام العملة الصينية لأغراض تسوية المعاملات التجارية، الأمر الذي يسمح لها بإلغاء الدولرة في تجارتها والهروب من أسوأ آثار أزمتها الاقتصادية[43]. وفي مواجهة الكارثة الاقتصادية والمالية، قدمت الصين لبوليفيا أيضًا قروضًا واستثمارات أكبر، حيث وقعت الصين صفقة بقيمة 1.4 مليار دولار لاستخراج الليثيوم البوليفي من خلال مجموعة متنوعة من المصانع الصناعية من قبل اتحاد من ثلاث شركات صينية مملوكة للدولة[44]. كما سمح قرض بقيمة 350 مليون دولار من بنك التصدير والاستيراد الصيني، والذي يُسدد على مدى عشرين عامًا بسعر فائدة 2٪، لبوليفيا ببناء مصنع لتكرير الزنك، حيث يشكل الزنك أحد الصادرات الرئيسية لبوليفيا[45]. وعلى الرغم من تباطؤ الإنتاج والمشاكل اللوجستية المتعلقة بصادرات الطاقة، فقد ساعدت هذه البرامج من الصين بوليفيا على مواجهة ركودها الاقتصادي.

ومن خلال منتدى الصين ومجتمع دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (منتدى الصين-سيلاك)، أصبحت بوليفيا شريكًا متناميًا للصين في منطقة كانت تهيمن عليها الولايات المتحدة في السابق. أدت تلك الشراكات المتنامية إلى مناقشة وزيرا خارجية البلدين لإمكانية انضمام بوليفيا إلى مجموعة دول البريكس، وربط بوليفيا في إطار مبادرة الحزام والطريق[46].

خاتمة: مستقبل الأزمة البوليفية

أدى الصراع السياسي إلى شل جهود الحكومة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية المتزايدة، وحذر عدد من الخبراء الاقتصاديين من الاضطرابات الاجتماعية التي قد تنفجر في بوليفيا إذا لم تحل أزمة التضخم وعجز الميزان التجاري. لقد تفاقمت الصعوبات التي يواجهها آرسي بسبب الصراع مع الرئيس آرسي جناح الرئيس السابق موراليس وحلفاءه في الكونجرس البوليفي بعرقلة الموافقة على قرض تبلغ قيمته مليار دولار، يرى السابق إيفو موراليس على زعامة الحزب والبلاد. وقد تسبب هذا الصراع في انقسام حزب الحركة نحو الاشتراكية الحاكم، مما حرم الحكومة من أغلبيتها في الكونجرس[47]. اتهم آرسي أنها ستساعد في حل أزمة عجز الميزان التجاري وتوفير الواردات.

في الماضي أشرف موراليس وآرسي معًا على “المعجزة الاقتصادية” التي شهدتها بوليفيا في العقد الأول وأوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين؛ حيث نجحا في خفض معدلات الفقر ومضاعفة الناتج المحلي الإجمالي أربع مرات، في حين استفادا من طفرة السلع الأساسية في المنطقة. لقد ولَّت تلك الأيام، واليوم يتصارع الرجلان من أجل السيطرة على الحركة نحو الاشتراكية والترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في أكتوبر 2025، وهي معركة مريرة وشخصية إلى حد بعيد وتؤثر على اقتصاد بوليفيا واستقرارها بشكل عام.

قال بنيامين جيدان، مدير برنامج أميركا اللاتينية في مركز ويلسون في واشنطن: “إن آرسي يفتقر إلى الكاريزما والمهارات السياسية والإرث الذي يتمتع به إيفو. لكنه يسيطر على أجهزة الدولة. وفي العادة، تعمل الانتخابات المقبلة كصمام أمان. ولكن مع عدم اليقين بشأن ترشيح إيفو، وانقسام المعارضة، واضطراب الاقتصاد، فإن بوليفيا أصبحت على حافة الهاوية”[48].

أعاق الصراع بين الرجلين القيام ببعض الإصلاحات الضرورية للخروج من الأزمة الاقتصادية، فإلى جانب إعاقة بعض التشريعات في الكونجرس البوليفي يقوم موراليس بحشد داعميه في عدة مسيرات احتجاجية بحجة “إنقاذ” البلاد من لويس آرسي، فتنشب احتكاكات بين أنصار الرجلين، ما يخلف خسائر في صفوف الطرفين فضلا عن الخسائر الاقتصادية. من جانبه يتهم آرسي موراليس بتعريض الناس للخطر من أجل طموحاته الشخصية، وقال في إشارة إلى هروب موراليس إلى المكسيك في عام 2019: “أنا هنا يا إيفو، ولن أهرب. إذا كنت تريد حل مشكلة لديك معي لأنني لم أكن على استعداد لأن أكون دمية في يدك، فتعال. أنا في انتظارك”[49].

يهدف موراليس وأنصاره من تلك الاحتجاجات إلى ضمان خوضه للانتخابات الرئاسية القادمة، على الرغم من حكم المحكمة الدستورية الصادر في ديسمبر 2023، الذي يقضي باستبعاده من المنافسة، ولكن أيضًا هناك تنازع على تفسير القرار بين أنصار الرجلين وعدد من الخبراء.

من دون حل تلك المشكلة السياسية المتفاقمة، سوف تظل الأزمة الاقتصادية في التفاقم خاصة في ظل تنامي الاحتجاجات الاجتماعية والفئوية، يحتج المتظاهرون المناهضون للحكومة على نقص الوقود والدولار، وطالب المعلمون بزيادة الرواتب في تظاهرة حاشد في إبريل الماضي؛ وقام أنصار موراليس بإغلاق الطرق لمدة أسبوعين في فبراير احتجاجًا على قرارات المحكمة لصالح مطالبة آرسي بحركة الاشتراكية، مما تسبب في خسائر اقتصادية كبيرة، واليوم يعودون إلى المسيرات الكبرى مرة أخرى[50].

__________________

هوامش

[1] موراليس يغادر للمكسيك والجيش البوليفي يتعهد بحفظ النظام، الجزيرة نت، 12 نوفمبر 2019، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/j5qQb7ZG

[2] CARLOS VALDEZ and ISABEL DEBRE, Bitter political fight in Bolivia is paralyzing the government as unrest boils over economic crisis, AP News, 23 June 2024, Available at: https://2u.pw/Vjhc7dd1

[3] UAN FORERO AND KEJAL VYAS, Bolivian President Defies Coup Attempt in Capital, The Wall Street Journal, VOL. CCLXXXIII, NO. 149, THURSDAY, 27 JUNE 2024, P. A6.

[4] صمويل هنتجتون، النظام السياسي في مجتمعات متغيرة، ترجمة: حسام نايل، (بيروت: دار التنوير للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 2017)، ص ص 391-408.

[5] Soledad Valdivia Rivera, Bolivia at the Crossroads Politics, Economy, and Environment in a Time of Crisis, (New York: Routledge, first published 2021), P. 9.

[6] Dan Collyns and Jonathan Watts, Bolivian referendum goes against Evo Morales as voters reject fourth term, the guardian, 23 February 2016, Available at: https://2u.pw/O0HRRk5K

[7] عبد الرزاق مطلك الفهد، بوليفيا: الحركة الوطنية والهيمنة الأمريكية 1867-1964، مجلة كلية التربية للبنات – بغداد، المجلد السادس عشر، العدد 1، مارس 2005، ص 64.

[8] نجلاء سعيد مكاوي، بوليفيا وتشيلي: صعود اليسار وتراجعه، مجلة الديمقراطية، المجلد العاشر، العدد 40، أكتوبر 2010، ص 161.

[9] Alexander Main, Is Latin America Still the US’s “Backyard”?, Center for Economic and Policy Research (CEPR), 12 September 2018, Available at: https://2u.pw/fYiye2ur

[10] Ibid.

[11] Ernesto Londoño, Bolivian Leader Evo Morales Steps Down, The New York Times, 10 November 2019, Available at: https://2u.pw/qdq5W4BE

[12] Bolivia: Adriana Salvatierra, la jefa del Senado también renunció y sigue la incertidumbre sobre quién asumirá la presidencia, infobae, 10 November 2019, Available at: https://2u.pw/VAKacLAU

[13] Claudia Zilla and Madeleyne Aguilar Andrade, Bolivia after the 2020 General Elections, The German Institute for International and Security Affairs (SWP), 23 November 2020, Available at: https://2u.pw/OUmOGLcF

[14] Emily Achtenberg and Rebel Currents, MAS Party Under Threat as Bolivia Moves Towards New Elections (Without Evo), The North American Congress on Latin America (NACLA), 01 October 2020, Available at: https://2u.pw/yss3GMEK

[15] Ibid.

[16] Tom Phillips and Dan Collyns, Bolivia election: Evo Morales’s leftwing party celebrates stunning comeback, The guardian, 19 October 2020, Available at: https://2u.pw/s5uTTRvT

[17] Thomas Graham, The Internal Rift Threatening Bolivia’s Left, foreign policy, 13 February 2023, Available at: https://2u.pw/KjNyP4nm

[18] Fernando Molina, Con cambios en su gabinete, Evo Morales pretende mostrar un gobierno renovado de cara a su pretendida reelección, Nueva Sociedad, January 2017, Available at: https://2u.pw/ab0TCXOR

[19] Fernando Molina, El MAS boliviano ya no bila Solo al ritmo de Evo, Nueva Sociedad 299, Mayo – Junio 2022, Available at: https://2u.pw/EIswXY6x

[20] David Choquehuanca is appointed as ALBA’s general secretary, la razon, 6 March 2017, Available at: https://2u.pw/K9EAujvF

[21] Fernando Molina, El MAS boliviano ya no bila Solo al ritmo de Evo, Ibid.

[22] رئيس بوليفيا موراليس يغادر إلى المكسيك بعد منحه حق اللجوء، دويتشه فله عربي، 12 نوفمبر 2019، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/Bd4JNgAy

[23] Beatriz Layme, Primarias en el MAS? En La Paz proclaman a Choquehuanca?, Página Siete, 18 December 2019, Available at: https://2u.pw/7Cp5gqO4

[24] Fernando Molina, Ibid.

[25] Erika Segales, MAS accepts Evo’s duo, asks for “zero” finger pointing on lists, pagina siete, 24 January 2020, Available at: https://2u.pw/fh72buZI

[26] Marcelo Rochabrun and Daniel Ramos, Bolivia’s socialists claim victory as unofficial count shows big win, Reuters, 19 October 2020, Available at: https://2u.pw/8gabIRnY

[27] Robert Narai, Bolivia’s right wing has been defeated electorally. But it promises to strike again, Red Flag, 11 November 2020, Available at: https://2u.pw/Qq5vHhhE

[28] DAVID BILLER and ELÉONORE HUGHES, How tensions in Bolivia fueled an attempt to oust President Arce from power, AP News, 27 June 2024, Available at: https://2u.pw/GaNnNcf0

[29] Stephen Gibbs, Coup fears in Bolivia as troops storm palace, The Times, No 74446, 27 June 2024, p 34.

[30] MEGAN JANETSKY, Bolivian president orchestrated a ‘self-coup,’ political rival Evo Morales claims, AP News, 1 July 2024, Available at: https://2u.pw/3xBJCDbw

[31] DAVID BILLER and ELÉONORE HUGHES, Ibid.

[32] Can Bolivia’s White Gold Power a Green Revolution?, magazine blogs Wesleyan, 09 July 2024, Available at: https://2u.pw/sNoMFpSX

[33] يراجع خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لحكومة الحركة نحو الاشتراكية، على الرابط التالي: https://2u.pw/KOXmP4YT

[34] Juan Carlos Aguilar, Javier Comboni, Carlos Romero and Rodolfo Erostegui, Bolivia: Integrated Economic Analysis, Edita Communication, 2008, P. 19

[35] Jonas Wolff, The political economy of Bolivia’s post-neoliberalism Policies, elites and the MAS government, European Review of Latin American and Caribbean Studies, No. 108 (July-December 2019), pp. 111-112.

[36] Huáscar Salazar Lohman, The Bolivian Crisis and the Downfall of an Unsustainaible Economic Model, The Rosa Luxemburg Foundation (RLF), Available at: https://2u.pw/Q4XTtkwu

[37] Antonio Graceffo, Bolivia Economy on Knife’s Edge ahead of 2025 Polls, geopolitical monitor, 20 September 2024, Available at: https://2u.pw/s0faidM0

[38] Milenka Figueroa Cárdenas and Carlos Gustavo Machicado, COVID-19 in Bolivia: On the path to recovering development, Latin America and the Caribbean (UNDP), 29 October 2020, Available at: https://2u.pw/Fh6iprmW

[39] Valerie Hernandez, Dwindling Reserves Put Bolivia’s Economy on Edge, international banker, 16 April 2024, Available at: https://2u.pw/e2c8r4O8

[40] Monica de Bolle, Bolivia’s Balance of Payments Crisis Brings Back Bad Memories, Wilson center, 29 March 2024, Available at: https://2u.pw/D1WZzcuH

[41] Valerie Hernandez, Ibid.

[42] Ibid.

[43] Joseph Bouchard, Bolivia Turns to China Amid Historic Economic Crisis, the diplomat, 12 June 2024, Available at: https://2u.pw/EGOziKmG

[44] Chinese battery giant CATL seals $1.4 billion deal to develop Bolivia lithium, Reuters, 19 June 2023, Available at: https://2u.pw/d6gDogRI

[45] Bolivia and China sign an agreement for a $350 million zinc plant in Bolivia, Fundación Andrés Bello, 06 February 2024, Available at: https://2u.pw/bS8GXZrm

[46] Joseph Bouchard, Ibid.

[47] Bolivia’s President Luis Arce charts exit from financial crisis, Buenos Airos Times, 17 September 2014, Available at: https://2u.pw/TGiRb8Hd

[48] DAVID BILLER and ELÉONORE HUGHES, Ibid.

[49] Thomas Graham, Bolivia: protest march by ex-president’s supporters reflects split at heart of left, the guardian, 22 September 2024, Available at: https://2u.pw/SvH2YEoi

[50] CARLOS VALDEZ and ISABEL DEBRE, Ibid.

  • فصلية قضايا ونظرات – العدد الخامس والثلاثون – أكتوبر 2024

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى