الموقف الأوروبي والناتو منذ الانسحاب الأمريكي ودلالاته على بينيات الغرب

مقدمة:

أعاد مشهد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وسيطرة طالبان، وإجلاء مدنيين ودبلوماسيين غربيين على وجه السرعة من كابول، وإنزال العلم الأمريكي من على القواعد العسكرية، إلى الأذهان مشاهد الانسحاب من فيتنام والصومال، فيبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية والديمقراطيات الغربية لم تستوعب دروس التاريخ بعد، أو ربما تقف الغطرسة الأمريكية والأوروبية، لاسيما بعد انتهاء الحرب الباردة، عائقًا أمام فكرة إنكار الهزائم. ولكن مما لاشك فيه أن الانسحاب السريع من أفغانستان، قد مثَّل نقطة تحول أساسية في السياسة الدولية، ولا سيما في العلاقات الأمريكية الأوروبية؛ حيث لم تؤيد دول الاتحاد الأوروبي والناتو قرار الولايات المتحدة الأمريكية في طريقة انسحابها السريع من أفغانستان، الذي أدى إلى عودة طالبان إلى حكم أفغانستان.

وقد وصلت أعداد قوات المهمة في أفغانستان إلى 17 ألفا و148 جنديا من 39 دولة في عام 2019، وفي منتصف أبريل 2021 عند إعلان الانسحاب، تقلصت القوات إلى 10 آلاف جندي من حلفاء الناتو[1]. الأمر الذي ربما يقود إلى تحول في العلاقات الأمريكية الأوروبية، مما يثير عدة تساؤلات حول طبيعة الموقف الأوروبي ودول الناتو من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وكيف ستعيد الدول الأوروبية ترتيب الملف العسكري؟ وماذا عن المخاوف الأوروبية فيما يتعلق بقضية الهجرة؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات، يرصد هذا التقرير خطابات ومواقف نماذج من هذه الدول تجاه الانسحاب الأمريكي.

أولًا- الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو: نذهب معًا.. ونغادر معًا

لطالما اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو دومًا نهج “نذهب معًا ونغادر معًا” “in together, out together”، ومن ثم فور إعلان الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من أفغانستان في 14 أبريل 2021، أعلنت قوات حلف الناتو أيضًا بالتوازي سحب قواتها من أفغانستان، فقد أعلن الحلف في  بيان له في أبريل 2021 فيما يتعلق بالانسحاب من أفغانستان: “أنه في عام 2001 تدخلت قوات حلف شمال الأطلنطي (ناتو) في أفغانستان من أجل عدة أهداف واضحة؛ وهي مواجهة تنظيم القاعدة ومن هاجموا الولايات المتحدة في 11 سبتمر، ومنع الإرهابيين من استخدام أفغانستان كملاذ آمن لمهاجمتنا، ولكن مع إداراك التحالف أنه لا يوجد حلول عسكرية بإمكانها مواجهة التحديات في أفغانستان، لذا قرر التحالف الانسحاب من أفغانستان، فقد شكّل الناتو أحد أكبر التحالفات في التاريخ للعمل في أفغانستان. فقد ذهب جنودنا إلى أفغانستان معًا، ونغادر معًا[2].

وقد أقر الأمين العام لحلف الناتو في هذا الصدد بأن الخطة “لم تكن قرارًا سهلا وانطوت على مخاطر”. وجادل بأن البديل هو “الاستعداد لالتزام عسكري طويل الأمد ومفتوح النهاية مع إمكانية زيادة قوات الناتو”[3].

إلا أن الفشل الذريع في كابول، أثار مزيدا من الإلحاح على السؤال الذي يواجه حلف الناتو منذ نهاية الحرب الباردة تقريبا: هل سيكون هناك أي تحول جدي في الطريقة التي يعمل بها حلف الناتو؛ حيث تقود أمريكا، وأوروبا تتبع؟

إن سياق الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وكيفيته يشير إلى أبعد من مجرد هزيمة وانسحاب عسكري، وإنما قد يؤشر لانتهاء عصر من الهيمنة والمكانة والدور، وقد يجري التأريخ له لاحقًا باعتباره المحطة الكبرى الفارقة بين العصر الأمريكي والعصر الصيني؛ حيث ظلت المظلة العسكرية والأمنية التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لحلفائها على مدى العقود، أهم عنصر ثقة في الدور الأمريكي عالميًا. ولقد تعددت مستويات هذه المظلة، بدءًا برابطة حلف الناتو، الذي يمثل مركز الدائرة الأمنية الغربية، ومرورًا بالمظلة الأمنية الأمريكية لليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، ثم إسرائيل، ثم روابط أمنية وعسكرية خاصة مع الدول التي خضعت للغزو (العراق وأفغانستان)، ثم ارتباطات أمنية مختلفة مع دول حليفة. وهذه المستويات جميعها للروابط الأمنية الأمريكية، أصبحت بعد أفغانستان محل شك؛ حيث تراجعت الثقة في النموذج الأمريكي والديمقراطية، ويرتبط بذلك تراجع الثقة بما سُمي بتحالف الديمقراطيات، وفتح الباب لعودة المقولات حول الانتهازية الأخلاقية والإمبريالية الأمريكية، التي غزت الدول تحت ذرائع التهديد الوجودي الراديكالي للحضارة الغربية، ثم تركتها مفككة ومنهارة[4].

 

ثانيًا- أوروبا بين رفض الانسحاب الأمريكي والرغبة في الاستقلالية العسكرية

أثار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان المواقف الأوروبية المعارضة للقرار الأمريكي، والذي أظهر التبعية الأوروبية وعدم الاستقلال في اتخاذ القرارات؛ حيث اعتمدت الدول الغربية على الجيش الأمريكي في استمرار تشغيل المطار أثناء عمليات الإجلاء الجوي؛ حيث تدافعت لإخراج مواطنيها من كابول بعد استيلاء “طالبان” على السلطة، مما إنعكس علي الموقفان الأوروبي والبريطاني للسعي من أجل توجه للاستقلال العسكري عن الولايات المتحدة بعد التجربة الأفغانية، ولا يتعلق الأمر بالشأن العسكري فحسب، وإنما بالشؤون الدبلوماسية والعلاقات متعددة الأوجه.

الأمر الذي أيقظ القرار الأوروبي لتطوير قدراته العسكرية المستقلة، فمنذ تولي الرئيس الأمريكي “بايدن” منصبه، هناك فرصة لإعادة العلاقات مع أوروبا بعد صدمة سنوات ترامب، إلا أن الإخفاق في أفغانستان جعل العديد من الأوروبيين يقتنعون أكثر من أي وقت مضى، بأنهم لا يستطيعون الاعتماد على أمريكا لرعاية مصالحهم الأمنية، بغض النظر عمن يسكن البيت الأبيض.

ففي حين وصف الرئيس الأمريكي “بايدن” إنهاء مهمة بلاده العسكرية في أفغانستان بأنها كانت “أفضل سبيل لحماية الجنود الأمريكيين، وتأمين خروج المدنيين الراغبين من هناك”، وقال إن قرار الانسحاب من أفغانستان “لا يتعلق فقط بالبلد المذكور، بل بإنهاء حقبة من العمليات العسكرية الكبرى”، إلا أن “جوزيف بوريل” الممثل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي وصف -على صعيد آخر- الانسحاب من أفغانستان بأنه “فوضوي”، ورجَّح أن ذلك سيكون أيضا “عاملا محفزا في محاولات الاتحاد الأوروبي لتطوير دفاعاته المشتركة”، بعد أن أظهر الموقف في أفغانستان ضعف إمكانيات أوروبا العسكرية؛ حيث قال وزير دفاع سلوفينيا “ماتي تونين”، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، “إن أزمة أفغانستان أظهرت أن أوروبا لا تمتلك إمكانيات عسكرية كافية”[5].

كما نشر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان البريطاني “توم تيوغيندهات” تغريدة أفاد فيها بأن: “أفغانستان هي الخطأ السياسي الأكبر، نحن في حاجة إلى إعادة التفكير في طريقة تعاطينا مع الأصدقاء، الذين يهموننا، وكيف ندافع عن مصالحنا”[6].

وفي الوقت الذي يدفع بعض القادة الأوروبيين، وبينهم الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، الاتحاد الأوروبي إلى اعتماد سياسة أمنية أقل اتكالًا على أمريكا، فإن أفغانستان ستُستخدَّم دليلًا على ضرورة “الاستقلال الذاتي الاستراتيجي”، كما صرح رئيس المجلس الأوروبي “شارل ميشيل”، بأن الاتحاد الأوروبي، يجب أن يتخذ إجراءات تمكنه من الاستعداد بشكل أفضل لعمليات الإجلاء العسكرية لرعاياه في مواقف مثل ما حدث في أفغانستان خلال الأسابيع الأخيرة، وذكر “ميشيل” في منتدى بليد الاستراتيجي في سلوفينيا: “من وجهة نظري، لسنا بحاجة إلى حدث جيوسياسي آخر من هذا القبيل، لندرك ضرورة أن يسعى الاتحاد الأوروبي من أجل استقلالية أكبر في صنع القرار، وقدرة أكبر على العمل في العالم. وأضاف وزير الدفاع السلوفيني أن ما حدث في أفغانستان، أظهر مدى اعتمادنا على الولايات المتحدة في الجوانب العسكرية، مؤكدا أنه إذا أراد الاتحاد الأوروبي أن يكون قادرًا على نشر السلام، فيجب تسريع عملية صنع القرار في مؤسساته”، وقال: “لدينا الموارد المالية، ونحتاج لإرادة سياسية لبناء القدرات اللازمة للتصرف بشكل مستقل دفاعيًّا”[7].

وقد تجسَّدت هشاشة أوروبا في دعوة الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” لإقامة منطقة آمنة تخضع لسيطرة الأمم المتحدة في كابول، لتعمل على مساعدة حاملي التأشيرات من الأفغان المعارضين لطالبان على المغادرة بأمان، وبطريقة منظَّمة ومجهَّزة، إلا أنه في غضون يوم واحد تمَّت تنحية اقتراحه، وقال “ريم كورتيويغ” من معهد كلينجينديل، وهو مؤسسة أبحاث هولندية: “إن الأوروبيين يحتجون بشدة، لكن لا توجد خيارات بديلة، لذا لا أحمل ذلك محمل الجد.. إنه مجرد تكرار لنفس العبارات التي دأب الأوروبيون على قولها عندما لا تسير الأمور كما نريد”. لكن الحروب في البوسنة وليبيا أظهرت “عدم قدرة الأوروبيين على فعل أي شيء جدي بدون الأمريكيين، تغيير ذلك يحتاج إلى التزام بتوفير الإرادة السياسية وأموال دافعي الضرائب، التي لا يُظهر القادة الأوروبيون بوادر تشير إلى توفيرها، فمن الصعب بدرجة كافية حمل أعضاء الناتو الأوروبيين على إنفاق نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع الذي وافقوا على القيام به بحلول عام 2024، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، حتى ألمانيا، التي تنفق أكثر، ستصل إلى 1.53% فقط.

ومع رفض طالبان السريع لخطة ماكرون لإقامة منطقة آمنة، لم تكن هناك رغبة دولية كبيرة للدفاع عن المقترح، ولكن على أية حال، تحظى مثل تلك الجهود بسجل متقلِّب، بما في ذلك مذبحة عام 1995، التي راح ضحيتها أكثر من 8000 رجل وصبي بوسني في المنطقة الآمنة المحمية دوليًا في مدينة سربرنيستا في البوسنة، وهجوم عام 1983 على ثكنات قوات حفظ السلام في لبنان، والذي أسفر عن مقتل ما يقرب من 300 جندي أمريكي وفرنسي[8].

ومن ثم أظهر القرار الأمريكي بالانسحاب السريع عدم التوافق الأمريكي الأوروبي، بل أجبر هذا القرار الإدارة الأوروبية على الرحيل؛ حيث لم يترك لها أي خيارات بديلة، مما أدى إلى انكشاف ضعف القدرات العسكرية الأوروبية، وأنها مجرد تابع لقيادة أمريكية قررت الانسحاب العسكري المفاجئ لقواتها، مما أظهر الموقف الأوروبي بالعجز، ومن ثم تعالت الأصوات بالاستقلال الأوروبي عن التبعية العسكرية للولايات المتحدة.

ثالثًا- خطابات أوروبية رافضة للقرار الأمريكي

في ألمانيا، تزايدت الانتقادات للانسحاب العسكري الغربي من أفغانستان، فبينما سيطر القلق في سياق الأحداث في أفغانستان على كل أوروبا، فإن التعبير عنه في ألمانيا، كان على نحوٍ خاص؛ فبالنسبة للألمان، لم تكن المهمة الأفغانية مجرد وقوف مع حليف أو “بناء أمة”، إنما كانت برهانًا للعالم ولأنفسهم، أن ألمانيا تغيرت، فقد كانت المهمة الأفغانية، أول انتشار رئيسي لجنود ألمان في الخارج منذ الحرب العالمية الثانية. وعندما طلب المستشار السابق جيرهارد شرودر من البوندستاج، الموافقة على المهمة بعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001، واجه معارضة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يتزعمه، وقرر المجازفة بحياته السياسية بربط الموافقة باستفتاء، واشتكى شرودر لمساعدين لاحقًا، فقال إن المجازفة التي أقدم عليها لم تكن محل تقدير الرئيس الأمريكي وقتها جورج دبليو بوش، ما حدا بالمستشار إلى رفض الانضمام إلى الحرب على العراق بعد ذلك بعام[9].

وعلى مدى سنوات، شعرت ألمانيا بتأثير المهمة. ورغم أن قواتها كانت منتشرة في الجزء الشمالي من البلاد الهادئ نسبيًا، إلا أن 60 جنديًا ألمانيًا قُتلوا هناك، كما استثمرت ألمانيا المليارات في أفغانسان خلال هذه المدة واستقبلت آلاف اللاجئين.

ووصفت المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل الوضع في أفغانستان بأنه “مرير”، معتبرةً أن أسبابًا سياسية داخلية أمريكية، ساهمت في قرار سحب القوات الغربية من أفغانستان. فيما اعتبر رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي، أن الانسحاب هو أكبر إخفاق لحلف الناتو منذ تأسيسه، وقالت المستشارة أمام مسؤولين في حزبها، وفق ما أفاد مشاركون في الاجتماع، “إن انسحاب القوات (من أفغانستان)، كان له تأثير الدومينو”، وأضافت أن مسؤولية الانسحاب العسكري الغربي من أفغانستان تقع على عاتق الولايات المتحدة. وتابعت قائلة: “لطالما قلنا إننا سنبقى أيضًا إذا بقي الأمريكيون”، إلا أن المستشارة عبّرت أيضًا عن تفهّم للقرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي جو بايدن لناحية تكبّد الولايات المتحدة خسائر بشرية كبيرة في أفغانستان، واعتبرت ميركل أن التطوّرات الأخيرة في أفغانستان هي أحداث مريرة بالنسبة لكل الأشخاص الذين حاولوا العمل من أجل التقدم والحرية في هذا البلد، خاصة النساء، وأضافت أن حاليًا يريد عدد كبير من الأشخاص مغادرة البلاد، واعدةً ببذل ما بوسعها لمساعدتهم وكذلك المنظمات غير الحكومية التي تدعمهم. ورغم تجنب ميركل توجيه الانتقاد المباشر لبايدن، فإنها في الكواليس، اعتبرت أن الانسحاب المتسرع يعد خطأ، وقالت في اجتماع مع مسؤولين من حزبها: “بالنسبة للذين يؤمنون بالديمقراطية والحرية، خاصةً للنساء، فإن هذه تطورات مزعجة”.

وقالت وزيرة الدفاع الألمانية “آنغريت كرامب-كارنباور“، إن الأوروبيين لم تكن لديهم القدرة على معارضة قرار الانسحاب الأميركي من أفغانستان، لأنهم لا يملكون القدرة لفعل ذلك بأنفسهم، وأضافت أن الوقت حان كي يتحرك الأوروبيون للأمام بما يخدم مصالحهم ويعطيهم القدرة على التصرف في مجالات الدفاع والأمن. ورأت الوزيرة الألمانية أن الغرب تلقى ضربة قاسية في أفغانستان، لافتة إلى أن قوْل ما إذا كانت هذه الضربة هزيمة دائمة من عدمه، سيحدده ما سينتج عن النقاشات في أوروبا والولايات المتحدة، وقالت “لدى الأوروبيين القدرات لتشكيل قوة عسكرية أوروبية، لكن كيفية استخدامها لتشكيل مستقبل أوروبا، يبقى تحديًا محوريًّا”.

كما شددت كرامب-كارنباور على أن الاستقلال الأوروبي الأكبر لا يعني أن يحل محل الناتو أو الروابط الوثيقة مع الولايات المتحدة، ولكن يعني جعل الغرب أقوى بشكل عام، مضيفة في الوقت نفسه في تصريح لشبكة “أيه آر دي” التلفزيونية في 12 أغسطس 2021: “أنه من الصعب قبول تلك الصور المريرة لطالبان في المدن الأفغانية، لكن أي شخص يتحدث عن عودة الجيش الألماني إلى أفغانستان، عليه أن يعرف أننا لم نعد نتحدث عن مهمة تدريبية، فنحن نتحدث عن مهمة قتالية طويلة وشاقة، ويمكن القول: نحن نتحدث عن حرب”؛ وذلك ردا على أصوات طالبت بمهمة جديدة للجيش الألماني ولحلف الناتو في أفغانستان لمواجهة طالبان[10].

وقال وزير الخارجية الأسبق يوشكا فيشر، الذي كان يشغل منصب وزير خارجية ألمانيا في بدء تدخل حلف الناتو في أفغانستان عام 2001: “لم أتوقع مثل هذا القرار بالانسحاب سريعًا، نحن نرى تداعياته اليوم”، فيما قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البوندستاج الألماني نوربرت روتيجن: “أقول بقلب ملؤه الحزن والرعب أمام ما يحدث، إن الانسحاب المبكر كان بمثابة خطأ خطير وبعيد المدى لحسابات الإدارة الحالية، لقد ألحق ذلك ضررًا أساسيًا بالمصداقية السياسية والأخلاقية للغرب”[11].

وفي بريطانيا تساءلت تيريزا ماي، رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، التي سارعت لتكون أول زعيم أجنبي يلتقي الرئيس المنتخب حديثا ترامب، في البرلمان: “هل كانت معلوماتنا ضعيفة لهذه الدرجة؟ هل كان فهمنا للحكومة الأفغانية ضعيفا لهذا المستوى؟ هل كانت معرفتنا على الأرض غير كافية إلى هذا الحد؟ أم أننا اعتقدنا فقط أنه كان علينا أن نتبع أمريكا ونأمل أن يكون كل شيء على ما يرام؟”[12].

وقال “ياب دي هوب شيفر”، الأمين العام لحلف الناتو من عام 2004 إلى عام 2009، إن الانتقاد الأوروبي لبايدن كان دقيقا تماما، ولكنه أيضا بدون أهمية إلى حد ما، لأننا “نحن الأوروبيين أصبحنا مدمنين على قيادة أمريكا، إنه بالنظر إلى صعود الصين، فإن “العلاقة عبر الأطلسي كما عرفناها لن تكون أبدا هي نفسها”.

وأضاف قائلا: “إن أفغانستان يجب أن تكون درسا لأوروبا، فتركيز أمريكا على الصين، يعني أنه يجب على الأوروبيين تطوير القدرة على الوقوف على أقدامنا، عسكريا وسياسيا، ويجب أن نفكر بجدية فيما يجب القيام به للدفاع عن أنفسنا وإنفاق الأموال لتحقيق ذلك”، ولكنه أضاف: “نحن بعيدون جدا عن ذلك الآن، للأسف وعلى الرغم من كل الدعوات المتجددة لاستقلال العمل الأوروبي والاستقلال الذاتي الاستراتيجي، يقول البعض إن هناك القليل من الأدلة على أن الكثير سيتغير”.

فيما قال وزير الخارجية البريطاني “دومينيك راب”: “إن الحكومة قد تحتاج إلى تطوير قدراتها حتى تتمكن من العمل على مهام عسكرية معينة في المستقبل بدون الولايات المتحدة”، في وقت كشفت فيه شبكة “سي بي آس” الأمريكية عن أن حركة “طالبان” أحبطت عددًا من الهجمات المفترضة خلال عملية الإجلاء الأمريكية من كابول، مشيرة إلى تعاون بين الحركة و”البنتاجون” أوسع من المعلن. وقال وزير الخارجية البريطاني إنه يريد أن يكون لحكومة بلاده تمثيل دبلوماسي في أفغانستان، لكن ذلك غير ممكن الآن بسبب الوضع الأمني[13].

وقالت “كارين فون هيبل”، المدير العام للمعهد الملكي للخدمات المتحدة للدراسات الدفاعية والأمنية، وهو مركز أبحاث في لندن، والمسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأمريكية، إنَّ مشهد الاعتماد الأوروبي والبريطاني على الولايات المتحدة عندما قرَّرت الانسحاب السريع من أفغانستان، يكشف الفجوات الواسعة في البنية التحتية الأمنية الأوروبية، والبنية التحتية البريطانية فيما يتعلَّق بإدارة الأزمات بمفردهم، وتابعت فون هيبل قائلةً: “إنَّه على الرغم من إدراك الحاجة إلى الاستثمار بشكل أكثر فاعلية في الدفاع، وبناء نهج أكثر استراتيجية للسياسة الخارجية؛ فقد تراجعت قدرة الاتحاد الأوروبي على الدفاع عن مصالحه بمفرده- في غالب الأمر- في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتفشي وباء “كوفيد -19″، وأضافت: “حتى بعد أربع سنوات من رئاسة ترمب، لا أعتقد أنَّهم خطَّطوا بجدية لوضع خطة بديلة”[14].

وفي فرنسا، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 4 ديسمبر 2021، إن دولا أوروبية عدة تعمل على فتح بعثة دبلوماسية مشتركة في كابول، حتى يكون لها تمثيل دبلوماسي في أفغانستان، وأضاف في حديث للصحفيين في العاصمة القطرية الدوحة: “نفكر في تعاون وتنظيم بين عدة دول أوروبية، لإيجاد موقع مشترك للعديد من الأوروبيين، مما سيسمح لسفرائنا بالتواجد في أفعانستان”[15].

وتأتي هذه الخطوة ضمن مساعي الدول الأوروبية لإيجاد طريقة للتعامل مع حركة طالبان، كما أن من شأنها أن تمكن السفراء الأوروبيين من العودة إلى كابول؛ حيث أنه منذ انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وسيطرة الحركة على البلاد بسرعة أذهلت الدول الغربية، تحاول الأخيرة التوصل إلى آلية بشأن كيفية التعامل مع طالبان.

وفي روسيا سخر نائب وزير الخارجية الروسي “إيجور مارجولوف” من طريقة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بصورة فوضوية، وقال: “إن انهيار الحكومة الأفغانية وتسليمها الحكم بشكل شبه طوعي لحركة “طالبان” هو نتيجة طبيعية لعشرين عامًا من جهود “الدمقرطة” الأمريكية لأفغانستان”. وأضاف قائلا: “إن هناك اجتماعًا دوليًا سيعقد لمناقشة التطورات في أفغانستان، ستشارك فيه موسكو وواشنطن”[16].

رابعًا- الانسحاب من أفغانستان والقلق الأوروبي من ملف الهجرة

أثار ملف الهجرة قلق الجانب الأوروبي، كونها مرتبطة بأفغانستان برًا، على عكس الولايات المتحدة، ولا يشمل ذلك الإرهاب فحسب؛ بل الهجرة الجماعية وتجارة الهيروين أيضًا. وبدون وجود على الأرض، لن يكون لدى الحكومات الأوروبية الآن العديد من الأدوات التي يمكن من خلالها التأثير على الجماعة المسلحة؛ حيث بدا الأمر أن أوروبا بصدد مواجهة موجة جديدة من اللاجئين، مثلما حدث في عام 2015، حين فرّ نحو مليون رجل وامرأة وطفل، معظمهم من السوريين إلى جانب الأفغان وغيرهم إلى أوروبا في غضون عام، فوفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يوجد حاليًا ما يقرب من 2.5 مليون لاجئ أفغاني مسجَّلين في دول حول العالم، مما يضعهم في المرتبة الثانية بعد السوريين.

وفي مؤشر على هذه المخاوف، اختلف وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي في اجتماع لهم عقب الانسحاب الأفغاني، حول كيفية التعامل مع التدفُّق المحتمل للاجئين الأفغان؛ فقد وقف وزراء داخلية النمسا، وجمهورية التشيك، والدنمارك، جنبًا إلى جنب، أمام المراسلين ليقولوا: “إنَّ رسالة أوروبا للأفغان ينبغي أن تكون البقاء في مكانهم”. وعقب الاجتماع، حثَّ بيان مشترك للكتلة المكوَّنة من 27 دولة، على استخدام جميع الوسائل لمساعدة الدول الأقرب إلى أفغانستان على توفير “سبل عيش مستدامة” للاجئين، و”منع الهجرة غير الشرعية من المنطقة، وتعزيز القدرة على إدارة الحدود ومنع تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر”[17].

في خضم تلك الأحداث، تفاوضت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على صفقة النقد مقابل مراقبة الحدود مع تركيا، التي تعهدت بوقف تدفُّق اللاجئين مقابل 3 مليارات يورو (3.6 مليار دولار)، وهى الصفقة التي كانت مثيرة للجدل، بسبب السجل السيء للحكومة التركية في مجال حقوق الإنسان، وهي مشكلة يمكن تضخيمها في أي محادثات مع حركة طالبان الإسلامية المتطرفة أيضًا، رغم أنه ليس لدى أوروبا العديد من الأدوات الأخرى المتاحة لدرء مخاوفها، فعندما دعت مفوَّضة الشؤون الداخلية الأوروبية “إيلفا جوهانسون”، الاتحاد الأوروبي إلى التدخل في أفغانستان، لمنع اندفاع موجة جديدة من اللاجئين الباحثين عن حياة جديدة في أوروبا، أوضحت أيضًا أنَّ التدخل يعني إنفاق المال[18].

ففي أول مؤتمر صحفي عقدته المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” عقب استيلاء حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول، كان القلق من موجة جديدة من اللاجئين باديًا بوضوح على تصريحاتها، خاصة حين شددت أنه “لا يجب تكرار الأخطاء الماضية”، في إشارة إلى موجة اللاجئين في عام 2015[19].

كما سارعت الصحافة الألمانية بدورها إلى تبني ذلك في تعليقات عدد كبير من كتابها، آخرها كان تعليق صادر عن الكاتب “أندرياس كلوث”، رئيس تحرير صحيفة “هاندلسبلات غلوبال” الاقتصادية في تقرير لوكالة بلومبرج للأنباء، مشددًا فيه على “ضرورة عدم تكرار” سيناريو عام 2015، حين وصل عدد كبير من الأشخاص إلى الاتحاد الأوروبي عبر البحر المتوسط أو برًا عبر جنوب شرق أوروبا. وأضاف “كلوث” أن هناك إحجاما من جانب السياسيين في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، وهم يشاهدون الكارثة الإنسانية التي تتكشف في أفغانستان وتنذر بتجدد الهجرة الجماعية، ووفقًا لكلوث، استبعد المستشار النمساوي “سيباستيان كورتس” قبول أي لاجئين من أفغانستان، وطالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ”استجابة قوية” تجاه أي تدفق جديد للمهاجرين؛ وذلك إلى جانب زعيمي ليتوانيا وبولندا، اللذين يبنيان الآن سياجا فعليا على حدودهما مع بيلاروس لإبعاد اللاجئين[20].

وعد جونسون باستقبال حار للاجئين الأفغان الذين يصلون إلى المملكة المتحدة، بعدما واجه انتقادات لإدارته عمليات الإجلاء من أفغانستان. وكانت لندن أعلنت أن الأفغان الذين عملوا لحساب بريطانيا في بلدهم، وتم إجلاؤهم إلى المملكة المتحدة، سيُمنحون حقوق إقامة غير محدودة، والحق في العمل، وطلب الحصول على الجنسية البريطانية في الوقت المناسب، وسيحصل هؤلاء على خدمات صحية مجانية، ودروس للغة الإنجليزية، ومنح جامعية في إطار عملية حكومية تحمل اسم “الترحيب الحار”، وقال “بوريس جونسون” في بيان له: “ندين بالكثير للذين عملوا مع القوات المسلحة في أفغانستان، وأنا مصمم على منحهم مع عائلاتهم الدعم الذي يحتاجونه لإعادة بناء حياتهم هنا في المملكة المتحدة”[21].

كما يعتبر ملف الهجرة “مغلفًا بالديناميت الإنساني والجيوسياسي”؛ حيث يتم استخدامه كـ”سلاح” ضد الاتحاد الأوروبي، يمكن تفجيره بشكل أكثر تدميرا من أي قنبلة، وهو ما أدركه الرئيسان البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو والتركي رجب طيب أردوغان وأمثالهما، فقد استخدم لوكاشينكو اللاجئين كـ”ورقة ضغط”، من خلال استقدام المهاجرين على متن الطائرات من العراق، ومن بينهم أفغان، ثم يدفعهم باتجاه حدود الاتحاد الأوروبي، وأيضًا على الرغم من إبرام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتفاقًا مع الاتحاد الأوروبي في عام 2016، يلزمه بمنع اللاجئين من العبور إلى اليونان، فإنه يهدد بإجبار اللاجئين على دخول الاتحاد الأوروبي كلما دخل في إشكالية مع بروكسل أو برلين أو باريس أو أثينا. ويقول كلوث: “إن الحكام المستبدين، يدركون أنهم قادرون على فضح الاتحاد الأوروبي، الذي يقول إنه يهتم بالبشر، وذلك من خلال تصويره على أنه ضعيف أو منافق أو كليهما”.

أثار ذلك تنامي الحركات الشعبوية داخل أوروبا، وإحداث شرخ قوي داخل التكتل الأوروبي العاجز حتى هذه اللحظة على تطوير سياسة هجرة موحدة عادلة لجميع الأطراف، ويذهب كلوث إلى حدّ القول بأنّ “الفشل في السيطرة على الهجرة، قد أسقط إمبراطوريات من قبل”، فالاتحاد الأوروبي -مثله مثل روما القديمة- لا يستطيع أن يفعل شيئا يُذكر للسيطرة عليها، ومع ذلك يتعين عليه أن يجتاز اختباراته مرارا، وهي اختبارات قد تفشل فيها أوروبا في نهاية المطاف. وخلافا للولايات المتحدة، فإن الاتحاد الأوروبي غير قادر أو راغب في نشر القوة عندما يتعرض للتهديد، وبالتالي فهو محكوم عليه، إما بأن يحذو حذو الولايات المتحدة، أو أن يحاول كسب ودِّ الحكومات في إفريقيا والشرق الأوسط، على أمل أن تبقى شعوبها في الداخل[22].

يبدو أن القلق الأوروبي من اللاجئين ليس فقط على مستوى الحكومات، بل امتد أيضًا إلى مستوى الشعوب؛ حيث أظهر استطلاع للرأي في ألمانيا، أجراه معهد سيفي لاستطلاعات الرأي لصحيفة أوغسبورغر الألمانية اليومية، بشأن قضية الهجرة أن ثلثي الألمان تقريبا بنسبة 62.9%، يخشون تدفقا كبيرا للاجئين في أعقاب التطورات الأخيرة في أفغانستان، كما حدث في عام 2015.

وكشف الاستطلاع عن أن ثلث الألمان تقريبا (30%) يفكر بطريقة مختلفة؛ حيث قال الناخبون الذين يؤيدون حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف على وجه الخصوص، إنهم قلقون من تدفق اللاجئين، وقال ثلاثة أرباع مؤيدي الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وحليفه البافاري الاتحاد الاشتراكي المسيحي، وكذلك الحزب الديمقراطي الحر الليبرالي، إنهم يخشون حدوث أزمة لاجئين على غرار ما كان عليه الوضع قبل ست سنوات. لكن الباحث في شؤون الهجرة شتيفان أنغيندت قال لوكالة الأنباء الألمانية، إنه يعتبر التحذيرات بشأن أعداد لاجئين مثل 2015 و2016 مبالغا فيها، علما أنه في هذين العامين، جاء أكثر من 1.1 مليون طالب لجوء إلى ألمانيا، كثير منهم سوريون[23].

خامسًا- أوروبا ومستقبل العلاقات مع أفغانستان

يبدو أن أوروبا تترقب الموقف في أفغانستان، محاوِلةً الضغط على حكومة طالبان بتنفيذ عدد من الشروط من أجل الحصول على الإعتراف الدولي.

في بيان اختتام مهمة الدعم الحازم لحلف الناتو، وجه الحلف خطابه عن مستقبل العلاقات مع أفغانستان، قائلا: “إنه على خلفية الدعم الإقليمي والدولي المتجدد للتقدم السياسي نحو السلام، سنواصل دعم عملية السلام الجارية التي يملكها ويقودها الأفغان.. نرحب بمؤتمر اسطنبول باعتباره فرصة لدفع عملية السلام قدما، وتعزيز التقدم المحرز في الدوحة، وندعو الحكومة الأفغانية وطالبان إلى الالتزام بالتزاماتهما تجاه عملية السلام التي بدأتها اتفاقية طالبان والولايات المتحدة والإعلان الأمريكي الأفغاني المشترك، سيستمر حلفاء وشركاء الناتو في الوقوف إلى جانب أفغانستان وشعبها ومؤسساتها في تعزيز الأمن ودعم مكاسب السنوات العشرين الماضية، إن سحب قواتنا لا يعني إنهاء علاقتنا بأفغانستان، بل ستكون بداية فصل جديد.. السلام المستدام في أفغانستان سيكون له في الأساس اتفاق سلام دائم وشامل يضع حدًا للعنف، ويحمي حقوق الإنسان لجميع الأفغان، ولا سيما النساء والأطفال والأقليات، ويدعم سيادة القانون، ويضمن أن أفغانستان لم تعد مرة أخرى ملاذا آمنا للإرهابيين”[24].

ومن ثم فإن الاعتراف الأوروبي بحكومة طالبان مرهون بعدة شروط؛ فعلى الرغم من إعلان طالبان تشكيل حكومة مؤقتة في سبتمبر الماضي في أفغانستان بعد بسط سيطرتها على العاصمة كابول، عبَّرت محادثات بين قادة مجموعة العشرين حول أفغانستان، بحسب ما أفادت صحيفة “الجارديان” البريطانية، عن أن حكومة طالبان ليست شاملة، وبالتالي فإن الاعتراف بحركة طالبان ليس مدرجا على جدول الأعمال، مشيرة إلى ضرورة استمرار عملية التفاوض مع حركة طالبان. كما أكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، قناعة بلادها التامة بأن جميع الأفغان لديهم الحق في العيش في سلام وكرامة وأمن، مشيرة في هذا الإطار إلى أهمية المساعدة في حل المشاكل الإنسانية التي يعاني منها الشعب الأفغاني والحيلولة دون انهيار الاقتصاد الأفغاني، وذلك خلال مشاركتها في قمة مجموعة العشرين حول أفغانستان. وطالبت ميركل بأن تحصل وكالات الأمم المتحدة على المساعدات الإنسانية المطلوبة، مشدِّدة على أن تكون المساعدات الإنسانية أيضًا متوافقة مع المبادئ المتفق عليها دوليًا. وشددت المستشارة الألمانية على أهمية ضمان نجاح مكافحة الإرهاب وألا تشكل أفغانستان تهديدًا آخر للعالم الخارجي، منبهة إلى أن الحرب ضد الإرهاب ستلعب دورًا مركزيًا للغاية في المحادثات مع طالبان[25].

خاتمة: الناتو والدروس المستفادة في أفغانستان

في أغسطس 2021، تم إجراء تقييم سياسي وعسكري شامل خلال الخريف، بمشاركة نشطة من الحلفاء والخبراء، وجد التقييم أن مشاركة الناتو في أفغانستان أظهرت قدرة هائلة وقدرات عسكرية، وأنه في بيئة أمنية متزايدة التعقيد، يجب أن تظل إدارة الأزمات مهمةً أساسيةً لحلف الناتو. وخلص أيضًا إلى أن مستوى طموح المجتمع الدولي في أفغانستان امتد إلى ما هو أبعد من تدهور الملاذات الآمنة للإرهابيين، وأنه في المستقبل، يجب على الحلفاء تقييم المصالح الاستراتيجية وتحديد أهداف قابلة للتحقيق والبقاء على دراية بمخاطر توسيع البعثة.

قدم التقييم عددا من التوصيات الأخرى، بما في ذلك ما يتعلق بشأن الحفاظ على قابلية التشغيل البيني مع الشركاء التشغيليين؛ النظر في المعايير السياسية والثقافية للدول المضيفة، وكذلك قدرتها على استيعاب بناء القدرات والتدريب، وضمان تقديم التقارير في الوقت المناسب والمشاورات الهادفة. كما اقترح أن على الناتو النظر في كيفية تعزيز قدراته لإجراء عمليات إخلاء واسعة النطاق وسريعة الإخطار في المستقبل. وتهدف الاستنتاجات والتوصيات الرئيسية للتقييم إلى إعلام القادة السياسيين والعسكريين لحلف الناتو أثناء نظرهم في عمليات إدارة الأزمات المستقبلية وتوجيهها[26].

وعليه يتبين أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان قد لقَّن أوروبا دروسًا عدة، يمكن أن نرى تبعاتها في المستقبل القريب فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية الأوروبية، بعد اهتزاز الثقة في الحليف الأمريكي، مما حث أوروبا على اتخاذ المزيد من التدابير العسكرية لمزيد من الاستقلالية وعدم الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية، فلم تعد الحليف الموثوق به، وجاء إعلاء المصلحة الأمريكية الوطنية على حسابات مصالح الحليف الأوروبي، الأمر الذي دعا الدول الأوروبية لمراجعة سياساتها وتقييم أخطاء الماضي.

===========================

الهوامش

[1] NATO and Afghanistan, North Atlantic Treaty Organization, 7 Dec. 2021, accessed 19 Dec. 2021, available at: https://cutt.us/YbpUm

[2] North Atlantic Council Ministerial Statement on Afghanistan, 14 April 2021, Accessed: 15 December2021, available at: https://cutt.us/jh2JE

[3] U.S department of Defense, Joint Press Conference of NATO Secretary General and US Secretary of State and US Defense Secretary, 14 April 2021, Accessed: 14 December2021, available at:  https://cutt.us/LvOvT

[4] معتز سلامة، تراجع الثقة: انعكاسات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 30 أغسطس2021، تاريخ الاطلاع علي الموقع 10 ديسمبر2021، متاح عبر الرابط التالي https://cutt.us/UUPR9

[5] الاتحاد الأوروبي يتجه لتأسيس “قوة ردع عسكرية” بعد تطورات أفغانستان، موقع روسيا اليوم، 2 سبتمبر2021، تاريخ الاطلاع 5 ديسمبر2021، متاح عبر الرابط التالي:   https://cutt.us/kMnPX

[6] زياد الأشقر، بوليتيكو: أوروبا بين رفض التصديق والشعور بالخيانة في أفغانستان، موقع أخبار 24، 19 أغسطس2021، تاريخ الاطلاع 3 ديسمبر، متاح عبر الرابط التالي https://cutt.us/R3OvN

[7] Charles Michel, opening speech in Slovenia at the @BledStratForum #BSF2021, twitter, Accessed: 21 December , available at:  https://cutt.us/lCAhd

[8] الانسحاب من أفغانستان مشكلة أكبر لـ”أوروبا” من أن تكون للولايات المتحدة، بلومبيرج، بوابة الشرق اقتصاد، 1 سبتمبر2021، تاريخ الاطلاع 4ديسمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/MtcsR

[9] The New York Times, Pressing Greens, German Leader Wins Historic Vote on Sending Troops to Afghanistan, 17 November 2021, Accessed: 13 December 2021, available at:  https://cutt.us/vbLcX

[10] الهزيمة الأفغانية تؤكد حاجة أوروبا لتطوير قدرات دفاعية مستقلة”، موقع دويتش فيله، سبتمبر 2021، تاريخ الاطلاع 13 ديسمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/bJNm9

[11] ألمانيا: الانسحاب من أفغانستان أكبر إخفاق لـ «الناتو» منذ تأسيسه، صحيفة الخليج، 16 أغسطس2021، تايخ الاطلاع 4 ديسمبر2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/HodMk

[12] BBC, Afghanistan: Theresa May on politicians withdrawing UK troop, 18 August,Accessed: December, available at: https://cutt.us/PivoA

[13] وزير الخارجية البريطاني دومنيك راب: بوغتنا بسرعة سقوط كابُل التي كان التقييم الاستخباري يتوقع صمودها حتى نهاية العام، موقع بي بي سي بالعربية، 1 سبتمبر 2021، تاريخ الاطلاع 14 ديسمبر، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/YkX5p

[14] الانسحاب من أفغانستان مشكلة أكبر لـ”أوروبا” من أن تكون للولايات المتحدة، مرجع سابق.

[15] ماكرون: أوروبا سيكون لها تمثيل دبلوماسي في أفغانستان لا يلزم الاعتراف السياسي بطالبان، 4 ديسمبر 2021، تاريخ الاطلاع 13 ديسمبر 2021، موقع بي بي سي بالعربية، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/f6Zbx

[16] استقلال أوروبي ــ بريطاني عن واشنطن بعد حرب أفغانستان، صحيفة الخليج، سبتمبر 2021، تاريخ الاطلاع 11 ديسمبر2021، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/P8bRh

[17] Gabriela Baczynska, Echoes of 2015 as EU grapples with Afghan migration, security challenges, August 31, 2021, Accessed: 12 December, available at:  https://cutt.us/Xx1z5

[18] Lorne Cook, Associated Press, EU to give Turkey 3 billion euros to help Syrian refugees inside its borders, Independent, 25 june 2021, Accessed: 12 December 2021, available at:  https://cutt.us/SMqy9

[19] Oliver Noyan, How worried is Germany about Afghan refugees?, 26/8/2021, available at: https://cutt.us/0VF4r

[20] ملف اللاجئين الأفغان يلقي بثقله على ألمانيا وأوروبا، موقع دويتش فيلة، 29 أغسطس 2021، تاريخ الاطلاع 12 ديسمبر2021، متاح عبر الرابط التالي:  https://p.dw.com/p/3zdbZ

[21] الاتحاد الأوروبي يفكر باستقلاله العسكري بعد الانسحاب من أفغانستان، انبندت عربية، 1 سبتمبر 2021، تاريخ الاطلاع 13 ديسمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/Dl9Uv

[22] ملف اللاجئين الأفغان يلقي بثقله على ألمانيا وأوروبا، مرجع سابق.

[23] ثلثا الألمان يخشون تدفق اللاجئين الهاربين من أفغانستان، موقع أخبار اليوم السابع، 18 أغسطس 2021، تاريخ الاطلاع 12 ديسمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/rJcO1

[24] NATO and Afghanistan, Op. cit.

[25] ميركل: الاعتراف بحكومة طالبان لم يكن مطروحا في قمة مجموعة العشرين، روسيا اليوم، 12 أكتوبر 2021، تاريخ الاطلاع 11 ديسمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي  https://cutt.us/7ezl5

[26] NATO and Afghanistan, Op. cit.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى