المشروع الإقليمي الإيراني في ضوء الطوفان والحرب على غزة.. هل من مسار لتوازن القوى بين العرب وإيران؟*
إن استراتيجية إيران ورؤيتها لمشروعها الإقليمي واحدة من أبرز المتغيرات الجدلية عند تناول الأوضاع الإقليمية، لا سيما في أوقات الأزمات وما تحمله من تغيراتٍ متلاحقة، كما هو الحال الآن. إذ تطرح الحرب الدائرة على الأراضي الفلسطينية العديد من التساؤلات والتكهنات بشأن مستقبل الإقليم برمته، وفي القلب منه غزة؛ رمزًا لمجمل الصراع في اللحظة الراهنة، خاصةً في ظل حالة التداعي التي تعصف بالجانب العربي، وبما يترافق مع حضورٍ إيراني إشكالي. ويمكن بلورة المشهد في عددٍ من القضايا والتساؤلات على مستوى مختلف الفاعلين الإقليميين والدوليين ذوي الصلة. فعلى الجانب الإيراني، من المهم تفنيد حقيقة الأبعاد القيمية والحضارية في السياسة الإيرانية، والتي ترفع شعارات نصرة المظلومين والمستضعفين حول العالم، ولكن هل يمكن ذلك بينما هي تتبع سياسات يُشهد لها بالطائفية في الداخل والخارج في سياق ما يُسمى “الجيوبوليتيك الشيعي”؟ ولكن إذا تحدثنا عن الطائفية على الصعيد الخارجي خاصة، فهل تتحمل مسؤوليتها طهران وحدها، أم قد يكون الجانب العربي شريكًا بشكلٍ أو بآخر عبر ترك المجال لهذه الطائفية؟
ولكن تناول الأمر لابد أن ينطلق أيضًا من عددٍ من المرتكزات، من قبيل أن إيران دولة من المستبعد إنزواؤها عن لعب “دور” إقليمي، وذلك بحكم التكوين التاريخي والموقع الجغرافي فضلا عن الخصائص الأيديولوجية للثورة الإسلامية. أما المرتكز الثاني، فينقلنا إلى المستوى المتعلق بالعالم العربي، حيث الغياب الاستراتيجي وأحادية وتجزيئية السياسات العربية في التعامل مع ما يُجابه المنطقة من تحدياتٍ وتهديدات من داخلها أو من خارجها (السياسات الأحادية التطبيعية مع إسرائيل)، فضلا عن عدم امتلاك رؤية استراتيجية استيعابية جامعة لمكونات الإقليم للحيلولة دون تمكين الطائفية الإيرانية، أو تلاعب القوى الكبرى.
على مستوى القوى الإقليمية الأخرى، نجد أن القشة التي تقصم ظهر البعير دومًا هي القشة الإسرائيلية، التي عبر سياساتها -بل جرائمها- إزاء الفلسطينيين تعطي لإيران المبرر للتحرك في أي مساحة متاحة في ظل تيهٍ عربيٍ متعمد. هذا التيه الذي يجعل من الأيسر والأجدى لطهران إدارة علاقاتها مع منافسيها الإقليميين الآخرين بما في ذلك إسرائيل مقارنةً بالجانب العربي، حتى إنه لا غضاضة من القول بأن العالم العربي ما هو إلا ساحة منافسة بين الطرفين، بجانب الفاعل التركي، الذي نراه يدير حساباته بدقةٍ عالية مهما تصاعدت الضغوط التي يُجابهها.
لا شك أن مستقبل التفاعلات الإيرانية الإقليمية يرتبط كذلك بالسياق الدولي؛ سواء تعلق الأمر بالولايات المتحدة أو منافستيها: روسيا والصين، فما الثابت والمتغير في استراتيجيات هذه القوى؟
في سياق هذا كله، كيف سيكون مصير حالة إقليمية مأزومة تتلخص أهم سماتها في: انهيار مجموعة دول عربية (العراق، سوريا، اليمن، لبنان، الصومال، السودان، ليبيا)، تتصارع على مقدراتها مجموعات من الجماعات المسلحة المدعومة من هذا الطرف أو ذاك، وخلافات بينية سياسية وطائفية، وصراعات وأزمات اقتصادية متلاحقة، جراء سياسات قصيرة المدى فاشلة، ضمن أزمات عالمية تضع أوزارها على عاتق شعوب أمتنا، … لتتراجع -على وقع تلك الأزمات- قضايانا الكبرى؛ وعلى رأسها الصراع الوجودي مع إسرائيل. هذه الأوضاع تمثل محفزات لقوى إقليمية وعالمية لتعبث بمقدرات الإقليم.
من ثم، فوفق خبرة تلك المنطقة التي اعتادت لعقودٍ تعاقبَ الحروب والصراعات، فكأن انتهاء حرب ما هو إلا مرحلة استعداد لتلك التي تليها، نتساءل: هل انتهاء الحرب على غزة -متى حدث- سيكون مجرد خطوة جديدة على هذا المسار؟! هل يمكن لإيران أن تحقق نصرًا -أو لنقل: مكاسب- دون دخول مباشر في الحرب، وأيًّا كانت نتائج هذه الحرب، عبر دعم سيطرة مشروعها الإقليمي؟ هل يمكن القول بأن ثمة توجهات جديدة للسياسة الخارجية الإيرانية تتشكل ملامحها عبر مواقفها في طوفان الأقصى (التحرك بوتيرة حذِرة، وإن كانت متغيرة من مرحلة لأخرى أثناء الحرب، أيضًا إعطاء أولوية للخطاب الدبلوماسي)، وإن لم تختلف الثوابت؟ وهل يدفع الإقليم الثمن مجددًا في دوله المنهارة بالأساس، وتحديدًا في سوريا والعراق؟
إن الإجابة عن هذه السلسلة من الأسئلة ليست بالأمر اليسير، وتحتاج إلى دراساتٍ معمقة مترابطة حول العديد من المحاور الأفقية والرأسية. وفيما يلي، نرسم خريطة للعوامل المحرِّكة لكل من الأطراف ذوي الصلة بمستقبل الإقليم؛ تحديدًا في إطار الاستراتيجية الإيرانية حول الحرب الراهنة. وهذه الورقة فقط ترسم مسار الإجابة انطلاقًا من أن ما يزيد عن ستة أشهر منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى مثلت اختبارًا جديدًا للمشروع الإيراني؛ مما يستوجب تجديد رسم خرائطه على ضوء سلوك إيران واحتمالات تطوره وتأثيره على الواقعة الجارية في إطار منظومتها الإقليمية والدولية.
فلقد تطور مفهوم المحور الإيراني (إيران، والجماعات المسلحة التي تدعمها في العراق ولبنان وسوريا واليمن، فضلا عن حركات المقاومة الفلسطينية التي لها خصوصيتها) ومشروعه الإقليمي في بيئة مواتية أسهمت في دعمه وترويجه على المستوى الجماهيري. كان من بين ملامح تلك البيئة التغيرات الداخلية في إيران عقب الثورة الإسلامية، سياق عربي يعاني الضعف والتمزق، وصراع دولي حول المنطقة تقوده العديد من القوى الكبرى[1]، تلك السياقات، وإن كان لا يمكن القول بأنها قد تبدلت اليوم تزامنًا مع طوفان الأقصى، إلا أنها شهدت بعض المستجدات؛ بعضها يخدم المشروع الإيراني والآخر يقيده. فكيف أثرت ومن شأنها أن تؤثر تلك المستجدات على التفاعلات الإيرانية مع الحرب على غزة، وكيف ستنعكس بدورها هذه الحرب على المحور الإيراني وتفاعلاته الأخرى إقليميًا؟
لكن من الحريّ بنا في هذه المقدمة الوقوف على أبرز معالم الاستراتيجية الإيرانية إزاء الحرب على غزة حتى الآن:
بدايةً، ليس من الصواب اختزال معركة طوفان الأقصى بالقول بأنها “معركة إيرانية”، كما ذهبت بعض الأصوات خاصة في بداية المعركة؛ فهي معركة حق تاريخي إنساني، تقوم عليها حركة مقاومة وطنية، وإن كانت تربطها بطهران ومحورها بعض المشتركات تجاه تطورات الإقليم. وعلى الرغم من أن تصريحات إيرانية قبل العملية بعامٍ تقريبًا كانت قد أشارت إلى ضرورة عملية من هذا النوع وتعهدت بالتدخل الجدي إذا ما تمت، كما أنهُ -في مقابلة أُجريت في أغسطس 2022 ونشرت على الموقع الإلكتروني لـ”المرشد”- قال رئيس الحرس الثوري حسين سلامي: “الفلسطينيون جاهزون اليوم للحرب البرية، وإن أكبر نقاط ضعف إسرائيل هي الحرب البرية، وإن القتال بالصواريخ ليس هو النقطة الأساسية في الصراع، … وسيتحرك أبناء حزب الله وفلسطين الشجعان ذوو الخبرة على الأرض في تشكيل عسكري واحد”[2]. على الرغم من ذلك، إلا أن ذلك لا ينفي كون أن غزة ليست قِبلة إيران الأولى، وليست مرتكز محورها؛ وهذا ما أثبته رد الفعل الإيراني المحسوب على ضربات إسرائيلية (والذي سنرصد أهم ملامحه)، وذلك بخلاف إرسال الدعم والقوات مباشرة إلى نظام بشار الأسد إبان الثورة السورية.
فعلى خلاف ما يُشاع بأن عملية طوفان الأقصى جاءت بتوقيت مناسب للإيرانيين؛ حيث عطلت مسار التطبيع العربي الإسرائيلي الجاري، فإنها أيضا أثرت سلبًا على مسار التفاهم الإيراني الأمريكي. فقبل الطوفان بفترة وجيزة، كان يبدو أن الإيرانيين على وشك فك الجمود الذي ساد التفاهمات مع واشنطن، فاتفاقية تحرير السجناء الخمسة وتحرير ستة مليارات دولار لصالح إيران شكلت أملا للإيرانيين في تفكيك الحصار الاقتصادي. وفي الفترة نفسها، شهدت صادرات النفط الإيرانية مستويات إنتاج مرتفعة، وذلك وفق ما ذكرته شركة “كبلر”. وبحسب الشركة نفسها، تجاوزت الصادرات الإيرانية حاجز 1.5 مليون برميل يوميًّا في مايو 2023؛ وهو أعلى مستوى شهري لها منذ عام 2018؛ السنة التي ألغى فيها الرئيس دونالد ترامب الاتفاق النووي[3].
وبالتالي، تبذل قيادة النظام الإيراني جهوداً كبيرة وفق حساباتٍ معقدة من أجل الحفاظ على ما استطاعت تحقيقه على المستويين الإقليمي والدولي في ظل ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تطورات نتيجة المعركة الجارية. فقد وجدت طهران نفسها في معضلة جعلتها على حافة الهاوية، فهي -من ناحية- ترغب في الحفاظ على حركة “حماس”، والتي هي جزء من المشروع الذي عملت على إنشائه مع حلفائها في الإقليم تحت اسم “وحدة الساحات”، ومن ناحية أخرى لا تريد إيران خسارة ما حققته على المستوى الدبلوماسي لحلحلة أزماتها[4]. وفي هذا الإطار، أكد العضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، غلام علي حداد عادل، أن إيران رفضت المشاركة في حرب غزة لتجنب الحرب مع الولايات المتحدة. واعتبر حداد أن إسرائيل كانت تأمل أن تتورط إيران في حرب غزة لتدخل في مواجهة مع الولايات المتحدة. كما أشاد وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف، بموقف المرشد الإيراني علي خامنئي، بالامتناع عن الدخول في الحرب بجانب حماس، واصفًا ذلك بالموقف “الذكي”. وأضاف ظريف: “دعمنا للمقاومة الفلسطينية، لا يشمل الحرب بجانبهم”[5].
وعليه، كان من أهم ملامح الموقف الإيراني تجاه غزة:
- تفعيل المسار الدبلوماسي والسياسي، وقد التزمت إيران بالتحذير الدائم من تداعيات تطور الأمور وما يمكن تؤدي إليه من انفلات يودي بالمنطقة إلى حرب مفتوحة. ومن أبرز الجهود الدبلوماسية في هذا الإطار، التواصل المستمر من قبل مسؤولي النظام الإيراني خاصة رئيس الجمهورية ووزير خارجيته، مع الدول المعنية؛ سواء عبر الاتصالات التلفونية أو الجولات بالمنطقة[6].
- تتمسك طهران بخيار التصعيد المتدرج والمنضبط، عبر توزيع الأدوار على جماعات حليفة لها في جبهات متعددة تشمل لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن. وتظل حريصة على تجنب خوض حرب شاملة قد تقوض النظام الإيراني، أو قد ينتج عنها تدمير قدرات حزب الله بصورة استراتيجية[7].
- في الوقت ذاته، تترك إيران مساحة حركة لحلفائها الإقليميين في تقدير الموقف الميداني، والتعامل معه بناء على المصلحة التي تخدم المشروع العام للمحور[8]، مع الأخذ في الاعتبار السياقات المحلية لكلٍ من أطراف المحور. فقد أظهــر المحــور تفاعله عبر معادلةٍ، ركنهــا الأول أن وحــدة الجبهــات تقــوم علــى اســتقلالها، فــكل جبهــة تملــك حريــة إدارة الصــراع فــي جبهتهــا، والمحــور ليــس إطــاراً لإدارة المركزيـة لـكل الجبهـات؛ ولذلـك؛ فـإن جماعة الحوثي فـي اليمـن يقـدّرون وحدهـم حسـابات جبهتهـم ومتــى يقبلــون الهدنــة، ومتــى يهــدّدون بالتصعيــد[9]. كما أن حزب الله هو حزب سياسي لبناني، يشارك في الحكومة منذ 2005. علمًا أن لبنان يواجه الآن أزمة اقتصادية صعبة، وأي حرب مع إسرائيل ستفاقم تلك الأزمة[10]. وبالتالي، تواجد الحزبُ في المعركة، ولكنه التواجد المحسوب أيضًا، والذي كان يُربط في بعض الأحيان بأمن لبنان.
- الرد على الاستهداف المباشر (كالردّ على استهداف القنصلية الإيرانية بدمشق)، ولكنه أيضًا الرد المحسوب؛ وذلك ليس بالأمر الجديد في استراتيجيات الرد الإيراني. ومن الخبرات السابقة: الرد على عملية اغتيال قاسم سليماني؛ إذ جاء الرد الإيراني محسوبًا بدقة، فبعد بضعة أيام قصفت إيران قاعدتين للقوات الأميركية بغرب العراق وشماله. وكان ذلك قصفًا منسقًا لتجنب حدوث أي ضرر مبالغ فيه، حتى قالت بعض الأصوات الإيرانية إن الرد الحقيقي على مقتل سليماني هو استمرار مشروعه التوسعي في بناء شبكة المليشيات وتوحيد ساحاتها، وليس تعريض المنجز الذي جرت المراكمة عليه إلى مغامرة عسكرية[11].
ثمة سياقات داخلية وإقليمية، وكذا متعلقة بموضع القوى الكبرى وسياساتها تجاه الإقليم، أسهمت في تشكيل الموقف الإيراني على هذا النحو المحسوب، وبما يخدم مستقبل المشروع الإقليمي لطهران ويتوافق مع متطلباته البراجماتية. وهذا ما ستتناوله الدراسة فيما يلي:
أولا- الإشكاليات على الجانب الإيراني:
من أبرز العوامل التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند تناول الواقع والمتوقع للسياسة الخارجية الإيرانية:
1-السياقات الداخلية في إيران، ضغوط ومواءمات:
ولها أكثر من بعد:
– الموقف من استمرار عسكرة النظام الإيراني، ممثلة في دور الحرس الثوري في السياسة الداخلية وأمننتها، ومن ثم أيضًا الرؤية حول فيلق القدس، وهو محرك أساس لسياسات إيران الإقليمية، طالما وُجهت له أصابع الاتهام في توريط إيران في أزماتٍ مفتعلة. ومن ثم، تزايد سخط الأطراف السياسية والشعبية إزاء هذا الدور في الداخل والخارج، وبالتالي، حفاظًا على الكيانات العسكرية من مزيد من الغضب الشعبي، ليس بإمكان إيران الدخول في مغامرات عسكرية جديدة، لاسيما في قضايا لا تشكل أولوية قصوى لمشروعها، كما سنرى.
– الجانب الاقتصادي، قامت الثورة الإسلامية على محدد الاستقلال الاقتصادي للدولة الإيرانية على نحوٍ يسعى إلى التحرر من القيود الخارجية والمنظومة الرأسمالية العالمية، إلا أن التطورات التي لحقت بإيران ومنظومة علاقاتها الدولية، لاسيما على ضوء برنامجها النووي وما فرضت عليها من عقوبات[12]، هنا اتخذ الاقتصاد الإيراني مسارًا آخر[13]. حيث تدهور الأوضاع الاقتصادية الداخلية، ومن ثم تنامى السخط الشعبي والسياسي على إنفاق أموال هائلة على الجماعات المسلحة في الخارج. علمًا أن إيران كانت تتخذ من الحاجة لدعم الاقتصاد مبررًا للتدخل الإقليمي، وهو ما فقد حجيته مع الوقت[14].
فقد كان أحد العناصر تبرير المشاركة الإقليمية من الناحية الاقتصادية، ولا سيّما بعد تشديد العقوبات الدولية، بدءاً من عام 2006، الترويج إلى أن العراق ولبنان وسوريا بوابات للصادرات الإيرانية[15]. على سبيل المثال، هناك تسعة منافذ رسمية بين العراق وإيران، وقد اكتسبت أهمية متزايدة في عام 2012، حين دعا خامنئي إلى تعزيز ما أسماه “اقتصاد المقاومة” الإيراني. وازدادت أهمية المنافذ أكثر في مطلع عام 2014، حين حوّلت إيران فكرة اقتصاد المقاومة إلى سياسة حكومية. فقد سعت القيادة الإيرانية، في وجه العقوبات الاقتصادية الغربية المتزايدة، إلى إعطاء الأولوية لإنتاج سلع أساسية غير نفطية كي تشكّل مصدرًا للإيرادات في اقتصادها الذي تلقّت ركيزته الأساسية، أي الصادرات النفطية، ضربة قوية بسبب العقوبات الدولية[16].
وفي عام 2019، صرح وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، إن العراق هو “شريكنا التجاري الكبير”. إلا أن هذه اللغة الدبلوماسية اعتبرت مضلِّلة لأنها صوّرت تدفّق السلع الإيرانية في اتجاه واحد نحو العراق، فضلا أيضًا عن أن هناك منافذ غير رسمية تسيطر عليها بصورة عامة ميليشيات موالية لإيران وعصابات إجرامية[17].
كما أدى الاستثمار الاقتصادي الإيراني في دعم الأطراف المسلحة في العراق ولبنان وسوريا، في الوقت الذي كان فيه الاقتصاد الإيراني يرزح تحت وطأة العقوبات، إلى تعزيز الشعور بالاستياء بين المواطنين الإيرانيين[18].
ومع وصول رئيسي إلى الحكم، وإعلانه الرغبة في تعزيز التجارة مع الدول المجاورة بدلاً من انتظار تخفيف القوى الغربية نظام العقوبات الذي تفرضه الولايات المتحدة ضد بلاده، فقد تعهد بإعطاء الأولوية لـ “الدبلوماسية الاقتصادية” لتعزيز الاستثمارات[19]. ورغم أن التجارة الإيرانية مع دول ساحل بحر قزوين بنسبة 39%، كذلك رصدت غرفة التجارة الإيرانية-العُمانية المشتركة زيادة بنسبة 63% في الصادرات الإيرانية إلى عمان، كما سارت العَلاقات المالية قُدُمًا مع باكستان، ما أدى إلى إبرام اتفاق للمقايضة بين البلدين، كما أعلن مركز إحصاء الاتحاد الأوروبي «يوروستات» عن ارتفاع ملحوظ للتجارة بين إيران والاتحاد الأوروبي خلال الأشهُر الثلاثة الأولى من 2022، إذ زادت صادرات إيران بمقدار 40% بالمقارنة بالفترة المماثلة من عام 2021، كما سجَّلت صادرات الاتحاد الأوروبي لإيران ارتفاعًا يُقدَّر بـأكثر من 18%[20].
لكن بشكل عام، لم يتعاف الاقتصاد الإيراني بعد، وبالتالي فمازال الإحباط يسيطر على شرائح واسعة من الشعب الإيراني بسبب عدم قدرة النظام السياسي على الإنجاز الاقتصادي، ويتجلى بشكل متزايد في انتقاد الدور في النظام الإقليمي. وهو ما دفع النظام الإيراني إلى الانتقال من خطاب يركز على نشر النفوذ الشيعي إلى صيغ أكثر واقعية تتمحور حول المصالح الأمنية والاقتصادية[21]. وهو ما انعكس على الموقف إزاء غزة، ليس فقط إرضاءً لضغوط الأزمات الاقتصادية، ولكن مراعاة للمصالح طويلة الأمد للمشروع الإيراني داخليًا وخارجيًا. وفي هذا السياق يمكن قراءة تصريحات خامنئي في احتفالات النوروز في مارس 2024، قائلا: “إن الوضع الاقتصادي المتدهور هو نقطة الضعف الرئيسية لبلاده”[22].
2- رؤية إيران للعالم والإقليم (المشروع): بين الأيديولوجي والاستراتيجي
تتعدد الاتجاهات حول تصور الهوية الإيرانية المشكلة لمشروعها الإقليمي، بين من يرى أن بناء الهوية الإيرانية يدور حول العلاقة بين الهويتين الإسلامية والإيرانية والعلاقة التاريخية مع الغرب، ومن يعتبر أن استراتيجيتها تقوم على الموازنة بين المكونين، فضلا عمن يؤكد التنافس بين الهويتين الإسلامية والقومية[23] .
وبالعودة إلى الدستور الإيراني، نجد أنه يحاول أن يضفي على إيران سمة عالمية من مرجعية إسلامية، لكنها ليست كافية في نزع الغطاء الطائفي إذا قورنت بالممارسات… ينص الدستور الإيراني في المادة ١٥٤ على الاستقلال والحرية وسيادة القانون والحق حقًا لجميع شعوب العالم. وعليه، فإن إيران تدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في جميع بقاع العالم[24]. وبالتالي، من الصعب الفصل بين المشروع الإقليمي لإيران وبين نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فنظام الجمهورية الإسلامية يمكن وصفه بأنه نظام ثوري يسعى إلى التغيير وتصدير الثورة لفرض نموذجه على دول الجوار، كما يمكن وصفه بأنه نظام أيديولوجي، دفعته الشعارات إلى الصدام مع دول الجوار والقوى العالمية، الأمر الذي يعنى حتمية التورط في سياسات تدخلية في الشؤون الداخلية للدول، والتحالف مع قوى سياسية داخلية، والصدام مع أطراف دولية وإقليمية أخرى.
كما أن هذا النظام يتسم بكونه مذهبيًّا طائفيًّا حيث تنص المادة رقم 13 من الدستور على أن “الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب هو الجعفري الاثنى عشري”، وبالتالي كان السؤال الإشكالي دومًا، هل الجمهورية الإسلامية مشروع إسلامي عالمي، أم هي مشروع شيعي طائفي[25]؟ لاسيما أن إيران الثورة وظفت الدين وجعلته محور خطابها الإقليمي، بينما جاءت ممارساتها تحمل العديد من المشاهد الإشكالية، ومن تلك المشاهد الموقف الذي اعتبره كثيرون دون المتوقع في التفاعل مع طوفان الأقصى[26].
وهنا نشير إلى واحدة من أهم الركائز المعلنة للسياسة الخارجية الإيرانية؛ ألا وهي “نظرية أم القرى” لمحمد جواد لاريجاني مستشار المرشد علي خامنئي في الشؤون الخارجية وسكرتير المجلس الأعلى لحقوق الإنسان، وقد ضمَّنها كتابه: مقولات في الاستراتيجية الوطنية، عام 1987. ومما جاء فيه التأكيد على علاقة النمو والتكامل بين أم القرى والعالم الإسلامي: إذا وقع هجوم على الإسلام من أي مكان في العالم، أو جرى الاعتداء على حقوق المسلمين، فإن أم القرى ترعد وتزمجر وتنهض للدفاع، ومن المؤكد أن الحكومات الجائرة والكافرة لن تتحمل ذلك. وفي مثل هذا الوضع، فإن على كل الأمة الإسلامية واجب الدفاع، وليس فقط شعب أم القرى، ومن ناحية أخرى كلما أظهرت الأمة الإسلامية استعدادًا أكثر للدفاع عن حياة أم القرى، فإن حكومات ونماريد الكفر سيلتزمون ضبط النفس عليها[27]. وهو ما يستدعي بالتبعية مبدأ وحدة الساحات، الذي تداعت في سياقه الأسئلة فيما يتعلق بالدور الإيراني بشأن الحرب الأخيرة الجارية على غزة[28].
هذا على المستوى الكلي، لكن هذا لا يمنع اختلاف رؤى التيارات السياسية الإيرانية، لترتيب أولويات سياسات بلادهم الخارجية. فما الخريطة المفصلة لهذه الرؤى، وأين تضع الشأن الفلسطيني؟ وكيف تسكنه في سياسة إيران الإقليمية[29]؟
ذلك حيث تختلف السياسة الخارجية الإيرانية في بعض تصوراتها ما بين التيارين الإصلاحي والمحافظ، فالتيار الإصلاحي، أكثر مرونة وقبولا للانفتاح على العالم، أما التيار المحافظ فينطلق في سياسته الخارجية من معاداة الخارج، لاسيما الغرب[30]. ذلك علمًا أن هناك تنويعات داخل كل من التيارين، (محافظ تقليدي، محافظ أصولي ثوري، إصلاحي معتدل أم إصلاحي متطرف)[31].
تنعكس هذه التباينات بشكل واضح داخل مؤسسات الحكم في إيران، لاسيما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. على سبيل المثال، يُصرح محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني السابق؛ بأنه في حال اتخذت إيران موقفًا أكثر تطرفًا بشأن غزة، فقد يؤدي ذلك إلى إثارة نزاع مميت مع الولايات المتحدة، وهو ما سترحب به إسرائيل، كما صرح “دعمنا للمقاومة لا يشمل الحرب بجانبهم”[32].
موقف المؤسسات المشاركة في صنع السياسة الخارجية، حيث تعاني السياسة الخارجية الإيرانية من تعدد الجهات الفاعلة وصناع القرار؛ بدءًا من المرشد الأعلى علي خامنئي وحتى الحرس الثوري ومجمع تشخيص مصلحة النظام، ثم عشرات المؤسسات الثقافية والاقتصادية والسياسية. ويُعتبر “الحرس الثوري” جهة فاعلة قوية في السياسة الخارجية الإيرانية، كما أُشير، وقد برز دور هذه المؤسسة العسكرية في هذا المجال عقب اندلاع الحرب في سوريا والعراق. وقد نشرت مجلة “الدراسات الاستراتيجية للسياسات العامة” التابعة لـ “مركز الدراسات الاستراتيجية بالرئاسة الإيرانية” تقريراً بعنوان: “تضرر السياسة الخارجية الإيرانية من الناحية المؤسسية”، والذي يتناول العواقب السلبية لهذه التدخلات. إذ ذكرت هذه الدراسة أن العمل الموازي للمؤسسات المحددة للسياسة الخارجية الإيرانية أي “التيار الديني”، و”البيروقراطية” و”الديمقراطية” و”التيار العسكري” هو أهم أسباب إخفاقات إيران.
وترى الدراسة أن اتباع الأفكار المجردة لرجال الدين والثوريين خارج الحدود الإيرانية دون الاهتمام بالمعادلات الدولية دفع العديد من الأطراف في ساحة العلاقات الدولية إلى النظر إلى الجمهورية الإيرانية على أنها قوة تخريبية للنظام العالمي. وجاء في هذا التقرير أن المستشارين العسكريين يعينهم الحرس الثوري والجيش، ولا سيما هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، وأن عدم تنسيق الهيئات الثقافية والتجارية والعسكرية مع جهاز وزارة الخارجية، لا يُعتبر تهديدًا لأمن البلاد فحسب، بل زيادة من نفقات الوزارة في قطاع العلاقات الخارجية على نحوٍ غير مسبوق أيضاً. كما ورد في هذا التقرير أن “البرلمان عجز عن تقديم أداء مقبول في مجال السياسة الخارجية حتى الآن، لأنه يفكر ويتخذ القرارات بشكل “محلي”[33].
ذلك حيث نجح المرشد الأعلى علي خامنئي في تحويل كلّ مفاصل الحكم بيد «المتشدِّدين» وعناصر «الحرس الثوري» السابقين، والمتبنّين لمواقف المرشد الأعلى، حتى أنه أصبح من الصعب اليوم الحديث عن معادلة جناح «الإصلاحيين» أمام جناح «المحافظين». وقد سبق لرئيسي أن أعلن أن حكومته تقوم على مبادئ «الثورة الإسلامية» ونهج مؤسِّسها روح الله الخميني، بمعنى أنه لن يخرج من عباءته[34]. حيث ينتمي رئيسي إلى الجناح المحافظ الذي يضع إيران في صفّ القوى الشرقية الصاعدة، ويزيد غياب الثقة تجاه الغرب، التي تفاقمت عقب فشل الاتفاق النووي. إلّا أنّه على جانب آخر، سياسة رئيسي تتميّز باستنادها إلى منطق جيوسياسي لا عقائدي، ما يشير إلى توجّه أكثر براجماتيّة ولكن مناهض للغرب بالقدر نفسه[35]، وهو ما اتضح في براجماتية الموقف إزاء طوفان الأقصى، مع تأكيد الحطاب على الشعارات الثورية.
وإزاء ما سبق، ما صيغة التأثير المتبادل بين الموقف من التطورات الإقليمية (لاسيما ما يتصل بغزة) والانتخابات التشريعية، المقرر عقدها في مارس 2024؟
في مرحلة سابقة، صرح خامنئي في 12 يوليو 2020 أمام مجلس الشورى الذي انتخب باقر قاليباف رئيسا له، قائلا: “إن المجلس الحادي عشر الراهن من أقوى المجالس وأكثرها ثورية بعد انتصار الثورة الإسلامية في البلاد”، وقد ذهب خامنئي إلى ذلك لعدة اعتبارات على رأسها: أن هذا المجلس قدر له الإتيان بأحد كوادر الجناح الأكثر تشددًا وهو قاليباف، كما أن هذا المجلس جاء إثر أول عملية اقتراع بعد زلزال اغتيال قاسم سليماني، واشتداد وتيرة التصعيد مع الولايات المتحدة في العراق[36].
لم تكن التطورات الخارجية بعيدة عن الانتخابات التشريعية هذه المرة أيضًا، فقد ألقت الحرب على غزة بظلالها عليها منذ مراحلها الأولى، بداية من انخرط أعضاء البرلمان السابق، في تأييد عملية “طوفان الأقصى” منذ شنها، والتنديد بالرد الإسرائيلي عليها بعملية “السيوف الحديدية”، كذلك تخصيص جلسات لمناقشة تطورات الوضع في غزة، وتعامل وزارة الخارجية الإيرانية مع هذا الملف. وفي خضم هذا، قدم عدد من النواب طلباً باستجواب وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، بسبب موقفه من الحرب، واصفين إياه بـ”المتخاذل”، وأثار طلب استجواب عبداللهيان في البرلمان ردود فعل متناقضة، بين مؤيد لهذا الطلب، ورافض له، انطلاقًا من أن الاستجواب في هذا التوقيت من شأنه أن يشغل الجهاز الدبلوماسي عن القيام بجهوده في إطار السعي لوقف حرب غزة.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تتزايد فيه انتقادات الجناح المتشدد من التيار المحافظ لتوقيع الحكومة الإيرانية على البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية التي انعقدت بالرياض في 11 نوفمبر، والذي تضمن تبني حل الدولتين[37].
حاول كل من التيارين الإصلاحي والمحافظ توظيف حرب غزة لتعزيز موقفه في الانتخابات الإيرانية. فالتيار الإصلاحي يرى أن ما وصفه بالموقف المتناقض للنظام الإيراني تجاه هذه الحرب بالمقارنة مع متطلبات الداخل، يُعد فرصة لعودة الإصلاحيين إلى المشهد السياسي. ويروج الإصلاحيون، في هذا الإطار، لفكرة أن تكلفة دعم أطراف إقليمية باتت تُثقل كاهل المواطن الإيراني أما بالنسبة للتيار المتشدد، فإنه يسعى، إلى اللعب لدى فئة من الشعب الإيراني على وتر قيم الثورة الإسلامية وحماية المستضعفين، ولتحسين صورة التيار المحافظ، متهمين من يرى أن الشارع الإيراني لم يعد يكترث كما سبق بالقضية الفلسطينية بسبب الضغوط الاقتصادية بـ”الخيانة وترويج الأكاذيب”[38]،
ومن ثم، هل يقتنع الرأي العام الإيراني بأن التدخلات الخارجية (ودعم الجماعات المسلحة بما في ذلك فصائل المقاومة) تخدم الأمن القومي الإيراني، أو أنها ضرورة لابد منها؟ لاسيما في ظل رفع شعارات في المظاهرات المندلعة خلال السنوات الأخيرة منددةً بتدخلات إيران الإقليمية، كقول إن “الشعب الإيراني سئم أن يدفع ضريبة صراع الآخرين”[39]. وهذا ما أشارت إليه صحيفة “شرق” الإصلاحية، من خلال مقال للكاتب كوروش أحمدي، في 7 نوفمبر، إذ أكد أن الموقف السائد بين أغلب الإيرانيين هذه الأيام تجاه ما يحدث في غزة يُعبر عن قدر من اللامبالاة لا يمكن إنكاره، إذ يجد المواطن الإيراني نفسه أمام واقع تتجاهل فيه الحكومة مطالبه، الأمر الذي دفعه إلى عدم الالتزام تجاه القضايا التي تهم النظام. ورأى الكاتب أن الخاسر الحقيقي في حرب غزة هو النظام الإيراني نفسه بعد أن كشفت الحرب تناقضات مواقفه بين مطالب الداخل وسياساته الخارجية[40]. تلك القناعات يبدو أنها قد عبرت عن نفسها في عزوف الناخب الإيراني عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع.
وبالتالي، هل من الممكن أن يحدث تغير في أولويات نظام الحكم في إيران، وإن كان تغيرًا جزئيًّا، وعلى نحوٍ يؤثر في تصور علاقاته صوب الإقليم والعالم. علمًا أن من تصريحات قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الجنرال إسماعيل قاني إن “محور المقاومة بقيادة إيران سيستمر بالعمل في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفلسطين حتى ظهور الإمام الغائب وتشكيل حكومته”. فهل التغير إذن ممكنًا، أم إن الربط العقائدي يحول دون ذلك[41]؟ أم إن التغير قد حدث بالفعل، ولو على المستوى التكتيكي، وفق ما يعبر عنه الموقف الحذر إزاء غزة؟
3-مرتكزات السياسات الإيرانية الإقليمية:
تُشير المادة 11 من الدستور الإيراني أن تحديد وصياغة السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية، يكون وفقًا لما يتطلبه اتحاد الشعوب الإسلامية وائتلافها، وذلك على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية[42]، لكن الواقع يقدم صورة لا تتفق وتلك المبادئ المعلنة… فالسياسات الإيرانية تعمل بجد على تجزيء المجزأ في داخل الأقطار الإسلامية، على أسس مذهبية طائفية، بما يخدم أهدافها الاستراتيجية، تلك كانت وجهة إيران في تفاعلها الإقليمي.
وتتعدد مرتكزات الاستراتيجية الإيرانية في تشابك فيما بينها لترسيخ محورها ومشروعها الإقليمي، من بينها الاقتصادي والثقافي، والعسكري[43]، إلا أن لحظة طوفان الأقصى تختبر حقيقة العلاقة بين المتغير الثقافي لاسيما في وجهه الطائفي والعسكري، وحقيقة دعم المقاومة في هذا السياق. وبالتالي يتمحور تناولنا حول عنصرين مرتبطين هما: الميليشيات والطائفية، بحثًا عن موضع المقاومة في سياقهما:
- الطائفية:
إن تحديد موضع الطائفية من السياسة الخارجية الإيرانية، خاصة الإقليمية موضع جدل واسع ومتجدد، لا شك من تأثير الهوية والعقائد الدينية على مقاربة إيران لعلاقاتها الخارجية، إلا أن إسباغ الطائفية بشكل كامل على السياسة الخارجية الإيرانية، يحجب أكثر مما يكشف طبيعة سلوكياتها.
يعتبر منتقدو إيران، أن الطائفية والتوسُّع عبر خرائطها تغشيان سياساتها الخارجية، وأنها تستغل القلاقل السياسية في المنطقة لتمكين وكلائها من الجماعات الشيعية، وتقويض وضع السنّة. ويضيفون أن هدفها النهائي هو إنشاء كيان شيعي توسعي موالٍ لها متجاوز للحدود القومية، يمتد من إيران إلى لبنان ويشمل العراق وسوريا، ليتكامل ذلك مع وازع قومي يرمي إلى استعادة هيمنة الإمبراطورية الفارسية[44]. ويدعم ذلك الطبيعة العقائدية للقوات العسكرية الإيرانية[45].
ومن دلائل النزعة الطائفية مقالاً نشرته نيويورك تايمز لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف تحت عنوان “فلنخلّص العالم من الوهابية”، جاء فيه أن هذه الأخيرة أصبحت وباءً يُطلق العنان للإرهاب والشغب الإجرامي في طول الشرق الأوسط وعرضه وفي العالم.
لكن القول المنضبط أن السياسات الخارجية الإيرانية تهدف إلى تحقيق مصالحها الاستراتيجية، وتلعب الطائفية دوراً لا يستهان به في هذه السياسات، لكن ليس بالطريقة الشاملة التي يتم تناولها أحيانًا. وكانت من أبرز المحفزات لتوظيف الطائفية الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، واندلاع الربيع العربي في أواخر 2010. حيث تهيأ المناخ لتكون العلاقات الوثيقة مع الحلفاء الشيعة هي أساس النفوذ الإيراني في المنطقة[46].
لكن هل السياسة الخارجية الإيرانية مَسُوقة حقاً بالمصالح الطائفية دون غيرها، أم أن المسألة أكثر تعقيداً من ذلك؟ فعلى رغم أن معظم حلفاء إيران البارزين هم من الكيانات ما دون الدولة، التي تتشكَّل في معظمها من الجماعات الإسلامية الشيعية، إلا أن طهران تحتفظ بروابط مُثمرة مع العديد من البلدان غير إسلامية. إذ تشتهر إيران، على سبيل المثال، بأنها أقرب إلى الهند من جارتها الإسلامية باكستان. وهي لطالما فضّلت المسيحيين الأرمن على الشيعة الأذربيجانيين. هذه العلاقات التي تبدو لا تنسجم مع معتقدات وشعارات إيران هي تتوافق مع سياسات النظام وعدائيته للولايات المتحدة، أو قد تخدم بعض الأهداف الاقتصادية أو الاستراتيجية. ومن ثم، فالكثير علاقات إيران ليست مسُوقة فقط بالاعتبارات الدينية أو الأيديولوجية، بل تستند سياساتها الخارجية، مثلها مثل معظم الدول، إلى عوامل عدّة، مع عدم إنكار طغيان الطائفية في كثير من الأحيان[47].
وقد كان الحرس الثوري الآلية الرئيسة لتحقيق السياسة الخارجية الإيرانية، خاصة في بعدها الطائفي، وكانت الميليشيات المدعومة منه في العالم العربي هي السبيل المعتمد لخلق بؤر النفوذ.
- الميليشيات المدعومة إيرانيًا، وبؤر النفوذ:
نجحت إيران في خلق عمق استراتيجي لها بهذه المنطقة عبر دعم كيانات مسلحة تدين لها بالولاء؛ حيث أعادت من خلال هذه المقاربة إنتاج الهوية في كل من العراق ولبنان واليمن على أسس أيديولوجية وطائفية، تسعى من تلقاء ذاتها نحو تعزيز نفوذ إيران الجيوسياسي بالمنطقة[48].
ورغم النفوذ الذي حققته إيران عبر الميليشيات، برز التساؤل، هل الدعم الشيعي العربي أداة مضمونة إلى ما لا نهاية بالنسبة لإيران، في ظل اختلاف المرجعيات (مثلا: قم والنجف)، وفي ظل السياقات والضغوط المحلية المحيطة بالجماعات الشيعية (الحالة اللبنانية، وكذلك الفصائل اليمنية والعراقية)؟
إن الأمور لا تسير على وتيرة واحدة، على سبيل المثال، بدأ تراجع مشاعر التأييد لإيران في أعقاب إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق في العام 2017. ويُعزى ذلك بشكل كبير إلى تنامي الغضب الشعبي تجاه الطبقة السياسية الشيعية في البلاد. ففي العام 2018، أضرم متظاهرون النار في القنصلية الإيرانية وأحرقوا مكاتب لأحزاب وميليشيات موالية لإيران في محافظة البصرة الجنوبية. وساهمت الاحتجاجات في تعميق الفجوة التي تفصل بين المواطنين العراقيين العاديين وإيران، ولا سيما حين غرّد خامنئي ما مفاده أن هذه الاحتجاجات عبارة عن أعمال شغب تسبّبها الولايات المتحدة وإسرائيل، داعيًا قوات الأمن العراقية إلى قمعها بالقوة. وأدّى إقدام الميليشيات العراقية الموالية لإيران بتوجيه من سليماني على استهداف المتظاهرين لاحقًا إلى تأجيج المواقف المناهضة لطهران في أوساط الشعب العراقي[49]. أما العامل الآخر الذي ساهم في تراجع الميليشيات والأحزاب السياسية الشيعية الموالية لإيران، فتمثّل في انتخابات أكتوبر 2021، التي كشفت عن حجم الرفض الشعبي لها[50].
لكن ذلك لم يمنع من توظيف إيران لتلك الجماعات في العراق وغيرها كما في ولبنان واليمن، خلال الحرب على غزة، ولو عبر ترك مساحة من الحركة لها. فبعد هجوم حماس بيومٍ واحدٍ فقط أعلن حزب الله في لبنان استهداف مواقع إسرائيلية في مزارع شبعا، ليرد الجيش الإسرائيلي بقصف خيمة تابعة للحزب، الأمر الذي أدى إلى تصاعد الهجمات وتبادل إطلاق النار. كما استمر الحوثيون في اليمن بتنفيذ هجمات في البحر الأحمر قرب مضيق باب المندب، تستهدف سفناً مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إليها، فيما نفذت القوات الأمريكية والبريطانية عشرات الغارات على مواقع عسكرية تابعة لهم. أيضًا، منذ بدء حرب غزة، أعلنت “المقاومة الإسلامية في العراق” التي تضمّ فصائل مسلحة حليفة لإيران ومرتبطة بالحشد الشعبي، تنفيذها لعدة هجمات على قواعد أمريكية تضم قوات أمريكية وقوات للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة[51].
وفي هذا السياق، أعادت حرب غزة طرح واحد من الأسئلة الجدلية بشأن موضع هذه الجماعات من المشروع الإيراني، هل بالفعل الدعم الإيراني لهذه الجماعات هو من منطلق عقدي، حيث لا تحصل إيران على مقابل لدعمها هذه الجماعات، أم أن هناك ما هو أهم، حيث التأثير في صنع القرار السياسي داخل بلدان تلك الجماعات؟ وأين الرؤية الاستراتيجية العربية إزاء توظيف الجماعات الشيعية للقضية الفلسطينية؟
على جانب آخر، من المهم الالتفات إلى أن موضع حركات المقاومة الفلسطينية من المشروع الإيراني له خصوصية، فهي تخرج عن النطاق الطائفي الشيعي، فهي حركات سنية، كما أن لها بعض المواقف الرافضة لسياسات إيرانية… فكيف تسكنها إيران في إطار مشروعها الإقليمي؟ وما الذي كشفت عنه طوفان الأقصى وما تلاها في هذا الصدد؟
- موضع فلسطين والمقاومة من الاستراتيجية الإيرانية:
ماذا عن حقيقة موقع “دعم المقاومة” في إطار المشروع الإقليمي الإيراني، هل هي خيار حقيقي، أم فقط أداة لإضفاء صفة الإسلامية على سياسات قوامها الطائفية، ولاكتساب تعاطف ومساندة من شعوب المنطقة، أم أن الأمر نسبي؟
من المهم أن نحدد بدقة موقع القضية الفلسطينية في الاستراتيجية الإيرانية الإقليمية؛ ذلك لنحدد كيف سيكون المسار الإيراني في ضوء الحالة الراهنة على نحوٍ أدق. وذلك بداية من طبيعة الخطاب الإيراني حول القضية بما يخدم أيديولوجيا الثورة، أو بمعنى أصح أهدافها الإقليمية البراجماتية.. فقد جاء الموقف من طوفان الأقصى وكأنه محسوب بدقة وحذر شديد.. وبأدوات لا تكبد إيران مزيدًا من الخسائر، أو تضعها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة (لأسباب سنأتي إليها لاحقًا عند تناول المستوى المتعلق بالقوى الدولية)، إذ أرادت أن تبدو في بعض الأوقات كقوة سياسية قادرة على لعب دور دبلوماسي –على نحو ما أُشير.
بل إن علاقات طهران مع حماس من الأساس تخدم الاستراتيجية الإيرانية من أكثر من وجه: محاولة نفي الطابع الطائفي عبر توظيف القضية الإسلامية الأولى (بما يتسق مع إطلاق خامنئي مصطلح الصحوة الإسلامية على السياسة الخارجية الإيرانية)، كما أن ذلك يأتي في قلب توجهات إيران في توطيد العلاقات مع الفاعلين من غير الدول في العالم العربي على ضوء تدهور علاقاتها بقطاعٍ كبير من النظم.
علمًا أن طهران لم تُقدم رؤى متكاملة لدعم مسار المقاومة على الجانب السياسي، وركزت على الدعم العسكري (الذي يبدو أيضًا أنه محدود). في هذا الإطار، ثارت التساؤلات: هل كان من الأجدى مشاركة حزب الله بشكلٍ مباشر في الحرب لتشتيت إسرائيل، أم أن المواجهة المحدودة أكثر حكمة؟ وأين هذا أو ذاك من مصلحة القضية، وكذلك من أهداف إيران الإقليمية؟ هل نجحت إيران في إدارة ساحة الأحداث لصالحها، ممسكةً العصا من المنتصف (دعم وتحركات دبلوماسية، وتصعيد عسكري تدرجي من الحلفاء)؟ حتى أنه تذهب تحليلات إلى إن ذهنية الائتمار بأوامر الوليّ الفقيه في طهران، تجعل من كلّ أذرع إيران في المنطقة، أدوات لخدمة “الجمهورية الإسلامية” أولاً، وليس العكس.
ماذا عن قول نصر الله[52]: إن الوقت الآن ليس لهزيمة إسرائيل بالضربة القاضية، بل الفوز عليها بالنقاط، حتى إنه قد يبدو لدى البعض أن استمرار إسرائيل في حد ذاته يخدم مصلحة إيران، عبر تبرير عبثها الإقليمي؟ في هذا الإطار ثارت التساؤلات حول: مفهوم “وحدة الساحات”[53] الذي يتمركز حول فلسطين، وكان هناك تقييمان: على جانب، من يرى أن المفهوم تجلى -ولو جزئيًا- خلال هذه الحرب عبر مشاركة فصائل ما يُطلق عليه محور المقاومة في العراق ولبنان واليمن بهجمات ضد أهداف إسرائيلية وأمريكية، وأن ما حال دون ما هو أكثر من ذلك هو عدم التخطيط المشترك المسبق لطوفان الأقصى. على جانب آخر، هناك من يعتبر أن ما يبدو من الأحداث عدم تجاوز المفهوم الإعلامي والتوظيفي لمفهوم “محور المقاومة” الذي يتمركز حول “إيران”، لتستخدمه في إطار مواجهتها مع الولايات المتحدة، والتي تديرها بطريقة مختلفة جزئيًا في المرحلة الراهنة. أيضًا من التصريحات التي كانت محل توقف في هذا السياق تصريحات مبعوث إيران لدى الأمم المتحدة أمير سعيد أيرواني: ”إن القوات المسلحة الإيرانية لن تشتبك مع إسرائيل شريطة ألا تغامر منظومة الفصل العنصري الإسرائيلي بمهاجمة إيران ومصالحها ومواطنيها، أما جبهة المقاومة تستطيع الدفاع عن نفسها” (وهو ما تحقق فيما بعد)، فضلا عن تصريحات أخرى لوزير الخارجية خلال زيارته للمنطقة بنفس المعنى.
من خلال تفاعلات إيران مع حلفائها خلال هذه الحرب، هل يمكن رسم بخريطة تبين الأوزان النسبية للجماعات المسلحة المنضوية تحت المحور الإيراني؟ فهل حماس لا تشكل أولوية بالنسبة لطهران، وهي مجرد واجهة لإضفاء زخم شعبي على سياساتها -كما أشير- لاسيما مع حرص إيران على نفي علمها بقرار عملية طوفان الأقصى؟ هل هدف الحفاظ على حزب الله له الأولوية؛ نظرَا لمكانته العسكرية، ودوره في سوريا؟ وما المكانة الاستراتيجية للحوثيين في الرؤية الإيرانية، فهل هو دور محدود يقتصر على مناوشات في البحر الأحمر؟
يمكن تتبع مسار علاقة إيران بحركات المقاومة الإسلامية على هذا النحو، بما يسهم في تحديد حقيقة موقعها من الاستراتيجية الإيرانية. قدمت إيران دعمًا إلى حركة فتح بقيادة ياسر عرفات، لكن التقارب لم يدم طوبلا على ضوء موقف المنظمة من كل من أزمة الرهائن الأمريكية، والحرب العراقية- الإيرانية. ثم كان ظهور حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية وعقيدتها السياسية في مطلع ثمانينيات القرن الماضي أيضًا موضع اهتمام إيراني[54]. إذ لا تنكر الحركة تأثرها الشديد بفكر الخميني، ويظهر ذلك جليا في فكر مؤسسها والأمين السابق لها الشهيد فتحي الشقاقي، مؤلف كتاب “الخميني.. الحل الإسلامي والبديل”، أما العلاقة بين حركة حماس وإيران فهي أكثر حداثة وتعود في تاريخها إلى التسعينيات من القرن العشرين[55].
في عام 1990، دُعيت حركة حماس لحضور مؤتمر في طهران لدعم الانتفاضة الأولى، وفي عام 1991، فتحت مكتبًا لها في طهران، لكن التطور الأكثر تأثيرًا في العلاقة بدأ من بعد عام 2006، أي من بعد فوز الحركة في الانتخابات، وما عناه ذلك من مصدر قوة بالنسبة لإيران. ولكن بعد اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، أُصيبت العلاقة بشيءٍ من التراجع، حيث عدم تأييد حماس لممارسات الأسد المدعوم من إيران.
هذا إنما دلل على كون الحركة ليست ذراعا تابعا للمشروع الإيراني، بل تتمتع بالندية في التعامل معه كحليف. لكن بشكل عام لم تطل سنوات الفتور هذه، فبعد عام 2014 وانتكاسة الثورات العربية، عادت العلاقة بين إيران وحماس إلى حيويتها. ومع اندلاع معركة “العصف المأكول”، التي خاضتها المقاومة ردا على عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة، ظهر أن قدرات المقاومة في تطور مستمر، دون اعتماد كامل على الدعم الإيراني، وهو ما يتجلى بشكل أوضح خلال معركة “طوفان الأقصى”. ذلك لا ينفي سعي حماس إلى ترميم العلاقة مع إيران؛ لكونها الدولة الوحيدة التي مدت يدا داعمة لها بالمال والسلاح والخبرات، في حين أطبق عليها الحصار من مختلف الدول العربية والإسلامية. وفي إحدى المقابلات مع أسامة حمدان، عضو المكتب السياسي لحركة حماس وممثلها في لبنان، أجاب عند سؤاله عن العلاقة مع إيران: “نعم نتلقى دعمًا من إيران، والخطأ أن الآخرين لا يقدمون دعما…” غير أن هذا الدعم وقبوله لم يعن لحماس ذوبانًا في المشروع الإيراني وتحالفاته، إذ ظلت الحركة تأخذ مسافة تؤهلها لأخذ موقف داعم لحق الشعوب في التحرر.
وحول موقع حركة حماس داخل المنظومة الدفاعية الإيرانية وما إذا كانت جزءا منها، أجاب الحرس الثوري عن سؤال الباحثة المختصة بالشأن الإيراني فاطمة الصمادي: “قرارنا هو الدفاع عن حماس، وإذا ما حدثت المعركة مع إيران فمن المؤكد أن حزب الله سيشارك والحشد الشعبي سيشارك وكذلك أنصار الله والزينبيون، وهي استراتيجية دفاعية بنيناها”. ويتابع الحرس إجابته “أما بالنسبة لحماس فيكفي أن تقاتل إسرائيل، وليس مطلوبا منها أن تقاتل نيابة عن إيران إذا تعرضنا لهجوم”. فإن هذه الإجابات من جانب الحرس والحركة بقدر ما تؤكد على استقلالية الحركة عن مشروع إيران ووضع التحالف بينهما في إطار التحالف الإستراتيجي القائم على وحدة العدو، فإنها تضع الحركة في درجة أقل من ناحية الأهمية بالنسبة للمشروع الإيراني، وهو ما يساعد على تفسير انضباط قواعد الاشتباك في تدخل المحور في المواجهة. ذلك بخلاف الدعم العسكري المباشر للأسد، وحشد الآلاف في العراق للتصدي لـ”تنظيم الدولة الإسلامية”، فهذا المعنى الفعلي لـ”وحدة الساحات”، والتي يُقال إن لها معنيين: الحقيقي وقد شاهدناه في سوريا والعراق، والرمزي التمثيلي وهو ما شهدناه في العلاقة مع المقاومة في غزة[56].
وفي المحصلة، هل يمكن بالفعل أن تبقى إيران بعيدة عن الحرب الدائرة في غزة كما أرادت منذ اندلاعها؟ أم إن طول مدى الحرب قد يفرض عليها تكرار المواجهة مع إسرائيل على نحو ما حدث في أبريل 2024؟ وهل اتخذت إيران منذ البداية الموقف الأصح لتحقيق مصالحها؟ هل ذلك ما بفرضه الواقع الداخلي الإيراني (السابق تناول ملامحه)؟ وهل تبحث إيران عن ثمن مقابل هذا الموقف في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة؟ وبين هذا وذاك، كيف يُتوقع أن يكون مستقبل الدعم العسكري الإيراني لحماس؟
ثانيًا- الغياب الاستراتيجي العربي -هُلامية الهيكل الإقليمي:
في مقابل مشروع الشرق الأوسط الإسلامي ذي الصبغة الإيرانية، ماذا لدى العرب؟ لقد أحسن الإيرانيون ترويج نظرياتهم والعمل لها وبها، حتى يمكن القول إن مسألة دعم المقاومة وُظفت في ذلك السياق، وقد كان العرب أحرى باحتضانها وتفعيلها في مظلة من الأمن القومي الجماعي.
يمكن القول إنه منذ اتفاق الطائف الذي أنهى حرب لبنان لم يُكتب النجاح في إيجاد نظام أمني إقليمي أو عبر إقليمي عربي-تركي-إيراني. وهنا نأتي إلى واحدة من أهم النقاط؛ ألا وهي عدم بلورة مفهوم متكامل للأمن القومي العربي؛ بحيث يُحدد العدو والحليف ومصادر التهديد ودرجاتها (فكيف أن تصنف إيران كمصدر تهديد دائم وبما يفوق الكيان الصهيوني)، وكيفية إدارة العلاقات مع كل منهما في ظل تلك الثوابت، ولكنها لابد أن تكون الثوابت المرنة التي تقرأ تحولات الزمان والمكان الإقليمية (وهي متسارعة) وتُجيد توظيفها. ولقد بدأ ترسيخ التفكك في مفهوم الأمن مع وجود أنظمة إقليمية فرعية (الاتحاد المغاربي، مجلس التعاون الخليجي)، أوجدت مفاهيمها الخاصة، التي صارت أكثر تفككًا، باتجاه كل دولة لانتهاج سياسة أمنية منفردة إن لم تتناقض مع الأخرى، ناهيك عن مشروعات التطبيع مع إسرائيل المتوالية (كما سنرى). فكيف يبلور العرب رؤية متكاملة بشأن إيران رغم الخلافات، (ولعل في تركيا نموذج يمكن الاستفادة منه نوعًا ما)؟ والأهم ماذا عن اتفاقات إبرهام؟ ماذا عن صفقة القرن، في ضوء مستجدات الحرب على غزة؟
إن غياب تلك الرؤية المتكاملة هو الحال الراهن الذي أفرز عدة مؤشرات إشكالية، حملت دلالات خطيرة بشأن حال العالم العربي.
1-واقع التفاعلات الإقليمية العربية حول إيران:
- الاستقطاب العربي والإدراك المتناقض بشأن طهران:
وفقاً للنموذج الذي صاغه بارى بوزان الذي تحدث فيه عن محور “العداوة–الصداقة” –s فيما يشبه تدرج ألوان الطيف على النحو الذي تحدث عنه كل من كانتورى وشبيجل ووصفاه بـ “طيف العلاقات”، فإيران هناك من يراها حليفًا (سوريا)، ومن يراها عدوًا تفوق خطورته الكيان الصهيوني (دول الخليج)، وما بين ذلك. وبالتالي، نجد أننا بصدد استراتيجيات عربية عدة صوب إيران، تتراوح بين من يضع نفسه جزءًا من المحور الإيراني، ومن اتسق مع الرؤية الأمريكية الإسرائيلية في تصنيفها ضمن محور الشر، وقد تتنوع مواقف الرأي العام بين هذين الإدراكين. الأكثر من ذلك أن التعدد في التقييمات يؤدي إلى تنوع في الإدراك الواحد؛ بمعنى أن دولة عربية قد ترى أن سياسة إيرانيةً ما تعتبر تهديدًا في حين لا ترى في سياسة إيرانية أخرى تهديدًا. فعلى سبيل المثال، قد ترى دولة عربية أن المسعى الإيراني لامتلاك برنامج نووي يعتبر تهديدًا بينما استمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث لا يشكل تهديدًا. كذلك ينقسم الإدراك العربي للدور الإيراني داخل الدولة الواحدة، كما في كلٍ من العراق وفي لبنان.
من ثم، تشكل إيران إشكالية شديدة التعقيد في الإدراك السياسي العربي. سبب هذه الإشكالية يرتكز في عاملين رئيسيين: العامل الأول، يتعلق بخصوصية إدراك التهديد وغياب آليات عربية لبلورة ثوابت الأمن القومي العربي ومتغيراته، وفي الوقت ذاته، السياسة الإيرانية التي تميل إلى المزج بين ما يمكن اعتباره تهديدًا وما يمكن النظر إليه على أنه مساحات تعاونية حول مكاسب ومخاطر مشتركة[57].
أيضًا لا ينفصل عن ذلك اتجاه دول الخليج بالأخص للتنسيق مع القوى الكبرى كالولايات المتحدة وفرنسا ضد إيران، بشكلٍ يبدو في كثير من الأحيان فاقدًا للتصور الاستراتيجي ومتخبطًا، فهل مثل تلك التحركات جراء استدعاء غربي لمخاوف خليجية لتسويق مزيد من الأسلحة، فضلا عن رغبة تلك القوى في تعزيز تواجدها عسكريًا ودعم التفاعلات الصراعية بين الأطراف الإقليمية بما يخدم مخططات إعادة تشكيل الإقليم وزلزلة الثوابت الاستراتيجية حول مصادر التهديد تحت راية الخطر الإيراني؟
تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى صفقة القرن التي كانت تسير على نحو لا بأس به من وجهة نظر القائمين عليها إلى أن جاءت طوفان الأقصى لتعيد التخوفات لدى الجميع.
-هذا يطرح تساؤلات حول طبيعة توجهات التقارب مع إيران:
فهل التقارب الخليجي مع طهران يُعبر عن توجهات أحادية للدول، أم إن هناك رؤية متكاملة للعلاقات مع إيران، على الأقل على مستوى دول الخليج؟ هل هو تقارب دائم، أم مؤقت؟ وماذا عن موضع التقارب الخليجي مع إسرائيل في هذا الإطار؟ ماذا أيضًا عن مستقبل العلاقات بين مصر وإيران؟ ولا شك أن تنسيق المواقف العربية في هذا الصدد من شأنه إيجاد التوازن المفقود بين العرب وإيران، أما ما دون ذلك، فلا يلومن العرب سوى أنفسهم بشأن تداعياته، لاسيما في ظل حرب غزة الممتدة، والتي تعد أطراف عدة عدتها تأهبًا لما ستسفر عنه إقليميًا.
بالنسبة لإيران، فإن توجهها للتقارب مع دول خليجية، خاصة السعودية (بوساطة صينية)، يستهدف تهدئة التوترات وتجنُّب مزيد من التحديات والضغوط، مع عدم التخلي عن الطموح في الريادة الإقليمية وتعزيز النفوذ، وموازنة الاندفاع الخليجي لتطبيع العَلاقات مع إسرائيل، فضلًا عن إثناء القوى الإقليمية عن موقفها الرافض للعودة إلى الاتفاق النووي دون إدراج سلوك إيران الإقليمي على جدول المفاوضات مع إيران[58]، وعقد مقاربة تمكن طهران من جذب السعودية ودول الخليج بعيداً -نسبيًا- عن واشنطن[59]. وعلى الصعيد الاقتصادي، أرادت طهران توسيع نطاق العَلاقات مع دول الجوار، لمحاولة فتح أفق للتعاون والتبادل التجاري مع هذه الدول من أجل التغلب على العقوبات الأمريكية، كما سبق الذكر، وفق خطط تشمل التعاون اللوجستي، والتعاون المالي والبنكي، وتنمية الأسواق الدولية، والاتفاقيات التجارية وإصلاح هيكلية التنمية التجارية[60].
على الجانب السعودي، كان البحث عن تهدئة إقليمية تحقق الاستقرار الأمني في الإقليم ضمن مقاربة الرياض الخاصة ومستهدفات رؤيتها 2030 نحو تصفير الأخطار، وتعظيم فرص التنمية، وتنويع التحالفات”[61]. هذا خاصة بعد ما شعَرَ شُركاء واشنطن بالإحباط؛ بسبب الاستجابة الأمريكية الباهتة للاضطرابات المتجددة إقليميًا وتجاهُل مصالحهم، ومن ثمَّ دفعت سياسة واشنطن بحلفائها إلى تنويع شراكاتهم الاستراتيجية[62].
وبالفعل، فقد اتخذت العلاقات السعودية-الإيرانية مرحلة جديدة اتسمت بخصائص عدة، أولها البحث عن توافقات الحد الأدنى وتأجيل الخلافات المعرقلة، ثم التعامل مع الملفات الأكثر سخونة وهي الدفع بعودة العلاقات الثنائية وتحقيق التهدئة في اليمن وبناء خط للمفاوضات وخفض تصعيد الميليشيات الإيرانية تجاه الإقليم، وإطلاق مسار للتهدئة الإعلامية[63].
إلا أن التطورات الجارية في سياق الحرب على غزة، تفرض تحدياتها على هذا التقارب، وإن كانت تقدم فرصًا في الوقت ذاته إن أحسن الجانب العربي التعامل معها، لتحسن توظيف التحولات الاستراتيجية، فلا يستأثر بها الجانب الإيراني. ففي ظل التصعيد الذي تشهده الجغرافيا اليمنية ومياه البحر الأحمر ومضيق باب المندب نتيجة ما تقوم به جماعة الحوثي من استهداف للسفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل ومنها، والتأثير السلبي الذي تركته في طرق التجارة العالمية وإمدادات الطاقة. -لماذا الضبابية حول بعض القضايا الخلافية، والتي طالما مثلت محور الخلاف بين إيران ودول الخليج، وفي مقدمتها الأوضاع في اليمن[64]؟ ما يمكن ملاحظته أن الحوثيين حريصون على استثمار اللحظة الراهنة كوسيلة لدعم شرعيتهم، فأين الرؤية العربية من ذلك، وخاصة السعودية، هل التغافل من الشأن اليمني أمر اختياري؟ وكيف من المتوقع أن تستغل إيران هذا الفراغ مرةً أخرى عبر الدور الحوثي الراهن في الحرب، لتوظف هذه القوة العسكرية التي ساندتها وادخرتها عبر السنوات لتدعيم استراتيجيتها الإقليمية عقب الحرب؟ وإن كانت التسوية الشاملة، فهل يملك الطرف العربي رؤية تعي حجم تعقد الأزمة اليمنية، وتداخل أبعادها الأمنية والاقتصادية والسياسية؟
وعلى الجانب الآخر، يتمثل التحدي الأساسي أمام طهران في القدرة على ضبط إيقاع موقف حلفيها الحوثي في رد فعله المحتمل على أية عملية عسكرية قد تستهدفه، وهذا يستدعي منها الفصل بين مسار العمل العسكري للحوثيين وبين الجهود السياسية، منعًا للتداعيات سلبية على مسار العلاقات بينها وبين السعودية[65].
مما تجدر الإشارة إليه أيضًا، أن إيران لم تفوت فرصة طوفان الأقصى للتقارب مع مصر من منطلق تأثير طهران في مجريات الأحداث، وقد ظهر هذا في أن أول لقاء بين الرئيس الإيراني وكل من ولي العهد السعودي والرئيس المصري جاء في ضوء تداعيات حرب غزة، بما يشير إلى أن الحاجة لاحتواء الحرب حتمت التعاطي أكثر مع إيران، اعترافًا بقدرتها على التأثير على عدة جبهات إقليمية[66].
– التطبيع مع إسرائيل:
من المهم الالتفات إلى أن التقارب الإيراني الخليجي يأتي على خلفية مخاوف إيرانية من اتفاقات إبرهام واتفاقات التطبيع المتلاحقة، وأيضاً بسبب المناورات العسكرية التي تجريها كلّ من الإمارات والبحرين مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، والتي سبق أن قالت إسرائيل عنها علانية إنها موجّهة ضدّ إيران[67]. هذا التطبيع الذي يُقال إن التقدم بصدده، خاصة من الجانب السعودي، من مفجرات طوفان الأقصى. حيث قبل أيام من تنفيذ حماس لهجومها على إسرائيل، وصف المرشد الإيراني علي خامنئي إقامة العلاقات مع إسرائيل بأنها “محاولة عبثية تماما”، محذرا “الدول التي تخاطر بالتطبيع مع إسرائيل بأنها ستخسر”.
2-الدلالات:
لكن عم ينم هذا التخبط العربي، الذي يمكن وصفه بأنه يسير عكس اتجاه متطلبات الأمن الإقليمي؟
- يرتبط بما سبق غياب استراتيجية عسكرية عربية، فضلا عن عدم الاهتمام بالتصنيع العسكري، وهذا من أبرز مسببات عدم التكافؤ في التنافس مع القوى الإقليمية الأخرى، وعلى رأسها إسرائيل، ثم إيران. كما أن فشل عاصفة الحزم باليمن ليس ببعيد. لا ينفصل ذلك عن التردي الاقتصادي، وهو في جزء منه نتاج ما يُطلق عليه حالة “العسكرة الوهمية” التي يعيشها النظام الإقليمي العربي، حيث تحول المدخرات الهائلة لاستيراد أسلحة لدرء مخاوف غير مدروسة إزاء إيران، بدلا من توجيهها إلى المشروعات التنموية.
- في المقابل نجد تنامي القوة العسكرية الإيرانية، إذ يستمر البرنامج النووي الإيراني، وفيما تشتعل الحرب والأحداث المتسارعة في المنطقة، تحذر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران تقترب من صنع قنبلة نووية. وفي تقرير نشرته الوكالة الدولية ديسمبر 2023، قالت إن إيران أقدمت على تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة.
- وقد أقدمت إيران منذ أكتوبر 2023 مرتين على إطلاق أقمار اصطناعية إلى الفضاء. وأعلنت إيران، عن إطلاق ثلاثة أقمار اصطناعية إلى الفضاء. كما أعلنت طهران عن إطلاق القمر الاصطناعي البحثي “ثريا” بواسطة صاروخ قائم 100 العائد إلى الحرس الثوري ووضعته في المدار على بعد 750 كيلومتراً من الأرض. وتعمل إيران على مثل هذه الاختبارات الصاروخية في وقت تشهد المنطقة حالة توتر[68].
- غياب الدولة القائد، خاصةً مع تراجع دور مصر الإقليمي، وتصاعد أدوار إقليمية قشرية تفتقد إمكانات ومقومات الدور. ويزيد الأمور ترديًا عدم فاعلية الكيانات العربية الجماعية، وعلى رأسها جامعة الدول العربية.
- عدم الوعي بامتدادات التنافس الإقليمية مع إيران (وغيرها) في آسيا وأفريقيا، حيث تحرص إيران على توظيف الأقليات الشيعية وتدعيم السياسات النفطية، في تلك الدوائر. ولأحداث باكستان مؤخرًا العديد من الدلالات حول امتدادات التنافس والصراع الإقليمي، الذي لا يُجيد العالم العربي التفاعل مع تطوراته.
- هذا بينما تتميز الرؤيتان الإسرائيلية والإيرانية بالوعي بأهمية متغيرات وامتدادات الجيوبوليتيك، لذا لا يقف الصراع بينهما عند بوابات العالم العربي التي يخشى الأخير أن ينظر خارجها. على سبيل المثال، التنافس في جنوب القوقاز، حيث تعمل إسرائيل على الاستفادة من الاستراتيجية الأمريكية في أقاليم مختلفة لتعزيز النفاذ إلى مناطق التماس الجيوسياسي لإيران. في هذا الإطار، يُشار إلى افتتاح وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين خلال زيارته تركمانستان (تشترك في حدود بمسافة 1200 كيلومتر مع إيران) في أبريل 2023 سفارة جديدة لبلاده. مثل تلك التطورات لا شك أن طهران تأخذها بعين الاعتبار في رسم سياساتها وردود أفعالها تجاه إسرائيل، سواء بتأثيراتها السلبية أو الإيجابية، وفي هذا السياق يُستبعد خيار الحرب المفتوحة[69].
قصور التعامل مع المكون الشيعي داخل الدول العربية، ماذا عن كيان وبنيان الدول العربية التي تضم حلفاء لإيران، فما دلالات الأحداث بالنسبة لعلاقة حزب الله والدولة اللبنانية على سبيل المثال؟ ماذا عن إشارات نصر الله للخميني وخامنئي؟ أم أن موقف حزب الله، الذي اعتبر في مراحل كثيرة دون التوقعات هو نتيجة حسابات داخلية، وعدم الرغبة في إدحال لبنان في صراعات جديدة؟ وما مدى تأثير الوجود الإيراني على صنع القرار بهذه الدول؟ بدايةً إن الحالة الشيعية ليست واحدة في العالم العربي، فهي إن كانت لها تجلياتها في المشرق وفى منطقة الخليج، إلا أنها ليست واردة ولا وجود يذكر لها في مصر أو في دول المغرب العربي[70]. كما أن هناك من الشيعة في العالم العربي اليوم – الذين كانوا يعاملون عادة كمواطنين من الدرجة الثانية من قبل بعض الحكّام السنة المسيطرين – ينظرون إلى إيران كسلطة سياسية ومعنوية[71]، ولكن توجد قطاعات أخرى تختلف نظرتها لإيران خاصة مع اختلاف المرجعيات أحيانًا. فرغم عدم إمكانية إنكار نفوذ الجماعات الشيعية بالدول العربية، إلا أنه من المفيد الوعي بأنها ليست ذات قوة مطلقة، فثمة مؤشرات على تراجع تأثير أذرع إيران الإقليمية. وظهرت بوادر ذلك في لبنان الذي تراجعت فيه مكانة حزب الله، كما أظهرت انتخابات 2022، وكذلك في العراق في ظل التصادم بين المكونات الشيعية وتراجع شعبية الفصائل المحسوبة على إيران، والرغبة العراقية في استعادة الدولة العراقية لهويتها القومية والعربية، كما أشير، فضلًا عن التحديات على الساحة السورية التي يتقاطع فيها نفوذ إيران مع نفوذ تركيا، لاسيما في ظل انشغال روسيا بالحرب الأوكرانية وأزمتها مع الغرب. وبقدر ما لدى إيران من مساحة للمناورة، بقدر ما لدى القوى الإقليمية المساحة ذاتها لإظهار مزيد من المقاومة لسياسات إيران فيما يتعلق بالمسالة الشيعية[72]. ولكن كيف؟ هذا يرتبط بالإرادة السياسية للنظم للاتجاه نحو صيغ للحكم مدنية أكثر عدالة وديمقراطية.
- القصور في تقدير القيمة الاستراتيجية للمقاومة، أو عدم الاعتراف بها، ومن ثم رفض تقديم بديل لدعمها، ولو كان جزئيًا. فرغم تأكيد قادة حماس الدائم أنهم خارج سياسة المحاور، إلا أنه لا يمكن إنكار كون التخلي العربي قد أفسح المجال لطهران لتقديم الدعم المفتقد، فحُسبت قوة المقاومة بأكملها لصالح الجانب الإيراني، بما يرجح كفته في مواجهاته ومساوماته مع الولايات المتحدة، فهل لا سبيل سوى استمرار نهج التخلي عن المقاومة رغم فداحة النتائج؟ إن الأمر يتطلب الخروج عن التابوهات التي وضعت النظم العربية بداخلها.
وبناءً على ما سبق، فإن تخطي التخبط العربي، سعيًا لتقليل مساحات الاختلال مع إيران، إنما يستوجب العمل على مستوياتٍ عدة، منها: ما يتصل بما هو داخلي (سواء سياسي أو اقتصادي، وبما يستوعب مختلف المكونات الطائفية) لسد ثغرات التدخل الإيراني، وما يتعلق بالعلاقات البينية وإيجاد صيغ أكثر فاعلية للتنسيق، وذلك بما يسهم في العمل على الاتفاق على ثوابت للأمن القومي في التفاعل مع القوى الإقليمية والدولية.
ثالثًا- القوى الإقليمية غير العربية:
وهنا، نحن بصدد فاعلين مؤثرين في المسار الإقليمي -تركيا وإسرائيل- وإن كان ليس في ذات الاتجاه، بل يمكن القول إن توثيق الصلة بين تركيا وأي من الجانبين العربي أو الإيراني (على نحوٍ مدروس مدعوم برؤية استراتيجية) من شأنه إضعاف الكيان الصهيوني بدرجةٍ يخشاها، لذا فهو يعمل بين الحين والآخر على التقارب مع تركيا، رغم عمق الخلافات حول العديد من الملفات، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وفيما يلي نتطرق إلى أبرز تفاعلات الجانبين مع المشروع الإيراني خلال المرحلة الراهنة:
-
تركيا:
تحركات تركيا، بوصفها قوة إقليمية، كيف يقرأها كلٌ من الطرفين العربي والإيراني، بل كيف سيتعامل معها الكيان الصهيوني؟ فرغم الحرص التركي على عدم الانخراط في الحرب الدائرة في غزة، هل ستبقى تركيا تفضل الابتعاد بعد انتهاء الحرب تاركةً المجال لإيران لمزيد من السيطرة الإقليمية؟
رغم تفاوت الأوزان النسبية بين الجانبين التركي والإيراني، بوصفهما طرفين مباشرين في المعركة، حيث يقتصر تعامل أنقرة مع حماس على توفير الحاضنة السياسية والدعم السياسي لقياداتها، بينما تضطلع طهران في تدريب وتسليح جناحها العسكري، إلا أن هناك العديد من العوامل الداعمة للتقارب التركي الإيراني، والذي بدا واضحًا على مستوى الخطاب حول الحرب، ومن بين تلك الأسباب: القلق إزاء إعادة التواجد الأمريكي بالإقليم، وجود مساحة للحركة ناتجة عن التراجع الرسمي المؤقت لصفقة القرن، وإن كان تراجع قد يعقبه استعادة أمريكية صهيونية كثيفة.
لكن يبدو أن أنقرة لا ترغب أن تنفق كثيرًا من الوقت والمجهود في هذه المعركة، ربما بسبب التعثر السياسي والاقتصادي الداخلي. فقد اقتصرت جهود أنقرة على المستوى الخطابي والإنساني والدبلوماسي، حتى أنها حاولت في الأيام الأولى للحرب التهيئة للعب دور الوسيط بين حماس وإسرائيل، إلا أنها لم تحقق نجاحًا في ذلك المسار الذي لا تزال قطر ومصر تلعبان الدور الرئيسي فيه[73].
هذا كما أن السلوك التركي في هذه الحرب يتسم بالحذر إزاء السياسات الإيرانية، التي لا ترغب أنقرة في أن تدفع فاتورتها. لا سيما أن تركيا غاضبة جراء السياسات الإيرانية الداعمة للأكراد، وفي الوقت ذاته، فإن أنقرة تضع عينيها على مصالحها مع الولايات المتحدة، حيث كان من المنتظر أن تتم في 9 مايو 2024 أول زيارة رسمية لأردوغان لواشنطن يدعى إليها بعد مرور 4 سنوات من حكم بايدن (والتي تم تأجيلها). وهو ما اتضح في رد الفعل التركي بصدد المواجهات الإيرانية الإسرائيلية. فأنقرة لم تتحدث رسمياً لساعاتٍ طويلة بعد الهجوم الإيراني، وكان أول إعلان غير رسمي من مصادر الخارجية التركية هو أن فيدان تحدث هاتفياً، مع نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان وأبلغه بضرورة تجنب زيادة التوتر، ثم صدر بيان وزارة الخارجية التركية مساء اليوم نفسه تحت عنوان: «حول آخر التطورات في منطقتنا»، وبدأ بعبارة حول «خطر انتشار وتصعيد الحرب الإسرائيلية على غزة وتحولها إلى حرب إقليمية»[74].
بالتالي، من غير المتوقع أن تشكل الحرب على غزة نقطة فارقة تدفع باتجاه تحالف تركي مع المحور الإيراني، لكن لا شك أنها تحتم الوعي بضرورة التنسيق بين إيران وتركيا، على المستوى الاستراتيجي الأمني، تحسبًا لمخططات الكيان الصهيوني في المنطقة.
2- الكيان الصهيوني:
كيف يبقى دومًا المستفيد الأكبر، سواء من حالة الفراغ الاستراتيجي العربي، أو النزاعات الطائفية وتصاعد المخاوف إزاء إيران؟ وهل ستسمح الولايات المتحدة لإسرائيل بالإقدام على توسعة المواجهة، بما يعرض قواعدها العسكرية بالخليج للخطر من قبل طهران؟ وعلى الجانب الآخر، كيف ستتعامل البراجماتية الإيرانية المعهودة مع الكيان الصهيوني في المرحلة القادمة، خاصة أنها تعرف كون المواجهة مع إسرائيل هي مواجهة مع الولايات المتحدة؟
إن الأحداث الدائرة في غزة لا تنفصل عن مجمل الصراع الإسرائيلي – الإيراني المباشر على الهيمنة الإقليمية، من خلال سباق التسلح، والصراع على البرنامج النووى الإيرانى. فضلا عن التنافس الإسرائيلى – الإيرانى على كسب النفوذ والحلفاء وبالتحديد تركيا والعالم العربى. والطموح الإسرائيلى المتفاقم للقفز نحو الخليج ليكون ليس مجرد طرف فى معادلته الأمنية بل رأس حربة المواجهة ضد إيران. ومن ثم، تسعى إسرائيل لتعميق الاستقطاب في العالم العربي وفرز ما يسمى بـ “محور الاعتدال العربى” الذي يضم دول مجلس التعاون الخليجى ومصر والأردن، فى حين أن إيران تسعى إلى كسب “محور الممانعة” أو “المقاومة” وبالذات سوريا والعراق وقوى المقاومة العربية. وهنا تطرح قضايا متعددة فى هذا التنافس أولها القضية الفلسطينية[75].
من أبرز محطات المواجهة بين الجانبين خلال الحرب الراهنة: أوّل هجوم مباشر نفّذته إيران ليلة 13-14 أبريل 2024 من أراضيها ضد إسرائيل[76]؛ والذي تضمّن إطلاق أكثر من 300 من المقذوفات، اشتملت على نحو 170 طائرة مسيّرة، و30 صاروخ كروز مجنّح، و120 صاروخًا باليستيًّا، تمكّن عدد قليل منها من الوصول إلى إسرائيل وإصابة قاعدة عسكرية جوية في نفاتيم بصحراء النقب التي انطلقت منها، بحسب إيران، الطائرات التي استهدفت قادة الحرس الثوري الإيراني في دمشق يوم 1 أبريل. وجاءت الهجمات ردًّا على استهداف طائرات إسرائيلية، في 1 أبريل 2024، مبنى القنصلية المجاور للسفارة الإيرانية في دمشق. تبنّت إيران منذ نهاية الحرب مع العراق عقيدة أمنية تقوم على تجنب المواجهة المباشرة مع خصومها الأقوياء، خصوصًا الولايات المتحدة وإسرائيل، لكن هذا لا يعني أن إيران كانت تتجنب المواجهة المباشرة في حال تعرّض مصالحها المباشرة للخطر، بل إنها كانت تفعل ذلك أحيانًا، ولكن ذلك يكون بطريقة محسوبة، وعلى نحو لا يؤدي إلى توريطها في حرب شاملة. فعلى سبيل المثال، استهدفت إيران منشآت أرامكو، شرق السعودية، في سبتمبر 2019، بهجوم من خلال طائرات مسيّرة أدت إلى إخراج نصف الإنتاج النفطي السعودي من الخدمة (5 مليون برميل من النفط تقريبًا)، وذلك بعد أن فرضت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب حظرًا على تصدير النفط الإيراني. ومع ذلك، جاء الرد محسوبًا بدقة؛ وبناءً عليه، جرى التصدي له؛ بحيث لم يؤدِّ إلى وقوع أضرار كبيرة تستوجب ردًّا كبيرًا من جانب إسرائيل، هذا فضلا عن أمثلة أخرى سبقت الإشارة إليها[77].
ذلك علمًا أن من العوامل التي من شأنها التأثير في الموقف الإسرائيلي إزاء السياسات الإيرانية، تفاقُم الانقسام الحاد في الداخل الإسرائيلي: يشهد المجتمع الإسرائيلي انقسامات حادّة وصراعات مصيرية، من المنتظر أن يكون لها تداعياتها على الداخل الإسرائيلي، وعلى توجُّهات السياسة الخارجية، وسياقاتها الإقليمية، بين الرغبة في التصعيد والعكس. ومن ثم، يُشكِّل الانشغال الإسرائيلي باستمرارية الانقسام الحاد، فرصةً أمام الطرفين السعودي -والعربي عامة- والإيراني لتعزيز العلاقات، والحد من التأثيرات الإسرائيلية على مستقبل المنطقة[78].
رابعًا- السياق الدولي:
تشهد الساحة الدولية تحولات متسارعة في ظل تحوُّل المنافسة الاستراتيجية بين القوى الكبرى إلى مرحلة الصدام والصراع، بين الولايات المتحدة والغرب من جانب روسيا والصين من جانب آخر، وهو ما تبدو تجلياته في تنامي الصراع في الشرق الأقصى والحرب الروسية- الأوكرانية. وفرض هذا التنافس/الصراع اندفاعًا نحو ترميم التحالفات القديمة، وبناء أخرى جديدة، ووفَّر ذلك بدوره مساحة أمام القوى الصغيرة والمتوسطة من أجل تعزيز مصالحها وتنويع شراكاتها. كانت إيران، التي تقع تحت وطأة الضغوط والعقوبات الأمريكية، من بين الدول التي رأت أن هذه البيئة المشتبكة تتيح أمامها مساحات للحركة[79]، ويأتي الشرق الأوسط في قلب تلك الساحات، وتختبر الحرب على غزة السياسة الإيرانية، فكيف ستحاول توظيف تلك المرحلة لصالحها في ضوء السياق الدولي؟ وما التحديات التي ستواجهها على هذا المسار، وتبدو أنها كثيرة؟
1-على الصعيد الأمريكي:
ارتبطت التفاعلات الإيرانية تجاه الحرب على غزة بالفاعل الأمريكي من أكثر من وجه، على جانب، وكما سلفت الإشارة، لم ترغب إذا ما انتهجت سياسة اندفاعية أن تفقد مكتسبات حققتها عقب فوز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة في يناير 2021، بشأن يعض التسويات حول برنامج إيران النووي ومن ثم رفع العقوبات[80].
فقد أدركت طهران أن تدخلها في الحرب قد يضر بمصالحها، ويضعها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، لن تحمد عقباها، إلا أنها عملت على توظيف عملية طوفان الأقصى للتأكيد على عدم فاعلية الجهود الأمريكية لإنشاء نظام أمني إقليمي يهدف لإرساء ميزان قوى جديد في المنطقة، على أساس التصدي للتهديدات الإيرانية. وبالتالي، تعمل طهران على توظيف تطورات الأحداث السياسية والأمنية كتداعيات حرب غزة بصورة استراتيجية لتعزيز موقعها كفاعل إقليمي لا يمكن لدول الجوار والقوى الدولية تجاوزه[81].
مما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد، تصريح مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان، قبل أيام قليلة من «طوفان الأقصى»، بقوله إنَّ الشرق الأوسط أصبح أكثر هدوءًا اليوم ممّا كان عليه منذ عقدين من الزمن، وأشاد بقُدرة الولايات المتحدة على التركيز على الأولويات الإستراتيجية خارج الشرق الأوسط. لكن الولايات المتحدة وجدت نفسها مضطرَّةً للعودة والانخراط بمزيد من المهام القتالية في المنطقة، ولكن في توقيت تزعزعت فيه ثقة حلفائها تجاهها[82]، فكان التقارب الخليجي مع إيران، كما أشير، حتى وإن كان لا يرقى لأن يكون بديل لحضور الأمريكي. كما أتاح تراجُع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة الفُرصة لإيران لمدّ نفوذها الإقليمي، وتعزيز تواجدها على مشارف الممرّات البحرية الإستراتيجية[83].
في المقابل، عملت الولايات المتحدة على مسارين لاحتواء التحوُّلات الجارية في الشرق الأوسط، الأول: العمل على إعادة ضبْط العلاقة مع الحلفاء: وعَدَ بايدن الزعماء العرب في قمَّة عُقِدت في المملكة العربية السعودية، بأنَّ إدارته ستُعيد بناء الثقة وتحقيق نتائج حقيقية. أيضًا الرهان على توسيع اتفاقيات إبراهام لإعادة رسم التوازنات الإقليمية[84]. يدخل في هذا السياق رغبته في تجنب مزيد من التصعيد في عام الانتخابات، والتي دفعته للمرة الأولى، منذ بدأ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لأن يهدد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في اتصال هاتفي 4 أبريل 2024، على خلفية استهداف إسرائيل مركبات إغاثة إنسانية تابعة لـمنظمة “المطبخ المركزي العالمي” في غزة في الأول من الشهر نفسه، وإن كان تهديدًا صوريًا[85]، ذلك ما يؤكده المسار الثاني.
المسار الثاني: العمل على تقويض قُدرة إيران ومحور المقاومة على إلحاق المزيد من الضرر بمصالحها وحليفها الإسرائيلي، من خلال التنسيق مع حلفائها الغربيين على فرْض مزيد من العقوبات[86].
وأكثر ما يعنينا في هذا الصدد، هو موقع ومستقبل القضية الفلسطينية من المواجهات الأمريكية الإيرانية، إذ تقوم “رؤية الحل” التي يتولى منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بريت ماكجورك، مهمة صياغتها وتسويقها، على موافقة المملكة العربية السعودية على توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل وتطبيع العلاقات معها، والمشاركة مع دول خليجية أخرى في المساهمة في إعادة إعمار قطاع غزة، في مقابل موافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار، والسماح لحكومة فلسطينية جديدة بإدارة الضفة الغربية والقطاع معًا[87].
وبالطبع، فتلك أمور لا تتسق والرؤية الإيرانية للأوضاع الإقليمية، علمًا أنه لا تقتصر الترتيبات الأمريكية بالطبع على الوضع بقطاع غزة، وإنما الترتيبات الأمنية بالمنطقة ككل، على سبيل المثال، التحالف البحري متعدد الجنسيات للمساعدة في حماية حركة الملاحة التجارية عبر البحر الأحمر، الذي أعلنت الولايات المتحدة تشكيله تحت اسم عملية «حارس الازدهار»، فيما حذّر وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني، من أن الولايات المتحدة «ستواجه مشكلات كبيرة» إذا شكّلت قوة دولية في البحر الأحمر[88].
وتبقى تساؤلات، ماذا بشأن فكرة تشكيل تحالف استراتيجي شرق أوسطي ضد إيران؛ وهل ستسعى الولايات المتحدة للقضاء على المشروع الإيراني، أم الأكثر واقعية تحجيمه، بحيث تستمر الفزاعة الإيرانية للعرب، وفي المحصلة يبقى الجميع تحت السيطرة الأمريكية ولخدمة إسرائيل؟
كذلك فإن طبيعة العلاقات مع إسرائيل أمر محوري كمتغير في العلاقات الإيرانية-الأمريكية، ولكن ما المتوقع بشأن مستقبل هذا المتغير على ضوء سيناريوهات الانتخابات الأمريكية، وكذا التغيرات المحتملة في الحكومة الإسرائيلية. فإن هناك ثبات في الدعم الأمريكي لإسرائيل، إلا أنه تختلف الأولويات وأدواتها ربما من إدارة لأخرى، ومن حكومة إسرائيلية لغيرها؟ على جانب آخر، إلى أي مدى يمكن أن تدفع التطورات الأخيرة الولايات المتحدة لمزيد من تعزيز وجودها العسكري في المنطقة لضمان أمن إسرائيل؟ وكيف ستتعامل إيران؟
2-حدود الدعم الروسي الصيني للمشروع الإيراني:
لقد أجادت طهران التفاعل مع التغيرات في هيكل النظام الدولي، والذي لم تعد فيه الولايات المتحدة هي القوى الكبرى الوحيدة، ومن هنا كانت حريصة دومًا على التنسيق بدرجة أو بأخرى في العديد من القضايا مع كل من روسيا والصين[89]. فطالما كانتا داعمتان لاستمرار المشروع الإيراني رغم الضغوط الإقليمية والدولية، إذ تمكّنت روسيا والصين على سبيل المثال من الحفاظ على بقاء بشار الأسد والنظام السوري من خلال استخدام حق الفيتو في مواجهة الجهود العربية والدولية لتحقيق الاستقرار في سوريا ووضع حدّ للأزمة[90].
فكيف ستسير الأمور مستقبلا، في ظل بعض الضبابية حول سياسات الجانبين تجاه المنطقة، لاسيما مع الحرب الأوكرانية وتوترات بحر الصين الجنوبي. فهل ستستمر الصين في تقديم نفسها كوسيط دبلوماسي، وماذا ستكون أدواتها في لعب هذا الدور؟ وهل ستدفع السياقات الحالية دول الإقليم ككل لمزيد من الاتجاه إلى روسيا والصين، بعد أن أثبتت الولايات المتحدة فشلها في حل المعضلات الأمنية، كما كانت أكثر تبجحًا في مساندة الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة؟ وكيف من الممكن أن يؤثر المتغير الروسي الصيني على العلاقات العربية الإيرانية؟ ربما لا يمكن الإجابة الآن على جميع تلك التساؤلات.
يمكن القول إنه على الرغم من أن روسيا والصين من الحلفاء الموثوقين لإيران، فإنه لا يبدو أن الصين وروسيا لديهما الاستعداد والإمكانيات الكافية لتغيير قواعد اللعبة “الآن”، خاصة أنه ليس في مصلحتهما زعزعة أمن المنطقة التي يتدفق منها نصيب مهمّ من مصادر الطاقة ويمرّ عبرها قدر هائل من حجم التجارة الدولية[91]، فضلا عن انشغالهما بقضايا أكثر تماسًا مع أمنهما القومي -كما سلف الذكر.
على الصعيد الروسي تحديدًا، فإن روسيا، بشكلٍ عام، تسعى لإيجاد موطئ قدمٍ لها للمشاركة في العمليات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، بوصفها قوّة عالمية، وهي تستخدم في ذلك توجهات أولت متغير المصالح على حساب الاعتبارات الأيديولوجية، ما يتضح في توثيق العلاقات مع طهران[92].
وتتّضح أهمية إيران بالنسبة للتخطيط الإستراتيجي الروسي بشأن أمن الطاقة، وعلى الدرجة نفسها، فإن موسكو تدرك أهمية وجود إيران في إطار مسألة تقليص النفوذ الأمريكي في آسيا الوسطى، في ضوء تزايد الاهتمامات الإيرانية بمحيطها الإقليمي[93]. في هذا الإطار تسكن المنهجية الروسية إزاء قضية البرنامج النووي الإيراني[94]. ولكن وقد ازدادت هذه الديناميكيّة تعقيداً بفعل الأحداث العالمية الأخيرة، بالأخصّ الحرب في أوكرانيا. ففي حين دفعت الحرب إلى أن تسوء علاقة موسكو مع الغرب، حدّت أيضاً من قدرتها على دعم إيران، بالأخصّ اقتصاديّاً[95].
وهو الأمر الذي أدركته طهران وهي تخطط لتفاعلها مع الحرب على غزة وتحدد مسار خطواتها.
فهي وإن لم تهمل التنسيق، حيث على سبيل المثال، توجه الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى العاصمة الروسية موسكو لبحث الحرب في غزة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين[96]، إلا أنها أدركت كون ليس من أولويات موسكو الانخراط في هذا الصراع الشرق أوسطي كما تطمح. بل يمكن القول إن موسكو أرادت جني المكاسب دون أن تقدم الكثير في المقابل، خاصة في سوريا، فعلى الرغم من المصالح المشتركة بين روسيا وإيران، إلا أنها قد تجد نفسها مضطرة لبعض التفاهمات مع الغرب لإعادة تنشيط دورها في المنطقة وحماية مصالحها في سوريا مع منع تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل. إضافةً إلى ذلك، تحتاج روسيا إلى استرداد بعض أدوات الضغط على إيران التي وسَّعت نفوذها في سوريا.
ويمكن القول إن الحالة الروسية الإيرانية الراهنة تفتح مجالا للجانب العربي، حيث إن الجنوب السوري لا يزال يشهد هدوءاً نسبياً في ضوء التركيز الإسرائيلي على غزة، ومع ذلك فإن التحرك نحو تحقيق تفاهم مبدئي في جنوب سوريا أمر ضروري، فإذا كان هناك تصعيد قبل التوصل إلى أي تفاهم فقد تضطر روسيا إلى اتخاذ موقف مؤيد لإيران في سوريا من أجل عدم تعريض علاقتها بإيران للخطر من أجل تفاهم غير موجود، ولكن إذا كان هناك اتفاق مبدئي، فستكون روسيا أكثر اهتماماً باحتواء إيران، بدلاً من دعمها[97].
وبشأن الصين: تمثلت أبرز خطوات توثيق العلاقات الصينية -الإيرانية في الاتفاق الاستراتيجي الشامل لمدّة 25 عاماً الذي أبرمته طهران مع بكين، وتنطوي الاتفاقية الصينية الإيرانية على تهديد عسكري لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، لاحتمال إقامة قواعد عسكرية صينية في الجزر الإيرانية، والسماح للصين بنشر قوات مسلحة شبه دائمة لحماية استثماراتها في إيران والمنطقة. وجراء ذلك أعيد استئناف المفاوضات في فيينا[98]. ويمكننا تأطير مصالح الصين العسكرية في اتفاقيتها مع إيران، فيما يلي: تعزيز السيادة الإيرانية في وجه الهيمنة الأمريكية، فيما تعمل في الوقت نفسه على ضبط ممارسات السلطة السياسية الإيرانية فيما يتعلق ببعض سياسات إيران العسكرية إقليميًّا.
وبالتالي، يُخشى إقليميًا أن تؤدي الشراكة الإستراتيجية الصينية- الإيرانية، مع ما تشمله من تطوير القدرات والأسلحة المتخصصة للقوات المسلحة الإيرانية، إلى تسريع العمل بمخططات إيران في الشرق الأوسط ووسط آسيا لتقوية نفوذها الإقليمي[99]. إلا أنه على جانب آخر، لا شك أن للصين رؤيتها وحساباتها الاستراتيجية المعقدة، ومنها علاقاتها الاقتصادية المتطورة مع دول الخليج، والتي من شأنها أن تشكل قيدًا على إيران[100].
ويُعد الإشكال الأبرز بين الجانبين الصيني والإيراني في إطار الحرب الراهنة، الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، إذ تعمل بكين على الضغط على إيران لوقف هذه الهجمات بعد أن طال أمدها لحماية اقتصاد الصين. على سبيل المثال، في 26 يناير 2024، صعّد مسؤولون صينيون لهجتهم؛ حيث صلرحت مصادر إيرانية ودبلوماسية لوكالة “رويترز”: “حذرتنا الصين: أنه إذا تضررت مصالحنا بأي شكلٍ من الأشكال، فإن ذلك سيؤثّر على أعمالنا مع طهران، لذا اطلبوا من الحوثيين ضبط النفس”، وإن كانت الصين قد التزمت الصمت إزاء هذه الهجمات في البداية؛ كجزء من الضغط على الدول الغربية[101].
خاتمة: إشكالات وتداعيات:
يمكن بلورة ما سبق من تساؤلات ومحاولات لتلمس سبل الإجابة عنها في عددٍ من الإشكاليات، أبرزها:
- العلاقة بين الأيديولوجي والاستراتيجي، خاصةً على مستوى إيران وحلفائها، فهل تحركاتهم الراهنة والمقبلة من المنتظر أن تعبر عن رؤية واستراتيجية تعي الخطر المحدق بالإقليم، أم تبقى الأولوية للأيديولوجيا المذهبية الممتزجة بالمصلحة الإيرانية؟ يمكن القول باختصار إن الخطاب المسيطر في السياسة الخارجية هو خطاب أيديولوجي في توجهاته ولكنه عملي براجماتي في تحركاته؛ لأسباب أمنية واستراتيجية واقتصادية[102]. وفي هذا الإطار، لا يمكن وضع حدود جامدة بين ما هو أيديولوجي وما هو مصلحي في تحركات إيران الخارجية، فكلاهما يخدم الآخر ولا يتعارض معه.
- ولكن لا تتحمل إيران المسؤولية وحدها؛ إذ تثور التساؤلات حول مختلف الأطراف المتفاعلة إقليميًا: هل تحركاتها الحالية تعبر عن رؤية استراتيجية، أم مجرد خطط أمنية قصيرة المدى؟ فهل محاولات الولايات المتحدة لإعادة التموضع في الإقليم يمكن كذلك أن يطلق عليه استراتيجية، أم فقط هو محاولة محدودة لحماية مصالح الولايات المتحدة في الإقليم خاصةً في مواجهة إيران؟ وعما يعبر الاتجاه الخليجي صوب التقارب سواء مع إيران أو إسرائيل؟
- ومن ثم، ما طبيعة التحالفات الراهنة (مؤقتة أم دائمة)؟ وهل ما تشهده المنطقة من صيغ للتقارب مع قوى دولية أو إقليمية يأتي تحت مسمى تحالف من الأساس، أم هي مجرد صفقات باهظ ثمنها؟ أليست المنطقة بحاجة إلى تقارب عربي–تركي-إيراني في مواجهة إسرائيل، حتى وإن لم يرتق إلى مرتبة التحالف، وبما يُحجم من سياسة المحاور المقيتة؟!
- العلاقة بين الداخل والخارج، حيث تأثير عوامل الداخل، خاصةً من (شكل النظام السياسي -الوضع الاقتصادي)، على توجهات كل من الجانبين الإيراني والعربي وسياساتهما الإقليمية، وإن كان يغلب الطابع السلبي للتأثير، ولعل تلك هي المعضلة الأهم في مستقبل النظام الإقليمي.
التداعيات ما بعد طوفان الأقصى: المحور الإيراني… العرب… المقاومة
واجـه محـور المقاومـة، على ضوء طوفان الأقصى، مجموعـة مـن التسـاؤلات والجدالات، فقـد ذهـب البعـض الـى القـول إنـه اذا كانـت عمليـة طوفـان الأقصـى مـن صناعـة حركـة حمـاس وحدهـا فلمـاذا علـى أطـراف المحـور أن تتحمل تبعـات فعـل لـم تشـترك فـي قـراره وتُدقق حسـاباته. وذهـب بعـض آخـر إلـى القـول إن ردود المحـور جـاءت دون المسـتوى المتوقـع فـي ظـل مـا تتعـرّض لـه غـزة مـن عـدوان، علـى قاعـدة أن المتوقـع هـو دخـول جبهـات المحـور فـي الحـرب بـكل قوتهـا، حيث إن سـقطت غـزة ومقاومتهـا مـاذا يبقـى للمحـور مـن رمزيـة اتصـال بفلسـطين وقضيتهـا ومقاومتهـا؟ وهـل سـيكون باسـتطاعته وقـف مسـار مـا بعـد سـحق غـزة[103]؟
رغم أن طوفان الأقصى لم تندلع في الوقت الأنسب لإيران، إلا أن التكتيك الإيراني أحسن استثمار الفرص؛ إذ تقدّم إيران نفسها بوصفها قوة إقليمية تدافع عن الحق الفلسطيني في ظلّ استمرار الحرب في قطاع غزة. فحتى الآن، كانت مقاربة إيران العامة إزاء منافستها مع الولايات المتحدة تقضي بجعل وكلائها يقاتلون عنها، فتستفيد طهران من النتيجة بخسائر محدودة ودون مواجهة مباشرة[104]؛ باستثناء في حالة الاستهداف المباشر لمصالحها، كما حدث من مواجهة مع إسرائيل على خلفية استهداف قنصليتها في دمشق.
أيضًا، ستعزز تداعيات حرب غزة منطق طهران الذي يشدد على عدم إمكانية تشكيل هيكل أمني جديد في الشرق الأوسط لا يأخذ في الاعتبار مصالحها[105].
من المكاسب التي قد تتحقق لإيران كذلك، أنه من المرجح أن تُسهم الحرب الحالية في تقويض خطط إنشاء ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا الاقتصادي، الذي سبق أن أعلن بايدن أنه سيمتد من الهند إلى أوروبا عبر الإمارات والسعودية والأردن وميناء حيفا في “إسرائيل”، وهو ما يهدد ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب الذي يمتد من موانئ البلطيق الروسية إلى جنوب إيران. وقد أظهرت حرب غزة أن التحديات الأمنية التي ستواجه هذا المشروع لا يستهان بها[106].
أما التحديات التي ستواجهها إيران في المرحلة القادمة، فهي التشكيك في مصداقية شعاراتها الأيديولوجية ومفاهيم من قبيل “وحدة الساحات”. أيضًا إن احتمال القضاء على حماس هو في حد ذاته أمر مفزع بالنسبة لإيران. كما أن الضربات المتبادلة مع إسرائيل تزيد من حدة المواجهات الواجب على إيران التعاطي معها.
على الجانب العربي، لابد من الوعي مما قد يتم من تسويق أجندة الاحتلال السياسية والأمنية بخصوص مستقبل غزة ومخططات التهجير الإجباري للفلسطينيين، بجانب مخططات الولايات المتحدة لتعزيز التحالفات بين الاحتلال وجيرانه العرب، بحضور أمريكي متزايد. وهو أمر سيكون مضادا للمصالح الإيرانية الاستراتيجية دون شك[107]، وبالتالي، قد ترى فيه بعض الأطراف العربية ميزة أمنية مقابل إيران، ولكن الأمر يحتاج مزيد من الحنكة العربية للوصول إلى آلية أكثر فاعلية وديمومة لحفظ الأمن الإقليمي العربي، وذلك يتطلب جعل القضية الفلسطينية المركز.
كما أن الاستراتيجية المطلوبة، وفق فهمي هويدي، يجب ألا تغفل عوامل التاريخ؛ ممثلة في الوشائج التي تربط بين العرب وجوارهم الحضاري، ووحدة الدين على رأسها. كما أنها لا تغفل عامل الجغرافيا المتمثل في الجوار الطبيعي، الأمر الذي يجعل من إيران ليس عمقًا حضاريًا للعرب فحسب، ولكنها تمثل عمقا استراتيجيا أيضًا… ويؤكد هويدي: إنه ليس مطلوبا إنهاء كل خلافات بين العرب وإيران لكي يستقيم التعاون بينهم، ولكن المطلوب توفير قدر من الثقة بين الطرفين يسمح بإدارة الخلافات بأسلوب سلمى وحضاري، حتى لا تتحول إلى صراعات… إن المصالح العربية العليا لا يخدمها فقط إبعاد النفوذ الإيراني عن الساحة العربية، ولكن يحققها أيضا إبعاد كل نفوذ أجنبي عن تلك الساحة. وبالتالي، فالسؤال الأنسب: كيف يمكن أن نتعامل مع إيران باعتبارها تحديًا وليس تهديدًا؟[108].
** ماذا عن المقاومة، وسط هذا الزحام والركام للخرائط الإقليمية، لاسيما في ظل علاقتها الوثيقة بإيران؟
لا شك أن طوفان الأقصى قد رسخت وجود المقاومة كفاعل إقليمي أساس، غير تابع في اتخاذ قراراته بدرجة معقولة، وإن تحالفَ مع هذا أو ذاك، فقد صارت رقمًا صعبًا أكثر من ذي قبل، فأربكت حسابات الحلفاء والأعداء على السواء. وبالتالي، فأيًا كان مدى الحرب؛ فهي ستكون محددًا رئيسًا في صياغة كل من الأطراف لمشروعه الإقليمي المستقبلي، بما في ذلك إيران. بل ربما لن تتمكن الولايات المتحدة من تجاهلها فيما بعد في صياغة استراتيجيتها الإقليمية… فماذا عن العرب؟ هذا، خاصة مع التطور النوعي الذي يتجلى في إطار المعركة الراهنة، ليس فقط على الصعيد العسكري، وإنما أيضًا التطور الإعلامي اللافت للانتباه.
ذلك، وإن كان للعملة وجه آخر، فذلك الحضور للمقاومة يفرض عليها تحديات جمة، لئلا تكون ضحية توازنات المشروعات الإقليمية والدولية المتضاربة في المنطقة في المرحلة القادمة.
يمكن تحميل الدراسة من خلال الرابط التالي
هوامش
* سبق نشر ورقة أولية للموضوع بتاريخ 29 يناير، 2024، على موقع مركز الحضارة، متاح على الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=8097
[1] د. سعيد الصباغ، العمق الاستراتيجي الإيراني بمنطقة الشرق الأوسط .. دراسة حالة “محور المقاومة”، أوراق إيرانية، العدد2، لندن- القاهرة: مركز الخليج للدراسات الإيرانية، أغسطس 2022.
[2] سلسلة محور الممانعة وطوفان الأقصى (1).. إيران فكرة المحور وحدودها، الجزيرة، 24 يناير 2024، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/tBfRcUyR
[3] المرجع السابق.
[4] حسن فحص، إيران بين غزة والإقليم… محاولات الفصل بين المكاسب، اندبندنت العربية، 21 ديسمبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/xLsbepol
[5] قيادي إيراني بارز: دخول إيران في غزة يمكن أن يثير حربا مع أميركا، العربية، 18 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/16Vp6j9
[6] محمد علي إسماعيل، الجديد في مواقف الدول والمنظمات الإسلامية من العدوان على غزة، ملف طوفان الأقصى، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 12 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/ugKkPfC
[7] تداعيات حرب غزة على نفوذ إيران الإقليمي، أسباب، نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي:
[8] حسن فحص، إيران بين غزة والإقليم… محاولات الفصل بين المكاسب، مرجع سابق.
[9] ناصر قنديل، محور المقاومة وحصيلة أولية للامتحان، كيهان عربي، 25 أكتوبر 2023.
[10] في الصحافة: لماذا لم تطلب إيران من حزب الله مساعدة حماس؟، بي بي سي عربي، 29 أكتوبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://www.bbc.com/arabic/articles/ckd9ql77wn2o
[11] سلسلة محور الممانعة وطوفان الأقصى (1).. إيران فكرة المحور وحدودها، مرجع سابق.
[12] عبد الرحمن فريجة -فهيم رملي، الخصائص الاقتصادية لإيران بين العقوبات الخارجية والمقاومة الداخلية، مجلة مدارات إيرانية، برلين: المركز الديمقراطي العربي، المجلد (2)، العدد (5)، سبتمبر 2019، متاح على الرابط التالي:
[13] ناجي ملاعب، السياسة الخارجية الإيرانية.. والجيوبولتيك الإيراني (1/2)، مركز سيتا، 16 يناير 2020:
[14] انظر: مجموعة باحثين، التقرير السياسي: التنمية في إيران بين المقاومة والممانعة، مدارات إيرانية، المجلد 2، العدد5، سبتمبر 2019، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/y2QFSVd
[15] دور إيران الإقليمي في العالم العربي والعلاقات بين الدولة والمجتمع الإيرانِيّين، مبادرة الإصلاح العربي، 13 يوليو 2020، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/4Jm53AiV
[16] عقيل عباس، المنافذ الحدودية: التحالف غير المقدّس بين إيران والميليشيات العراقية، مركز كارنيجي، 7 يونيو 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/W7pop1h
[17] المرجع السابق.
[18] دور إيران الإقليمي في العالم العربي والعلاقات بين الدولة والمجتمع الإيرانِيّين، مرجع سابق.
[19] مصطفى شلش، السياسة الخارجية في عهد رئيسي.. الدبلوماسية الاقتصادية تتصدر الأولويات، جادة إيران، 23 أغسطس 2021، متاح على الرابط التالي: https://aljadah.media/archives/30814
[20] د. محمود حمدي أبو القاسم، بوصلة السياسة الخارجية الإيرانية في ظل تفاقم الصراع الدولي، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 4 أكتوبر 2022: https://2u.pw/Ug9DceNn
[21] دور إيران الإقليمي في العالم العربي والعلاقات بين الدولة والمجتمع الإيرانِيّين، مرجع سابق.
[22] خامنئي: الاقتصاد نقطة ضعفنا الأساسية، الشرق الأوسط، 20 مارس 2024، متاح على الرابط التالي:
https://2u.pw/dgES4hns
[23] انظر:
برا سنان، مدخل إلى الديبلوماسية الدينية: دور الدين في تثبيت النفوذ الإيراني وصنع السياسة الخارجية، برلين: المركز الديمقراطي العربي، 2022.
[24] سعيد بن محمد المحمد، الاستقطاب في السياسة الخارجية الإيرانية.. المبادئ والاستراتيجيات، المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، 15يوليو 2020، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/obB6ZBP2
[25] د. محمد السعيد إدريس، محادثات فيينا النووية وتحديات المشروع الإيرانى، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 15 يناير 2022، متاح على الرابط التالي: https://acpss.ahram.org.eg/News/17369.aspx
[26] انظر:
برا سنان، مدخل إلى الديبلوماسية الدينية: دور الدين في تثبيت النفوذ الإيراني وصنع السياسة الخارجية، مرجع سابق.
[27] سعيد بن محمد المحمد، الاستقطاب في السياسة الخارجية الإيرانية.. المبادئ والاستراتيجيات، مرجع سابق.
انظر: نبيل العتوم (ترجمة وتحليل)، إيران ونظرية أم القرى الشيعية، الأردن: مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 2017.
[28] د.أحمد مشعان النجم، البيئة الإقليمية في المدرك الاستراتيجي وعلاقتها بمعيار القوة، مجلة جامعة الأنبار للعلوم القانونية والسياسية،، المجلد 10، العدد1، يونيو 2020، ص513.
[29] انظر حول التيارات السياسية الإيرانية والسياسة الخارجية:
كوشان أراس محمد لاو، السياسة الخارجية الإيرانية بين المحافظين والإصلاحيين، رسالة ماجستير، جامعة بيروت العربية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، 2016، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/JuSH6gP
[30] علي جبلي، المشروع الإيراني…المقومات والأبعاد، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، 7 فبراير 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/4brdgX
[31] د. محمد السعيد إدريس، محادثات فيينا النووية وتحديات المشروع الإيرانى، مرجع سابق.
[32] وزير الخارجية الإيراني السابق: دعمنا لحماس لا يشمل الحرب بجانبها، العربية، 17 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/LJcLdtF
[33] بهنام قلي بور، ما المؤسسات التي تتدخل بالسياسة الخارجية للنظام الإيراني؟، إيران وير، 30 ديسمبر 2020، متاح على الرابط التالي: https://iranwire.com/ar/reports/92431/
[34] د. أحمد بن ضيف الله القرني، إبراهيم رئيسي.. مستقبلٌ غامضٌ للسياسة الخارجية الإيرانية، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 12 سبتمبر 2021، متاح على الرابط التالي: https://rasanah-iiis.org/?p=25860
[35] حميد رضا عزيزي، إيران وإستراتيجيّة “التوجّه شرقاً”: ما بين الاستمراريّة والتغيير في عهد رئيسي، مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية، 14 سبتمبر 2023: https://2u.pw/eDGelpw
[36] د. محمد محسن أبو النور، الداخل الإيراني وتأثيراته على السياسة الإيرانية في الشرق الأوسط (محاضرة)، المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، 14 يوليو 2020:
https://2u.pw/0tAu2kCc
[37] رانيا مكرم، اختبار التوازن: توظيفات حرب غزة في الانتخابات التشريعية الإيرانية 2024، مركز المستقبل، 6 ديسمبر، 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/az836a9E
[38] المرجع السابق.
[39] إيران..”طوفان الأقصى” تكشف عن ثنائية “النفوذ والحضور” بشأن مواجهة إسرائيل، الجزيرة، 10 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/OIlIZMs
انظر أيضًا:
دور إيران الإقليمي في العالم العربي والعلاقات بين الدولة والمجتمع الإيرانِيّين، مرجع سابق.
[40] رانيا مكرم، اختبار التوازن: توظيفات حرب غزة في الانتخابات التشريعية الإيرانية 2024، مرجع سابق.
[41] انظر على سبيل المثال حول البعد الديني في السياسة الخارجية الإيرانية:
د.الوليد أبو حنيفة، البعد الديني في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه المنطقة العربية: المنطلقات والأهداف، مجلة المعيار، مجلد 23، العدد 47، 2019، متاح على الرابط التالي:
https://www.asjp.cerist.dz/en/article/95010
[42] د.أحمد مشعان النجم، البيئة الإقليمية في المدرك الاستراتيجي وعلاقتها بمعيار القوة، مرجع سابق، ص514.
[43] د.سعيد الصباغ، الناتو الشيعي وأحلام “إيران الكبرى”، أوراق إيرانية، العدد1، لندن- القاهرة: مركز الخليج للدراسات الإيرانية، يوليو 2022.
[44] أفشون أوستوفار، المعضلات الطائفية في السياسة الخارجية الإيرانية حين تتصادم سياسات الهوية مع الاستراتيجية، مركز كارنيغي 17 أكتوبر 2016، متاح على الرابط التالي:
https://annabaa.org/arabic/referenceshirazi/9072
[45] برا سنان، مدخل إلى الديبلوماسية الدينية: دور الدين في تثبيت النفوذ الإيراني وصنع السياسة الخارجية، مرجع سابق.
[46] أفشون أوستوفار المعضلات الطائفية في السياسة الخارجية الإيرانية، مرجع سابق.
[47] المرجع السابق.
[48] د.سعيد الصباع، العمق الاستراتيجي الإيراني بمنطقة الشرق الأوسط .. دراسة حالة “محور المقاومة”، مرجع سابق.
[49] عقيل عباس المنافذ الحدودية: التحالف غير المقدّس بين إيران والميليشيات العراقية، مرجع سابق.
[50] صافيناز محمد أحمد، الانتخابات التشريعية العراقية… دلالات النتائج والتحالفات المحتملة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 12 يناير 2021، متاح على الرابط التالي: https://acpss.ahram.org.eg/News/17278.aspx
[51] ما هو “محور المقاومة” وما علاقته بالنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط؟، بي بي سي عربي، 12 مارس 2024، متاح على الرابط التالي: https://www.bbc.com/arabic/articles/cg3xdwz8n5eo
[52] انظر:
د. هشام عليوان، خطاب نصر الله.. حزب الله وحماس.. أي خلاف بدا على السطح؟، البيان، 6 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/y6HEUSH
[53] حول تقييمات مختلفة بشأن مفهوم وحدة الساحات، انظر:
قاسم قصير، وحدة الساحات أو وحدة الجبهات أو محور المقاومة: بين الشعارات والوقائع، ورقة سياسات، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/nhUiJua
رفيق خوري، توظيف الطوفان والحرب على الطريقة الإيرانية، اندبندنت العربية، 25 ديسمبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/MLCujWg
[54] سيد علي علوي، علاقات إيران بفلسطين: الماضي والحاضر والمستقبل، قطر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 10 أكتوبر 2021، ص7، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/5aiFnMmw
[55] فاطمة الصمادي إيران والمقاومة الفلسطينية: معادلة الأيديولوجيا والمصالح، الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 17 يناير 2011، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/0oifzGt2
[56] سلسلة محور الممانعة وطوفان الأقصى (1).. إيران فكرة المحور وحدودها، مرجع سابق.
[57] محمد السعيد إدريس، مرجع سابق.
[58] د. محمود حمدي أبو القاسم، بوصلة السياسة الخارجية الإيرانية في ظل تفاقم الصراع الدولي، مرجع سابق.
[59] نجد الروقي، أزمات المنطقة تعطي دفعة للعلاقات السعودية-الإيرانية، اندبندنت عربية، 20 ديسمبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/Isf6adZ9
[60] د. محمود حمدي أبو القاسم، بوصلة السياسة الخارجية الإيرانية في ظل تفاقم الصراع الدولي، مرجع سابق.
[61] نجد الروقي أزمات المنطقة تعطي دفعة للعلاقات السعودية-الإيرانية، مرجع سابق.
[62] د. محمود حمدي أبو القاسم، حرب غزة والنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط،13 فبراير 2024، متاح على الرابط التالي:
[63] نجد الروقي أزمات المنطقة تعطي دفعة للعلاقات السعودية-الإيرانية، مرجع سابق.
[64] انظر:
أحمد عليبة، ما بعد التقارب السعودي-الإيراني: ماذا عن مستقبل تسوية الأزمة اليمنية؟، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 20 يونيو 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/NWlGgdV
[65] حسن فحص، إيران بين غزة والإقليم… محاولات الفصل بين المكاسب، مرجع سابق.
[66] تداعيات حرب غزة على نفوذ إيران الإقليمي، مرجع سابق.
العلاقات المصرية – الإيرانية في ظل «حرب غزة»… تقارُبٌ أم ترقُّب؟، الشرق الأوسط، 24 ديسمبر 2024، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/s1KBKEvz
[67] نسرين خرطوم، لماذا تسعى الإمارات إلى “فتح صفحة جديدة في العلاقات” مع إيران؟، بي بي سي عربي، 1 ديسمبر 2021، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/wu6KE75O
[68] كاميليا انتخابي فرد، النظام الإيراني يتستر على أهدافه الاستراتيجية من خلال إشعال المواجهات في المنطقة، العربية، 30 يناير 2024،https://2u.pw/Fxhm6YtC
[69] مهاب عادل، متغير “الجيوبوليتيك” وتأثيراته على إدارة الصراع (الإيراني- الإسرائيلي)، مجلة الدراسات الإيرانية، العدد18، أكتوبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/SLEXvgJy
[70] فهمي هويدي، التاريخ والدين فى العلاقة بين العرب وإيران، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 17 يناير 2011، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/myXcxKpJ
[71] رجا كمال- وكريم باكرافان، عسكرة النظام الإيراني، دنيا الوطن، 3 يناير2010، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/tpewrpz5
[72] د. محمود حمدي أبو القاسم، بوصلة السياسة الخارجية الإيرانية في ظل تفاقم الصراع الدولي، مرجع سابق.
[73] التوافق بين تركيا و إيران في حرب غزة وانعكاساته، المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية، 27 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/xFunp2xZ
[74] تركيا تدير علاقاتها مع إيران وأميركا بحذر، الشرق الأوسط، 16 أبريل 2024، متاح هلى الرابط التالي:
https://2u.pw/tHTnFsSa
[75] د. محمد السعيد إدريس، محادثات فيينا النووية وتحديات المشروع الإيراني، مرجع سابق.
[76] للمزيد حول هذه المواجهة والتقييمات المختلفة حولها، انظر:
د.نادية مصطفى- د.مدحت ماهر، “الردّ الإيراني” من رؤى متقابلة.. أين العدوان على غزة والمقاومة؟، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 27 أبريل 2024، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/6fP48s7v
[77] تقدير موقف: حسابات المواجهة بين إيران وإسرائيل وآفاقها، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 18 أبريل 2024، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/XVlzOaeI
[78] د. عبد الرؤوف مصطفى الغنيمي، حـدود تـأثـير الأطـراف المُعرقِلة لعودة العلاقات السعودية-الإيرانية، المعهد العربي للدراسات الإيرانية، 9 أبريل 2023، متاح على الرابط التالي: https://rasanah-iiis.org/?p=30907
[79] د. محمود حمدي أبو القاسم، بوصلة السياسة الخارجية الإيرانية في ظل تفاقم الصراع، مرجع سابق.
[80] سعيد الصباغ، ص54.
[81] تداعيات حرب غزة على نفوذ إيران الإقليمي، مرجع سابق.
[82] د. محمود حمدي أبو القاسم، حرب غزة والنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، مرجع سابق.
[83] المرجع السابق.
[84] المرجع السابق.
[85] تقدير موقف: هل تتغير المقاربة الأميركية نحو العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؟، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 8 أبريل2024: https://2u.pw/HGfnZou4
[86] د. محمود حمدي أبو القاسم، حرب غزة والنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، مرجع سابق.
[87] تقدير موقف: إدارة بايدن ومعضلة «اليوم التالي» للحرب الإسرائيلية على غزة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 23يناير 2024، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/3ubcmBq
[88]رانج علاء الدين إستراتيجية إيران في الحرب على غزة، 7 فبراير 2024، مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/rgtwFqE9
د. سامي العريان، السياسة الأميركيَّة في الشرق الأوسط بعد 7 أكتوبر: ملامح التخبّط والانهيار، الجزيرة، 12 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/9hydvmE
[89] عبد الله آدم، بعد حرب أوكرانيا.. هل تعزز “طوفان الأقصى” التقارب الروسي الصيني؟، الجزيرة، 17 أكتوبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/ZqY9aoX
كيف تعزز الحرب في غزة موقع روسيا والصين في الشرق الأوسط؟، مآلات، العدد46، موقع أسباب، نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/y4yTP3w
[90] د. منير موسى أبو رحمة- آسيــــة قـــــوراري، موقف إيران كقوة تعديلية في ميزان القوى الجديد في الشرق الأوسط، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية- 13 سبتمبر 2020: https://rasanah-iiis.org/?p=22106
[91] د. محمود حمدي أبو القاسم، بوصلة السياسة الخارجية الإيرانية في ظل تفاقم الصراع الدولي، مرجع سابق.
[92] نوح فسيفس، المتغيّر الإيراني في سياق السياسة الخارجية الروسية، موقع مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/d35zXs97
[93] المرجع السابق.
[94] نوح فسيفس، المتغيّر الإيراني في سياق السياسة الخارجية الروسية،
[95] حميد رضا عزيزي، إيران وإستراتيجيّة “التوجّه شرقاً”، مرجع سابق.
[96] رئيسي يزور موسكو الخميس لبحث الحرب على غزة مع بوتين، العربية، 5 ديسمبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/Q2JxLgXu
[97] تحصين النفوذ: إعادة التموضع الروسي في سورية عبر بوابة حرب غزة، مركز الإمارات للسياسات، 10 يناير 2024، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/kyxcHGqq
[98] لارا رجا الذيب، الأبعاد العسكرية للاتفاقية الصينية الإيرانية مركز الدراسات العربية الأوراسية، 19يناير 2022، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/Lsq8Bv8
[99] المرجع السابق.
[100] حميد رضا عزيزي، إيران وإستراتيجيّة “التوجّه شرقاً”، مرجع سابق.
[101] هل تضع هجمات الحوثيين علاقة الصين وإيران في مأزق؟، سكاي نيوز عربية، 29 يناير 2024، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/3IhuSgG
[102] Emad Khalili, The foreign policy of Islamic Republic of Iran: Ideology and Pragmatism in Iran, International Academic Journal of Social Sciences, Vol. 3, No. 5, 2016.
[103] ناصر قنديل، محور المقاومة وحصيلة أولية للامتحان، مرجع سابق.
[104] رانج علاء الدين إستراتيجية إيران في الحرب على غزة، مرجع سابق.
[105] تداعيات حرب غزة على نفوذ إيران الإقليمي، مرجع سابق.
[106] المرجع السابق.
[107] المرجع السابق.
[108] فهمي هويدي التاريخ والدين فى العلاقة بين العرب وإيران، مرجع سابق.