المرأة على خريطة العلاقات الدولية
مداخلة في مؤتمر: "المرأة في مجتمعاتنا على ساحة أطر حضارية متباينة" جامعة عين شمس، كلية التربية، 14-16 نوفمبر 2006
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
في البداية أعرب عن شكري لـ أ. د. علي ليلة على تنسيقه لهذا المؤتمر ودعوته منذ البداية لمشاركتي بهذه الورقة، وأشكر أيضًا مركز الدراسات المعرفية، ود. عبد الحميد أبو سليمان -مدير المعهد العالمي للفكر الإسلامي- على المشاركة في تقديم هذا المؤتمر، وبالطبع أرحب بضيافة كلية الآدب جامعة عين شمس قسم الاجتماع، وهذه ليست أول مرة أَشرف بالمشاركة في أحد الأنشطة، فأعتقد أن العام الماضي أو الذي سبقه شاركت في مؤتمر أيضًا عن الأسرة ولكن برئاسة جلسة وليس بإعداد ورقة. كما أعرب عن سعادتي برئاسة المفكر القدير أ. سيد ياسين للجلسة، والتواجد بهذه الجلسة مع الزميلة العزيرة أ.د. نيفين مسعد، والتعرف أيضًا لأول مرة على د. حنان.
موضوعي عنوانه كان صعبًا عليِّ حتى أنني لم أعرف كيف أبدأ فيه. ولكن أعتقد أن موضوع “المرأة على شبكة العلاقات الدولية”، كموضوع من موضوعات هذا المؤتمر، الذي يحمل عنوان “المرأة في مجتمعتنا على ساحل أطر حضارية متباينة”، يكتسب دلالته من اعتبارين أساسيين:
أولهما: أن تطورًا في مجال العلاقات الدولية تنظيرًا وحركةً وفكرًا يستدعي الاهتمام الآن وعلى درجة غير مسبوقة بالأبعاد الثقافية والحضارية على نحوٍ يعكس آثار عمليات العولمة المتعددة الأبعاد، سواء على الأصعدة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية.
هذة التأثيرات العولمية تتسم بأمرين أساسيين: من ناحية ما أضحى عليه الجدل بين الثقافي-الحضاري وبين السياسي-الاقتصادي من ناحية، وما أضحى عليه الاختراق الخارجي للداخلي للمجتمعات والدول من ناحية ثانية.
الأمر أو الاعتبار الثاني: الذي أُسكِّن على ضوئه موضوع ورقتي في نطاق المؤتمر، هو أن أوضاع المرأة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية بصفة خاصة -مقارنةً بغيرها من مجتمعات العالم- قد أضحت ساحة خصبه وأساسية لاختبار التضاد أو المواجهة أو المقابلة بين منظورات حضارية مؤثرة على عمليات التغيير السياسية والمجتمعية الجارية في المجتمعات. بعبارة أخرى، إن الحديث الآن عن أوضاع المرأة بين أطر حضارية مقارنة، هو حديث للفكر الدولي والحركة الدولية بدرجة أساسية، وليس حديثًا يقتصر على الإطلاق على الأوضاع الوطنية والإقليمية فقط. كما أنه أيضًا حديث في الأبعاد الثقافية إلى جانب الأبعاد السياسية.
وهو الأمر الذي يفرض تحديات مهمة على وضع المرأة؛ باعتباره مدخلًا من مداخل التغيير المجتمعي، وباعتبارها أيضًا وباعتبار مشاكلها تمثل تجسيدًا لمشاكل الأمة الإسلامية على امتداداتها في ظل الوضع الراهن من النظام الدولي، وهو نظام العولمة.
لهذين الاعتبارين في الواقع، فإنني أقترب من موضوع الدراسة باعتباري أستاذة في تخصص العلاقات الدولية وليس –على الإطلاق- باعتباري نشاطة مدنية أو حقوقيه أو حتى متخصصة في دراسات المرأة؛ لأن دراسات المرأة أضحت مجالاً دراسيًا متميزًا داخل مجالات الدراسات الاجتماعية والإنسانية. أقترب من هذا الموضوع أيضًا بصفتي إنسانة ولست مجرد امرأة تهتم بقضايا المرأة. ولذلك أقترب من قضايا المرأة ليس بحكم وزاع النوع، ولكن بحكم وزاع الاهتمام بالسياق الأسري والمجتمعي وفي قلبه المرأة وغيرها من الفئات.
كذلك الاهتمام بوضع هذا السياق الأسري والمجتمعي في عمليات وتفاعلات العولمة؛ لأن هذه العولمة تفرض تحديات متجددة على الأمة الإسلامية بأسرها، ابتداءً من مستوى الفرد، مرورًا بالأسرة، والمجتمعات، وصولاً إلى الدول والمؤسسات الجماعية. بعبارة أخرى، فإن منهاجية اقترابي من الموضوع وإن كانت تعكس تخصصي باعتبار أن قضايا المرأة أضحت من القضايا الدولية المعاصرة، فإن هذه المنهاجية تعكس وتترجم من ناحية أخرى –كما تفضل أ. سيد ياسين وهو يقدمني- منظورًا حضاريًا لقضايا المرأة، وهو جزء من منظور حضاري شامل لدراسة العلاقات الدولية نظريةً وفكرًا وواقعًا من مدخلٍ: قيمي- إنساني، مقارنةً بمنظورٍ:عولمي- مادي- حقوقي- علماني.
النقطة الثانية: التي أريد أن أتحدث فيها بالإضافة إلى هذه المقدمة العامة (التي توضح كيف سأقترب من موضوع دراستي، وما هي حقيقة الموضوع) هو أن هذه الدراسة أيضًا، وأقولها: هي نتاج تفاعلي بين هاتين الصفتين: كأستاذة في العلاقات الدولية، وكباحثة من منظورٍ حضاري في مجال من مجال العلوم السياسية وهو العلاقات الدولية. بهاتين الصفيتين في الحقيقة –وليس بغيرهما- تفاعلت مع العديد من الدراسات والملتقيات الخاصة بأوضاع المرأة، والتي شغلت فيها طوال ما يقرب الآن من عقدين، والحقيقة وصلت منذ عدة أشهر أو ربما عام إلى أن أرفض المشاركة في أي نشاطٍ أو ملتقى أُدعى إليه بصفتي امرأة؛ لأن موضوعاتها جميعًا انصبت على المرأة فقط، ولكنني هذه المرة لم أستطع أن أرفض طلبًا للأستاذ الدكتورعلي ليلة واعتبرت أن مشاركتي في هذا الموضوع من قبيل الاستثناء؛ لأنني أشعر أن الأمر يأخذ أبعادًا أكثر مما كنت أعتقد أنني أستطيع أن أشارك فيه.
ولكن أريد أن أتحدث معكم عن كيفية بداية ارتباطي بهذا الموضوع وبداية تفكيري وعملي فيه حتى بدأت أنقطع عنه قليلاً. الحقيقة بدايةً ترتبط لدي بثلاث وقائع أساسية لها دلالات معينة؛ فالواقعة الأولى مثلت أول مشاركة لي في مؤتمر عن المرأة كان عن الراحلة الدكتورة عائشة عبد الرحمن -وكان من تنظيم جمعية المرأة والحضارة التي ترأسها د. منى أبو الفضل- أول من تكلمت عن موضوع وجود منظور حضاري لدراسات المرأة، والتي كنت أتمنى أن تشارك في هذا المؤتمر- وكان يرأس الجلسة (التي كنت أتحدث فيها عن قراءتي لما كتبته د. عائشة عبد الرحمن على صفحات الأهرام الكشف عن رؤيتها للتحديات التي توجه الأمة الإسلامية) المستشار طارق البشري الذي لم يعقب على ورقتي ولا على أية ورقة أخرى في هذه الجلسة إلا بسؤال واضحٍ وصريح: “ها يا د. نادية: هل شعرتي وأنتي تقرأين للدكتورة عائشة عبد الرحمن أنها امرأة؟” –فالمؤتمر كان عن المرأة- وما فهمته أن سؤال البشري لم يكن استفساريًا بل كان سؤالاً تقريريًا؛ حيث شعُرت بالفعل وأنا أقرأ للدكتورة عائشة عبد الرحمن أنها إنسانة تتفاعل مع قضايا أمتها الإسلامية على كل المستويات وليس لمجرد كونها امرأة. فهذه هي بداية الفكرة التي منها وعليها بدأت أتأثر بهذا الأمر وأنظر إلى واقع قضية المرأة كقضية دولية معاصرة وبأكثر من طريقة وبأكثر من بعد.
الواقعة الثانية، هو حين تم غزو أفغانستان. وكان أحد المبررات التي برر بها المحافظون الجدد تدخلاتهم في أفغانستان، وكانت ذات ادعاءات ومبررات عديدة؛ مثل وضع المرأة في أفغانستان وحقوق الإنسان، حتى قبل ضرب برجيّ التجارة العالميين بواسطة القاعدة.
الواقعة الثالثة: هي وفاة الدكتورة “زهيرة عابدين” وما كتبتُه يومها عنها باعتبارها عالمة ربطت بين مجال العلم والخدمة الاجتماعية واجتهدت في أن توفر مجهوداتها الذاتية دون الحاجة إلى تمويل أجنبي.
فهذه الأمور الثلاثة بَنيتُ عليها وظللت لعدة سنوات أحاول أن أرسم وأحدد خريطة قضايا المرأة بين القضايا والتحديات التي تواجه الأمة الإسلامية كلها وليس بانفصال عنها على الاطلاق. وبذا أضحت قضايا المرأة رافدًا من روافد تخصصي وساحة لاختبار منظوري في مقابلة مع منظورات أخرى. فلم تكن المرأة شغلي الأوحد، ولم يكن اهتمامي بقضايا المرأة إلا لاعتبارها قضية حضارية من الدرجة الأولى.
ولهذا، فإن حديثي من المفترض أنه يركز على مستويين:
المستوى الأول: خاص بالوقائع والأحداث التي توضح أن وضع المرأة ركن ركين من التحديات التي تواجه الأمة كلها في ظل تصاعد الأبعاد الثقافية والحضارية في ظل العولمة، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، وكمستوى ثانٍ خاص بالمنظورات الحضارية المتقابلة حول المرأة وأبعاد الجدال بينها.
فهناك كلمة من الكلمات التي قالها د. الجوهري في صباح اليوم: “إننا نحتاج حين نغير أن ننظر إلى الخارج حتى لا يقتصر تغيرنا على الداخل فقط. وإننا يوجد عندنا مشاكل في وضع المرأة لابد من وضع أيدينا عليها أولاً قبل أن نوجه اتهامات إلى وضع المرأة في الخارج، هذا حقيقي. ولكن الأمر الآخر أو الوجه الآخر للعملة: أن ساحة المرأة والأسرة أو المجتمع في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ليست متروكة سُدًا، ولكنها موضع تخطيط إرادي واضح ليس من قبيل المؤامرة ولكنه أمر واقع عليه مؤشرات كبيرة تتبلور على عديد من المستويات تبين أن هناك سياسات تنظر إلى ضرورة التأثير في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ليس من أعلى فقط ولكن من أسفل بصفة أساسية. ولذا، أود أن أؤكد على أنني لن أخوض في كلام معقد يصعب فهمه على غير المتخصص، وأنني حاولت أن أرسم خريطة ووضع المرأة وضع المرأة المسلمة على شبكة العلاقات الدولية –بأحداثها ووقائعها شديدة التداخل والتعقيد- وكيف أنها تمثل جانبًا محوريًا في التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية في محيطها العلمي.
هذه الخريطة لخصتها في المحاور الآتية:
أولاً: المرأة في الصراعات المسلحة
– المرأة اتُخذت حمايتها كذريعة من ذرائع التدخل العسكري أو الدولي كما في حدث أفغانستان ويحدث الآن في ظل أزمة دارفوار.
– المرأة أداة من أدوات تنفيذ أهداف الحروب: الاغتصاب كعملية منظمة ومقصودة، كما حدث في البوسنة والهرسك وكوسوفا على سبيل المثال، هو اغتصابٌ لأمة وحضارة ومنظومة قيم.
– هي المرأة الاستشهادية في فلسطين، والمرأة المقاومة في لبنان.
– المرأة وإعادة البناء في الدول التي مزقتها الحروب أو التي تدخلت فيها التدخلات الخارجية باسم التحول الديمقراطي وحماية حقوق الإنسان ولكن حدث العكس؛ فأين دور المرأة في إعادة بناء العراق، وأين دور المرأة في إعادة بناء كوسوفا؟!
ثانيًا: المرأة وتقنين مبادئ العولمة بواسطة الأمم المتحدة
حيث إن المعاهدات والاتفاقات الدولية الخاصة بالمرأة صارت أسلوبًا من أساليب التدخل الخارجي في عملية التغيير المجتمعي والثقافي تحت شعارات “حقوق الإنسان”. وهنا لعل ما لا أنساه زيارة قامت بها إحدى باحثات مؤسسة “Freedom House” كانت تُجري بحثًا مقارنًا عن وضع المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسألتني وحين قلت لها رأيي: لماذا أتعجب أن يحدث تدخل خارجي فيما يتصل بشئون المرأة رغم أن وضع المرأة عندنا متردي ويحتاج إلى تغيير. فقلتُ لها: يا سيدتي، إن أردنا أن نغير فيجب أن يكون التغيير بأيدينا ووفق ما نراه من نموذج يتفق مع أعرافنا وتقاليدنا واحتياجاتنا وخصائص مجتمعنا وليس وفق وصفات جاهزة تأتوا بها إلينا!
أيضًا تحت نفس هذا البند، أجد أن في مقابل العنف القسري ضد حقوق المرأة وفق شعارات حقوق الإنسان، كما حدث مثلاً في قضية الحجاب في فرنسا وما يجري بشأن قضية الحجاب في تونس الآن. هناك أيضًا مقابل هذا توظيف إعلامي عالمي لما يُسمى “المسلمات المضطهدات” الذين يتحدثون عن اضطهادهم كنساء من واقع مجتمعاتهم الإسلامية واللائي يُصعدنَ تصعيدًا كبيرًا على المستوى الأكاديمي والمستوى الإعلامي تشجيعًا لهن على هذا التوجه.
ثالثًا: دور المرأة في المجتمع المدني العالمي
للمرأة الناشطة والفاعلة في مثل: حركات مناهضة العولمة، والعمل التطوعي ضد الفقر وضد العنف، وهنا أتسأل عن أسباب الاهتمام العالمي بما يسمى “الداعيات الجدد” من الفنانات المعتزلات، والتغطية الإعلامية الكبيرة جدًا عن الأستاذة الإيرانية التي حازت على جائرة نوبل.
رابعًا: المرأة في حوار الأديان وحوار الثقافات
فهناك الحوارات حول حقوق المرأة في الإسلام في مقابل الشبهات التي تدور حولها، بينما يجب ألا يتم تناول الأمر على مستوى التخصيص- كما قال د. محمد الجوهري الذي تكلم عن أنه كفانا كلامًا عن وضع المرأة في الإسلام- لأن الأمر يجب أن يُنظر له مرة أخرى عبر مقارنة بين وضع المرأة المسلمة المتدهور في العالم الإسلامي ومعنى وضع المرأة المتقدم في العالم الغربي. ولن ننجرف إلى منزلق سب المرأة في الغرب -كما يقول- ولكن نحتاج إلى أن نقارن: ما معنى التقدم في وضع المرأة الغربية في ظل شبكات الاتجار بالمرأة والدعاية والفنون وأنماط وأسباب العنف الذي تتعرض له المرأة مقارنةً بأنماط وأسباب العنف الذي تتعرض لها المرأة في الشرق، فالمرأة في الشرق ربما تتعرض بالأساس للعنف من نمط طمع الزوج في دخلها أو مرتبها، لكن المرأة في الغرب تتعرض للعنف بأشكال مختلفة لأسباب مجتمعية هيكلية مثل: تفكك الأسرة، انفلات الشارع إلى الدرجة التي تصل فيها نسبة النساء المغتصبات بنسبة 1 : 5 لكل امرأة في الولايات المتحدة وحدها!
خامسًا: المرأة في النظريات الأكاديمية
إنها ساحة لاستكشاف دلالة الأنساق المعرفية المتقابلة: حيث يختلف إطار النظر للمرأة وقضاياها باختلاف طبيعة النسق المعرفي والمنظور المنبثق عنه؛ فمن نظريات النوع، والنظرية النسوية للعلاقات الدولية، إلى المنظور الحضاري والنسوية الإسلامية. ولعل الجلسة الصباحية تضمنت كلُ هذه الأمور التي يدور حولها الجدل مما يغنيني عن الخوض فيه. وغيرها هذا الجدل بين رأي وآخر مبعثه اختلاف بين منظورات حضارية مقارنة في النظر إلى وضع المرأة وما يواجهها من التحديات -وأعتقد كان يوجد بها إشارات كثيرة في هذا الأمر لا أريد أن أخوض فيها ولكن أريد أن أختم بنقطتين أساسيتين: ما دلالات كل ما قلته بأن ثمة زخم جديد فما يتصل بقضايا وضع المرأة على شبكة العلاقات الدولية على نحو -كما قلت- يؤكد أنها ليست على الإطلاق قضية داخلية ولكنها قضية دولية، والمؤاشرات على ذلك عديدة على نطاق الأصعدة العالمية والإقليمية.
الأمر الثاني: عمليات التغيير المجتمعي الداخلية لا يمكن أن تظل بمعزل عن هذه العمليات الخارجية وإن هناك خطابات متقابلة في هذا الأمر.
النقطة الأخيرة أو الخلاصة مما ذكرت، هي ثلاث نقاط أساسية
النقطة الأولى: إن الأزمة التي نتحدث في سياقها عن وضع المرأة على شبكة العلاقات الدولية هي أزمة فكرية أيضًا وليست مادية فحسب، ومن ثم تحتاج إلى مشروع حضاري متكامل ليست المرأة إلا جزءًا منه؛ لأن الأمة والأم صنوان. فلا يجب أن يتم اقتطاع المرأة من سياقها أو اختزال مشاكلها في مشاكل نوعية فقط. فأزمة المرأة المسلمة والعربية هي جزء من أزمة الأمة الإسلامية جميعها.
النقطة الثانية: إن التغيير الداخلي بصفة عامة، وليس في وضع المرأة فقط، تحت وطأة شدة التدخل والاختراق الخارجي هو عملية أضحت في غاية الصعوبة والخطورة؛ لأنه لن يكون ثمة إصلاحٍ رشيدٍ على الإطلاق في ظل هذا الاختراق بل تحدث عمليات تشوش وعرقلة وتفكيك لعُرى التجديد والإصلاح في الأمة على إثر ضخامة التدخل الخارجي، ولعل مسار الخبرة المصرية عبر قرن تُبيّن هذا.
النقطة الثالثة: أن وضع المرأة المسلمة في حاجة إلى إجراءات عملية محددة. أقترح بعضها. ومن أهمها التشبيك بين الجمعيات أو المراكز المهتمة في قضية وضع المرأة من منظور حضاري مقارن وأخذ هذا الأمر بجدية مثلما يأخذ التشبيك بين نظائر هذه الجمعيات التي تعمل وفق تمويل أجنبي أو وفق أجندة أجنبية؛ لأن هذا ضروري على صعيد المجتمع المدني العالمي لعله يستطيع أن يخفف قليلاً من وطأة السياسات العالمية (بكل أدوات القوة الصلبة والرخوة التي تستخدمها هذه السياسات التدخلية الخارجية؛ حيث إن العلاقات الدولية الراهنه ليست علاقات دول فقط أو علاقات بين حكومات فقط ولكنها أيضًا علاقات بين شعوب وأمم وجمعيات وأفراد. وإذا كانت للعولمة سلبيات، فإن للعولمة أيضًا إيجابيات يجب علينا أن نُحسن توظيفها لخدمة الحركة المدنية والمجتمعية عبر الحدود القومية للدول الإسلامية وبينها وبين دول العالم الأخرى، وقبل هذا وذاك بين بؤرنا الوطنية، ففي الآونة الأخيرة: تم عقد مؤتمر عن المرأة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وفي جامعة عين شمس عُقد مؤتمر عن المرأة، وأ.د. سعاد صالح في جامعة الأزهر عقدت أيضًا مؤتمرًا عن المرأة، ولكن أين مخرجات هذه المؤتمرات؟! فنحن نتكلم عن نفس القضايا ونفس المشاكل ونفس الأفكار ولكن لا نتحرك على الإطلاق خطوة للأمام لتفعيل الحركة.
على سبيل المثال، وهذه آخر كلمة سأقولها، ما قيل عن المنقبات وعن الإعلام، فإذا كان البعض يقول بمنع النقاب لدواعي أمنية، فأنا أرى أن التصدي لما يحدث في الإعلام الوطني والإعلام الدولي ولو بحركة تغيير جماعية هو الأمر الأولى بالعمل والشروع فيه؛ فأمر كإخلال مَنْ يتستر وراء النقاب بالأمن العام يمثل مسالةً جزئية، في حين هناك قضايا أخرى ذات خطورة قصوى على الأمن الاجتماعي في بلادنا وفي مقدمتها خطورة ما تبثه بعض وسائل الإعلام (الوطني والعالمي) من محتوىً يعارض منظومة القيم الحضارية العامة في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية، والتي غنيٌ عن البيان أن الأخوة المسيحيين يشاركونا فيها وإن كانت لهم أطر مرجعية دينية مختلفة.
وأخيرًا، أشكر لكم حسن الاستماع.