القيم والسياسات العامة رؤية تأسيسية
القيم والسياسات العامة: رؤية تأسيسية
25/03/2009
جاء اللقاء الرابع لملتقى الحضارة–بالتعاون مع مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات بكلية الاقتصاد- حول “القيم والسياسات العامة”، استكمالاً لبنية الملتقى في عامه الثاني في إطار خيط ناظم قوامه “الأمة .. رؤى وقضايا“، بعد ثلاثة لقاءات سابقة في نفس الإطار؛ طرحت أ.د. نادية مصطفى في أولها رؤية حول مشاريع النهوض الحضاري في الأمة الإسلامية، منطلقة منها إلى العدوان على غزة كحدث كاشف لحالة الوهن التي تعيشها الأمة. وقدم المستشار طارق البشري في اللقاء الثاني رؤية أكثر شمولاً حول أحداث غزة، مسترجعًا الأبعاد المختلفة للقضية الفلسطينية. ثم انتقل أ.د. سيف عبد الفتاح في اللقاء الثالث ليقدم رؤية منهاجية في محاولة لتفسير وفهم حال الأمة، فتحدث عن الظاهرة العشوائية: أسبابًا ومظاهر وآليات تعامل؛ ممثلاً بمصر كنموذج للتفكير والتخطيط والتنفيذ العشوائي
.
وفي هذا الإطار، جاء اللقاء الرابع تحت عنوان “القيم والسياسات العامة”، والذي تحدثت فيه د. بسمة عبد الغفار(*) انطلاقًا من كيفية تفعيل القيم الإسلامية في المجتمع والسياسات العامة من موقع الأكاديمي المتخصص.
ومن ثم، تضمن عرض د. بسمة المحاور التالية:
– عوامل دعم القيم في المجتمع.
– القيم والسياسات العامة: بين الدولة والمجتمع.
– مجالات تفعيل القيم.
أولاً- عوامل دعم القيم في المجتمع:
– مدى التعاطف الأسري: “الحال السوية للطفل”؛ فالأسرة المتفككة -خاصة مع فقد الأب- تنتج نتاجًا ضعيفًا. وهنا تبرز إشكالية الطلاق، بين كونه علاجًا لمشكلة ومصدرًا لمشكلات…
– تحدي الفردية حتى ضمن شبكة العلاقات الاجتماعية، مقابل شبكة العلاقات الفردانية.
– تناسب العقاب مع الجريمة؛ فالجاني يوازن بين حجم الجريمة وعقابها وبين مكاسبها.
– قيمة العدالة ودورها في توزيع الموارد داخل المجتمع.
ثانيًّا- مجالات تغير القيم:
أحدثت التطرات العالمية تغيرًا كبيرًا في عديد من القيم علىأصعدة عدة، من أبرزها:
1- قبول التعددية متزايد/ تسامح.
2- القيم المتعلقة بالأسرة.
3- قيم النجاح.
4- بين العمل واللهو/ الفراغ.
5- مفهوم الصحة.
6- القيم المتعلقة بالغنى والفقر؛ فهناك ثلاث مراحل للثراء:
أ- بداية الثراء: ويغلب عليها شعور الاندهاش بالثراء، والحرص على العمل، وسياسات تأمين المستقبل.
ب- استقرار الثراء: ويغلب عليها شعور بأن الثراء خالد والساعة غير قائمة، سياسات مساعده الآخرين.
ج- مرحلة الخوف من ضياع الثروة: الحرص على الثروة، والمطالبة بمقابل للمساعدات للخوف من النقص.
7- العلاقة بين خيارات الفرد، وروابطه بالمجتمع؛ حيث تشهد توترًا واضحًا ما بين: حرية أوسع وروابط أضعف، وتثير إشكالية القيود الاجتماعية. (فعلى سبيل المثال، هل تعتبر سياسة التمكين التعليمي للمرأة في غير صالح المجتمع في النهاية، أو أنها فجوة لغير صالح الزواج؟)
8- الأسرة: معضلة “الوقت” المتاح للتلاقي؟
(المشاغل اليومية – تأثير الرأسمالية – تأثير الصناعة – تأثير الدينوية المادية…).
9- تعريف القيم الأسرية
(الإيمان بالله – احترام الوالدين-…)
10- مفهوم النجاح/ قيمة النجاح
12- مفهوم العمل ووقت الفراغ.
ثالثًا- القيم والسياسات العامة: بين الدولة والمجتمع:
تثور إشكالية حول كيفية تفعيل القيم في المجتمع، ودور كل من الدولة (الحكومة) والمجتمع في ذلك.
ويبرز الحديث –في هذا الإطار- عن ضرورة صياغة سياسات عامة تركز على الأسرة وترسيخ القيم لديها (كيف نعيد بناءها /تفعيلها/ حمايتها)، والحديث عن قيمة الزواج (القيمة المجتمعية: التي تبني وتقوي المجتمع). كما تبرز الشورى كقيمة مجتمعية، ودورها في نشر وترسيخ القيم.
ويبرز دور الحكومة في عملية ترسيخ القيم من خلال:
– إعادة تفعيل فكرة “المجتمع”، والتأكيد على أن أهمية الفرد (الفردية) وحريته لا ينفي علو قيمة العدالة عليها، فعلى الرغم من أن الفكر الفرداني يحبذ محدودية دور الدولة إلا أن الأفراد ذواتهم قد يفضلون فعالية دور الدولة في بعض الأحيان.
– تصحيح وإعادة توزيع الحقائق في المجتمع.
– الاستعانة بالشخصيات العامة وتفعيل دورهم في نشر القيم في المجتمع.
– بناء مؤسسات فعالة.
– احترام قيمة الإنسان.
– ترسيخ فكرة “الخدمة” العامة، من خلال تقديم نمذج عملي للمواطنين (الأداة بالعمل).
المداخلات:
** تعليق د. نادية:
بدأت د. نادية تعليقها بالإشارة إلى الاتفاق المبرم بين برنامج الدراسات الحضارية وحوار الحضارات وبين كلية الدراسات الإسلامية بقطر لعقد محاضرات متبادلة.
ثم أشارت إلى أن مفهوم “هم ونحن” لدى د. بسمة يشير إلى المسلمين/ العرب/ المصرين (نحن) من ناحية، والغرب (هم) من ناحية أخرى. وأشارت إلى أن مجرد وجود الدين أو القيم غير كافٍ، بلا لابد من عملية تفعيل ومراقبة، وأن المنهج القائم على التأصيل الإسلامي يمكن أن يقدم نموذجًا للغرب للحل نتيجة ما أحدثته الفردية والأنانية والمادية.
وأكدت على أن السياسات العامة تتصل بصميم وجوهر الإنسان المواطن، لكنها تتصل أيضًا بالعلاقات الدولية والسياسات العليا..
* أ. علي (طالب بكلية تجارة القاهرة):
صدرت دراسة عن البنك الدولي تشير إلى أن ضعف نمو الاقتصاد هو نتاج ضعف التعليم، فهل التعليم هو سبب ضعف الاقتصاد أم سبب آخر أضعف الاقتصاد؟
* محمد محمد عطية (الفرقة الثالثة علوم سياسية – عربي):
أيهما أقوى في الإصلاح: الدولة أم المجتمع؟ ومتى يحدث الصراع بينهما؟
* الفرقة الثالثة علوم سياسية
لم تعد الجريمة والتفكك الأسري يمثلان مشكلة الآن في الغرب، لأنها أمور متسقة مع المنظور المعرفي الغربي، لكن كيف يتفاعل المنظور الحضاري الإسلامي معها؟
* عمر سمير (الفرقة الثالثة علوم سياسية):
· السياسة العامة تخصيص القيم… والقيم موجودة لكن من ذا يحيها؟
· ثقافة التغيير أم تغيير الثقافة؟
* د. زينب الخضيري:
– اتسمت التجربة الكندية بفرادة برزت في تعليم الأولاد اللغة العربية والدين (تطور التجربة الكندية من مشكلة سنة 1973 إلى تواجد مدارس إسلامية بعد ذلك)، وحاصل ذلك حكومة متسامحة ومجتمع قوي فعّال.
– القيم الدينية: النظام قوى لدرجة الانفتاح على الأديان المختلفة… والقيم تتطور بحيث تحقق مصالح عمود المجتمع وهو المواطن… لكن عندنا نظام معلَّق في الهواء، واستيراد النظام الغربي استرادًا شائهًا، دون أن نبذل مجهودًا لتوفيقه مع التراث، فحدث الاغتراب والتفكك.
– مثال: طه حسين ومؤتمر 1936، كتب مذكرة “مستقبل الثقافة في مصر”: بذل مجهودًا واهتم وحارب بعد هذا… ثم هاجم الغرب واليونسكو وطرق تحويلها للدول.
فهناك حاجة إلى هذا النمط من التفكير: المقارنة، التفعيل، الاختبار للأفكار والنظم القيمية…
محاضرة علمية دعوية إصلاحية…
* أحد المشاركين من جامعة الجزائر:
أهمية الموضوع، والمهم ربط السياسات العامة بالقيم… وأتمنى لو أوضحت في بيان دور الحكومة في ذلك؟
أ- قيم محورية أساسية توجه القيم في المجتمع…
ب- تأثير الحكومة في إعداد السياسات على منظومة القيم في المجتمع (تدعم قيمًا إيجابية، تبدل بعض القيم، تضيف قيمًا جديدة، تصحح قيمًا سلبية.
ج- مؤسسة المجتمع المدني: الواقع بين الحكومة والمجتمع…
كيف نفعّل دور القيم في المجتمع؟
* رجب:
– غيبة قيمة الجمال في المجتمع المصري… (في الشارع – في اختيار الزوجة…)
– قيم أخرى غائبة: الخير، العدل، التسامح، الخير، الحوار، المشاركة، الضمير، العمل، القيم…
– أهمية الأسرة: ضرورة إعادة بناء وإحياء القيم مثل المفاهيم.
* إيمان (الجزائر –معهد البحوث):
– العقيدة تغير الوحي – والسياسة العامة تغير الواقع…
– الإسلام غيَّر الوعي العربي، لكن لا نستطيع أن نثبت أن الإسلام غيَّر نمط الحياة، الدولة الفارسية والدولة العباسية سواء…
– مالك بن نبي: الإنسان جوهر التنمية- مفهوم غامض وغير تقني لصانع السياسة.
* د. سيف:
محاولة تسكين المحاضرة في عنوانها وبالأخص التوقف عند الأمثلة التي طرحتها د. بسمة.
1- أولها: القيم الأسرية:
المؤسسات حين تتقارب منها الصلات الاجتماعية والقرابة تقل قوانينها وقواعدها القضائية حتى تتقدم ويصبح أصلها الحب والرحمة – وكلما اتسعت وتعددت كانت القواعد أقل.
2- السياسات المتعلقة بالفقر ومواجهة الفقر:
الإفقار في بر مصر: المشكلة ليست مواجهة الفقر، بل ثمة عملية للإفقار المتعمد، بما يمكن تسميته “امتداد حزام العشوائية حول المدن”، وميزان العشوائية في ومع الخصخصة شهدت انسحاب الدولة من المجتمع ككل وتركت الناس، فوُجِدت حيث يجب ألا توجد، وافتُقِدَت حيث يجب أن توجد.
3- مواجهة السلوك الانحرافي:
وهنا تتبدى مؤشرات التنمية في ظلم شاب عاطل يمكن أن يتحول إلى مشروع مدمن… وانفراط العقد كما تنفرط المسبحة.
4- أخلاقيات العمل:
تقسيم العمل والصلات الاجتماعية…
يرى ابن خلدون أن الناس اختلفوا حتى يأتلفوا… والتنوع الوظيفي يقتضي تقسيم العمل. وأتذكر هنا تعريف السياسة، حتى في كتب الفلاسفة…، سياسة المرء لنفسه، ثم لأهله، ثم لخاصته، ثم لعموم الناس… حتى في كتب النصيحة … هذه هي السياسة من الإنسان (الفرد) إلى الإنسان (الإنسانية).. فالإنسان في هذه المحاضرة هو وحدة التحليل، وليس الفرد، فلقد تعدت الفردانية…
5- أنساق الفلسفة:
أنساق الوجود- المعرفة- القيم، ولكل منها صلة بعضها البعض، قيم الوجود وقيم المعرفة…
(المجتمع وليد فضائلنا… والدولة وليدة شرورنا) فلقد تخلفت الدولة في الحضارة الإسلامية ردحًا طويلاً من الزمن، لكن المجتمع هو الذي ظل يحمي الدولة.
6- السياسات العامة ونظريتها:
– اعتنى الغرب بميكنة السياسات العامة وجوانبها الإجرائية، ثم تحدث عن اقتصادياتها… لكن د. بسمة اليوم تتحدث عن أبعاد أخرى، أنهم بدءوا يشعرون بأن بناء السياسات العامة بالميكنة لا يكفي، فلا تزال بحاجة إلى علوم: اجتماع السياسة العامة، علم تربية السياسة العامة،علم نفس السياسة العامة.
د. بسمة
ردود
7-التعليم هو المرحلة الثانية للإنسان بعد البيت… في مصر وقطر إشكال كبير… ماذا نفعل بالمنتج التعليمي … التعليم العام في كندا التعليم العام يصنع فارقًا… أهمية خبرة سنغافورة
8- في مجال الأسرة المجتمع هو الأقرب للإصلاح
· في حالة صراع القيم بين المجتمع والدولة: الهدوء- السلام- التعليم
بصراع بسيط أو من غير صراع
(الفارق بين سياسة أهل الأرض والعلو في الأرض: إن فرعون علا في الأرض.
– بالنسبة لدكتورة زينب شعرت أن الرسالة أننا في مصر لا نستطيع أن نفعل شيًا، لكن يمكن أن نفعل شيئًا مهم أن “نتألم” / نتوجع لما نرى من مظاهر مؤلمة وموجعة.
– الأمر الثاني أن يحمل بعضًا بعضًا شيئًا ما. قيمة “التكافل” و”التضحية”.
– وإذا كانت الجامعة مكانًا جيدًا للحديث عن الأسرة والزواج فإنه كذلك الحكومة والسياسات العامة فرصة للتحدث عن القيم.
– قيمة الجمال مؤكد أنها غائبة…
بالنسبة لقضية التنمية ودور الإسلام فيها:
– صنع الإسلام مجتمعًا مليئًا بقيم السلام والتعليم وتعظيم قيمة الإنسان.
– أثرى ما كان مجتمعنا ما كان تحت قيادة إسلامية.
– وكانت الحضارة مزدهرة بازدهار القيم ثم انحطت بانحطاطها.
د. نادية: شكرًا د. بسمة.. وأحب أن أشير إلى الخبرة التركية، من حيث التغيير انطلاقًا من تفعيل منظومة القيم الدينية ومن خلال المجتمع المدني لا الحكومات.
هذا على الرغم من علمانية مفروضة 80 سنة دون صراع مع الحكومة ولكنه حركة في المجتمع وإصلاحًا … بناء على قيم الخير والعطاء والبذل، والإيمان بالله، الأسرة، العفة والطهر، والأخلاق،… والرجوع إلى الدين وتفعيل كل هذا في التنمية وإصرات نموذج مجتمعي.
وقام ذلك على مفهوم الهم والهمة والعزيمة والخدمة… كل فرد يعطي على ضوء إيمانه وشعوره بالمسئولية… هذه حركة تقتضي الوعي بها ودراستها والاستفادة منها في حالتنا المصرية ليشع المجتمع المدني تغييرًا كليًّا تنمويًّا وسياسيًّا –وربما علميًّا- دون الاصطدام بالحكومة…
وهذه المحاضرة تضم إلى حوار خبرات تحاورت فيه د. بسمة مع نفسها بشقين: خبرة غربية حياتية، وخبرة إسلامية عربية ذاتية معرفية
* أستاذ السياسات العامة، كلية الدراسات الإسلامية، قطر.