الاقتصاد السياسي للحرب: التمويل – الممارسات – الآثار

مقدمة:

في الخامس عشر من أبريل 2023، اندلعت شرارة الحرب بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني في الخرطوم ثم انتشرت في ولاياتٍ أخرى، وسط اتهاماتٍ متبادلة بشأن من أطلق الرصاصة الأولى[1]. وتتعدد الأسباب وراء اندلاع الصراع، سواء كانت داخلية مثل: ميراث النظام السابق فيما يتعلق بخلق بيئة تنافسية أو صراعية بين الأجهزة الأمنية لضمان مصالحه، والصراع على السلطة والثروة، والخلاف حول تفاصيل إدارة العملية الانتقالية، أو التدخلات الخارجية لإحباط عملية التحول الديمقراطي بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير أو لدعم وكلاء في الداخل[2]، ذلك حتى وصفت مجموعة الأزمات الدولية النزاع بأنه “صراع إقليمي بالوكالة”[3].

في هذا السياق، تُلقي هذه الورقة مزيدًا من الضوء على ديناميات اقتصاد الحرب السودانية، مستفيدةً من المقولات النظرية المتعلقة باقتصاديات الحروب الأهلية فيما يتعلق بتفسير اندلاع هذه النوعية من الصراعات، وما يتصل بها من ممارسات وشبكات تمويل وتدخلات وتداعيات؛ بغية تحقيق فهم أفضل لجذور الصراع وأسباب استمراره رغم مبادرات التسوية التي طُرحت، ومحاولة تسكين عمليات التدمير الممنهج للبنية التحتية وللممارسات التي تشهدها الحرب ضمن سياقها الواسع، دون إنكار بطبيعة الحال للأبعاد الأخرى المؤثرة في الصراع وديناميكياته، ومن ثم فالورقة محاولة للفت الانتباه إلى أحد أبعاد الصراع التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند صياغة مبادرات التسوية مستقبلًا لزيادة فرص نجاحها.

وبطبيعة الحال، أشارت عدة دراسات لأهمية الأبعاد الاقتصادية للحرب ومساراتها، لكن غلب عليها عدم التفصيل وشرح ديناميات التفاعل ضمن رؤية شاملة لاقتصاد الحرب، في حين اتجهت دراسات أخرى للتفصيل -ولكن على شكلٍ قطاعي- ومنها دراسة بعنوان “الدوافع السياسية والاقتصادية للصراع المسلح في السودان: الآثار المترتبة على نظام الزراعة والأغذية”[4]، وأخرى بعنوان “حرب السودان الأخرى: موقع الذهب في اقتصاديات الحرب”[5].

وبطبيعة الحال، تستفيد الورقة من إسهامات الدراسات السابقة في بناء منظور كلي لاقتصاد الحرب السودانية، مع الاسترشاد بمجموعة من المقولات النظرية التي تُشكل الملامح الأساسية للاقتصاد السياسي للحروب الأهلية فيما يتعلق بتفسير نشأة هذه الحروب واستمراريتها ومصادر التمويل والممارسات والآثار، وذلك من خلال المحاور التالية: الاقتصاد السياسي للحروب الأهلية: مقولات نظرية. الاقتصاد السياسي السوداني: نبذة موجزة. تفسير اندلاع الصراع.. بين السيطرة على الموارد وإعادة تشكيل علاقات القوة. شبكات التمويل: بين الدعم الذاتي والتدفقات الخارجية. ممارسات الحرب وخدمة الأطماع الاقتصادية. التداعيات الاقتصادية وتهديد المصالح الإقليمية.

المحور الأول- الاقتصاد السياسي للحروب الأهلية: مقولات نظرية

حظيت الأبعاد الاقتصادية في تحليل الحروب الأهلية باهتمامٍ متزايد منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين، مع اتجاه المتصارعين في العديد من الدول إلى البحث عن موارد تمويل ذاتية بعد تراجع الدعم من القوى الكبرى بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي. وتمثلت أبرز مصادر التمويل التي لجأ إليها جنرالات الحروب الأهلية في النهب، والسيطرة على الموارد الطبيعية والإتجار فيها، بالإضافة إلى السطو على المساعدات القادمة من الخارج، وتحويلات المغتربين، فضلا عن أعمال التهريب والمشاركة في أنشطة شبكات الجريمة المنظمة وتجارة السلاح، ونظرًا لموقع الموارد الطبيعية ضمن هذه الحروب فقد استُخدم مصطلح “حروب الموارد” للتعبير عن هذه النوعية من الصراعات عند البحث في اقتصاديات الحرب[6].

ضمن محاولة تفسير اندلاع الحروب الأهلية من منظور الاقتصاد السياسي، ظهرت عدة اتجاهات أبرزها ما يتعلق بالمظالم النسبية المتعلقة بالاختلالات بين طموحات الأفراد والمجموعات العرقية على المستويين السياسي والاقتصادي والاجتماعي وما يمكنهم الحصول عليه بالفعل، دون القدرة على التعبير عن مطالبهم سلميًا أو عبر الأطر الديمقراطية[7].

أما الاتجاه الثاني، فيتعلق بحسابات المكسب والخسارة حين يُهيمن “الجشع” على الأفراد والمجموعات، لتُقرر الاندماج في الصراع إذا كانت العوائد والأرباح المتحققة منه أعلى من الفرص البديلة، أي أن القتال في هذه الحالة يوفر لأطرافه فرصًا لا يوفرها خيار عدم شن الحرب أو الاندماج فيها. ويشير كل منPaul Collier و Anke Hoefflert إلى الموارد الطبيعية مثل النفط كعامل دافع نحو شن الحرب، وللمعادن مثل الماس كدافع نحو الحفاظ على استمراريتها لأن الموارد الطبيعية تقلل تكلفة الفرصة البديلة، أي أنها قادرة على تعويض الخسائر التي قد يتكبدها الطرف الذي قرر شن الحرب الأهلية أو الاشتراك فيها، كما أنها توفر التمويلات اللازمة لجمع المجندين. أيضًا تشجع الموارد الطبيعية المتمردين على القيام بمحاولة للسيطرة على الدولة، خاصةً إذا كانت ضعيفة الهياكل، وغير قادرة على حماية ثرواتها التي تنتشر في الغالب في المناطق البعيدة والأرياف؛ بما يجعل القدرة على حمايتها أمرًا شاقًا بالنسبة للدول الضعيفة، لذا يلجأ المتمردون لعمليات نهب الموارد للحفاظ على تدفقات التمويل[8].

وحاول David Keen ضمن اتجاهٍ ثالث الربط بين المظالم النسبية والجشع، فيرى أن الجشع يدفع نحو التمرد والحرب الأهلية التي تحاول أطراف الحرب تغذيتها بالتركيز على المظالم النسبية “حتى لو كانت مفتعلة”، بما يُسهم في تغذية الجشع والميل نحو مزيد من السيطرة على الموارد والنفوذ بدعمٍ شعبي من الأقليات التي “تشعر بالمظالم”. ويتفق مع الاتجاه السابق في أهمية الجشع في تغذية الرغبة في شن الحرب الأهلية، والحفاظ على استمراريتها لضمان عدم انقطاع المنافع المتحققة منها على المستوى الاقتصادي. كما يُوضح  Keenأن استخدام القوة للنهب يكون بغرض الاستحواذ على الموارد أو تمويل المجندين، والحصول على الأموال من المدنيين لإفلاتهم من الاضطهاد الناجم عن القتال، والسيطرة على شبكات التجارة التي تنمو فيها السلع غير المشروعة، واستغلال العمالة، والسيطرة على الأراضي والموارد، فالحرب ليست مجرد صراع من أجل الانتصار[9].

وتستند اقتصاديات الحرب الأهلية إلى مجموعةٍ من الممارسات الرامية إلى تحقيق أغراض الأطراف المتحاربة، ومن بينها[10]:

  • تتسبب الحروب الأهلية في تدمير البنية التحتية للاقتصادات الرسمية، وتلاشي الخطوط الفاصلة بينها وبين الأنشطة غير الرسمية بل والأنشطة غير الشرعية.
  • يسعى المتحاربون ضمن هذه الصراعات للسيطرة على الأصول ذات العوائد المرتفعة، ووضع اليد على شبكات التجارة، من خلال وسائل متعددة منها: أعمال السرقة والاستيلاء غير القانوني على الممتلكات، والاستخدام غير المشروع للقوة ضد المدنيين.
  • الموارد الطبيعية ذات الربحية المرتفعة تُعد هدفًا ساميًا للمتحاربين؛ من أجل تحقيق السيطرة على وسائل الإنتاج.
  • تقود الحروب الأهلية لنمو شبكات التهريب والتجارة عبر الحدود، بما يُشكل مصادر تمويل للجماعات المتقاتلة ويحد من فرص وقف الصراع.

كما تتضمن الحرب الأهلية ضمن إدارة اقتصادياتها مجموعة من الممارسات الأخرى التي تستهدف تدعيم المراكز المالية للمتقاتلين، بما في ذلك[11]:

  • قطع الممرات الداخلية، بسبب أعمال القتال في البداية، ثم للقيام بعمليات النهب المتعمد من جانب مليشيات الحرب.
  • يسعى أطراف النزاع لبسط السيطرة على الموانئ والمطارات والحدود لتأمين الإمدادات لنفسها، ولقطعها عن المنافسين.
  • يحاول المتحاربون السيطرة على البنية التحتية الحيوية بما في ذلك مصادر الطاقة، وموارد النفط، والمياه.
  • الدعم الخارجي الذي يتدفق على وكلاء القوى الخارجية في الداخل، سواء بشكلٍ مباشر أو عبر تقديم الخدمات اللوجستية لتهريب السلاح أو التجهيزات اللازمة، في مقابل ضمان مصالح هذه القوى، خاصةً إذا كانت البلد التي تشهد حربًا أهلية غنية بالموارد والمعادن التي يمكن تهريبها وبيعها للقوى الخارجية بأسعارٍ بخسة، واستخدام حصيلتها لتمويل أحد أطراف الحرب أو كليهما، بالتوازي مع الاستفادة من حصيلة عمليات النهب والسرقة والاستحواذ على الموارد الطبيعية.

وتُنتج اقتصاديات الحروب الأهلية مجموعة من التداعيات أبرزها:

  • تؤدي إلى استنزاف قدرات الدول، وتوفير البيئة المناسبة لإعادة إنتاج النخب أو إفراز أخرى جديدة، بناءً على المنافع والمصالح الاقتصادية التي حققتها من الأنشطة غير المشروعة في ظل الصراع.
  • تسيطر النخب التي تنشط في مجالات الاستخراج على مصادر القوة، سواء الاقتصادية أو السياسية، إذ تنعكس قدراتها الاقتصادية في قوة تأثيرها بصناعة القرار السياسي، والعكس صحيح، وهو ما يؤدي لسيطرتها على مجال صناعة السياسات العامة خلال الصراع وبعده واستمرار الاختلالات في توزيع الموارد بين المجموعات المختلفة.
  • تفرز ديناميكيات الحرب الاقتصادية تهميشًا للفئات الأكثر ضعفًا، مثل الأطفال والنساء، حيث التهميش وانعدام الأمن وغياب المساواة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي[12].
  • تتسبب عمليات قطع الممرات الداخلية أو اختلال الإمدادات من الخارج في موجاتٍ من تضخم الأسعار، وظهور شبكات توريد بديلة يسيطر عليها زعماء الحرب، الذين يجنون أرباحًا واسعة مقابل مزيد من الإفقار لعموم المواطنين.
  • تقود الحرب إلى انكماش عمليات التصنيع المحلي للسلع؛ نتيجة أعمال القتال أو اختلال سلاسل التوريد أو حشد الموارد لصالح المجهود الحربي.
  • تتسبب الحروب الأهلية في موجات نزوح كبيرة للسكان، سواء في الداخل أو للخارج، إما هربًا من مخاطر القتال، أو الخوف من التعرض للاتهامات على يد القوات التي تسيطر على مناطق تعتبر سكانها مناوئين لها، أو بسبب تدهور الأحوال الاقتصادية[13].

وفيما يتعلق بعمليات التسوية للنزاعات الأهلية، من الضروري التعامل مع السمات التي تنتجها اقتصاديات الحرب لجعل السلام أكثر ربحية، ومراجعة آليات تطبيق العقوبات الاقتصادية حتى لا تُوفر ملاذًا للمتقاتلين للتربح من السوق السوداء للسلع، وفهم الآليات التي تساعد النخب الاستخراجية في السيطرة على الموارد أو تحد من قدراتها، وفهم دوافعهم نحو الاندماج في الصراع للتعامل معها.

وعلى ذلك، تستفيد الورقة من هذه المقولات النظرية في محاولة تقديم إجابات موجزة حول كيف يمكن تفسير اندلاع الصراع في السودان؟ هل هو متعلق بالمظالم النسبية؟ أم بالجشع والطمع في مزيد من السيطرة على الموارد؟ أم يجتمع العاملان؟

كيف يجري تمويل طرفي الصراع؟ وكيف تنعكس الطموحات الاقتصادية لقادة الحرب على الممارسات في الميدان؟ وكيف يُضعف الصراع القدرات الاقتصادية السودانية؟ وكيف يُعيد رسم علاقات القوة في المجتمع؟

وتتطلب الإجابة عن هذه التساؤلات تقديم نبذة سريعة عن ملامح الاقتصاد السياسي السوداني في عهد النظام السابق -نظام عمر البشير وجبهة الإنقاذ منذ انقلاب 1989.

المحور الثاني- الاقتصاد السياسي السوداني: نبذة موجزة

لا يمكن فهم الاقتصاد السياسي للحرب الدائرة حاليًا إلا في ضوء الملامح العامة للاقتصاد السياسي السوداني، خلال العقود الثلاثة الماضية على الأقل، فقد اعتمد نظام الرئيس السابق عمر البشير على توزيع المصالح الاقتصادية على القوى الرئيسية لضمان ولائها خاصةً الجيش، وحزب المؤتمر الوطني، وجهاز الأمن والمخابرات الوطني، بالإضافة إلى الميليشيات العسكرية التي اعتمد عليها في مواجهة حركات التمرد المحلية، مثل الجنجويد لكبح التمرد في دارفور، والتي تحولت بقاياها لاحقًا إلى قوات الدعم السريع، وقد كانت تتبع البشير مباشرةً. وأدى ذلك إلى[14]:

  • توجيه الحصة الأكبر من موازنة البلاد لصالح بند قطاع الأمن، خاصةً الأجهزة الدفاعية والعسكرية.
  • تم خصخصة عشرات الشركات الحكومية في السودان، ضمن برنامج الإصلاح الهيكلي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، عقب وصول البشير للسلطة، فتم نقل ملكية هذه الشركات لحكومات الولايات ومؤسسات رسمية أخرى بما في ذلك الجيش السوداني من خلال مؤسسته الصناعية العسكرية.
  • سيطرة القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع، وجهاز الأمن والمخابرات الوطني على الموارد الطبيعية والأرباح الناتجة عنها. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه ضمن عملية إدارة علاقات القوة في السودان، أنشأ البشير في 2013 قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” لتتحول إلى قوة رسمية عام 2014، وذلك تحسبًا من الرئيس السابق ضد احتمالات عدم مساندته من قبل قيادات الجيش التي كان بعضها منتميًا للمناطق المهمشة والتي تشهد حركات تمرد ضد حكمه.
  • تطوير قوة اقتصادية ضخمة للجيش السوداني بالاستفادة من الإعفاءات الضريبية التي مُنحت لكبار العسكريين.

وقد مثل انفصال جنوب السودان عن شماله ضربةً للمقومات الاقتصادية لنظام البشير؛ إذ فقد ثلثي الاحتياطيات النفطية و90٪ من مصادر النقد الأجنبي، الأمر الذي أضر بالأسس التي قام عليها النظام في ضمان ولاء الأجهزة الأمنية والعسكرية، فشجع جراء ذلك على الاستثمار في استخراج الذهب وتصديره. وبالفعل، نمت هذه الصناعة، وسط استحواذ قوات الدعم السريع على نصيب الأسد منها، دون أن ينجح هذا البديل في مواجهة الأزمة الاقتصادية التي مر بها السودان والتي كانت من أسباب اندلاع ثورة ديسمبر 2018 التي أطاحت بالبشير. وقد جاءت بحكمٍ مشترك عسكري -مدني، ولكن دون أن تتغير علاقات القوة وشبكات الهيمنة العسكرية والاقتصادية في السودان بشكلٍ كبير، في ظل حاجة الشريكين العسكريين -الجيش والدعم السريع- إلى الموارد الاقتصادية لاكتساب وتعزيز النفوذ السياسي[15].

في مرحلة ما بعد البشير، تم تشكيل المجلس السيادي الانتقالي والذي ضمن توزيع السلطة بين الكثير من الفواعل وخاصةً الجيش السوداني، والدعم السريع، وقوى الحرية والتغيير. وبعد سقوط نظام البشير، اتجهت القوتان العسكريتان الرئيسيتان اللتان قادتا المشهد السياسي إلى تعزيز نفوذهما الاقتصادي، فاستحوذ الجيش السوداني على الكثير من الشركات التابعة لحزب المؤتمر السوداني الذي كان يتزعمه البشير، بينما سيطرت قوات الدعم السريع على الكيانات الاقتصادية التي كانت تابعة لجهاز المخابرات والأمن الوطني.

وفي ظل صراع القوى بين المكون العسكري والمكون المدني في مرحلة الانتقال السياسي بعد الإطاحة بالبشير، كان رئيس الوزراء عبد الله حمدوك يتشبث بالإصلاحات التي طالب بها صندوق النقد الدولي والمتعلقة بالحد من هيمنة الأجهزة الأمنية والعسكرية على المقدرات الاقتصادية، وذلك ضمن مساعيه لتقليص النفوذ العسكري في منظومة الحكم. أدى ذلك لتوحيد خصماء اليوم- الجيش والدعم- ضد حمدوك للانقلاب عليه في أكتوبر 2021 ووضعه رهن الإقامة الجبرية، واعتقال الكثير من رموز النخبة المدنية المعارضة للحكم العسكري[16].

وقد نص اتفاق الإطار السياسي في ديسمبر 2022، والذي وُضع بهدف دفع السودان نحو التحول المدني بدعم من المجتمع الدولي والقوى الإقليمية، على ضرورة دمج المكونات العسكرية السودانية (أي الجيش وقوات الدعم السريع)، وهو ما أثار حفيظة الطرفين بشأن احتمالات تهديد المصالح الاقتصادية لهما. وقد استغل الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش هذا البند لضمان تبعية الدعم السريع، في حين كان حميدتي قائد الدعم السريع يرفض هذا التوجه حتى اندلع الصراع بين الطرفين في 15 أبريل 2023 في الخرطوم، ثم توسع إلى 9 ولايات أخرى بمستوياتٍ مختلفة، بما في ذلك: شمال كردفان، وجنوب كردفان، وغرب كردفان، وشمال دارفور، غرب دارفور، وجنوب دارفور، ووسط دارفور، وشرق دارفور، والنيل الأزرق. كما اشتركت أطراف محلية في هذا الصراع بسبب النزاع على الموارد المائية والأراضي، مثل: النزاع بين الدعم السريع وجماعات الكبابيش الرحل في شمال كردفان، والصراع بين الجيش السوداني والحركة الشعبية لتحرير السودان/ شمال التي يقودها عبد العزيز الحلو في جنوب كردفان[17].

المحور الثالث- تفسير اندلاع الصراع… بين السيطرة على الموارد وإعادة تشكيل علاقات القوة

في المشهد السوداني، يُفيد مدخل الاقتصاد السياسي في تسليط الضوء على شبكة علاقات القوة ومحاولات إعادة تشكيلها وتأثير ذلك في انفجار الصراع بين قوات الدعم السريع والجيش الوطني، دون تجاهل بطبيعة الحال للعوامل الأخرى المتعلقة بالصراع على قيادة البلاد وتأثير الأطراف الخارجية وغيرها. لذا؛ يُمكن أن يُفهم الصراع بين الدعم السريع والجيش السوداني في جزءٍ كبيرٍ منه على أنه صراع على السيطرة على الموارد الاقتصادية والسياسية، بما في ذلك السيطرة على المناطق الغنية بالموارد، مثل المناطق المنتجة للذهب والنفط، التي تعد محاور رئيسية لهذا النزاع. ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

  • السيطرة على الموارد وشبكات التمويل

تتمتع قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي بمصالح اقتصادية كبيرة، خاصةً في تعدين الذهب. ويُقال إن قوات الدعم السريع حققت 4.6 مليار دولار من صادرات الذهب بين عامي 2010 و2014. مكنت هذه الثروة قوات الدعم السريع من تمويل عملياتها بشكلٍ مستقلٍ عن الدولة، وهو ما يساعد قياداتها في القيام بعمليات التمويل والتسليح للصراع دون مخاوف، الأمر الذي شجعها على الانخراط فيه ومحاولة المحافظة على استمراريته. في الوقت نفسه، شكلت توسعات “الدعم” في السيطرة على الموارد تهديدًا لنفوذ الجيش السوداني المتعلق بالموارد والأنشطة الاقتصادية الوطنية، لاسيما بعد عمليات الاستحواذ التي قامت بها قوات الدعم قبيل اندلاع الصراع[18].

  • محاولة الالتفاف على الاتفاق الإطاري للحفاظ على الثروة

هدف الاتفاق الإطاري في ديسمبر 2022 إلى تجريد الجيش من سيطرته على البيروقراطية المدنية ومشاركته في الأنشطة التجارية غير المرتبطة بالدفاع، وهو ما نظر إليه العسكريون كتهديد للقوة الاقتصادية للجيش، حيث سيحد من قدرتهم على توليد الإيرادات من خلال الشركات التجارية، على عكس قوات الدعم السريع التي احتفظت بالسيطرة على عمليات تعدين الذهب المربحة. وذلك على أساس أن قوات الدعم السريع ستُحل في المستقبل وتندمج في الجيش، دون أن يضع الاتفاق جدولًا زمنيًا لذلك، وهو ما نُظر إليه على أنه محاولة من القوى المدنية والدعم السريع لإبعاد الجيش عن الحياة الاقتصادية والسياسية، لصالحهما، فكان إصرار الجيش على تنفيذ عملية الدمج قبل الانسحاب، لاسيما أن الدعم السريع سيظل متمتعًا بأصوله الاقتصادية والمالية وهو الأمر الذي رفضه “حميدتي” بغية الاحتفاظ بسلطته[19].

  • علاقات القوة والسيطرة الاقتصادية

يتضمن الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع أيضًا معركة حول الاتجاه الاقتصادي المستقبلي للسودان؛ إذ كان الجيش يسعى إلى توحيد السلطة والسيطرة على الموارد الاقتصادية للبلاد، بينما حاولت قوات الدعم السريع استخدام مكاسبها الاقتصادية لتعزيز نفوذها السياسي وتأخير الاندماج في الجيش[20]. جاء ذلك في خضم مطالبات مدنية بضرورة إجراء إصلاحات واسعة على هيكلية الأجهزة الأمنية والأصول التي تستحوذ عليها ليتم دمج القوات التابعة لـ”حميدتي” ضمن الجيش، الذي يقوم بدوره برفع يده عن الأنشطة الزراعية والتجارية والصناعية، بما يعني فقدان الطرفين لمصادر قوتهم المالية. والجدير بالذكر في هذا السياق، أن بعض القوى المدنية حاولت الاستعانة بقوات الدعم السريع في مواجهة الجيش ولإبعاد الإسلاميين عن المشهد، وهو ما أعطى فرصة لـ”حميدتي” لمحاولة الإفلات من استحقاقات الاندماج في الجيش الوطني، ولتوسيع شبكة علاقاته وعناصر القوة الاقتصادية والسياسية التي يتمتع بها في الداخل والخارج[21].

وهنا تجدر الإشارة، إلى أنه بعد الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021، أوقفت المؤسسات المالية الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، المساعدات المالية وبرامج تخفيف الديون للسودان مما فاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد، وزاد من الضغوط الداخلية، وساهم في عدم الاستقرار الذي استغلته المكونات العسكرية لتدشين الصراع[22].

لكن من أين يحصل الطرفان على التمويلات اللازمة للاستمرار في الحرب؟

المحور الرابع- شبكات التمويل: بين الدعم الذاتي والتدفقات الخارجية

  • شبكات تمويل قوات الدعم السريع

قامت استراتيجية الدعم السريع على تنويع أنشطتها الاقتصادية من خلال السيطرة على مناطق الصراعات خاصةً في دارفور وكردفان، والاعتماد على الروابط الخارجية لتعزيز العوائد الاقتصادية المحلية، واستغلال الموارد في قطاعات الذهب والري للزراعة والبناء والبنية التحتية لتمويل الوجود السياسي.

  • الأنشطة التجارية للدعم السريع

نشطت قوات الدعم السريع بشكلٍ مركز في المجال التجاري، وفي مجالات المصارف والزراعة، والقطاع الإنشائي، والنقل، وتكنولوجيا المعلومات، كما عملت على بناء اقتصاد محصن ضد الرقابة أو المحاسبة بالاستفادة من علاقات المحسوبية بنظام البشير وإحلالها بشبكاتٍ أخرى بعد عزله. واستفادت الدعم السريع في تعميق مصالحها التجارية والزراعية بعلاقاتٍ وثيقة مع القطاع الخاص الإماراتي، ويهمين الدعم السريع على حصة مؤثرة في بنك الخليج الذي يُقيم علاقات مصرفية مع القطاع المصرفي في كلٍ من الإمارات، والبحرين، ومصر، والسعودية، وتركيا، وإيطاليا، وسويسرا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة. تُقدر حصة قيادات الدعم ووكلائها بنحو 28.5٪ من أسهم بنك الخليج وشبكة الشركات التابعة لها، ويُقدرها البعض بنحو 58.2٪.

أما شركة الجنيد المحدودة، التي يُسيطر شقيق حميدتي -عبد الرحيم دقلو- على أكبر نسبة منها، فقد تأسست عام 2009 كشركةٍ خاصة، أي قبل إنشاء قوات الدعم السريع رسميًا، ولها كيانات تابعة في مجالاتٍ متنوعة مثل الإنشاءات، والطرق والجسور، والنقل، والزراعة، وتدوير النفايات المعدنية. وهي مرتبطة بشكلٍ واضح مع قوات الدعم، أما شركتا جي- إس كي، وتراديف، فهما مسجلتان في الإمارات العربية المتحدة والسودان، وتُسهلان عمليات تمويل قوات الدعم السريع، التي تهيمن على سوق إنتاج وتصدير الذهب من خلال شركات خاصة مثل “إسناد الهندسية” المملوكة لأفراد من عائلة حميدتي ومستثمرين روس.

والدعم السريع مسؤول عن تصدير ما يُقارب 70٪ من الذهب السوداني، كما ينشط في مجال استيراد البذور والأسمدة، أيضًا تُمثل الأراضي الشاسعة التي تسيطر عليها الدعم السريع في كردفان ودارفور عمود نشاطها الزراعي. وتستغل قوات الدعم العلاقات القبلية في مناطق الصراعات السابقة مثل دارفور وكردفان للسيطرة المباشرة على الأراضي والموارد المائية وممارسة أفرادها للنشاط الزراعي، كما تمتلك شركات تمويلية وتنموية في المجال الزراعي في دارفور وكردفان وولاية نهر النيل والنيل الأبيض وسنار والولاية الشمالية[23].

ضمنت هذه الأنشطة لقوات الدعم السريع مصادر تمويل مستقلة تسمح لها بمواصلة التجنيد وضمان ولاء أفرادها لصالح القيادة، فضلًا عن عمليات التسليح، خاصةً من مناجم الذهب التي تمتلكها أو التي تقوم بحراستها لصالح الدولة[24].

  • الدور الخارجي في مساندة “الدعم السريع”

تُشير العديد من التقارير إلى مساندة الإمارات العربية المتحدة لقوات الدعم السريع، من خلال تقديم الدعم المالي والعسكري. ومن بين أوجه الدعم والتمويل التي قدمتها الإمارات تمويل شراء مركبات وتحويلها إلى مركبات قتالية، والمشاركة في تهريب الذهب من مناجم دارفور التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، حيث يتم بيع هذا الذهب في الإمارات وتوفير الإمدادات العسكرية، عبر ليبيا بالمشاركة مع مجموعة فاجنر الروسية.

لكن في المقابل، تنفي الإمارات هذه الاتهامات، وتُطالب بإنهاء الأعمال العدائية واستئناف المفاوضات، وحل الأزمة الإنسانية. ومع ذلك، اتخذت السلطات السودانية موقفًا حازمًا بطرد 15 دبلوماسيًا إماراتيًا؛ ردًا على الدعم المقدم لقوات “حميدتي”[25].

وتتنوع علاقات “الدعم السريع” مع الجانب الروسي بروابط، سرية وعامة، على المستويات الاقتصادية والتجارية[26]. ولعل أبرز الروابط الاقتصادية الواصلة بين الجانبين ما يتعلق بمشاركة شركة فاجنر في أنشطة التنقيب عن الذهب وتهريبه خارج السودان إلى الأسواق الإقليمية، ليجري غسله واستخدامه في تمويل الحرب الروسية على أوكرانيا، وفق ما تشير تحليلات. وبطبيعة الحال، لا تحصل السلطات السودانية على أية رسوم من هذا النشاط، وهو ما يفسر مسارعة الشركة الروسية إلى تقديم المساندة اللازمة لقوات الدعم، رغم أنها حاولت لفترة إقامة علاقات متوازنة بين قطبي الصراع: حميدتي والبرهان، لكن المصالح التجارية والاقتصادية كانت أقوى وأوضح مع الطرف الأول[27]، الذي حصل منها على أسلحة روسية وأفراد من فاجنر -الفيلق الأفريقي.

تشير التقديرات إلى أن مصالح كلٍ من الإمارات وروسيا تتقاطع في السودان وتحديدًا مع دعم حميدي وقواته، في ظل مطامع موسكو في إقامة قاعدة بحرية في بورتسودان، ودعم شبكات التهريب والمصالح الخاصة بها في أفريقيا بما يساعدها في الحصول على الأموال والتهرب من العقوبات الغربية التي تستهدفها. وعلى الجانب الآخر، تُحقق أبو ظبي عوائد مالية من أنشطة الاستخراج في أفريقيا، ويساعدها “حميدتي” في تطوير الشبكات التجارية الخاصة بها في أفريقيا، كما يوفر لها منطقة نفوذ بمنطقة البحر الأحمر، ومصدر للإمداد بالأفراد كما حدث بحرب اليمن في السابق[28].

  • شبكات تمويل الجيش السوداني
  • مصادر التمويل الذاتي

سمحت الأذرع الاقتصادية للقوات المسلحة، خاصةً المؤسسة الاقتصادية الزراعية وشركة الاتجاهات المتعددة المحدودة وبنك أم درمان الوطني، سمحت بتوسع الجيش في مختلف الأنشطة الاقتصادية من تصنيع المعدات العسكرية واللحوم والصادرات وقطاع الخدمات، مع التركيز على تحقيق الريع اللازم لتعزيز النفوذ السياسي ومن ثم تأجير الأراضي والتصدير والاستيراد.

وتُمثل منظومة الصناعات الدفاعية الذراع الاقتصادي الأبرز للقوات المسلحة السودانية، وتم إطلاقها عام 1993 كوسيلة للإفلات من العقوبات الاقتصادية من جهة ولخفض واردات الأسلحة من جهةٍ أخرى، وقد تطورت المؤسسة عبر السنين لتصبح المؤسسة الصناعية العسكرية، والمؤسسة الاقتصادية العسكرية، بما يعبر عن مصدر التمويل الرئيسي للقوات المسلحة. وتضم شبكة الكيانات التابعة: شركة الاتجاهات المتعددة المحدودة، وأكبر مسلخ سوداني يحتكر معظم عمليات تصدير الحيوانات خاصةً إلى مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات، وشركة “زادنا الدولية” التي تضم مجموعة من الكيانات الفرعية المتخصصة في مجالي الزراعية والإنشاءات والري والمواد الكيميائية والري وتصدير الثروة الحيوانية والإنتاج الزراعي، وهي الوحيدة التي ضمت في مجلس إدارتها ممثلين عن الجيش والدعم السريع. وتعد “زادنا” أكبر شركة زراعية تابعة للجيش، وتمتلك مساحات من الأراضي، فضلا عن المشاركة في أنظمة الري المحوري وتخطيط الزراعة والبيع والتأجير للأراضي لأغراض الاستثمار بالولاية الشمالية. كما يمتلك الجيش مزارع دواجن ومشاريع ري في عطبرة بولاية نهر النيل، وينشط في مجال واردات الأسمدة والمواد الكيميائية وإعادة بيعها محليًا، كما تهيمن القوات المسلحة على طرق التصدير من المناطق الخارجة عن دائرة الصراع إلى بورتسودان[29].

وبعد الإطاحة بالبشير، عمل الجيش على زيادة سيطرته على بعض الصناعات والأنشطة الاقتصادية خاصة الذهب دون أن يصل الأمر حد الصراع مع قوات الدعم، وإن وُجدت منافسة محمومة بين الجانبين، في ظل استشعار الخطر المدني الذي كان يحاول تحجيم نفوذ الجيش وإخضاع أصوله للرقابة عبر الاستعانة بالدعم الخارجي خاصةً الأمريكي[30].

ومن مؤشرات التنسيق والتعاون بين طرفي الصراع الحالي (الدعم والجيش) في الماضي، الدعم المالي المقدم من قوات الدعم السريع للجيش السوداني وللحكومة التي يُهمين عليها لدفع التزامات الديون أو توفير السلع للشعب السوداني، بجانب مشاركة الدعم في احتواء تداعيات وباء كورونا وبناء المستشفيات وتقديم الخدمات الصحية وتوفير الخدمات الأمنية المتبادلة بين الطرفين. إذ تحملت قوات الدعم مسؤولية حماية المصالح الاقتصادية للدولة التي يهمين عليها الجيش مثل مصفاة النفط في الجيلي وحقول الذهب[31]، فيما عمل الأخير على تسهيل الأعمال التجارية للدعم السريع لتتم وفق الاشتراطات والتسهيلات الخاصة بالقوات المسلحة.

ومع ذلك، استمرت المنافسة خلال المرحلة الانتقالية لمد السيطرة على العوائد الاقتصادية اللازمة لتمويل النفوذ السياسي للطرفين، وهو ما برز في مجالات رئيسية مثل الذهب، والزراعة، والإنتاج الحيواني. ومن مؤشرات التنافس: نمو الأنشطة الاستخراجية غير المشروعة للقوات المسلحة، واستحواذ الدعم السريع على بنك الثروة الحيوانية عام 2021، وسعيها لإنشاء مسلخ للمواشي ومنظومة للتصدير بعد أن كانت منظومة الصناعات الدفاعية العسكرية تهيمن على هذا النشاط من خلال مسلخ كبير في الكردو بالخرطوم، بالإضافة إلى الاستيلاء على عددٍ من المؤسسات الاقتصادية الحيوية في الخرطوم، مثل: شركة الخرطوم لطباعة الأوراق المالية وهي المختصة بإصدار الأوراق المالية، والاستحواذ على الشركة السودانية للذهب، والسعي نحو الهيمنة الزراعية من خلال إنشاء بنك الإنتاج (مؤسسة مصرفية تجارية تمول المشروعات الزراعية والتنموية)، وإنشاء مراكز التدريب للخبراء والخريجين، والتعاقد من الباطن مع المسؤولين السابقين في البنك الزراعي[32].

وقد أدت تحركات الدعم السريع إلى استياء القوات المسلحة من التوسع في القطاعات الاقتصادية الإنتاجية مثل التنمية الزراعية والمصارف، وهو ما أشعل الارتياب بين الفريقين وصولًا للصراع الحالي.

  • الدعم الخارجي للجيش السوداني

رغم القدرات الذاتية التي يتمتع بها الجيش السوداني من خلال أذرعه الاقتصادية، أو من خلال سيطرته على مقاليد الحكم وإدارة الدولة، فإن التقديرات تشير إلى تلقيه الدعم الخارجي من عدة دول بما في ذلك، إيران من خلال الطائرات المسيرة، وسط تقديرات باحتمال أن تكتسب في المستقبل حق دخول سفنها بشكلٍ طبيعي لميناء بورتسودان بما يخدم مصالحها في البحر الأحمر[33]، وهو ما قد يدفع السعودية إلى زيادة دعمها المحدود للجيش السوداني.

  • العقوبات واستهداف شبكات التمويل

أدى النزاع المسلح إلى فرض عقوبات اقتصادية دولية على بعض الكيانات المتورطة في دعم لوردات الحرب في السودان، مما يزيد من الضغوط على الاقتصاد السوداني، فضمن مساعي دفع أطرف الصراع لتسويته، فرضت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة عقوبات على أموال تابعة لكلٍ من الدعم السريع والجيش السوداني في يوليو 2023. وفي سبتمبر من العام نفسه، فرضت الولايات المتحدة عقوبات استهدفت شقيق حميدتي- عبد الرحيم دقلو[34].

وعلى خطى الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على ست شركات مرتبطة بتوريد وتصنيع الأسلحة لكلٍ من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، متهمًا إياها بتقويض الاستقرار وإعاقة الانتقال السياسي في السودان. تهدف هذه العقوبات إلى قطع الموارد المالية التي تُغذي الصراع، وشملت الإجراءات الأوروبية تجميد الأصول وحظر تقديم الأموال أو الموارد الاقتصادية لهذه الكيانات. ومن بين الشركات المُعاقبة، تسيطر القوات المسلحة السودانية على ثلاثٍ منها، بما في ذلك مؤسسة الصناعات الدفاعية. أما الشركات الثلاث الأخرى، فهي متورطة في شراء معدات عسكرية لقوات الدعم السريع[35]. ورغم أن هذه الإجراءات تُخفض قنوات التمويل للمتحاربين، إلا أن الفصيلين يتحايلان على هذه العقوبات عبر شبكة علاقاتهما الاقتصادية والتجارية غير المباشرة[36].

ولا يعني ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها لا يتمتعون بمصالح داخل السودان، كما تحاول بعض التحليلات الغربية -وخاصة الأمريكية- أن توحي بذلك؛ لتصوير واشنطن على أنها تقوم بدور الوسيط في نزاع يتكالب الجميع عليه لتحقيق مصالحهم. في تحليلٍ بعنوان “الحد من التدخل الخارجي في حرب السودان”، نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، يقول جوناثان كامبل جيمس[37]، بعد أن استعرض أنماطًا من التدخلات الأجنبية في الصراع السوداني: “ولا يساعد أيٌ من هذه التدخلات الخارجية الولايات المتحدة وشركاءها الغربيين على تحقيق هدفهم المعلَن في السودان، وهو التوصل إلى السلام عن طريق التفاوض، أو على الأقل وقف الأعمال العدائية عن طريق التفاوض[38]“.

توحي هذه الكلمات وكأن الولايات المتحدة وحلفاءها ليست لهم مصالح في السودان، بخلاف الواقع، فالغربيون معنيون في المقام الأول بالحفاظ على مصالحهم في منطقة القرن الأفريقي، وإبعاد روسيا وإيران عن البحر الأحمر خاصةً ما يتعلق باحتمالات إقامة القاعدة البحرية الروسية في بورتسودان، إلى جانب وصول القيادات المدنية التي تحافظ على علاقات وثيقة مع الغرب إلى سُدة الحكم، بما يفسر الموقف القوي ضد إزاحة المدنيين عن السلطة في انقلاب أكتوبر 2021 مقارنةً بالموقف من أحداث مشابهة في الإقليم. ولعل الموقف الأمريكي الضعيف في محاولات وقف الاقتتال يُرجح ذلك، حيث إن محللين يُبررون هذا الموقف برغبة واشنطن في إضعاف الطرفين حتى القبول بشروطها[39].

المحور الخامس- ممارسات الحرب وخدمة الأطماع الاقتصادية

رغم القدرات المالية والاقتصادية الضخمة التي يتمتعون بها، عمد المتحاربون لأن تكون الحرب وسيلة لزيادة سيطرتهم على الموارد الطبيعية والأراضي وخطوط الإمداد؛ من جهة لضمان تعزيز قدراتهم المالية اللازمة للاستمرار في الحرب والتجنيد، ومن جهةٍ أخرى لإضعاف الطرف الآخر ومؤيديه. وهو ما تؤيده ممارسات المتحاربين منذ اندلاع الحرب؛ حيث السعي الحثيث لبسط السيطرة على المناطق الغنية والمنافذ الجمركية والموانئ وخطوط الإمداد، حتى لو أدى ذلك إلى إفقار السكان في المناطق التي يسيطر عليها الطرف الآخر.

فيما يتعلق بإضعاف الطرف الآخر وقطع خطوط الإمداد إليه، يمكن رصد مجموعة من الممارسات التي يرتكبها المتحاربون، والتي من شأنها الإضرار بالبنية التحتية للاقتصاد السوداني وللدولة ككل، ومن بينها: تدمير الجسور الاستراتيجية في محاولة لقطع الإمدادات[40]، وتدمير البنية التحتية لخدمات المياه والكهرباء والصحة والتعليم، بالإضافة إلى إبادة أوجه النشاط الاقتصادي بما في ذلك الزراعة والتصنيع، فضلًا عن تخريب خطوط ومصافي النفط في مناطق الصراع[41].

وبشكلٍ عام، تُشير التقديرات إلى تدمير نحو 60٪ من البنية التحتية السودانية خلال نصف عام فقط من القتال، كما انهار نحو ألفي مبنى حكومي -كليًا أو جزئيًا- بما في ذلك المراكز الصحية والمؤسسات التعليمية[42].  وفي سبيل تعزيز مواردها المالية، ارتكبت قوات الدعم السريع الكثير من الجرائم التي صُنفت “انتهاكات ضد الإنسانية”، بما في ذلك القيام بعمليات السلب والنهب للمنازل والممتلكات فضلًا عن اغتصاب النساء[43]. وقد أدت سيطرة الدعم السريع على بعض مقرات المؤسسة الدفاعية العسكرية إلى تعطيل أنشطة المؤسسات الاقتصادية العسكرية التابعة للقوات المسلحة، ومن ثم التأثير -ولو بشكلٍ جزئي- في مصادر تمويلها.

وكما سبقت الإشارة إلى المقولات النظرية للاقتصاد السياسي للحروب الأهلية، فإن أعمال التخريب سالفة الذكر تُعد محاولة من الخصوم لإحكام الخناق على بعضهم، ولمعاقبة السكان في مناطق نفوذهم وللضغط عليهم للاستسلام. لكن بالتوازي، وكما عرضت الورقة في الجزء النظري أيضًا، فإن الحروب الأهلية تنطوي أيضًا على ممارسات إضافية تتعلق بالسعي نحو تعزيز الموارد الاقتصادية للأطراف المتنازعة، في الحالة السودانية، يمكن الإشارة لسلوكيات من هذا القبيل، مثل: سعي الدعم السريع لاحتكار النشاط الزراعي ببسط السيطرة على الأراضي الزراعية والموارد المائية في كل من دارفور وكردفان، ومن ثم احتكار إنتاج المحاصيل الزراعية النقدية التي يمكن استخدام حصيلتها في تمويل الحرب. في المقابل، يمكن الإشارة إلى سعي القوات المسلحة لتعزيز تواجدها في الولايات الشرقية والشمالية لحماية الموارد الاقتصادية والاستثمارات الخاصة بها.

وبشكلٍ عام، تأثرت أنشطة كلٍ من طرفي الصراع بممارسات الطرف الآخر؛ حيث هيمنة الدعم السريع على الكثير من نقاط التفتيش في كلٍ من دارفور وكردفان والخرطوم، بالتوازي مع هيمنة القوات المسلحة على المناطق الخارجة عن الصراع والتي تشمل موانئ بورتسودان وسواكن. وقد أدى الصراع إلى تأثيرات سلبية على ميزان المدفوعات ومؤشرات الاقتصاد الكلي السوداني؛ بسبب قطع طرق التجارة، وارتفاع تكاليف النقل والشحن، وتأثر عمليات الاستيراد والتصدير بسبب تقلب الأسعار وتعقيد الإجراءات.

وهنا تجدر الإشارة إلى تأثر عمليات الاستيراد بالتهديدات الأمنية على طرق التجارة وانهيار اسعار الصرف، خاصةً بالنسبة لشركات القوات المسلحة، في الوقت الذي تنخفض فيه تأثيرات هذه التقلبات بالنسبة للدعم السريع في ظل أذرعها المصرفية الخارجية بما يعطيها ميزة تنافسية مقارنةً بالقوات المسلحة التي تتمتع بميزة أخرى أنها تستحوذ على الجانب الأكبر من الاقتصاد الرسمي للبلاد[44].

ومن المهم أيضًا توضيح أن موجات النزوح من مناطق الصراع تُغذي المطامع التي يكنها المتحاربون، عبر التنافس في السيطرة على الموارد الطبيعية والممتلكات التي يُخلفها المدنيون وراءهم.

المحور السادس- التداعيات الاقتصادية وتهديد المصالح الإقليمية

ا- انكماش الاقتصاد الوطني

تسبب الصراع المسلح في السودان في أضرارٍ جسيمة للاقتصاد الوطني، مع توقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 18.3٪ في عام 2024، بسبب تعطل الإنتاج، وتدمير البنية التحتية، وانهيار النشاط الاقتصادي بما في ذلك التجارة والخدمات المالية. وقد تأثر قطاع الزراعة بشكلٍ كبير، لاسيما في ولاية الجزيرة، وهي منطقة رئيسية لإنتاج الغذاء. ووفق تقديرات البنك الدولي، انكمش الاقتصاد بنسبة 12٪ في 2023، لعدة أسباب أبرزها: توقف الإنتاج، وتدمير رأس المال البشري وقدرة الدولة، والإضرار بالبنية التحتية الصناعية والخدمات التعليمية والمرافق الصحية.

كما أن أحد الأسباب الرئيسية لهذا التراجع الاقتصادي الكبير أن السودان بلد زراعي في المقام الأول، إذ يعتمد النسبة الأكبر من السودانيين على الزراعة لتدبير معايشهم، وقد أدى الصراع للإضرار بالنشاط الزراعي بشكلٍ كبير بسبب نزوح المزراعين من المناطق الريفية التي وصلها الصراع في دارفور وكردفان، وعدم القدرة على الحصول على البذور أو دفع تكاليفها. هذا كما انكمش نشاط التصنيع الغذائي في الخرطوم؛ إذ نزح كثير من سكانها، مما أضر بالصناعات الغذائية بها، بما يُفاقم أزمة الأمن الغذائي[45].

يُضاف إلى ما سبق أن الحرب تسببت في خسائر أولية تقدر بنحو 100 مليار دولار، فضلًا عن عدم قدرة الدولة على تدبير رواتب أفراد الجهاز الإداري مع التراجع المستمر في قيمة العملة السودانية[46]. كما تسببت الأزمة في وصول معدلات البطالة لنحو 50٪ من السكان، مع زيادة أسعار السلع الأساسية بنحو 300٪ بمناطق الصراع[47].

2-  الكارثة الإنسانية… المؤشرات ومحدودية التمويلات

أدى هذا الصراع إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان، مع زيادة الحاجة للمساعدات في ظل تصاعد مخاطر الجوع والأمن الغذائي. ورصد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الأوضاع الإنسانية بعد مرور عامٍ من الصراع، وكانت أبرز المؤشرات: 25 مليون شخص -بينهم 14 مليون طفل- يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية، فيما يواجه 17.7 مليون شخص -ما يتجاوز ثلي عدد السكان- انعدام الأمن الغذائي الحاد، كما حذرت شبكة نظم الإنذار المبكر من مخاطر المجاعة المحتملة فيما يوجد 4.9 مليون شخص على شفا المجاعة، وقد فر أكثر من 8.6 مليون شخص -حوالي 16٪ من السكان- من منازلهم منذ اندلاع الصراع، سواء كانوا نازحين داخليًا أو لاجئين بدول مجاورة. هذا مع مواجهة السودان أكبر أزمة نزوح أطفال في العالم بنحو 5 ملايين، منهم مليونان نازحون في أزماتٍ سابقة، ويتعرض الأطفال لمخاطر العنف الجنسي والتجنيد أو الاستخدام في الصراع. وتُشير التقديرات إلى أن ما لا يقل عن 3.5 مليون طفل يُتوقع أن يعانوا من سوء التغذية الحاد عام 2024، منهم 700 ألف طفل سيُعانون سوء التغذية الحاد الوخيم وبحاجة للعلاج المنقذ للحياة. يأتي ذلك في ظل صعوبة تقديم المساعدات بسبب الصراع وصعوبات التحرك؛ إذ لا يمكن تقديمها إلا لنحو 10٪ فقط من المحتاجين إليها[48].

وكان أحد الأسباب الرئيسية وراء تفاقم الأوضاع الإنسانية المتعلقة بمعايش السودانيين هو توسع الصراع في البلاد ليصل إلى مناطق في وسطها وشرقها، وهي المناطق المهمة بالنسبة للإنتاج الزراعي، مما تسبب في أزمة تتعلق بتوفير الغذاء.

في نفس الوقت تواجه المنظمات الدولية محدودية في تدبير الاحتياجات التمويلية لتقديم المساعدات الإنسانية في السودان، ففي الوقت الذي أعلن فيه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أنه بحاجة لنحو 2.7 مليار دولار لتوفير المساعدات لنحو 14.7 مليون شخص بنهاية 2024، فإن إجمالي ما حصل عليه بالفعل لم يتجاوز 5.8٪ فقط من حاجته، بقيمة 155 مليون دولار حتى 14 أبريل 2024، وهو ما يفاقم الأزمة الإنسانية ويثير الكثير من علامات الاستفهام حول شُح التمويلات[49].

3- تهديد المصالح الإقليمية… “جنوب السودان نموذجًا”

إن استمرار النزاع في السودان يُهدد الاستقرار في العديد من دول الجوار، بما في ذلك مصر واريتريا وتشاد وجنوب السودان، بسبب الضغوط الاقتصادية التي تواجهها هذه الدول، خاصةً جنوب السودان التي تعتمد على السودان في نقل صادراتها من النفط والتي تمثل نحو 90٪ من إيراداتها بالنقد الأجنبي، وقد تعطل خط النقل بسبب القتال وسط صعوبات في الوصول إليه وإصلاحه. فضلًا عن ذلك، فإن تهديد حركة النقل في موانئ البحر الأحمر قد يكون سببًا لتدخل كبير من بعض دول الجوار للدفاع عن مصالحها[50].

خاتمة:

خلاصة ما سبق أن ممارسات الحرب وتطوراتها منذ اندلاعها يُظهر عنصرًا مهمًا يتعلق بسعي المتصارعين للاستحواذ على مصادر القوة والثروة، وإضعاف كل طرف للطرف المقابل بقطع خطوط الإمداد إليه وضرب البنية التحتية في المناطق التي يُسيطر عليها. وهو ما يتسبب في خسائر اقتصادية فادحة وكوارث إنسانية، يظل الشعب السوداني يعاني ويلاتها، في ظل تحصن كلا الطرفين برصيدٍ من الثروات والموارد الكافية لتمويل عناصرهما، خاصةً مع وجود قنوات للإمداد الخارجي. الأمر الذي يسهم في إطالة أمد الحرب في ظل وجود رابحين منها، وهو ما يُذكر بمقولة إن “الحرب فرصة اقتصادية لها عوائد” يتعايش عليها جنرالاتها.

أيضًا يتم السعي للاستحواذ على المناطق التي تتركز فيها الثروات، لاسيما المعادن، هذا بالتوازي مع نمو أنشطة التهريب والتجارة غير الرسمية التي يستفيد منها منتفعون في الداخل السوداني وفي الخارج الإقليمي والدولي، كما سبقت الإشارة، وهو ما جعل السودان مسرحًا لتدخلات إقليمية ودولية تهدف لتحقيق مصالح الأطراف الخارجية.

قد لا تؤدي الحرب الحالية إلى تفكيك هيكل السلطة القائم، ولكنها ستؤدي لمزيدٍ من التدهور الاقتصادي للسودان واستنزاف موارده لصالح كبار العسكريين ولصالح أطراف خارجية، فيما تزداد المعاناة الإنسانية للشعب السوداني الذي ترك أرضه وممتلكاته بعد أن تعرض لعمليات نهبٍ وقتل.

تتطلب معالجة الأزمة ممارسة الضغوط على القائمين بالتمويل والتسليح لوقف الدعم لأطراف الصراع؛ بغية تهدئة الأوضاع والتوصل لصيغةٍ يجري فيها معالجة جذور الأزمة والمتعلقة بالاقتصاد السياسي، أي شبكات التمويل والاقتصاد والتجارة التي يُهيمن عليها كلا الطرفين، وهو ما يجعل السيطرة على الموارد الاقتصادية للجانبين (والمستخدمة في التمويل، والتي يجري التقاتل من أجلها) أمرًا حيويًا من خلال تعزيز المشاركة المدنية في هيكل نظام الحكم، شريطة أن يمتد ليشمل كافة مكونات المجتمع السوداني.

من الضروري التركيز على الحوار والتفاوض بين الأطراف المتنازعة لتحقيق السلام والاستقرار، على أن يتضمن أي اتفاق لإنهاء الصراع الآتي: تنفيذ إصلاحات اقتصادية تهدف إلى تحقيق العدالة في توزيع الثروة والموارد وتقليل الفساد، والحد من هيمنة العسكريين بمختلف مكوناتهم على الموارد الاقتصادية للسودان، إلى جانب تنفيذ مشروعات التنمية الاقتصادية التي تضمن تحسين الظروف المعيشية للمواطنين وليس مجرد تقديم المساعدات الإنسانية لهم.

 

_______________

هوامش

[1] تضارب في تصريحات مسؤولي السودان.. من أطلق الرصاصة الأولى في المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع؟، الجزيرة نت، 15/4/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/B6nBS

[2] شيماء محيي الدين، الصراع في السودان الأسباب والتداعيات والمآلات المستقبلية، مجلة الدراسات الأفريقية، المجلد 46، العدد 1، يناير 2024، ص ص 368- 374.

[3] السودان: سنة من الحرب، مجموعة الأزمات الدولية، 11/4/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2h.ae/AcMs

[4] هالة أبو شامة، دانييل ريسنيك، خالد صديق، أوليفر كيروي، الدوافع السياسية والاقتصادية للصراع المسلح في السودان: الآثار المترتبة على نظام الزراعة والأغذية، برنامج السودان لدعم الاستراتيجية، ورقة العمل رقم 16، أكتوبر 2023، ص ص 1، 2، متاح عبر الرابط التالي: https://2h.ae/mQFU

[5] محمد صلاح عبد الرحمن، حرب السودان الأخرى: موقع الذهب في اقتصاديات الحرب، سلسلة الأثر الاقتصادي للحرب، ورقة رقم 2، المرصد السوداني للشفافية والسياسات، يوليو 2023، ص ص 4-6 ، متاح عبر الرابط التالي: https://2h.ae/EjNv

[6] Karen Ballentine and Heiko Nitzschke, The Political Economy of Civil War and Conflict Transformation, berghof research center for constructive conflict management, 2005, Available at: https://2h.ae/IkfS

[7] فتحي علي، الأجندة الاقتصادية للعنف ودورها في استمرار الصراعات والحروب الأهلية: دراسة للحالة الليبية، مركز مدافع لحقوق الإنسان، 6/7/2021، متاح عبر الرابط التالي: https://defendercenter.org/ar/5504#_ftn7

[8] Greed and Grievance, Los Diálogos Panamericanos, Available at: https://2h.ae/swVK

ولمزيد من التفصيل حول هذا الاتجاه:

– Paul Collier and Anke Hoeffler, Greed and Grievance in Civil War, World bank, Policy Research Working Paper, No 2355, Available at: https://2h.ae/yPtC

[9] Greed and Grievance, op. cit.

للمزيد حول حروب الموارد لدى كين:

– David Keen, Useful Enemies: When Waging Wars Is More Important Than Winning Them, London and New York, Yale University Press, 2012, pp 11-32.

[10] اقتصاد الحرب: النزاع وعسكرة الاقتصاد، شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، 5/10/2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/mKSDpRbD

[11] شربل نحاس، اقتصاديات الحروب الأهلية تحولاتها في سورية ولبنان، بدايات، العدد العاشر، شتاء 2015، متاح عبر الرابط التالي: https://bidayatmag.com/node/513

[12] اقتصاد الحرب: النزاع وعسكرة الاقتصاد، مرجع سبق ذكره.

[13] شربل نحاس، اقتصاديات الحروب الأهلية تحولاتها في سورية ولبنان، مرجع سبق ذكره.

[14] هالة أبو شامة، دانييل ريسنيك، خالد صديق، أوليفر كيروي، الدوافع السياسية والاقتصادية للصراع المسلح في السودان: الآثار المترتبة على نظام الزراعة والأغذية، برنامج السودان لدعم الاستراتيجية، ورقة العمل رقم 16، أكتوبر 2023، ص ص 1، 2، متاح عبر الرابط التالي: https://2h.ae/mQFU

[15] محمد صلاح عبد الرحمن، حرب السودان الأخرى: موقع الذهب في اقتصاديات الحرب، سلسلة الأثر الاقتصادي للحرب، مرجع سابق، ص ص 4-6.

[16] هالة أبو شامة، دانييل ريسنيك، خالد صديقن أوليفر كيروي ، مرجع سبق ذكره، ص 2.

[17] المرجع السابق، ص 3.

[18] The Conflict between the Sudanese Army and the RSF: Context and Trends, Aljazeera, 19/4/2023, Available at: https://2h.ae/Mfjz

[19] The Conflict between the Sudanese Army and the RSF: Context and Trends, op. cit.

[20] Civil War in Sudan, op. cit.

[21] حمدي عبد الرحمن، مآلات خطرة: كيف يهدد الاقتتال العسكري استقرار السودان؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 16/4/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/96bGd

[22] Civil War in Sudan, Center for Preventive Action, 27/6/2024, Available at: https://2h.ae/YyPB

[23] هالة أبو شامة، دانييل ريسنيك، خالد صديقن أوليفر كيروي، مرجع سبق ذكره، ص ص 7- 10.

[24] أحمد يونس، التوازن العسكري بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، الشرق الأوسط، 16/4/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/lBok6

[25] UAE Role in Sudan’s Civil War Draws Criticism, Africa Defense Forum (ADF), 30/1/2024, Available at: https://2h.ae/mZqI

[26] حمدي عبد الرحمن، مآلات خطرة: كيف يهدد الاقتتال العسكري استقرار السودان؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 16/4/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/96bGd

[27] مجموعة فاغنر تؤجج الصراع في السودان بإنزال الأسلحة بطائراتها، مجلة منبر الدفاع الأفريقي، 9/5/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/cIEgT

[28] جوناثان كامبل جيمس، الحد من التدخل الخارجي في حرب السودان، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 4/4/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2h.ae/bDiG

[29] هالة أبو شامة، دانييل ريسنيك، خالد صديقن أوليفر كيروي، الدوافع السياسية والاقتصادية للصراع المسلح في السودان: الآثار المترتبة على نظام الزراعة والأغذية، مرجع سبق ذكره، ص ص 6-10.

[30] محمد العربي، معركة تكسير العظام.. صراع حمدوك والبرهان وحميدتي على ثروات السودان، الجزيرة نت، 17/10/2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/73aNf

[31] محمد صلاح عبد الرحمن، حرب السودان الأخرى: موقع الذهب في اقتصاديات الحرب، مرجع سبق ذكره، ص 9.

[32] هالة أبو شامة، دانييل ريسنيك، خالد صديقن أوليفر كيروي، الدوافع السياسية والاقتصادية للصراع المسلح في السودان: الآثار المترتبة على نظام الزراعة والأغذية، مرجع سبق ذكره، ص ص 7- 11.

[33] جوناثان كامبل جيمس، الحد من التدخل الخارجي في حرب السودان، مرجع سبق ذكره.

[34] Susan Stigant, Four Priorities for Sudan a Year into the Civil War, The United States Institute of Peace, 18/4/2024, Available at: https://2h.ae/jwJj

[35] EU sanctions six companies accused of ‘undermining stability’ in Sudan, ALJAZEERA, 23/1/2024, Available at: https://2h.ae/UTMb

[36] هالة أبو شامة، دانييل ريسنيك، خالد صديقن أوليفر كيروي، مرجع سبق ذكره، ص ص 8- 22.

[37] جوناثان كامبل جيمس، خدم سابقاً في لبنان، والمملكة العربية السعودية، وسلطنة عُمان، والعراق مع فيلق المخابرات التابع للجيش البريطاني، ويدير حالياً شركة استشارية تركز على المخاطر السياسية والعناية الواجبة في منطقة الخليج.

[38] جوناثان كامبل جيمس، الحد من التدخل الخارجي في حرب السودان، مرجع سبق ذكره.

[39]  من قبضة البشير إلى المواجهة بين الجيش والدعم السريع.. كيف انتهى السودان للاقتتال بدلا من الديمقراطية؟، الجزيرة نت، 27/6/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/azrVQ

[40] أحمد يونس، تجدد «حرب الجسور» في الخرطوم «الدعم السريع» تتوسع وسط السودان، الشرق الأوسط، 2/7/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/G043Q

[41] طارق عثمان، السودان.. نيران الحرب تلتهم البنية التحتية والمنشآت الحيوية، البيان، 2/7/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2h.ae/qibW

[42] أماني الطويل، أبعاد المشهد السوداني في 2024، آفاق مستقبلية، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار- مجلس الوزراء المصري، العدد 4، يناير 2024، متاح عبر الرابط التالي https://cutt.us/gJX9W

[43] المرجع السابق.

[44] Sudan: One Year of Conflict – Key Facts and Figures (15 April 2024), OCHA, 14/4/2024, Available at: https://2h.ae/RACo

[45] ibid.

[46] أماني الطويل، أبعاد المشهد السوداني في 2024، آفاق مستقبلية، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار- مجلس الوزراء المصري، العدد 4، يناير 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/gJX9W

[47] Sudan Crisis Report: One Year of Conflict, April 2024, international rescue committee, Available at: https://2h.ae/PAbD

[48] Sudan: One Year of Conflict – Key Facts and Figures, Op.Cit.

[49] Ibid.

[50] Susan Stigant, Four Priorities for Sudan a Year into the Civil War, Op. Cit.

  • نُشر التقرير في: فصلية قضايا ونظرات- العدد الرابع والثلاثون- يوليو 2024.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى