إدانة الاستدانة: سياسات الإقراض الدولي بين الخارجي والداخلي.. حالات كاشفة

تقديم

اقترنت قضية تراكم الديون في بعض الموروثات الثقافية والدينية بمعانٍ عديدة اعتُبرت جُلَّها سلبية؛ إذ إن الشخص المَدين قد يصبح مهدَّدًا بالسجن أو الوقوع في براثن العبودية في حال عدم قدرته على سداد ديونه[1]، وتعكس مقولة “الدَّين هَمٌ بالليل ومذلةٌ بالنهار” القيود التي تفرضها الديون على حرية الأفراد في اتخاذ القرارات، ولعل استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من غَلَبَةِ الدَّيْنِ أي كثرته خصوصًا مع تزامن المطالبة به والعجز عن سداده؛ هو خير دليل على ما تفرضه الديون على الفرد بوضع فقه خاص لأولوياته واختياراته.

الأمر نفسه لا يختلف كثيرًا في حالة الدول، فهناك مقولة مشهورة تُنْسَبُ لجون آدمز -الذي شغل منصب الرئيس الثاني للولايات المتحدة الأمريكية- تكشف الآثار الوخيمة التي قد تُحْدِثُها الديون على مستوى الدول، حيث قال “هناك طريقتان لغزو واستعباد الدول؛ إما بالسيف، أو إغراقها في الديون”[2]؛ الأمر الذي يعكس نفوذ الديون وأنها قد تكون أداة لاستعباد وغزو الدول؛ وبالتالي، فإن تراكم الدين وعدم القدرة على سداده هو أمر مَعيب وتحفُّه الكثير من المخاطر من الناحية الدينية والثقافية، ناهيك عن تداعياته السياسية والاجتماعية.

وقد اكتسبت قضيَّة المديونيَّة اهتمامًا واسعًا خلال ثمانينيَّات وتسعينيَّات القرن الماضي لارتباطها مع الأزمات الاقتصادية الخانقة التي أصابت دول أمريكا اللاتينية بالأساس وبعض الدول النامية الأخرى[3]، ومن ثمَّ تمَّ تناول قضية الديون من قبل الباحثين من نواحٍ عدَّة؛ من ناحية دراسة هيكل وتصنيفات ومسبِّبات الديون، وكفاءة استخدام الاقتراض في تمويل التنمية، ومخاطر تنامي المديونيَّة، ولم يتوقَّف الأمر فقط على دراسة تلك الأبعاد، بل انشغلت بعض الدراسات بتحديد مآلات الديون بعد سقوط الأنظمة الاستبدادية وظهور مصطلح الديون الكريهة أو البغيضة Odious Debt[4] مقابل الديون الحميدة Virtuous Debt.

وتزداد وطأة قضية الديون مع ما يشهده العالم من أزمات اقتصادية متعدِّدة المستويات ومتداخلة الأبعاد، والتي بدأت إرهاصاتها منذ أزمة جائحة كورونا في بداية 2020؛ وما سبَّبته من زيادة معدَّلات البطالة وتعطُّل سلاسل الإنتاج في العام الذي تلاه، فلم يَكَدِ العالم يبرأُ قليلًا حتى شهد عام 2022 خمس صدمات زادته ارتباكًا وهي استمرار تداعيات الجائحة، والأزمة الروسية الأوكرانية، وما أحدثتْه سلبًا على معدلات التضخم في أسعار الغذاء والطاقة، والتراجع في النمو، وتحديات الديون في الدول النامية والأسواق الناشئة خاصة الديون المقوَّمة بالدولار الأمريكي بل وزيادة احتمالات تخلُّفها عن سداد أقساط ديونها[5].

وعلى الرغم من أن أزمة المديونية في مضمونها الأساسي اقتصادي؛ فإن هذه الأزمة لها آثار وأبعاد سياسية واجتماعية لا تقلُّ وطأةً عن أبعادها وآثارها الاقتصادية، وتُعَدُّ من أهم القضايا التي تفاقمتْ وفرضَتْ نفسَها على الساحة نتيجة الأزمات المتعدِّدة والمتراكبة التي يشهدها العالم في الآونة الحالية.

تأسيسًا على ذلك، ينقسم هذا التقرير إلى أربعة أقسام؛ يتناول القسم الأول تصنيفات الدين (مع التركيز على الفارق بين الدين العام الداخلي والخارجي)، ويركِّز القسم الثاني على هيكل الدائنين في الدول النامية ومصر، ومن ثم يتطرَّق القسم الثالث إلى صندوق النقد الدولي كأحد أهم المقْرضين ومدى اختلافه عن نموذج الصين في الإقراض، أمَّا القسم الرابع فيستعرض بعضَ النماذج الكاشفة (الأرجنتين وسريلانكا) وهي بمثابة نماذج تطبيقية على نموذجي الصندوق والصين للإقراض.

القسم الأول: حول مفهوم الدين وتصنيفاته (مع التركيز على الفارق بين الدين الداخلي والخارجي)

تُعَدُّ عملية الاستدانة لتمويل موازنات الحكومات هي عملية طبيعية تقوم بها الدول النامية والمتقدِّمة على حَدٍّ سواء، إلَّا أن الظروف العالمية قد أدَّت إلى تفاقم حدَّة هذه الأزمة خصوصًا في ظلِّ التباطؤ الاقتصادي العالمي وارتفاع معدَّلات التضخُّم ونقص إمدادات عددٍ من السلع الأساسية خصوصًا في ظلِّ العقوبات المفروضة على روسيا؛ وقد تبيَّن أن الاقتصادات الناشئة هي الأكثر عرضة لمخاطر أزمة الديون وتراكمها (باعتبارها مستوردًا صافيًا للغذاء والطاقة)[6]؛ فمنذ أواخر عام 2019؛ قامت الحكومات بزيادة الإنفاق على القطاع الصحي، وزيادة الإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية؛ الأمر الذي ساهم في رفع معدَّلات عجز الموازنة العامة وارتفاع مستويات الدين العام عالميًّا، حيث وصلتْ نسبةُ الديْن العام إلى إجمالي الناتج المحلي عالميًّا 97٪ عام 2020، بينما سجَّلت هذه النسبة 119.8٪ بالاقتصاديات المتقدِّمة و66.1٪ بالاقتصاديات الصاعدة خلال عام2021[7].

وتنبغي الإشارة إلى أن الدين ينقسم إلى قسمين: دين عام داخلي ودين عام خارجي؛ فالديون الداخلية للدول هي الديون التي تستحق للمقرضين المحليِّين داخل الدولة نفسها، بما في ذلك البنوك والمؤسسات المالية والشركات والأفراد. وعادة ما يكون للحكومات ديون داخلية لتمويل الإنفاق الحكومي والمشاريع العامة، ويكون هذا النوع من الديون مستقرًّا نسبيًّا وأقل عرضة للمخاطر المتعلِّقة بالتذبذبات الاقتصادية العالمية.

أمَّا الديون الخارجية فهي الديون المستحقَّة للمقرِضين خارج الدولة، بما في ذلك الحكومات الأجنبية والمؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنوك التجارية الدولية والمستثمرين الأجانب. وعادة ما تكون هذه الديون تستخدم لتمويل مشاريع التنمية والبنية التحتية والصادرات، ويمكن أن تكون أكثر عرضة للمخاطر المتعلِّقة بالتغيُّرات في الأسعار والعملات والظروف السياسية في الدول المانحة.

ودائمًا ما يتم التركيز على رصد المديونية الخارجية للدول وليس المديونية الداخلية، وذلك يرجع لسببيْن أساسيَّين؛ فالاستدانة من الخارج تُعَدُّ موردًا إضافيًّا للموارد المتاحة في الاقتصاد المحلي، بينما تُعَدُّ الاستدانة من الداخل بمثابة تحويل للموارد داخل الاقتصاد المحلي؛ مع الوضع في الاعتبار أن خدمة المديونية سواء داخلية أو خارجية تشكل معضلة تنموية، ويعود السبب الثاني إلى أن البنوك المركزية في الدول النامية لا تستطيع طباعة نقد أجنبي لسداد الديون الخارجية؛ وبالتالي فيعتبر الاقتراض الخارجي هو السبب الرئيسي وراء أزمات الديون في تلك الدول، وهذا ما يفسر اعتبار ديون الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية( الأعلى ديونًا على المستوى العالمي) المقوم بعملتها المحلية ولا يخضع لتقلبات سعر صرف العملات الدولية المقترض بها، أقل عرضة للأزمات من الدول التي لديها ديون بالعملات الأجنبية[8].

وعادةً ما تنقسم الديون الخارجية حسب الفترة الزمنية للسداد إلى ديون قصيرة الأجل، وهي الديون الواجب سدادها في حدود سنة، ويتميز هذا النوع بارتفاع تكلفته ولا تلجأ إليه الدول عادةً إلا في حالة تصحيح عجز مؤقَّت في موازنتها، وعدم قدرتها على الحصول على قروض طويلة الأجل، أما الديون طويلة الأجل، الواجب سدادها خلال فترة زمنية أکثر من سنة وقد تزيد عن عشرة سنوات، ويتَّصف هذا النوع بإنخفاض تكاليفه وکثرة تسهيلاته مقارنة بالنوع الأول[9].

وترتبط أزمة الديون بعدم قدرة الدول على سداد الدين الخارجي والتي ترجع بشكل أساسي لمشكلة ضعف الهيكل الإنتاجي وعدم القدرة على تدبير النقد الأجنبي من خلال التصدير، ولارتفاع المديونية الخارجية آثارًا سلبية عديدة على الدول النامية من أهمها، ارتفاع أسعار الفوائد وأقساط الديون وأحيانًا بمعدل نمو الدين نفسه، وقد يذهب جزء كبير من القـروض الجديـدة التـى يـتم إبرامها لسداد إلتزامات القرض السابق . وهو ما يلزم الحكومة لإعادة تدوير الدين المستحق Roll over the debt ويضع تلك البلدان في فخ المديونية؛ وبالتالي قد يقوض قدرة الحكومة على تمويل برامج الإنفاق الاجتماعي- على اعتبار أن مخصصات الإنفاق العام تذهب لسداد أعباء الديون- وتخفيض الحكومات الإنفاق على الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية.

وتؤدِّي مشكلة الديون الخارجية لإضعاف قدرة الدول النامية على الاستيراد نتيجة لالتهام النقد الأجنبي اللازم لإتمام عمليات الاستيراد، فضلًا عن استهلاك نسبة كبيرة من حصيلة النقد الأجنبي من الصادرات[10]. وقد شهد العقد الماضي تغيُّرات جذرية في هيكل الدائنين، حيث اتَّجهت دول عدَّة نحو التوسُّع في إصدار سندات، سواء في السوق المحلي أو أسواق المال العالمية بدلًا من الاقتراض من الدول الكبرى أو المؤسَّسات المالية، وظهرت مجموعة من الدائنين من خارج نادي باريس Non Paris Club Creditors وعلى رأسها الصين، وهو ما سيتم مناقشته في القسم الثالث من التقرير.

القسم الثاني: هيكل الدائنين في الدول النامية

يندرج الدائنون تحت فئات مختلفة، فقد يتم التمويل من قبل الدائنين من خلال جهات متعدِّدة الأطراف مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير والبنك الآسيوي للاستثمار، أو تمويل ثنائي (من خلال اتفاقيات ثنائية الأطراف Bilateral Creditors)، أما النوع الثالث من المقرضين فيشمل مقرضين تجاريِّين من القطاع الخاص، ويعتبر التوسُّع في إصدار السندات سواء في السوق المحلي أو أسواق المال العالمية شكلًا خاصًّا من أشكال الاقتراض؛ حيث يجلب هذا النوع من التمويل مشاكله الخاصة والتي من أهمِّها هروب رؤوس الأموال، وتشتُّت الدائنين جغرافيًّا[11].

وفي خلال العقد الماضي، اتَّجهت العديد من الدول نحو التوسُّع في إصدار السندات سواء في السوق المحلي أو أسواق المال العالمية بدلًا من الاقتراض من الدول الكبرى أو المؤسسات الدولية، كما ظهرت مجموعة من الدائنين الجدد من خارج نادي باريس توسَّعت في إقراض الدول (الدول منخفضة الدخل والأسواق الناشئة⁕⁕)، خصوصًا بعد أن خفضت دول نادي باريس القروضَ الممنوحةَ للدول ذات الدخل المنخفض منذ مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون التي أطلقها صندوق النقد الدولي عام 1996[12] كإطار شامل للتعامل مع قضايا الدين الخارجي، والتي تستهدف وضع برنامج للإصلاح الاقتصادي ومرور سنوات معينة على تطبيق ذلك البرنامج من أجل الوصول لنقطة استدامة الدين، بأن يبلغ الدين العام نسبة معيَّنة من صادرات وإيرادات الدولة المثقلة بالديون.

وعلى الرغم من اتجاه الدول النامية لإصدار السندات كأداة من أدوات سَدِّ الفجوة التمويليَّة، بقيت المؤسَّسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي من أهم الأطراف الدائنة خصوصًا في الدول العربية مرتفعة المديونية (على سبيل المثال كانت مصر، والأردن، ولبنان، والمغرب والسودان، وتونس من أعلى الدول العربية ديونًا في عام 2019 أي قبل ظهور بوادر أي أزمة على الساحة الدولية)[13].

ولبيان دور صندوق النقد الدولي كمقرضٍ أساسيٍّ في معادلة الاستدانة، سيتمُّ بيان هيكل الدائنين لمصر على سبيل المثال وفقًا لما جاء في تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري الصادر عن البنك المركزي؛ حيث بلغت الديون الخارجية لمصر وفقًا للنشرة الشهرية الصادرة عن البنك المركزي المصري في فبراير 2023[14] نحو 154.9 مليار دولار، وبلغت الديون المستحقَّة للمؤسَّسات الدولية متعدِّدة الأطراف نحو 49.7 مليار دولار تمثِّل قروض صندوق النقد الدولي وحدها 42.3٪ من قروض هذه المؤسسات، أي حوالي 21 مليار دولار.

وتتوزَّع قروض الصندوق على النحو التالي[15]:

  • 10 مليار دولار أمريكي تمثل تسهيل الصندوق الممدد (Extended Fund Facility).
  • 6 مليار دولار أمريكي تمثل أداة التمويل السريع (Rapid Financing Instrument).
  • 8 مليار دولار أمريكي تمثل اتفاقية الاستعداد الائتماني (Stand By Agreement).
  • 6 مليار دولار أمريكي تمثل تخصيصات حقوق السحب الخاصة.

وتتمثَّل المؤسسات متعدِّدة الأطراف الأخرى في البنك الدولي للإنشاء والتعمير، حيث وصلت الديون المستحقة إلى (12.1 دولار أمريكي مليار دولار أو 24.4٪ من إجمالي الديون الخارجية)، وبلغت الديون المستحقَّة لبنك الاستثمار الأوروبي (4.4 مليار دولار بنسبة 8.8٪ من إجمالي الدين الخارجي)، والبنك الأفريقي للاستيراد والتصدير (2.9 مليار دولار أمريكي أو 5.8٪ من إجمالي الديون الخارجية)، والبنك الأفريقي للتنمية (2.6 مليار دولار أمريكي أو 5.2٪ من إجمالي الديون الخارجية). بالإضافة إلى الديون المستحقَّة للدول النامية والتي بلغت 41.3 مليار دولار أمريكي؛ وشكَّلت الديون المستحقَّة للإمارات (12.3٪ من إجمالي الدين الخارجي)، والديون المستحقة للسعودية حوالي 8.0٪، والكويت 3.9٪، وقطر 2.0٪. وفي الوقت نفسه ، تمت استدانة 9.7 مليار دولار أمريكي من خمسة أعضاء من دول نادي باريس على النحو التالي؛ المملكة المتحدة (2.6 مليار دولار أمريكي)، واليابان وألمانيا (2.4 مليار دولار أمريكي لكلٍّ منها)، وفرنسا (1.8 مليار دولار أمريكي)، والولايات المتحدة الأمريكية (0.5 مليار دولار أمريكي). فضلًا عن ذلك هناك 7.5 مليار دولار أمريكي مستحقَّة للصين.

شكل (1) هيكل الدائنين في حالة الديون الخارجية لمصر في سبتمبر 2022

المصدر: تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري 2022/2023

 

وقد تبيَّن من الشكل (1) هيمنة المؤسسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي على ملف المديونية في الدول النامية ومن بينها مصر، على الرغم من ارتفاع إصدار السندات المقومة بعملات أجنبية عديدة كأداة تمويلية؛ وانخفاض حجم الديون المصرية المستحقة للصين؛ إلا أن الصين قد عُدَّتْ في الآونة الأخيرة أعلى دائن سيادي للدول ذات الدخل المنخفض. فكيف اختلف نمط إقراض صندوق النقد الدولي عن نموذج الصين؟ وهل يوجد اختلاف أصلًا؟ هذا ما ستتمُّ مناقشتُه في القسمين التاليين من التقرير.

القسم الثالث: أنماط الإقراض على الساحة الدولية (صندوق النقد الدولي والصين كنموذجين للإقراض)

انطلاقًا ممَّا تمَّ التوصُّل إليه في القسم السابق، بأن مؤسسات التمويل الدولية تُعَدُّ من أهمِّ الفاعلين في ملف المديونيَّة وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، حيث يعود الأصل التاريخي لتطبيق سياسات الإصلاح الاقتصادي وصعود دور مؤسَّسات التمويل الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) في الإقراض ومشروطيَّتها إلى أوائل الثمانينيَّات، حينما تفجَّرت أزمة المديونية نتيجة لعجز المكسيك -والتي كانت من كبريات الدول المدينة- عن الوفاء بالتزاماتها، ونتجت عن ذلك سلسلة من الإجراءات تمثَّلت في لجوء المكسيك إلى البنك الدولي ثم صندوق النقد الدولي، والوصول إلى اتفاق يتضمَّن تعهُّد حكومة المكسيك بتطبيق مجموعة من الإجراءات، عُرِفَتْ بإجراءات التثبيت والتكيُّف الهيكلي؛ فمع مطلع الثمانينيَّات ساد اتجاه عام في كلٍّ من الدول المتقدِّمة والنامية يتركَّز حول تفعيل دور قوى السوق، وتقليل التشوُّهات التي تحدُث فيه نتيجةَ تدخُّل الدولة، وذلك استجابةً لوصايا البنك وصندوق النقد الدوليين[16].

وهنالك ثمة فروق بين مؤسَّستي بريتون وودز (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي)، فالصندوق مَعْنِيٌّ بضمان استقرار الأنظمة المالية بما فيها سعر صرف العملات، وتعديل موازين مدفوعات الدول النامية عن طريق تقديم قروض، بينما يركِّز البنك الدولي على تقديم المساعدات المالية والفنية للدول الفقيرة لإجراء الإصلاحات وتنفيذ مشاريع محدَّدة كبناء المدارس والمراكز الصحية وتوفير المياه والكهرباء، والتأكيد على أهمية الخصخصة وتحرير التجارة الخارجية وزيادة مرونة قوانين العمل، وقد أشارت بعضُ الدراسات إلى أن إجراءات البنك الدولي لا تَقِلُّ في التكلفة الاجتماعية عن تلك المقترحة من الصندوق، بل وتشترك مع سياسات الصندوق في أثرها السلبي على معدَّلات البطالة وتحمُّل ذوي الدخول المنخفضة للجزء الأكبر من عبئها[17].

وتتركَّز أهداف وشروط برامج التكيُّف والتثبيت الهيكلي المعتمدة على ما يسمَّى بمبادئ إجماع واشنطن Washington Consensus حول عشر وصايا والتي تتلخَّص في الانضباط المالي ويتمُّ بتقليص عجز الموازنة؛ وإعادة توزيع الإنفاق العام (بغرض تقليص أو إلغاء الدعم)؛ والإصلاح الضريبي (تقليل معدلات الضريبة)؛ وتحرير أسواق المال وبخاصة سعر الفائدة؛ وتوحيد أسعار الصرف عند معدَّلات منخفضة تساعد على التصدير؛ وتحرير التجارة الخارجية؛ وإزالة القيود على تدفقُّات الاستثمار الأجنبي؛ وخصخصة المشروعات المملوكة للدولة؛ وإلغاء القيود على دخول السوق والمنافسة، وأخيرًا كفالة الحماية الثانوية لحقوق الملكية الخاصة[18].

وقد تطوَّرت مشروطية صندوق النقد الدولي منذ تأسيسه؛ ومن الجدير بالذكر أن المشروطية لم تُذكر في اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي Articles of Agreement لصادرة عام 1944، ويبرِّر ذلك حقيقة أن مؤسِّس الصندوق النقد الدولي والاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز، الذي يمثِّل الموقف الإنجليزي، قد رفض مفهوم المشروطية، استنادًا إلى احترام مبدأ السيادة. ومع ذلك، عارضت الولايات المتحدة (ممثَّلة في المؤسِّس الثاني للصندوق؛ الأمريكي جون ديكستر وايت) هذا المبدأ، حيث اعتبرت أن المشروطية ضرورية لمنع التصرُّف في موارد صندوق النقد الدولي لأغراض مخالفة لنصوص تلك الاتفاقية[19].

وسرعان ما تمَّ إدخال مبدأ المشروطية في خمسينيَّات وستينيَّات القرن الماضي، حتى وصل في الثمانينيَّات إلى نقطة التحوُّل الجوهرية، حيث واجهت الدول النامية صعوبات في خدمة الدين والتي باتت تعرف باسم «أزمة الديون». لذا تدخَّل صندوق النقد الدولي لحلِّ الأزمة وقام بتوسيع نطاق تطبيق المشروطيَّة من خلال التركيز على الإصلاحات الهيكلية وإنشاء تسْهيل التصحيح الهيكلي Structural Adjustment Facility -المستلْهمة من مبادئ إجماع واشنطن- وضمان كفاءة توزيع الموارد، بل واتَّسع مفهوم المشروطية حتى شمل الحوكمة -وليس فقط إجراء إصلاحات في الملف الاقتصادي- داخل الدول المقترضة.

أما عن الصين، والتي أصبحت تُصَنَّفُ باعتبارها أكبر دائن للدول محدودة الدخل Bilateral Creditor[20]، فهي دائمًا ما تقدِّم نفسها كنموذجٍ واعدٍ للتنمية الاقتصادية وهذا يرجع إلى نجاح الصين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من الخروج من دائرة الفقر وتحولها من مجرد بلد زراعي إلى بلد تُعَدُّ الأعلى في معدل النموِّ عالميًّا، تحاول الصين بناء منهج فريد من نوعه في سياستها الخارجية، فنموذجها قائم على التبادل الحر للمصالح بدون ضغوط سياسية أو تبعية مستمدَّة من زمن الاحتلال البائن، وهذا في حالة ما تمَّ مقارنة النموذج الصيني في الهيمنة بالنموذج الاستعماري الأوروبي بالنسبة للعلاقات الاقتصادية للدول الأوروبية بأفريقيا -والتي تُعَدُّ من أكبر الدول استدانة من الصين واقترضت مليارات الدولارات في إطار مبادرة الحزام والطريق- وبناءً على ذلك فقد اعتمدت الصين لإنجاح استراتيجيَّتها على أدوات متنوِّعة سياسية وعسكرية ودبلوماسية وثقافية واقتصادية.

وقد أشارت بعض الدراسات[21] إلى بزوغ دور للصين في إقراض أموال طائلة للعالم النامي في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، وظهرت الآراء حول مدى منافسة الصين لصندوق النقد الدولي، ومدى اختلاف توجهات كل من الطرفين؛ فيسعى الصندوق نحو فرض التزامات وشروط على ملف الإصلاح الاقتصادي، فإن الصين عادةً ما تُقرض مشاريع بنية تحتية محدَّدة -في إطار مشروع الحزام والطريق- تبنيها شركات صينية وتسمَّى Resource-Backed loans⁕⁕⁕ ويلعب عاملان اثنان دورًا محوريًّا في تقديم تمويل من قبل الصين للدول النامية، وهما وفرة الموارد ووجود مصالح جيوسياسية مع الطرف المقترض.

واتجهت الدراسات نحو اتجاهين[22]، إمَّا اعتبار وصفات صندوق النقد الدولي للإصلاح الاقتصادي تمثِّل الطريق الأضْمن للاستقرار، مقارنة بالبديل الصيني الذي يسْعى نحو إغراق البلدان النامية بالديون في إطار ما يعرف بـChina Debt Trap أو فخ الديون الصينية، وذلك بسبب لجوء الحكومة الصينية للاستحواذ على الأصل الذي تمَّ إنشاؤه -كالموانئ مثلا- في حالة عدم تحقيقه للعائد المرجو لتغطية تمويل نشأة الأصل، في حين يرى الفريق الآخر أن الصين تعطي “مساحة سياسية” للحكومات لاختيار تنميتها الاستراتيجية، وتقدِّم خيارًا جديدًا للدول التي تلجأ إلى صندوق النقد الدولي بسبب عدم فرض شروط بعينها على الدول المقترضة مثلما يفعل الصندوق[23].

وفي العموم، يلعب كل من بنك التنمية الصيني وبنك الصين للتصدير والاستيراد دورًا رئيسيًّا في تمويل مشروعات البنية التحتية، كما يفعل البنك الدولي في تمويله مشروعات تنموية في الدول النامية، وتلعب اتفاقيات تبادل العملات التي أطلقتها الصين Swap Currency Agreements كآلية إنقاذ مالي لتعزيز الاحتياطيات الدولية في الدول المتعثِّرة.

واستعانت الصين بشبكات خطوط المقايضة العالمية -وفقًا لإحدى الدراسات- بشكل كبير لدعم الدول التي تواجه أزمات مالية عاجلة. على سبيل المثال، قدَّمت الصين مساعدة مالية بقيمةٍ تزيد على 170 مليار دولار أمريكي لدعم السيولة الطارئة في تلك الدول، وبالإضافة إلى ذلك، قدَّمت البنوك والشركات الصينية المملوكة للدولة 70 مليار دولار أمريكي إضافية في صورة قروض إنقاذ لدعم ميزان المدفوعات في تلك الدول[24].

وأكَّدت مقالة حديثة منشورة في صحيفة نيويورك تايمز على ما جاءت به الدراسة السابقة[25]؛ والتي تشير إلى أن الصين تقدِّم قروض إنقاذ -من خلال بنك الصين للتصدير والاستيراد- بشكل مضطرد، حيث تركِّز على الدول التي تتمتَّع بأهمية جيوسياسية أو لديها الكثير من الموارد الطبيعية، وعلى الرغم من أن الأموال التي تقرضها الصين لم تتساوَ بعد مع صندوق النقد الدولي، فإن وتيرة إقراضها تتسارع في السنوات الأخيرة. وقدَّمت الصين 40.5 مليار دولار في هذه القروض إلى الدول المتضرِّرة من جائحة كورونا في عام 2021، وفقًا لدراسة جديدة قام بها خبراء أمريكيون وأوروبيُّون استندوا فيها إلى إحصاءات من معهدAidData ، وهو معهد بحثي بولاية فرجينيا، وفي المقابل قدَّم صندوق النقد الدولي 68.6 مليار دولار للدول التي تُعاني من الأزمات المالية في عام 2021.

ويمكن إجمالًا عرض أوجه الاختلاف والتشابه -وفقًا لما تمَّ الاطلاع عليه من مصادر- بين نمط إقراض الصندوق والصين في النقاط التالية:

  • مصادر التمويل: عادةً ما يقدِّم صندوقُ النقد الدولي الدعمَ الماليَّ من خلال حصص الأعضاء Quotas، وعادةً يتمُّ حساب هذه الحصص وفقًا لقوة ووزن كل دولة في الاقتصاد العالمي، في حين أن الصين تستخدم رأس مالها الخاص لتقديم الدعم المالي للدول النامية من خلال الحكومة الصينيَّة أو شركات وبنوك مملوكة للحكومة الصينيَّة[26].
  • شروط الإقراض: تفرض الصين شروطًا مختلفة عن تلك التي يفرضها صندوق النقد الدولي عندما تقدِّم الدعمَ الماليَّ للدول النامية، حيث تطلب الصين الحصول على عقود تجارية أو استخدام شركات صينية في مشاريع التنمية. بينما يشترط صندوق النقد الدولي عادةً الالتزام بمجموعة من الشروط الاقتصادية والمالية في الدول المستفيدة[27].
  • حجم المساعدات ومدة الاستحقاق⁕⁕⁕⁕: تمنح الصين حوالي ثلثي القروض الممنوحة من بنك التصدير والاستيراد الصيني وبنك التنمية الصيني والشركات والبنوك المملوكة للدولة نحو 4 سنوات فترة سماح و13 عامًا للاستحقاق[28]، في حين تتفاوت البرامج التي يقدِّمها الصندوق من حيث الحجم والمدَّة، فمثلًا تسهيل الصندوق الممدَّد The Extended Fund Facility يستهدف مساعدة البلد المعني على تنفيذ إصلاحات هيكليَّة متوسِّطة الأجل بإتاحة فترة أطول للسداد، بينما التمويل السريع واتفاق الاستعداد الائتماني يتيحان تمويلًا ذا أجل قصير.
  • معدَّل الفائدة: تشير إحدى الدراسات[29] ومصادر أخرى إلى أن الفوائد التي تفرضها الصين تعتبر مرتفعة نسبيًّا إذا ما تمَّ مقارنتها مع معدلات الفائدة التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية، ونظرًا لأن التمويل الذي تمنحه الصين هو في أغلب الأحيان تمويلٌ طويل الأجل.
  • الشفافية: يشير عدد كبير من الدراسات إلى افتقار الصين للشفافية في التعاملات المالية، ممَّا يتيح للصين إمكانية التأثير على الدول المستفيدة بطرق غامضة، فرصدت بعض الدراسات أن 50٪ من الإقراض الرسمي الصيني للدول النامية غير مذكور في قاعدة بيانات الديون الرسمية الأكثر استخدامًا، وتم تسميتها بالديون “الخفيَّة” وما تحدثه هذه الديون في القدرة على تحمُّل الديون[30]. وعلى الجانب الآخر، يتبع صندوق النقد الدولي نهجًا شفَّافًا- إذا ما تم مقارنته بالصين- من خلال تقديم تقارير منشورة عن أنشطة الإقراض، بما في ذلك شروط القرض وجداول السداد، وتُتَاح هذه المعلومات على الموقع الإلكتروني لصندوق النقد الدولي وفي تقاريره الدورية. كما يكشف صندوق النقد الدولي عن شروط السياسة الاقتصادية المرتبطة بقروضه.

تبيَّن ممَّا سبق ذكره؛ تبايُن أنماط الاقتراض على الساحة الدولية؛ فكل طرفٍ يسعى نحو تحقيق أقصى منفعة وعائد من إقراض الدول ذات الحاجة للتمويل؛ فذكرنا من ضمن الخيارات التي تُطرح أمام الدول النامية المتعثِّرة، وجود فاعلين مختلفين في ملف الإقراض -من حيث التوجُّه والسياسات والتطبيق- يتبنَّاهما كلٌّ من صندوق النقد الدولي والصين، وبذلك يكون أمام الدول النامية المفاضلة بين هذين النمطين، وهي في النهاية تسعى نحو سَدِّ فجوةٍ تمويليَّة مؤقَّتة ولا تقدِّم حلولًا جذرية للمشاكل الهيكليَّة التي تُعاني منها تلك البلدان.

وسيتم تناول بعض النماذج التطبيقية لهذين النمطين المختلفين، والتركيز على تجربة الأرجنتين مع صندوق النقد الدولي، وسريلانكا مع الصين.

القسم الرابع: نماذج تطبيقية وكاشفة لأنماط الإقراض في الساحة الدولية

على الرغم من تنوُّع خبرات صندوق النقد الدولي مع دول نامية عديدة منها الآسيوية والأفريقية واللاتينية، فإنه قد وقع الاختيار على دولة تنتمي للمجموعة الأخيرة، حيث تتشابه الهياكل الاقتصادية وطبيعة الأنظمة السياسية (المتمحورة حول مركزية دور العسكريِّين) في كلٍّ من دول أمريكا اللاتينية والدول العربية، وسيتم تناول الفترة قبيل إعلان إفلاس البلاد في 2001.

اعتُبرت الأرجنتين في ثلاثينيات القرن المنصرم واحدة من أغنى بلدان العالم -والتي تُصَنَّفُ اليوم واحدةً من أعلى الدول استدانةً من صندوق النقد الدولي[31]– إلَّا أنها في ستينيَّات وسبعينيَّات القرن الماضي مَرَّتْ بأزمات اقتصادية حادَّة، وتناوبَ العسكريُّون على حكمها، وأسَّس خورخي فيديلا عام 1976 نظامًا عسكريًّا سلطويًّا مستندًا بشكلٍ أساسيٍّ على روشتة صندوق النقد الدولي الذي دأبَ النظام على اتِّباع تعليماته[32].

أبرم الصندوق خلال الحقبة التي تقع بين 1959-1999 مع مختلف الحكومات الأرجنتينية 19 اتفاقًا، وقد حرَّر فيديلا على إثر هذه الاتفاقات الاقتصاد والتجارة من توجيه الدولة والقطاع المالي من القيود الحكومية، فضلًا عن خصخصة مشاريع الدولة ورفع الفائدة لجذب الاستثمارات بشكل كبير[33]، وفي هذه الآونة، ظهرت علاقات بين القادة العسكريِّين ورجال الأعمال، وحتى بعد إزاحة فيديلا عن سُدَّةِ الحكم بعد الاحتجاجات الشعبية التي طالبتْ بإقالتِه، تحوَّل معظم الجنرالات إلى رجال أعمال، وانخرطوا في الأنشطة الاقتصادية.

وفي غضون سبعة أعوام (1976-1983) من حكم فيديلا، انخفضت الأجور من الناتج القومي من 43٪ إلى 22٪، وتراجع الإنتاج الصناعي بنسبة بلغت 40٪ وارتفعت المديونية الخارجية من 8 مليارات إلى 44 مليار دولار، ولم يَحِدِ الرئيس الجديد، راؤول ألفونسين، عن نفس سياسات فيديلا، حيث شهد في عهده 4000 إضرابًا للعمال و15 إضرابًا عامًّا، وقامت احتجاجات شعبية ضد تلك السياسات التحرُّرية، ولم يستطع تنفيذَ سياسات الصندوق بحذافيرها (كامتناعه عن خصخصة ثلاثة مشروعات حكومية) ممَّا جعل الصندوق يُحجم عن تقديم دفعة جديدة وإجباره على الاستقالة.

وتولَّى زمام الأمور بعد ذلك كارلوس منعم، ذو الأصول السورية، والذي تكاتف مع الصندوق وأخضع الأرجنتين لـ”برنامج الصدمة”، الذي تمَّ بموجبه خصخصة القطاع المصرفي بالكامل تقريبًا، وتمَّ بيع مشاريع حكومية مثل شركة الخطوط الجوية الأرجنتينية وشركة البترول (YPF) إلى مستثمرين أجانب بأسعار لا تكافئ قيمتها، واشتمل برنامج الصندوق، على شروط من بينها زيادة قيمة الضريبة المضافة بنسبة بلغت 50٪ وتثبيت سعر صرف البيزو بالدولار الأمريكي، وتراجعت على إثر ذلك معدَّلات التضخُّم، إلَّا أن المبالغة في قيمة البيزو الأرجنتيني أدَّت إلى المبالغة في أسعار صادراتها وانخفاض أسعار الواردات بالعملة المحلية، وبالتالي تراجع الإنتاج المحلي لعدم قدرته على منافسة الواردات فضلًا عن تفاقُم العجز في ميزان المدفوعات، وهو ما أدَّى لتراجُع الإنتاج المحلي وتراجُع العائدات الضريبيَّة، بالإضافة إلى ارتفاع معدَّلات الفائدة التي يطلبها الدائنون الخارجيُّون، نتيجةَ توقُّعهم انخفاض قيمة البيزو الأرجنتيني في المستقبل؛ ممَّا ساهم في عدم قدرة الحكومة على سداد مديونيَّاتها[34].

وقد عُرفت الأرجنتين في أثناء حقبة كارلوس منعم بأنها التلميذ النموذجي Poster child لتطبيق سياسات صندوق النقد الدولي بحذافيرها[35]، وبعد أن أعلنت الأرجنتين عدم قدرتها على سداد ديونها في 2001، باعت الأرجنتين 40٪ من الشركات المملوكة للدولة و90٪ من القطاع المصرفي، وحصلت في المقابل على إيرادات إجماليَّة بلغت حوالي 49 مليار دولار، وتمَّ إنفاقُها على خدمة ديون البلاد للمستثمرين الأجانب.

ووفقًا لبيانات البنك الدولى، كانت الفترة من العام 1999-2002 أسوأ الفترات التى شهدها الاقتصاد الأرجنتيني في العقود الثلاثة الماضية. فخلال عام 2001 أعلنت الإفلاس، وتوقَّفت عن خدمة مديونيَّاتها الخارجية والتي وصلت 39 مليار دولار⁕⁕⁕⁕⁕، وزاد من حدَّة الأزمة، ولم تتمكَّن تدفُّقات الاستثمار الأجنبي المباشر من معالجة هذا الخلل الحاد في توازُنها الخارجي، وأصبحت الأرجنتين في ذلك العام من أكثر البلدان خطرًا (من الناحية المالية)، وانخفض احتياطي البنك المركزي بمقدار 2 مليار دولار في يوم واحد فقط[36].

وعليه، فقد عَلَّقَ صندوق النقد دفعة كان من المفترض أن تستلمها البلاد في ديسمبر 2001، وتمَّ الإعلان عن تخفيض قيمة البيزو بنسبة 29٪، وأعلنت الحكومة عن حزمة اقتصادية جديدة. ومع ذلك، لم تفلح الجهود في القضاء على الانهيار، بل واستمرَّ سقوط الاقتصاد الأرجنتيني حتى 2003، واتخذت الأرجنتين منحى بعيدًا عن توجيهات صندوق النقد الدولي وهي اعتماد سياسات مستقلَّة عن تلك الشروط التي أملاها صندوق النقد الدولي Self-reliant approach بُعيد حدوث الأزمة في 2001، واتَّبعت الحكومة سياسة نقدية تركِّز على دعم سعر الصرف إلى ثلاثة بيزو لكل دولار أمريكي للحفاظ على القدرة التنافسية للصناعة المحلية والصادرات الزراعية، مما أدى إلى زيادة الطلب المحلي والنقد الأجنبي.

أمَّا عن تجربة إقراض الصين لسريلانكا، فقد احتلَّت جزيرة سريلانكا -التي تقع في المحيط الهندي- مكانةً بارزةً في سياسة الصين الخارجية؛ واتَّخذت الصين سريلانكا مَعْبَرًا للولوجِ إلى المحيط الهنديِّ بغرض توسيع تواجدها في المنطقة، وأشار مصطلح “سلسلة اللؤلؤ String of Pearl” لوصْف مشروعات البنية التحتيَّة ذات الأغراض التجارية التي بنتْها الصين في تلك المنطقة كجزء من “طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين”. وتتمركز مشاريع الموانئ الرئيسيَّة في سريلانكا، في كولومبو وهامبانتوتا[37]. الأمر الذي بات يهدِّد المصالح الاستراتيجية للهند في منطقة جنوب آسيا[38].

ومن الجدير بالذكر أن الحكومة السريلانكية سبق وأن طلبت من الحكومة الهندية الاستثمار في بناء ميناء هامبانتوتا. ولكن قُوبل هذا الطلب بالرفض بسبب الشكوك بشأن جدْوى هذا المشروع من الناحية التجارية والاقتصادية، ثم طلبت حكومة سريلانكا من الصين نفس الطلب، وقوبل هذا الطلب بالترحيب وبالفعل بدأت أعمال البناء في الميناء في عام 2008.

وقد اعتُبر الميناء في هامبانتوتا تجسيدًا لمشروع الحزام والطريق الصيني ويعكس نمط إقراض فريد من نوعه، حيث تم تمويله بالديون الصينية ولم يُنتج من الإيرادات ما يكفي لتغطية تكاليفه، ممَّا أدَّى إلى تبادل الديون بالأسهم Debt to Equity حيث حصلت الصين على 85٪ من حصة الميناء بعقد تأجير لمدة 99 عامًا بالإضافة إلى 15 ألف فدان قريبة من الميناء كمنطقة صناعية مقابل إلغاء الدين في عام 2017، وقد تم تأجير ميناء هامبانتوتا لتوليد عائد مالي قدره 1.1 مليار دولار لتلبية الالتزامات المالية قصيرة الأجل.

وأعلنت وزارة المالية السريلانكية في 12 أبريل 2022 تعليق دفع أقساط الديون الخارجية السنوية المقرَّرة عليها لحين الاتفاق مع الدائنين حول كيفية إعادة هيكلة القروض، وتُعَدُّ الصين من أكبر دائني سريلانكا (بحوالي 7 مليارات دولار)، وقد صاحب إعلان تخلُّف سريلانكا عن سداد أقساط الديون السنوية نقص النقد الأجنبي وانقطاع التيار الكهربائي وارتفاع الأسعار وطول قوائم الانتظار للحصول على الوقود؛ ممَّا تسبَّب في اندلاع مظاهرات واحتجاجات واسعة النطاق. وتُعْزَى الأسباب الجذرية لمشكلة ديون البلاد إلى عوامل مختلفة، على رأسها فساد الحكومة والمحسوبيَّة، وإقراض الصين واسع النطاق، والتوسُّع في إصدار السندات الدولية والعجز الهيكلي في ميزان المدفوعات[39].

وأشارت مقالة منشورة في صحيفة الواشنطن بوست إلى أنه بين عامي 2000 و2020، قدَّمت الصين ما يقرب من 12 مليار دولار من القروض إلى الحكومة السريلانكية[40]، وقد سَعَتْ سريلانكا في السابق إلى الحصول على دعم صيني لإعادة هيكلة ديونها في عامي 2014 و2017، لكن قوبل هذان الطلبان بالرفض[41].

قد يرجع تأخُّر استجابة الصين لإعادة هيكلة الديون إلى عدَّة أسباب، ربما لقلَّة خبرتها في مجال الإقراض الخارجي، بما أنها حديثة عهد بالإقراض ومنافس حديث يتحسَّس الطريق في النظام المالي العالمي، وأيضًا لرفض القواعد والأعراف التي يقودها الغرب تحت لواء نادي باريس في ملف إعادة هيكلة الديون لأسباب أيديولوجية واضحة، إلَّا أن الصين قامت بالموافقة فيما بعد على إعادة هيكلة الديون في مارس 2023 أي بعد مرور عام على إعلان سريلانكا عجزها عن سداد ديونها[42]. وفي إطار محاولات سريلانكا سداد القروض المستحقَّة للصين البالغة 7 مليارات دولار، أشارت مصادر صفحية إلى أن سريلانكا تعتزم إرسال 100 ألف قرد من فصيلة الكاك النادرة إلى حدائق الحيوان في الصين وسط اعتراض ناشطين سريلانكيِّين في مجال البيئة من سوء استخدام هذه القرود.

وفي هذا السياق، قد يصبح صندوق النقد الدولي الخيار الأكثر قابلية للتطبيق للتغلُّب على الضائقة المالية التي تُعاني منها البلاد، وقد قام مجموعة الباحثين في دراسة باستخدام تحليل السلاسل الزمنية لعدد 162 دولة بين عامي 2000 و 2018، أظهرت نتائج البحث أن التخلُّف عن سداد الديون الصينية يزيد من احتمالية تبنِّي برامج صندوق النقد الدولي وتقبُّل الدول بموجب هذه البرامج لعددٍ أكبر من شروط الإقراض[43].

وبالفعل، في 20 مارس 2023، وافق صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 3 مليارات دولار لسريلانكا للمساعدة في حل الأزمة الاقتصادية المتصاعدة التي بدأت بعد تخلُّف سريلانكا عن سداد ديونها في أبريل 2022. وتمَّت الموافقة على القرض بعد سبعة أشهر من توصُّل مسؤولي صندوق النقد الدولي والمسؤولين الحكوميِّين إلى اتفاق مبدئي.

وبعد استعراض بعض المحطات من تجربة الإقراض لكلٍّ من الأرجنتين وسريلانكا، فإنه يُمكن القول إن أزمة الأرجنتين قد عكست أوجُهَ القصور في آليَّات رقابة صندوق النقد الدولي لمعدَّلات النمو؛ فلم تستند تقييمات السياسة المالية على تقييمٍ مناسبٍ لمخاطر تحمُّل الديون في حالة حدوث تباطؤ في معدَّل النمو، فضلًا عن أن تقييمات سعر صرف البيزو الأرجنتيني لم يَأْتِ مواتيًا للأزمة الاقتصادية وكذلك روشتة العلاج برمَّتها، وعلى الرغم من أن هذه البرامج قد نجحت في تحسين المؤشِّرات الاقتصادية على المدى القصير، فإنها لم تكن ناجعةً على المدى البعيد[44].

وبالتالي، فإنه مع عدم إغفال دور النخبة العسكرية الحاكمة في تنفيذ روشتة الصندوق، يمكن القول إن صندوق النقد الدولي يقوم بتطويق الدولة المقترضة من الناحية المالية، وقد تبيَّن عدم استطاعة الأرجنتين التخلُّص من تعثُّرها المالي إلَّا باتِّباع سياسات وطنية بمعزلٍ عن توجُّهات الصندوق، أمَّا بالنسبة لتجربة تمويل الصين لسريلانكا فقد اتَّضح اعتمادُها على نمطٍ فريدٍ من الإقراض، سواء من جهة تبادُل الأصول بالديون في حالة التعثُّر في تسديد قيمة القرض كما حدث في ميناء هامبانتوتا، أو عدم الإفصاح الصريح عن شروط الإقراض وعدم نشر بيانات عن قيمة القروض في قواعد بيانات الديون الأكثر انتشارًا، وعدم فرضها شروطًا قاسية في شكل روشتة علاج كما يفعل صندوق النقد الدولي، إلا أنه في حال اجتماع وجود موقع استراتيجي متميِّز يحقِّق مصالح حيويَّة للصين وموارد وفيرة وفساد من النخبة الحاكمة، تزداد احتمالية بسْط الصين نفوذها في هذه الدولة، والذي عادةً ما يُترجم في نهاية الأمر بالاستحواذ على الأصول المملوكة للدولة.

خاتمة:

استعرض التقريرُ تصنيفات الديْن مع التركيز على الفارق بين الدين العام الداخلي والخارجي، ثم تطرَّق إلى هيكل الدائنين في الدول النامية وفي مصر على وجه التحديد، ومن ثم تناول نموذج إقراض صندوق النقد الدولي ومدى اختلافه عن نموذج الصين في الإقراض، أما القسم الرابع فاستعرض بعض النماذج الكاشفة (الأرجنتين وسريلانكا) وهي بمثابة نماذج تطبيقية على نموذجي الصندوق والصين للإقراض.

وتبين ممَّا أورده التقرير مدى ارتباط أزمة الديون الخارجية بشكل أساسي بمشكلة ضعف الهيكل الإنتاجي وعدم القدرة على تدبير النقد الأجنبي من خلال التصدير، واتَّضح أنه على الرغم من تغيُّر هيكل الدائنين، وظهور مجموعة من الدائنين خارج نادي باريس، وتتصدَّرهم الصين، إلَّا أنه بقي صندوقُ النقد الدولي من أهم الفاعلين في معادلة الاستدانة، وتمَّ توضيح أوجه التشابه والاختلاف بين نموذج إقراض صندوق النقد الدولي والصين للدول النامية.

واستعرض التقرير مجموعة من النماذج التطبيقية الكاشفة لنمطي الإقراض، وتبيَّن وجودُ آثار سلبية عديدة من الناحية السياسية والاقتصادية الاجتماعية داخل الدول المقترضة (سريلانكا والأرجنتين)، وكأنه أصبح أمام الدول المتعثِّرة خياران أحلاهما مُرٌّ؛ فكلا البديلين لا يعالجان المشاكل الهيكلية التي تُعاني منها اقتصاديات الدول النامية، بل ويزيد من عبء الدولة المستدينة إما في الأجل القصير أو البعيد.

ومن هنا بدت الحاجة مُلِحَّةً لتقديم بديل في محاولة للانعتاق من أَسْرِ الانضواء تحت لواء نموذج توافق واشنطن أو توافق بيجين، وضرورة تغيير فلسفة التفكير وإعادة ترتيب البيت من الداخل، مع الأخذ في الاعتبار أن “استقلالية التنمية ليست قرينة العزلة أو القطيعة الكاملة مع العالم الخارجي، ولا تعني الانكفاء والاكتفاء الذاتي، إنما يتمثَّل جوهر التنمية في توفير أكبر قدر من حرية الفعل للإدراة الوطنية المستندة إلى تأييد شعبي حقيقي في مواجهة عوامل الضغط التي تفرزها آليات الرأسمالية، وفي مواجهة القيود التي تفرضها المؤسَّسات الراعية والحارسة للنظام الرأسمالي العالمي، ومن ثم توافر القدرة على التعامل مع الأوضاع الخارجية بما يصُون المصالح الوطنية”[45].

 

 

___________

الهوامش

[1] Omar Hamed Ghannam, The Shirt of Nessus: International Debt as a Tool of Hegemonic Control, Master’s Thesis, (Cairo: The American University in Cairo, AUC Knowledge Fountain, 2022), p. 3.

[2] John Perkins, Confessions of an economic hit man, (San Francisco: Berrett-Koehler, 2004).

[3] تقرير التنمية العربية: مديونية الدول العربية الواقع والمخاطر وسبل المواجهة، (الكويت: معهد العربي للتخطيط ومعهد التخطيط القومي، نوفمبر 2021)، ص 1.

[4] تمَّ صك هذا المفهوم من قبل الفقيه القانوني الروسي ألكسندر ناحوم ساك، و يتكون هذا الدين نتيجة لتراكم قروض حصلت عليها حكومات مستبدَّة لا تمثل الشعب. حيث لا يتم استخدام هذه القروض لتحقيق تنمية تعود بالنفع على المواطنين، بل تذهب هذه القروض لسداد التزامات الديون وتحقيق مطامع شخصية للحاكم، في مقابل الديون الحميدة Virtuous Debt والتي تنشأ نتيجة تمويل حرب للدفاع عن النفس، أو لدفع عجلة الاقتصاد، مثلما فعل روزفلت في أعقاب أحداث كساد الثلاثينيَّات من القرن الماضي، للمزيد حول تصنيفات الديون انظر:

– Lee C. Buchheit (et al.), The Dilemma of Odious Debts, 56 Duke Law Journal 1201-1262 (2007)
Available at: https://bit.ly/43y9FTa

– وائل جمال، لن نرد ديون الاستبداد، الشروق، 23 أكتوبر 2011، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/42BfJJf

[5] محمود محيي الدين، الاقتصاد العالمي: تنبؤات ومسارات في ظل اللايقين، مجلة آفاق اقتصادية، (القاهرة: مركز دعم واتخاذ القرار بمجلس الوزراء، يناير 2023)، العدد 2، ص86.

[6] أسماء رفعت، “من الجائحة إلى الحرب: كيف تأثرت معدلات الدين السيادي بالأسواق الناشئة”، مجلة آفاق اقتصادية معاصرة، العدد 18، مايو 2022، ص33.

[7] المرجع السابق، ص34، ويعكس زيادة مؤشِّر نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي زيادة اعتماد البلد على العالم الخارجي في تمويل الاستثمار والإنتاج والاستهلاك، للمزيد انظر: منال جابر مرسي، أثر الدين الخارجي على النمو الاقتصادي في مصر.. دراسة قياسية، مجلة السياسة والاقتصاد، المجلد 9، العدد 8، أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/43uQsBE

[8] تقرير التنمية العربية: مديونية الدول العربية.. الواقع والمخاطر وسبل المواجهة، مرجع سابق، ص16.

[9] منال جابر مرسي، أثر الدين الخارجي على النمو الاقتصادي في مصر، مرجع سابق.

[10] صلاح حامد، تفاقم أزمة المديونية الخارجية للدول النامية والوسائل المستحدثة لتسويتها: دراسة تطبيقية، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، مجلد 52، عدد 1، 2016،ص 298.

يتألَّف أعضاء نادي باريس من الدول الغربية التي كانت تهيمن على منح القروض الثنائية. لكن لوحظ تضاؤل مساهماتهم أمام الصين، التي تقرض الآن أكثر دول العالم فقرًا أكثر من جميع الدائنين الثنائيين الآخرين مجتمعين، للمزيد انظر:

– Jonathan Wheatley, Beijing’s rise leaves Paris Club of creditors struggling to find forum, Financial Times, 19 April 2023, Accessed: 2 May 2023, available at: https://bit.ly/45XMfbc

[11] Agasha Mugasha, Solutions for Developing-Country External Debt: Insolvency or Forgiveness, 13 LAW & BUS. REV, 2007, available at: https://bit.ly/3qCUObr

⁕⁕ ومن أمثلة الدول منخفضة الدخل (غانا وزيمبابوي وكينيا ورواندا واليمن)، أما الاقتصاديات الناشئة فهي مثل (تركيا ومصر والأرجنتين وغانا والهند).

[12] C. Rustomjee, Debt Sustainability in African HIPCs: Deteriorating Prospects, Centre for International Governance Innovation, 2017, available at: https://bit.ly/45TggsZ

[13] تقرير التنمية العربية : مديونية الدول العربية الواقع والمخاطر وسبل المواجهة، مرجع سابق، ص45.

[14] النشرة الشهرية الإحصائية الصادرة عن البنك المركزي المصري، العدد 311، فبراير 2023، ص97.

[15] Central Bank of Egypt – External Position (July/ Sept. 2022/2023), Volume No. 79 ,available at: https://bit.ly/45WP2l7

[16] علي سيد إسماعيل، الدروس المستفادة من تجار الإصلاح الاقتصادي المعتمدة على صندوق النقد الدولي: المفاهيم – النتائج – الدروس، (الإسكندرية: دار التعليم الجامعي، 2020)، ص ص29-30.

[17] أحمد عبد الحليم عويس، المراجعة المترددة: إطار تفاوضي جديد بين مؤسسات التمويل الدولية ودول الربيع العربي، ملحق تحوُّلات استراتيجية، السياسة الدولية، المجلد 47، العدد 190، أكتوبر 2012، ص41.

[18] للمزيد انظر: وائل جمال، الاقتصاد السياسي للطبقات المالكة في مصر، (في): وائل جمال (محرر)، الاقتصاد المصري في القرن الحادي والعشرين، (القاهرة: دار المرايا للإنتاج الثقافي، 2016)، ص81.

[19] Sarah Mohamed Osama, IMF’s Loan Conditionality: Negative Consequences in the Borrower Country and the Burden of Responsibility, Master’s Thesis, ( Cairo: The American University in Cairo, AUC Knowledge Fountain, 2021), p.13, available at: https://fount.aucegypt.edu/etds/1727

[20] تم تصنيفها باعتبارها المقرض الأول في الاقتصاديات الناشئة في إحدى الدراسات، انظر على سبيل المثال:

– Mengdi Yue and Christoph Nedopil, China’s Role in Public External Debt in DSSI Countries and the Belt and Road Initiative (BRI) in 2020, Green Finance & Development Center, FISF Fudan University, Shanghai, March 2022, DOI: 10.13140/RG.2.2.33997.72169, available at: https://bit.ly/3MX1nNs

كما صنفت دراسة أخرى الصين في عام 2017 باعتبارها أكبر دائن رسمي على مستوى العالم بشكل يتخطَّى حتى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، انظر لمزيد من التفاصيل:

– Sebastian Horn, Carmen Reinhart and Christoph Trebesch, China’s overseas lending, Journal of International Economics, Vol. 133, November 2021, available at: https://bit.ly/3P83l05

[21] James Sundquist, Bailouts From Beijing How China Functions as an Alternative to the IMF, GCI WORKING PAPER 015, Global Development Policy Center, February 2021, available at: https://bit.ly/45VpgO1

⁕⁕⁕ القروض المقدمة إلى الحكومة أو الشركة المملوكة للدولة حيث يتم السداد إما مباشرة بشكل عيني على صورة موارد طبيعية مثل النفط أو المعادن، أو من تدفُّق الدخل المستقبلي المرتبط بالموارد؛ أو ضمان السداد من خلال الدخول المرتبطة بالموارد، أو أحيانًا يعتبر المورد الطبيعي أصل بمثابة ضمانة، للمزيد انظر:

David Mihalyi, Aisha Adam and Jyhjong Hwang, Resource-Backed Loans: Pitfalls and Potential, Natural Resource Governance Institute, available at: https://bit.ly/43AToN1

[22] Sebastian Horn, Carmen M Reinhart, Christoph Trebesch, China’s Overseas Lending, National Bureau of Economic Research, Working Paper 26050, July 2019, available at: http://www.nber.org/papers/w26050

[23] Alexander E. Kentikelenis, Thomas H. Stubbs, Lawrence P. King, IMF conditionality and development policy space, 1985-2014, Review of International Political Economy, Volume 23, Issue 4, May 2016, available at: https://bit.ly/3oR2l65

[24] Sebastian Horn (et al.), China As An International Lender of Last Resort, KIEL Working Paper, March 2023, pp. 4-5, available at: https://bit.ly/3N6xuKC

[25] Keith Bradsher, After Doling Out Huge Loans, China Is Now Bailing Out Countries, New York Times, 27 March 2023, accessed on 24 April 2023, available at: https://bit.ly/3JwhG35

[26] See:

– How is The IMF Funded, IMF Website, available at: https://bit.ly/3NrZPg4

– Sebastian Horn (et al.), China as an International Lender of Last Resort, Op. cit., p. 2.

[27] James Sundquist, Bailouts From Beijing How China Functions as an Alternative to the IMF, Op. cit., p. 12.

⁕⁕⁕⁕ فترة السماح هي الفترة التي تبدأ من تاريخ التوقيع على اتفاق القرض أو تاريخ إصدار الأداة المالية حتى تاريخ أول دفعة سداد للمبلغ الأصلي. وفترة السداد هي الفترة من تاريخ أول دفعة سداد للمبلغ الأصلي حتى تاريخ آخر دفعة سداد لذلك المبلغ. أما أجل الاستحقاق فهو مجموع الفترتين وهما: فترة السماح وفترة السداد.

[28] Sebastian Horn, Carmen M. Reinhart and Christoph Trebesch, China Overseas Lending, Op. cit., p. 6.

[29] Sebastian Horn (et al.), China as an International Lender of Last Resort, Op. cit., p.12.

[30] Sebastian Horn, Carmen M. Reinhart, Christoph Trebesch, China’s overseas lending, Op. cit., p. 9, available at: https://bit.ly/3P83l05

[31] Jiyeong GoAlex and Irwin-Hunt, The IMF’s Top Ten Biggest Debtors, FDI Intelligence, 28 April 2023, accessed on 1 May 2023, available at: https://bit.ly/43FdMg7

[32] أرنست فولف، صندوق النقد الدولي: قوة عظمى في الساحة العالمية، ترجمة: عدنان عباس، (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2016)، ص125.

[33] Christina Daseking, (et al.), Lessons from the Crisis in Argentina, IMF Occasional Papers, March 2005, p. 9, available at: https://bit.ly/42AooeX

[34] أحمد عبد الحليم عويس، المراجعة المترددة: إطار تفاوضي جديد بين مؤسسات التمويل الدولية ودول الربيع العربي، ملحق تحولات استراتيجية، السياسة الدولية ، المجلد 47، العدد 190، أكتوبر 2012، ص 42.

[35] Yonca Özdemir, Does IMF Help Really Help? The Recovery of Argentina and Turkey after the 2001 Financial Crises, Paper prepared for the 3rd Annual Conference on The Political Economy of International Organizations (PEIO), January 28-30, 2009, Washington, DC and submission for the special issue of the Review of International Organizations, available at: https://bit.ly/3X4q13x

⁕⁕⁕⁕⁕ وكان أكبر تخلف عن الديون في العالم في حينها، بينما وقع أكبر تخلف في العالم في عام 2012 فقد تخلَّفت اليونان عن ديونها التي قدرت بنحو 138 مليار دولار.

[36] Yonca Özdemir, Does IMF Help Really Help?, Op. cit., p. 34.

[37] James Sundquist, Bailouts From Beijing How China Functions as an Alternative to the IMF, Op. cit., pp. 15-16.

[38] Gunjan SinghEvolution of ChinaSri Lanka relations, VIF Brief, September 2018, pp. 4-5, available at: https://bit.ly/3NpWwFY

[39] Bram Nicholas and Shiran Illanperuma, The Real Cause of Sri Lanka’s Debt Trap, The Diplomat, 2 March 2023, Accessed on 24 April 2023, available at: https://bit.ly/3N00fIZ

[40] Ishaan Tharoor, China has a hand in Sri Lanka’s economic calamity, The Washington Post, 20 July 2022, Accessed on 2 April 2023, available at: https://bit.ly/3MV6f5K

[41] Chulanee Attanayake, Sri Lanka’s Economic Crisis: Lessons for those in China’s Debt, Observer Research Foundation, 2 March 2023, Accessed on 19 April 2023, available at: https://bit.ly/42IWuxy

[42] Joe Wallen, Cash-strapped Sri Lanka considers selling 100,000 monkeys to China, Telegraph, 20 April 2023, Accessed on 24 May 2023, available at: https://bit.ly/3NqRHMP

[43] Andreas Kern , Bernhard Reinsberg, The Political Economy of Chinese Debt and International Monetary Fund ConditionalityGlobal Studies Quarterly, Volume 2, Issue 4, October 2022, available at: https://doi.org/10.1093/isagsq/ksac062

[44] Christina Daseking, (et al.), Lessons from the Crisis in Argentina, Op. cit., p. 12.

[45] إسماعيل صبري عبد الله، مصر التي نريدها، (القاهرة: دار الشروق، 1992)، ص223.

 

فصلية قضايا ونظرات – العدد الثلاثون – يوليو 2023

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى