مستقبل غزة بين مسار الإغاثة وإعادة الإعمار: الواقع والأطروحات

مقدمة:

شن الاحتلال الإسرائيلي هجمةً بربريةً على القطاع عقب السابع من أكتوبر 2023، ولم يُبق في هذه الحرب ولم يذر شيئًا ولا بشرًا إلا أتى عليه بالقصف والتدمير، بل إنها تعد الحرب الأكثر دمويةً وتدميرًا بين جميع الحروب، فقد أدى القصف إلى كارثة إنسانية وعمرانية، فعلى الصعيد الإنساني استُشهد 31923 شهيدًا و14000 طفلا و9220 امرأة، ولا يزال 7000 مواطنًا غَزِّي في عداد المفقودين بينهم 4700 امرأة وطفل، وذلك حتى مارس 2024[1].

لا يتوقف الأمر عند اتساع تعداد الشهداء، بل أدت الحرب إلى كارثة نزوح على نحوٍ غير مسبوق منذ عام 2006؛ حيث نزح أكثر من 80٪ من سكان غزة، وتعرض ما بين 144 و175 ألف مبنى للتدمير التام أو الجزئي، وهو ما يساوي تقريبًا ما بين 50٪ و61٪ من مباني غزة[2]. وشمل التدمير المباني السكنية التي يقطنها مدنيون، وكذلك المباني الوزارية، والمستشفيات، والجامعات، ومحطات المياه والصرف الصحي وغيرها.

يُمكن فهم سبب ارتفاع الضحايا بهذا الشكل إذا استوعبنا طبيعة الحرب الحالية، والتي تتسم بسمتٍ خاصٍ يُميزها عن جولات الحروب السابقة، إذ تُعد بمثابة حرب وجودية للاحتلال، كما تأتي في الوقت ذاته في مرحلة فارقة كادت القضية الفلسطينية أن تُطمس وتذهب أدراج الرياح مع موجات التطبيع المتعاقبة، ولذا فإن أهميتها لا تقل بالمقارنة مع لحظة تأسيس كيان الاحتلال.

تتسبب هذه الحرب في كارثة إنسانية وعمرانية، ولا يبدو في الأفق انجلاء قريب لهذه الكارثة، وفيما يلي نحاول أن نستعرض أبعاد هذه الكارثة، ونعرج على الخبرة التاريخية للكوارث المشابهة في الذاكرة الفلسطينية، ونختم بمحاولة تبين ملامح المستقبل القريب لهذه الحرب.

أولًا- الاستراتيجية الإسرائيلية لحصار قطاع غزة، وأبرز ملامح الأزمة الراهنة:

1-المقاصد الاستراتيجية للاحتلال من اندلاع الأزمة الإنسانية والعمرانية في غزة:

تعمدت إسرائيل –منذ زمنٍ بعيدٍ قبل الحرب- اتباع تكتيك عسكري يقضي بتضييق الحصار على القطاع وخنقه، لتحقيق عدة أهداف فرعية تتمثل في:

  • إضعاف القدرات البدنية والنفسية للمقاتلين في المواجهة العسكرية مع الاحتلال.
  • التفكيك التدريجي للنسيج الاجتماعي في غزة، من خلال دفع الناس للتنافس للحصول على الموارد الشحيحة.
  • التوظيف الإعلامي لمسألة التحكم الإسرائيلي في المساعدات لإلهاء الناس، وتشتيت أنظارهم عن الجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين[3].

كما استهدفت إسرائيل البنية التحتية في غزة استهدافًا مكثفًا على مدار الحروب المتعاقبة، حتى أنها دمرت ما يفوق نصف البنايات في الحرب القائمة، وكأنها تُريد تثبيت صورة ذهنية مفادها أن غزة مكان لا يمكن العيش فيه فالفلسطيني –تحت وقع القصف والتدمير- مضطر إلى الاختيار بين الموت أو النزوح قسرا.

ويمكن استشفاف مقصدين رئيسيين للاحتلال من التدمير العمراني في الحرب الحالية:

  • تكثيف القصف والتدمير في المناطق الشمالية والوسطى؛ لضرب القدرات العسكرية لحماس وتفكيك شبكة الأنفاق التي بنتها،
  • استهداف المناطق الجنوبية لتنفيذ سيناريو التهجير القسري إلى سيناء قدر الإمكان[4]، ويُلاحظ ذلك في الحديث المتكرر عن اجتياح رفح.

2-واقع الأزمة الإنسانية والعمرانية في القطاع

  • أزمة الغذاء

اندلعت بوادر الأزمة عندما قرر الاحتلال قطع الماء والكهرباء، ومنع دخول الغذاء والدواء والوقود وغير ذلك من الأساسيات إلى قطاع غزة عقب السابع من أكتوبر 2023، واكتفى الاحتلال بعدها بالسماح بدخول نذر يسير جدًا من الاحتياجات الإنسانية عبر معبري رفح وكرم أبو سالم، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعمد الاحتلال إطالة أمد تفتيش المساعدات الإنسانية بل وتعسف في إدخالها، كما دمر البنية التحتية تدميرًا هائلا، فتعذر على وكالات الإغاثة إيصال المساعدات إلى شتى مناطق القطاع[5].

في ظل الحرب القائمة، تعجز المساعدات الإنسانية عن تغطية الاحتياجات الإنسانية الأساسية لسكان القطاع المحاصر، كما يُحذر العديد من مسؤولي المنظمات الإغاثية من تهديد المجاعة لحياة الكثيرين من السكان. فقد تسببت الحرب في تدمير معظم قطاع غزة، وهو الأمر الذي يحول دون كفاية المساعدات الإنسانية لمتلقيها حتى في حال توقف الحرب، ولم يعد الأمر محصورًا في عدم كفاية المساعدات بل يشهد القطاع أزمة مجاعة حقيقية أودت بحياة بعض سكانه[6].

وعلى الرغم من أن تأثير الأزمة يطال القطاع بأكمله، إلا أن هناك بعض الفئات التي يتضاعف تأثرها بالأزمة، ومنها:

الأطفال: قتل المحتل في هذه الحرب آلاف الأطفال، على نحو ما أُشير، وفقد أكثر من 1000 طفل أطرافهم[7]، وأعلن المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة استشهاد 27 طفلا جراء سوء التغذية، كما أعلن عن شح حليب الأطفال في الشمال، ولذا طالب المؤسسات الأممية بتوفير الحليب لهؤلاء الأطفال[8].

سكان شمال غزة: يتعذر دخول المساعدات الإنسانية إلى شمال غزة والقاطنين به، وقد خططت الأمم المتحدة لتنفيذ 51 بعثة لتقديم المساعدات ما بين الأول من يناير 2024 وحتى الخامس والعشرين من نفس الشهر، ولم يقبل الجيش الإسرائيلي سوى بدخول ثمان بعثات فقط بينما رفض 29 بعثة، وأعلن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن معظم الحملات الثمانية كان يحمل الغذاء، بينما مُنعت البعثات التي تحمل المياه وإمدادات المستشفيات[9].

دفعت هذه الأزمة دولة جنوب أفريقيا إلى اتهام الكيان المحتل أمام محكمة العدل الدولية بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق سكان قطاع غزة. كما أكد خبراء في الأمم المتحدة أن التجويع المتعمد يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية[10].

  • أزمة إعادة الإعمار

تعرضت حوالي 60٪ من منازل غزة للتدمير، كما تدمرت البنية التحتية الحيوية أي تدمرت شبكات المياه وشبكات الصرف الصحي والطرق، وبالنسبة للمستشفيات لم يبق سوى 14 مشفى طور الخدمة بينما خرجت 12 مشفى عن العمل، وتتكبد المستشفيات العاملة أكبر بكثير من طاقتها الطبيعية[11].

يفتقر سكان غزة إلى أحد حقوقهم الأساسية، وهو الحق في المسكن، إذ يبلغ عدد سكان القطاع حوالي 2.3 مليون نسمة، وقد نزحت الأغلبية الكاسحة من هذا العدد هربًا من القصف الإسرائيلي الذي يصفه بعض الخبراء بالقصف الأعنف في التاريخ الحديث. وقدرت الأونروا عدد النازحين خلال الشهر الأول من الحرب (أكتوبر 2023) بـ 1.9 مليون شخص (أو أكثر من 85٪ من إجمالي سكان قطاع غزة)، وبعضهم نزح عدة مرات، كما يتم إجبار العائلات على الانتقال بشكلٍ متكرر بحثًا عن الأمان[12].

في ظل هذا الدمار، تُعد أزمة إعادة الإعمار في غزة من أبرز الأزمات، إن لم تكن الأعنف في سلسلة الحروب التي شنها الاحتلال على القطاع، وتُشير بعض التقديرات إلى أن تكلفة إعادة الإعمار ربما تتجاوز 50 مليار دولار، وذلك حتى تاريخ كتابة الدراسة في مارس 2024، والرقم مرشح للزيادة[13].

تُثير أزمة إعادة الإعمار عدة تساؤلات منها ما يتعلق بجدوى إعادة الإعمار في ظل احتمالية إعادة قصف القطاع مرةً أخرى في المستقبل القريب، بالإضافة إلى التزام الدول الأوروبية بتكاليف ليست يسيرة لإعادة إعمار أوكرانيا.

ثانيًا- الاستراتيجية الإسرائيلية للضغط على الفلسطينيين في ملفي الإغاثة وإعادة الإعمار

يُحاول الاحتلال الإسرائيلي بكل ما استطاع من قوة الضغط على الفلسطينيين، بل وإبادتهم جماعيًا بكافة السبل، وفيما يلي توضيح لعناصر الاستراتيجية الإسرائيلية:

منع دخول المساعدات بوسائلٍ شتى: تتضمن هذه الوسائل التنسيق الإسرائيلي مع دول جوار القطاع ومنع دخول المساعدات إلا تحت إشراف الاحتلال، حيث نسقت مع مصر لإدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، كما نسقت الأردن مع الاحتلال للقيام بإسقاط جوي للمساعدات الإنسانية، أيضًا أفسحت سلطات الاحتلال المجال للمظاهرات التي نظمها محتلون إسرائيليون أمام معبري كرم أبو سالم وأشدود لمنع مرور قوافل الإغاثة إلى القطاع[14].

عرقلة عمل المنظمات الإغاثية: وهذا إما عن طريق استهداف عمال الإغاثة والإمدادات الإغاثية، وإما عن طريق تدمير البنية التحتية مما يُعيق توصيل المساعدات، وقد تمثلت أبرز العراقيل في المسائل اللوجستية سواء ما يتعلق بالتفتيش أو التنسيق مع قوات جيش الاحتلال، فقد تسبب التفتيش البطيء للمساعدات في تقليل حجم المساعدات التي تدخل إلى القطاع حتى 200 شاحنة يوميًا بعد أن كانت 500 شاحنة يوميًا، بل إن التفتيش يتضمن رفض دخول بعض المواد دون وجود معيار ثابت لقبول محتوى الشاحنات أو رفضه، وتتضمن المواد المحظورة من الدخول مواد وأجهزة طبية مثل الأشعة السينية والمولدات الكهربائية والوقود[15].

كما تمثلت العراقيل في التضييق على العاملين في مجال الإغاثة، وأقدم جيش الاحتلال على فتح النار على العاملين في الأونروا مرارًا وتكرارًا رغم وجود تنسيق مسبق، بل تم قتل بعضهم على مدار الحرب، وتُعد قصة الطفلة هند التي جرت محاولات إنقاذها بعد التنسيق مع الاحتلال فقُتِلت وقُتل معها فريق الإنقاذ شاهدةً على مدى الخطر المُحدِق بالعاملين في مجال الإغاثة[16]، وقُدر عدد العاملين في فريق الأونروا الذين قتلتهم إسرائيل على مدار هذه الحرب بـ 152 شخصًا[17]، وهو ما ينقلنا إلى النقطة التالية.

الحرب الإسرائيلية الشعواء على الأونروا: شنت إسرائيل حملةً شعواء ضد منظمة الأونروا –المنظمة الإغاثية الأكبر في غزة- منذ السابع من أكتوبر 2023، وتعمدت إسرائيل استهداف الأونروا سواء بالعمل العسكري أو الاتهامات الإعلامية أو إعاقة عملها. وقد سُجّلت أكثر من 170 غارة جوية على منشآت الأونروا، بما في ذلك المدارس ومراكز التدريب والملاجئ، وأدت هذه الغارات إلى قتل ما لا يقل عن 396 شخصًا وأُصيب 1379 شخصًا.

كما قامت إسرائيل بحملات تشهير بحق الوكالة؛ فتارةً اتهمتها بعدم إيصال المساعدات مما يتسبب في إحساس المواطنين بعدم كفايتها، وتارةً أُخرى اتهمت حماس بسرقة المساعدات المخصصة للمنظمة[18]، لكن التصعيد بلغ ذروته في 26 يناير 2024 حين اتهم الاحتلال 12 موظفًا من الأونروا بالضلوع في هجمات السابع من أكتوبر دون تقديم أدلة دامغة على ذلك سواء للأونروا أو للدول المانحة للمنظمة، ما دفع الأونروا إلى فصل الموظفين التسعة الذين ما زالوا على قيد الحياة وفتح تحقيق داخلي، لكن هذه الإجراءات لم تُثنِ 16 دولة من أبرز ممولي المنظمة عن إيقافهم التمويل الحالي أو الإضافي ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا وألمانيا وكندا، مما يجعل مستقبل الإغاثة في غزة ضبابيًا وعبثيًا. من جهتها، ردت الأونروا حينها بأنها قد تُنهي خدماتها في غزة بحلول نهاية فبراير إذا استمرت الدول المانحة في تعليق تمويلها للمنظمة[19]، لكن كندا والسويد استئنفتا تمويل المنظمة مرةً أخرى بعد تلقيهما تأكيدات من المنظمة بالتدقيق في إنفاقها وعمل موظفيها، وهو ما جعل المنظمة قادرةً على استئناف مهامها حتى نهاية مارس أو أبريل، وما بعده يخضع لقرارات باقي الدول التي علقت تمويلها للمنظمة[20].

ويُرجح البعض أن بعض الدوافع الإسرائيلية للهجوم على الأونروا يعود إلى إصدارها تقارير ترصد بعض الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، والتي ترقى إلى الإبادة الجماعية، واعتماد جنوب أفريقيا على هذه التقارير في مرافعتها أمام محكمة العدل الدولية.

ارتكاب مجازر في مواقيت تسلم المساعدات الإنسانية، وتدمير مخازن المساعدات: لم يسلم الغزيون من الموت حتى عند تسلم المساعدات الغذائية، فقد تكررت المجازر بحقهم أثناء انتظارهم للمساعدات، وقد وقعت عدة مجازر منها:

  • مجزرة بتاريخ 25 يناير 2024: أدت إلى استشهاد 20 شخصًا، وإصابة 150 آخرين بالقرب من مدينة غزة.
  • مجزرة دوار الكويت: استهدف الاحتلال منتظري المساعدات الإغاثية في محيط دوار الكويت بمدينة غزة، مما أدى إلى استشهاد 100 وإصابة 83 آخرين[21].

وتعمد الاحتلال أيضًا تدمير مخازن المواد الغذائية التابعة لوكالات الإغاثة، فقد استهدف القصف مستودع “ويرهاوس”، وهو أكبر مستودعات الأونروا في جنوب قطاع غزة، إذ يتلقى المساعدات القادمة من معبري رفح وكرم أبو سالم قبل توزيعها، مما أدى إلى وقوع 5 شهداء.

إفشال جميع محاولات حكومة غزة لتخفيف الأزمة الإنسانية: عقب المجازر المتكررة أثناء توزيع المساعدات، نجحت شرطة غزة في تأمين وصول 13 شاحنة تابعة للأونروا إلى مخازن الوكالة في جباليا ومدينة غزة في 17 مارس 2024 بعد 5 أشهر من الحصار والقصف وانقطاع الإمدادات الغذائية، وقد وزعت المساعدات الإنسانية وأوصلتها إلى من يحتاجها في شمال غزة مع تفادي حدوث مجازر أو عمليات نهب واتباع العدالة في تقسيم هذه المساعدات. وقد نجحت هذه العملية بعد التنسيق مع عدد من وجهاء العشائر والمخاتير والمسؤولين الأمميين، وسبق للاحتلال أن تواصل مع قادة العشائر لاستمالتهم ضد المقاومة لكنهم رفضوا ذلك وأعلنوا تضامنهم مع المقاومة[22]، وبذلك تحدت حماس وشرطة غزة إجراءات التطهير العرقي التي ينتهجها الاحتلال وأظهرت قدرة على إدارة الشؤون الداخلية للقطاع حتى في أحلك الظروف.

بعد يوم واحد فقط، وتحديدًا في 18 مارس 2024، اغتال الاحتلال اللواء فائق المبحوح (المدير العام للعمليات المركزية في وزارة الداخلية والأمن الوطني في قطاع غزة)، كما اغتال في اليومين التاليين المقدم رائد البنا (مدير جهاز المباحث في شمال غزة) والمقدم محمود البيومي (أبو النور) (مدير مركز شرطة النصيرات)، كما اغتال الاحتلال أمجد هتهت (مدير لجنة الطوارئ في غرب غزة)، وكل هؤلاء كانوا أبطال عملية إيصال المساعدات إلى شمال غزة[23].

استهدفت سلسلة الاغتيالات شل القوة الأمنية الداخلية لحكومة غزة، وإظهارها مظهر العاجز عن تسيير شؤون القطاع، كما استهدفت إدامة عملية الفوضى في توزيع المساعدات؛ مما يؤدي على المدى البعيد إلى خلخلة الثقة بالمقاومة وبإدارة القطاع داخليًا، فضلا عن إفشال إدخال المساعدات من الأساس مما يؤدي إلى نجاح السياسة القذرة للإبادة الجماعية التي ينتهجها المحتل.

إحكام الرقابة على القطاع من خلال الممر المائي الأمريكي: أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في 7 مارس 2024 عن مشروع بناء ميناء عائم قرب سواحل غزة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى سكان القطاع المحاصرين، بحيث يُنشئ الجيش الأمريكي رصيفًا بحريًا عائمًا قبالة سواحل غزة لتمكين سفن الشحن الضخمة من الرسو فيه وتفريغ بضائعها في قوارب أصغر تنقل هذه المساعدات إلى جسرٍ بحري يتم ربطه بشاطئ غزة، على أن توكل مهمة تفتيش شاحنات المساعدات إلى قبرص، وعلى الرغم من إعلان إدارة بايدن أن الرصيف لا يعني وجود أي قوات أمريكية على أرض غزة، إلا أن بناء الميناء سيحتاج إلى 1000 جندي ويستغرق بناؤه 60 يومًا[24].

في المقابل، ندد المقرر الأممي الخاص المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري بفكرة الميناء الأمريكي، مؤكدًا غياب الحاجة له، وواصفًا إياه بالمقترح الخبيث من إدارة بايدن للتغطية على رغبتها في نقل السلاح والعتاد إلى تل أبيب[25].

ويُشير المحللون إلى أن مقاصد هذا الميناء ليست الحرص على الوضع الإنساني كما هو معلن، وإنما مقصده الأول هو مساعدة الاحتلال في تحقيق بعض أهداف الحرب، والتي فشل في تحقيقها فشلا ذريعًا حتى الآن، وتتضمن هذه الأهداف أهدافًا عسكرية وأخرى غير عسكرية، فأما بالنسبة للأهداف غير العسكرية فتتضمن ما يلي:

  • يُعد هذا الممر بمثابة مقدمة للميناء الذي أرادته إسرائيل دومًا، على أن يقوم بتمويل عربي ومساعدات دولية، وعلى أن يستقبل سفنًا إنسانية وتجارية، ويقع تحت سلطة الاحتلال، وبالتالي تتمتع إسرائيل بالرقابة على كل ما يدخل إلى غزة.
  • الضغط على مصر لتسهيل قبول النازحين، من خلال نقلهم من رفح إلى باقي الأراضي المصرية بدعم من الأمم المتحدة، ويُستخدم الملف الاقتصادي لممارسة الضغوط في هذا الصدد.
  • قد يُوظف هذا الميناء لتنفيذ مشروعات استخراج الغاز الطبيعي من المياه الإقليمية لغزة[26].

وأما بالنسبة للأهداف العسكرية، فتتضمن ما يلي:

  • توجيه ضربات قاصمة إلى المقاومة وحركة حماس وكسب مزيد من الوقت لسحقها، من خلال تفريغ دور العبادة والمدارس والمستشفيات والمساكن، وبالتالي تكون المواجهة مع المقاومين فقط، ويتلاقى ذلك مع رغبات أطراف عربية، ويتم الأمر بمساعدة أمريكية.
  • مساعدة الاحتلال على تحقيق انتصار عسكري واضح يُعيد له هيبته والصورة الذهنية المتعلقة بتفوقه العسكري، والتي دمرتها المقاومة في أحداث السابع من أكتوبر، وستوفد الولايات المتحدة 1000 عسكري من البحرية الأمريكية ومن المتوقع أن يضم هذا العدد كوادر استخباراتية وأمنية وعسكرية واجتماعية وإدارية تختص مهامها بمحاولة اختراق المجتمع الغزي وتقويض قوته.
  • الدفع نحو سيناريو “الإبادة الجماعية والتهجير القسري” بكل ما استطاع الاحتلال وداعموه من قوة، عبر العمل على تهيئة الظروف التي تزج بسكان غزة زجًا نحو قبول “الهجرة الطوعية”، وخاصةً للنازحين المتواجدين في الجزر الإنسانية وبتشجيع من الأمم المتحدة وتسهيلات من الدول الأوروبية، وبالتالي يتم تجريد المقاومة من الظهير الشعبي، وإشراك قبرص في هذا الممر خير دليل على ذلك[27].

ثالثًا- ملامح المستقبل… ملفا الإغاثة وإعادة الإعمار:

في ظل هذا السياق المعقد، تبدو الصورة المستقبلية ضبابية، نظرًا لكونها محكومة بعددٍ من المتغيرات تتعلق بمستقبل الحرب عمومًا، ومنها:

  • مدى قدرة المقاومة على الصمود في وجه الاحتلال واستنزافه في هذه الحرب، وإبطال مخططاته لنزع سلاحها، ونجاحها في الحفاظ على ظهيرها الشعبي واصطحابها إياه في الحرب لإبطال مخططات التهجير.
  • مستقبل الحكومة التي ستدير الكيان المحتل: لا يبدو أي تغيير في المشهد الحالي في ظل وجود حكومة نتنياهو الذي أمضى عمره في محاربة حل الدولتين، كما أن الوضع الحالي يُشير إلى وجود حكومتين برؤيتين متناقضتين الأولى حكومة تضم متطرفين يرفضون التنازل قيد أنملة لصالح الفلسطينيين، والثانية حكومة طوارئ تضم المعارضة بزعامة بيني غانتس، ويبدو التغيير مستحيلا في ظل وجود حكومة نتنياهو بتشكيلتها الحالية.
  • مدى التوافق بين الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال الإسرائيلي حول مستقبل غزة: تتعدد السيناريوهات المتعلقة بمستقبل غزة؛ إذ يذهب البعض إلى إمكانية احتلالها، بينما يذهب آخرون إلى إسناد السلطة المدنية إلى سلطة فلسطينية مدنية بينما تحتفظ إسرائيل بالإدارة العسكرية، فيما يذهب فريق ثالث إلى احتمالية إسناد شؤون القطاع إلى قوة سلام عربية، ولم تتوافق الإدارتين على أيٍ من هذه الرؤى وإن كان السيناريو الثالث أقرب للتحقق في حالة إسناد الحكومة إلى غير نتنياهو[28].
  • طول أمد الحرب: إذ لا يُتوقع أن تنتهي الحرب في الأمد القريب، وتفاوت أمد الحرب يعني تفاوت التداعيات الإغاثية والعمرانية.

وفيما يلي تفاصيل حول مستقبل ملفي الإغاثة وإعادة الإعمار.

1- ملف الإغاثة

تُعد المشكلة الأبرز في قضية المساعدات هي الإرادة السياسية للأطراف المختلفة التي قد تتضمنها عملية تمويل إعادة الإعمار، فإذا حُسِمت الإرادة السياسية فإن مسألة دفع الأموال تُعد يسيرة[29].

على المدى القصير، سيؤدي تخفيض تمويل الأونروا أو تعليقه إلى آثار بالغة السوء في غزة، فقد تضطر الأونروا إلى تعليق عملها في الوطن العربي بأكمله وليس فقط في غزة، وتعد الأونروا بما تملكه من موظفين وبنى تحتية الوكالة الإغاثية الأقدر على إيصال المساعدات إلى كافة سكان القطاع، بل إن بعض المحللين يعد قطع تمويل الأونروا صورة من صور العقاب الجماعي بحق ملايين الفلسطينيين.

لكن قرار إيقاف تمويل الأونروا ليس يسيرًا، نظرًا لأنها تعد الممثل السياسي للاجئين الفلسطينيين في المحافل الدولية خاصةً مع تمسكها بحق العودة للفلسطينيين، وهو ما وضعها دومًا في مرمى اتهامات الساسة الإسرائيليين، كما أن دورها مشتبك مع المصالح الإسرائيلية وليس فقط الفلسطينية، إذ تُعد الأونروا “شبه حكومة” بما تمتلكه من منشآت وعاملين وبما تقوم به من أدوار تعليمية واجتماعية وصحية وغيرها، وإيقاف عمل الأونروا يعني ضرورة اضطلاع إسرائيل بهذه المهام باعتبارها سلطة احتلال؛ لذا حافظت إسرائيل دومًا على التنسيق مع الوكالة، ويُحذر خبراء عسكريون إسرائيليون من سعي إسرائيل الحثيث لإغلاق الأونروا دون تقديم بديل عملي لوجودها، ولكن وجود هذه المصالح لا تعني استبعاد احتمال القضاء على الأونروا خاصةً في حال قيام دولة فلسطينية والاعتراف بها[30].

السيناريو الآخر، ألا يتم وقف عمل الأونروا تمامًا لكن سيتم تقليص صلاحياتها، إذ سيقتصر عملها على تقديم المساعدات وستكون أولوية التمويل لهذا الأمر، بينما ستتراجع باقي الأدوار وستتضرر خدمات الأونروا التعليمية تضررًا بالغًا، كما ستستمر المساعدات في الدخول إلى غزة لكن ستكون كميتها أقل بكثير. وقد يظل الحصار قائمًا على مناطق الشمال؛ بحيث يُستخدم الجوع كحلٍ سياسي لتأليب أهل الشمال ضد حكومة غزة التابعة لحماس، ولإثناء أهل الشمال عن البقاء فيه ودفعهم للنزوح نحو الجنوب، كما سيكون هناك دور فعال للمؤسسات الإغاثية التابعة للأمة الإسلامية ولن تتأثر بأي حسابات سياسية أو توازنات إقليمية، ويبقى السؤال في مدى كفاية عملها لأهل غزة.

2- ملف إعادة الإعمار

يُمكن الوقوف على نماذج من الخبرة التاريخية لجولات إعادة الإعمار السابقة أولا قبل الحديث عن الملامح المستقبلية، وفيما يلي تفصيل ذلك:

الجولة الآلية
2006 عُقِد أكثر من مؤتمر لإعادة إعمار غزة بهدف جمع 1.9 مليار دولار، وفقًا لما قرره الفريق الوطني الفلسطيني لإعادة الإعمار، لكن اصطدمت عملية إعادة الإعمار آنذاك بالانقسام الوطني الفلسطيني، بالإضافة إلى التعنت الإسرائيلي في إدخال مواد إعادة الإعمار وإحكام الحصار على قطاع غزة.
2008 على الرغم من توفير المانحين أموالا مخصصة لإعادة الإعمار، إلا أن إسرائيل أطبقت الحصار على القطاع، مما اضطر سلطة “حماس” إلى اتخاذ “الأنفاق” مع مصر كسبيل لتحدي الحصار، واستُخدمت الأنفاق لنقل مواد تجارية أحيانًا ونقل الأسلحة أحيانًا أخرى.
2014 تشكلت حكومة وفاق وطني بعد مصالحة وطنية بين حركتي “فتح” و”حماس”، وحظيت عملية إعادة الإعمار حينها بمباركة ودعم دوليين نظرًا لقيامها على أساس رسمي، ونجحت حكومة الوفاق الوطني في إقامة مؤتمر للمانحين في القاهرة بحضور 50 دولة ومنظمة دولية، وتعهد المانحون بتقديم 5.4 مليار دولار لإعادة الإعمار على أن تختص حكومة الوفاق الوطني بإدارة الأموال الممنوحة، وتميزت هذه المرة بكونها الأكثر تنظيمًا، وإن كانت اصطدمت بتحديات الحصار الإسرائيلي المُطبق على القطاع، والخلافات الأمنية بين الفصائل وتأخر التحويلات المالية.

الجدول (1) جولات إعادة الإعمار في غزة[31].

تعددت كَرّات إعمار غزة قبل هذه الحرب، لكن الحرب الجارية فريدة من نوعها في كل شيء، بما في ذلك إعادة الإعمار، إذ تتميز هذه الكَرّة بالجهد الحثيث للاحتلال والولايات المتحدة الأمريكية باتجاه تحويل مهمة إعادة إعمار غزة إلى دولٍ عربية، والعناية بموضوع الاستقرار على المدى البعيد[32].

كما تطال إعادة إعمار القطاع بأكمله، علمًا أن الاحتلال يحرص على تقليص مساحة قطاع غزة، إلا أن ذلك غير منطقي نظرًا لاكتظاظ السكان في القطاع؛ ولذا يجب على اتفاق وقف إطلاق النار طويل الأمد أن يتضمن توسيع المساحة القابلة للعيش عليها، فذلك بمثابة ضامن لاستعادة الأمن ونمط الحياة الطبيعية[33]، ولعل هذا يفسر سبب تمسك حماس في مفاوضاتها السياسية الحالية مع العدو بانسحابه التام من كافة المناطق التي يُسيطر عليها كليًا أو جزئيًا في القطاع.

في ضوء معطيات الحرب الحالية، تواجه إعادة الإعمار عدة تحديات، ومنها:

أ) الفاعل الذي سيوكل إليه مهمة إدارة أموال إعادة الإعمار: خاصةً في ظل الإصرار الإسرائيلي على القضاء على حكم حماس، وفي ظل انتقاده دور السلطة الفلسطينية في الضفة، وتحفظه على اضطلاعها بأي مهام في اليوم التالي للحرب.

في هذا الخصوص، يبدو استبعاد حماس عن المشهد غير واقعي، إذ قد يمتلك الاحتلال القدرة على تدمير البنية التحتية في غزة بأكملها، وإلحاق الضرر بالمجاهدين والقدرات العسكرية للفصائل المقاومة المختلفة لكن المقاومة في غزة ليست مجرد كيان مادي، بل هي أيديولوجيا وحركة متأصلة لا يمكن القضاء عليها بالقوة العسكرية وحدها، ومن ثم فالقضاء على حماس قد يؤدي إلى نتائج عكسية إذ يُوَرّث الثأر عبر الأجيال، كما أن القضاء على حماس سيدفع لإنشاء حركة أخرى تحمل راية التحرير ضد المحتل لا سيما في ظل عجز السلطة الفلسطينية عن تحقيق آمال وطموحات الشعب الفلسطيني[34].

ويدور الحديث حول 3 سيناريوهات في تحديد الفاعل الذي سيُدير القطاع بعد انتهاء الحرب:

استئثار السلطة الفلسطينية التابعة لفتح بهذا الأمر وحدها، استبعد نتنياهو –في البداية- إشراك السلطة الفلسطينية في القيام بأي دور في غزة بعد الحرب، لكنه أعاد الحديث عن احتمالية إشراك السلطة الفلسطينية في لعب أدوار بالقطاع عقب انتهاء الحرب في وثيقته الصادرة في فبراير 2023[35]، بينما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن نتنياهو أبلغ مسؤولين سياسيين أن السعودية والإمارات على استعداد لتحمل فاتورة إعادة الإعمار، لكن لم يصدر أي رد رسمي من الدولتين على هذا التصريح[36]، خاصةً في ظل غياب الحديث من قبل الاحتلال عن الأفق السياسي للفلسطينيين أو على وجه الدقة الحديث عن إقامة “دولة فلسطينية”[37].

  • حكومة مشتركة بين حماس وفتح، ويواجه هذا السيناريو تحديات تتمثل في التنسيق بين حماس وفتح، والموازنة بين رغبات حماس ورغبات الاحتلال.
  • إدارة دولية، يقضي هذا السيناريو بتفويض الأمم المتحدة أو مجموعة من الدول الإقليمية أو العالمية، لتولي مسؤولية إعادة إعمار غزة، بالتعاون مع السلطات المحلية والمنظمات غير الحكومية، لكن تتمثل التحديات هنا في مدى قبول حماس والاحتلال بالوسيط الدولي، ومدى التزام الوسيط بمهمة الإعمار وعدم تجاوزها إلى مهمات أخرى يُحاول فيها فرض إرادة دولية على الإرادة الفلسطينية، فضلا عن عدم التدخل في شؤون غزة الداخلية، ولذا فقد توكل رئاسة إعادة الإعمار إما إلى إحدى الشخصيات الفلسطينية المرموقة في المنظمات الدولية، أو مصر أو قطر[38].

ب) التوازنات السياسية الدولية، ومدى رغبة المانحين في توجيه أموالهم نحو إعادة الإعمار في غزة بالنظر إلى تزامنها مع التزاماتهم بإعادة الإعمار في أوكرانيا.

ج) مدى قدرة الضغط الدولي على إسرائيل للالتزام ببنود أي اتفاق، والسماح بعبور مواد إعادة الإعمار إلى القطاع. وفي ضوء ذلك، هناك توقعات بنهاية مفتوحة حتى تُحقق إسرائيل أهدافها؛ حيث أعلن الاحتلال أنه بحاجة إلى عامٍ على الأقل لتحقيق أهدافه بالقضاء على حماس واستعادة المخطوفين[39].

وعلى الرغم من الحديث عن إعادة الإعمار، لكن يبقى التخوف من سيناريو تهجير سكان غزة قائمًا، حيث تُشير التصريحات الرسمية لقادة الاحتلال إلى احتفائها بالحركة السكانية الدائمة أو النزوح الدائم في غزة لما يقرب من 2.3 مليون نسمة، وقد حرص الاحتلال على هدم المباني وإنشاء منطقة معزولة خالية من السكان تحقيقًا لهدف أكبر هو تقليص مساحة قطاع غزة، والدفع بالسكان للهجرة إلى دول الجوار التي تقدر على استيعابهم للتخفيف من الأزمة الإنسانية، وعلى الرغم من رفض مصر والولايات المتحدة ودول أخرى سيناريو التهجير، إلا أن الخطوات الواقعية تنفي ذلك. فقد أقدمت مصر على بناء سياج حدودي مع القطاع[40]، ويبقى الأمل معقودًا على صمود المقاومة وعدم إلقائها سلاحها كي لا تتكرر التجربة المأساوية لعرفات ورفاقه حين ألقوا سلاحهم وذهبوا إلى المنافي، فخسروا قوتهم وجرى اغتيالهم هناك بينما أُقيمت مذابح صبرا وشاتيلا بحق الفلسطينيين العزل[41].

خاتمة:

في ضوء ما سبق، يمكن القول إن هذه الحرب تتسم بخصوصية زمانية، إذ إنها تأتي في وقتٍ تمكنت إسرائيل قبله من مد التطبيع إلى عدة أنظمة عربية كان يمكن أن تكف يد المحتل عن غزة إذا أرادت، كما أنها تأتي في وقتٍ استولت فيه السلطوية على المجتمعات العربية وتراجعت قوة المجتمع المدني، فقل الضغط على الحكومات لاتخاذ قرارات داعمة لغزة وأهلها.

رغم قتامة المشهد، إلا أن بقاء المقاومة صامدة في غزة، واستمرار اشتعال جذوتها في الضفة يُعد هدفًا استراتيجيًا داعمًا لملفي الإغاثة وإعادة الإعمار، وإن بدا الأمر على غير ذلك للوهلة الأولى، ولذا يمكن الخروج بتوصيات لتفعيل استراتيجية عربية إسلامية تسهم في دعم القطاع والمقاومة، وذلك على عدة مستويات:

  • الدول العربية والإسلامية: يمكن لهذه الدول فعل العديد من الأمور، وفي ضوء السقف الذي تتخذه بما لا يُكلفها الكثير، فعلى الأقل يمكنها الحفاظ على حياة القادة السياسيين والعسكريين للمقاومة، خاصةً أن الاحتلال هدد أكثر من مرة باستهداف رموز المقاومة في كل بقاع الأرض، فعلى هذه الأنظمة أن تبذل جهدها للحفاظ على تلك الرموز والضغط على الاحتلال في هذا الصدد. كما يمكن للدول العربية والإسلامية الضغط على الاحتلال للحفاظ على حد أدنى من القوافل الإغاثية التي تدخل إلى المعبر يوميًا لتجنب المجازر، أو أن تدعم الاقتصاد المصري في مقابل تسهيل دخول قوافل الإغاثة من معبر رفح ومواجهة الضغوط الخارجية التي تتعرض لها مصر في هذا الصدد.
  • الفاعلون غير الرسميين في الدول العربية والإسلامية: ويُقصد بذلك المؤسسات والهيئات الإسلامية غير الخاضعة لسلطة الدول، ويوكل إلى هذه المؤسسات مهمة تفعيل الوعي بالأمة لنصرة القطاع بكل ما استطاعت إليه سبيلا خاصةً في ملف الإغاثة. وقد سجلت بعض التقارير جهود جمعيات إسلامية عمدت إلى إقامة الأضحيات وجمع التبرعات لنصرة أهل القطاع المحاصر، بالإضافة إلى لعب دور جماعات الضغط على الحكومات العربية والمسلمة للتأثير.
  • شعوب الأمة الإسلامية: لا بد من اصطحاب جماهير الأمة المسلمة في هذه الحرب، واستنفار طاقاتها لدعم القطاع والمقاومة بالمال والنفس وحمل الهم، وقد سجلت هذه الحرب دورًا فاعلا لجماهير الأمة في بعض الملفات لاسيما ملف المقاطعة، فقد أعلنت بعض الشركات العالمية التابعة للاحتلال أو داعميه أنها مُنيت بخسائر تجارية كبيرة وتراجع أداؤها في البورصة بعد استهداف حملات المقاطعة لها، ومنها شركة ستاربكس وكذلك ماكدونالدز، كما شهدت الساحة الإعلامية دورًا مؤثرًا لجماهير الأمة، فضلا عن سلاح الإيمان وإظهار التضامن والانتماء إلى القطاع.

وبالنسبة للمقاومة، فعليها الحفاظ على وسائل قوتها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، ذلك علمًا أن ثمة تقديرات تُشير إلى أن انتهاء الحرب عسكريًا يفتح الباب لحربٍ بوسائل أخرى في مقدمتها ملفات الإغاثة وإعادة الإعمار، إذ يُستخدم كلاهما كورقة ضغط على المقاومة والقطاع لاسيما أن التاريخ حافل بالوعود الكثيرة -خاصةً في ملف إعادة الإعمار- والمتزامنة مع الأفعال القليلة.

__________

هوامش

[1] الشهداء، الجهاز المركزي للإحصاء الفسلطيني، تم الاطلاع عليه بتاريخ 22 مارس 2024م، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/uwyMR

[2] دانييلي بالومبو، بول كوسياك، وإروان ريفولت، نصف المباني على الأقل “دمرت بالكامل أو تضررت” في غزة، BBC عربي، 1 فبراير 2024م، تاريخ الاطلاع: 22 مارس 2024م، متاح عبر الرابط التالي https://shorturl.at/svBPQ

[3] منى جبريل، المدنيون في غزة تحت ويلات الحرب، Carnegie Endowment for international peace، 9 نوفمبر 2023، تاريخ الاطلاع: 10 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/fkGH4

[4] المرجع السابق.

[5] Riley Sparks, Hajar Harb, Gaza aid in-depth: Response leaders warn of extreme obstacles, even with a ceasefire, The New Humanitarian, 1st February 20[24, Accessed at: 15th March 2024, available at: https://shorturl.at/fyJNP

[6] Ibid.

[7] Ilana Feldman, Frederic Wehrey, Andrew Bonney, Aaron David Miller, Sarah Yerkes, Larry Garber, and Muriel Asseburg, , Governing Gaza After the War: The International Perspectives , Carnegie Endowment for international peace, 26 February 2024, Accessed at: 19 March 2024, available at: https://shorturl.at/uFLXY

[8] استهداف إسرائيلي جديد لمنتظري المساعدات على دوار الكويت بغزة، الجزيرة نت، 14 مارس 2024م، تاريخ الاطلاع: 20 مارس 2024م، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/0JWfATML

[9] Riley Sparks, Op. cit.

[10] غزّة: خبراء من الأمم المتحدة يطالبون المجتمع الدولي بمنع الإبادة الجماعية التي تهدّد الشعب الفلسطيني، الأمم المتحدة، 16 نوفمبر 2023م، تاريخ الاطلاع: 22 مارس 2024م، متاح عبر الرابط التالي https://2u.pw/HEZmDb2

[11] Riley Sparks, Op. cit.

[12] تقرير الأنروا رقم 60 حول الوضع في قطاع غزة والضفة الغربية التي تشمل القدس الشرقية، الأونروا، 4 يناير 2024م، تاريخ الاطلاع: 22 مارس 2024م، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/25UL6kFN

[13] كاثرين شير، من سيدفع المال لإعادة إعمار غزة بعد الحرب؟، DW، 15 ديسمبر 2023م، تاريخ الاطلاع: 10 مارس 2024م، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/NqMaH8hu

[14] Riley Sparks, Op.Cit.

[15] Ibid.

[16] Ibid.

[17] الشهداء، الجهاز المركزي للإحصاء الفسلطيني، تم الاطلاع عليه بتاريخ 22 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/k3v3Gfj

[18] Riley Sparks, Op.Cit.

[19] جوناثان أدلر، الأونروا واليوم التالي في غزة، Carnegie Endowment for international peace، 21 فبراير 2024م، تاريخ الاطلاع: 17 مارس 2024م، متاح عبر الرابط التالي: https://carnegieendowment.org/sada/91683

[20] الأونروا تكشف موقف عملياتها في غزة خلال رمضان، سكاي نيوز عربية، 10 مارس 2024م، تاريخ الاطلاع: 22 مارس 2024م، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/RWjboZg3

[21] استهداف إسرائيلي جديد لمنتظري المساعدات على دوار الكويت بغزة، الجزيرة نت، 14 مارس 2024م، تاريخ الاطلاع: 20 مارس 2024م، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/0JWfATML

[22] مغردون: للمرة الأولى توزّع المساعدات في شمال غزة دون مجازر، الجزيرة نت، 17 مارس2024م، تاريخ الاطلاع : 20 مارس 2024م، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/UXsDh177

[23] أمين حبلا، قصة الثلاثة الذين استشهدوا.. ماذا وراء استهداف قادة الشرطة بغزة؟، الجزيرة نت، 20 مارس 2024م، تاريخ الاطلاع: 20 مارس 2024م، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/mSA0pQCi

 [24] أمين زرواطي، ما هو مشروع ميناء غزة الذي أعلن عنه بايدن وهل سيكون بديلا لمعبر رفح البري؟، France 24، 11 مارس 2024م، تاريخ الاطلاع : 20 مارس 2024م، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/FM0fBch

[25] المرجع السابق

[26] محمود عبدالهادي، ماذا وراء إنشاء الميناء الصهيو – أميركي في غزة؟، الجزيرة نت، 21 مارس 2024م، تاريخ الاطلاع : 21 مارس 2024م، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/mMqR8TGw

[27] محمود عبد الهادي، ماذا وراء إنشاء الميناء الصهيو – أميركي في غزة؟، الجزيرة نت، 21 مارس 2024م، تاريخ الاطلاع : 21 مارس 2024م، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/mMqR8TGw

[28] عمر طاشبينار، مأزق «اليوم التالي»: الموقف الأمريكي تجاه مستقبل قطاع غزة، مركز الإمارات للسياسات، 21 نوفمبر 2023، تاريخ الاطلاع: 23 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/WUjJAeXU

[29] كاثرين شير، مرجع سابق.

[30] جوناثان أدلر، الأونروا واليوم التالي في غزة، مرجع سابق.

[31] اليوم الأخير في حرب غزة.. توقعات وسيناريوهات إعادة الإعمار، الشرق الأوسط، 26 نوفمبر 2023م، تاريخ الاطلاع : 18 مارس 2024م، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/lIWBbzLy

[32] سانسم ميلتون، إعادة تعريف إعادة الإعمار: مسار جديد لغزة ما بعد 2023، مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، 21 نوفمبر 2023م، تاريخ الاطلاع : 21 مارس 2024م، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/8dsu4o9n

[33] المرجع السابق.

[34] المرجع السابق

[35] Barak Ravid, Bibi’s post-war plan: No reconstruction in Gaza without demilitarization, Axios, 22 February 2024, Accessed at: 19 March 2024, available at: https://2u.pw/JdwqFHFT

[36] كاثرين شير، مرجع سابق.

[37] Ibid.

[38] اليوم الأخير في حرب غزة.. توقعات وسيناريوهات إعادة الإعمار، الشرق الأوسط، 26 نوفمبر 2023م، تاريخ الاطلاع : 18 مارس 2024م، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/lIWBbzLy

[39] المرجع السابق.

[40] سحر طارق، بناء مصر لحائط إضافي عند الحدود مع قطاع غزة و جدل حول السيطرة على ممر فيلادلفيا، France 24، 5 فبراير 2024، تاريخ الاطلاع: 20 مارس 2024م، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/wZDbw2sv

[41] عبده فايد، لماذا لا تقبل حماس بإلقاء سلاحها، موقع X، تم النشر بتاريخ 18 مارس 2024م، تم الاطلاع عليه بتاريخ 20 مارس 2024م، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/CWY004zv

 

  • نُشر التقرير في فصلية قضايا ونظرات- العدد الثالث والثلاثون- أبريل 2024

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى