التحالف السعودي الإماراتي في اليمن: من الاتفاق إلى الاختلاف

مقدمة:

في مارس 2015 يدخل التحالف السعودي الإماراتي إلى اليمن معلنًا هدف التصدي للحوثيين بعد أن أطاحوا بالحكومة المعترف بها دوليًا في العاصمة صنعاء، وحينها تم إبعاد قوات الحوثي عن معظم السواحل اليمنية. ويمكن القول إن ما بدا مجرد صراع داخلي على السلطة بين قوتين متعارضتين؛ هما: قوة الحوثيين (أو جماعة أنصار الله) ومعها الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، في مواجهة قوة الرئيس عبد ربه منصور هادي (والأحزاب الموالية له) تحوَّل إلى صراع إقليمي ومواجهات جيوسياسية بين معسكري طهران (داعمة للطرف الأول) والرياض (داعمة للطرف الثاني)؛ لكن ما يزيد الأمور تعقيدًا أنه بعد مرور أعوام، تحوّل الطرفان إلى أطرافٍ عدة تؤذن بتقسيم اليمن عن طريق تغذية فكر المليشيات، فعلى جانبٍ نجد المجلس الانتقالي الجنوبي وهو خاضع للنفوذ الإماراتي، وهناك قوات الشرعية التي تخضع للنفوذ السعودي، وهنالك المنطقة الوسطى بالإضافة إلى الشمال الذي يقع تحت سيطرة الحوثيين.

وتعود جذور الأزمة اليمنية إلى عام 2013 بعدما تحول الحراك الشعبي إلى مواجهات مسلَّحة، حيث الفشل في إتمام الانتقال السياسي الذي كان من المتوقع أن يُحدِث استقرارًا في البلاد عقب الثورة التي أجبرت علي عبد الله صالح على تسليم السلطة لنائبه هادي في نوفمبر 2011؛ ومن ثم فقد واجهَ اليمنُ خلال تلك الأثناء عدة مشكلات أبرزها هجمات تنظيم القاعدة في اليمن، والحركة الانفصالية في الجنوب، واستمرار موالاة عدد كبير من قيادات الجيش اليمني للرئيس السابق علي عبد الله صالح، فضلا عن الفساد، وارتفاع معدل البطالة، وغياب الأمن الغذائي.

وبشأن المواجهة مع الحوثيين على وجه الخصوص، فقد استغلت حركة الحوثيين، التي تنتمي إلى طائفة الشيعة الزيديين في اليمن والتي خاضت غمار تمردات عدة ضد الرئيس السابق صالح، ضعف الرئيس هادي للسيطرة على مناطق في شمال البلاد في محافظة صعدة والمناطق المجاورة لها، حيث وقع انقلاب الحوثيين على ثلاث مراحل: تخزين الأسلحة، واجتياح المناطق النائية في الشمال، ثم الاستيلاء على العاصمة صنعاء، في سبتمبر 2014، الأمر الذي لم يتحقق إلا بتعاون صالح مع الحوثيين، والإطاحة رسميًّا بالحكومة في يناير 2015؛ حيث حاصروا القصر الرئاسي والمناطق الحيوية، ووضعوا الرئيس هادي ووزارته قيد الإقامة الجبرية، ثم تمكن هادي من الفرار إلى مدينة عدن جنوب البلاد. لكن حاول الحوثيون والقوات الأمنية الموالية لصالح إحكام السيطرة على عموم البلاد، ما أجبر الرئيس هادي إلى الفرار خارج البلاد في مارس 2015[1].

إثر ذلك كان استشعار أطراف إقليمية عدة الخطر، تحديدًا السعودية التي اعتبرت ما حدث محاولة من إيران لترسيخ نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، بما يعد تهديدًا لأمنها القومي. وفي 26 مارس 2015 أعلنت المملكة العربية السعودية قيادة تحالف عربي من عِدة دول عربية وإسلامية، وفي مقدمتها دول الخليج العربي استجابة لطلب من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي؛ وذلك بهدف إعادة حكومة هادي إلى حكم البلاد، مدفوعة بمخاوفها من تنامي القوة الشيعية في المنطقة، ذلك فضلاً عن المخاوف إزاء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وفروعه وظهور تنظيم الدولة (داعش) الذي وجد بيئة خصبة مع انهيار مؤسسات الدولة اليمنية، وقد تلقى التحالف دعمًا لوجستيًا واستخباراتيًا من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا[2].

وينقسم هذا التقرير إلى ما يلي: أولًا-أهداف التحالف: بين المعلن والكامن، وأسباب الخلاف، ثانيًا-نبذة عن أبرز العمليات العسكرية للتحالف، ثالثًا-الموقف الرسمي اليمني من التحالف (باعتبار حكومة هادي الطرف الداعي له)، رابعًا-التفاعلات الإقليمية، خامسًا-أبرز جهود التسوية، سادسًا-الأوضاع الإنسانية: تيه بين تضارب المصالح.

أولًا- أهداف التحالف: بين المعلن والكامن، وأسباب الخلاف

وفي هذا الإطار، نتناول أهداف التحالف العربي (السعودي–الإماراتي قيادة) خلال مرحلتين: الأولى: الاتفاق بين طرفي التحالف الرئيسيين السعودية والإمارات وفيها نميز بين الأهداف المعلنة والأهداف الكامنة. والثانية: وهي مرحلة الخلاف بين السعودية والإمارات، حيث تضاربت الأهداف.

المرحلة الأولى: الأهداف المعلنة: حيث القول بأن الحرب بذاتها لم تكن هدفًا سعوديًا أو إماراتيًا، بل كانت ضرورة بموجب محددات أساسية، أهمها الاستجابة لطلب الشرعية اليمنية بعد انقلاب الحوثيين على المسار السياسي المتوافق عليه يمنيًا، والمدعوم دوليًا عبر المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، فضلًا عن اعتبار أن تلك الحرب تتسق مع الاستراتيجية الإماراتية المتمثلة في المساهمة بأمن وسلامة السعودية، ثم الممرات الملاحية الدولية، إضافة إلى مكافحة الإرهاب، التي التزمت بها القوات المسلحة الإماراتية في اليمن، بالتنسيق مع الولايات المتحدة والسعودية [3]؛ ومن ثم تحقيق أهداف استراتيجية في تقويض المخطط الإيراني التوسعي الذي تقوده عبر ذراعها (ميليشيات الحوثي “الإرهابية”) في السيطرة على اليمن واستخدامها كمنصة لتهديد دول الجوار والأمن القومي العربي والملاحة الدولية عبر سيطرتها على خليج عدن ومضيق باب المندب.

كما أعلن التحالف أنه يعمل على بناء جيش يمني وقوات أمنية وطنية قادرة على إدارة العمليات العسكرية للدفاع عن اليمن واستكمال تحرير ما تبقى[4]. أيضًا كان القول بأن إنقاذ الوضع الإنساني المتدهور في اليمن أولوية قصوى، وأنه كان يوازي العمل العسكري والانتصارات الميدانية، تلبية لنداءات وإنشاء لجسور إغاثية جوية وبحرية[5].

إلا أن الواقع يقول إن المعادلة أوسع من ذلك: حيث إننا أمام صراع إقليمي صفري ومواجهات جيوسياسية بين معسكري الرياض وطهران، صراع على النفوذ والزعامة بعيدًا عن اعتبارات الأمن القومي للدول بالمعنى المتعارف عليه؛ ويصبح الأمر أكثر مدعاة للتعجب إذ إن كلا المحورين قد وضع نصب عينيه الانتصار في اليمن وإلحاق الهزيمة بالطرف الآخر فيما بقي اليمن ينـزف بلا توقف.

ذلك علمًا بأن الصراع الإقليمي في اليمن ليس جديداً (وإن اختلفت أطرافه)، إلا أنه -ومع تفجر أولى حروب صعدة عام 2004- فقد ارتفعت حمى الصراع بين المعسكرين في الإقليم ليصل إلى ذروته بتدخل القوات السعودية في القتال إلى جانب القوات الحكومية اليمنية في الجولة السادسة والتي بدأت في أغسطس 2009 وانتهت في فبراير 2010، ففي مقابل المساندة السعودية لنظام صالح في مواجهة حركة أنصار الله، فقد اتخذت إيران موقفًا صريحًا مؤيدًا للحركة التي ظلت قياداتها تنكر صلتها بإيران، إلا أنه -وبعد سقوط العاصمة صنعاء بيد هذه الحركة في سبتمبر 2014- خرج العديد من المسؤولين الإيرانيين ليعبّروا عن نشوتهم بما حدث[6].

المرحلة الثانية: الخلاف بين السعودية والإمارات، والذي تجلت أبرز مظاهره في مدينة عدن (جنوبي اليمن)، ذلك التصعيد بين الحليفتين الاستراتيجيتين: السعودية والإمارات، من شأنه أن يؤدي إلى انفصال الشق الجنوبي من اليمن. ففي 7 أغسطس 2019، اندلعت مواجهات عنيفة في عدن، المدينة الساحلية والعاصمة الفعلية الراهنة لليمن، بين المجلس الجنوبي الانتقالي؛ وهو تحالف المليشيات الانفصالية التي ثبت أنها مدعومة ماليًا وعسكريًا من الإمارات، وبين الحكومة المعترف بها دوليًا بقيادة الرئيس هادي، المقيم في السعودية الداعمة له. هذه المواجهات سلطت الضوء على الصراع في الأهداف بين الحليفين.

فالسعودية، تهدف في المقام الأول من تدخلها في اليمن إلى تأمين حدودها الجنوبية ضد تدخلات الحوثيين المدعومين من منافستها الإقليمية التاريخية، إيران، إذ ركزت الرياض جهودها على محاربة الحوثيين في الجزء الشمالي من اليمن، ودعمت حكومة هادي باعتبارها الكيان الوحيد المعترف به دوليًا. من جهة أخرى، وعلى النقيض من الأهداف السعودية، سعت الإمارات إلى تعزيز دورها في الصراع لتوسيع نطاق وصولها العسكري والاقتصادي إلى القرن الأفريقي ومضيق باب المندب، الرابط الحيوي في طريق التجارة العالمية.

من أوجه التناقض الأخرى أنه في الوقت الذي ينظر فيه قادة السعودية والإمارات إلى إيران على أنها تهديد خطير، إلا أن الإمارات ترتبط مع إيران بعلاقات دبلوماسية واقتصادية [7]، وأيضًا هناك من يرد هذا المسلك الإماراتي إلى التصرفات السعودية أحادية الجانب في جنوب اليمن، وذلك من خلال اتخاذ المملكة مجموعة من الإجراءات استفزت الإمارات ومنها: (1) إيداع مليارَي دولار في البنك المركزي اليمني في عدن، (2) قيام محمد آل جابر، سفير السعودية في اليمن، بزيارة إلى عدن، قام خلالها بتفقّد ميناء عدن الذي تستشعر الإمارات إزاءه حساسية عالية، قائلًا إن السعودية لديها خطة لليمن لافتًا إلى تطوير ميناء عدن وميناء المكلا لتطوير الاقتصاد وتوفير فرص عمل، (3) قامت القوات السعودية البحرية بإنزالات كبيرة لعشرات العربات المسلحة والجنود في محافظة المهرة، وسيطرت من خلالها على مواقع استراتيجية بهذه المحافظة بعدما كانت -حتى الأمس القريب- موضع ترقب واهتمام من الجانب الإماراتي لحاجته إليها في الضغط على سلطنة عمان.

وبالتالي، فالأمر يرتبط في جانب كبير منه بتنافس الطموحات الاقتصادية والتجارية بالأساس في المنطقة، هذه الطموحات لن تتحقق من دون جنوب اليمن، وكما ذكرنا فإن الإمارات تضع كل ثقلها في الجنوب إلا إنها لم تنسَ مصالحها أيضًا في الشمال اليمني، وذلك عبر دعم الابن الأكبر للرئيس اليمني السابق على عبد الله صالح، الذي تصنع منه حصان طروادة في الشمال لتثبت نفوذها في مقابل المصالح السعودية[8].

ومن ثم، فإنه بعد سنوات من عمليات التحالف في اليمن أدت الأهداف المتباينة باليمن إلى تعقيد هذا التحالف، إن لم يكن قد تم تدميره، ولاسيما بعد سحب الإمارات لقواتها، مما يُعد اعترافًا منها بأن الحرب في اليمن لا يمكن كسبها عسكريًا، وربما تعتبر الإمارات أن مهمتها المتمثلة في تأمين الموانئ والنفوذ السياسي في الجنوب قد اكتملت بشكل أساسي[9]. وفي هذا الإطار فإن أبوظبي (على عكس السعودية) تتبع سياسات تدعم انقسام اليمن إلى جنوب (تسيطر عليه) وشمال[10].

وأدت أزمة عدن، إلى بيان عمق الشروخ في التحالف السعودي الإماراتي، ويظهر الخلاف في أن المجلس الجنوبي الانتقالي الانفصالي الذي سيطر على القصر الرئاسي والمقرات الحكومية في عدن يتألف من العديد من القوى والأحزاب والميليشيات، أقواها هي قوات الحزام الأمني، التي تتلقى الدعم من أبوظبي. بينما دعت السعودية الانفصاليين للتنازل عن السيطرة على عدن، وتمثلت أحدث المحاولات في اتفاق الرياض (سنأتي إليه لاحقًا)[11].

لكن ما التحديات المحتملة للخلاف وإعلان الانسحاب الإماراتي؟ فضلًا عن دعم المجلس الانتقالي، يمكن القول إن هناك دعما إماراتيا، غير مباشر، إزاء هجمات الحوثيين ضد السعودية، فقد شكل إعلان الإمارات عزمها سحب قواتها من اليمن، وما تبعه من نتائج وانعكاسات على أرض الواقع، الحافز الأساسي للحوثيين لشن الهجمات على السعودية[12]؛ بمعنى أن هذا الخلاف يضع السعودية في مواجهة منفردة أمام الحوثيين؛ ما يُضعِف موقفها، وقد يتأثر الأداء الاستراتيجي للعمليات الجوية والبحرية السعودية، مع غياب الشريك الإماراتي الذي لن تتمكّن السعودية من إيجاد بديل إقليمي عنه (خاصة في الوقت الحالي، ولاسيما مع افتراق الطرق مع تركيا). وبالتالي، ستزيد أو تتضاعف التكلفة المادية للمواجهة المنفردة على عاتق السعودية، تحديدًا مع تركيز الحوثيين هجماتهم على المدن والمراكز الصناعية، والنفطية، ومصادر توليد الطاقة، في جيزان، وعسير، ونجران، ومناطق أخرى في العمق، واستمرار إيران وحزب الله في دعمهم، خصوصًا في مجال الصواريخ الباليستية، والطائرات دون طيار[13].

كذلك هناك تداعيات إقليمية، فلا تنفصل كل تلك التجاذبات عن الأهمية الاستراتيجية لمنطقة البحر الأحمر وباب المندب، والتي تتأثر بكل ما يجري حولها، فتزداد -على سبيل المثال- عمليات القرصنة مع تصاعد التوترات[14].

والخلاصة في هذا الإطار أنه إن كانت الأهداف المعلنة للتحالف تتمثل في “إعادة السلطة الشرعية، ودحر الانقلاب الحوثي”؛ إلا أن الاستراتيجية الإماراتية جاوزت ذلك بإنشاء مليشيات مسلحة مستقلة عن السلطة الشرعية ودعمها، وبعضها مليشيات انفصالية، وبعضها محلية قبلية. وقد تحولت هذه المليشيات إلى عائق آخر أمام عودة الشرعية، فاستطالت الحرب، حتى تحولت إلى كارثة إنسانية، دفعت الإمارات إلى الانسحاب بهدوء من بعض مناطق تمركزها، خصوصًا في الشمال، وقد يتجاوز هذا التأثير إلى اتساع دائرة التباين في المواقف والمصالح بين الدولتين الحليفتين[15].

خاصة أنه مما يجب الانتباه له أن الخلاف السعودي الإماراتي ليس مقتصرًا على الملف اليمني فقط، بل الأمر أبعد من ذلك، حيث يوجد تنافس بينهما على القيادة التاريخية والإقليمية، لا سيما مع تعاظم طموح امتلاك المزيد من القوة الاقتصادية والتجارية عبر بسط السيطرة على الموانئ والممرات البحرية، وتعاظمت تلك الرغبة بالتزامن مع الإعلان عن مشروع “الحزام والطريق” الصيني[16].

ثانيًا- نبذة عن عمليات التحالف: من الوحدة إلى التفكك

لم يسبق للدولة اليمنية منذ انتهاء صيف 1994 أن شهدت هذا الحشد العسكري وتعدد محاور الاستقطاب، وانتشار للتنظيمات والميليشيات المسلحة -غير المنضبطة- لذلك فاليمن تعيش حالة استثنائية من التعقيدات، قد لا تتمكن أي سلطة ادمة حلها في المدى القصير، خاصة مع تفاقم آثارها الاجتماعية والإنسانية[17]. ويمكن تتبع أبرز المحطات العسكرية التي خاضها التحالف (والتي كانت متعددة المسارات ما بين الحوثيين وتنظيم القاعدة، وصولا إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، على نحو جعلها شديدة الارتباك، وغير قادرة على حسم أي من الجبهات) على النحو التالي:

في يوليو 2015 بدأ التحالف العربي وقوات يمنية عمليات ميدانية لإخراج الحوثيين وحلفائهم من عدن، وفي السابع عشر من الشهر نفسه، أعلنت الحكومة اليمنية عدن مدينة محررة من الحوثيين، لتنهار في أغسطس سيطرة الحوثيين وحلفائهم بأغلب المحافظات الجنوبية المحيطة لعدن، وأبرزها لحج وأبين وشبوة، مع بقاء سيطرتهم على مناطق متفرقة بأطرافها.

وفي يناير 2017 أطلق التحالف عملية “السهم الذهبي” للسيطرة على الجزء الجنوبي من الساحل الغربي لليمن والقريب من باب المندب، وتمكن خلال الشهور الأولى من العام نفسه من السيطرة على أغلب مناطق ذوباب والمخا غرب تعز.

لكن في فبراير 2017 غادر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي عدن، بعد أزمة بين قوات موالية له وأخرى موالية للإمارات تسيطر على مطار عدن الدولي وقد رفضت توجيهاته، لنجد أنه في مايو 2017 تعلن قيادات من “الحراك الجنوبي”، ومن حلفاء الإمارات في عدن، تشكيل “المجلس الانتقالي الجنوبي”، في خطوة اعتبرتها الحكومة “انقلاباً”؛ حيث أُعلن المجلس برئاسة محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي، وتبنى فصل جنوب اليمن عن الشمال. في الوقت ذاته يحدث تصعيد حوثي في يوليو 2017؛ إذ يطلقون صاروخاً بالستياً بمدى غير مسبوق، قالوا إنه استهدف منشأة نفطية في مدينة ينبع السعودية.

في 3 أغسطس 2017 أعلن الجيش الإماراتي عن إطلاق عملية عسكرية ضد تنظيم القاعدة في شبوة، ستنفذها قوات “النخبة الشبوانية” التي قامت أبوظبي بتدريبها، بمشاركة قوة أمريكية، ومع انطلاق العملية قيل إن عناصر التنظيم انسحبوا إلى الجبال بعد تقدم تلك القوات. والملاحظ أن هذا الإعلان لم يكن من هيئة الأركان اليمنية، التي يفترض بها أن تكون المحرك الرئيس للعملية، وليست باسم التحالف الشريك مع الحكومة المعترف بها دوليًا، ومن الواضح أن الإعلان جاء من الجيش الإماراتي وحده، كما أكد البنتاجون العملية دون حتى ذكرٍ لتنسيقٍ مع الحكومة اليمنية[18].

ثم في نوفمبر 2017 أعلن الحوثيون إطلاق صاروخ بالستي يستهدف مطار الملك خالد الدولي في الرياض[19]، ذلك وسط تزايد التوتر بين الرياض وطهران واتهامات سعودية لإيران بتزويد جماعة الحوثي بالأسلحة والذخيرة. وهذا التصعيد أعقبه تطور خطير إثر قتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في 4 ديسمبر من العام نفسه على أيدي حلفائه السابقين (الحوثيين)؛ وذلك إثر محاولة الرئيس السابق فتح صفحة جديدة مع السعودية؛ وهو ما اعتبره الحوثيون خيانة لهم[20]. وبشكل عام عقب إطلاق الصاروخ، بدأ التحالف موجة تصعيد وأعلن إغلاق كافة منافذ اليمن بما فيها الواقعة تحت سيطرة الشرعية، خاصة في ضوء اتهام إيران بتهريب صواريخ إلى الحوثيين[21].

ومع بداية عام 2018 تفجرت المواجهات بين أنصار “المجلس الانتقالي الجنوبي”، المدعوم من الإمارات والقوات الموالية لها، مع قوات الحماية الرئاسية، وبعد اقتراب الأولى من السيطرة على القصر الرئاسي حيث تقيم الحكومة في قصر معاشيق، تدخلت السعودية لفرض حالة من التهدئة[22].

لنأتي في أبريل 2018، إلى عملية عسكرية في حضرموت سميت بـ”الجبال السود“، حيث أطلق الجيش اليمني عملية عسكرية، بإسناد من القوات المسلحة الإماراتية، ضد عناصر تنظيم القاعدة في ساحل محافظة حضرموت، شرق البلاد، بالتزامن مع ذلك كان استمرار المعارك ضد الجوثيين كما في صعدة والبيضاء وتعز[23].

في سبتمبر 2018، بدأت عمليات عسكرية نوعية واسعة النطاق فى اتجاه مناطق سيطرة ميليشيات الحوثى وتحرير مدينة الحديدة (التي تمثل أهمية تاريخية في استراتيجية الدفاع اليمنية)؛ من محاور عدة، العمليات العسكرية لقوات التحالف العربى فى الحديدة أفقدت ميليشيات الحوثى قدرتها على الصمود والارتكاز ميدانيا مع فرار عناصرها[24]؛ حيث تأتي أهمية تلك العملية في ظل التهديدات الحوثية للأراضي السعودية عبر الصواريخ الباليستية، كما تقترب منطقة الحديدة من منطقة جازان السعودية، وهو ما يُمثل تهديدًا كبيرًا للمملكة[25].

وفي أغسطس 2019، استهدفت مقاتلات إماراتية قوات من الجيش اليمني على مشارف العاصمة المؤقتة عدن ومحافظة أبين، مخلفة 300 قتيل وجريح، حسب ما أعلنته وزارة الدفاع اليمنية، وهنا علقت شخصيات إماراتية بانتقاد واضح وصريح للأخطاء التي ترتكب؛ فعلى سبيل المثال هاجم الكاتب والإعلامي أحمد الشيبة النعيمي بيان وزارة الخارجية في أبوظبي، والتي أقرت فيه الضربة الجوية على الجيش اليمني بزعم محاربة الإرهابيين[26].

في المقابل، شكلت عملية نجران في 29 من سبتمبر 2019، التي تمكن من خلالها الحوثيون من أسر وإصابة ما يقرب من 2500 عنصر من مقاتلي التحالف العربي، حالة تسترعي الانتباه، حيث قد أعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع أن العملية انطلقت في 25 من أغسطس، وسبقها رصد دقيق[27].

خلاصات بشأن العمليات العسكرية للتحالف:

  • في حين التزمت كل من السعودية والإمارات بخوض الحرب في اليمن في إطار تحالف مشترك، نجد أن كلاًّ منهما يدعم فرقاء محليين يختلفون عن أولئك الذين يدعمهم الطرف الآخر. وفي حين تبرر الإمارات الاصطفاف إلى جانب المقاتلين في جنوب اليمن نتيجة لنقص كفاءة الرئيس عبد ربه منصور هادي، فإن الواقع يقول إنها أسهمت في تعزيز مجموعات انفصالية في جنوب اليمن تتسبب بدورها في إضعاف اليمن أكثر فأكثر، هذا في سياق اختلاف الأهداف مع السعودية على نحو ما أشير[28].
  • تشتت العمليات العسكرية ما بين الحوثيين والقاعدة ثم الانقسام السعودي الإماراتي، أضعف من تحقيق الأهداف وأضر كثيرا باستقرار اليمن.
  • اعتماد التحالف العربي أحيانًا على ميليشيات سلفية، قريبة من القاعدة، خوفاً من الاعتماد على رجال القبائل الذي تعتقد دولة الإمارات والتحالف العربي أنها تابعة لحزب التجمع اليمني للإصلاح[29].
  • تأسيس مجموعات من ميليشيات مثل (النخبة الشبوانية) تم التجنيد فيها بناءً على اعتبارات عشائرية ومناطقية[30]؛ وهو بحد ذاته عامل عدم استقرار طويل الأجل لليمن، ومن جانب آخر فإن بقاء هذه القوات خارج سيطرة الدولة اليمنية قد يفجر اشتباكات بين القبائل والقوات الحكومية من جهة وهذه القوات من جهة أخرى، وهذا الأمر يخدم تنظيم القاعدة.
  • الأهم أنه قد لوحظ انتشار مثل هذه القوات في المناطق النفطية والتجارية، حيث استلمت شركات نفطية تابعة للإمارات في محافظة شبوة إضافة إلى حقول الغاز، ومراكز المديريات ومقرات السلطات المحلية؛ ما يعني أن هدف مواجهة عناصر تنظيم القاعدة (الذين يختبؤون في الوديان والجبال والكهوف) يُستخدم كغطاء لبسط سلطات أبوظبي لنفوذها على تلك المناطق.
  • يلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكيَّة مازالت تعتمد على المعلومات المخابراتية الإماراتية مع علم واشنطن بأهداف أبوظبي أو بدون علمها[31].
  • يمكن تحديد أبرز التداعيات المتوقعة لانسحاب القوات الإماراتية من اليمن على الصعيد الميداني، فيما يلي:
    • قد يضع هذا الانسحاب السعودية في مواجهة منفردة أمام الحوثيين؛ ما يُضعف موقفها، عسكريًا، وقد سبقت الإشارة إلى هذا الأمر[32].
    • نتيجة اعتماد قوات الحزام الأمني وقوات النخبة الشبوانية خصوصا، على الدعم الإماراتي؛ فقد يتأثر موقفها الميداني أمام أي هجوم يشنّه الحوثيون على مناطق انتشارها في لحج والضالع. ولكن مقدار الأثر سيعتمد على مدى استمرار مشاركة الطيران الحربي الإماراتي في التغطية الجوية. ويزداد هذا الموقف حرجًا بفعل ما يعانيه الجيش اليمني من نقصٍ في الأسلحة الثقيلة؛ حيث لم يمكّن التحالف جيشَ الحكومة الشرعية من الحصول على حاجته من العتاد؛ وهو بدوره أمر يطرح العديد من علامات الاستفهام حول الأهداف بعيدة المدى لأطراف التحالف[33].

 

ثالثًا- الموقف الرسمي من التحالف في ضوء الخلاف الأخير:

من المعروف أن قوات التحالف قد جاءت إلى اليمن بطلب من حكومة هادي لمساندته في مواجهاته مع الحوثيين، لكن في مرحلة لاحقة وجهت الحكومة النقد إلى التحالف -تحديدًا الإمارات- لما اعتبر انحرافًا عن أهداف التحالف على نحو يضعف الحكومة الشرعية (مثل ما يتعلق بإنشاء ميليشيات، فضلا عن المساندة الإماراتية لما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي كما سبق الذكر).

لنجد أنه على سبيل المثال في مارس 2018 جاءت استقالة نائب رئيس الحكومة اليمنية، وزير الخدمة المدنية، عبد العزيز جباري، بالإضافة إلى وزير الدولة صلاح الصيادي، وقد وجَّها اتهامات للتحالف بممارسات تضعف الحكومة الشرعية، وفي الشهر نفسه، جرى الكشف عن رسالة بعثتها الحكومة اليمنية إلى مجلس الأمن تؤيد ما ذهب إليه تقرير فريق الخبراء من انتقادات للتحالف والقوات التي أنشأتها الإمارات[34].

والأهم أن مجلس الوزراء اليمني اعتبر أن الإمارات هي المسؤولة عن “الانقلاب” الذي حدث في عدن بواسطة ميليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي، وشدد المجلس على ضرورة مواجهة التمرد المسلح بكل الوسائل التي يخولها الدستور والقانون، وبما يحقق إنهاء التمرد واستقرار الأوضاع في العاصمة المؤقتة عدن.

وفي أغسطس 2019، كان تحميل مندوب الحكومة اليمنية لدى الأمم المتحدة الإمارات مسؤولية “التمرد” في عدن وأبين، حيث أكد “عبد الله السعدي” أنه لولا الدعم الكامل الذي وفرته الإمارات -تخطيطًا وتنفيذًا وتمويلًا- لهذا التمرد ما كان له أن يحدث، وأن هذا المخطط التمزيقي مستمر وفي تصاعد رغم كل دعوات التهدئة التي تقودها السعودية[35]. فضلًا عن أن الطيران الإماراتي قد شن ضربات جوية ضد قوات الجيش الحكومي في مدينتي عدن وأبين، مخلفا عشرات القتلى والجرحى، في حين قالت الإمارات إنها استهدفت عناصر “إرهابية”[36].

ومن مؤشرات الرفض الحكومي أيضًا أنه في الاجتماع الوزاري لوزراء خارجية الدول العربية طالبت الحكومة الجامعةَ العربية بالوقوف بشكل جدي وشفاف أمام دعم الإمارات لتمرد المجلس الانتقالي الجنوبي على الحكومة في عدن. وأكد نائب وزير الخارجية محمد الحضرمي أن ما حدث في عدن من تمرد وقصف جوي إماراتي على قوات الجيش، يعد خروجًا عن القانون وأهداف التحالف[37].

يترافق ذلك مع تحركات شعبية متصاعدة عبر تظاهرات شبه يومية تندد بجرائم الإمارات وتطالب بإنهاء دورها في التحالف وأخرى تروج لمقاطعة منتجات الإمارات[38]، كما كان للمنظمات الحقوقية مواقفها المندّدة بسياسات التحالف في الفترة الأخيرة خاصة ما يتعلق بالإمارات، على سبيل المثال، صرح توفيق الحميدي رئيس منظمة سام للحقوق والحريات: إن ما حدث في اليمن خلال الفترة السابقة يعتبر جرائم حرب بموجب القانون الدولي، وما قامت به الإمارات على الأرض يعتبر انتهاكًا لسيادة الدولة وتدخلاً في شؤونها وتقويضًا للسلم والأمن اليمني، وبالتالي يعتبر أن الإمارات أصبحت دولة معتدية، ومن حق اليمن الدفاع عن نفسه بكافة الطرق القانونية والدستورية وحتى العسكرية[39].

أما بشأن قصف معتقل محافظة ذمار، فيشير الحميدي إلى أن القصف جريمة يتحملها طرفا الحرب في اليمن (التحالف العربي وجماعة الحوثي) حيث إنه معلوم أن السجن يحتوي على مختطفين مدنيين اختطفتهم مليشيات الحوثي من عدة محافظات أخفتهم قسرًا ومارست التعذيب بحقهم، وليسوا أسرى حرب كما تدعي مليشيا الحوثي، وقال الحميدي إن من المفترض أن التحالف يعلم بهذا السجن على الأقل إعلاميًا[40].

رابعًا- التفاعلات الإقليمية والدولية إزاء التحالف

تتعدد الفواعل الإقليمية والدولية ذات الاهتمام بالشأن اليمني، ومن ثم تباينت المواقف إزاء التحالف، مع أو ضد، وفق مصالح كل طرف، حتى أن هناك من أيد التحالف ثم أصبح ضده (تركيا على سبيل المثال)، ومواقفهم كالآتي:

  • إيران:

لليمن خصوصية دينية وتاريخية لدى إيران، وترتكز الخصوصية الدينية على ما تسمى “الثورة السفيانية” التي روّج لها العالم الشيعي علي الكوراني في كتابه “عصر الظهور”، ومضمونه يتحدث عن ثورة ستكون في اليمن، ووصفها بأنها “أهدى الرايات في عصر الظهور على الإطلاق”، ومن هذا المنطلق تتداخل الأهواء الدينية والأطماع السياسية مع بعضها البعض في عملية صياغة وتحديد مسار السياسة والاستراتيجية الإيرانية في اليمن. لم يكن التمدد الإيراني في اليمن وليد لحظة ما متأخرة، بقدر ما كان وليد تراكم لمحاولات سابقة عديدة للاختراق كغيرها من البلدان العربية الأخرى، وبفعل متغيرات عدة محلية وإقليمية فرضتها الثورات العربية، وجد الإيرانيون الفرصة سانحة للتدخل بحثًا عن مناطق للنفوذ، وبشكل أكثر وضوحًا.

لذا عقب مجزرة جمعة الكرامة 18 من مايو 2011، وإعلان المبادرة الخليجية، بدأت عملية الاستقطاب والتجنيد للمشروع الإيراني في اليمن بشكل أكثر وضوحًا، وذلك بتجنيد واستقطاب شباب وناشطين ونقلهم خارج اليمن، تحت لافتة إقامة مؤتمرات وورش عمل وندوات.

مع بدء العمليات العسكرية للتحالف العربي بقيادة السعودية، وجدت إيران في ذلك بؤرة جديدة للصراع الإقليمي، بتقديم نفسها في المجتمع الدولي كوصيٍّ إقليميٍّ لحماية جماعة الحوثي، وفي هذا السياق صعَّدت دور الوكيل الإقليمي، وكرَّست خطابها الإعلامي وتصريحات مسئوليها لتسويق الحرب في اليمن على أنها حرب دول عربية سنية على أقلية يمنية شيعية، متجاهلة الأبعاد السياسية، كما حاولت كسر الحصار الذي فرضته السعودية على الحوثيين في اليمن، بإرسال سفن إغاثة إيرانية، إلا أن استحقاقات الاتفاق النووي الإيراني ألقت بأثرها على إدارة إيران للحرب في اليمن، فيُرى أنها ليست متواجدة بالثقل الكافي [41].

ومن أهم التطورات الدالة بالنسبة لوضع التحالف، أنه مؤخرًا في أغسطس 2019 استقبل المرشد الإيراني علي خامنئي الناطق باسم حركة أنصار الله اليمنية محمد عبد السلام الذي حلّ ضيفًا على طهران لأول مرة منذ بداية دخول التحالف اليمن.

وتتعدد دلالات هذا اللقاء، من جهة التوقيت، فإن زيارة عبد السلام لإيران سُبقت بلقاءات إماراتية–إيرانية في العاصمة طهران، كما أنها جاءت بعد إعلان القوات المدعومة من الإمارات سيطرتها على عدن جنوبي اليمن، منهيةً بذلك تواجد القوات العسكرية المدعومة من السعودية. وقد علّق المرشد خامنئي على هذا الصراع المستجد بين حلفاء الأمس قائلاً إن السعوديين والإماراتيين يسعون إلى تقسيم اليمن وارتكبوا جرائم كبيرة فيه، لكنهم لن يصلوا إلى نتيجة، على حد قوله. أما من جهة المضمون (وعلى نحو يعكس الولاء الحوثي لإيران بوضوح) فقد خاطب رئيس الوفد خامنئي قائلًا: “إننا نعتبر ولايتكم امتدادًا لخط نبي الإسلام (صلى الله عليه وسلم)، وولاية أمير المؤمنين”، مضيفاً أن مواقف خامنئي “في دعم الشعب اليمني المظلوم تمثل امتداداً لخط الإمام الخميني”[42].

  • تركيا:

أيدت تركيا التحالف وعملية عاصفة الحزم التي قادتها السعودية، وقد عللت تركيا ذلك بأن التدخل الذي تم بطلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي جاء انطلاقًا من أن الحوثيين انتهكوا الاتفاقيات الموقعة وقرارات مجلس الأمن الدولي، كما أن الزاوية الأخرى التي نظرت منها أنقرة هي زاوية التمدد الإيراني في المنطقة ومحاولات فرضه هيمنته في كل من سوريا والعراق واليمن[43].

إلا أن المتعيرات والخلافات بين السعودية وتركيا قد ألقت بظلالها على الموقف التركي من التحالف، منها على سبيل المثال: التوتر بين تركيا ودول الخليج عقب تداعيات حادثة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وموقف السعودية من عملية نبع السلام التركية في سوريا ضد الأكراد  حيث رفضت الرياض تلك العملية واعتبرتها عدوانًا[44].

في هذه السياقات المتداخلة حرصت الحكومة التركية على متابعة الوضع السياسي في اليمن عن قرب، تمثل ذلك في عدة لقاءات عقدها مسئولون أتراك، في الفترة الأخيرة، بتعليمات مباشرة من رئيس الجمهورية التركية، رجب طيب أردوغان، مع مسئولين يمنيين منهم رئيس الوزراء الدكتور معين عبد الملك، بمدينة عدن اليمنية[45]. وتحمل هذه الزيارة عدة دلالات: فهي تعد الأولى من نوعها لمسؤولين أتراك بهذا المستوى الرفيع إلى اليمن منذ اندلاع الحرب مطلع العام 2015، كما أن وصولهم إلى مدينة عدن بالتحديد يحمل دلائل كثيرة، خصوصاً مع رفض القوات العسكرية المتواجدة في عدن، والموالية للإمارات العربية المتحدة، دخول مساعدات تركية إلى عدن، واعتقال اثنين من العاملين الأتراك في الجمعيات الخيرية التركية في اليمن، ثم الإفراج عنهما لاحقًا [46].

ورغم التعقيدات يرى أن تركيا تمتلك مداخل للتأثير في الملف اليمني: علاقات قوية مع باكستان التي تجمعها علاقات متينة جداً مع السعودية، وبذلك تستطيع التأثير على السعودية ودفعها نحو العمل مع تركيا في هذا الملف، وإذا افترضنا أيضاً أن العلاقات التركية-الإيرانية لا تكفي لتخلي إيران عن الحوثيين، فسيأتي دور العلاقات التركية-الروسية للتأثير بشكل إيجابي على إيران في هذا الملف[47].

  • الولايات المتحدة:

بحسب وصف الولايات المتحدة الأمريكية لليمن، فإنها تقع في إطار جغرافي مهمٍّ وحيويٍّ لمصالح الولايات المتحدة، وهي تبدي اهتمامًا بالسيطرة على مضيق باب المندب الذي يمر عبره كل يوم 4.7 ملايين طن من النفط الخام؛ لذلك حرصت الولايات المتحدة منذ اندلاع الأزمة على أن تكون قريبة من جميع الأطراف المتحاربة في اليمن؛ وذلك من خلال دعم التحالف الذي تقوده السعودية عبر مشاركة المعلومات الاستخبارية والإسناد اللوجستي إلى جانب المساعدة في عمليات تحديد الأهداف[48].

أما على صعيد الدعم اللوجستي والاستخباري والعسكري، فقد أنشأت الولايات المتحدة غرفة عمليات مع السعودية “خلية التخطيط المشترك” لتنسيق العمليات العسكرية والاستخبارية في اليمن، كما قررت الولايات المتحدة الأمريكية في أبريل 2015 توسيع دورها في عمليات “عاصفة الحزم”، لتشمل مشاركة واشنطن في اختيار الأهداف التي تضربها طائرات التحالف، لكن واشنطن أعلنت خلال أغسطس 2016 تقليص عدد مستشاريها العسكريين، بينما اعتبر اللواء الركن أحمد عسيري –المتحدث ساعتها باسم التحالف العربي– أن الخطوة الأمريكية مجرد “إجراء على مستوى التخطيط”، وبالفعل فإن الدعم الأمريكي لم يتوقف، حيث استمرت الولايات المتحدة في تزويد الرياض بمعلومات عن مصادر الهجمات الصاروخية الحوثية[49].

ومع وصول ترامب إلى السلطة واعتماد استراتيجية جديدة تجاه إيران تضمنت فرض عقوبات جديدة وصلت إلى الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، هنا اعتبرت الإدارة الأمريكية أن اليمن مسرح حرب مفتوحا للمواجهة مع إيران، فزاد دعمها المقدم إلى التحالف بقيادة السعودية في الحرب على اليمن.

كما جاء الدعم الأمريكي للسعودية خلال زيارة ترمب للسعودية وعقد اتفاقيات بقيمة 480 مليار دولار في مختلف المجالات، وقد استحوذت صفقات السلاح وحدها مبلغ 110 مليارات دولار، كما عملت الولايات المتحدة على تشديد حظر الأسلحة المفروض على حركة أنصار الله[50]. بيد أن الخلاف الأخير في التحالف، لا شك أنه أمر يزعج الولايات المتحدة؛ نظرًا لأنه يصبُّ في صالح إيران وتقوية نفوذها في اليمن، كما أن ارتفاع وتيرة عدم الاستقرار يؤثر على المصالح الأمريكية بالمنطقة.

خامسًا- تطور الاتفاقات وجهود التسوية:

بدأت التفاعلات بمجرد دخول التحالف إلى اليمن؛ ففي أبريل 2015 صدر قرار مجلس الأمن الدولي 2216، الذي فرض عقوبات على قيادات من الحوثيين وحلفائهم وطالبهم بالانسحاب من المدن، ومنح التحالف غطاءً للاستمرار بالعمليات[51]، وقد رحبت حكومة هادي بالقرار بشدة معتبرة إياه السبيل لحل الأزمة.

ثم في يونيو انعقدت أول جولة مشاورات برعاية الأمم المتحدة بين الأطراف اليمنية في جنيف بسويسرا، وفي ديسمبر 2015 انعقدت جولة المشاورات الثانية بين الأطراف اليمنية برعاية أممية في مدينة بيل السويسرية، وانتهت بالتزامن مع تصعيد عسكري، لنأتي إلى مارس 2016 حيث الكشف عن تفاهمات بين الحوثيين والسعودية أفضت لهدنة على الحدود، جرى الإعلان عنها في وقتٍ لاحق، وزار وفد من الحوثيين مدينة ظهران جنوب السعودية لعقد لقاءات مع الجانب السعودي[52].

مباحثات الكويت:

وفي أبريل 2016 انطلقت جولة المشاورات اليمنية الثالثة والأهم في الكويت؛ وهي المحطة السياسية الكبرى خلال الحرب، وأبدى كل من الحوثيين والسعوديين رغبة في التفاوض بعد تعرض كلٍّ من الجانبين إلى ضغوط[53]، وكان قد أُعلن أن حوار الكويت سيكون من أجل بناء الدولة في المرحلة المقبلة وإنهاء الحرب، وتضمنت تصريحات المبعوث الأمـمي خمس نقاط أساسية هي: (1) سحب الميليشيات والمجموعات المسلحة، (2) تسليم السلاح الثقيل للدولة، (3) ترتيبات أمنية انتقالية، (4) الحفاظ على مؤسسات الدولة وبدء الحوار السياسي الشامل، (5) إنشاء لجنة لتبادل المعتقلين والسجناء[54]؛ لكن المفاوضات انهارت تمامًا بعد ثلاثة أشهر؛ ما أدى إلى تصاعد حدة الصراع وخلف زيادة هائلة في أعداد الضحايا من المدنيين بحسب الأمم المتحدة[55].

لننتقل إلى مرحلة أخرى، مع تصاعد توجيه الاتهام إلى التحالف بالتسبب في جرِّ اليمن إلى مزيد من التعقيد، ففي فبراير 2018 -ومع صدور تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن الدولي الذي جاء فيه أن اليمن كدولة قد ولت تقريبًا عن الوجود متهمًا التحالف بإنشاء قوات تعمل بالوكالة وتعيق الحكومة الشرعية- عقد مجلس الأمن ثم في الشهر نفسه اجتماعًا انتهى بتجديد قرار العقوبات بعد أن رفضت روسيا مشروع قرار بريطاني يتهم إيران بتهريب أسلحة إلى الحوثيين[56].

اتفاق السويد ديسمبر 2018

ففي ديسمبر 2018 (وعلى ضوء مواجهات ميناء الحديدة الاستراتيجي، والحصار المفروض عليه من قبل التحالف العربي بهدف تغيير التوازنات على الأرض لدفع الحوثيين إلى طاولة المفاوضات)، بدأت في 6 ديسمبر محادثات السلام اليمنية في السويد بين الحكومة والحوثيين برعاية الأمم المتحدة [57].

وقد توصلت الأطراف اليمنية إلى اتفاق السويد، برعاية الأمين العام للأمم المتحدة، وتحول الاتفاق إلى قرارات صادرة من مجلس الأمن الدولي (2451 و2452)، وقد مثل هذا الاتفاق منعطفًا أساسيًا في الملف اليمني، في كونه أثبت أنه لم يعد من الممكن نقض القرارات الدولية، التي باتت جزءًا من المرجعيات، ومن بعد هذا الاتفاق وُجدت في اليمن توازنات مختلفة سياسيًا وعسكريًا[58]. وكتتويج للمحادثات أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في 13 ديسمبر عن سلسلة اتفاقات تم التوصل إليها بين الجانبين، بينها اتفاق لوقف إطلاق النار في محافظة الحديدة[59].

نص الاتفاق أيضًا على انسحاب الميليشيات من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى إلى شمال طريق صنعاء، في مرحلة أولى خلال أسبوعين، كما نص أن تودع جميع إيرادات موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى في البنك المركزي اليمني من خلال فرعه الموجود في الحديدة للمساهمة في دفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية بمحافظة الحديدة وجميع أنحاء اليمن[60]. وفي 22 ديسمبر انتشر فريق من مراقبي الأمم المتحدة في الحديدة للإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، ورغم الاتفاق الذي اعتبره العديد لحظة فارقة وصفحة جديدة تنهي الأزمة في البلاد إلا أن الوضع ميدانيًا لم يتغير، واستمر تبادل الحوثيون والحكومة الاتهامات بخصوص حدوث خروقات[61].

رغم ذلك جرت محاولة مؤخرًا في أكتوبر 2019 لتنفيذ الاتفاق، حيث جرت عملية بإشراف الجنرال الهندي أباهيجيت جوها رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة. وتمثلت العملية في نشر وتثبيت نقاط ضبط الارتباط بين القوات المشتركة التابعة للحكومة اليمنية والحوثيين، وتتضمن نشر أربع نقاط مراقبة على الخطوط الأمامية لمدينة الحديدة بهدف خفض التصعيد بين الجانبين وفقًا لآلية التهدئة باتفاق السويد[62].

لكن تكرار أعمال العنف في نوقمبر 2019 هدد بانهيار الهدنة الهشة، فضلًا عن استمرار العصابات الحوثية في تهديد الملاحة البحرية في البحر الأحمر؛ وذلك عبر استهداف السفن واختطافها، وكان آخر جرائمها اختطاف سفينتين كوريتين إضافة إلى قاطرة سعودية[63]. وإثر ذلك وصل المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفثث، إلى صنعاء في نوفمبر 2019 في زيارة لبحث العراقيل أمام اتفاق السويد وإمكانية استئناف المفاوضات، مشيرا إلى “بوادر إيجابية لتنفيذ الاتفاق، تمثلت في: وضع نقاط المراقبة الأممية في المدينة، حيث شهدت مدينة الحديدة انخفاضاً في التصعيد العسكري والأمني، فتراجعت الحوادث الأمنية فيها بنسبة 40%، ذلك فضلًا عن الاتجاه نحو اتفاق الرياض، الذي سنتناوله في الجزئية التالية”[64]، خطوات الحكومة الإيجابية التي ساعدت في إدخال سفن المشتقات النفطية إلى موانئ الحديدة، إلا أنه أعرب عن قلقه “من تقييد الحوثي لحرية الفريق الأممي في الحديدة”، لكن يجب الانتباه إلى أنه للأيادي الخارجية موضعها، في نجاح أو فشل جهود التسوية.

اتفاق الرياض: أدّت المملكة العربية السعودية، خلال عام 2019، دور الوساطة في الاتفاق بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي[65]. وكانت دوافع السعودية للسعي إليه تتمثل في رغبتها في تحسين صورتها عقب اغتيال جمال خاشقجي، كما أن التواجد العسكري في اليمن ألحق الضرر بسمعة السعودية، لاسيما بالنظر إلى العدد الكبير من الضحايا[66].

هذا الاتفاق، الذي -رغم ما يحمله من مخاطر محتملة على وحدة اليمن (حيث يحمل في طياته إشكاليات؛ إذ إنه مَنح الشرعية من قبل الحكومة لمتمردي المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي ليس لديه أي اهتمام بوحدة اليمن بل ويسعى نحو انفصال الجنوب عن شمال البلاد[67])- إلا أن هناك من اعتبره قد يكون بداية لوقف الحرب وتحقيق السلام؛ حيث يُتوقع أن يؤدي هذا الاتفاق إلى محادثات أكثر شمولية بين أطراف النـزاع في اليمن لإيجاد حل سياسي وإنهاء الحرب[68]، خاصة أنه بموجبه، ينضم المجلس الجنوبي الانتقالي إلى حكومة وطنية جديدة ويضع كل القوى التابعة له تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا[69].

وفي حين اعتبر “مجلس شباب الثورة السلمية اليمنية” في بيان له أن دولة الإمارات لا يمكن أن تكون طرفًا محايدًا في اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي؛ ذلك لأنها الجهة التي مولت وأسست فصيلًا مسلحًا مناوئًا للدولة، محذرًا من أن عدم تحميلها المسئولية عن المشاركة في الانقلاب وقتل الجنود اليمنيين وانتهاكات حقوق الإنسان وإغلاق المطارات والموانئ ومنع الحكومة من تصدير النفط والغاز، يعد مكافأة لها[70].

في حين ذلك، رحب المجتمع الدولي بالاتفاق، حيث وصف السيناتور الأميركي الديمقراطي كريس ميرفي، في بيان، اتفاق الرياض بالخطوة الإيجابية، وقال إنه يضمن للمجلس الانتقالي مكانا عند تقرير مستقبل اليمن، ويجنب البلاد التقسيم. كما رحب الاتحاد الأوروبي في بيان له بالاتفاق، معتبرًا أنه خطوة مهمة نحو خفض التصعيد والسلام في اليمن والمنطقة، مؤكدا مواصلة تقديم الدعم لمكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث في هذا المجال. أيضًا رحب مجلس الأمن الدولي بتوقيع اتفاق الرياض، وجدد في بيان له تأكيده دعمه الكامل لجهود المبعوث الأممي لاستئناف مفاوضات شاملة دون تأخير بشأن الترتيبات الأمنية والسياسية اللازمة لإنهاء النزاع[71].

لكن رغم ذلك، وكغيره من محاولات التسوية واجهته العراقيل، ففي بداية يناير 2020 أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن تعليق عمل لجانه السياسية والعسكرية في اتفاق الرياض؛ وذلك ردًا على الاشتباكات التي دارت في شبوة بين قوات تابعة للحكومة ورجال قبائل، كما كان هناك خلاف حول تفسير مضامين الاتفاق فيما يتصل بمدى سماحه بانفصال جنوب اليمن[72].

سادسًا- الأوضاع الإنسانية: تيه وسط تضارب المصالح:

تعرَّض اليمن لدرجة هائلة من الدمار على الصعيد الإنساني، وإن كان عادة ما يرتكب الحوثيون جرائم توصف بأنها “جرائم حرب”، فإن ما برز –مؤخرا- الجرائم التي يرتكبها التحالف. فعلى سبيل المثال، أعلنت منظمة الصليب الأحمر للإغاثة أن سجناً تعرض للقصف في ذمار، وأن فريقها كان يزوره بشكل منتظم، ونشرت لاحقًا في حسابها الرسمي على تويتر: (فريق من اللجنة الدولية يحمل إمدادات طبية عاجلة، يمكنها علاج ما يصل إلى 100 شخص مصاب بجروح خطيرة، و200 كيس من الجثث، سيتم التبرع بها، في طريقها إلى محافظة ذمار في اليمن بعد الغارات الجوية التي قيل إنها أودت بحياة العشرات من المحتجزين).

وقد أودت قوات التحالف خلال أكثر من أربع سنوات بحياة آلاف اليمنيين تحت اسم “غارات خاطئة” أبرزها استهداف ضباط وأفراد في معسكر العبر بغارة راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى في صفوف الجيش الوطني في يوليو 2015، واستهداف مجلس عزاء الصالة الكبرى بصنعاء في أكتوبر 2016؛ والذي راح ضحيته أكثر من 150 قتيل ومئات الجرحى[73].

وفي مارس 2017 وصف المسؤول عن العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن أوبراين الأزمة في اليمن بأنها “الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم”، الأمر ذاته أكده مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (أوتشا) في فبراير 2019. وأوضح “أوتشا” أن تقديراته تشير إلى أن “80 بالمئة من السكان -أي نحو 24 مليون شخص- بحاجة إلى مساعدة غذائية أو حماية، بينهم 14.3 مليون شخص بشكل عاجل. كما أكدت “منظمة العمل ضد الجوع” الفرنسية أن عدد النازحين داخل اليمن بلغ 3.3 ملايين شخص.

وعلى الصعيد الصحي، تفشي وباء الكوليرا في اليمن مؤديًا إلى وفاة أكثر من 2500 شخص منذ أبريل 2017، وتم الإبلاغ عن الاشتباه بإصابة نحو 1.2 مليون شخص، بحسب منظمة الصحة العالمية. كما تقول منظمة “سيف ذي تشيلدرن” الإنسانية البريطانية إن قرابة 85 ألف طفل ماتوا من الجوع أو المرض في الفترة بين أبريل 2015 وأكتوبر 2018، وقتل آخرون خلال المعارك. كما تسببت الحرب في دمار كبير جعل اليمن يخسر رقمًا ليس بالقليل من البنية التحتية حيث شملت الأضرار: “712 مسجدا، 763 مدرسة ومعهدا، 223 منشأة سياحية، 206 معالم أثرية، 103 منشآت رياضية، 113 منشأة جامعية، 26 منشأة إعلامية، 663 مخزن غذاء، 515 ناقلة غذاء، 15 مطارا ، 14 ميناء[74].

ومن آخر التقارير في هذا الإطار إعلان الأمم المتحدة، في سبتمبر 2019، ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في اليمن إلى ألفين وثلاثمائة مواطن خلال العام. وأوضح بيان صادر عن منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، ليز غراندي، أن أكثر من 700 مدني قتلوا وجرح 1600[75].

ونتاج ذلك تقدمت الحكومة الشرعية في اليمن بشكوى ضد دولة الإمارات وممارساتها في البلاد إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة على هامش دورة اجتماعاتها السنوية في نيويورك، وصرح وزير الخارجية اليمني محمد الحضرمي أن المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا تمرد على السلطة، وأن الطيران الحربي الإماراتي قصف الجيش اليمني عندما تصدى للمجلس، مما شكل انحرافا عن أهداف تحالف دعم الشرعية في اليمن، لكن في الوقت ذاته أعرب الحضرمي عن تقدير بلاده لدعم السعودية التي تقود التحالف[76].

وفي رد على الاتهامات الموجهة إلى التحالف بشكل عام أكدت المملكة العربية السعودية أنّ تحالف دعم الشرعية في اليمن ملتزم بشكل كامل بأن تكون عملياته العسكرية متوافقة مع قواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان[77].

خاتمة:

إن الحرب التي يتعدد فيها اللاعبون الإقليميون والذين تتناقض استراتيجياتهم السياسية والاقتصادية، لن تكون سوى مباراة صفرية، وهذا ما يصدق على حال الحرب التي يخوضها التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، فلم يتمكن قائدا الحرب من تحديد أهدافهما من تلك الحرب بوضوح، حتى تاهت البوصلة ولم يدفع الثمن سوى الشعب اليمني الذي ينـزف كل يوم من دمائه واقتصاده.

إن التحالف لم يفشل فقط في تقديم الدعم للحكومة الشرعية، وإنما ها هو يقدم خدماته لصالح عدم استقرار اليمن؛ سواء بشكل غير مباشر عبر تخبطه بما يعطي مساحة للحوثيين حلفاء إيران وللقاعدة أيضًا، أو بشكل مباشر من خلال دعم الإمارات للمجلس الانتقالي الجنوبي، ثم إعلانها الانسحاب، وفوق هذا وذاك استهداف الجيش الوطني والمدنيين، وربما الخطر الأكبر الذي سيعانيه اليمن سنوات مقبلة هو إنشاء كل من طرفي التحالف ميليشيات تدين له بالولاء.

ماذا يحتاج اليمن الآن؟

  • الشرعية الوحيدة التي يجب التعويل عليها لتجمع كافة اليمنيين تحت مظلتها هي شرعية الشراكة الوطنية والتوافق والحوار حتى إجراء الانتخابات.
  • تبادل تحكيم القانون فيما يشهده اليمن من جرائم، بدلًا من أوصاف “الإرهابية” التي يرددها كل طرف ضد الآخر.
  • بالنسبة للمجتمع الدولي، عليه بذل مزيد من الجهد بما يتسق مع ما تؤكده القرارات الدولية التي تصنف الحالة الانقلابية باليمن أنها تهديد للأمن والسلم العالميين والإقليميين.
  • صوغ الأطراف الإقليمية والدولية، رؤية متكاملة للحل لا يكون محورها توزيع الكعكة اليمنية بين الفرقاء في الداخل أو الخارج، وإنما إعادة بناء مؤسسات الدولة بما يعالج التفكك الذي تعاني منه اليمن، سياسيًا ومجتمعيًا.

*****

هوامش

[1] قراءة في كتاب “اليمن في أزمة: الطريق إلى الحرب”، عرض: موقع عين أوروبية على التطرف، 31 مايو 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/4GW4U

[2] الأزمة في اليمن: من يحارب من؟، بي بي سي عربي، 16 أكتوبر 2016، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/2ffs4

[3] عن إعادة الانتشار…واستراتيجية التحالف في اليمن، سكاي نيوز العربية، 10 يوليو 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/HBQkh

[4] الإمارات شريك فاعل في تحقيق أهداف التحالف في اليمن، الاتحاد، 17 يوليو 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/sFWAz

[5] المرجع السابق.

[6] علي الرعوي، حدود التنافس الإقليمي في اليمن!، جريدة الشبيبة، 16 نوفمبر 2017، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/H8fET

[7] مجلة أمريكية: توتر الرياض وأبوظبي يتصاعد باليمن…هذه تداعياته، الاستقلال، ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/DFTnK

[8] النار العدنية تكشف الخلاف الجوهري بين الامارات والسعودية!، صحافة 24، 1 فبراير 2018، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/ciDEJ

[9] مجلة أمريكية: توتر الرياض وأبوظبي يتصاعد باليمن…هذه تداعياته، مرجع سابق.

[10] محمد سيف الدين، حرب اليمن…تداعيات قد تنتهي إلى “زلازل جيوسياسية”، وكالة أنباء الأناضول، 15 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/jAfCz

[11] الحكومة اليمنية والإمارات تتبادلان الاتهامات حول انقلاب عدن…والأزمة تهدد التحالف السعودي الإماراتي بالتمزق، البوستة، 21 أغسطس 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/TSx24

[12] المرجع السابق.

[13] التحالف العربي ومكافحة الإرهاب، مركز أبعاد للدراسات والبحوث، الإطلاع بتاريخ 10 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/2OwMV

[14] إيران والغرب: مواجهة نفوذ إيران تطيل حرب اليمن، جادة إيران، 24 سبتمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/xuFZ5

[15] انظر:

  • مستقبل الصراع في اليمن بعد “انسحاب” القوات الإماراتية، العربي نقلا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 15 يوليو 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/LC0pI
  • الحكومة اليمنية والإمارات تتبادلان الاتهامات حول انقلاب عدن، مرجع سابق.

[16] محمد سيف الدين، حرب اليمن…تداعيات قد تنتهي إلى “زلازل جيوسياسية”، مرجع سابق.

[17] التحالف العربي ومكافحة الإرهاب، مرجع سابق.

[18] التحالف العربي ومكافحة الإرهاب، مرجع سابق.

[19] من “الحزم” إلى “الأمل”، مرجع سابق.

[20] المرجع السابق.

[21] المرجع السابق.

[22] ثلاث سنوات من حرب التحالف في اليمن: أبرز المحطات والتحولات، العربي الجديد، د.ت، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/hf1UC

[23] تطورات الحرب في اليمن: ما أسباب التراجع الحوثي؟، كيو بوست، 28 أبريل 2018، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/rw7sT

[24] التحالف العربى يبدأ عملية عسكرية واسعة لتحرير الحديدة من ميليشيات الحوثى، اليوم السابع، 17 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي:   https://cutt.us/nHUym

[25] محمود جمال عبد العال، ميناء الحُدَيّدة: عملية التحرير وانعكاساتها على تطور الصراع في الحرب اليمنية، المركز العربي للبحوث والدراسات، 10 يونيو 2018، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/4wuDP

[26] نشطاء إماراتيون يعارضون انحراف أبوظبي عن أهداف التحالف في اليمن، الإمارات 71، 31 أغسطس 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/lBqb3

[27] إيران والحسابات السعودية المعقدة في اليمن، نون بوست، 1أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/LH630

[28] نيل بارتريك، الإمارات وأهدافها من الحرب في اليمن، مركز كارنيجي، 24 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/z6kkS

[29] المرجع السابق.

[30] التحالف العربي ومكافحة الإرهاب، مرجع سابق.

[31] المرجع السابق.

[32] مستقبل الصراع في اليمن بعد “انسحاب” القوات الإماراتية، مرجع سابق.

[33] المرجع السابق.

[34] ثلاث سنوات من حرب التحالف في اليمن: أبرز المحطات والتحولات، مرجع سابق.

[35] الحكومة اليمنية والإمارات تتبادلان الاتهامات حول انقلاب عدن، مرجع سابق.

[36] اليمن تشكو الإمارات للجمعية العامة للأمم المتحدة، الإمارات، 29 سبتمير 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/G6LyS

[37] هل ترضخ الحكومة اليمنية لضغوط التحالف السعودي الإماراتي؟، موقع قناة بلقيس، 11سبتمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/JrzqV

[38] اليمن تشكو الإمارات للجمعية العامة للأمم المتحدة، مرجع سابق.

[39] هل يرتكب التحالف السعودي/الإماراتي في اليمن “جرائم حرب” وهل يمكن الإفلات من العقاب؟!.. خبراء يجيبون، اليمن نت، 3 سبتمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/cun4h

[40] المرجع السابق.

[41] إيران والحسابات السعودية المعقدة في اليمن، مرجع سابق.

[42] زكريا أبو سليسل، هل بايع الحوثيون خامنئي إماما؟، موقع جادة إيران، 14 أغسطس 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/Mc1Ez

[43] محمود سمير الرنتيسي، الموقف التركي من عاصفة الحزم… الأسباب والتطورات، الجزيرة، 29 مارس 2015، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/hklzn

[44]  انظر، الآتي:

  • ياسين التميمي، السعودية تحول اليمن إلى ساحة اشتباك مع تركيا، العربي بوست، 14 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/8yhoK
  • وزير الخارجية التركي: لا بد من محاسبة السعودية وأبوظبي على حرب اليمن، المهرة بوست، 30 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/Pn2P8

[45] اليمن وأولويات تركيا للعام 2019، ترك بوست، 21 فبراير 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/8AaPg

[46] ياسين التميمي، السعودية تحول اليمن إلى ساحة اشتباك مع تركيا، العربي بوست، 14 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/8yhoK

[47] المرجع السابق.

[48] انظر، الآتي:

  • المرجع السابق.
  • شيماء حسن، تطورات الموقف الأمريكي من الأزمة في اليمن، مجلة المستقبل العربي، العدد 470، أبريل 2018، نقلا عن موقع مركز دراسات الوحدة العربية، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/1tqLy

[49] المرجع السابق.

[50] المرجع السابق.

[51] ثلاث سنوات من حرب التحالف في اليمن، مرجع سابق.

[52] الأزمة في اليمن: من يحارب من؟، بي بي سي عربي، 16 أكتوبر 2016، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/WNZZY

[53] المرجع السابق.

[54] مفاوضات الكويت: إلى أين تتجه الأزمة اليمنية، المركز العربي للبحوث والدراسات، 16 أبريل 2016، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/BaqD8

[55] الأزمة في اليمن: من يحارب من؟، مرجع سابق.

[56] ثلاث سنوات من حرب التحالف في اليمن، مرجع سابق.

[57] من الحزم إلى الأمل، مرجع سابق.

[58] عن إعادة الانتشار… واستراتيجية التحالف في اليمن، مرجع سابق.

[59] من الحزم إلى الأمل، مرجع سابق.

[60] أبرز بنود “اتفاق ستوكهولم” بشأن مدينة الحديدة باليمن، سكاي نيوز العربية، 13 ديسممبر 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/UTxaP

[61] انظر، الآتي:

  • من الحزم إلى الأمل، مرجع سابق.
  • عن إعادة الانتشار… واستراتيجية التحالف في اليمن، مرجع سابق.

[62] محاولة جديدة لتنفيذ اتفاق السويد… الأمم المتحدة تقيم نقاط مراقبة بالحديدة اليمنية، الجزيرة،20 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/uAkKp

[63] ممارسات الحوثي تهدم اتفاق السويد، الوطن أون لاين، 26 نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/aWSt8

[64] غريفثس يصل صنعاء لبحث العراقيل أمام اتفاق السويد، العربية، 24 نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/8c4ON

[65] ماريكي ترانسفلد، السلام وتفكك الدولة في اليمن، مركز كارنيجي، 22 نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/mSz2c

[66] اتفاق الرياض ـ بداية النهاية لحرب اليمن أم دخول في نفق آخر؟، وكالة الأنباء الألمانية، 7 نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/db53a

[67] المرجع السابق.

[68] المرجع السابق.

[69] اليمن… المجلس الانتقالي الجنوبي يعلق مشاركته في لجان اتفاق الرياض، قناة الحرة، 1 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/DBRqU

[70] اتفاق الرياض… المجتمع الدولي يرحب ومجلس شباب الثورة اليمني يستنكر وجود الإمارات، الجزيرة، 7 نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/USbFJ

[71] المرجع السابق.

[72] اليمن… المجلس الانتقالي الجنوبي يعلق مشاركته في لجان اتفاق الرياض، مرجع سابق.

[73] هل يرتكب التحالف السعودي/الإماراتي في اليمن “جرائم حرب” وهل يمكن الإفلات من العقاب؟! ، مرجع سابق.

[74] من الحزم إلى الأمل، مرجع سابق.

[75] الأمم المتحدة: تكشف حصيلة ضحايا التحالف في اليمن خلال العام الجاري، البوابة الإخبارية اليمنية، 25 سبتمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/qaNN9

[76] اليمن تشكو الإمارات للجمعية العامة للأمم المتحدة، مرجع سابق.

[77] السعودية: عمليات التحالف في اليمن ملتزمة بالقانون الدولي، البيان، 27 سبتمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/KY7Hr

 

 فصلية قضايا ونظرات- العدد السادس عشر – يناير 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى