ماذا كشفت أزمة كورونا عن السياسات الداخلية والخارجية الروسية؟


مقدمة:
يتناول هذا التقرير السياسات الروسية الداخلية والخارجية في مواجهة فيروس كورونا، ولكن ليس عن طريق الفصل الثنائي بين الداخل وسياساته والخارج وسياساته، إذ التداخل بينهما شديد التعقيد، وإنما من خلال تناول ثلاثة قضايا يرى الباحث أنها تشمل الداخل والخارج دونما تحديد دقيق لأي منها يقع في أيٍّ من الميدانين دون غيره، وهذه القضايا هي: أولًا– إجراءات الدولة للحد من انتشار الوباء، ثانيًا– دور المؤسسة العسكرية في مواجهة الأزمة، ثالثًا– المساعدات الإنسانية من وإلى روسيا.
في القضيَّتين الأولى والثانية يستصحب التقرير “الإنسان مقابل الدولة واقتصادها ومؤسساتها والمصالح السياسية للنظام الحاكم” باحثًا عن إجابة لسؤال حول أولوية الإنسان مقابل ما سواه، فيكون السؤال؛ إلى أي مدى كشفت السياسات عن أولوية الإنسان على المصالح الاقتصادية والسياسية؟، وفي القضية الثالثة يستصحب التقرير “تصور روسيا لمستقبلها في النظام الدولي” باحثًا عن تأثير ذلك التصور على الإنسان في الداخل في ظل الأزمة ليكون السؤال؛ هل أثرت المساعدات الروسية المقدمة للخارج على الإنسان في الداخل؟، أي أن التقرير ينطلق من الإنساني نحو السياسات باحثًا عن مدى أولوية الإنسان في مقابل ما سواه في ظل سياسات الحكومة الروسية لمواجهة الأزمة.
أولًا- إجراءات الدولة للحد من الوباء
في ٢٥ مارس ٢٠٢٠ سجلت روسيا أول حالتي وفاة بكورونا لمسنين أعمارهم تتجاوز السبعين والثمانين عامًا من التهاب رئوي وأمراض مزمنة[1]، وكانت حتى وفاة هاتين الحالتين وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية في 25 مارس قد سجَّلت 658 إصابة بالفيروس دون وفيات، وبذلك تكون روسيا قد دخلت معاناتها مع المرض بعد ثلاثة أشهر تقريبًا من الإعلان عن تواجده رسميًّا في ديسمبر 2019 في مدينة ووهان الصينية، وبعد أسبوعين من إعلان منظمة الصحة العالمية (في 11 مارس) تحول كورونا لجائحة.
كانت مجمل الإصابات عالميًّا وقتها -طبقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية في 25 مارس- يقترب من نصف مليون إصابة و20 ألف وفاة بالفيروس، وكان الفيروس وقتها قد وصل لما يزيد على 190 دولة حول العالم[2]، وهو ما يعني أن الوباء وقتها كان قد اجتاح كل دول العالم تقريبًا.
بعد 10 أيام فقط في 5 أبريل وطبقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية كان عدد الإصابات في روسيا بلغ 4731 وبلغ عدد الوفيات 43 حالة[3]، وبعدها بعشرة أيام أخري في 15 أبريل قفزت الأعداد لتصل الإصابات 24490 والوفيات 198 وفاة[4]، وفي 30 أبريل وصلت الإصابات 106498 والوفيات 1073 وفاة وكان عدد الإصابات عالميًّا تجاوز المليون الثالث والوفيات تجاوزت مئتي ألف[5].
وشهد شهر مايو ذروة تفشِّي المرض وأعلى معدلات الإصابة اليومية مقارنة بما قبله، فكانت روسيا تسجِّل يوميًّا منذ مطلع الشهر ما يزيد على 10 الآف حالة إصابة جديدة يوميًّا، لتصل الإصابات في 15 مايو 262843 والوفيات 2418 وفاة طبقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية[6]، وشهد النصف الثاني من الشهر انكسار منحنى الإصابات ليقل عن 10 الآف حالة يوميًّا، واستمرَّ معدل الإصابات اليومي في التراجع حتى أصبح منذ 26يونيو وحتى 14 يوليو أقل من 7 الآف حالة يوميًّا، وحتى ذلك التاريخ سجَّلت روسيا ما مجمله 739947 إصابة و11614حالة وفاة بالمرض[7]، وأجرت 23 مليون اختبار للكشف عن فيروس كورونا[8].
تبنَّت الحكومة في مواجهة المرض إجراءات الغلق خارجيًّا والحجر داخليًّا وهى الإجراءات نفسها التي اتَّخذتها كلُّ الدول مع اختلاف التوقيت الذي ترتَّب عليه درجة تفاقم الأزمة بعد ذلك بشكل كبير، فالدول التي تحرَّكت مبكرًا كانت فرصتها في السيطرة على المرض مبكرًا (كوريا الجنوبية)، أكبر من نظيرتها التي تأخرت (الولايات المتحدة الأمريكية).
فعلى مستوى الخارج، قامت الحكومة بغلق الحدود مع الصين وتعليق حركة الطيران ووقف الرحلات منها وإليها منذ أواخر يناير وخلال فبراير كانت روسيا قد قطعت كل الحركة مع الصين، وفي 6 مارس قامت روسيا بإغلاق الحدود أمام المسافرين الآتين من إيران[9]، وبعدها بأقل من أسبوع (11 مارس) حظرت مؤقَّتًا إصدار التأشيرات لمواطني إيطاليا[10]، وبعده بيومين قلَّصت عدد الرحلات الجوية من وإلى كل من ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا[11]، وفي 20 مارس خفضت عدد الرحلات الجوية مع بريطانيا والولايات المتحدة والإمارات[12]، وبعدها بيومين (22 مارس) أعلنت هيئة الطيران الروسية عن قرارها تعليق معظم الرحلات من وإلى تركيا[13].
وبالنظر إلى هذه السياسات يتضح أنها -رغم زعم الحكومة بسرعة التحرك- متلكئة ومرتعشة فلماذا يتم قطع العلاقات مع الصين في الشهر الثالث (فبراير) من عمر المرض فيها وليس قبل ذلك؟ ولماذا يتم تخفيض الرحلات الجوية مع الولايات المتحدة وبريطانيا وليس وقفها نهائيًّا، رغم أن الولايات المتحدة كانت واحدة من الدول الأكثر تضررًا وقتها؟ ولكن لم تكن روسيا وحدها التي كانت سياساتها متلكئة في مواجهة المرض فالكثير من دول العالم تأخَّرت كثيرًا في غلق حدودها مع الصين بشكل كامل متخوِّفة من الخسائر الاقتصادية التي تنتج عن غلق الحدود في ظل اقتصاد عولمي.
وداخليًّا أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أسبوع عطلة في البلاد يبدأ من 26مارس -تم تمديده لستة أسابيع بعد ذلك- وأرجأ التصويت على التعديل الدستوري[14]، وأعلن رئيس بلدية موسكو سيرغي سوبيانين عن تدابير إضافية بينها إغلاق كل المطاعم والمتاجر غير الأساسية، ومنع المسنِّين الذين يتجاوز عمرهم 65 عامًا ومن يعانون أمراضًا مزمنة من مغادرة منازلهم[15].
ووافق رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين على إنشاء فريق عمل للفيروس التاجي في 29 يناير. وفي 31 مارس، تبنَّى مجلس الدوما تشريعًا يسمح لميشوستين بإعلان حالة الطوارئ يواجه خلالها المواطنون عقوبات صارمة على انتهاك الحجر الصحي أو نشر معلومات كاذبة عن عمد، وفي خطاب ثان في 2 أبريل، مدَّد بوتين العطلة الوطنية حتى 30 أبريل (مُدِّدَتْ بعد ذلك حتى 11 مايو)، وأُلقي الخطاب بنغمة أكثر صرامة، وحث الروس على الأخذ بنصائح الأطباء والحكومة واتباع إرشادات التباعد الاجتماعي مشجعًا الحكومات الإقليمية على بذل المزيد من الجهد لمواجهة المرض[16].
ولما كانت سياسات الغلق مع الخارج متلكِّئة ومتأخِّرة أتت سياسات الحجر في الداخل متأخرة بالتبعية، وهو ما جعل روسيا تصبح خلال الأسبوع الثاني من مايو الأعلى عالميًّا من حيث عدد الإصابات بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يعني أن روسيا خلال الأسبوع السادس من الحجر في الداخل قد انتقلت من حالتي وفاة وأقل من ألف إصابة (658) إلى 232243 إصابة[17]. وبالتالي فإن روسيا ورغم تراجع معدلات الإصابة بشكل كبير منذ النصف الثاني من مايو إلا أنها لا تقل مأزوميَّةً عن الولايات المتحدة الأمريكية التي تتصدَّر الترتيب عالميًّا، ولا يمكن في ظل مثل هذا التطور أن يُقبل زعم الحكومة بالتحرُّك المبكِّر لمواجهة المرض أو أن تعزو الإصابات لعدد الاختبارات، كما أنه بمجرَّد انتهاء الأسبوع السادس من الحجر الداخلي ومع توجُّهات الحكومة نحو تخفيف إجراءات الحجر انكسر منحنى الإصابات وهو أمر جاء على خلاف المتوقع والذي حدث في الأسبوع الأول من تخفيف الإجرءات. كما أن روسيا وإن كانت تعاني من تطورات كارثية في أعداد المصابين فإن أعداد الوفيات فيها لا تزال بعيدة عن التصدُّر عالميًّا على خلاف مركزها المتقدِّم في الإصابات، وهنا تجب الإشارة لعدد من النقاط حول حقيقة تكتُّم روسيا على معلومات بشأن الوباء أو إعلانها عن الأعداد الحقيقية للمصابين والوفيات لديها[18].
– وصل عدد الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا المستجد في روسيا في أسبوع الذروة الأحد (10 مايو 2020) حسب إحصائيات جامعة جونز هوبكنز، إلى 209688 إصابة، محتلة بذلك المرتبة الخامسة عالميًّا وفق ترتيب الإصابات. وفي المقابل بلغ عدد الوفيات 1915 حالة، أي ما يساوي أقل من 1 بالمئة من عدد المصابين[19]. وهي أقل نسبة بين الدول العشر الأكثر تضرُّرًا بالفيروس في العالم، وللمقارنة فإنه في ألمانيا التي تتم الإشارة إلى إدارتها المميزة للأزمة تصل نسبة الوفيات إلى حوالي 4%[20]، تُرجع السلطة الفضل في ذلك لتحرُّك الدولة المبكر للسيطرة على المرض وللعدد الكبير من الاختبارات اليومية للكشف عن المصابين بالمرض، وهو زعم ترفضه نسب تطوُّر المرض في روسيا مقارنة بغيرها.
– روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقًا) لها تاريخ طويل من التكتم على حقيقة وضع ما يقع داخلها من أمراض وأوبئة وكوارث، بداية من إنكار وجود المرض مرورًا بالتستُّر عليه داخليًّا وانتهاءً بإخفاء ما يتعلَّق به من معلومات، ومن هذه الأوبئة والكوارث على سبيل المثال؛ الجمرة الخبيثة في 2016، والطاعون في 1981، والإيدز والكوليرا، وكارثة تشرنوبل النووية 1986 التي اضطرت روسيا للكشف عن وقوعها في النهاية[21].
– لا يمكن الاستناد لما أطلقتْه منصَّات إعلامية مناوئة لروسيا للحكم عليها بالتضليل فيما يتعلَّق بالمعلومات حول المرض وأرقام الوفيات، كما أنه لا توجد آلية للتوصُّل للمعلومات الحقيقية التي تدين أو تُبرِّئ الحكومة في هذا الصدد، ولكن تبقى الأرقام المعلنة وطريقة إدارة الحكومة للمرض غير مطمئنة للباحثين، خاصة أن الحكومة في روسيا تستطيع حجب المعلومات وممارسة التضليل عكس دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
من الناحية الاقتصادية، أدَّى الغلق الخارجي والحجر الداخلي إلى خسائر يومية تبلغ –حسب مكسيم ريشيتنيكوف، وزير التنمية الاقتصادية الروسي- 100 مليار روبل (نحو 1.3 مليار دولار) يوميًّا في جميع أنحاء البلاد[22]، ودفع آلاف من الشركات للتقدُّم بطلبات للحصول على قروض بدون فوائد، وأدَّى الوباء حسب وزير التنمية الاقتصادية إلى إغلاق أكثر من ثلث شركات البيع بالتجزئة، وانخفاض النشاط الاقتصادي الروسي بنسبة 33٪ بسبب الجائحة، وتقدِّر “أكسفورد إيكونوميكس” أن كل أسبوع إضافي من القيود يكلِّف الاقتصاد الروسي 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي السنوي[23]. وهو ما قد يصل بعجز الميزانية الروسية خلال العام الحالي حتى 4.5-5٪ من الناتج المحلي الإجمالي حسب وزير التنمية الاقتصادية[24]، وتوقَّع صندوق النقد الدولي في تقرير صدر منتصف أبريل، أن ينكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 5.5٪ هذا العام[25].
هذه الكلفة الاقتصادية العالية -في ظل وجود أزمة أخرى تتعلق بانهيار أسعار النفط- جعلت الحكومة تقرِّر البدء في عودة الحياة الطبيعية تدريجيًّا، في نفس الأسبوع الذي بلغ فيه المرض ذروته (الأسبوع الثاني من مايو)، وهو الأسبوع نفسه الذي أصبحت روسيا تحتل فيه الصدارة عالميًّا من حيث عدد الإصابات بكورونا بعد الولايات المتحدة الأمريكية، أي أن الحكومة الروسية قرَّرت العودة للحياة الطبيعية في أسوء وأشد فترات المرض على الإطلاق، واستنادًا لطبيعة النظام الدولي المعولم صاحب الدرجة العالية من الاعتمادية المتبادلة بين أفراده ودوله ومؤسساته، فإنه لا يمكن لأي من أطرافه أن يظل لفترة طويلة في حالة الغلق خارجيًّا والحجر داخليًّا، وإلا تعرَّض لصدمات عنيفة لا يستطيع تحمُّلها خاصة في ظل وجود ظروف اقتصادية صعبة، ولذلك فإن الجميع سيُعيد دورة الحياة الطبيعية تدريجيًّا، ولكن اختيار التوقيت في روسيا كان مختلفًا إذا جرى تخفيف الإجراءات في قمة تفشى المرض، وليس بعد انكساره.
ورغم أن توقيت التخفيف كان في ذروة التفشِّي إلا أن الرئيس فلاديمير بوتين اعتبر أن الإجراءات الصحية التي اتخذتها السلطات تتيح الانتقال إلى فترة تخفيف الإجراءات التقييدية المفروضة بسبب الوباء على مراحل، إلا أنه ترك الحق لكل الأقاليم الروسية لتقرِّر بنفسها سير عملية رفع الإجراءات التقييدية، مؤكِّدًا ضرورة فعل ذلك بناء على إرشادات الأطباء والخبراء، وقال إنه “من الضروري أن تأخذ مثل هذه الخطط الأوضاع الواقعية على الأرض بعين الاعتبار، مع ضمان تطبيق التدابير الصارمة الخاصة بأمن وحماية الحياة الصحية للناس، اعتمادًا على التقديرات المدروسة لمستوى ودرجة المخاطر المحتملة، والكلمة الحاسمة هنا تعود للأطباء والخبراء”[26].
وبالنظر إلى الاقتصادي والسياسي لا يتضح أن الحكومة لديها كل هذا الحرص على الصحة العامة، إذ قرَّرت الحكومة إجراء الاستفتاء الدستوري[27] (بدأ 25 يونيو واستمر حتى 1 يوليو)، رغم أن عدد الإصابات في روسيا كان قد بلغ 613994 إصابة و 8605 وفاة طبقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية في 25 يونيو[28]، وخلال أسبوع الاستفتاء زادت الاصابات بأكثر من 40 ألف إصابة ليصل عدد الإصابات 654405، ووقعت قرابة 1000 وفاة جديدة ليصل عدد الوفيات 9536 يوم 1يوليو[29]. فهل تُعبر مثل هذه السياسات عن أولوية الإنسان مقابل المصالح الاقتصادية والسياسية؟ قد يكون مقبولًا أن الحكومة الروسية مضطرَّة تحت تأثير الخسائر الاقتصادية للبدء في رفع القيود في ذروة تفشي المرض، ولكن إجراء الاستفتاء الدستوري في ظل تفشِّي المرض، يفيد بأن الإنسان لم يكن الأولوية في السياسات الروسية لمواجهة الوباء.
ولم تثر هذه السياسات الحكومية تجاه الوباء أيَّ رد فعلى داخلى يذكر ضدَّ الحكومة، كما لم يتعطَّل مشروع النظام السياسي في شرعنة البقاء في السلطة دستوريًّا، وبإجراء الاستفتاء يكون بوتين قد نجح عمليًّا في تخطِّي آثار الوباء على مستقبله السياسي حتى الآن على الأقل، ويبقى أنه حتى الآن لم تظهر كل آثار الوباء ولا حتى أغلبها، خاصة في شقِّها الاجتماعي والسياسي.
ثانيًا- دور المؤسسة العسكرية في مواجهة الأزمة:
مع شدَّة الصدمة لم يكن أمام الجميع على مستوى الدولة وعلى مستوى الدول (العالم) إلا أن يتعاونوا في محاولاتهم للسيطرة على المرض واكتشاف علاج له، لأنه يطال الجميع، فلن يقف دون دولة بعينها ولن يقف دون مؤسسة بعينها، ولذلك تمَّت مشاركة البحوث العلمية والمعلومات حول الوباء، واعتُبر حجب المعلومات اتهام كما لم يكن من قبل، والجيوش كانت واحدة من المؤسسات التي دخلت ساحة هذا التعاون العالمي العلمي في مكافحة الفيروس ومحاولات اكتشاف علاج له، وثمة محاولات كثيرة من قبل الجيوش الأمريكي والروسي والصيني وآخرين لاكتشافات لقاحات للمرض، وبذلك فإن الصدمة وإن كانت أدَّتْ لسرعة استدعاء الجيوش لمواجهة الوباء، فإنها أدَّتْ في الوقت نفسه لتعاون الجيش مع غيره من مؤسسات الدولة علميًّا لاكتشاف لقاح للمرض، هنا يتعاون الجيش مع الجامعات ومراكز البحوث والمستشفيات في مواجهة المرض ومحاولات اكتشاف لقاحه، وهو التعاون الذي امتدَّ لخارج حدود الدولة كما هو في نموذج الأطباء العسكريِّين في المساعدات الروسية لإيطاليا[30].
ولكن ماذا عن دور الجيش الروسي في مواجهة المرض؟ وهل اختلف دوره عن نظرائه في العالم؟ أم أن الأزمة أدَّتْ لاستجابات متشابهة رغم اختلاف إمكانيات الجيوش؟
بداية يمكن رصد عملية استدعاء الجيش الروسي للمشاركة في مواجهة المرض على عدة خطوات على النحو التالي:
1- مناورات لمواجهة المرض: وكانت هذه الخطوة في 13 مارس أي قبل 12 يومًا من وقوع وفيات، وهي مجرد تدريبات وتمارين أعلنت عنها قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية في جنوب شطر روسيا الأوروبي، تهدف إلى تعزيز قدرة القوات على مواجهة الأوبئة وخاصة وباء كورونا[31].
2- التأكُّد من الجاهزية: ودخلت هذه الخطوة حيِّز التنفيذ بتاريخ 25 مارس، أي بعد 12 يومًا من الخطوة السابقة، وكانت الإصابات حينها 658 إصابة وحالتي وفاة بالفيروس، حيث صرَّح وزير الدفاع الروسي الجنرال سيرغي شويغو، أنه اعتبارًا من 25 مارس بقرار من القائد الأعلى للقوات المسلحة الروسية، رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين، سيتم التحقُّق من استعداد الجيش لحل المشكلات المرتبطة بفيروس كورونا.
وقال شويغو: “سيجري التحقق من جودة إدارة القيادة العسكرية والاتصالات بين وحدات الجيش في المقاطعات العسكرية الغربية والوسطى، والقوات الجوية الروسية، وقوات الصواريخ الاستراتيجية، ووحدات مكتب سلامة القوات الكيميائية الروسية، والقوات الهندسية، ومنظمات الدعم الطبي الفردية”. وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان لها إن “الغرض من الكشف هو زيادة مستوى استعداد الوحدات لحل مهام مكافحة عدوى فيروس كورونا، إن لزم الأمر”[32].
3- إعداد خطة لاستخدام أدوات القوات المسلحة في مواجهة كورونا: تأتي هذه الخطوة في 18 أبريل أي بعد 23 يومًا من الخطوة السابقة، وكانت الإصابات وقتها 36793 و313 وفاة بالمرض، وتأتي حسب موقع الكرملين بأمر من بوتين لوزارة الدفاع بإعداد خطة/حزمة اقتراحات حتى 22 أبريل بشأن إمكانية إشراك القوات والوسائل الخاصة التابعة للجيش الروسي في مكافحة العدوى[33].
إلا أنه وإن كان جيدًا أن يُتتبع دور الجيش وتطوره مع مرور الوقت وتطور المرض، إلا أن الاكتفاء بذلك السرد لا يقود للحقيقة كاملة ولا يُعطي صورة مُكتملة، إذ توحِي هذه الصورة أن الجيش ظلَّ بعيدًا حتى الأسبوع الرابع من العطلة الوطنية (الحجر) وحتى وقوع أكثر من 36 ألف إصابة، في حين أن الجيش سبق أن تدخل وشارك في عملية تقديم مساعدات طبية لإيطاليا في 22 مارس، أي قبل الحجر وقبل تسجيل وفيات، ولذلك سيتعرَّض التقرير لدور الجيش وظيفيًّا مقارنة مع غيره، أي من حيث طبيعة الوظائف التي شارك فيها الجيش ومدى التشابة بينه وبين غيره من الجيوش في العالم.
من الزاوية الوظيفية يمكن رصد عدَّة وظائف قامت بها الجيوش في ظل الأزمة، مثل[34]: التأمين والتسيير؛ وهي وظيفة تقليدية إذ يسهُل استدعاء الجيش لفرض الحجر الصحي استنادًا لجاهزيته، فالجيش الصيني شارك مبكرًا وبملفات متعدِّدة بداية من التأمين حتى بناء المستشفيات ومحاولات تطوير لقاح[35]. وشاركت الجيوش (في فرنسا وإيطاليا..)[36] في وظائف من هذا القبيل، أما بالنسبة للجيش في روسيا فلم تُرصد أي مشاركة أمنية أو تأمينية له في مواجهة الوباء[37].
البحث عن لقاح؛ وهي مهمة يقوم بها الجيش غالبًا بالتعاون مع الؤسسات الصحية المدنية مثل تعاون وزارة الدفاع الروسية مع مركز “غامالي” الوطني لبحوث علم الأوبئة والأحياء الدقيقة خلال الأشهر الماضية في محاولة تطوير عقار تجري الآن تجربته سريريًّا[38].
الاشتراك في تقديم المساعدات الخارجية؛ وأتت هذه المشاركة بالأساس من خلال الطيران العسكري الذي شارك في نقل المساعدات إلى الدول المنكوبة، فغالبًا ما يكون خبر توصيل المساعدات مصحوبًا بكونها محمولة على متن طائرة عسكرية، ولم يقتصر استخدام الطيران العسكري على دولة بعينها، وإنما شاع وانتشر استجابةً لطبيعة الظرف الحالي، ولكن ما كان فريدًا حقًّا، هو قيام الجيش الروسي بإرسال أطباء وخبراء عسكريين إلى الخارج للمساعدة، خاصة إلى إيطاليا وصربيا، وهو ما جعل روسيا محل اتهام بالقيام بالتخابر في إيطاليا، والاختلاف هنا في كون الأطباء عسكريين، فبتتبع الطواقم الطبية التي أرسلتها الصين كنموذج لمساعدة الجزائر والعراق وإيطاليا والسعودية، لم تتبيَّن أي صفة عسكرية لهم، ولم يتضح أن أي دولة -حتى الآن- ساعدت دولة أخرى بأطباء عسكريين.
وبعد استعراض دور الجيش الروسي على خط الزمن ودوره وظيفيًّا مقارنة بغيره يتَّضح أن استجابة الجيوش أتت متشابهة في طبيعتها رغم تفاوت الإمكانيات، ولكن مستوى ومركزية ما قدَّمته الجيوش اختلف حسب طبيعة النظام السياسي وإمكانيات الجيش نفسه ودرجة تفاقم الأزمة، ويتَّضح أيضًا أن الجيش الروسي لم ينخرط في عمليات تأمين وتعقيم داخليًّا، وإن كان تفرَّدَ بإرسال أطبائه في مساعدات خارجية ومساعدته في تعقيم منشآت في إيطاليا وصربيا.
وبالعودة إلى السؤال المركزي عن أولوية الإنسان مقابل الدولة وأجهزتها، يتَّضح أن الجيش تحرَّك لحفظ مكانة الدولة في الخارج وتسويق وضعها كقائد قادر على مساعدة غيره، ولم يتحرَّك داخليًّا لحماية المواطنين (الإنسان)، والأولى أن يتحرَّك لحماية الإنسان أولًا قبل أن يتحرَّك لتسويق وضع الدولة في ظل أزمة عجزت أمامها الدول، ولكن لما كانت الدول تفكر بمنطق الموازنة بين مصلحتها في الخارج ووضع الإنسان في الداخل، حسب تقدير القائمين عليها (نظامها السياسي)، فإنه قياسًا على الأولى؛ تراجعت أولوية الانسان في روسيا مقابل الدولة وأجهزتها في ظل كورونا، وبالقياس من داخل منظومة الدولة؛ فإن حركة الجيش في الخارج تبقى محل نقد ولكنها غير كافية للقول بتراجع أولوية الإنسان مقبل الدولة وأجهزتها.
ثالثًا– المساعدات الإنسانية من وإلى روسيا
بوقوع الأزمة قامت بتقديم المساعدات الطبية للكثير من الدول مثل (الولايات المتحدة الأمريكية، إيطاليا، البوسنة والهرسك، الصين، صربيا، فنزويلا، إيران، العراق، سورية، كمبوديا،..)، وهنا يتَّضح لنا تصور روسيا عن دورها في النظام الدولي وماذا تفعل لتثبيت ذلك الدور، وهو موقف مشابه للموقف الصيني، إذ تحاول الدولتان تصدير نفسيهما كقادة للعالم قادرين على مساعدة أفراده من موقع القيادة في مقابل تخبُّط وتأزُّم الموقف الأمريكي داخليًّا، لكن ثمة تباين هنا في الموقفين الصيني والروسي رغم اتفاق الأهداف ووحدة المساعي، إذ الصين تلقَّتْ مساعدات في البداية ثم صدَّرت نفسها كنموذج في السيطرة على المرض، وبعدها قدَّمت مساعدات لغيرها وتوسَّعتْ في ذلك حتى إنها ربما ساعدت حوالي نصف دول العالم، ولكن روسيا قدَّمت مساعدات في البداية ومع الوقت تأزَّم وضعها الداخلي فتلقَّتْ مساعدات من الولايات المتحدة الأمريكية ومن الصين، وبذلك لم تستطع أن تطرح نفسها كقائد دولى استطاع أن يتغلَّب على المرض ومن ثم يمد يد العون لغيره بالخبرة والأدوات الطبية كما هو الوضع الصيني، ولكن أتت كنموذج معكوس من الولايات المتحدة، ففي حين تأزَّمت الولايات المتحدة أولًا ثم ساعدت، ساعدت روسيا أولًا ثم تأزَّمت فتلقَّت مساعدات.
في حين غلب الجانب المالي على مساعدات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودوله التي استطاعت أن تساعد غيرها، وكان قليلًا في مساعدات الصين لغيرها، لم تُرصد أي أموال حتى الآن ساعدت بها روسيا غيرها، وإنما أتت مساعدتها في شكل؛ إرسال أطباء، أقنعة، بعثات تعقيم، معدَّات تطهير متنقِّلة، معقِّمات، ملابس واقية، أجهزة تنفُّس، أجهزة اختبار[39]. بالإضافة لجانب دبلوماسي للمساعدات الروسية أثناء الأزمة تمثل في سعي روسيا لرفع العقوبات المفروضة على كلٍّ من إيران وسوريا، إلى جانب ما قدَّمته روسيا لهما من مساعدات طبية وإنسانية، ورغم كون منطقة آسيا الوسطى منطقة نفوذ تقليدية بالنسبة لروسيا، إلا أنها لم يكن لها دور يذكر في مساعدة دولها في مواجهة الوباء، حتى إن روسيا تلقَّت مساعدات من بعض هذه الدول[40].
إذا كانت المساعدات الروسية للخارج تنطلق من سعي روسيا لتصدير نفسها كقائد دولي قادر على مساعدة غيره في أوقات الأزمات، فبالمقارنة مع الدول التي قدَّمت مساعدات خارجية استنادًا لعدد الدول المتلقية، يتَّضح أن حجم المساعدات الروسية المقدَّمة للخارج لم يكن على قدر الطموحات والأهداف ولا يُجاري الدول صاحبة النفوذ في النظام الدولي، فلم تقدِّم روسيا مساعدات توازي المساعدات الأمريكية أو الصينية أو التركية، ولا توازي المساعدات الألمانية أو اليابانية أو البريطانية أو الفرنسية، ولا توازي ما قدَّمته السعودية والإمارات[41]، ولا توازي ما قدمته قطر[42].
إذن لماذا تركَّزت التغطيات الإعلامية على المساعدات الروسية والصينية رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية ودول الخليج قدَّمت مساعدات كثيرة تُعد المساعدات الروسية بجانبها هي الأقل استنادًا لعدد الدول التي شملتها المساعدات[43]؟ والإجابة تعود لما قبل الأزمة حيث لم يكن لروسيا وكذلك الصين نفس الدور الذي تقوم به هذه الدول في تقديم المساعدات الإنسانية عالميًّا، ولذلك كان تقديمهما للمساعدات الإنسانية شيئًا يسترعي الانتباه، كما أن هذه المساعدات قدمت في البداية لدول أوروبية في وقت عجزت فيه أوروبا وأمريكا عن تقديم مساعدات لها، بالإضافة لكون المساعدات الروسية والصينية صُوحبت بحملات دعائية ضخمة من جانب الدولتين فكان من الطبيعي أن تقوم وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية بالرد عليها ولو بالاتهام والتشكيك، وبالتالي تهتم بها وسائل الإعلام العالمية، وفي ظل هذا لا يُسلط الضوء بنفس الدرجة على المساعدات التركية ولا الأمريكية والألمانية ولا مساعدات الاتحاد الأوروبي ودول الخليج رغم كونها كبيرة وتغطي مساحة جغرافية واسعة.
وبعد أن تبيَّن أن المساعدات الروسية الخارجية لم تكن كبيرة بنفس درجة الاهتمام بها، يبقى التساؤل حول قدرة روسيا على تقديمها من الأساس ومدى تأثُّرها بتقديمها، وهو ما سيتبيَّن بمدى كفاية الداخل من المعدات الطبية التي قدَّمتها روسيا للخارج، وبالرجوع إلى تواريخ تقديم المساعدات الروسية للخارج (الصين 9 فبراير، فنزويلا 20 فبراير، إيران 17 مارس، إيطاليا 23 مارس، الولايات المتحدة 1 أبريل، صربيا 4 أبريل، البوسنة والهرسك 9 أبريل، سوريا 18 أبريل، الجزائر 29 أبريل، كمبوديا 21 مايو) وتواريخ تسلُّم روسيا لمساعدات من الخارج (الصين 26 مارس وتم تحويلها لإيطاليا كونها الأكثر تضرُّرًا وقتها، الصين 5 أبريل، الولايات المتحدة 21 مايو بطلب من بوتين)، ومؤتمر بوتين عبر الفيديو في 13 أبريل الذي أقرَّ فيه بوجود نقص في المعدات الطبية في روسيا[44]، بالجمع بين كل ذلك -وبعيدًا عن ما أثارته وسائل إعلام غربية أو غير غربية استندت لتقارير إعلامية غربية- يتَّضح أن روسيا لم تكن قادرة على تقديم مساعدات للخارج وأن الأمر لم يقف عند سوء تقدير الموقف وإنما تعدَّى ذلك لقناعة القيادة السياسية بضرورة القيام بدور خارجي مهما كان الوضع في الداخل سيئًا، فحتى بعد مؤتمر بوتين الشهير قدَّمت روسيا مساعدات لسوريا والجزائر وكمبوديا. وبإقرار بوتين بنقص المعدات يتَّضح أن ثمة أثر للمساعدات الخارجية على الإنسان في الداخل، ولكن حجم ذلك الأثر يصعُب ضبطه.
وبالنظر إلى نتائج ما قدَّمته روسيا للخارج من مساعدات على حساب مواطنيها في الداخل، لا يتضح أن نتائجها كانت جيدة، فمساعدات روسيا لأوروبا وأمريكا قوبلت بتحفُّظ كبير وأثيرت حولها شكوك كثيرة، واحتمالات أن تحدث خرقًا روسيًّا في جدار الاتحاد الأوروبي لا تزال ضعيفة، كما لم تنجح المساعي الدبلوماسية الروسية في رفع العقوبات المفروضة على النظامين الإيراني والسوري أو تخفيفها وتم قطع الطريق عليها بالسماح بتقديم مساعدات إنسانية لهذه الدول في ظل العقوبات، وغابت روسيا تقريبًا من مساحة نفوذ تقليدية لها في آسيا الوسطى فلم تقدِّم لتلك الجمهوريات مساعدات تذكر، رغم كون التواجد فيها ومساعدتها أولى من أوروبا وأمريكا، ولذلك فإن مساعدة أوروبا وأمريكا والغياب في آسيا الوسطى، يجعل المساعدات الروسية الخارجية تأتي فعليًّا في إطار إثبات الحضور الدولي أكثر منها إثباتًا للقدرة على القيادة العالمية ومساعدة الغير.
خاتمة:
بعد دراسة هذه القضايا الثلاث هل يمكن أن نقول أن روسيا تغلَّبت على المرض أو نجحت في مواجهته؟ لكون مواجهة الوباء ليست لحظة عابرة وإنما عملية ممتدة فإن روسيا حتى الآن استطاعت أن تمتص صدمة الوباء الأولى، وحسب المعلومات الرسمية المعلنة نجحت في تسطيح وكسر منحنى الإصابات اليومي ليتناقص بشكل مستمر منذ الأسبوع الثالث من مايو وحتى الآن (15يوليو) وهو مسار جيد في مواجهة المرض حتى الآن ولا تزال الظاهرة تتجدد وتتجدد معها أهداف وتحديات.
وبما أن هذا التقرير ينطلق من الإنساني نحو السياسات الحكومية باحثًا عن مدى أولوية الإنسان مقابل المصالح الاقتصادية والأهداف السياسية ومكانة الدولة، فإنه يلزم التأكيد على أن تراجع أولوية الإنسان ليس مجرد خاصية روسية، وإنما مردُّه إلى طبيعة النظام العالمي المعولم الذي تتفاعل الدول في ظلِّه مع الأزمة، وروسيا نتيجة لتمكُّن نظامها السياسي من السلطة وصعوبة محاسبته أو إزاحته تمثل نموذجًا في تقديم المصالح السياسية على الإنسان، وإجمالًا يمكن سرد عدد من النتائج التي كشفتها السياسات الروسية الداخلية والخارجية تجاه أزمة كورونا، وهي على النحو التالي:
– استنادًا لقرار الحكومة بإجراء الاستفتاء الدستوري وبعد استبعاد الاتهامات الخارجية بالتضليل أو التكتم، تكشف السياسات الروسية أن الإنسان لم يكن الأولوية في مقابل المصالح الاقتصادية والأهداف السياسية.
– لم تُرصد أي مشاركة أمنية أو تأمينية للجيش الروسي في مواجهة الوباء حتى كتابة هذا التقرير.
– تفرَّد الجيش الروسي عن بقية الجيوش عالميًّا بإرسال أطباء وخبراء عسكريِّين إلى الخارج للمساعدة في مواجهة الوباء في إيطاليا وصربيا.
– استجابة الجيوش أتت متشابهة في طبيعتها رغم تفاوت الإمكانيات، ولكن مستوى ومركزية ما قدَّمته الجيوش اختلف حسب طبيعة النظام السياسي وإمكانيات الجيش نفسه ودرجة تفاقم الأزمة.
– تحرك الجيش الروسي خارجيًّا لحفظ مكانة الدولة وتسويق وضعها كقائد قادر على مساعدة غيره، ولم يتحرك داخليًّا لحماية الإنسان.
– كانت المساعدات الإنسانية التي قدَّمتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأوروبية أكبر من المساعدات التي قدَّمتها روسيا ولكن روسيا والصين قاما بتسويق مساعداتهما فتسلطت عليهما الأضواء الإعلامية.
– لم تكن روسيا تولي اهتمامًا بتقديم المساعدات الإنسانية، ولكن بوقوع الجائحة قامت بتقديم المساعدات الطبية للكثير من الدول.
– قدَّمت روسيا مساعدات في البداية ولكن مع الوقت تأزَّم وضعها الداخلي فتلقَّت مساعدات من الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
– حجم المساعدات الروسية المقدَّمة للخارج لم يكن على قدر الطموحات والأهداف ولا يُجاري الدول صاحبة النفوذ في النظام الدولي.
– روسيا لم تكن قادرة على تقديم مساعدات للخارج، ولم يقف الأمر عند سوء تقدير الموقف، وإنما تعدَّى ذلك لقناعة القيادة السياسية بضرورة القيام بدور خارجي مهما كان الوضع في الداخل سيئًا، فحتى بعد إقرار بوتين بنقص المعدَّات الطبية، قدَّمت روسيا مساعدات لسوريا والجزائر وكمبوديا.
– المساعدات الروسية الخارجية تأتي فعليًّا في إطار إثبات الحضور الدولي أكثر منها إثباتًا للقدرة على القيادة العالمية ومساعدة الغير.
تبقى الإشارة إلى أن الظاهرة ما تزال في طورها الأول وتتجدَّد باستمرار ولا يزال حجم المعروف عنها قليل، ولذلك فإن الأرقام والأحكام والمعلومات الواردة في التقرير هي فقط حتى الأسبوع الثاني من يوليو 2020.
*****
هوامش
[1] روسيا تسجل أول حالتي وفاة بفيروس كورونا، بوابة الأخبار، 25 مارس 2020، تم الاطلاع في 30 مايو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/jiONX
[2] Coronavirus disease (COVID-19), Situation Report-65, World Health Organization, 25 march 2020, Accessed:20 June 2020, available at: https://cutt.us/PkBQr
[3] Situation Report-76, World Health Organization, 5 April 2020, Accessed:20 June 2020, available at: https://cutt.us/SAIVs
[4] Coronavirus disease (COVID-19), Situation Report-86, World Health Organization, 15 April 2020, Accessed: 20 June 2020, available at: https://cutt.us/ay2ry
[5] Coronavirus disease (COVID-19), Situation Report-101, World Health Organization, 30 April 2020, Accessed:20 June 2020, available at: https://cutt.us/9PmQY
[6] Coronavirus disease (COVID-19), Situation Report-116, World Health Organization, 15 May 2020, Accessed:20 June 2020, available at: https://cutt.us/NEVlv
[7] Coronavirus in Russia: The Latest News 14 July, the Moscow Times, 14 July 2020, Accessed: 15 July 2020, available at: https://cutt.us/SmON5
[8] D. Elagina, Number of coronavirus (COVID-19) tests conducted in Russia as of 12 July 2020, Statista, 13 July 2020, Accessed: 15 July 2020, available at: https://cutt.us/XfHC6
[9] بسبب كورونا.. روسيا تغلق حدودها أمام القادمين من إيران، العربية نت، 6 مارس 2020، تم الاطلاع في 30 مايو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/LiBRT
[10] روسيا تحظر مؤقتًا إصدار التأشيرات لمواطني إيطاليا، البوابة نيوز، 11 مارس 2020، تم الاطلاع في 2 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/9imUz
[11] روسيا تقلص الرحلات الجوية مع عدد من الدول الأوروبية، البوابة نيوز، 11 مارس 2020، تم الاطلاع في 2 يوينو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/SaEGB
[12] اليوم.. روسيا تفرض قيودًا على حركة الطيران مع 3 دول منهم الإمارات، البوابة نيوز، 20 مارس 2020، تم الاطلاع في 2 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/mqSzW
[13] روسيا تعلق معظم الرحلات الجوية من وإلى تركيا بسبب كورونا، RT Arabic، 22 مايو 2020، تم الاطلاع في 2 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/dCxj4
[14] بوتين يرجئ التصويت على التعديل الدستوري ويعلن إجازة عامة بسبب تفشي كورونا، FRANCE 24، 25 مارس 2020، تم الاطلاع في 4 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/eA1bG
[15] روسيا تقفل أجواءها.. و”قيود غير مسبوقة” في موسكو، العربية نت، 26 مارس 2020، تم الاطلاع في 4 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/zbEQf
[16] William Heerdt & Timothy Kostelancik, Russia’s Response to Covid-19, Center for Strategic and International Studies, 10 April 2020, Accessed: 20 June 2020, available at: https://cutt.us/DSKg6
[17] روسيا تصعد إلى المركز الثاني عالميًّا من حيث عدد الإصابات بكورونا، 12 مايو 2020، SPUTNIK ARABIC، تم الاطلاع في 25 مايو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/OHXVN
[18] يمثل عدد الوفيات المعيار الأكثر دقة في قياس نجاح الدول في مواجهة كورونا وليس عدد الإصابات كونه يخضع لمتغيرات كثيرة ولا توجد آلية دقيقة لحصره حتى الآن، ولكن لما كانت الحكومة الروسية كما الصينية قادرة على التحكم فيما تصدره للعالم من معلومات ولا توجد آلية أخرى للتثبت من الأرقام، فلن يستخدم التقرير أعداد الوفيات للحكم على التجربة كما لن يستخدم التقارير الغربية أو الاتهامات الغربية كأدلة لإدانة الحكومة الروسية وتخطئة سياساتها.
[19] زادت هذه النسبة قليلًا لتصبح 1.3 طبقًا للأرقام الواردة في تقرير منظمة الصحة العالمية في 22 يونيو 2020، راجع:
– Coronavirus disease (COVID-19), Situation Report-154, World Health Organization, 22 June 2020, Accessed: 30 June 2020, available at: https://cutt.us/TfrT
[20] راجع: كورونا- ما سر الوفيات القليلة رغم الإصابات الكثيرة في روسيا، DW، 10 مايو 2020، تم الاطلاع في 25 مايو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/qrjKA
[21] سامر إلياس، روسيا والأوبئة: كيف تعامل الاتحاد السوفيتي مع الكوارث، العربي الجديد، 5 أبريل 2020، تاريخ الاطلاع 2 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/SIDBa
[22] طه عبد الرحمن، خسائر كورونا الروسية أكثر من مليار دولار يوميًّا، الشرق الأوسط، 26 أبريل 2020، تم الاطلاع 10 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/xORmf
[23] Jake Cordell, Russia’s Economic Woes Continue to Mount During Coronavirus Outbreak, The Moscow Times, 6 May 2020, Accessed: 10 July 2020, available at: https://cutt.us/QiZJk
[24] طه عبد الرحمن، خسائر كورونا الروسية أكثر من مليار دولار يوميًّا، مرجع سابق.
[25] أمرة كورقان اباي، روسيا.. مساع لإحياء اقتصاد أنهكه النفط وكورونا، الأناضول، 1 مايو 2020، تم الاطلاع في 10 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/O8Erv
[26] بوتين: بإمكاننا الانتقال إلى تخفيف القيود على مراحل، RT Arabic، 11 مايو 2020، تم الاطلاع في 12 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/JyoXH
[27] يتيح هذا الاستفتاء الذي أجاز التعديلات الدستورية بنسبة تقترب من 80% للرئيس الحالي (بوتين) الترشح لدورتين رئاسيتين جديدتين، مدة الدورة الواحدة 6 سنوات تبدأ بعد نهاية الدورة الرئاسية الحالية في 2024، وهو ما يعني أن بوتين قد يبقى في السلطة حتى 2036 أي حتى يتجاوز الثمانين من عمره، وهو ما يجعل إجراء الاستفتاء المؤجل منذ 22 أبريل مسألة ملحَّة بالنسبة له، طالع:
– سارة رينسفورد، ما هي التعديلات الدستورية التي يصوت عليها الروس؟ وهل ستُبقي بوتين في السلطة حتى 2036؟، بي بي سي عربي، 1 يوليو 2020، تم الاطلاع في 12 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/ydzuJ
– لجنة الانتخابات الروسية: نسبة دعم التعديلات الدستورية 78% بعد فرز 99% من الأصوات، RT Arabic، 2 يوليو 2020، تم الاطلاع في 12 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/fwqnt
[28] Coronavirus disease (COVID-19), Situation Report-157, World Health Organization, 25 June 2020, Accessed: 30 June 2020, available at: https://cutt.us/kq6hb
[29] Coronavirus disease (COVID-19), Situation Report-163, World Health Organization, 1 July 2020, Accessed: 30 June 2020, available at: https://cutt.us/dWCMm
[30] للمزيد حول طبيعة دور الجيوش والمهام التي تقوم بها في الأزمات وفي ظل كورونا؛ انظر:
– علي الدين هلال، الجيوش في زمن الكورونا، العين الإخبارية، 10 أبريل 2020، تم الاطلاع في 24 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/86uWR
– أحمد دياب، دور الجيوش في مكافحة كورونا.. الأبعاد والمحركات، بوابة الأهرام (نقلًا عن مجلة الديمقراطية)، 8 أبريل 2020، تم الاطلاع في 24 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/ymH5D
[31] للمزيد، انظر: مناورات روسية لمواجهة “كورونا”، SPUTNIK ARABIC، 13 مارس 2020، تم الاطلاع في 10 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/FI0qQ
[32] للمزيد، انظر: بوتين يصدر أمرًا للتحقق من جاهزية الجيش الروسي لمحاربة كورونا، SPUTNIK ARABIC، 25 مارس 2020، تم الاطلاع في 15 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/zJGLZ
[33] للمزيد، انظر: بوتين يأمر وزارة الدفاع بالاستعداد لاستخدام وسائل الجيش لمواجهة كورونا، RT Arabic، 18 أبريل 2020، تم الاطلاع في 15 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/Ajlhx
[34] للمزيد حول مقاربة دور الجيوش وظيفيًّا في ظل أزمة كورونا انظر؛ جوناثان ماركوس، فيروس كورونا: 5 أمور يمكن أن يقوم بها الجيش خلال الوباء.. تعرف عليها، بي بي سي، 21 مارس 2020، تم الاطلاع في 26 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/xRGHL
[35] عام / وزير الدفاع الأمريكي يكشف إجراءات البنتاغون ضد كورونا، وكالة الأنباء السعودية، 24 مارس 2020، تم الاطلاع في 1 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/y2nFl
[36] للمزيد، انظر: أحمد دياب، دور الجيوش في مكافحة كورونا.. مرجع سابق.
[37] بالبحث في هذه القضية لم يجد الباحث أي شيء يؤكد مشاركة الجيش الروسي داخليًّا في عمليات تأمين أو تنظيم أو تسيير، ولم يجد سوى إشارة داخل خبر تفيد بدعم الأقاليم بجنود للمساعدة في فرض الحجر، ولم يجد لها أثرًا ولم يجد أي خبر منفرد يفيد بنفس الأمر ولم يجد ما يدعم هذه المقولة للاستناد عليه لإثبات المشاركة، وهذا نص المقولة “كانت وزارة الدفاع أعلنت تشكيل فرقة خاصة، قوامها 10 آلاف عسكري، لمساعدة الأقاليم في مواجهة الوباء، كما خصَّصت فرقة عسكرية لمساعدة العاصمة الروسية على فرض إجراءات العزل والمساهمة في بناء منشآت مسبقة الصنع لدعم القطاع الصحي”، انظر: رائد جبر، موسكو توسع دور الجيش في مواجهة “كورونا” بعد قفزة بالإصابات، الشرق الأوسط، 19 أبريل 2020، تم الاطلاع في 20 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/Ul8Et
[38] الدفاع الروسية توضح آخر المستجدات بشأن اللقاح ضد كورونا، RT Arabic، 15 يوليو 2020، تم الاطلاع في 16 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/qZDYO
[39] عبد الوهاب عاصي، دبلوماسية المساعدات الإنسانية خلال جائحة كورونا الدوافع والأثر، جسور للدراسات، 4 مايو 2020، تم الاطلاع 29 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/zWr0t
[40] مساعدات عاجلة، 21 مايو 2020، RT Arabic، تم الاطلاع في 15 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/B3VsL
[41] عبد الوهاب عاصي، دبلوماسية المساعدات الإنسانية خلال جائحة كورونا الدوافع والأثر، مرجع سابق.
[42] في حالة روسيا تم تتبع حالات المساعدة بالتفصيل ولم يتبين أنها أكثر مما هو موجود في المصدر السابق، أما في حالة قطر فتم الرجوع لتصريح وزير الخارجية الذي يفيد بأن قطر ساعدت 20 دولة منذ أزمة كورونا وليس 10 فقط كما هو في المصدر السابق، يمكن الاطلاع على التصريح في: وزير خارجية قطر: قدمنا مساعدات طبية ل20 دولة منذ ظهور كورونا، الجزيرة، 30 أبريل 2020، تم الاطلاع في 30 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/BbCHA
[43] للمزيد حول عدد الدول التي تلقت مساعدات من روسيا مقارنة بالصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ انظر: عبد الوهاب عاصي، دبلوماسية المساعدات الإنسانية خلال جائحة كورونا الدوافع والأثر، مرجع سابق.
[44] انظر: بوتين يقر بوجود “نقص” في المعدات الطبية بمواجهة كورونا، FRANCE 24، 13 أبريل 2020، تم الاطلاع في 6 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/4QKUr
– فيروس كورونا: بوتين يعترف بنقص معدات حماية الطواقم الطبية في مواجهة الوباء، بي بي سي عربي، 29 أبريل 2020، تم الاطلاع في 6 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/I4MYU
- نشر التقرير في فصلية قضايا ونظرات – العدد الثامن عشر – يوليو 2020