الثقافي والسياسي في الاستراتيجية الإسرائيلية لتهويد القدس: قراءة في تفاعلات الأمة مع قضية القدس عام 2010

مقدمة:

مع مطلع عام 2009 دخل صراع الأمة مع الكيان الإسرائيلي مرحلة جديدة، أصبح عنوانها الأبرز المطلب الإسرائيلي-الأمريكي للعرب بأن يعترفوا بيهودية الدولة، وألا يتمسكوا بمطلب تجميد الاستيطان الإسرائيلي في القدس والضفة الغربية، في إطار متطلبات استكمال عملية التسوية التي تريد إسرائيل والقوى الداعمة لها حسم نتائجها بأسرع ما يمكن استثمارًا لحالة الضعف الفلسطينية والعربية التي تمثل عملية التسوية أحد وجوهها الكثيرة.
وقد بدا صعود رموز اليمين المتطرف في انتخابات الكنيست الثامنة عشر (فبراير 2009) كأنه إعلان صريح عن تجديد جوهر هدف الحركة الصهيونية المتمثل في قيام الدولة اليهودية وضمان بقائها وتفوقها، عبر استخدام القوة الباطشة و”إرهاب الدولة” المنظّم وتوظيف الدعم الخارجي، دون أدنى التفات إلى انعكاس ذلك على حقوق الشعوب الأخرى في المنطقة، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني.
ويبدو أن طي قادة إسرائيل لصفحة حل الدولتين عمليًا عبر تكثيف الاستيطان، واستمرار بناء جدار الفصل العنصري، وتسريع وتيرة تهويد القدس، والمطالبات المتكررة على لسان وزير الخارجية العنصري أفيغدور ليبرمان بتأجيل التسوية مع الفلسطينيين عشر سنوات أخرى، وعودة الخطاب السياسي الإسرائيلي إلى التركيز على مصطلح “يهودية الدولة”، كل ذلك يكشف عن دلالتين واضحتين لسياسات حكومة بنيامين نتنياهو؛ إحداهما الرغبة الجامحة في إعادة تأكيد هوية دولة الاحتلال، وتعميق صِلتها بالجماعات اليهودية في العالم الخارجي، وإبراز أهميتها الثقافية لدول الغرب ومؤسساته بعد أن تآكلت أهميتها الاستراتيجية وتعمّق مأزق الشرعية الذي تعاني منه، وفي كل ذلك تلعب قضية القدس وسياسة تهويدها وتمويل استيطانها وطمس طابعها الحضاري دورًا محوريًا محركًا للتفاعلات الإسرائيلية والصهيونية عبر العالم، وهو دور يكشف عن تداخل الأبعاد الثقافية والسياسية والاستراتيجية في هذه القضية الخطيرة بالنسبة للأمة الإسلامية وهوية هذه المنطقة.
أما الأمر الآخر فيتعلق بتوجيه رسالة واضحة للأطراف العربية والإقليمية حول السقف الذي تطمح إسرائيل أن تنتهي إليه عملية التسوية والمفاوضات بمستوياتها المختلفة المباشرة وغير المباشرة في نطاق نهاية عام 2012، أي قبل انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما، مع حرص إسرائيل على إظهار تأييد المواقف الرسمية الغربية لها في المحافل والمؤسسات الدولية، بما يقنع الأطراف العربية والإقليمية بالكف عن إعادة الصراع العربي-الإسرائيلي إلى مؤسسات الأمم المتحدة سواء أكانت مجلس الأمن أم الجمعية العامة أم هيئة اليونيسكو أم المحكمة الجنائية الدولية، وذلك في إطار محاولات نزع الشرعية عن إسرائيل ومقاطعتها التي بدأت تتزايد منذ نهاية حرب غزة وصدور تقرير جولدستون في سبتمبر 2009، ربما بما ينبئ بتحولات إيجابية تحدث على الصعيدين الدولي والإقليمي، ستنعكس إن عاجلا أو آجلا لمصلحة قضية فلسطين.
منهجية التقرير وتقسيمه وحدود المعالجة:
يقع هذا التقرير ضمن عالم الأحداث والتفاعلات، ويتبنى منهجية رصدية مقترنة بدرجة من التحليل والتفسير. ويركز أساسًا على الأحداث ذات الطابع الثقافي/السياسي التي عاشتها قضية القدس في عام 2010 على مستويين؛ مستوى فعل التهويد الصهيوني والطمس الثقافي واستلاب الهوية، ومستوى مقاومة الأمة وجهودها في مختلف دوائرها في مواجهة هذا التهويد. كما يعتني التقرير أيضًا بالأدوات التي استعان بها هذان الطرفان المتصارعان على القدس، مع محاولة تحليل دلالات ذلك على حال طرفي الصراع ومن ثم على مستقبل قضية القدس ومآلاتها.
يبدأ التقرير بتوضيح الأبعاد الثقافية والسياسية في الاستراتيجية الصهيونية لتهويد القدس وفلسطين لإعطاء خلفية تاريخية/سياسية تمهّد لتناول خصوصية قضية القدس ومستجداتها في عام 2010. في الجزئية الثانية يتضمن التقرير تحليلا لبعض أفكار نتنياهو حول القدس، ودلالات علنية سياسات حكومته إزاء القدس في الخطاب والرؤية والسياسة العملية. ثم ينتقل التقرير ثالثًا إلى تحليل تصدي الدوائر المختلفة في الأمة لسياسة تهويد القدس؛ فيتم التعرض لجهود الأمة لمناصرة القدس في عوالم الأحداث والأفكار والأشخاص والتنظيمات والتفاعلات عبر القومية. وأخيرًا تأتي الخاتمة.
وبناء عليه ينقسم التقرير إلى قسمين؛ أحدهما يحلّل الاستراتيجية الصهيونية لتهويد القدس وبعض أفكار نتنياهو حول القدس، ودلالات سياسات حكومته إزاء القدس. أما القسم الثاني من التقرير فيرصد كيفية تفاعل دوائر الأمة المختلفة مع قضية القدس على مدار عام 2010.

أولا- موقع الأبعاد الثقافية والدينية والسياسية من الصراع على القدس

ربما لا يتسنى فهم المقاربة الإسرائيلية لمدينة القدس، بما تمثله من مكانة بالغة الأهمية في الوجدان اليهودي والمشروع الصهيوني، وبما هي مورد من موارد الإجماع الصهيوني-اليهودي، دون إدراك عناصر التصور الإسرائيلي لمستقبل الدولة اليهودية ومصالحها. ففي القدس يجتمع الثقافي بالسياسي، والاقتصادي بالاستراتيجي، والديني بالمادي في منظومة متكاملة تكشف ارتباط وحدة الدولة لدى اليهود ببناء “الهيكل المزعوم” مكان المسجد الأقصى المبارك، مما يضفي على القدس “أهمية قومية وسياسية من حيث كونها مفتاح القضية الصهيونية، ورمز كيان الدولة اليهودية الموحدة في عصر ملوك بني إسرائيل”[1].
والقدس كذلك مهمة أيضًا، أو هي أشد أهمية، بالنسبة لفلسطين وأمّتها العربية والإسلامية ولقيم التعايش الإنساني الحضاري الفريد؛ فهي مدينة مثقلة بأعباء السياسات والأطماع والاحتلال والعدوان الخارجي من جهة، ومحمّلة بإيحاءات الثقافة والتاريخ والحضارة والقداسة من جهة أخرى؛ فاستقراء تاريخ القدس العربية يكشف عن موقعها المركزي في المنظومة الحضارية للإسلام، حتى يمكن أن يُقال إن تاريخها أصبح يعكس صورة دقيقة للذات الإسلامية حال قوتها وازدهارها وكذا حال ضعفها وتراجعها.
ثمة أربعة أشكال من الارتباط توضح علاقة الإسلام والمسلمين بالقدس؛ أولها هو الارتباط التعبدي؛ إذ استقبل المسلمون بيت المقدس في صلاتهم ستة عشر شهرًا، وحثّ الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام على زيارته والصلاة فيه. وثانيها هو الارتباط الحضاري والثقافي القائم على ما أسهم به الإسلام (في عصوره المختلفة من الخلافة الراشدة إلى الدولة العثمانية) في عمارة القدس من إضافات عمرانية تتمثل في المساجد ودور العلم والزوايا ومئات العقارات الوقفية والمستشفيات. وثالثها الارتباط السياسي الذي يبرزه حكم العرب والمسلمين لهذه المدينة منذ الفتح الإسلامي لها عام 638 م وحتى استيلاء الاحتلال البريطاني عليها في 9/12/ 1917، باستثناء فترة حروب الفرنجة (المعروفة بالحروب الصليبية). ورابعها هو الارتباط التاريخي؛ إذ لم يشر التاريخ إلى أقدم من اليبوسيين والكنعانيين العرب في إنشاء المدينة والسكن فيها، وهو ما يدل عليه أول اسم لها وهو “يبوس”، ثم “أور- سالم” أي مدينة سالم أو مدينة السلام، وسائر أسمائها الأخرى، باستثناء اسم “إيلياء” وهو تعريب لاسم “إيليا كابيتولينا”[2].
إن هذا التاريخ الممتد يكشف بوضوح عن عمق الصراع على القدس وأوجهه المتعددة من الثقافي إلى السياسي إلى الاقتصادي إلى الاستراتيجي والحضاري. والواقع أن كثيرًا من الدراسات العربية حول القدس وقضيتها ومصيرها قد ركزت على دور القوة العسكرية والاستيطان اليهودي في حسم هذه القضية، إلا أن قليلا من تلك الدراسات اهتمت بتمحيص الحزمة الواسعة من أدوات التهويد التي استخدمتها دولة الاحتلال لتعزيز نتائج توظيف الأداة العسكرية، ومنها أدوات ثقافية ودعائية واقتصادية تقوم على إنشاء المؤسسات الصهيونية والتمكين لها في القدس، مع إضعاف المؤسسات الفلسطينية المقدسية أو استئصالها تمامًا إن أمكن[3].
وإذا كانت الحركة الصهيونية ثم الدولة الإسرائيلية بذلتا أقصى جهودهما لتحطيم الوجود المؤسساتي العربي في مدينة القدس، حتى تجعل المقدسيين العرب أفرادًا لا رابطة سياسية اجتماعية مؤسساتية منظَّمة بينهم، فإن المجتمع المقدسي (مدعومًا بمحيطه الأكبر فلسطينيًا وعربيًا وإسلاميًا) قد اتخذ موقفًا مقاوِمًا مضادًا[4]. ولئن كانت الكفة تميل في كثير من الأحيان لمصلحة دولة الاحتلال، بحكم سيطرتها العسكرية والأمنية على المدينة منذ عام 1967، إلا أن هناك مستوى من المقاومة الثقافية الحقيقية التي تعكس حيوية كامنة في قدرات أبناء القدس وفلسطين والأمة، وهي قدرات تبقى قابلة للتحول إلى مستويات أعلى من المقاومة بكافة أشكالها كلما تعزّزت أوضاع الأمة وصاغت مشروعها النهضوي الحضاري الاستقلالي الشامل.
ورغم حالة الإجماع التي تسود بين الإسرائيليين على أهمية الاستيطان في القدس الشرقية، بحيث باتت القدس هي “الجبهة الأولى للمشروع الصهيوني”، إلا أن الجهود الضخمة والتضحيات الكبيرة التي بذلها المقدسيون (وكان معظمها على أساس شخصي وعائلي) نجحت نسبيًا على المستوى الديموغرافي. فرغم كل ما اقترفته سلطات الاحتلال الإسرائيلية في القدس منذ عام 1967، فإنها لم تتمكن من أن تحوّر المعادلة الديموغرافية الأساسية التي ورثتها منذ ذلك التاريخ: فحتى عام 2000 كان 30% من سكان المدينة لا يزالون من العرب[5].
ومن معارك إسرائيل الديموغرافية إلى ممارساتها الاستيطانية الإحلالية تظهر ثلاث صفات تميّز العقلية الصهيونية في حكمها للقدس وباقي الأراضي المحتلة؛ أولاها أنها عقلية إلغائية تسعى إلى إلغاء الآخر، أيًّا كان فلسطينيًّا عربيًّا مسلمًا أم مسيحيًّا، بل تسعى إلى سرقة تاريخه وآثاره وماضيه فضلا عن مصادرة حاضره ومستقبله. وثانيها أنها عقلية انعزالية “جيتوية” منغلقة فشلت في التعايش الحر المنفتح المتسامح العادل مع الآخر، وحَكَمَتْها عقلية الشك والخوف والعداء. وثالثها أنها عقلية استعلائية نظرت إلى الآخر نظرة دونية، وتعاملت معه من خلال عقلية “الشعب المختار” وسعت إلى استغلاله وانتزاع حقوقه دون مبالاة لمعاناته وآلامه. إنها العقلية المانعة التي لا ترى إلا نفسها، والقائمة على الصدام وسفك الدماء وارتكاب الظلم. وهي عقلية لا يمكن أن تصلح لإدارة أرض مقدسة مباركة تستوعب الأديان والمذاهب والطوائف والأعراق. وهي عقلية قابَلَتْها العقلية التي قدمتها الحضارة العربية الإسلامية وهي “العقلية الجامعة” القائمة على التسامح واستيعاب الآخر، وإقامة العدل وإعطاء الحقوق والحريات للجميع”[6].
وهكذا فإن البعد الثقافي في تهويد القدس وسائر أراضي فلسطين يظهر جليًا من عدم إدخار سلطات الاحتلال الإسرائيلي وسعًا في طمس الثقافة العربية/الإسلامية في فلسطين، وتخطيطها لتجريد الشعب الواقع تحت الاحتلال من مقومات هويته الحضارية وثقافته العربية/الإسلامية. وتشير وثائق اليونسكو وهيئة الأمم المتحدة إلى أن العدو الصهيوني تناول التراث الثقافي والحضاري للشعب الفلسطيني ابتداء من قطعة الآثار القديمة إلى المباني التاريخية إلى الزي الشعبي الفلسطيني بوصفها “مادة معادية”، وحاول نهبها وتدمير ما لم يستطع نهبه، في إطار سياسة شرسة لطمس التراث الثقافي والحضاري للشعب الفلسطيني وسرقته وانتحاله وتشويهه[7].
وليس أدل على العداء الصهيوني لتاريخ القدس العربية وشخصيتها الثقافية مما فعله الإسرائيليون بمجرد احتلالهم لها. ففي 11/6/1967 (أي بعد أربعة أيام فقط من احتلال القدس الشرقية) قامت سلطات الاحتلال بهدم حي المغاربة الذي يرجع تاريخه إلى عام 1320م، والذي كان يضم 135 منزلا يسكنها 650 شخصًا، إضافة إلى مسجدين في نفس الحي، وقرابة 200 منزل ومخزن في المناطق الحرام. ثم قامت السلطات في 14/6/1967 بنسف 14 دارًا من الدور الدينية والأثرية العربية، وذلك بحجة توسيع كشف امتداد الحائط الغربي للحرم الشريف (حائط البراق). وضمن هذه الدور كانت الزاوية الفخرية، وهي مقر مفتي الشافعية بالقدس[8].
والملاحظ هنا أن الاستيلاء على القدس الشرقية قد فتح الباب واسعًا أمام سلسلة من الحفريات الإسرائيلية في البلدة القديمة، بحثًا عما يعتبره الإسرائيليون تاريخهم القديم وسندهم القانوني في إثبات وجودهم في القدس منذ أيام الملك داود، في محاولة لإثبات صحة التأويلات التوراتية الكتابية التي ازدهرت أول ما ازدهرت إبان تأسيس “صندوق استكشاف فلسطين” في بريطانيا عام 1865، الذي اضطلع في الواقع بعمليات تنقيب ومسح ووضع خرائط للأراضي المقدسة، رافعًا شعارات الدراسات العملية والآثارية والاستكشافية في الظاهر، لإخفاء حقيقة كونه أداة في خدمة السياسة البريطانية الاستعمارية. وكان منطقيًا والحال كذلك أن تتوصل البعثات الاستكشافية إلى الزعم بأن المسجد الأقصى وقبة الصخرة قد أقيما على أنقاض “هيكل سليمان”. وكان الهدف من تلفيق هذا الكشف هو “رفع وتيرة المطالبة بتأسيس كيان يهودي في فلسطين ترعاه بريطانيا البروتستانتية، باعتبارها الوريث الشرعي الوحيد لكلمة الربِّ على الأرض، وحافظة عهد المسيح”[9].
وقد أثارت الحفريات الإسرائيلية حول الحرم القدسي الشريف والاعتداء على مقبرة مأمن الله (تسمى أحيانًا ماميلا) احتجاجات صاخبة لدى المقدسيين لأنها تعرِّض الأماكن المقدسة للخطر الشديد. وثمة من يرى أنه “في السنوات الأخيرة قد تصاعدت حملات نهب الآثار والأرض وما تحتها باسم “الحفريات الأثرية”. وفي الحقيقة فإن ما يسمى “الاستكشاف الأثري” الذي يدور الآن ما هو إلا جزء لا يتجزأ من حملة سياسية واسعة النطاق تجتاح منطقة القدس ضمن مخطط علني ومسبق وموضوع من أعلى المستويات؛ إذ يتركز النشاط الأثري في المنطقة التي يسميها الإسرائيليون “الحوض المقدس” أو “الحوض التاريخي” وهي المنطقة التي تضم البلدة القديمة ومحيطها، بالإضافة إلى السفوح الغربية لجبل الزيتون، وسلوان، ووادي حلوة، وحي البستان، ووادي الربابة، وتمتد إلى الشيخ جراح شمالا. وقد طالبت إسرائيل مرارًا وتكرارًا بالسيطرة الكاملة والحصرية على هذه المنطقة ضمن مفاوضات الحل النهائي”[10].
“وليس من المبالغة القول بأن “الحرب ضد الآثار” تحتل أولوية متقدمة في خيارات إسرائيل لتهويد القدس، فطالما عجزت الحفائر المتكررة عن الوصول إلى مكتشفات تؤكد المزاعم والدعاوى الصهيونية، فليس هناك من خيار سوى محو الهوية العربية الإسلامية القائمة، وهو أمر عسير دون إزالة أكبر عدد من الآثار الإسلامية والمسيحية التي تنفي بحضورها المهيب مزاعم يهودية القدس، إنها حرب ضد البشر والحجر، بل ضد التاريخ ومنطقه أيضًا”[11].
وتشير المصادر إلى سلسلة من الحفريات التي قامت بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي حول الحرم القدسي الشريف بحثًا عن “الهيكل المزعوم”، والتي انطلقت أعمالها الأولى منذ فبراير 1968. وكانت تهدف إلى “الكشف عن الأجزاء الواقعة أسفل الطبقات الأرضية للأسوار المحيطة بالحرم القدسي، وهدم وإزالة جميع المباني الإسلامية من مساجد ومعاهد وأسواق ومساكن ومقابر فوق منطقة الحفريات الملاصقة أو المجاورة لحائط البراق، والاستيلاء بعد ذلك على الحرم القدسي وإنشاء “الهيكل” الذي يحلمون به[12].
ومنذ عام 1968 تكرر منظمة اليونسكو دعوتها لإسرائيل بالتوقف عن الحفريات في القدس وعن تغيير خصائص المدينة، إلى حد دفع الأمين العام لليونسكو رين ماهيو إلى القول بأنه: بين صيف 1967 وصيف 1969 قامت إسرائيل بأعمال سرقت من مدينة القدس صورتها الرائعة، وأعطتها مظهر جرح مفتوح في جسدها. إن التغييرات التي حدثت منذ عام 1967 في موقع المدينة وشكلها خطيرة جدًا، وإذا كان لمثل هذه الأعمال أن تستمر، فإن شخصية القدس، وسحرها الفريد، وإشعاعها المادي الغريب النابع من روحانيتها، سيدمر خلال وقت قصير[13].
والواقع أنه يتم العثور على مئات الآثار الإسلامية أثناء هذه الحفريات، ولكن سلطة الآثار الإسرائيلية تتحفظ عليها وترفض تسليمها إلى إدارة الأوقاف الإسلامية التي علّق مديرها المهندس عدنان الحسيني في يوليو 1997 بالقول “تجري عمليات تزوير إسرائيلية واضحة وتغيير للآثار الإسلامية التي تم اكتشافها في الجهة الجنوبية الغربية من المسجد الأقصى، ومنها الآثار الأموية. كما أن عملية الحفر قرب الجدار الغربي للمسجد والنزول إلى ارتفاعات عميقة سيؤدي إلى مخاطر مستقبلية نتيجة وصول مياه الأمطار إلى هذه الحفر ولصعوبة تصريف هذه المياه”.
ومن الواضح أن جميع الحفريات التي جرت في منطقة الحرم القدسي أثبتت عقم البحث عن آثار يهودية؛ إذ إن ما يتم اكتشافه يكون غالبًا من العهد الأموي أو البيزنطي بحسب شهادة عالِمة الآثار البريطانية كاثلين كينيون والبروفيسور الإسرائيلي بنيامين مزار اللذيْن ترأسا بعثات أجنبية وإسرائيلية للتنقيب حول المسجد منذ أواخر ستينيات القرن العشرين. ورغم أن السلطات الإسرائيلية تتوخى من هذه الحفريات إثبات وجود “الهيكل” في موقع الحرم القدسي، إلا أن هذا الحلم الإسرائيلي لا ينبع من دوافع بحثية أو علمية لمعرفة التاريخ، وإنما ينطلق من إيجاد الذريعة المادية لتهويد الحرم القدسي وإزالته وإنشاء “الهيكل” مكانه[14].
وإذا شئنا إجمال هذه الجزئية حول موقع الأبعاد الثقافية والدينية والسياسية من الصراع على القدس، يمكن القول من جهة إن الاستراتيجية الإسرائيلية لتهويد القدس وفلسطين تمزج بين الثقافي والأمني والسياسي والاقتصادي في علاقة جدلية واضحة ومتكاملة.
فلا عجب أن توجد مستويات مختلفة من الصراع وحروب أخرى غير مادية تتجاوز الاستيطان ومصادرة الأراضي: مثل حروب المصطلحات وتغيير المعاني والأسماء، وتهويد القضاء النظامي والشرعي الإسلامي، وتهويد المناهج الدراسية والتعليم العربي (عبر إصدار قانون الإشراف على المدارس لسنة 1969)، وتهويد الإنسان العربي بترحيله أو سحب الهوية المقدسية منه، والاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على الحرم القدسي الشريف سواءً بمحاولة حرقه عام 1969 أو التآمر على هدمه عبر الحفريات أو الاعتداءات المسلحة التي تنسب إلى أفراد متطرفين للتعمية على أن ذلك يدخل ضمن سياسة الدولة الإسرائيلية، أو تشريع إقامة الصلوات اليهودية داخل الحرم القدسي، أو الاعتداءات الإسرائيلية على الأماكن الدينية المسيحية والسعي لامتلاك أو تأجير أو اغتصاب الممتلكات والعقارات المسيحية في القدس، أو تغيير أسماء الساحات والشوارع والطرق العربية التاريخية وإحلال أسماء أخرى يهودية محلها (مثل تغيير اسم “طريق سليمان القانوني” في القدس ليصبح “شارع المظلِّيين”، وتغيير اسم “باب المغاربة” إلى “رحوب بيتي محسي”، وتغيير اسم “طريق المجاهدين” إلى “ديرخ شاعر خيرؤت”، وتغيير اسم “ساحة باب الخليل” إلى “ميدان عودة صهيون”، وغيرها من الأسماء)[15].
كما تعكس استراتيجية تهويد القدس من جهة أخرى تحركًا مؤسسيًا تقوم عليه مؤسسات الدولة الإسرائيلية المختلفة التي تستعين بالمستوطنين ومؤسساتهم وجمعياتهم المتطرفة وتؤمِّنهم لمواجهة المقدسيين العرب وسائر سكان فلسطين الأصليين. وتتلقى هذه الاستراتيجية الإسرائيلية دعمًا مهمًا ومنتظمًا من خارج الدولة العبرية، بالاستناد إلى مؤسسات صهيونية أو يهودية منتشرة في كثير من دول الغرب الأوروبي والأمريكي، فضلا عن الدعم الرسمي الدولي الذي تقدمه هذه الدول عمومًا، والولايات المتحدة الأمريكية خصوصًا للمواقف والسياسات الإسرائيلية، بما في ذلك مطالبة الفلسطينيين والعرب بالاعتراف بيهودية دولة إسرائيل شرطًا لاستئناف مفاوضات السلام المترنحة كما تقدم[16].
وهذا ما يدفع البعض للاعتقاد بأن قضية القدس “تشكِّل عائقًا آخر في طريق التوصل إلى سلام بين العرب وإسرائيل، وتكمن أهمية القدس في كونها “قيمة” وليست “مصلحة” قابلة للتفاوض، نتيجة لمكانتها الدينية لدى كلا الجانبين، وعدم استعداد أي من الجانبين للتفريط فيها أو التفاوض على مستقبلها، الأمر الذي يشكل معوِّقًا حقيقيًا أمام الانتقال من حالة الثقافة الصراعية إلى ثقافة السلام”[17].

ثانيًا- الثابت والمتغير في تهويد القدس عام 2010: استراتيجية إسرائيلية مستمرة أم سياسة حكومة نتنياهو؟

بالنظر إلى أن هذا التقرير يعالج تهويد القدس في عام 2010، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي خصوصية هذا العام بالنسبة لقضية القدس، وهل تغيّرت السياسة الإسرائيلية في هذا العام أم بقيت ملتزمة بثوابتها الاستراتيجية؟
بعبارة موجزة يمكن القول إن الصراع حول القدس يدخل مراحله الحاسمة بعد أن اتضح محدودية أو انعدام الأفق الذي تتحرك فيه عملية التسوية والمفاوضات، وهذا ما يجعل معدلات التهويد والاستيطان تتصاعد بمرور الوقت. ويمكن أن تشكّل حكومة نتنياهو ذات التوجه المتطرف متغيرًا آخر يسهم في تسريع تنفيذ مخططات التهويد المعدة سلفًا.
بيد أنه من الخطأ الاعتقاد بأن سياسة حكومة نتنياهو فيما يخص القدس مختلفة في جوهرها عن سياسات كافة الحكومات الإسرائيلية السابقة. وهو ما يختصره تصريح مستشار نتنياهو الإعلامي نير حيفتس أواخر مارس 2010 بعد لقاء نتنياهو بالرئيس الأمريكي في واشنطن بأن سياسة إسرائيل تجاه القدس لم تتغير وأن نتانياهو وأوباما “اتفقا على استمرار البناء الاستيطاني في القدس الشرقية… ثمة تفاهمات مع الولايات المتحدة تقول إنه من جهة لن تتغير سياسة البناء في القدس، ومن الجهة الأخرى فإن إسرائيل مستعدة لتنفيذ خطوات من أجل تحريك العملية السياسية”. بينما ذكرت صحيفة هآرتس أن نتنياهو عرض -بعد لقائه بأوباما- على أعضاء في الحكومة الإسرائيلية جملة أفكار “تساعد الأصدقاء الأميركيين في تحريك عملية السلام مع الفلسطينيين، لكن من دون تغيير سياستنا في القدس القائمة منذ 42 عامًا، والتي تحافظ على مصالح إسرائيل الحيوية وأمنها”[18].
إذًا ثمة استراتيجة صهيونية ثابتة بشأن القدس؛ إذ تعرف السياسة الإسرائيلية بشأن تهويد القدس منذ نشأة الحركة الصهيونية إلى اليوم استمرارًا واتصالا واضحًا، فيما يعكس مؤسسيَّة الدولة العبرية وثبات توجهاتها الكبرى، حتى لو طرأ بعض التغيّر المحدود على التفاصيل والجزئيات الصغيرة؛ فالاستراتيجية الصهيونية لتهويد القدس وطمس طابعها الحضاري والثقافي تعد من أهم ركائز السيطرة على فلسطين بكاملها، وكما قال ديفيد بن غوريون أول رئيس حكومة في إسرائيل أمام الكنيست في 10/12/1949 “كانت لدولة إسرائيل وستكون عاصمة واحدة فقط، القدس الأبدية. هكذا كانت الحال قبل ثلاثة آلاف سنة، وهكذا ستكون كما نعتقد حتى نهاية الأجيال كلها”[19]. أما بعد احتلال القدس الشرقية في 7/6/1967 فقال بن غوريون: “لا معنى لإسرائيل بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل”[20].
والملاحظ أن تشدد الخطاب الإسرائيلي حول القدس يعد مدخلا أساسيًا لكسب الشرعية بالنسبة لأية حكومة إسرائيلية، بغض النظر عن تركيبتها الحزبية أو حتى في ظل وجود قوى اليسار الصهيوني على رأسها. والملاحظ أن هذا التشدد يترافق عادة مع سلوك أكثر نشاطًا على صعيد تهويد مدينة القدس، وبالذات في تلك السنوات التي انتعشت فيها مسارات التسوية والتفاوض إن مع الجانب المصري أو الفلسطيني أو الأردني[21]. وقد بقيت القدس في الخطاب السياسي والديني الإسرائيلي تُقدَّم على أنها “العاصمة الأبدية لإسرائيل التي لا يجوز التنازل عنها”، وهو ما استمر حتى بعد توقيع اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية 1979، واتفاق أوسلو 1993، والاتفاقية الأردنية-الإسرائيلية 1994[22].
والواقع أن تنبؤات البعض باحتمالات تغيّر السلوك الإسرائيلي الخاص بتهويد القدس في ظل عملية التسوية لم تثبت صحتها، بل على العكس ازداد الاستيطان ومصادرة الأراضي وبناء الطرق الالتفافية في ظل حكومة العمل وميرتس بزعامة رابين-بيريز (1992- 1996)[23]. ويشير أحد التقارير المنشورة عام 1995 إلى أن “الخطط الإنشائية لحكومة إسحاق رابين بالنسبة إلى الضفة الغربية والاستيطان في القدس تنافس، إن لم تكن تفوق في بعض النواحي، جهود حكومة إسحاق شامير في بناء المستوطنات خلال الفترة من 1989 إلى 1992″[24].
وتشير بعض الدراسات هنا إلى معوقات ثقافية وتاريخية وذهنية تمنع الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه فلسطين والقدس من التغيّر، وجلُّها (أي المعوقات) نابع من سيادة مفاهيم التفرد لدى الإسرائيليين والإيمان المطلق بالقوة، مما يفضي عمليًا إلى تجذُّر السلوك العدواني العنيف لديهم.
وفي هذا السياق يرى أحد الباحثين أن “فكرة التفرد الإسرائيلي تجمع بين مركبيْ النقص والتفوق في آن؛ ففي حالة النقص يعاني الإسرائيليون من إحساس مبالغ فيه بالاضطهاد والتعرض للأذى من قِبل الجماعات الأخرى غير اليهودية التي عاشوا بين ظهرانيها. بينما في حالة مركب التفوق فإن اليهود والإسرائيليين يشعرون بالتميز عن الآخر والاختلاف العميق عنه، ويرون من ثم أنهم يمثلون نمطًا أخلاقيًا ورفيعًا وساميًا غير مسبوق لدى الجماعات الأخرى.
ويكتسب التفرد الإسرائيلي تعزيزًا أو دعمًا متناميًا عبر المعتقدات والأساطير الدينية والتوراتية والنكبات اليهودية القديمة، والخبرات الأليمة في الشتات مع غير اليهود والمعادين للسامية، وكذلك من خلال إدراك الإسرائيليين للخلل الكبير في القوة لمصلحتهم في مقابل الفلسطينيين والعرب. ويفضي هذا التفرد الذي يوجّه ويؤسّس الوعي الإسرائيلي إلى ما يمكن تسميته “الاستثناء الإسرائيلي” إن في المجال الأمني أو الوجود القومي أو الأهداف المنشودة، ويرتب على ذلك في الواقع تشويه الحقائق وتعزيز مصادر الأوهام، والحيلولة دون التحليل المنطقي والعقلي للأحداث والوقائع والتقويم المتوازن بين الوسائل والغايات. وبذلك يقود الاستثناء الإسرائيلي إلى تغليب اللجوء إلى القوة العسكرية وتجاهل الأبعاد السياسية في تسوية الصراع مع العرب نظرًا لاستغراق النخبة والمواطنين في إسرائيل في مناخ نفسي يعزز الشعور بالتفرد والاستثناء الإسرائيلييْن”[25].

ثالثًا- نتنياهو والقدس: ما بين الرؤية والخطاب والسياسة العملية

قبل التعرض لسياسات حكومة نتنياهو إزاء القدس ربما تجدر الإشارة إلى بعض أفكاره حول القدس المتضمنة في كتابه “مكان بين الأمم: إسرائيل والعالم”؛ إذ يرى نتنياهو أن “القدس كانت عاصمة الشعب اليهودي لأكثر من ألف سنة، وتشكّل اليوم مركز الطموح للشعب اليهودي في سبيل العودة إلى “أرض إسرائيل” وبعثها من جديد. لذا يجب أن لا يُطلب من إسرائيل التفاوض بشأن أي جزء من القدس، ولا بأي ظرف من الظروف، تمامًا مثلما لا يجوز أن نطلب من الأمريكيين التفاوض حول واشنطن، ومن الإنجليز حول لندن، ومن الفرنسيين حول باريس”[26].
وفي موضع آخر يوضح نتنياهو حدود ما يمكن أن تعطيه دولته للعرب في القدس: “يجب على إسرائيل في إطار اتفاقية سلام مع العرب، أن تضمن حرية وصول المسلمين الذين يريدون الصلاة أو الزيارة للأماكن المقدسة الإسلامية، ولكن لا يجوز لها أبدًا أن توافق على أي مساس بالمكانة السيادية في المدينة، وقدرتها على إبقاء القدس مدينة مفتوحة وموحدة تحت حكم إسرائيل (..) ومن جانب آخر فقد عرضت إسرائيل على العرب منحهم حقوقًا مدنية بصفتهم من سكان المدينة، أي مساواة في الحقوق داخل المدينة ولكن ليس حكمًا سياسيًا على القدس. ونظرًا لأهمية المدينة بالنسبة للشعب اليهودي، والحقائق التي نشأت في المنطقة بعد بناء الأحياء اليهودية الجديدة بعد “تحرير المدينة” عام 1967 (ومنها جيلو، رموت، رموت أشكول، مزراح تلبيوت، هجفعاه هتسرفاتيت، بسجات زئيف، نفيه يعكوف، معليه أدوميم، جفعات زئيف)، فإن فكرة تقسيم القدس من جديد، لم تعد واردة في الحسبان”[27].
وإضافة إلى هذا التنظير الصهيوني الذي يقوم به نتنياهو في هذا الكتاب وغيره، تختزن ذاكرة الأمة صورة سلبية عنه؛ فأثناء حكومة نتنياهو الأولى (مايو 1996- مايو 1999) تم اتخاذ العديد من القرارات وتنفيذ المشروعات الاستيطانية في القدس، وأثار بعضها أزمات وردود أفعال واسعة النطاق داخل فلسطين وخارجها. ومنها أزمة الاستيطان في جبل أبو غنيم.
وآنذاك، أي في عامي 1996-1997 تولّدت ردود أفعال عربية وإسلامية رسمية يمكن أن لا تكون قوية، لكنها كانت تصدر بالفعل مواكِبة أو مستشعِرة للخطر المحدق بالقدس على الأقل. فانعقد في إسلام آباد مؤتمر القمة الإسلامي الاستثنائي أواخر مارس 1997، وجاء في بيانه الختامي (إعلان إسلام آباد) أن مدينة القدس الشريف جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وينطبق عليها ما ينطبق على سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة من قرارات الشرعية الدولية. وأدان البيان بشدة استمرار إسرائيل في سياساتها التوسعية الاستيطانية. كما طالب الإعلان بوقف تنفيذ جميع القرارات والإجراءات الإسرائيلية المتمثلة في الاستيطان اليهودي ومصادرة الأراضي وهدم المنازل وسحب هويات المواطنين المقدسيين وأعمال الحفر حول الحرم القدسي الشريف، كما دعا مؤتمر إسلام آباد الدول الأعضاء إلى إعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل[28].
ثم تلا ذلك اجتماع لجنة القدس في الرباط، التي طالبت في بيانها الختامي إسرائيلَ بالوقف الفوري لأعمال الاستيطان في مدينة القدس، خاصة مستوطنة جبل أبو غنيم. كما قررت اللجنة إنشاء صندوق القدس لدعم التواجد العربي في المدينة[29].
وقد دفعت ممارسات حكومة نتنياهو الأولى إلى ارتفاع أصوات صحفية وشعبية تطالب بأن يكون عام 1997 هو عام القدس وعام دعم المقدسيين العرب[30]. وبالطبع لم يتحقق ذلك الشعار، وظلّ في نطاق الأماني أو الرغبات السياسية التي لا يتلوها عمل مؤسسي منظّم، وبقيت القدس تواجه مصيرها دون كثير من الاكتراث على الصعيد الرسمي عربيًا وإسلاميًا ودوليًا.
وآنذاك لجأ نتنياهو إلى تشجيع ودعم أعضاء جمعية “عطيرت كوهانيم” المتطرفة التي تدعو إلى إقامة “الهيكل الثالث” في الحرم القدسي. “وتحدثت صحيفة كول هعير الإسرائيلية في 15/2/1998 عن الدعم المالي الرسمي للحركات اليهودية المتطرفة التي تعمل باتجاه إقامة “الهيكل الثالث”، وهو دعم قدمته عدة جهات منها: وزارة الأديان، وزارة السياحة، وجهات رسمية إسرائيلية أخرى تموّل دائرة حارس أملاك الغائبين[31].
وإذا كان سلوك حكومة نتنياهو الأولى (1996-1999) قد جاء على هذا النحو، فما الذي تغيّر بعد توليه رئاسة الحكومة للمرة الثانية بعد انتخابات فبراير 2009؟
ربما يمكن القول إنه بات أكثر جرأة في التعبير عن سياسته وإعلانها دون مواربة؛ فمنذ أواخر مارس 2009 بدأت الأخبار تتوالى عن سياسات الائتلاف الحكومي الجديد في تكريس السيطرة على القدس عبر توسيع خطط بناء آلاف الوحدات السكنية اليهودية فيها. وقد تسارعت خطوات تنفيذ مخططات الهدم والتهجير بهدف تحويل القدس إلى مدينة يهودية بعد توفير أغلبية يهودية مطلقة فيها بحلول عام 2020. وكانت بلدية القدس الإسرائيلية قد وضعت -عندما كان إيهود أولمرت رئيسها- “المخطط الهيكلي لتهويد القدس” الذي يهدف إلى جعل القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي ومركزًا للحكم بحلول ذلك العام. وقد قامت بعض المؤسسات الفلسطينية بنشر ترجمة عربية وإنجليزية للنسخة العبرية من المخطط، وذلك في إطار حملة لمناهضة هذا المخطط[32].
ولا شك أن حرب مصطلحات تدور رحاها ببيت المقدس منذ ذلك الحين، ولعل أهمها مفهوم “تطوير القدس” الذي تستخدمه حكومة نتنياهو الثانية للتغطية على المفهوم الحقيقي وهو “تهويد القدس”. والذي يتم تنفيذه عبر عدد من الخطوات، ومنها[33]:
– عزل تجمعات سكانية كبيرة يقارب عدد سكانها 160 ألف مقدسي خارج الحدود البلدية المصطنعة للقدس في أحياء: الرام، وضاحية البريد، وسميراميس، وضاحية السلام، وكفر عقب، ومخيم شعفاط، وبلدة عناتا.
– احتفال إسرائيل في سبتمبر 2009 بوضع حجر الأساس لمخطط الحي الاستيطاني E 1 الواقع شرقي القدس، وبدء عمليات البناء رغم الاعتراض الأمريكي والأوروبي على هذا المخطط الذي يشمل إقامة 4000 وحدة سكنية جديدة لاستيعاب 16 ألف مستوطن على مساحة تقترب من 13 ألف دونم من أراضي بلدات العيسوية والعيزرية وعناتا والطور.
– استهداف أحياء الشيخ جراح والبستان وسلوان.
– تكثيف عدد مرات اقتحام الأقصى؛ التي بلغت من يناير 2009 حتى فبراير 2010 حوالي 42 اقتحامًا (حسب معطيات مؤسسة القدس الدولية). فيما يراه مختصون مؤشرًا على تحضيرات تقوم بها قوات الاحتلال لتقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، في تكرار للحالة الموجودة في الحرم الإبراهيمي بالخليل.
– إعلان حكومة نتنياهو في مارس 2010 عن ضم الحرم الإبراهيمي في الخليل ومسجد بلال في بيت لحم إلى قائمة المواقع التراثية اليهودية.
وربما تكون أوضح إشارات نتنياهو بشأن القدس هو قوله في لقاء مع كبار قادة المستوطنين في 25/12/2009: “بعد عشرة أشهر لن يبقى شيء اسمه القدس الشرقية”. كما أشار إلى أن القرار الذي اتخذه في سبتمبر 2009 من أجل الوقف الجزئي والمؤقت للاستيطان في الضفة لمدة عشرة أشهر سيؤدي في نهاية الأمر إلى ضم القدس الشرقية لإسرائيل لتصبح قلبًا وقالبًا العاصمة الأبدية الموحدة للشعب اليهودي. إن “هدفي أن تصبح أحياء القدس الشرقية أحياء مختلطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما هو الوضع في حيفا ويافا، حيث يصعب على السلطة الفلسطينية الحالية، أو من سيأتي بعدها، المطالبة بشرقي القدس ليكون عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية”. ويسرني إبلاغ قادة المستوطنين بأنه “يمكنهم العيش أينما أرادوا في شرقي القدس، في الشيخ جراح أو في حي سلوان أو في القدس القديمة وشعفاط ووادي الجوز وجبل أبو غنيم، حيث سيتم تفتيت شرقي القدس. وأنه بعد عشرة أشهر لن يبقى شيء اسمه القدس الشرقية”[34].
وإجمالا ربما يمكن القول إن مصطلح أو مفهوم “إلغاء القدس الشرقية” يمثل الإضافة الفعلية التي جاءت بها حكومة بنيامين نتنياهو بمجرد تسلّمها مقاليد الحكم في 31/3/2009. والرجل ينطلق في ذلك من رؤية راسخة ويستخدم دبلوماسية هجومية وخطابًا واضحًا يتم ترجمته إلى سياسات عملية تنفيذية دون إبطاء، ربما بما يعيد إلى الأذهان نموذج أرييل شارون في إدارة الصراع مع العرب سواء في قضية القدس أو غيرها من القضايا.

رابعًا- بعض ملامح تهويد القدس في عام 2010:

1- الاعتداءات على المسجد الأقصى
أشار تقرير “عين على الأقصى” الصادر عن مؤسسة القدس الدولية في 23 أغسطس 2010 إلى أن “رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتبع سياسة مزدوجة تجاه المسجد الأقصى؛ فمن الناحية الرسمية لا يعلن نتنياهو أي توجهات لتغيير الواقع القائم في المسجد الأقصى. أما على أرض الواقع فإنه يكلّف وزراء في حكومته وقادة كبارًا في حزبه بقيادة مطالب المستوطنين بالسماح لهم بالصلاة في المسجد الأقصى بحرية تامة”[35].
كما يرصد التقرير تزايد سرعة الحفريّات الساعية إلى بناء مدينة يهودية مقدسة أسفل المسجد ومحيطه طوال الفترة التي يغطيها التقرير الممتدة من 22/8/2009 إلى 21/8/2010؛ إذ تبدّلت طريقة تعامل الاحتلال مع الحفريّات؛ فبعد أن كان يتعامل مع مواقع الحفريّات بحساسية مفرطة ويُحاول إخفاءها خوفاّ من ردود الفعل، أصبح اليوم يتعاطى معها دون حساسية أو خوف من ردود الفعل الفلسطينية أو العربية والإسلامية بل أصبح مستعدًا للدخول في مواجهات مع السكان المقدسيين لحماية سير العمل فيها. ويرصد التقرير بلوغ عدد مواقع الحفريَّات حول المسجد 34 موقعًا، بزيادة 9 مواقع عن عام 2009.
أما على صعيد تحقيق الوجود اليهودي داخل الأقصى فيرى التقرير أن “اقتحام المسجد الأقصى يُشكّل كرة الثلج التي تستخدمها المنظمات اليهودية المتطرفة المنادية بتغيير الواقع القائم في المسجد، لرفع سقف مطالبها تجاه المسجد وذلك من خلال تنظيم الاقتحامات الجماعية بشكلٍ متكرر ودائم، فيما تتولى الحكومة والنظام القضائي منحها الغطاء السياسي والقانوني اللازم لذلك، وتتولى الشرطة الإسرائيلية بدورها حماية هذه الاقتحامات، وترجمة التحولات التدريجية في الموقف السياسي والقانوني إلى إجراءات عملية تفسح المجال أمام تغيير الواقع القائم في المسجد”، ففي الفترة التي يغطيها التقرير بلغ عدد الاقتحامات التي نفذها متطرفون يهود للمسجد 36 اقتحامًا، فضلا عن 6 اقتحامات نفذتها شخصيات رسمية، بالإضافة إلى 15 اقتحامًا نفذتها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية[36].
2- القدس ومعركة الديموغرافيا
في إطار السعي الإسرائيلي لأن يصبح عدد سكان القدس اليهود بشقيها مليون نسمة، تعمل سلطات الاحتلال على تقليص عدد الفلسطينيين من خلال نوعين من الطرد؛ الطرد الفردي بالإعلان عن طرد البرلمانيين المقدسيين في خطوة أولى لطرد شخصيات دينية ووطنية أخرى. والطرد الجماعي لسكان أحياء بالكامل، كما هو في حي البستان وحي وادي حلوة في سلوان وحي الشيخ جراح وأحياء أخرى[37].
وفي هذا السياق أصدرت السلطات الإسرائيلية قرارًا بإلغاء حق الإقامة في القدس الشرقية لأربع شخصيات فلسطينية، وهم ثلاثة نواب من حماس ووزير سابق في حكومة حماس، وذلك بحجة انتمائهم إلى “منظمة معادية”. وحددت السلطات للنائب محمد أبو طير يوم 25/6/2010 موعدًا لمغادرة المدينة بعد أن صادرت كل أوراقه الثبوتية، فيما حددت يوم 2/7/2010 موعدًا لمغادرة الثلاثة الآخرين.
وقد شكّلت قرارات الإبعاد هذه مثار قلق لعشرات الناشطين الفلسطينيين في القدس، خصوصًا أنها تزامنت مع إجراءات اسرائيلية أخرى مثل إبعاد ناشطين عن البلدة القديمة والحرم الشريف لفترات محددة (مثل منع الشيخ رائد صلاح من دخول القدس)، وتهديد شخصيات بالإبعاد بالطريقة نفسها في حال مواصلة نشاطها في القدس، وإقرار هدم أحياء سكانية بأكملها مثل حي البستان الذي يؤوي 1500 فلسطيني.
وقد شارك مئات المقدسيين في تظاهرة يوم 25/6/2010 بعد صلاة الجمعة في باحة الأقصى للتنديد بالقرار الإسرائيلي. ورددوا هتافات تضامن معهم وهتافات أخرى منها: “ياهنية ويا زهار… الأقصى في انتظار”. ونقلت وكالة فرانس برس عن الناطق باسم شرطة القدس شموليك بن روبي قوله: “نحن بانتظار أن يغادر أبو طير حدود دولة إسرائيل، وفي حال لم يغادر يوجد قانون في هذه الدولة وبناء عليه سنتصرف”[38].
ورغم أن قوات الاحتلال الإسرائيلية اتبعت منذ احتلال مدينة القدس عام 1967 سياسة تهدف إلى تعزيز الوجود اليهودي فيها وتقليص الوجود العربي عبر هدم آلاف المنازل، وحرمان سكان المدينة من البناء في غالبية مناطقها، ومصادرة بطاقات الإقامة من كل من يسكن خارجها، إلا أن الأشهر الستة الأخيرة من عام 2010 شهدت تصاعدًا في هذه السياسة. وفي نهاية ديسمبر 2010 قررت دولة الاحتلال إبعاد عدنان غيث (أمين سر حركة فتح في حي سلوان) لمدة أربعة أشهر لأسباب أمنية، ورغم محاولات غيث تقديم اعتراض على القرار لدى المحكمة الإسرائيلية المركزية، إلا أن طلبه بالاستئناف قوبل بالرفض[39].
وقد واجه المقدسيون سياسة طرد النواب والمواطنين العرب من المدينة، وخصوصًا من حي الشيخ جراح، بتدشين أسلوب خيام الاعتصام وتشجيع زيارات وفود التضامن سواء من فلسطينيي 48 أو من الشخصيات الفلسطينية المستقلة أو من المتضامنين الأجانب[40].
ويمكن الإشارة أيضًا إلى “عملية طرد صامتة تطال المقدسيين العرب حيث تقوم المؤسسات الإسرائيلية بالتضييق عليهم في خيارات التعليم؛ إذ يلاحظ أن المدارس في مدينة القدس غير مؤهلة للتدريس الجيد بسبب قِدمها. وقد منعت وزارةُ المعارف الإسرائيلية وبلدية القدس الإسرائيلية (منذ بداية العام الدراسي 2009-2010) التعليمَ المجانيَ للطلبة العرب في مدينة القدس، الأمر الذي سيحرم 30 ألف طالب وطالبة مقدسية من فرص التعليم والتحصيل العلمي. وبات نحو 5500 مقدسي دون إطار تعليمي رسمي. وفي ظل الحصار الاقتصادي الإسرائيلي على القدس، فإن الخيارات المالية باتت موصدة أمام الطالب والأسرة العربية هناك للتسجيل في مدارس خاصة، وتبعًا للسياسات الإسرائيلية المطبقة بحق قطاع التعليم من فرض للمناهج الإسرائيلية ومنع للتعليم المجاني، فإن حالة تسرب كبيرة ستحصل بين الطلبة العرب.
وفي هذا السياق تشير بعض الدراسات إلى أن نسبة تسرب الطلبة العرب في القدس قبل الوصول إلى المرحلة الثانوية بلغ نحو 50% في العقد الأخير، كما لوحظ أن ثمة هجرة قسرية من قِبل أسر وطلاب فلسطينيين من القدس إلى مدن وقرى الضفة الغربية للبحث عن فرص تعليم مجانية، مما يؤدي في نهاية الأمر إلى منعهم من العودة إلى مناطق سكناهم في محافظة القدس بالقانون الإسرائيلي بحجة الإقامة خارج القدس لأكثر من عام، وبالتالي الانقضاض على عقاراتهم ومنازلهم تحت مسميات مختلفة، ولتصبح بعد ذلك ملكًا لما يسمى “هيئة أرض وأملاك إسرائيل”[41].
ومن الممارسات العنصرية التي تلجأ إليها سلطات الاحتلال في إطار تهجير المقدسيين العرب من القدس، استصدار أوامر بهدم المنازل بحجة البناء غير المرخص. ولما كانت بلدية القدس الإسرائيلية لا تمنح إلا نادرًا رخصًا للبناء العربي، فإن المقدسي العربي يلجأ إلى البناء دون ترخيص، فتأتي السلطات الإسرائيلية لتطالب بالهدم، وتخيّر المواطنين ما بين هدم منازلهم بأنفسهم أو هدمها بواسطة جرافات الاحتلال، وإلزامهم بدفع تكاليف الهدم وما يرافقها من حراسة من قبل شرطة الاحتلال، الأمر الذي يرفضه المواطنين نتيجة التكلفة العالية لعملية الهدم مما يضطرهم إلى هدم منازلهم بأيديهم والتي تكون أقل تكلفة ماليًا، وتصل تكلفة الهدم أحيانًا إلى 12 ألف شيكل. وأشار تقرير وزعه المركز الإعلامي للأمم المتحدة في القاهرة 28/8/2010 إلى أن السلطات الإسرائيلية هدمت خلال الشهور السبعة الأولى من عام 2010 (24) مبنى سكنيًا لفلسطينيين في القدس الشرقية، ما أسفر عن تهجير 25 شخصًا، بالإضافة إلى 6 مبانٍ أخرى هدمت على يد أصحابها، وأدى ذلك إلى تهجير 22 شخصًا[42].
ورغم الضرائب الباهظة التي يدفعها عرب القدس الشرقية لبلدية الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن البلدية تستخدم هذه الضرائب في تمويل عمليات الاستيطان اليهودي في المدينة مقابل تشديد القبضة إزاء الاحتياجات السكنية للعرب. وتشير الدراسات إلى أنه على مدى ثلاثين عامًا من الاحتلال (1967-1997) بنت سلطات الاحتلال لليهود في القدس 70691 وحدة سكنية، بينما لم تبنِ للعرب سوى 600 وحدة كان آخرها عام 1977. هذا فضلا عن تقطيع تواصل الأحياء العربية بالوحدات الاستيطانية الجديدة، ومطالبة كل عربي يطلب ترخيص بناء على أرضه بالتنازل عن 40% من هذه الأرض لصالح بلدية الاحتلال[43].
ويمكن القول إن جهود إسرائيل لدعم استيطان اليهود المتطرفين في القدس الشرقية ومحيطها المباشر هي سلاح ذو حدين في الحقيقة؛ فهؤلاء يفرضون نمطًا من الحياة المتديّنة التي تنفّر اليهود العلمانيين من المدينة. ويحذّر رئيس بلدية الاحتلال في مدينة القدس نير بركات من تداعيات تراجع الأوضاع الاجتماعية في المدينة؛ فمنذ منتصف التسعينيات تضرّرت نوعية حياة الطبقة الوسطى- العليا في القدس، وبدأت أعداد متزايدة من اليهود بالهجرة من مدينة القدس إلى الضواحي وإلى المركز؛ “وبحسب بركات هناك نحو 17 ألف من السكان اليهود يتركون المدينة كل سنة، وتفقد القدس سنويًا ما بين ثلث الدرجة المئوية إلى نصفها من سكانها اليهود (..) كما أن هجرة الطبقة الوسطى- العليا من القدس ومغادرة الشباب المثقفين لها، جعل القدس في العقد الأخير أفقر مدينة في إسرائيل.
وخطورة هذا الواقع هو أنه جعل كثيرين في إسرائيل يقررون الاستسلام؛ إذ تزايدت الدعوات لتقسيم القدس بحجة أن الزمن يعمل لغير مصلحة اليهود. ولمواجهة هذا الوضع يدعو بركات إلى ضرورة حشد جميع القوى التي يملكها اليهود لإحداث تغيير اتجاه في القدس عبر وقف الهجرة السلبية منها؛ فالحفاظ على أغلبية يهودية في القدس مهمة قومية، مهمة الشعب اليهودي كله. ويقول بركات أيضًا: “لا يجب أن ينحصر الجدل العام في تقسيم القدس، بل كيف نبني، وكيف نقوي، وكيف نستثمر. من أجل ذلك يجب أن نجنّد أيضًا القطاع الخاص، والتكافل اليهودي، وموارد دولة إسرائيل، والموارد البلدية الضئيلة لأفقر مدينة في البلاد”[44].
ورغم ذلك، فإن بعض الدراسات العربية تحذّر من مستقبل الوضع الديموغرافي في القدس؛ “فقد وضعت مخططات إسرائيلية منذ فترة حكم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، تدفع إلى أن تصبح نسبة السكان اليهود في مدينة القدس بشقيها تتجاوز 88%، حتى تتراجع نسبة العرب إلى 12% خلال السنوات القليلة القادمة، عوضًا عن نسبة المقدسيين العرب الراهنة والتي وصلت في عام 2009 إلى 34% “[45].
3- أدوات تهويد جديدة/قديمة
كما أشير آنفًا تلجأ سلطات الاحتلال إلى حزمة واسعة من الأدوات لتهويد القدس وفلسطين، ومنها أدوات ثقافية ودعائية واقتصادية. وفي السطور التالية تحليل لما يمكن تسميته تهويد القدس عبر “سياسة المؤتمرات والاحتفاليات” التي تتم على مستويين؛ أحدهما تشجيع دولة الاحتلال لانعقاد المؤتمرات الدولية والعالمية في القدس، والآخر استغلال مشاركة إسرائيل في مؤتمرات دولية خارجية للترويج لفكرة “القدس الموحدة هي العاصمة الأبدية لإسرائيل”، وكلا المستويين يعكس وجهًا آخر في جدلية السياحي والسياسي والثقافي والاقتصادي في تهويد القدس.
ولذا فإن “سياسة المؤتمرات والاحتفاليات” ليست ابتكارًا لحكومة نتنياهو؛ فهي سياسة مستمرة ولها تاريخ طويل؛ فمنذ نشأة الحركة الصهيونية اعتمدت آلية المؤتمرات للتباحث بشأن القضايا الاستراتيجية التي تهم الحركة، وكان لافتًا أن موضوع الاستيطان في القدس تبوأ دائمًا مكانًا محوريًا في مؤتمرات الحركة الصهيونية منذ أن اعتمد المؤتمر الصهيوني الرابع الذي انعقد عام 1903 فلسطين مكانًا لإقامة الدولة اليهودية.
“ومنذ ذلك التاريخ سعت الحركة الصهيونية والمؤسسات المنبثقة عنها بكل ما في وسعها إلى إيجاد واقع جديد في القدس في سياق سياسة سكانية صهيونية مدروسة، تخدم الأهداف الأساسية للحركة الصهيونية، وبخاصة إقامة الدولة اليهودية وعاصمتها القدس الموحدة بحيث يكون الميزان الديموغرافي لصالح التواجد اليهودي. وقد سجلت عشرات التوصيات في مؤتمرات هرتسليا السنوية وغيرها من المؤتمرات والندوات الاستراتيجية في إسرائيل، التي تم التأكيد فيها على ضرورة وضع مخططات وسياسات إسرائيلية محكمة من أجل دفع العرب المقدسيين خارج أرضهم وتهيئة الظروف لإسكان عدد كبير من المستوطنين اليهود فيها من أجل الإخلال بالميزان الديموغرافي لصالح اليهود والإطباق على القدس في نهاية الأمر”[46].
وعلى سبيل الأمثلة المحددة لهذه المؤتمرات والاحتفاليات يمكن الإشارة إلى ما يلي:
1- في إطار احتفال شركة والت ديزني العالمية بدخول الألفية الثالثة أنشأت معرض “قرية الألفية” في فلوريدا؛ حيث شاركت فيه 24 دولة، من بينها إسرائيل. واستمر هذا المعرض من أكتوبر 1999 حتى مارس 2001. وكان ما أثار الجدل هو أن إسرائيل نظّمت جناحها في المعرض تحت شعار “القدس عاصمة إسرائيل”، وعرضت أفلامًا تزوّر تاريخ مدينة القدس وتعتبر أن الملك دواد جعلها أول عاصمة لأمة اليهود. وهو ما أثار غضب مسلمي الولايات المتحدة الأمريكية، وقامت “اللجنة الأمريكية للقدس” و”مسلمو أمريكا من أجل القدس” بمحاولات جادة لتصحيح هذا الوضع عبر تشكيل ائتلاف يمثل 14 منظمة لعرب ومسلمي الولايات المتحدة للاحتجاج على قرار شركة ديزني لاند بأن يكون شعار الجناح الإسرائيلي: “القدس عاصمة إسرائيل”. وبينما تخاذلت الجامعة العربية والأثرياء العرب عن اتخاذ موقف صارم لنصرة قضية القدس، كان الموقف الإسرائيلي حادًا حينما وصف في 29/9/1999 الاعتراضات العربية والإسلامية بأنها “ابتزاز سياسي ومرادف آخر للإرهاب، وتعبر عن رفض عربي لاحترام الإرث اليهودي في المدينة المقدسة”[47].
2- في إطار مؤتمرات المنظمة الصهيونية العالمية التي تنعقد كل أربع سنوات، انعقد المؤتمر الصهيوني العالمي الرابع والثلاثين في القدس 17-21 يونيو 2002. والمؤتمر هو الهيئة التشريعية للمنظمة أو ما تسميه الأدبيات الصهيونية “برلمان الشعب اليهودي الذي يحدد سياسات يهود العالم وبرامجهم”. وحضر المؤتمر 1200 مندوب وعضو رديف من 33 دولة، فضلا عن 300 مراقب من الناشطين الشباب. ومن بين 85 قرارًا للمؤتمر، جاء القرار رقم 52 خاصًا بالقدس مشيرًا إلى مركزيتها بالنسبة للشعب اليهودي، مما يفرض أهمية توجيه الهجرة اليهودية إلى القدس وتشجيعها، فضلا عن تدعيم موقعها العلمي والأكاديمي، إذ تحتضن الجامعة العبرية وعددًا آخر من المؤسسات العلمية والثقافية والتربوية المهمة، وذلك عبر توجيه الشباب اليهود من خارج إسرائيل لتلقي العلم في هذه المؤسسات في القدس، بالإضافة إلى دعوة الجمهور اليهودي في كافة أنحاء العالم إلى السياحة في القدس دعمًا لاستمرارية الوجود اليهودي فيها، وبما يدعم اقتصاد القدس خصوصًا في مجالات السياحة والطب والتقنية العالية والثقافة والتعليم العالي وتوسيع البنى التحتية ودعم القطاع اليهودي الخاص فيها. وهذا كله من شأنه أن يعزز وقوف الحركة الصهيونية وراء مطلب الحكومة الإسرائيلية والشعب اليهودي بصيانة وحدة القدس عاصمة لإسرائيل[48].
3- في 12 مايو 2010 بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي احتفالاتها السنوية بما يسمى “يوم القدس”، وهو ذلك اليوم الذي تزعم أنها نجحت في توحيد شطري المدينة فيه، لتكون مدينة واحدة وعاصمة أبدية لإسرائيل. وهو احتفال تنظمه تلك السلطات منذ عام 1967[49].
4- بالتزامن مع نهاية شهر رمضان لعام 1431هـ، أقدمت إسرائيل على عقد المؤتمر اليهودي العالمي الرابع عشر بالقدس 31/8/2010 إلى 1/9/2010، الذي اكتسب أهميته من ثلاثة جوانب؛ أولها طبيعة الشخصيات السياسية الإسرائيلية والدولية التي تحضره (وكان منهم شيمون بيريز الرئيس الصهيوني، ورونالد لورد رئيس الكونجرس اليهودي العالمي، وستانلي فيشر محافظ بنك إسرائيل، وتسيبي ليفني زعيمة حزب كاديما، وموشيه كانتور رئيس الاتحاد اليهودي الأوروبي، والكسندر موسكوفيتش مدير الاتحاد الأوروبي-الآسيوي، وخوسيه ماريا أثنار رئيس الحكومة الإسبانية السابق). وجميعها شخصيات تقدم رؤى واقتراحات لكيفية تدعيم دولة الاحتلال وسيطرتها على مدينة القدس. أما الجانب الثاني فيتعلق بجعل القدس مركزًا للقاء قادة الحركة الصهيونية ومركزًا أساسيًا للنشاط اليهودي الدولي. في حين يتعلق الجانب الثالث بالتبرعات التي يقدمها الممولون الدوليون الصهاينة في مثل هذا المؤتمر للجمعيات والمنظمات الإسرائيلية التي تعمل في مجال تهويد القدس والاستيلاء على عقاراتها وأراضيها[50].
5- في 20/10/2010 انطلق المؤتمر السياحي التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD في القدس الشرقية بحضور 28 دولة من أصل 33 أعضاء في المنظمة، رغم الخلافات التي دبت بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، بسبب انعقاده في القدس الشرقية. ورغم أن إسرائيل هي أحدث الدول انضمامًا إلى المنظمة (انضمت في 10/5/2010)، إلا أنها حرصت على استضافة أول مؤتمر تعقده المنظمة بعد ذلك مباشرة في عام 2010. وبدأ وزير السياحة الإسرائيلي ستاس ميسجينيكوف في توظيف انعقاد المؤتمر سياسيًا عبر تصريحه بأن عقد المؤتمر يعتبر اعترافًا بعاصمة إسرائيل (القدس الشرقية والغربية)، وأثار التصريح جدلا كبيرًا وأطلق خلافات مع السلطة الوطنية الفلسطينية التي دعت الدول الأعضاء إلى مقاطعة المؤتمر الذي تحوّل إلى عنوان للصراع السياسي على المدينة المقدسة، وطالبت السلطةُ منظمةَ التعاون الاقتصادي والتنمية بإلغاء انعقاد المؤتمر في القدس حتى لا تُفهم المشاركة فيه على أنها اعتراف دولي بسيادة إسرائيل في القدس، وهو ما أغضب إسرائيل التي عبرت عن أسفها لمحاولات السلطة تخريب المؤتمر لأن طلبها من أعضاء المنظمة مقاطعة المؤتمر لم يلقَ آذانًا صاغية. وإزاء هذا الخلاف قاطعت كل من بريطانيا وتركيا وإسبانيا المؤتمر، كما غابت كل من أيرلندا وأيسلندا لأسباب فنية. وبسبب ما أثارته تصريحات ميسجينيكوف أرسلت آنجيل جوريا الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية رسالة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تطلب فيها أن يقوم وزير السياحة الإسرائيلي بتصحيح المفاهيم الخاطئة التي أوجدها وأن يضع الاجتماع في منظوره الصحيح، وهو ما حدا بالوزير الإسرائيلي إلى التأكيد في رسالة إلى جوريا أن التصريحات التي أدلى بها لم تقصد جعل مسألة انعقاد المؤتمر في القدس قضية سياسية[51].
وكان كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات اتهم إسرائيل بالسعي لانتزاع اعتراف غير قانوني بضم القدس الشرقية، وذلك من خلال استضافتها هذا المؤتمر في القدس. وأعرب عريقات عن شكره لجميع الدول التي قررت الانسحاب وعدم المشاركة في هذا المؤتمر، مؤكدًا على عدم شرعية السيطرة الإسرائيلية على القدس. وقال إن عدم حضور الدول لهذا المؤتمر يحمل رسالة واضحة لإسرائيل مفادها أنها ليست دولة فوق القانون[52].
6- في الحفل الختامي لمؤتمر “مستقبل الشعب اليهودي” الذي انعقد في 22/10/2010 في المتحف الإسرائيلي في القدس، أكد بنيامين نتنياهو رئيس وزراء دولة الاحتلال إن إسرائيل تواجه تحديات لا تواجهها أي دولة أخرى في العالم، فهناك دولة في الشرق الأوسط (المقصود هي إيران) تبذل كل الجهود الممكنة لتطوير سلاح نووي لإبادتنا. والدفاع يكلّف مالا، الكثير من المال، ولا سبيل إلى الحصول على هذا المال إلا عبر اقتصاد قوي يستند إلى إنجازات المجتمع. وقال أيضًا: “لا أعتقد أن هناك مستقبل للشعب اليهودي بدون دولة إسرائيل، ولكن هذا المستقبل مرهون أيضًا بمدى التزام يهود الشتات نحونا كدولة. لقد اعتقد الشعب اليهودي أنه بإقامته دولة إسرائيل سينخفض مستوى العداء للسامية، لكن ذلك لم يحدث، بل إن معاداة السامية تحوّلت إلى عداء لإسرائيل، كما أن في الأجيال الجديدة هناك محاولات لتشويه صورة إسرائيل، والرد الوحيد على ذلك هو دولة يهودية قوية”[53].
والحقيقة أن جميع ممارسات التهويد التي تقوم بها سلطات الاحتلال بالتعاون مع المستوطنين ومؤسساتهم تطرح سؤالا جوهريًا يتعلق بإذا ما كان عام 2010 يمثل عامًا خاصًا في تهويد القدس بما يمثل نهاية لمرحلة حل الدولتين؟ وبداية مرحلة أخرى من صراع الأمة مع الاحتلال حول قضية القدس؟

خامسًا- الأمة وتهويد القدس: قراءة في نماذج من أنماط المقاومة وردود الأفعال:

يرصد التقرير هنا كيفية تفاعل دوائر الأمة المختلفة مع قضية القدس على مدار عام 2010 متدرِّجًا من الدائرة الفلسطينية المحيطة بالقدس مباشرة، وصولا إلى الدائرة الإسلامية باختيار تركيا نموذجًا لها، وستجري الإشارة إلى نماذج وشواهد من الحركة الثقافية/السياسية المضادة للاستراتيجية الصهيونية لتهويد القدس.

1- القدس والدائرة الفلسطينية:

أ- الجانب الفلسطيني الرسمي (سلطة الضفة الغربية)

واجهت سلطة رام الله على مدار عام 2010 تحديًا رئيسيًا تعلق باستمرار الاستيطان الإسرائيلي في القدس والضفة الغربية رغم استنئاف المفاوضات غير المباشرة في مارس 2010، ثم الانتقال إلى مفاوضات مباشرة اعتبارًا من 2/9/2010. وإزاء انسداد الأفق التفاوضي وعقم الرهان على أي ضغط أمريكي لوقف التغوّل الاستيطاني، كان ملاحظًا على نهج سلطة رام الله اللجوء إلى عدة إجراءات: التلويح بخيار الذهاب إلى مجلس الأمن للاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، توجيه انتقادات خجولة للموقف العربي بإلقاء اللوم ورمي كرة المسؤولية على الجانب العربي الرسمي في التقصير في مساندة قضية القدس، محاولة تأمين الاعتراف بالدولة الفلسطينية في بعض دول أمريكا اللاتينية، إدانة لفظية للممارسات الإسرائيلية التهويدية واستعداد عملي للتجاوب مع إسرائيل فيما تطلبه في غرف التفاوض المغلقة، تدشين حملات فلسطينية لمقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية، بما أدى إجمالا إلى توتر العلاقة بين سلطة رام الله وحكومة نتنياهو.
ومن الأمثلة على سلوك سلطة رام الله في هذا الصدد:
1- قبيل انعقاد القمة العربية في سرت أواخر مارس 2010 أوضح وزير الأوقاف الفلسطيني أن السلطة “طلبت إسنادًا سياسيًا وإعلاميًا لقضية القدس عبر استخدام العرب لعلاقاتهم الدولية ولغة المصالح بينهم وبين المجتمع الدولي، مثل المصالح التجارية والاقتصادية والعسكرية، بحيث تصبح جزءًا من تفاهمات وإجراءات على الصعيد الدولي”، كما “طلبنا إسنادًا اقتصاديًا، إذ لا بد من رفد صندوق الأقصى بأموال إضافية لا تنفق على استهلاك الغذاء والدواء، وإنما تنفق على إنشاء مرافق اقتصادية وتنمية مستدامة على صعيد الزراعة والسياحة والصناعة بهدف دعم الفلسطيني وتثبيته على أرضه”، كما “دعونا إلى إنشاء وقفيات عربية جديدة، بمعنى رصد أموال ومشاريع وقف ينفق ريعها على القدس والخليل والمقدسات الإسلامية في فلسطين من أجل تطويرها وتعزيز مكانتها”، مؤكدًا: “نحن نفتقر إلى مصادر تمويل دائمة”. ودعا العرب والمسلمين إلى شد الرحال إلى القدس والمسجد الأقصى، معتبرًا أن ذلك واجب ديني، وأن الأقصى يحتاج إلى أهله. وقال إن ذلك يبعث برسالتين مهمتين: “الأولى للفلسطينيين بأننا (كعرب ومسلمين) معكم، ولكم عمق عربي وإسلامي، والثانية موجهة إلى إسرائيل والمجتمع الدولي بأن القدس ليست فقط خطًا أحمر للفلسطينيين فقط، بل لهم وللعرب والمسلمين والمسيحيين، وأنها ليست متروكة وليست تراثًا يهوديًا بل إسلاميًا ومسيحيًا”. ونفى أن تكون هذه الدعوة تمثل تطبيعًا مع إسرائيل، معتبرًا أن زيارة السجين لا تعد تطبيعًا مع السجّان. وقال إن “الرسالة الأساسية هي أنه لا بد من أن نعزز صلتنا بالعرب والمسلمين، وأن يتم ذلك في الداخل الفلسطيني ومن داخل الحدود”، ومن خلال التضامن الشعبي في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، تمامًا مثلما يفعل المتضامنون الأجانب”[54].
2- قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس أثناء افتتاح مجمع فلسطين الطبي في رام الله في 8/8/2010 إنه يشعر بـ “الإحباط” بسبب ما سماه قلة الدعم العربي وعدم التزام الدول العربية بما وعدت به سابقًا الشعب الفلسطيني. وقال أبو مازن: “أريد أن أذكر أن مستشفى المقاصد (في القدس) يريد أن يتوسع ليكون لديه 250 سريرًا بدلا من 150 سريرًا، وهذا يحتاج إلى 10 ملايين دولار، وقمة سرت العربية أقرت 500 مليون دولار لدعم صمود القدس، ولذلك ذهبنا إلى الجامعة العربية للحصول على العشرة ملايين، تبين أنه ما في عشرة شواقل”. وأضاف أبو مازن أن “هذا محبط، لكن يجب علينا أن نعمل لتوسعة المستشفى، وسنوسِّعه بكل الوسائل، وسنطلب من الأغنياء الفلسطينيين التبرع لمساعدة أهلهم في بناء وطنهم”[55].
3- من الأمثلة على الإدانة اللفظية للممارسات الإسرائيلية التهويدية، ما قاله المتحدث باسم السلطة الفلسطينية نبيل أبو ردينة في يناير 2011 حينما أشار إلى إن إسرائيل “بهدمها فندق شيبرد (بيت المفتي) في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة دمّرت كل الجهود الأمريكية وأنهت أي احتمال للعودة إلى المفاوضات. والمطلوب من الإدارة الأمريكية حفاظًا على مصداقيتها أن توقف هذا العبث الإسرائيلي لأنه ليس من حق إسرائيل البناء في أي جزء من القدس الشرقية أو أي جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967”. أما ديمتري دلياني عضو المجلس الثوري لحركة فتح فقال إن عملية هدم الفندق “تشكل انتهاكًا جديدًا للحقوق الشخصية والوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني، كما أن مواصلة تنفيذ المشروع الاستيطاني الاستعماري في الأراضي الفلسطينية المحتلة في 1967 وخاصة في مدينة القدس دليل على إصرار حكومة اليمين المتطرف في دولة الاحتلال على تحدي المجتمع الدولي والقوانين والمواثيق الدولية”[56].

ب- المقدسيون العرب:

رغم ضعف إسناد سلطة رام الله للمقدسيين العرب، إلا أنه يجب الإشارة إلى جهود المقدسيين العرب وفلسطينيي 48 في الدفاع عن القدس والتشبث بحقوقهم فيها؛ فبمقدار الهجمة الإسرائيلية التي يتعرض لها حي الشيخ جراح، بمقدار ما ظهرت صلابة أهل هذا الحي المقدسي في الدفاع عن ممتلكاتهم وأرضهم، وبالذات عائلات الغاوي والحنون والكرد. حتى إن إحدى السيدات اللواتي تعرضن للطرد من منازلهن (أم كامل الكرد) باتت رمزًا لمقاومة أهالي الحي لسياسة الطرد والتهجير الإسرائيلية التي يتم تنفيذها بالتعاون مع الجمعيات الاستيطانية التي تكرس نفسها لمهمة استيطان القدس القديمة، وشراء العقارات فيها.
حكاية أم كامل الكرد ومعاناتها مع الصهاينة قديمة العهد، وتعود بداياتها لسنة 1972، أي بعد احتلال القدس الشرقية بخمس سنوات حيث بدأت تتعرض وزوجها وأبناؤها لمضايقات وتهديدات المستوطنين في القدس. وتطوّر الأمر عام 1999 إلى منع كافة أبناء أم كامل من السكن في دارهم أو حتى زيارته، وإن فعلوا يتم تغريم كل منهم ألف شيكل إسرائيلي. لاحقًا سلبها المستوطنون نصف دارها، وتركوا لها النصف الآخر يأويها مع زوجها المريض[57].
وفي عام 2008 بدأت شركة “نخلات شمعون” تشتري أراضي في حي الشيخ جراج بالبلدة القديمة، وفي 9/11/2008 طوّقت الشرطة الإسرائيلية الحي، وأخلت جميع المتضامنين الأجانب قبل أن تطرد أم كامل وزوجها المريض خارج المنزل. فقررت عدم ترك المكان، وبدأت في بناء خيمة إلى جوار بيتها المغتصَب، مستفيدة من الأرض المجاورة التي يملكها الناشط المقدسي كمال عبيدات.
ومع رفع الأمر إلى الصليب الأحمر أقرّ بقانونية بناء هذه الخيمة. وبدأت الخيمة تستقطب اهتمامًا إعلاميًا وسياسيًا حتى بات يزورها عشرات الشخصيات الفلسطينية والدولية أسبوعيًا (ومنهم الشيخ رائد صلاح والأب عطا الله حنا وأعضاء في البرلمان الأوروبي وأفراد من المتضامنين الدوليين وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني). وتولّى المحامي المقدسي حسني أبو حسين الدفاع عن قضية أم كامل الكرد، وذهب إلى الأرشيف العثماني في استانبول طالبًا من وزارة الخارجية التركية إمداده بتويثق مستندات الملكية من أيام العهد العثماني (الطابو) التي تثبت الملكية لعائلة الكرد المقدسية، والتي أصدرت بالفعل كتابًا يحمل الرقم 37 ويحتوي على إفادة الملكية.
ورغم هذا الدفاع القانوني السياسي الإعلامي المستميت، ورفع شعار “لن نرحل” على خيمة أم كامل الكرد، إلا أن الخيمة هُدمت سبع مرات ثم أعيد بناؤها، ودفعت أم كامل غرامة أربع مرات لإصرارها على إعادة بنائها. أما الإغراءات المادية للتنازل عن بيتها فوصلت إلى 15 مليون دولار، دون أن تقبل السيدة بالرحيل معطية دروسًا في صمود المرأة المقدسية ومقاومتها وتمسك الشعب الفلسطيني بأرضه وكرامته[58].

ج- فلسطينيو 48:

“بعد العزل الجغرافي المطبق للقدس عن الامتداد الطبيعي لها في الضفة الغربية، وتقطيع الضفة إلى معازل أو كانتونات، تمكّنت إسرائيل من ضرب بنية الحراك الشعبي والمقاومة الفلسطينية مستعينة بالسلطة الفلسطينية المحكومة باتفاقيات أوسلو وخارطة الطريق. وفي هذه الظروف برزت أهمية دور فلسطينيي 48 في المعركة على القدس، لتصبح قضية القدس على صدارة جدول أعمالهم؛ إذ اجتمعت “لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية” أواخر أكتوبر 2009 لمناقشة استراتيجيات العمل في القدس، خصوصًا مع إصرار سلطات الاحتلال على منع قيادات العمل الفلسطيني من دخول القدس أو الاقتراب من المسجد الأقصى”[59].
والواقع أن قيادات فلسطينيي 48 تظهر وعيًا وفعالية متزايدة في نصرة قضية القدس، بما يؤكد على عدة أهداف: أولها استثمار هامش الحركة المتاح أمامهم أكثر من فئات الشعب الفلسطيني الأخرى، وثانيها إظهار وحدة الشعب الفلسطيني وفشل السياسات الإسرائيلية في تقسيمه، وثالثها استثمار جامعية قضية القدس والدفاع عن المسجد الأقصى في تصعيد الحركة الوطنية لفلسطينيي 48 خصوصًا بتفعيل دور فئتي الشباب والأطفال، ورابعها محاولة تحريك البعدين العربي والإسلامي لنصرة القدس، وذلك عبر الظهور الإعلامي المكثف والمشاركة في الفعاليات الدولية المساندة للقضية الفلسطينية ولفك الحصار عن غزة (كما رأينا في مشاركة الشيخ رائد صلاح والنائبة حنين زعبي في أسطول الحرية مايو 2010).
وفضلا عن تحوّل الشيخ رائد صلاح إلى أحد رموز الدفاع عن الأقصى والقدس، يمكن الإشارة إلى زيادة دور مؤسسات فلسطينيي 48 في التصدي للسياسة الإسرائيلية. وفي هذا السياق تبرز ألوان من المقاومة الثقافية حيث نظّمت مؤسسة “البيارق لإحياء المسجد الأقصى” بالتعاون مع “مؤسسة الأقصى للوقف والتراث” مهرجان صندوق طفل الأقصى الثامن الذي انطلقت فعالياته في 10/7/2010 من باحة المسجد الأقصى، وشارك فيه نحو 20 ألف طفل قاموا بالتبرع للمسجد الأقصى بما جمعوه في حصالاتهم الصغيرة. كما شارك فيه أهل الأطفال وذووهم من الآباء والأجداد[60].
ومن جهة أخرى، دعت “مؤسسة الأقصى للوقف والتراث” في بيان لها صدر أوائل نوفمبر 2010 العالم الإسلامي والعربي والفلسطيني على المستويين الرسمي والشعبي للتحرك الفوري “لإنقاذ القدس والمسجد الأقصى المبارك من الأخطار الكبيرة التي تتهدده من قِبل الاحتلال الإسرائيلي”، وذلك على خلفية اتخاذ لجان التخطيط المختلفة في القدس المحتلة قرارات تتعلق بإقرار مخططات تهويد منطقة البراق ومحيطها. وقالت إن هذه القرارات “تدل دلالة واضحة على أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى تدمير منطقة البراق وتهويدها بالكامل، بدءًا من منطقة وادي حلوة مدخل بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، مرورًا بباب المغاربة في السور الجنوبي للبلدة القديمة بالقدس، كذلك في منطقة القصور الأموية في الجهة الغربية الجنوبية واستمرارًا للحدود الشرقية الغربية لحارة الشرف المصادرة، ووصولا إلى حائط البراق وباب المغاربة في الجهة الغربية من المسجد الأقصى المبارك، وانتهاء بأقصى غرب ساحة البراق، بالإضافة إلى الاستهداف الكامل للجهة الغربية من المسجد الأقصى على امتداد الجدار الغربي له”.
وجاء في البيان أنه تمت في مكاتب “لجنة التخطيط والبناء اللوائية” الإسرائيلية في القدس المصادقة على المخطط الشامل لتهويد منطقة البراق بمساحة تزيد عن 8000 متر مربع، وهو المخطط الذي سيتمّ من خلاله تنفيذ أعمال حفريات واسعة في سطح الأرض وفي أعماقها وإقامة إنشاءات فوق الأرض وتحتها منها مراكز دينية يهودية ومراكز عسكرية وشرطية وأبنية على طبقات ومواقف سيارات عامة تحت الأرض وحفر أنفاق عدة جديدة وربطها بشبكة الأنفاق الأخرى وتوسيع رقعة حركة السير ووصول السيارات ومواقفها حول الأقصى وغيرها من المشاريع.
وقال بيان “مؤسسة الأقصى” إن رؤية دقيقة لمجسم المخطط المذكور تؤكد أنه سيتم تدمير كامل للآثار العربية والإسلامية في المنطقة عبر الحفريات والأبنية التي ستقام لاحقًا، وتحويل هذه المنطقة إلى منطقة ذات طابع حديث أو طابع يهودي مزوّر. كما أن تسارع المصادقة على المخططات المذكورة ومشاركة أذرع المؤسسة الإسرائيلية وعلى رأسها مكتب رئيس الحكومة ووزارات أخرى “يعني أن المؤسسة الإسرائيلية اتخذت قرارًا استراتيجيًا بتدمير كامل لمنطقة البراق وتهويدها، الأمر الذي يستدعي تدخلا عاجلا على مستوى الحاضر الإسلامي والعربي والفلسطيني لأن الأمر لا يحتمل التأجيل”[61].

د- حكومة حماس وشعب غزة:

ربما يكون إسهام هذه الشريحة من الشعب الفلسطيني في نصرة قضية القدس محدودًا بالنظر إلى الحصار المفروض على قطاع غزة، فضلا عن العائق الجغرافي الذي يفصل عمليًا بين سكان القطاع ومدينة القدس.
وعلى أي حال، فإن حكومة غزة تتبنى خطابًا مبدئيًا بشأن القدس ومسائل أخرى مثل رفض الاعتراف بإسرائيل، بعكس حكومة الضفة التي تتبنى خطابًا ينحو إلى المرونة والتسويات والمفاوضات والخطوات الجزئية. ومع ذلك فإن كلا الطرفين يحاول كلما تزايدت وتيرة العدوان الإسرائيلي على القدس تحريك البعدين العربي والإسلامي لنصرة قضية القدس. ومن ذلك الدعوة التي أطلقها إسماعيل هنية رئيس وزراء الحكومة المقالة في غزة إلى عقد اجتماع عربي طارئ لدراسة وضع القدس وما يحيط بها من أخطار حيث تعيش المدينة المقدسة أخطر فترات منذ احتلالها”. إذ أشار البيان الصادر عن مكتبه إلى “الحاجة لوضع سياسات تحمي القدس وتعزز صمود أهلها، منددًا بالجرائم الاسرائيلية والتي كانت آخرها جريمة هدم فندق شيبرد التاريخي في حي الشيخ جراح شرقي القدس لأغراض استيطانية وهو ما يأتي ضمن عقلية الاحتلال التي تعمل على انتزاع القدس من عروبتها وإسلاميتها”. كما أكد هنية “أن كل المحاولات التي يقوم بها الاحتلال لن تنجح في تغيير التاريخ والجغرافيا، فنحن أصحاب الحق الأصليين، موجهًا نداءً لأهالي القدس يدعوهم فيه إلى المزيد من الصمود والتمسك بالأرض والتشبث بالمقدسات وعدم الانكسار أمام الموجة الإسرائيلية الجديدة”[62].

2- القدس والدائرة العربية:

أ- الجانب العربي الرسمي: تداعيات الخطاب الرسمي حول القدس والتسوية

لا مناص عند تحليل هذا الجانب من الإشارة إلى القصور العربي والإسلامي في مناصرة قضية القدس، وضعف القرار العربي والإسلامي، وعدم وجود خطط للتنفيذ ولتدعيم الوجود الفلسطيني العربي في القدس مثل تلك الموجودة عند الإسرائيليين، ومحدودية مساهمة المال العربي والإسلامي في دعم صمود المقدسيين العرب ودعم مؤسساتهم، ناهيك عن التعويل الزائد على نجاح عملية التسوية مع الإسرائيليين، بما يتجاهل حقيقة توظيف إسرائيل لها لتعزيز سيطرتها على القدس وأجزاء مهمة من الضفة الغربية.
إن هذه الأزمة لدى القيادات الفلسطينية والعربية في طرح قضية القدس في الخطاب السياسي، تعطي وزنًا خاصًا للخطابات غير الرسمية أي الصادرة عن الفعاليات الشعبية والعلمية والأمتية، وكذلك تعطي وزنًا مهمًا لخطابات الدول الإسلامية غير العربية، وخصوصًا دولتي تركيا وإيران.
ويشار هنا إلى أن هزيمة 1967 والثقافة التي أشاعتها (على مستوى الخطابات والتصريحات والبيانات والشعارات وأيضًا المراسلات الرسمية والمفاوضات السياسية)، قد أسهمتا في تحجيم مساحة القراءة الشاملة الوطنية والعربية والإسلامية والإنسانية لماهية قضية القدس؛ فقد قدمت الهزيمة صياغة تراجعية في رسم “جغرافية القدس”، وبات السؤال المشروع “عن أي قدس نتحدث؟ الشرقية أم الغربية؟ أم التي كانت مطروحة في قرار التقسيم (أي منطقة القدس ذات النظام الخاص الذي يجعل للمدينة كيانًا منفصلا (Corpus Separatum) تتولّى الأمم المتحدة إدارته”. كما أن التطورات اللاحقة في عملية التسوية منذ 1967 وحتى فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية في يوليو 2000، قد أدخلت مفردات ومفاهيم “قاموس التفاوض الإسرائيلي” إلى مضمون الخطاب الفلسطيني والعربي في قضية القدس[63].
إن هذه الحالة تجعل رد الفعل الرسمي العربي والإسلامي قاصرًا على توجيه المناشدات لما يسمى “المجتمع الدولي” الذي لا يمثل سوى اسم حركي للقوى الغربية المهيمنة على النظام الدولي، أو الإصرار على اللجوء إلى مجلس الأمن أملا في استصدار قرارات أخرى مؤيدة للحق العربي، أو ممارسة “سياسة انتظار” تحوّلت إلى إحدى أبرز سمات رد الفعل الرسمي العربي والإسلامي.
ومن الأمثلة على هذه السمات ما حدث في افتتاح ملتقى القدس الدولي الذي انطلق بالرباط 28/10/2010؛ حيث وجّه العاهل المغربي محمد السادس-الذي يرأس لجنة القدس- نداءً من أجل التحرك لإقامة تحالف عالمي بين كل القوى الملتزمة بالسلام والضمائر المؤمنة بقيم التسامح والتعايش لإنقاذ القدس المحتلة، مدينة السلام ومهد الأديان السماوية. وقال: “ندعو المجتمع الدولي وفي طليعته الرباعية الدولية والاتحاد الأوروبي للضغط على إسرائيل للتخلي عن ممارساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وحملها على العودة الفورية إلى طاولة المفاوضات والالتزام بالقرارات الأممية والاتفاقات المبرمة بين الأطراف المعنية، والعمل الصادق على إيجاد حل عادل ودائم ونهائي لهذا النزاع”. كما دعا إسرائيلَ إلى التخلي عن سياسة الضم والهدم، والمجتمعَ الدولي إلى التدخل الحازم لوقف الانتهاكات الآثمة والحفريات المشبوهة في مواقع متعددة بالحرم القدسي الشريف، مؤكدًا عزم المغرب مواصلة تقديم الدعم لأهالي القدس، وتنفيذ برامج عمل وكالة بيت مال القدس الشريف.
أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس فحذّر في كلمته أمام الملتقى من اشتعال “حرب دينية” في المنطقة نتيجة استمرار الممارسات الإسرائيلية في مدينة القدس والمقدسات فيها، واعتبر أن الوضع في القدس خطير للغاية وأنها أصبحت عنوانًا للمواجهة، مؤكدًا أنه إذا ما واصلت حكومة إسرائيل سياساتها وممارساتها بشأن تدمير إمكانات وفرص حل الدولتين، فإن الشعب الفلسطيني لن يعدم الخيارات والبدائل[64].
إن تحليل الخطاب الرسمي العربي حول القدس والتسوية يكشف عن اعتلال منهج التسوية العربي وزيف مفهوم “الاعتدال الصهيوني”، وفي هذا الإطار يشير أحد المفكرين إلى تأثير فكرة التسوية السلمية للصراع العربي-الصهيوني على قضية القدس؛ ففي الوقت الذي تصاعدت فيه أفكار التسوية بعد هزيمة العرب عام 1967، تصاعدت بالتوازي السياسات الإسرائيلية لتهويد القدس. ومن “اللافت للنظر في تاريخ تلك الفترة بين 1967 و1979 أنه كلما انجذب الموقف العربي الرسمي لمنطق التسوية السلمية، كلما ازداد تجرؤ الحكومات الإسرائيلية على تغيير الواقع القائم في القدس انتهاكًا لاتفاقيات جنيف واستخفافًا بقرارات الأمم المتحدة الصادرة عن كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن، وكذلك كلما زاد الدعم الأمريكي لهذه السياسة الإسرائيلية العدوانية، والعكس صحيح”[65].
ويبدو أن مراهنة بعض الأطراف الرسمية العربية على إمكانية التسوية مع إسرائيل ينبني في الواقع على تأجيل قضية القدس والاكتفاء بتسجيل الموقف العربي منها، لأنه لا حل لها لدى الإسرائيليين سوى أحد حلين؛ “الحل الديني” الذي يدور حول “تنازل” إسرائيل عن إدارة الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس الشرقية، وتحويل مسألة القدس إلى قضية تعبد وقداسة لإبعادها عن مدخل الأرض والسيادة، وهي مقاربة تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية.
أما الآخر فهو “الحل البلدي” الذي يقوم على إقامة شبكة مكونة من بلدات صغيرة تتمتع بحكم ذاتي محلي وميزانية خاصة فيما يعبر عن “السيادة الوظيفية” وليست “السيادة القانونية”. فيكون للفلسطينيين في هذه الأحياء سيادة تتعلق بممارسة وظائف وصلاحيات وأنشطة تحددها إسرائيل. ولا مكان في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي أو الممارسات العملية للحل الذي يطالب به الفلسطينيون والعرب تفاوضيًا، وهو أن تكون القدس الشرقية بكاملها عاصمة للدولة الفلسطينية المرتقبة، لأن ذلك يشكل هزيمة دبلوماسية كبرى لإسرائيل بتناقضه مع سياسة الدولة منذ عام 1967، فضلا عن تنافيه مع إجماع الرأي العام الإسرائيلي واحتمالات أن يثير ذلك انقسامًا داخليًا غير مسبوق في النسيج الإسرائيلي مما يؤدي إلى آثار بعيدة المدى على هوية الدولة اليهودية ومستقبلها السياسي[66].
أضف إلى ذلك أن معظم التسويات التي طرحت بشأن القدس لم تكن في المنظور الإسرائيلي سوى نقاط انطلاق تستفيد منها إسرائيل لإعادة بناء موقف جديد أقوى من سابقه، وهو أمر يشارك فيه المسؤولون الأمريكيون بترويجهم للأفكار الإسرائيلية تحت زعم أنها أمريكية أو نابعة من الوسيط الأمريكي وليست قادمة من الخصم الإسرائيلي نفسه. ويفسّر البعض هنا سر الإلحاح الإسرائيلي في اتفاقات أوسلو عام 1993 على تأجيل التفاوض حول القدس ومصيرها إلى المفاوضات النهائية، برغبة إسرائيل في أن يسلّم الجانب الفلسطيني (ومن ورائه العربي والإسلامي) بفصل قضية القدس عن سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإبعاد القدس عن أي التزامات يمكن أن تتعهد بها إسرائيل من جراء عملية التسوية مثل: تجميد الاستيطان، أو وقف نهب الأراضي ومصادرتها[67].
ويبدو أن الدافع العربي الثاني للاعتقاد بإمكان نجاح تسوية ما مع إسرائيل يتعلق بأن عملية التفاوض ستخلق بالتدريج اتجاهًا إسرائيليًا “معتدلا” يقبل بتسليم القدس الشرقية للفلسطينيين كحل نهائي للصراع العربي-الإسرائيلي. وهو ما يسهل تفنيده عبر عدة حجج؛ أولها أن مسألة بقاء القدس موحدة عاصمة لإسرائيل تعكس إجماعًا صهيونيًا، حتى لدى حركات السلام وأحزابه مثل ميرتيس أو غيره[68].
ورغم النهج العربي والفلسطيني المفرط في البراجماتية، لم تسفر المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية عن نتيجة تذكر، رغم انعقاد ما يزيد على ستين لقاءًا تفاوضيًا منذ مؤتمر أنابوليس أواخر نوفمبر 2007 حتى ما قبل شن إسرائيل لحربها على غزة نهاية ديسمبر 2008. وبرزت في هذا السياق الرؤية الإسرائيلية الاستراتيجية للتسوية -كما عرضت في قمة كامب ديفيد الثانية يوليو 2000 وفي أغلب اللقاءات التفاوضية بعدها-، والتي تقوم (أي الرؤية) على اقتسام الضفة الغربية، والإصرار على بناء المستعمرات، وتوسيع المطالب الإسرائيلية في اتجاه القدس[69].
ورغم أن جزءًا من اللوم يمكن أن يوجّه للمفاوض الفلسطيني، إلا أن كثيرين يعتقدون أن الفعل العربي والإسلامي الرسمي لا زال بالغ المحدودية مقارنة بمتطلبات الرد على الفعل الإسرائيلي. ومن الشائع في هذا السياق أن تجري المقارنات بين جدية الآخر في التخطيط والالتزام، في مقابل تراخٍ عربي وإسلامي لا يتناسب مع خطورة المرحلة التي تمرّ بها القدس من عمليات الاستيطان والتهويد.
ويشير البعض هنا إلى ” أنه في عام 1985 أنشأت الحركة الصهيونية غير اليهودية ما يسمى “السفارة المسيحية الدولية من أجل القدس” ووضعت برنامجًا لعملها وللأهداف التي تريد تحقيقها. وقد سميت “سفارة” لأنها أقامت قنصليات في أغلب دول العالم لجمع التبرعات لمشاريع استيطانية في القدس، ولجمع أموال من أجل تمويل بناء “الهيكل” على أنقاض المسجد الأقصى، ولجمع الأموال من أجل شراء الأراضي داخل القدس تحديدًا، ولممارسة الضغوط السياسية على صانعي القرار في الدول التي توجد فيها هذه القنصليات فيما يتعلق بالقدس والضغط على هذه الدول للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، إلى غير ذلك من الأهداف، ولا تكاد توجد مادة واحدة من مواد برنامج “السفارة المسيحية الدولية من أجل القدس” لم تنفذ منذ العام 1985 حتى اليوم.
وفي المقابل عقدت القمة الإسلامية بالطائف عام 1989، وقررت تشكيل “لجنة القدس” وعهدت إليها بوضع استراتيجية لتحرير القدس، ومن حق الجميع اليوم أن يتساءلوا عما حققته هذه اللجنة وكافة المؤسسات الرسمية الإسلامية في نصرة القدس؟ باستثناء عقد الاجتماعات وإصدار البيانات التي لا تغني شيئًا في مواجهة مشاريع تهويد القدس، ويكون علينا دائمًا الانتقال من التعامل مع الأمر الواقع السابق إلى الأمر الواقع التالي”[70].
وفي نهاية البعد العربي الرسمي في قضية القدس تجدر الإشارة أيضًا إلى أن بعض التحليلات الصحفية انتقدت تقصير أغلب الدول العربية في نصرة مدينة القدس وأهلها المرابطين وتذكير الشعوب العربية بمأساة المدينة تحت الاحتلال في ذكرى “يوم القدس العالمي” الذي احتفلت به إيران في 3/9/2010 عبر إطلاق مظاهرات غاضبة في مختلف المدن الإيرانية يشارك فيها سنويًا مئات الآلاف من الإيرانيين مرددين شعارات معادية للصهيونية ويجري فيها حرق العلمَين الإسرائيلي والأمريكي.
وإذا كانت الحكومات العربية غاضبة بسبب خطف إيران لقضية فلسطين والقدس، فلماذا لا تبادر بدعوة شعوبها إلى التضامن مع القدس في يومها العالمي عبر إطلاق مظاهرات وفعاليات تؤكد وحدة الأمة في الدفاع عن القدس بعيدًا عن الاعتبارات الطائفية والمذهبية المرتبطة بأن الذي دعا إلى هذا الاحتفال السنوي هو آية الله الخميني. وكان هذا سيكون أفضل من الانشغال العربي الرسمي بتوفير الغطاء للمفاوضات الفلسطينية -الإسرائيلية المباشرة، ودعم الجهود الأمريكية لإطلاقها وفق الشروط والمواصفات الإسرائيلية. والمفترض أن العرب أحق من غيرهم بالاحتفال بيوم القدس العالمي وإظهار التضامن مع المقدسيين العرب المدافعين عن المدينة؛ بدل مقاطعة هذا اليوم الهام، الذي يبرز أهمية قضية القدس وإمكانية أن تكون عنصر توحيد للأمة ولكل المسلمين، والعمل على تحرير القدس ومساندة أهلها في كفاحهم للحفاظ على هويتها[71].

ب- تفاعلات الجانب العربي غير الرسمي مع قضية القدس:

رغم صعوبة نفي التقصير عن الأمة في نصرة قضية القدس، إلا أن الاهتمام الشعبي بهذه القضية على الصعد الفلسطينية والعربية والإسلامية يشهد تصاعدًا ملحوظًا. ولعله يمكن تفسير تصاعد هذا البعد الشعبي والمدني بتراجع اهتمام السياسات العربية الرسمية بقضية القدس، التي تركت أمر هذه القضية لما تسفر عنه المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية. ومن ثم يكون من المعقول أن نفسِّر تصاعد دور القوى غير الرسمية (أو المدنية) بعجز القوى الرسمية العربية عن تقديم المساندة المطلوبة للمؤسسات المقدسية والمقدسيين العرب[72].
وفي هذا الإطار دعا بعض رجال الدين إلى لقاء سني- شيعي لمعالجة قضية القدس؛ ففي تصريح له في 24/3/2010 دعا المرجع الشيعي محمد حسين فضل الله “المرجعيات الدينية بعامّة، والإسلامية على وجه الخصوص، إلى أخذ زمام المبادرة، والعمل للقاء وحدوي عام يجمع السنّة والشيعة في لقاء تاريخي حاسم يكون عنوانه بحث قضية القدس فقط، لتعرية الأنظمة من جهة، ولشحذ همَّة الشعوب من جهة أخرى”. وقال إن الهدف من اللقاء هو “إيجاد آليات عملية إسلامية هادفة إلى دعم الشعب الفلسطيني، ومنع اليهود المغتصبين من تهديد بقية المواقع واغتصابها، وخصوصًا الأقصى الشريف”[73].
وضمن تفاعلات الجانب العربي غير الرسمي مع قضية القدس يمكن الإشارة هنا إلى عدد من المؤتمرات والأنشطة التضامنية في عام 2010:
– بالتزامن مع افتتاح معرض الرياض الدولي للكتاب لعام 2010، الـذي تنظمه وزارة الثقافة والإعلام السعودية، افتتح أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز ورئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان في الرياض في 9/3/2010 معرض “القدس الشريف وفلسطين” الذي ينظمه مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. وعقب الافتتاح، تجوّل أمير منطقة الرياض ورئيس وزراء تركيا في المعرض الذي يهدف إلى إبراز المعالم الحضارية والتاريخية والثقافية لمدينة القدس، في محاولة للتنبيه إلى الممارسات الإسرائيلية التي تحاول طمس الهوية الحضارية وتزوير التاريخ لمدينة القدس خصوصًا، وفلسطين عمومًا. واشتمل المعرض على مجموعة من الوثائق والطوابع التذكارية والعملات المعدنية والورقية والخرائط والمخطوطات فـي مـواضـيع علمية مختـلـفـة كتبت في فلسطين أو تحدثـت عنـها، إضـافةً إلـى مجموعة من الأشغال اليدويـة الفلسطينية، وبـعـض الكتب التي رصدت تاريخ القـضـية من جــوانـبـها المختلفة[74].
– قيام لجنة القدس باتحاد الأطباء العرب بتنظيم دورة المعارف المقدسية في القاهرة تحت رعاية جامعة الدول العربية في 11- 12 أبريل 2010[75].
– إطلاق لجنة القدس باتحاد الأطباء العرب حملة لنصرة الأقصى والمقدسات في رمضان بعنوان “بالأقصى ألم ومن رمضان الأمل” في أغسطس 2010، وقد استهدفت الحملة ربط الصائمين بالمسجد الأقصى وإبراز ما يتعرض له من تهديدات صهيونية تستهدف المسجد ورموزه وأهل القدس، ومنها حملة “كلنا رائد صلاح” تضامنًا مع الشيخ المعتقل بسبب دفاعه عن الأقصى والتعريف به وبقضيته. كما استهدفت الحملة أعمالا إعلامية باستخدام الشبكة العنكبوتية -الانترنت- مثل حملات البريد الإلكتروني وإنشاء المجموعات على الـ”فيس بوك”، كما تضمنت أيضًا إصدار بعض المطبوعات التعريفية بالمسجد ومنها بوستر كبير للتعريف بمعالم المسجد الأقصى وحدوده وإمساكية رمضانية عبارة عن كتيب يحتوي على ثلاثين معلومة تتعلق بالقدس والأقصى وثلاثين آية قرآنية كريمة وحديث نبوي عن فضل بيت المقدس[76].
– انعقاد ملتقى الأقصى السنوي الثاني عشر الذي تنظمه جمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت تحت رعاية د.عبد الله معتوق المعتوق تحت عنوان: “ملامح مشروع التهويد والتثبيت في القدس” من 26-28 أكتوبر 2010، على مسرح الجمعية في منطقة الروضة[77].

ج- القدس في خطاب حركات المقاومة: حزب الله نموذجًا

دفع ضعف الخطاب الرسمي العربي من قضية القدس بحركات المقاومة والتحرر الوطني في لبنان وفلسطين لإبرازها في كثير من المناسبات والخطابات؛ إذ بات حضور قضية القدس في خطاب حركات المقاومة أكثر من واضح؛ ففي احتفال يوم القدس العالمي في بيروت 3/9/2010، أشار الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إلى أن “يوم القدس هو يوم إعلان الثابت العقائدي الإنساني القانوني التاريخي الحقيقي، الذي ما عداه هو كذب وتضليل وتزوير وتحريف للتاريخ والحقائق. هذا يوم لإعلان أن القدس لا يمكن أن تكون، ولا شارع من شوارعها ولا حي من أحيائها، أن تكون عاصمة لدولة تسمّى إسرائيل. القدس هي عاصمة فلسطين، وكما نقول هي عاصمة الأرض وعاصمة السماء بمعنى من المعاني (..) ويوم القدس أيضًا هو مناسبة عالمية لتسليط الضوء على ما تتعرض له القدس وفلسطين وشعب فلسطين، ما يتعرض له المسجد الأقصى من مخاطر نسمع بها في كل يوم، ما تتعرض له القدس كمدينة مقدسة بمقدساتها الإسلامية والمسيحية من تهويد، ما يتعرض له سكان القدس من تشريد وطرد وهدم منازل ومصادرة أراضٍ، ما تتعرض له الضفة الغربية من زحف استيطاني لن توقفه حتى المفاوضات التافهة التي بدأت في 2/9/2010، ما تتعرض له أراضي ال 48 من محاولة أمريكية إسرائيلية غربية لفرضها دولة يهودية صافية، ما تتعرض له غزة وأهلها وشعبها من حصار وتجويع وظلم، وما يتعرض له ملايين الفلسطينيين الذين هُجِّروا من ديارهم وأرضهم وحقولهم في الشتات”[78].
ولم يفت نصر الله ربط ذكرى يوم القدس العالمي بإعلان استئناف المفاوضات المباشرة في واشنطن وقبله الإعلان الأمريكي عن سحب جزء من قواتها في العراق في أغسطس 2010، كما اهتم نصر الله بإبراز أن عددًا من القيادات الفلسطينية أشاروا إلى “الخيبة الكبيرة من سبعة عشر عامًا من التفاوض”، فـ”المفاوضات مع هذا العدو الإسرائيلي بالتحديد المستعلي والمستكبر والطاغي والمستبد الذي يمتلك هذا المستوى من التأييد الأمريكي والغربي، ليس لها نتيجة سوى إعطاء المزيد من الحياة والعمر والشرعية التي ليست شرعية لهذا الكيان ولهذا الاحتلال”[79].

وقبل الانتقال إلى تفاعلات دولتي الجوار الحضاري المسلمتين مع قضية القدس، تجدر الإشارة إلى ملاحظة أساسية تتعلق بالدائرة العربية، ألا وهي أن تفاعلاتها تبقى أكثر تأثيرًا على القضية الفلسطينية من تفاعلات تركيا وإيران. صحيح أن العرب يعانون وضعًا استراتيجيًا صعبًا يتبدى في وهن الداخل ومحدودية البدائل الخارجية، بيد أن أي تحرك يقومون به يبقى مهمًا بحكم أهمية البعد العربي في القضية الفلسطينية.
وعلى سبيل المثال، يمكن التأمل في الإخفاق في كسر الحصار عن غزة طيلة عام 2010 رغم الجهود الجبارة التي بذلتها تركيا حكومة ومجتمعًا مدنيًا وهيئات في هذا الصدد عبر تسيير أسطول الحرية في مايو 2010. ولربما كانت النتيجة ستكون مختلفة لو انضمت الدول العربية الكبرى الثلاث (مصر وسوريا والسعودية) لدعم الجهود التركية في هذا الصدد.
وباختصار فإن أي استراتيجية إقليمية تركية-إيرانية لنصرة قضية القدس أو رفع الحصار عن غزة، لا يمكنها أن تحقق الكثير دون إسناد عربي رسمي وشعبي. وبقدر ما هو إيجابي أن يتطور الموقفان التركي والإيراني من قضية فلسطين، بقدر ما تبقى مواقف الدائرة العربية على الصعيدين الرسمي والشعبي حَكمًا مهيمنًا على الاستفادة الحقيقية لفلسطين من هذا الدعم الإقليمي-الإسلامي.

3- القدس والدائرة الإسلامية: (تركيا نموذجًا)

أ- الموقف التركي الرسمي

تسجّل المواقف التركية من القضية الفلسطينية حضورًا متزايدًا خصوصًا بعد حرب غزة 2008-2009 والمشادة الكلامية التي حدثت في منتدى دافوس بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الكيان الصهيوني شيمون بيريز. ولا يبدو غريبًا في هذا السياق أن يتقدم الخطاب التركي من القضية الفلسطينية وقضية القدس أغلب الخطابات الرسمية في العالمين العربي والإسلامي. ومن الملاحظ أن المدن التركية بدأت تشهد في السنوات الأخيرة تصاعدًا في الأنشطة المحلية والفعاليات المدنية العالمية المساندة للقضية الفلسطينية.
“ورغم الحملة الشرسة لإسرائيل واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية على سياسة حكومة أردوغان، ومحاولة الانتقام منها من خلال الضغط على الكونغرس لاعتبار المجازر ضد الأرمن في سنة 1915 “إبادة”، فإن أنقرة لم تلِن في مواقفها الفلسطينية. فقد وصف أردوغان القدس في مؤتمر القمة العربية في سرت 27/3/2010 بأنها “قرة عين المسلمين”، ووصف محاولات إسرائيل لتهويد القدس بأنها “جنون”، بل إنه مضى شخصيًا إلى التهديد (في حفل افتتاح القناة الفضائية التركية باللغة العربية في استانبول في 4/4/2010) بأنه إذا ما استمر الحريق في غزة وتلبُّد الغيوم السوداء فوق القدس، فإن تركيا لن تبقى من دون ردة فعل، كما أنه قام بعد ذلك بأيام، باتهام إسرائيل من باريس بتدمير عملية السلام”[80].
لقد تحوّل رئيس الوزراء التركي بفضل خطابه السياسي ودفاعه عن فلسطين وانتقاداته اللاذعة للسلوك العدواني الإسرائيلي تجاه فلسطين والمنطقة، إلى واحد من عالم أشخاص القدس في عامي 2009/2010. وفي هذا السياق اعتبرت بعض التحليلات أن أردوغان ضرب -في قضية القدس- على وتر استعادة الهيبة التي ستعيد كل شيء مفقود من الكرامة والقدس والأحجار والزيتون والأرض؛ فالقضية “ليست في احتلال القدس وتدنيسها، بل احتلال الهيبة (..) لقد أخرج أردوغان أولا قضية فلسطين من احتكار الحاضنة العربية التي ربما تحوّلت أحيانًا إلى زنزانة بدلا من حاضنة حنون.
أسلمها بطريقة المسلم العصري، وليس كما فعل معها أحمدي نجاد بطريقة المسلم “الحصري”! أرسل أردوغان إلى العالم رسالتين؛ إحداهما أن فلسطين ليست قضية العرب وحدهم، بل هي أوسع من ذلك. والأخرى أن إسرائيل ليست عدوة العرب وحدهم، بل هي أبشع من ذلك. إسرائيل تهديد لاستقرار وأمن الشرق الأوسط الذي تسعى تركيا أردوغان لتهذيبه وتنميته، في ثنائية عصرية قيميّة أخّاذة. أعلن أردوغان، في منتدى دافوس أواخر يناير 2009، أمام الميكروفونات والكاميرات أن الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، الذي يجلس في الكرسي المجاور، هو سفاح أطفال ونساء غزة، ثم حمل أوراقه وخرج. وبذا أشاع مفهومًا جديدًا للمقاطعة… المقاطعة الإيجابية لا السلبية الخاملة”[81].
ويمكن الإشارة في عام 2010 إلى مناسبتين على الأقل كان الخطاب التركي فيهما لافتًا؛ إحداهما أمام القمة العربية في سرت أواخر مارس 2010؛ فقد حذّر أردوغان في كلمته، من أن “احتراق القدس معناه احتراق الشرق الأوسط وعدم إرساء السلام في عالمنا”. واعتبر إعلان إسرائيل القدس عاصمتها “جنونًا”. وقال إن “مصير استانبول لا يختلف عن مكة المكرمة ولا عن مصير القدس… تاريخنا وعقيدتنا لا يجعلان منا أصدقاء، بل إخوة أشقاء”، وانتقد الحصار الإسرائيلي على غزة[82]. ولربما ذهب أردوغان في خطابه إلى إغضاب الأمريكيين والإسرائيليين بإشاراته المتكررة إلى القدس وغزة وفلسطين وضرورة إنشاء تحالفات عربية-تركية لصنع المستقبل والسلام وتحرير الشعب الفلسطيني لكي يعود إلى الحياة الطبيعية[83].
أما المناسبة الأخرى فتمثلت في تصريحات أردوغان عند زيارته لبنان أواخر نوفمبر 2010 عندما استنكر الممارسات الإسرائيلية، قائلا: “هل ستدخل (إسرائيل) أرض لبنان بأحدث الطائرات والدبابات وتقتل الأطفال والنساء وتهدم المدارس والمستشفيات، وبعدها تطلب منا أن نسكت؟ هل تستخدم أحدث الأسلحة والقنابل الفوسفورية والعنقودية وتدخل غزة وتقتل الأطفال الذين يلعبون في المزارع وبعدها تطلب منا أن نسكت؟ هل تقوم بالقرصنة في البحر المتوسط وتقوم بإرهاب دولي وتقتل تسعة من المواطنين المعصومين الأتراك الذاهبين إلى غزة، وبعدها تطلب منا أن نسكت؟ لن نسكت، وسنقول بكل إمكاناتنا إننا مع الحق”.
وأضاف قائلا: “إن لم تكن هناك سيادة للحق والقانون فما أهمية المال؟ إن كانت هناك سيادة للحق تكون للأموال قيمة، وهي تكسب قيمتها مع الحق. لذلك نحن في هذه الجغرافيا نريد أن يسود الحق في المنطقة وليس القرصنة، نريد أن يسود السلام في منطقة الشرق الأوسط، لا نريد أن يُقتل الأطفال، بل نريد سيادة الرفاهية والاستقلالية في هذه المنطقة، ولا يحاول أحد أن يذهب إلى معان أخرى”.
وقال أردوغان “كنا في استشارة مع دول الجوار، وتركيا تهتم دائمًا بمصالح دول الجوار كما تهتم بمصالحها، ونحن نبذل ما في وسعنا من أجل السلام، لذلك سنستمر في المطالبة بالسلام لبغداد وبيروت وغزة والقدس”. وقال: “نحن وعلى رغم كل التحريضات، إذا استمرينا في الدفاع عن الحق ولم نحد عن هذا الطريق فإن العالم سيستمع إلينا ويؤيد موقفنا ضد الظلم، نحن نعيش في عالم تناقص فيه الشعور بالعدالة إلى مستوى كبير، وبالتوازي مع التفاوت الحاصل في مستوى الرفاهية. ونرى أن هذه الصورة المتناقضة تشكل تناقضًا جديًا في ما يتعلق بالمستقبل، ونريد من العالم المتطور أن يؤمن بهذا الموضوع ويهتم به”[84].
ورغم وضوح هذه الشحنة القيمية-المبدئية في السياسة الخارجية التركية في عهد أردوغان، ورغم هذا التطور في الخطاب السياسي التركي الذي بات يتقدم على نظيره العربي بمراحل، إلا أن بعض التحليلات العربية لا تزال تراهن على أدوار عربية في القضايا الاستراتيجية العربية، وفي مقدمتها قضية القدس؛ إذ ترى هذه التحليلات أن الدور التركي في التعامل مع التصعيد الإسرائيلي لا زال محصورًا في “المستوى اللفظي”[85].

ب- الموقف التركي غير الرسمي

أحيت تركيا يوم القدس العالمي عام 2010، وفي هذا الإطار تشير بعض الدراسات إلى أنه منذ سنة 1987 أصبحت تظاهرات إحياء “يوم القدس العالمي” حدثًا سنويًا في مدن الأناضول كافة، ولا سيما في الجنوب والشرق حتى بدأت تصل في عام 1997 إلى قرى قريبة من أنقرة ذاتها. وتبدأ الأنشطة التي تنعقد في ذلك اليوم بتلاوات من القرآن الكريم ثم يجري التنويه بأهمية مدينة القدس في إطاري الإسلام والتاريخ العثماني، ثم يدعو المشاركون إلى نظام عادل ويتعهدون بالعمل لأولئك الذين يحققون العدل في الداخل والخارج، وتختتم الأنشطة بعزف النشيد العسكري العثماني لتعميق المشاعر الدينية[86].
وفي إطار الأنشطة المحلية والفعاليات العالمية المساندة للقضية الفلسطينية انعقد “المؤتمر الشعبي العالمي لنصرة فلسطين” في مدينة إستانبول بحضور خمسمائة شخصية، من بينهم عدد من الشخصيات الغربية. وفي الجلسة الختامية لهذا المؤتمر قال الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في 23/5/2009: “أدعو الله عز وجل أن أؤم المسلمين في المسجد الأقصى الأسير، وأن يمد الله في عمري حتى أشهد هذا اليوم”، غير أنه تابع قائلا: “أنا أحرِّم زيارة الأقصى الآن وهي في يد الاحتلال، نريد زيارتها محرَّرة، وأنا متفائل أن يعود الأقصى قريبًا”.
وكان واضحًا أن العلماء المشاركين في المؤتمر يعارضون الدعوة التي أطلقها وزير الأوقاف المصري د.محمود حمدي زقزوق، الذي دعا إلى زيارة القدس للوقوف بجوار المقدسيين ودعمهم، بينما رفض شيخ الأزهر السابق د.محمد سيد طنطاوي، والبابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، تلك الدعوة التي ما زالت تثير درجة من الجدل على الساحة الفقهية والسياسية في عدد من البلدان الإسلامية.
وأكد د.علي محيي الدين القره داغي، أستاذ ورئيس قسم الفقه والأصول بكلية الشريعة بجامعة قطر أن زيارة القدس في الوقت الحالي محرّمة، لأنها مرتبطة بإذن السلطات الإسرائيلية والحصول على تأشيرة منها، وهو ما يكرس التبعية للاحتلال، ويعد نوعًا من أنواع التطبيع. وقال إن منع الزيارة أيضًا يأتي من باب سد الذرائع، مخافة أن ينسى المسلمون قضيتهم إذا زاروا الأقصى، خصوصًا أن الاحتلال سيستغل الزيارة للترويج لتدويل قضية القدس، وتأكيد ادعاءاتهم أنهم يفتحون أبواب الزيارة لكل من شاء، وهذا سيؤدي للتطبيع النفسي، ومع مرور الزمن ينسى المسلمون القدس. ولذلك فإنه من الجانب الشرعي لا يجوز زيارة القدس؛ لأننا في حالة حرب حقيقية مع الكيان الصهيوني[87].
كما شهدت الجلسة الختامية للمؤتمر إعلان د. علي بادحدح، الأستاذ بجامعة الملك عبد العزيز عن انطلاق فعاليات حملة جديدة في الذكرى الحادية والأربعين لاحتلال القدس التي يحل موعدها في 7/6/2009، ومن أنشطتها تأسيس لجنة “نساء من أجل فلسطين” حملة “قدسنا” تهدف لتوعية الأطفال بقضية القدس، التي أصدرت عددًا من المطبوعات بهذا الشأن.
وعبر البيان الختامي للمؤتمر عن رفض فكرة يهودية الدولة التي تضعها الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو شرطًا لاستئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، وقال إن هذه الدعوة “تعبير عن النموذج العنصري لدولة الاحتلال في فلسطين، وهو مسعى لتهجير من تبقى من الفلسطينيين، ومحاولة لقطع الطريق على إنفاذ حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم”. وطالب البيان “الأطراف الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية كافة، بالعمل الفاعل على إنفاذ حق العودة الفلسطيني والتمكين له”. كما حث البيان القيادة التركية على رعاية حوار بين الفصائل الفلسطينية يحقق المصالحة الوطنية، منوهًا “آن الأوان لقيام الدول الإسلامية بتحقيق طموحات شعوبها في نصرة فلسطين”[88].
وفي سياق التفاعلات التركية الراهنة والمستقبلية مع قضية القدس، تبرز مسألة بالغة الأهمية ألا وهي المتعلقة بالإمكانيات التي يمكن أن يوفرها الأرشيف العثماني في تدشين وتدعيم نضال قانوني/مدني/سياسي يدعم الحق الفلسطيني في مدينة القدس وملكياتها وأراضيها. وتشير إحدى الدراسات النادرة في هذا السياق إلى أهمية استخدام الوثائق العثمانية للدفاع عن حقوق الفلسطينيين في القدس، وخصوصًا فيما يتعلق بالسجل العقاري العثماني (الطابو) وسجلات المحكمة الشرعية في القدس[89].
ففي مقابل تجاهل كل من بريطانيا وإسرائيل (الدولتين اللتين احتلتا فلسطين منذ مطلع القرن العشرين) لتسجيل أراضي القدس وملكياتها العقارية، “عملت الدولة العثمانية على إصلاح أنظمتها القانونية ومؤسساتها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكان من جملة ما أسست له إنشاء نظام تسجيل الأراضي، الذي عرف بـ”الطابو” الذي عمل على تسجيل الأراضي بأنواعها في البلاد التابعة للدولة العثمانية. ذلك أن تسجيل صفقات الأراضي كان يتم قبل ذلك في المحاكم الشرعية، وكانت الكثير من الخلافات تنشب بين الفلاحين وغيرهم فيما يتعلق بملكية الأراضي.
وبإنشاء هذا النظام، بدأ لأول مرة تسجيل الأراضي في فلسطين، وأصبح نقل ملكية العقارات مرهونًا بتسجيل هذا النقل في دائرة تسجيل الأراضي. وقد تم الاحتفاظ بسجل تسجيل الأراضي لفلسطين في القدس، وفي استانبول، عاصمة الدولة العثمانية. ومنذ ذلك الحين، لم يتم تسجيل الأراضي في القدس مجددًا. فبعد أن احتلت بريطانيا فلسطين وأعلنت انتدابها عليها، أصدرت في عام 1928 قانونًا لتسوية الأراضي، أرادت بموجبه تحديد مساحة الأراضي المشاع (وهي أراضٍ لا يملكها شخص معين، بل يشترك في ملكيتها عدد كبير من الشركاء، كانوا في العادة فلاحين يزرعون أراضيهم بشكل جماعي) وقسّمتها إلى قطع تم تقسيمها على ملاكها.
أما إسرائيل، فقد أحجمت عن تسجيل أراضي القدس الشرقية، على الرغم من ضمها إلى إسرائيل، منذ احتلالها حتى اليوم، إلا الأراضي التي بنيت عليها مستوطنات يهودية، أو الأراضي التي صادرتها من الفلسطينيين، فقد سارعت بتسجيلها وتسويتها باسم الدولة”[90].
“ويرجع المحامي المقدسي سامي أرشيد أسباب عدم تسجيل الأراضي في القدس الشرقية إلى سببين؛ أحدهما: أن إسرائيل تطمع في بناء مستوطنات يهودية على أراضي الفلسطينيين في القدس، وأن الاستيلاء على تلك الأراضي يكون أسهل إذا لم تكن الأراضي المنوي الاستيلاء عليها مسجلة. ففي هذه الحالة، تكون إمكانيات الدفاع أمام المحاكم الإسرائيلية أصعب إذا دفع ملاك الأراضي بملكيتهم لها.
أما السبب الآخر فهو أن تسجيل الأراضي لملاكها الفلسطينيين سيمكنهم من استغلالها من خلال ترتيب مشاريع عمرانية وغيرها. ذلك أن القانون الإسرائيلي يلزم من يطلب قرضًا للبناء من البنوك أن يستوفي شرط ملكية الأرض، وأن تكون مسجلة حتى يضمن المقرض حقه في حال عدم سداد القرض. ولأن أغلب أراضي الفلسطينيين في القدس ليست مسجلة بعد، فإنه من المستحيل على أصحابها أن يقيموا مشاريع عمرانية أو غيرها، وأن يستثمروا قيمتها الاقتصادية بالشكل الأفضل. وبما أن الأراضي ليست مسجلة، فإن النزاعات في المحاكم الإسرائيلية، على خلاف نظيرتها في كثير من الدول التي تمت فيها تسوية الأراضي، تشتمل على محاولات إثبات الملكية من قِبل أطراف النزاع.
وكما ذكر سابقًا، فإن أهم تسجيل للأراضي في تاريخ فلسطين كان في عهد الدولة العثمانية، مما يجعل الفلسطينيين بأمس الحاجة للرجوع لأرشيفات الدولة العثمانية لإثبات ملكيتهم”[91].
وفي كتاب العمق الاستراتيجي يشير داود أوغلو إلى القدس، ويؤكد أنه “لا يمكن حل أي مشكلة في المنطقة دون الرجوع إلى الأرشيف العثماني”، وهو يهدف إلى التذكير بالماضي العثماني لتوفير موقع أساسي لتركيا في أي جهد يخص عملية التسوية في الشرق الأوسط، أو يتعلق بحل مشكلات المنطقة[92].

خاتمة:

حاول هذا التقرير توضيح أن الاستراتيجية الإسرائيلية لتهويد القدس هي جزء من كلٍّ أوسع واستراتيجية أشمل تخص فلسطين لا بل الأمة بأسرها. وبينما شهد عاما 2009 و2010 تسريعًا ملحوظًا في خطوات تهويد القدس واستخدامًا لأدوات ثقافية قديمة/جديدة في ظل حكومة اليمين بزعامة بنيامين نتنياهو، لم يكن نصيب قطاع غزة أقل من الضربات العسكرية الصهيونية واستمرار الخنق الاقتصادي والمناورات الدبلوماسية الإسرائيلية الرامية لمنع أي تغيير في المواقف الدولية تجاه مسألة رفع الحصار عن غزة؛ فباتت القدس وغزة والضفة الغربية تتنافس في تلقي موجات العدوان الإسرائيلي بأدوات مختلفة وهدف واحد (يتمحور حول إنكار حق الشعب الفلسطيني في الوجود على أرضه، ومنعه من التمتع بالاستقلال السياسي وحق تقرير المصير في دولة ذات سيادة وعاصمة).
وتشير بعض التقارير هنا إلى أن سنة 2009 شكّلت تجليًا ناصعًا لمقولة “القدس جوهر الصراع” على المستوى الصهيوني، فقد كان واضحًا أن القدس هي الموضوع الأول لصانع القرار الصهيوني منذ أن وضعت حرب غزة أوزارها، وبات واضحًا أن الجبهة الأساس التي يحارب فيها المحتل هي القدس، ما لم يكن في جبهة مواجهة حربية أو عسكرية على حدوده الشمالية أو الجنوبية”[93]. والأمر هنا يحتاج لدراسات تفصيلية لمعرفة درجة الترابط بين وتيرة تهويد القدس وبين الحروب التي تشنّها دولة الاحتلال على غزة ولبنان.
إن السلوك الإسرائيلي لجعل قطاع غزة بؤرة القضية الفلسطينية ومحور تفاعلاتها العربية والدولية والإنسانية ينم عن عمل مدروس ومخطط يتداوله الإسرائيليون في كتاباتهم وأبحاثهم. وهو انعكاس لطريقة تفكير تقصد تقزيم قضية فلسطين وتجزئتها باستمرار، بالتوازي مع استراتيجية أوسع تخص المنطقة بأسرها وتدور حول “تقسيم المقسّم وتجزئة المجزأ”، وهي استراتيجية تطبق الآن بالفعل بنشاط واضح في العراق والسودان ولبنان واليمن وغيرها.
وفيما يخص خلق التنافس بين القدس وغزة تحديدًا، يمكن الإشارة إلى إحدى الدراسات الإسرائيلية الاستراتيجية الصادرة عام 1995 التي ركّزت على مناقشة كافة أشكال الحلول الممكنة للصراع العربي-الإسرائيلي حول قضية القدس، وانتهت إلى تقديم “مقترحات لحماية السيادة الإسرائيلية على “القدس الموحدة” في إطار الحل النهائي في خمس خطوات محددة؛ أولاها تجنب إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية ودعم خيار فلسطيني-كونفدرالي مع الأردن بما يجعل عمّان هي عاصمة المملكة الهاشمية على ضفتي نهر الأردن. وكلما كانت الصيغة الأردنية أقوى في محصلة الوضع النهائي، قلّ الضغط الفلسطيني لإقامة عاصمة سياسية قي القدس الشرقية. وعلى نحو مشابه، إذا اقتصرت الدولة الفلسطينية على قطاع غزة، مع بروز ترتيبات لسيطرة مختلطة في الضفة الغربية، قد تبرز مدينة غزة كعاصمة طبيعية لفلسطين.
الخطوة الثانية هي إقامة منطقة القدس الأمنية الكبرى، التي يمكن أن تشكل خطرًا ديمغرافيًا إذا لم يتم مصادرة المزيد من الأراضي واستيطانها بالتوازي مع تقليل سكانها العرب. الثالثة الدخول في شراكة مع الأردن لإدارة الأماكن المقدسة في المدينة؛ لأن ذلك أفضل من إدارة إسلامية أو عربية لها. والرابعة تسريع وتيرة تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع الدول العربية والإسلامية بما يقلّل من عدد الدول التي تستطيع منظمة التحرير الفلسطينية أن تشركها في صراعها الفعلي من أجل القدس، بعيدًا عن التصريحات اللفظية أو السياسية الداعمة.
أما الخطوة الخامسة والأهم فهي الوصول إلى تفاهم مبكر مع الولايات المتحدة حول مسألة القدس، بما يؤثر على مواقف كافة الأطراف منها سواء الأوروبية أو العربية أو الفلسطينية. وما دامت الولايات المتحدة تسير في اتجاه دعم الحل الديني لقضية القدس القائم على أن تبقى موحدة تحت السيادة الإسرائيلية مع إعطاء حق الزيارة الدينية لأتباع الديانات السماوية الثلاث، فإن هذا الموقف الأمريكي يدعم إسرائيل، لا سيما إذا تم تعزيزه بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى الجزء الغربي من القدس، بما يحسّن الوضع التفاوضي الإسرائيلي بشأن مسألة القدس”[94].
إن السلوك الإسرائيلي المستند إلى استراتيجية ثابتة بشأن القدس والقضية الفلسطينية إجمالا، ربما يؤكد أنه بعد أكثر من قرن من الصراع على القدس لم تتغير حقائق الصراع، رغم اجتهاد قوى الهيمنة الاستعمارية وأنصار الخطاب الإمبريالي الأمريكي/الصهيوني في تحريف الرواية وتشويه المعاني وصك المصطلحات المضللة الرامية لجعل الفلسطينيين والمسلمين “إرهابيين”، والمقاومة “تطرفًا وعنفًا عبثيًا وعداءً للآخر”، والتنازل عن الحقوق المسلوبة “واقعية واعتدالا”، في دعوات صريحة للاستسلام، لأن التحرير –بزعمهم- غير ممكن في فلسطين ومدينة القدس، وأن الممكن فقط هو الاعتراف بالأمر الواقع الإسرائيلي بدل استمرار العرب في “سياسة تفويت الفرص”[95].
ورغم هذا كله فلا زالت شعوب الأمة وجماهيرها الحية تسعى لاسترداد سيادتها على القدس بما يتيسر من الوسائل الثقافية والتضامنية والمدنية والقانونية والرمزية انتظارًا للحظة البدائل الحاسمة، التي يتم فيها تصحيح سبل التعامل مع المشروع الاستعماري الإحلالي الاستيطاني الإسرائيلي المندرج في سياق استعماري أوسع يستهدف الأمة ومشروع نهضتها وتحرير ثرواتها وتقوية اقتصاداتها واستئناف دورها الحضاري المشهود. وهي معركة تحرير المعاني وتصحيح الخطاب وتصويب المدركات توطئة لامتلاك القدرة على إعادة تشكيل الواقع بما يخدم مصالح الأمة في قضية القدس وسواها من القضايا الاستراتيجية[96].
ومن تحليل مستوى مقاومة الأمة وصمودها في مختلف دوائرها في مواجهة التهويد، يمكن القول إن هناك محاولة واضحة لاستعادة القدس بمعناها الرمزي في حياة الأمة توطئة لتطوير أنواع أخرى من الاستجابة المستقبلية المناسبة التي تسمح بتحريرها من ربقة الاحتلال الصهيوني الجاثم على صدرها منذ عقود. وقد أشار هذا التقرير إلى نماذج وشواهد من الحركة الثقافية/السياسية المضادة للاستراتيجية الصهيونية لتهويد القدس، وهي نماذج يتوقع لها أن تتزايد وتتراكم بمرور الوقت، خصوصًا مع إدراك أن المقاومة الثقافية والفعل الثقافي للأمة من شأنهما أن يؤسسا على المدى الطويل لخطوات سياسية أكثر ثباتًا وفعالية في مناصرة القدس.
إن الزحف الإسرائيلي على مدينة القدس يمثل خطرًا يحتاج إلى مواجهة بالعمل السلطوي الرسمي لا من قِبل السلطة الفلسطينية فحسب، بل أيضًا من الدول العربية والإسلامية والمجموعة الدولية كلها؛ فالواقع أن كثافة معدل تهويد القدس وتسارعه المتصاعد يوضح قضيتين؛ إحداهما أن الجهود الفلسطينية الشعبية والرسمية ليس بإمكانها منفردة وقف عملية التهويد. أما الأخرى فهي أن الجهود الفلسطينية لا تعوّض الحاجة إلى عمل عربي وإسلامي ودولي منظّم ومخطط ومتناسق للحفاظ على هوية القدس وشخصيتها الحضارية الروحية التي تهم الديانات السماوية الثلاث والعالم بأسره[97].
وختامًا يمكن القول إن تصاعد التحدي الإسرائيلي لمشاعر الأمة، وبالذات في قضية القدس، قد أوجد بابًا أوسع لاستجابة الأمة وتفاعلها مع هذه القضية المحورية، التي يتوقع لها أن تحتل مكانة أكبر في العقل والوجدان المسلم، هذا رغم تكاثر الأزمات التي يعاني منها العالم الإسلامي؛ إذ تبقى القدس قضية القضايا وأكثر قضايا الأمة جامعية دون منازع.
*****

الهوامش:

[1] – نقلا عن: د.محمد شوقي عبد العال، السيادة على القدس: دراسة للدعاوى الإسرائيلية في ضوء أحكام القانون الدولي العام، مجلة البحوث والدراسات العربية، العدد 33، يونيو 2000، ص 337.
وللاطلاع على نقد تنظيري لمفهوم “الهيكل” ودراسة لتطوره ودلالاته، راجع: د.عبد الوهاب المسيري، انهيار إسرائيل من الداخل، القاهرة: دار المعارف، 2002، ص 123-153.
[2] – انظر: الشيخ عكرمة سعيد صبري، منزلة القدس في الإسلام، في: د.شفيق جاسر أحمد (محرر)، القدس في الخطاب المعاصر، الزرقاء: جامعة الزرقاء الأهلية في الأردن، 1999، ص 29-34.
وهناك عشرات المصادر التي تحلل أهمية القدس في الثقافة والاجتماع العربي والإسلامي، انظر على سبيل المثال: المستشار طارق البشري، عن القدس وفلسطين (وعاؤها الجغرافي)، في: أمتي في العالم، حولية قضايا العالم الإسلامي، 1418- 1419هـ / 1998، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، 1419هـ/1999، ص41-46. وأيضًا: فؤاد إبراهيم، مصادر عروبة القدس، شؤون عربية، العدد 96، ديسمبر 1998، ص 8-39.
[3] – د.محمد خالد الأزعر، صراع المؤسسات في القدس، مجلة البحوث والدراسات العربية، العددان 31 و32، يوليو 1999 وديسمبر 1999، ص 433.
[4] – المصدر السابق، ص 433-437.
[5] – د.رشيد الخالدي، سياسة البناء في القدس، المجلة العربية للثقافة، (تونس: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم)، العدد 41، جمادي الثاني 1422هـ/سبتمبر 2001، ص 70-71.
[6] – د.محسن محمد صالح، معاناة القدس والمقدسات تحت الاحتلال الإسرائيلي، سلسلة “أو لست إنسانًا”، العدد 7، بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2011 م-1432هـ، ص 6.
[7] – د.حسام الخطيب، الأرض المحتلة في خضم المواجهة الثقافية، شؤون عربية، العدد 33/34، نوفمبر/ديسمبر 1983، ص 168-180، خصوصًا ص 172.
[8] – انظر: روحي الخطيب، تهويد القدس، في: الموسوعة الفلسطينية، القسم الثاني، الدراسات الخاصة، مج 6: دراسات القضية الفلسطينية، بيروت، 1990، ص 875.
[9] – د.زياد منى، مئة عام من التنقيبات الآثارية في فلسطين تدحض الأوهام والمزاعم الصهيونية، شؤون عربية، العدد 104، رمضان 1421/ ديسمبر 2000، ص 92.
[10] – نقلا عن: د.نظمي الجعبة، القدس بين الاستيطان والحفريات، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 79، صيف 2009، ص 39.
[11] – نقلا عن: د.أحمد الصاوي، القدس: مقدسات لا تمحى وآثار تتحدى، سلسلة كتاب القدس، القاهرة: مركز الإعلام العربي، سلسلة كتا القدس (20)، 2003، ص 27-28.
[12] – راجع: إبراهيم عبد الكريم، تهويد الحرم القدسي: دراسة توثيقية في الذرائع والوقائع، شؤون عربية، العدد 96، ص 141-142.
[13] – ورد في: د.هنري كتن، القدس، ترجمة: إبراهيم الراهب، دمشق: دار كنعان للدراسات والنشر، 1997، ص 69- 71.
[14] – إبراهيم عبد الكريم، مصدر سابق، ص 141-145.
[15] – انظر: روحي الخطيب، مصدر سابق، ص 886-896.
ويمكن الاطلاع على قائمة بأسماء المدن والقرى العربية التي هوَّدت سلطات الاحتلال أسماءها وحوّلتها إلى أسماء عبرية خالصة في: علاء النادي، صراع المصطلح ومعركة الهوية، القاهرة: مركز الإعلام العربي، سلسلة رسائل القدس، رقم (10)، ط2، 1425هـ/ 2004م، ص 57-59.
[16] – يقسّم العلامة د.عبد الوهاب المسيري يهود العالم من منظور مدى تبعيتهم للصهيونية أو معارضتهم لها إلى عدة أقسام؛ أولها اليهود المؤيدون للصهيونية أو اليهود الصهاينة. الذين ينقسمون بدورهم إلى نوعين؛ أحدهما “الصهاينة الاستيطانيون” الذين يمارسون الهجرة إلى فلسطين والاستيطان فيها. والآخر “الصهاينة التوطينيون” وهؤلاء يؤمنون بالصهيونية قولا، ولكنهم يتملصون منها فعلا، ويسلكون حسب ما تمليه عليهم مصالحهم الوطنية والفردية. وهناك في القسم الثاني “اليهود غير المكترثين بالصهيونية” أو البراجماتيون وهم أكبر كتلة يهودية في الولايات المتحدة تقبل الصهيونية قولا وترفضها فعلا. أما القسم الثالث فهم “اليهود الرافضون للصهيونية”، وهم قلة صغيرة موجودة في بعض المجتمعات الغربية التي تؤيد إسرائيل. راجع: د.عبد الوهاب المسيري، الانتفاضة الفلسطينية والأزمة الصهيونية: دراسة في الإدراك والكرامة، المؤلف: بدون مكان نشر، 1989، ص 134-135.
[17] – د.حسن حمدان العلكيم، التحديات التي تواجه الوطن العربي في القرن الحادي والعشرين: دراسة استشرافية، المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 19، صيف 2008، ص 106.
[18] – نتنياهو يستبق بحث المطالب الأميركية بالإعلان أن سياسة إسرائيل لم تتغير تجاه القدس، صحيفة الحياة 27/3/2010.
[19] – عباس إسماعيل، تهويد القدس: العناصر الأساسية للمقاربة الإسرائيلية، الغدير، لبنان، دار الفلاح للنشر والتوزيع، العدد 49، شتاء 2010، ص 35.
[20] – انظر: روحي الخطيب، مصدر سابق، ص 889.
[21] – راجع رصدًا لهذه التصريحات حول “بقاء القدس عاصمة دولة إسرائيل الأبدية خارج نطاق التفاوض والتسوية” منذ حكومة إسحاق رابين 1974-1977، إلى حكومة أرييل شارون الأولى 2001-2003، في: أمجد أحمد جبريل، قضية القدس: الجذور التاريخية والآفاق المستقبلية؛ في: موسوعة الأمة في قرن (عدد خاص من “أمتي في العالم” القاهرة: مكتبة الشروق الدولية ومركز الحضارة للدراسات السياسية)، المجلد الثالث، 1423هـ/ 2002م ص 453- 455.
[22] – جبر الهلّول، مدينة القدس بين قرارات الحماية الدولية وإجراءات التهويد، الغدير، لبنان، دار الفلاح للنشر والتوزيع، العدد 49، شتاء 2010، ص 12-13.
[23] – انظر: جيفري أرونسون، خطة المستوطنين والطرق الالتفافية، في: “الاستيطان اليهودي في الضفة: طرق رابين الالتفافية ستكون الأساس الذي سيبني عليه نتنياهو الكتل الاستيطانية الجديدة” (ملف)، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 28، خريف 1996، ص 105-116.
[24] – نقلا عن: د.إيمان حمدي، معسكر السلام الصهيوني: اتجاهات الثنائية القومية والتقسيم في الحياة السياسية الإسرائيلية 1925-1996، ترجمة صالح عزب، القاهرة: معهد البحوث والدراسات العربية، 1997، ص 231.
[25] – بتصرف عن: د.عبد العليم محمد، انتفاضة الأقصى والاستقلال: تحديات وآفاق، القاهرة: مركز الإعلام العربي، كتاب القدس، العدد 21، 2003، ص 69- 71.
[26] – بنيامين نتنياهو، مكان بين الأمم: إسرائيل والعالم، ترجمة: محمد عودة الدويري، عمّان: الأهلية للنشر والتوزيع، ط2، 1996، ص 364. ويجب على قارئ هذا الكتاب التنبه للمصطلحات المضللة وتزوير الحقائق التاريخية الذي يقوم به نتنياهو على مدار صفحات هذا الكتاب، علمًا بأن هناك تحليلات عربية كثيرة اهتمت بتفنيد ما طرحه نتنياهو، انظر على سبيل المثال: تقديم أسرة دار الجليل للكتاب، ص 7-10. وأيضًا: د.أحمد صدقي الدجاني، الخطر يتهدد بيت المقدس، سلسلة كتاب القدس (1)، القاهرة: مركز الإعلام العربي، 2000، ص 79-108.
[27] – بتصرف عن: المصدر السابق، ص 364-365.
[28] – راجع: صحيفة الأهرام 25/3/1997، ص 8.
[29] – صحيفة الأهرام 28/3/1997، ص 4.
[30] – أحمد يوسف القرعي، “1997.. عام القدس”، صحيفة الأهرام 20/3/1997، ص 10.
[31] – نقلا عن: إبراهيم عبد الكريم، تهويد الحرم القدسي، مصدر سابق، ص 131.
[32] – أنور محمد زناتي، تهويد القدس: محاولات التهويد والتصدي لها من واقع النصوص والوثائق والإحصاءات، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2010، ص 58-60.
[33] – د.أحمد يوسف أحمد ود.نيفين مسعد (محرران)، حال الأمة العربية 2009-2010: النهضة أو السقوط، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2010، ص 189-192.
[34] – وردت هذه التصريحات في: د.خالد الحروب، القمة بين دعم القدس وخرافة التطبيع، صحيفة الاتحاد (أبو ظبي) 22/3/2010.
[35] – “عين على الأقصى”، التقرير السنوي الرابع، بيروت: مؤسسة القدس الدولية، منشور في: تقرير القدس (يصدر عن مركز الإعلام العربي في القاهرة)، العدد 142، أكتوبر 2010، ص 44-50. والاقتباس من ص 45. والتقرير متاح على موقع مؤسسة القدس الدولية تحت عنوان: “الاحتلال يدرك أنه أمام فرصة سانحة لتهويد المسجد الأقصى، وتغييب معادلة الردع هو السبب”، على الرابط:
http://www.alquds-online.org/index.php?s=news&id=5840
[36] – نقلا عن: المصدر السابق.
[37] – عبدالعزيز بن عثمان التويجري، ماذا بعد حلول الذكرى الـ41 لإحراق الأقصى والـ 30 لتهويد القدس؟، صحيفة الحياة 24/8/2010.
[38] – إسرائيل طردت 14 ألفًا من أهل القدس وتهدد الباقين، صحيفة الحياة 26/6/2010.
[39] – رفع سلاح الإبعاد في وجه من يناهض تهويد القدس، صحيفة الحياة 27/12/2010.
[40]- الشيخ جراح: وفود أجنبية ومن الداخل تؤم خيمة اعتصام نواب القدس المهددين بالإبعاد، صحيفة الأيام (رام الله) 15/1/2011.
[41] – نقلا عن: نبيل محمود السهلي، الخطر الديمغرافي اليهودي على مدينة القدس: واقع وآفاق الصراع الديموغرافي بين العرب واليهود، الغدير، لبنان، دار الفلاح للنشر والتوزيع، العدد 49، شتاء 2010، ص 77-78.
[42] – تقرير وليد عوض، سلطات الاحتلال الاسرائيلي تجبر أهالي القدس على هدم منازلهم بأنفسهم، صحيفة القدس العربي 31/8/2010.
[43] – إبراهيم عبد الكريم، المخططات الهيكلية الإسرائيلية لتهويد القدس، شؤون عربية، العدد 102، ربيع الأول 1420ه/يونيو 2000، ص 120.
[44] – بتصرف عن: عباس إسماعيل، مصدر سابق، ص 45-46.
[45] – نبيل محمود السهلي، مصدر سابق، ص 75.
[46] – المصدر السابق، ص 60-61.
[47] – آمال الشيمي، قضية القدس في ديزني لاند بين التفاعلات الرسمية وغير الرسمية، في: أمتي في العالم، حولية قضايا العالم الإسلامي، 1419-1420هـ/ 1999م، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، 1420ه/2000، ص 185- 193.
[48] – انظر: قرارات المؤتمر الصهيوني العالمي الرابع والثلاثين في القدس 17-21 حزيران/يونيو 2002، تقديم: وليد الخالدي، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 53، شتاء 2003، ص 70-88، وخصوصًا ص 84.
[49] – محمد عبد الهادي، دلالة احتفال إسرائيل بذكرى توحيد القدس، تقرير القدس، القاهرة، مركز الإعلام العربي، العدد 138، يونيو 2010، ص 96.
[50] – راجع: د.حسن خاطر، المؤتمر اليهودي الرابع عشر بالقدس.. يبدأ وينتهي في ظل تغييب إعلامي كامل!!، تقرير القدس، القاهرة، مركز الإعلام العربي، العدد 142، أكتوبر 2010، ص 51-54.
[51] – مؤتمر منظمة التعاون الاقتصادي ينطلق في القدس الشرقية رغم دعوات السلطة لمقاطعته، صحيفة الشرق الأوسط 21 /10/ 2010، العدد 11650.
[52] – المصدر السابق.
[53] – رئيس الوزراء: “لن يكون هناك مستقبل للشعب اليهودي بدون دولة إسرائيل”، موقع والا الإسرائيلي 23/10/2010، مترجم في: مختارات إسرائيلية، العدد 192، ديسمبر 2010، ص 82.
[54] – وزير الأوقاف الفلسطيني: طلبنا من القمة إسنادًا سياسيًا وإعلاميًا واقتصاديًا لقضية القدس، صحيفة الحياة 28/3/2010.
[55] – أبو مازن: العرب وعدونا بـ500 مليون دولار.. ولكننا لم نتسلم 10 شواقل، صحيفة الشرق الأوسط 9/8/2010، العدد 11577.
[56] – اسرائيل تهدم فندقًا قديمًا في القدس الشرقية لبناء عشرين وحدة سكنية استيطانية، صحيفة الحياة 9/1/2011.
[57] – تستند المعلومات الواردة هنا إلى المصدرين التاليين: “خيمة أم كامل الكرد”، برنامج وثائقي بثته قناة الجزيرة الفضائية 30/12/2010. وأيضًا: زهرة مرعي، من حي الشيخ جرّاح إلى أبي مازن…أسانج رجل العام وأم كامل الكرد امرأته، صحيفة القدس العربي 4/1/2011.
[58] – راجع المصدرين السابقين.
[59] – بتصرف عن: أمير مخول، موقع القدس في القضية الفلسطينية، شؤون عربية، العدد 140، شتاء 2009، ص 96-97.
[60] – راجع: محاسن أصرف، مهرجان صندوق طفل الأقصى الثامن… للقدس نجدد العهد!، القدس، العدد 140، أغسطس 2010، ص 85-90.
[61] – السلطات الإسرائيلية أقرت مخططًا شاملا لتهويد منطقة البراق في المسجد الأقصى، صحيفة الحياة 4/11/2010.
[62] – اسرائيل تهدم فندقًا قديمًا في القدس الشرقية لبناء عشرين وحدة سكنية استيطانية، صحيفة الحياة 9/1/2011.
[63] – انظر: د.مهدي عبد الهادي، ملاحظات حول فلسطين والقدس في الخطاب العربي، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، أغسطس 2010، ص 9.
[64] – ملك المغرب يدعو لتحالف عالمي لإنقاذ القدس من الاحتلال، صحيفة الوطن (السعودية) 10 ذو القعدة 1430 الموافق 29/10/2009، العدد 3317.
[65] – نقلا عن: د.أحمد صدقي الدجاني، الخطر يتهدد بيت المقدس، سلسلة كتاب القدس (1)، القاهرة: مركز الإعلام العربي، 2000، ص 120-121.
[66] – راجع تفاصيل هذه الحلول الديني والبلدي والجغرافي من منظور إسرائيلي في: دوري غولد، القدس: الحل الدائم في دراسة لمركز يافي، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 26، ربيع 1996، ص 133- 142.
[67] – د.منعم العمار، القدس في الاستراتيجية الإسرائيلية: تكريس احتلال، وتغييب مقصود للهوية، شؤون عربية، العدد 96، ديسمبر 1998، ص 66.
[68] – د.عبد الوهاب المسيري، في الخطاب والمصطلح الصهيوني: دراسة نظرية وتطبيقية، القاهرة: دار الشروق، 1424ه/2003م، ص 106-107.
وأيضًا: د.إيمان حمدي، مصدر سابق، ص 170 و 226.
وأيضًا: فهمي هويدي، خدعوك فقالوا: انكسر الإجماع الإسرائيلي!، صحيفة الأهرام 5/1/1999، ص 11.
[69] – بلال الحسن، علامات الطريق في التفاوض الفلسطيني-الإسرائيلي: نهج الاعتدال الذي لم يثمر، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 84، خريف 2010، ص 25-26.
[70] – راجع مداخلة محمد السماك، في: علياء وجدي (محرر) استشراف مستقبل قضية القدس في ضوء التطورات الراهنة “أعمال اللقاء الذي عقد في القاهرة في 22/3/2005″، برنامج حوار الحضارات في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2006، ص 42.
وأيضًا: محمد السماك، القدس قبل فوات الآوان، بيروت: الدار العربية للعلوم، 1425ه/2005 م، ص 63-67.
وأيضًا: محمد السماك، نظرات في مسار الحركة الصهيونية، في: د.أحمد صدقي الدجاني (منسق)، الحركة الصهيونية والصراع العربي-الإسرائيلي في مائة عام: دروس الماضي وآفاق المستقبل، القاهرة: معهد البحوث والدراسات العربية، 1421هـ/ 2000م، ص 23-26.
[71] – رأي القدس، غياب العرب عن اليوم العالمي للقدس، صحيفة القدس العربي 4/9/2010.
[72] – أمجد أحمد جبريل، المؤتمر السادس للقدس في الدوحة: تصاعد البعد الشعبي في الصراع، القدس، القاهرة، مركز الإعلام العربي، العدد 119، نوفمبر 2008، ص 37.
[73] – مرجع روحي شيعي لبناني يدعو إلى لقاء سني شيعي لمعالجة قضية القدس، صحيفة الحياة 24/3/2010.
[74] – أمير الرياض يستقبل ضيوف معرض الكتاب، صحيفة الحياة 10/3/2010.
[75] – انظر: رجب الباسل، في دورة المعارف المقدسية.. خبراء وأكاديميون: المفاوضات جزء من منظومة المقاومة وليست بديلا عنها، تقرير القدس، القاهرة، مركز الإعلام العربي، العدد 137، مايو 2010، ص 94-100.
[76] – الأطباء العرب يطلق حملة رمضانية لنصرة القدس والأقصى، الأربعاء 11/8/2010.
[77] – خبر من موقع جمعية الإصلاح الاجتماعي 19/10/2010 على الرابط:
http://www.eslah.com/new/new_only.php?ID=99
[78] – نقلا عن: كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في احتفال يوم القدس العالمي، بيروت 3/9/2010، في: قسم الوثائق، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 84، خريف 2010، ص 200.
[79] – راجع: المصدر السابق، ص 200-202.
[80] – نقلا عن: د.محمد نور الدين، مرتكزات السياسة التركية تجاه قضية فلسطين، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 82، ربيع 2010، ص 28.
[81] – نقلا عن: زياد بن عبدالله الدريس، أردوغان هو “الفيصل”!، صحيفة الحياة 20/1/2010.
[82] – افتتاح قمة سرت: مراجعة للعمل المشترك تخللها “حديث الأزمات” و “تمرد الشعوب”، صحيفة الحياة 28/3/2010.
[83] – انظر: د.الهادي غيلوفي، العرب والأتراك ما بين المصالحة التاريخية والمصالح الاستراتيجية، شؤون عربية، العدد 143، خريف 2010، ص 216-218.
[84] – أردوغان: نريد السلام لبغداد وبيروت وغزة والقدس، صحيفة الحياة 26/11/2010.
[85] – انظر على سبيل المثال: د.أحمد يوسف أحمد، أردوغان في لبنان: المعنى والدلالات، الاتحاد (أبو ظبي) 30/11/2010.
[86] – د.حاقان ياووز، العلاقات التركية-الإسرائيلية من منظور الجدل بشأن الهوية التركية، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 33، شتاء 1998، ص 53- 54 وص 70.
[87] – آية فاروق، مؤتمر النصرة: “يهودية إسرائيل” مخطط عنصري، إسلام أون لاين 24/5/2009 على الرابط:
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1242759132759&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
[88] – المصدر السابق.
[89] – منير نسيبة، دور المستندات العثمانية والمؤسسات التركية للدفاع عن حقوق الفلسطينيين في القدس، ورقة مقدمة للمؤتمر العربي التركي للعلوم الاجتماعية: “الثقافة ودراسات الشرق الأوسط”، أنقرة، 10-12 كانون الأول/ديسمبر 2010.
[90] – نقلا عن: المصدر السابق.
[91] – نقلا عن: المصدر السابق.
[92] – نقلا عن: بولنت أراس، حقبة أحمد داود أوغلو في السياسة الخارجية التركية، تعريب: غسان رملاوي، شؤون الأوسط، العدد 135، ربيع 2010، ص 48.
[93] – مركز الزيتونة للدراسات والاستتشارات، التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2009، بيروت: المركز، 2010، ص 271.
[94] – انظر: دوري غولد، مصدر سابق، ص 142-152. والمصطلحات المستخدمة في الاقتباس هي للباحث الإسرائيلي، وليست لكاتب هذه السطور.
[95] – د.وليد سيف، الأسماء والأشياء الثوابت والمتغيرات: تحريف الكلم عن مواضعه، الكتب وجهات نظر، القاهرة: دار الشروق، العدد 122، مارس 2009، ص 22-31.
[96] – المصدر السابق.
[97] – د.جاد إسحاق، سياسة إسرائيل الاستيطانية وتهويد القدس، المجلة العربية للثقافة، تونس: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، العدد 41، جمادي الثاني 1422هـ/سبتمبر 2001، ص 75.

نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2011

للتحميل اضغط هنا 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى