إيران داخل الحرب ضد إسرائيل وتوجه عدم التصعيد


مقدمة:
تُعد القضية الفلسطينية قضية مركزية في السياسة الخارجية الإيرانية في إطار مبدأ حماية المستضعفين في الأرض، وللقضاء على النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في الشرق الأوسط، ولا ينفصل ذلك عن دعم أهداف مشروع طهران الإقليمي -كما سيأتي التناول. وقد أعلنت إيران دعمها ومساندتها للمقاومة الفلسطينية ولعملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، ولحق الشعب الفلسطيني في تحرير كامل أراضيه. ولدعم غزة في ظل الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين، اعتمدت إيران استراتيجية الدفاع الأمامي التي تبنتها بعد الحرب العراقية الإيرانية عبر الجماعات الحليفة لها في لبنان واليمن والعراق وسوريا، فشكلوا “محور المقاومة” لإسناد غزة. وقد نجحوا في تكبيد الاحتلال الإسرائيلي خسائر كبيرة. ولكن في الوقت ذاته، اعتمدت إيران توجه عدم التصعيد تجنبًا لحرب شاملة تستهدفها بشكلٍ مباشر وتجعل المواجهة على أرضها. فيما يلي نناقش: أبعاد الرؤية الإيرانية لطوفان الأقصى ضمن الثورة الإيرانية. مبدأ عدم التصعيد الإيراني بين الفكر والواقع. إيران وجبهات إسناد غزة: بين الدعم السياسي والعسكري. تكلفة إيران من الحرب الإسرائيلية على غزة. الهجمات الإيرانية على دولة الاحتلال في ميزان نظرية الردع وعدم التصعيد. نتائج المواجه: خسائر دولة الاحتلال بين الخسائر المادية والمعنوية.
أولًا- أبعاد الرؤية الإيرانية لطوفان الأقصى ضمن الثورة الإيرانية:
رسخت الثورة الإيرانية عام 1979 المبادئ والأسس التي تحكم عمل النظام السياسي في إيران وسياساته الخارجية. ويتجلى البعد الديني بشكل واضح في السياسة الخارجية لإيران كما نص الدستور الإيراني، وذلك في إطار مساندة المستضعفين ودعم حركات المقاومة ماليًا وعسكريًا في العالم الإسلامي، وعلى رأسها فصائل المقاومة الفلسطينية في مقاومتها لدولة الاحتلال الإسرائيلي. ويمثل ذلك جزءًا مهمًا من المشروع الإيراني الذي يأتي في مقدمة أولوياته الاستقلالية الذاتية وعدم الخضوع لأية قوة دولية (مبدأ لا شرقية ولا غربية) ومواجهة النفوذ الغربي الأمريكي والإسرائيلي في الشرق الأوسط، ما تعتبره إيران حربًا ضد قوى الاستكبار العالمي[1].
في سياقٍ متصل، تأتي مساندة فصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس تحت مظلة مبدأ آخر ينظم السياسة الخارجية الإيرانية، ألا وهو تصدير النموذج الثوري الإيراني خارج حدود إيران، إذ أكد الخميني على أن شرعية الثورة الإيرانية وصلاحيات الولي الفقيه مستقاة من عدم الانحصار داخل الحدود الجغرافية الإيرانية بل تصدير ونشر مبادئ الثورة والدعوة لوحدة المسلمين وتجاوز الحدود الفاصلة والخلاف السني الشيعي، ومساعدة الدول الإسلامية على التحرر من وطأة الاستعمار، وعدم الاعتماد على الغرب. وبالتالي، فإن الخطاب الإيراني غير موجه فقط لأتباع المذهب الشيعي والجماعات الموالية لإيران في الدول المحيطة بها، بل أيضًا يحرص على إنشاء روابط مع حركات تنتمي للمذهب السني كدعم حركة حماس ماليًا وعسكريًّا وإعلاميًّا[2]، وهو ما يؤكد على محورية ومركزية القضية الفلسطينية كركيزة أساسية في السياسة الخارجية الإيرانية.
المبادئ السابق ذكرها تصب في نظرية أعم وأشمل صاغها “محمد لاريجاني” تسمي “نظرية أم القرى”[3]، ويُقصد بها أن تصبح إيران مركز الإسلام في العالم وأن يصبح للولي الفقيه اليد العليا في إدارة شئون الأمة الإسلامية من خلال ولايته وسلطاته وصلاحياته الواسعة، ويعني ذلك اتحاد الدول الإسلامية ووجود حكومة واحدة تمثل الأمة الإسلامية جمعاء. وتنص النظرية على وجود ثلاث مراحل لحدوث ذلك: المرحلة الأولى وهي نشر التشيع، والثانية مساعدة الشعوب الإسلامية على إنشاء حكومات إسلامية شيعية، والمرحلة الأخيرة هي تكوين حكومة واحدة تقود الأمة الإسلامية مركزها إيران[4].
يتضح في ضوء ما سابق حضور مرتكز المصلحة إلى جانب الدور المحوري للدين في السياسة الخارجية الإيرانية. وقد أثار ذلك جدلًا واسعًا حول ما إذا كانت السياسة الخارجية الإيرانية براجماتية تهدف لتحقيق مصالح قومية بالأساس، أم أيديولوجية تدافع عن مصالح الأمة الإسلامية. من الواضح أن المبادئ الثورية التي تحكم السياسة الخارجية الإيرانية يتم توظيفها لتحقيق المصالح الإيرانية، وكسب الدور القيادي الذي تطمح إليه. لذا، يمكن القول إن خطاب السياسة الخارجية لإيران خطاب أيديولوجي عقدي في توجهاته ومصلحي براجماتي في تحركاته[5]. اختصارًا، يمكن إجمال المشروع الإيراني الإقليمي في نقل -بل وفرض- نموذج الثورة ومذهبها على دول الجوار وذلك في إطار نظرية أم القرى، وهو ما دفعها للتدخل في الشئون الداخلية لتلك الدول من خلال التحالف مع أطراف داخلية الأمر الذي جعلها في وضع التصادم مع قوى إقليمية ودولية[6].
وبالتطبيق على عملية طوفان الأقصى، ظهرت المبادئ السابقة جليةً في خطابات القادة الإيرانيين. وأيدت إيران عملية طوفان الأقصى، وأكدت على أن ما قامت به المقاومة في مستوطنات غلاف غزة أفشل المخطط الأمريكي والصهيوني في الشرق الأوسط. إذ ذكر المرشد الأعلى الإيراني أن “عملية طوفان الأقصى حصلت بلحظةٍ كان العدو يسعى فيها لتطبيق مخطط السيطرة على المنطقة” وأنها “أفشلت محاولات التطبيع”[7]. وفي مناسبةٍ أخرى، أكد أن “على الجميع أن يساعد المقاومة… مساعدة المقاومة واجب، ومساعدة الكيان الصهيوني جريمة وخيانة”[8]. وفي تصريحٍ بارز للمرشد الأعلى في يوم التعبئة 2023 أوضح “صحيح أن حادثة طوفان الأقصى ضد الكيان الصهيوني لكنها اجتثاث لأمريكا، فقد استطاعت أن تبعثر مشروع أمريكا في المنطقة”[9] وشدد على “لم تكن إسرائيل لتقدر على ارتكاب المجازر دون أمريكا”[10]، ويؤكد ذلك على أن دعم المقاومة الفلسطينية يأتي في إطار مشروع وهدف إيراني أعم وأشمل وهو القضاء على النفوذ الأمريكي والوجود الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط وترسيخ النفوذ الإيراني.
في سياقٍ متصل، جاءت تصريحات الرئيس الإيراني الأسبق إبراهيم رئيسي في أعقاب عملية طوفان الأقصى لتؤكد على المبادئ الثورية للسياسة الخارجية الإيرانية ودعم المقاومة الفلسطينية وطوفان الأقصى. إذ أكد على أن “دعم إيران للشعب الفلسطيني يأتي ضمن إطار الدستور وما ينص عليه بشأن دعم المظلومين وكجزء من مبادئ السياسة الخارجية الإيرانية”[11]. وأوضح أن “عملية طوفان الأقصى كسرت هيمنة الكيان الصهيوني” و”كانت نتيجة لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والاعتداءات المتكررة على الفلسطينيين” مؤكدًا أنهم “مستمرون في دعم فلسطين”[12]. ويؤكد ذلك على مركزية القضية الفلسطينية في السياسة الخارجية الإيرانية وعلى الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية ولحق الشعب الفلسطيني في التخلص من الاحتلال واستعادة كامل أراضيه.
يمكن القول إن دعم إيران للقضية الفلسطينية، منذ الثورة الإيرانية وحتى الآن في ظل عملية طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، يؤكد على الترابط بين الأيديولوجي العقدي والبراجماتي المصلحي في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه القضية الفلسطينية. إذ تهدف إيران خاصةً في ظل تواطؤ وخذلان الحكومات العربية إلى كسب دعم وتعاطف الرأي العام العربي والإسلامي، وهو ما يساعد إيران على مشروعها الإقليمي. أما الجانب العقدي المذهبي، يتمثل في أن تحرير فلسطين يمثل تمهيدًا لاستقبال الإمام الغائب ويهيئ الظروف لظهوره[13].
ثانيًا– مبدأ عدم التصعيد الإيراني بين الفكر والواقع:
لقد انعكست المبادئ الثورية على العقيدة العسكرية الإيرانية؛ إذ تتبنى إيران “عقيدة الدفاع الأمامي” ونهج نقل المواجهة مع العدو إلى المحيط أو الفضاء الإقليمي ومواجهة أي تهديدات خارجية قبل دخولها حدود الدولة. تجمع استراتيجية الدفاع الأمامي بين الردع التقليدي وسياسة إنكار التدخلات، وتمثلت في انتهاج أساليب إرباك، تعزز من قدرتها على بسط نفوذها عن طريق الجماعات المسلحة غير النظامية وجماعات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والطائرات المسيرة والقوات الصاروخية. يُطلق على عقيدة الدفاع الأمامي “العقيدة الهجينة”؛ إذ تجمع بين مختلف أدوات القوة والإكراه بأسلوب يتفاعل فيه النظامي مع غير النظامي مع الحرص على جعل أراضي الدولة بعيدة عن مناطق الصراع المباشر. وهو ما يدفع إيران لجعل فضائها الإقليمي مجال لإدارة وتنفيذ عمليات عسكرية، وتعزيز نفوذها دون تعريض أرضها وشعبها لحرب مباشرة أي أنها تعتبر فضاءها الإقليمي كحائط صد[14].
تعتمد إيران في إطار استراتيجية الدفاع الأمامي على عقيدة “الدفاع الفسيفسائي” ونهج الحرب غير المتكافئة[15]، ويُقصد بها أسلوب الكر والفر والعمل على استنزاف قوة العدو ويتم ذلك من خلال عدد كبير من الجماعات المسلحة غير النظامية الموالية لإيران. لذا، فإن أهم عنصرين في عقيدة إيران العسكرية هما: المجموعات الشيعية في الدول المجاورة والتي تعمل إيران على كسب ولاءهم وجعلهم وكلاء لها في المنطقة (كما في لبنان والعراق واليمن وسوريا) وتسليحهم لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، ووجود منظومة صواريخ متطورة تحقق الردع ومن أهم الصواريخ التي تملكها إيران الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز وكلاهما قادر على حمل رؤوس حربية نووية[16].
في إطار توازن القوى على المستوى الإقليمي والدولي حرصت إيران على تبني تلك الاستراتيجية وتحقيق الردع. إقليميًا: حيث تُحاط بأنظمة مختلفة عنها وعليها وشبه معادية لها، الموقع الجغرافي الاستراتيجي لإيران ووجودها في الشرق الأوسط حيث نفوذ ومصالح القوى العظمي ومنها أمريكا. عالميًا: حيث الثورة الإيرانية والتغير الأيديولوجي الذي جعلها بموقف عداء مع الغرب، موازين القوى التي تميل لصالح أعدائها، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران والقيود على شراء الأسلحة[17].
بالتطبيق على أحداث طوفان الأقصى، برز اعتماد إيران على استراتيجية الدفاع الأمامي ونقل المواجهة خارج حدودها والحرص على عدم تصعيد الصراع مع إسرائيل؛ منعًا لوقوع حرب شاملة وللحفاظ على “قبضة النظام” ومشروع الجمهورية الإسلامية الذي يتضمن الحرص على اكتمال المشروع النووي الذي سيمنحها الردع النووي، فضلا عن أولوية طهران في حماية قدراتها العسكرية والصناعية التي ستساعدها على تنفيذ مشروعها الثوري بل وتعظيم تلك القدرات من خلال الدخول في تحالفات واتفاقيات أمنية وعسكرية وصناعية مع روسيا والصين كمنظمة “شنغهاي للتعاون” ومجموعة “البريكس”[18].
إضافة إلى ذلك، سبق طوفان الأقصى تفاهمات ومشاورات بين الجانبين الإيراني والأمريكي حيث اتفاقية تحرير الأسرى الأمريكيين الخمسة لدى طهران مقابل تحرير ستة مليارات دولار إيرانية بالولايات المتحدة، كما شهدت صادرات النفط الإيرانية زيادة كبيرة في 2023. لذا تحرص إيران في ظل سعيها للتخلص من القيود الاقتصادية المفروضة عليها على الحفاظ على الاتصالات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة ومكتسباتها جراء تلك التفاهمات، في الوقت ذاته تحرص إيران على دعم المقاومة الفلسطينية في إطار مشروعها الثوري، ونتيجة لذلك وللحفاظ على كلا المكتسبات تحرص إيران على عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع أمريكا وإسرائيل، ودفع ذلك إيران للتأكيد على عدم مشاركتها في عملية طوفان الأقصى[19]. ويؤكد ما سبق على وجود حالة من الردع بين إيران وإسرائيل؛ إذ يعد كل فعل ورد فعل يتخذه كلا الطرفان محسوبًا بدقة كبيرة (تصعيد محدود) حتى لا تنشب حرب شاملة بينهما.
تتفوق إسرائيل عسكريًا وتكنولوجيًا واستخباراتيًا على إيران؛ نظرًا للدعم الضخم الذي تتلقاه من الدول الغربية وخاصةً الولايات المتحدة، وهو ما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية وسيبرانية دقيقة لاستهداف البنية التحتية لإيران وأذرعها العسكرية في الدول المجاورة –كما سنرى- وذلك لبسط نفوذها واستنزاف قوة إيران تدريجيًا مع تجنب الانزلاق لحربٍ شاملة مع إيران قد تؤدي لاستنزاف مواردها (نظرًا لتعدد الجبهات الحليفة لإيران)، وتضر بصورتها دوليًا خاصةً في ظل رفض الولايات المتحدة الأمريكية لأي تصعيد إسرائيلي غير محسوب قد يشعل حربًا شاملةً مع إيران[20].
وفي هذا الإطار، تعتمد إيران على نفوذها السياسي ووكلائها في المنطقة، والرد على هجمات إسرائيل بشكلٍ انتقائي منضبط (لتؤكد على صمودها) منعًا لوقوع حرب شاملة ستظهر التفوق العسكري والتكنولوجي والاستخباراتي لإسرائيل[21]. وتلعب الولايات المتحدة دورًا محوريًا في ضبط التصعيد لحماية استقرار المنطقة ومصالحها الاستراتيجية.
ثالثًا- إيران وجبهات إسناد غزة: بين الدعم السياسي والعسكري:
منذ طوفان الأقصى، ترتكب إسرائيل جرائم إبادة جماعية بحق مئات الآلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة. لذا، تعددت جبهات الإسناد الموالية لإيران نصرةً للقطاع ولحقوق الشعب الفلسطيني. وفيما يلي نذكر جبهات الإسناد لغزة أو ما أسمته إيران “محور المقاومة”[22]، وهو تحالف متقارب طائفيًا يجمع بين إيران وعدد من الجماعات المسلحة في لبنان واليمن والعرق وسوريا، رافض للنفوذ الأمريكي وللوجود الإسرائيلي في الشرق الأوسط ويؤمن بمركزية القضية الفلسطينية ويتبنى شعار “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”:
- جبهة الإسناد في جنوب لبنان:
في بداية الثمانينيات وفي ظل الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، دعمت إيران حركة أمل والمجموعات الشيعية الأخرى المقاومة للاحتلال الإسرائيلي بالمال والسلاح والتدريب العسكري[23]، وقد جمعت إيران تلك المجموعات وأنشأت حزب الله الذي قاوم الاحتلال الإسرائيلي خلال التسعينيات وأجبره على الانسحاب من لبنان عام 2000 وفي الحرب الإسرائيلية على لبنان 2006. وبهذا أصبح الحزب فاعلًا سياسيًا أساسيًا في لبنان وفي الصراع العربي الإسرائيلي[24].
وفي إطار عملية طوفان الأقصى، أكد حزب الله دعمه ومساندته للمقاومة الفلسطينية من بداية المعركة، مؤكدًا حق الشعب الفلسطيني في تحرير كامل أراضيه وشرعية عملية طوفان الأقصى التي جاءت نتيجة لاستمرار الاحتلال والمخطط الاستيطاني للضفة الغربية والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والأسرى بسجون الاحتلال ومقدسات الأمة. وقد ذكر رئيس الحزب السابق حسن نصر الله في خطابٍ ألقاه في نوفمبر 2023 أنه “لو أردنا أن نبحث عن معركة كاملة الشرعية، فلا معركة مثل القتال ضد الصهاينة” مشددًا على أن ما يقوم به الحزب في الجبهة اللبنانية “غير مسبوق في تاريخ الكيان الإسرائيلي، وأجبر العدو على أن يُبقي قواته عند الحدود وحشد المزيد منها، مما يخفف الضغط عن غزة”. وبخصوص الولايات المتحدة أكد نصر الله على أن “أمريكا هي المسئول الأول عما يجري في غزة، وهي التي تمنع وقف العدوان”. كما أشاد نصر الله بجبهة اليمن والعراق، وحث الدول العربية على وقف العدوان على غزة ودعا لقطع النفط والغاز عن الاحتلال الإسرائيلي[25].
تعد جبهة لبنان أهم جبهات الإسناد لغزة، ويتمثل إسناد حزب الله لغزة في شن هجمات بالصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة (لتخفيف العبء على غزة) والجولان السوري المحتل، وكذلك أجهزة المراقبة والتجسس القريبة من الحدود الإسرائيلية مع لبنان، بجانب استهداف معسكرات وقواعد عسكرية إسرائيلية وشركات صناعات عسكرية. بالنسبة لمستوطنات الشمال، أعلنت إسرائيل إخلاء 28 مستوطنة ونقل أكثر من 60 ألف مستوطن داخل الأراضي المحتلة[26]، ونتيجة لعمليات حزب الله اتسعت المواجهة بين جيش الاحتلال وحزب الله على الحدود اللبنانية واستهدفت إسرائيل مجمعات عسكرية ونقاط مراقبة لحزب الله في مزارع شبعا وعدة قرى جنوب لبنان مما أدى لنزوح عدد كبير من سكان قرى جنوب لبنان. وقد أعلن الجيش الإسرائيلي في أول أسبوعين من المواجهة عن مقتل عدد من الجنود، وملازم ورقيب أول، ونائب لواء 300 في فرقة الجليل[27].
أما بالنسبة للقواعد العسكرية، استهدف حزب الله ثلاثة مواقع عسكرية للجيش الإسرائيلي بمزارع شبعا في السابع من أكتوبر 2023: قصف مركز قيادة كتيبة تابعة للواء الغربي، استهداف قاعدة ميرون أربع مرات منذ يناير 2024 ردًا على اغتيال صالح العاروري، استهداف قاعدة عين زيتيم التي تضم مقر قيادة الفيلق الشمالي ولواء المشاة الثالث التابع للفرقة 91 الإسرائيلية. وقد جاء استهداف قيادة لواء المشاة الثالث في أبريل 2024 بسب الهجوم الإسرائيلي على قرى جنوب لبنان، بينما جاء استهداف قيادة الفيلق الشمالي في أغسطس 2024، وتم استهداف قواعد وثكنات أخرى وهم: ثكنات راموت نفتالي، كيلع، يوآف، برانيت. وقواعد يردن، إيلانيا نفح بالجولان المحتل، وتسنوبار. وقد كان استهداف ثكنة كيلع ويوآف وقاعدة نفح ردًا على اغتيال فؤاد شكر[28]. وعلى مدار ستة أشهر من طوفان الأقصى، بلغ عدد الهجمات المتبادلة بين حزب الله وإسرائيل منذ السابع من أكتوبر 4733 هجمة منها 3952 إسرائيلية و781 من حزب الله[29]. وقد أدى الإسناد القوي من حزب الله لغزة إلى قيام إسرائيل في الأول من أكتوبر 2024 بالإعلان عن عملية برية في جنوب لبنان لتدمير قدرات حزب الله، ويخوض الحزب معارك ضارية مع الاحتلال الإسرائيلي لمنع توغله داخل الأراضي اللبنانية.
- جبهة الإسناد في اليمن:
شهدت الثمانينيات توطيد في العلاقة بين إيران وجماعة أنصار الله الحوثي، وقد اتجهت أعداد كبيرة منهم لمدينة قم بإيران لتحصيل العلم الديني، واتبعوا المذهب الجعفري الاثنا عشري بدلًا من المذهب الزيدي. وقد منح ذلك إيران فرصة لتدريبهم عسكريًا وإمدادهم لوجستيًا وماليًا لخدمة المبادئ الثورية الإيرانية[30]، حتى أنهم نجحوا عام 2014 في السيطرة على صنعاء. ويمتلك الحوثيون قدرات عسكرية كبيرة نتيجة السيطرة على ترسانة أسلحة الجيش اليمني بعد قتل علي عبد الله صالح، وإمدادات إيران من الصواريخ المتطورة وخبراء في التعامل مع الصواريخ[31].
في أعقاب عملية طوفان الأقصى أعلن الحوثيون تأييدهم ومساندتهم للمقاومة الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني. وقد تبنوا خطابًا دينيًا يستند إلى آياتٍ من القرآن الكريم[32]. إذ ذكر عبد الملك الحوثي في بيانه في أكتوبر 2023 أن طوفان الأقصى “أتت في إطار الحق المشروع للمجاهدين وللشعب الفلسطيني” مستشهدًا بالآية الكريمة }أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا وإن الله على نصرهم لقدير{، وشدد على أن الشعب اليمني “حاضر لفعل كل ما يستطيع في أداء واجبه المقدس”[33].
لقد تمثل إسناد الحوثيين للقضية الفلسطينية في استهداف السفن الإسرائيلية وسفن الشحن المتجهة نحو موانئ إسرائيل عن طريق البحر الأحمر (قرب باب المندب) وخليج عدن، وكذلك استهداف السفن الأمريكية والإنجليزية بسبب الضربة الجوية التي نفذتها كلتا الدولتين في اليمن. لم يقتصر إسناد الحوثيين على العمليات البحرية فقط، بل شمل عمليات جوية استهدفت الأراضي الفلسطينية المحتلة[34]. وقد أكد عبد الملك الحوثي أن الحوثيين على مدار عام منذ السابع من أكتوبر 2023 قد استهدفوا 193 سفينة مرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي وأمريكا وبريطانيا. وذكر أنه “في جبهة اليمن، قصفنا على مدى عامٍ بأكثر من ألف صاروخ ومسيرة، واستخدمنا الزوارق في البحار إسنادًا لغزة” وأوضح أنه “تم إسقاط 11 طائرة مسيرة أمريكية من نوع إم كيو 9 خلال عام”.
ومن أبرز العمليات البحرية التي نفذها الحوثيون: السيطرة على سفينة “جلاكسي ليدر” التي يشارك في ملكيتها رجل أعمال إسرائيلي واحتجاز طاقمها في نوفمبر 2023، استهداف سفينة “روبيمار” التابعة للمملكة المتحدة بالصواريخ الباليستية مباشرةً في خليج عدن في فبراير 2024، استهداف سفينة “مادو” الأمريكية في البحر الأحمر في مارس 2024 وقد أعلنت الولايات المتحدة غرق السفينة بالفعل، استهداف سفينة “توتور” اليونانية التي كانت متجهة إلى الأراضي المحتلة عن طريق البحر الأحمر في يونيو 2024 وذلك بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية وزورقين مسيرين وقد تم الإعلان عن غرق السفينة وفقدان أحد أفراد الطاقم، استهداف سفينة “فيربينا” الأوكرانية والتي تُديرها بولندا وكانت متجهة إلى الأراضي المحتلة عن طريق خليج عدن في يونيو 2024 بصاروخ باليستي مضاد للسفن، واستهداف ناقلة النفط اليونانية “سونيون” وكانت متجهة إلى الأراضي المحتلة في أغسطس 2024[35].
أما بالنسبة للعمليات العسكرية الجوية التي استهدفت الأراضي المحتلة، فقد أعلن الحوثيون في نهاية أكتوبر 2023 استهداف إسرائيل بعددٍ كبيرٍ من الطائرات المسيرة والصواريخ وهي المرة الأولى التي يستهدف فيها الحوثيون إسرائيل، وقد تلاها عدد من الاستهدافات منها القيام بعملية نوعية لقصف هدف في تل أبيب في يوليو 2024 بالاعتماد على مسيرة “يافا” القادرة على تجاوز منظومات الدفاع الإسرائيلية، وقد أدت لمقتل إسرائيلي وإصابة عشرة، علمًا أن تلك العملية حملت رسالة لإسرائيل مفادها أن “تل أبيب غير آمنة”. وفي سبتمبر 2024، أطلق الحوثيون صاروخ باليستي على تل أبيب لم تعترضه منظومات الدفاع لكنه لم يوقع ضحايا أو مصابين. وفي بداية أكتوبر 2024، استهدف الحوثيون هدفًا بتل أبيب بعدد من الطائرات المسيرة من نوع “يافا”[36].
- جبهة الإسناد في العراق:
مثلت الفوضى السياسية والاجتماعية التي أحدثها الغزو الأمريكي للعراق فرصةً مواتية لإيران لبسط نفوذها في العراق، وهو ما دفعها لدعم وتمويل عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله بعد سقوط نظام صدام حسين، كما دفعها سقوط الموصل في يد تنظيم داعش 2014 لدعم وتمويل قوات الحشد الشعبي[37].
ظهرت “المقاومة الإسلامية في العراق” بعد عملية طوفان الأقصى والانتهاكات الصهيونية الجسيمة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، وتضم مجموعة من الجماعات المسلحة العراقية المتحالفة (حزب الله العراقي، عصائب أهل الحق، تشكيل الوارثين، حركة النجباء، وكتائب سيد الشهداء) والتي تقوم إيران بدعمهم وتمويلهم. تساند المقاومة الإسلامية في العراق المقاومة الفلسطينية من خلال استهداف القواعد الامريكية في العراق وسوريا إذ أكدت على أن ذلك ردًّا على “الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة بتوجيه أمريكي”[38].
لقد نفذت المقاومة الإسلامية في العراق أولى عملياتها إسنادًا لغزة في السابع عشر من أكتوبر 2023 إذ استهدفت القاعدة الأمريكية حرير الجوية في محافظة أربيل بكردستان العراق، وذلك باستخدام طائرة بدون طيار من نوع “قاصف 2 كي”. وتمثلت استهدافات المقاومة الإسلامية في العراق في قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار وقاعدة حرير في أربيل والسفارة الأمريكية في بغداد، وتمثلت استهدافات سوريا في عدد من القواعد العسكرية أيضًا. وقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في يناير 2024 تعرضها لمئة وسبعين استهدافًا منذ الثامن عشر من أكتوبر 2023.
وفي أبريل 2024، بدأت المقاومة الإسلامية في العراق في شن هجمات ضد مطارات وموانئ ومحطات كهرباء ومواد كيميائية وقواعد عسكرية داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي (في غور الأردن وبيسان والجولان المحتل وحيفا وبئر وإيلات وطبريا وتل أبيب). ومن أبرز الهجمات التي نفذتها جبهة إسناد العراق: استهداف السفارة الأمريكية في بغداد وقاعدة حربية مجاورة لها بثلاثة صواريخ في ديسمبر 2024 لكن العملية لم تسفر عن أضرارٍ مادية أو بشرية، استهداف قاعدة عسكرية أمريكية في الحدود الأردنية السورية بطائراتٍ مسيرة وقد أسفرت العملية عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وعشرات الجرحى في يناير 2024، استهداف المقاومة الإسلامية تل أبيب لأول مرة في مايو 2024 حيث نفذوا هجومًا ضد قاعدة غليلوت التابعة للموساد باستخدام صواريخ الكروز، وفي أكتوبر 2024 نفذت المقاومة الإسلامية عملية استهداف لقاعدة إسرائيلية في شمال الجولان السوري المحتل وقد قُتل جنديين وأُصيب 25 آخرون في هذه العملية[39].
- جبهة الإسناد في سوريا:
لقد كانت سوريا بقيادة حافظ الأسد هي الدولة العربية الوحيدة المؤيدة للثورة الإيرانية 1979، ويرجع سبب التأييد إلى أن الثورة الإيرانية وما أرسته من مبادئ ترفض أيديولوجيًا اتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني (وخاصة اتفاقية كامب ديفيد المبرمة بين مصر وإسرائيل عام 1978م). وترفض الثورة الإيرانية ومبادئها أي تسوية تتضمن بنودًا لإسرائيل تعطي لها الحق ولو على شبرٍ واحد في الأراضي الفلسطينية، لأن ذلك بمثابة تنازل عن القضية الفلسطينية وتصفيتها. وبالتالي، فإن التحالف بين إيران وسوريا مثل حجر الأساس للمعسكر الرافض للتطبيع ولتصفية القضية الفلسطينية، والمقاوم للنفوذ الأمريكي والوجود الإسرائيلي في المنطقة[40].
في إطار طوفان الأقصى والعدوان على غزة، تعد سوريا أقل جبهات محور المقاومة إسنادًا لغزة سواء من خلال العمليات العسكرية أو حتى التغطية الإعلامية، وذلك بما لا يناسب موقعها الجغرافي المجاور لدولة الاحتلال والاستهدافات الإسرائيلية لمناطق عدة في سوريا أبرزها السفارة الإيرانية بدمشق وكذلك العملية البرية في جنوب لبنان ضد حزب الله الذي يُعد أبرز الداعمين للنظام السوري. ويرجع ذلك لعددٍ من الأسباب: أن المصالحة بين حماس والنظام السوري 2022 لم تُعِد العلاقات كما كانت قبل الثورة السورية في 2011، انشغال النظام السوري بمحاولة تحسين علاقاته مع الدول العربية والإسلامية كتركيا والسعودية والتخلص من العقوبات المفروضة عليه، طالبت روسيا النظام السوري بعدم الانخراط في الصراع حفاظًا على مصالحها بسوريا كما تهدف روسيا لتحييد موقف إسرائيل تجاه الحرب الروسية الأوكرانية ومنعها من إمداد أوكرانيا، الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعانيها سوريا، التهديدات التي بعثتها إسرائيل لبشار الأسد بإسقاط نظامه إذا جعل من سوريا قاعدة لمحور المقاومة لتنفيذ عملياته وقد استهدفت إسرائيل مطاري “الثعلة” و”إزرع” وهما مطاران يستخدمهما محور المقاومة[41].
لقد اختارت سوريا عدم التفاعل النشط والمباشر عسكريًا مع جبهات الإسناد الأخرى، واقتصر إسنادها لمحور المقاومة على إمداد حزب الله عسكريًا بما يحتاجه، وقد استغل الحزب ذلك إذ حرص على إظهار تلك الأسلحة في مشاهده المصورة للإشارة إلى أن سوريا ما زالت على العهد مع محور المقاومة وهدفه في القضاء على النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة. وقد دفع ذلك إسرائيل لشن هجمات جوية على بعض المناطق بسوريا في أغسطس 2024[42].
رابعًا- تكلفة إيران من الحرب الإسرائيلية على غزة إلى اجتياح لبنان
في إطار حرص إسرائيل والولايات المتحدة على عدم التصعيد العسكري المباشر ضد إيران منعًا لاندلاع حرب عسكرية شاملة، فإن إسرائيل إلى جانب المواجهة العسكرية بينها وبين جبهات الإسناد الموالية لإيران اتبعت استراتيجيتين غير مباشرتين لمهاجمة إيران بالإضافة لتنفيذ هجوم مباشر على إيران في أكتوبر 2024. ويمكن استعراض ذلك فيما يلي:
- سياسة الاغتيالات:
يُقصد بسياسة الاغتيالات الترتيب لقتل شخصيات ذات نفوذ وتأثير في المجال السياسي، أو العسكري، أو الفكري الأيديولوجي، أو القيادي بشكل منظم ومتعمد، وتُنفذ الاغتيالات لدوافع وأسباب مختلفة قد تكون سياسية أو عقائدية أو اقتصادية أو بدافع الانتقام. ولقد عُرفت إسرائيل من خلال عمل جهازي الموساد خارجيًا والشاباك داخليًا -وحتى العصابات الصهيونية قبل 1948- بسياسة الاغتيالات ضد أسماءٍ بارزة من الفلسطينيين والعرب والتي ترى إسرائيل أنهم يمثلون خطرًا عليها، ودائمًا ما تؤطر إسرائيل عمليات الاغتيالات التي تنفذها بالدفاع عن النفس والقضاء على الإرهاب[43] لتجنب المسئولية القانونية وتستخدم إسرائيل في خطاباتها وإعلامها الرسمي منذ عام 2000 مصطلحات من قبيل “الإحباط الموضعي” الذي يحمل الطابع الوقائي بدلا من مصطلح “الاغتيال”[44].
تتعدد أهداف إسرائيل من سياسة الاغتيالات التي تنتهجها، وهي: تعزيز الروح المعنوية في الداخل الإسرائيلي وتغذية الإحساس بأن دولة الاحتلال الإسرائيلي قوية استخباراتيًا وأمنيًا وقادرة على القضاء على كل ما يهدد أمنها، الحد من خطورة المقاومة في فلسطين والدول المجاورة وتقليل روح وحدة المقاومة؛ إذ تعتقد إسرائيل أن الاغتيالات بمثابة حربًا نفسية تضع المقاومة تحت ضغط الاستهداف في أي وقت وأي مكان مما يدفعهم لتقليل تفاعلاتهم واتصالاتهم ببعضهم البعض وحركتهم مما ينعكس سلبًا على فاعليتهم، كما تعتقد إسرائيل أن اغتيال القادة قد يقود إلى نزاعات داخل جماعات المقاومة خاصة إذا كان شخصية كاريزمية، تحقيق الردع وترهيب مجتمعات الدول المحيطة بدولة الاحتلال بشكلٍ خاص من القيام بفعل مقاوم لأن رد فعل إسرائيل سيكون انتقاميًا، إفقاد حركات المقاومة شخصيات مؤثرة ذات مهارات وقدرات عالية اكتسبتها عبر الزمن سواء كانت مهارات سياسية أو عسكرية أو فكرية مما يعصب تعويضها[45].
عقب عملية طوفان الأقصى التي كشفت عن الفشل الاستراتيجي والأمني والاستخباراتي في إسرائيل، ومع فشل نتنياهو في تحقيق أهدافه من العدوان والإبادة الجماعية على قطاع غزة والمتمثلة في القضاء على حماس وبنيتها التحتية والإفراج عن الأسرى، ومع تعدد جبهات إسناد غزة وما يقوم به محور المقاومة، وأيضًا مع عدم رغبة أمريكا وإسرائيل في تصعيد المواجهة مع إيران واستهدافها بشكلٍ عسكري مباشر منعًا لحرب عسكرية شاملة، مع هذه التطورات اتجه نتنياهو لاغتيال عدد من قيادات محور المقاومة والحرس الثوري الإيراني وحركة حماس. لقد اغتالت إسرائيل عدد من قيادات حزب الله على رأسهم زعيم الحزب حسن نصر الله في السابع والعشرين من سبتمبر 2024، نبيل فاروق وهو نائب رئيس المجلس المركزي في الحزب، إبراهيم عقيل رئيس العمليات وقائد قوة الرضوان النخبوية في الحرب، رئيس الأركان فؤاد شكر وهو أيضًا أحد أهم المستشارين العسكريين لنصر الله، علي كركي وهو قائد الجبهة الجنوبية وعضو مجلس الجهاد، إبراهيم القبيسي قائد وحدة الصواريخ في الحزب، وسام الطويل أحد قادة قوة الرضوان، أحمد وهبي قائد وحدة تدريب قوة الرضوان، طالب عبد الله قائد وحدة النصر في الجبهة الجنوبية، ومحمد ناصر قائد وحدة عزيز في الجبهة الجنوبية[46].
كما تم اغتيال بعض قادة حماس بعد السابع من أكتوبر، وهم: أيمن نوفل قائد لواء المحافظة الوسطى وعضو المجلس العسكري العام لكتائب القسام، أحمد الغندور وهو قائد لواء شمال قطاع غزة وعضو المجلس العسكري، صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحماس ومؤسس كتائب عز الدين القسام والمسئول عن ملف الضفة الغربية في الحركة وقد تم اغتياله في هجوم استهدف مكتب حركة حماس في الضاحية الجنوبية ببيروت، إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ومرافقه وسيم أبو شعبان في إيران[47].
وبالنسبة للحرس الثوري الإيراني، فقد تم اغتيال محمد رضا زاهدي وهو عميد في فيلق القدس التابع للحرس الثوري، ومحمد هادي حاج رحيمي بالإضافة لخمسة ضباط آخرين في القصف الإسرائيلي لسفارة إيران بدمشق، ورضا موسوي وهو مسئول الإمداد لقوات الحرس الثوري في سوريا، وحجت الله أميدوار وهو مسئول استخبارات الحرس الثوري وفيلق القدس في سوريا، ونيلفروشان نائب قائد الحرس الثوري الإيراني[48].
لقد بدأت عمليات الاغتيالات في وقتٍ بدأ فيه الحديث عن ضرورة التوصل لوقف إطلاق النار. لذا من المهم أن نشير لأهداف نتنياهو واليمين المتطرف من استراتيجية الاغتيالات في هذا التوقيت. وتتمثل أهداف نتنياهو في:
- الرغبة في عرقلة مفاوضات وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى، خاصةً وأنه لم يحقق أهدافه من العدوان على غزة عقب طوفان الأقصى الذي أسقط الردع الإسرائيلي. وبالتالي، فإن التوصل لوقف إطلاق نار يعني خروج نتنياهو من المشهد السياسي وهو ما لا يريده. لذا؛ جاءت الاغتيالات لخلق انتصار استخباراتي وعسكري لنتنياهو يحسن من صورته داخليًا وإقليميًا، ولجعل حماس تعلق مفاوضاتها مع الوسطاء للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار ردًا على الاغتيالات.
- تؤدي الاغتيالات إلى زيادة التصعيد بين إسرائيل ومحور المقاومة وبالتالي إطالة أمد الحرب، وهو ما يسمح له بالبقاء في المشهد السياسي لفترةٍ أطول ومنحه فرصة لمعالجة الأزمات الداخلية. إضافة إلى ذلك، فإن تصعيد محور المقاومة الموالي لإيران هجماته ردًا على الاغتيالات قد يضطر بالولايات المتحدة للتدخل وهو ما سيُطيل أمد الحرب بصورةٍ أكبر[49].
- قد تمنح الاغتيالات إسرائيل انتصارًا -عجزت عن تحقيقه داخل قطاع غزة- يحسن من موقفها التفاوضي مما يدفعها لمحاولة فتح مسار تفاوضي جديد، تهدف من خلاله لعقد صفقة تبادل الأسرى مع وقف مؤقت -وليس دائم- لإطلاق النار، مع التوقف عن اغتيال القيادات في الخارج أي استخدام القيادات في الخارج كورقة ضغط.. ويعني كل ذلك عدم الخضوع لشروط حماس.
- ثمة محاولات لتوحيد الداخل الفلسطيني للتخطيط لمرحلة ما بعد الحرب، وقد تعرقل الاغتيالات تلك المحاولات وهو ما يريده نتنياهو، خصوصًا وأن العاروري هو من اجتمع بقيادات فتح والسلطة الفلسطينية لتوحيد الصف ومناقشة إمكانية دمج حماس في الهيكل السياسي للسلطة.
- تعتبر إسرائيل اغتيال قيادات كبرى في حماس ومحور المقاومة كهنية والعاروري ونصر الله محاولة لردع حماس ومحور المقاومة[50].
في الأخير يمكن القول إن سياسة الاغتيالات التي تتبعها دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ تأسيسها لم تقضِ على المقاومة ولم تبعدها عن هدفها، بل أدت لزيادة قوتها واتساع نطاقها وحرصها على الرد بقوة على تلك الاغتيالات، كما أن تلك السياسة تضر بصورة تل أبيب أمام الرأي العام العالمي. فاغتيال الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس لم ينهِ الحركة، بل جاء بعده من سار على نهجه وأكد على أهداف الحركة، وقد أصبحت الحركة أكثر قوةً مما كانت عليه. ولم يؤدِ اغتيال عباس الموسوي إلى انهيار حزب الله، بل جاء بعده حسن نصر الله وأصبح الحزب تحت قيادته أكثر قوة[51]. إن المقاومة والجهاد منهج وفكر عقيدة راسخة لا تفنى بفناء الأفراد.
- الهجمات السيبرانية:
تختلف الحروب السيبرانية عن الحروب التقليدية لطبيعتها الرقمية، إذ تستهدف البنى التحتية الإلكترونية والبيانات والمعلومات. وتعرف الحرب السيبرانية بأنها صراعات حديثة تحدث في البيئة الرقمية الافتراضية، وتُستخدم فيها التكنولوجيا الرقمية والإنترنت والشبكات كأدوات للهجوم لاختراق وتعطيل الأنظمة والبنى التحتية الإلكترونية التابعة للدول والمؤسسات والشركات أو استهداف الأفراد، وذلك لتحقيق أهدافٍ سياسية واستراتيجية واقتصادية دون اللجوء للأدوات العسكرية التقليدية وتكلفتها البشرية والاقتصادية والعسكرية. تتعدد أنواع العمليات السيبرانية، وتشمل: هجمات الإسقاط الخدمي وهي أبسط الهجمات السيبرانية وتهدف لتعطيل الخدمات والمواقع عن طريق إرسال عدد كبير من الطلبات إلى الخوادم من جهازٍ واحد، هجوم حجب الخدمة الموزعة ويستهدف المواقع الكبرى لتعطيل الخدمة بها لفترة معينة ويعتمد على شبكة موزعة من الأجهزة في وقتٍ واحد وهو ما يجعل الاستهداف أكثر خطورة، اختراق الأنظمة والشبكات للوصول غير المصرح به للأنظمة والشبكات لسرقة البيانات وتعطيل العمليات التشغيلية، التجسس السيبراني وسرقة معلومات وبيانات الأفراد والمؤسسات، والتلاعب بالمعلومات ومحاولة تغييرها[52].
يُعد الأمن السيبراني أحد أولويات السياسة الأمنية الإسرائيلية، وقد دفعت الهجمات السيبرانية على الكيان الصهيوني في 2022 الجيش والحكومة الإسرائيلية أواخر يونيو 2022 بالتعاون مع شركات تكنولوجية عالمية ومؤسسات محلية للإعلان عن بدأ إنشاء “قبة سيبرانية”، وذلك لتحقيق الردع السيبراني حيث رصد الهجمات السيبرانية ومحاولة إحباطها وشن هجمة سيبرانية انتقامية ضد منفذها[53].
لقد اعتادت إسرائيل شن هجمات سيبرانية على إيران ومن أمثلتها استهداف البرنامج النووي الإيراني بفيروس “ستكسنت” في عام 2010، واستهداف مرفأ بيروت وتعطيل عمله في عام 2020[54]. وفي ظل عملية طوفان الأقصى، مثل المجال السيبراني ساحة للمواجهة بين إسرائيل المتفوقة في هذا المجال وإيران التي استثمرت في هذا المجال في السنوات الأخيرة، خاصةً مع استبعاد التصعيد العسكري المباشر من كلا الطرفين ضد الآخر.
بالنسبة للهجمات السيبرانية الإسرائيلية ضد حماس ومحور المقاومة، نجحت إسرائيل في السيطرة على ترددات الاتصالات وتدمير بنيتها التحتية في قطاع غزة، وعرقلة وصول حماس إلى الأنظمة والشبكات التي تعتمد عليها في إدارة عملياتها، وهذا من خلال هجمات حجب الخدمة الموزعة DDoS وقد أثر ذلك سلبًا على أعمال المقاومة وتواصل المقاومين ببعضهم البعض[55]. كما تعد عمليات الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل ضد حماس ومحور المقاومة الموالي لإيران نجاح سيبراني واستخباراتي لدولة الاحتلال؛ حيث نجح التتبع والتجسس السيبراني ومهد لنجاح عمليات الاغتيالات، وقد تم استخدام الطائرات بدون طيار المزودة بالذكاء الاصطناعي في بعض تلك الاغتيالات[56].
كما قامت إسرائيل بتعطيل عمل 70٪ من محطات الوقود في إيران. ويعد أبرز وأكبر هجوم سيبراني نفذته إسرائيل منذ طوفان الأقصى هو الهجوم السيبراني ضد حزب الله بلبنان في سبتمبر 2024، إذ استهدفت تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكي (البيجر) التي يستخدمها مقاتلو حزب الله[57]، وقد أدت تلك العملية لقتل ما لا يقل عن 37 وإصابة أكثر من 3000 شخص بينهم الكثير من المدنيين[58]. وفي محاولة لاستغلال البعد الناعم في الفضاء السيبراني ضغطت إسرائيل على شركات التكنولوجيا الرائدة لتقييد وصول المحتوى الداعم للقضية الفلسطينية[59].
أما بالنسبة للعمليات العسكرية التي نفذها محور المقاومة وحماس ضد إسرائيل، تعد عملية طوفان الأقصى نجاح سيبراني واستخباراتي لحركة حماس إذ قامت حماس بتعطيل عدد من أجهزة المراقبة دون أن يتم التعرف على هذا التعطيل في أول العملية مما مكنها من إتمام عملية الطوفان، نجحت حماس في تعطيل عمل القبة الحديدية لأكثر من خمس ساعات قبل إطلاق أول رشقة صاروخية من القطاع، وقامت أيضًا باستهداف أبراج الاتصالات وكابلات الانترنت والتشويش السيبراني على الرادارات وقطع الاتصال بين أنظمة المراقبة والدفاع وساعد ذلك على تقليل قدرة الاحتلال على رصد أنشطة المقاومة، أيضًا التأثير النفسي على سكان دولة الاحتلال من خلال اختراق تطبيقات صفارات الإنذار ووظيفتها إعلام المواطنين بوجود هجمات صاروخية[60]، كذلك اختراق الخوادم والسيرفرات والوصول لمراكز تخزين البيانات، والقيام بهجمات الحرمان من الخدمة على العديد من المواقع الحكومية الإسرائيلية لعدة دقائق، وتعطيل محطة إسرائيل للطاقة الكهرومائية والعديد من المواقع الإلكترونية الإسرائيلية، وقد شارك في تلك العمليات مجموعة سايبر طوفان الأقصى ومجموعة الطوفان الإيرانية ومجموعة أنونيموس السودانية وغيرهم من المجموعات[61]. الجدير بالذكر أن ملايين الشباب العرب والمسلمين والداعمين للقضية الفلسطينية حول العالم قد نفذوا حوالي ثلاثة مليارات هجوم سيبراني بشكلٍ غير منظم ضد دولة الاحتلال منذ السابع من أكتوبر. وقد دعا أبو عبيدة الناطق العسكري باسم كتائب القسام إلى “أكبر هجوم سيبراني ضد العدو”[62].
- الهجوم الإسرائيلي على إيران واستهداف قوتها الصاروخية أكتوبر 2024:
في السادس والعشرين من أكتوبر 2024 وردًا على الهجوم الإيراني الثاني على إسرائيل، أعلنت إسرائيل تنفيذ ثلاث موجات من الضربات الجوية “المحددة والدقيقة” ضد مواقع عسكرية في إيران باستخدام 100 طائرة مقاتلة إسرائيلية. وأوضح الجيش الإسرائيلي أنه نفذ ضربات ضد عشرين هدفًا منها منشآت تصنيع الصواريخ الباليستية وصواريخ أرض جو، بالإضافة لمواقع عسكرية أخرى. وأعلنت إيران عن استهداف إسرائيل لمواقع عسكرية بطهران وخوزستان وعيلان، مشيرةً إلى أنها تصدت للهجوم وأنه أسفر عن أضرار محدودة كما أعلن الجيش الإيراني عن مقتل أربعة ضباط أثناء التصدي للضربات بالقذائف[63].
خامسًا- الهجمات الإيرانية على دولة الاحتلال في ميزان نظرية الردع وعدم التصعيد
في الثالث عشر من أبريل عام 2024 شنت إيران عملية الوعد الصادق وهي أول هجوم مباشر لها على إسرائيل من خلال إطلاق 300 طائرة مسيرة وصاروخ باليستي ومن نوع “كروز”، لم يصل الأراضي المحتلة سوى عدد قليل من الصواريخ الباليستية. وجاء هذا الهجوم ردًا على قصف السفارة الإيرانية بدمشق، والذي راح ضحيته عدد من قيادات الحرس الثوري الإيراني أبرزهم محمد رضا زاهدي مسئول الإمدادات لحزب الله. وقد صرح المتحدث باسم جيش الاحتلال أنه تم اعتراض 99٪ من الصواريخ سواء خارج المجال الجوي الإسرائيلي، أو داخل المجال الجوي الإسرائيلي.
لم تسفر الضربة عن وقوع أي ضحايا أو أضرار كبيرة، واقتصر الأمر على أضرارٍ طفيفة بمنشأة نيفاتيم ومقر الموساد. لم تهدف إيران من الوعد الصادق إلى تحقيق ضربات فعلية وإلحاق الضرر بإسرائيل (حيث أعلنت عن الضربة قبل تنفيذها)، بل أرادت توصيل رسالة للحكومة الإسرائيلية مفادها أن إيران قادرة على استهداف الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكلٍ مباشر إذا اتجهت إسرائيل لتصعيد المواجهة[64].
وفي الأول من أكتوبر 2024، شنت إيران عملية الوعد الصادق 2 وهي الهجوم المباشر الثاني على إسرائيل بإطلاق 200 صاروخ، وأكدت إيران أن العملية أصابت 90٪ من الأهداف التي حددتها. وقد تم تنفيذ تلك العملية ردًا على عمليات اغتيال القادة التي قامت بها إسرائيل وعلى رأسها اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وحسن نصر الله الأمين العام لحزب الله ومعه عباس نيلفروشان نائب قائد الحرس الثوري الإيراني[65].
اختلف الهجوم الإيراني الثاني عن الأول الذي افتقد لعنصر المباغتة والسرية. إذ شهدت الضربة الثانية اتساع نطاق الاستهدافات؛ حيث ضمت مناطق كبيرة من شمال وجنوب ووسط الأراضي المحتلة. وبخلاف الضربة الأولى التي سبق تنفيذها إعلان عنها، والتي لم تكن تهدف إيران من خلالها إلى إلحاق ضرر حقيقي بإسرائيل، جاءت الضربة الثانية بشكل مفاجئ للقيام بضربات فعلية واستهداف مواقع معينة كالقواعد الجوية وإلحاق الضرر بإسرائيل. هدفت إيران من خلال الضربة الثانية إلى استعادة توازن الردع الذي اختل بشكل واضح لصالح إسرائيل نتيجة التصعيد الكبير في المواجهة مع محور المقاومة، وخاصةً المواجهة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية مع حزب الله، فضلا عن عمليات الاغتيالات والهجمات السيبرانية الإسرائيلية، بالإضافة إلى إعلان إسرائيل عن بدء العملية البرية بجنوب لبنان.
لقد رأت إيران أن الردع قد اختل وأن إسرائيل قد تجاوزت الحدود بالدرجة التي تستلزم الرد لاستعادة توازن الردع مرة أخرى، وتأمين جبهات الاسناد واستراتيجية الدفاع الأمامي حيث رأت إيران أن الاستمرار في عدم الرد قد يمنح إسرائيل فرصة لتخطي الدفاع الأمامي عماد العقيدة العسكرية الإيرانية ونقل المعركة للمجال الحيوي لإيران، وهو ما يتعارض مع مبادئ الثورة الإيرانية وأيديولوجية المقاومة. وبالتالي، فإن تأخير الرد كان من الممكن أن يؤثر سلبًا على شرعية النظام السياسي والحالة المعنوية للإيرانيين حيث تعميق الشعور بالانهزام في الداخل[66].
في المقابل، أثرت عملية الوعد الصادق 2 سلبًا على الحالة المعنوية للإسرائيليين وعلى مكاسب نتنياهو واليمين المتطرف من الاستهدافات والعمليات السابق الإشارة إليها، وهو ما ينذر بتعميق الأزمة الداخلية في إسرائيل. لذا ولتجنب ذلك، عمد نتنياهو وأعضاء حكومته في خطاباتهم إلى الترويج لفكرة أن العملية الإيرانية لم تكن فعالة، خاصة وأن إيران أعلنت أنها استهدفت قواعد جوية وبالتالي فإن العمليات الجوية ستكون بمثابة تأكيد لفكرة أن العملية الإيرانية لم تكن فعالة، إضافة إلى البدء الفعلي للعملية البرية جنوب لبنان في اليوم التالي للعملية.
يحاول نتنياهو توريط الولايات المتحدة في مواجهة مباشرة مع إيران من خلال رغبته في التصعيد الواسع والرد على إيران عبر استهداف المنشآت النووية ومنشآت الطاقة الإيرانية، وهو ما رفضته الإدارة الأمريكية[67] حفاظًا على مصالحها بالمنطقة وأكدت على أن الرد يجب أن يكون متناسب[68]، وهو ما حدث بالفعل حيث استهدفت إسرائيل 20 موقعًا عسكريًا بإيران باستخدام 100 طائرة مقاتلة[69].
يمكن القول إن الهجمات الإيرانية المباشرة على إسرائيل (تصعيد محدود منضبط) لا تتناقض مع استراتيجية وتوجه عدم التصعيد. إذ إن الهجمات الإيرانية كان هدفها استعادة توازن الردع، وهو المبدأ الحاكم لتوجه عدم التصعيد في لحظة اختل فيها الردع لصالح إسرائيل.
سادسًا- نتائج المواجهة: إسرائيل بين الخسائر المادية والمعنوية
تكبدت إسرائيل خسائر كبيرة في مواجهة إيران ومحور المقاومة، خاصةً جبهتي لبنان واليمن، خلال ما يزيد على عام منذ طوفان الأقصى، كما تكبدت جبهات الإسناد هي الأخرى الكثير من الخسائر.
1) خسائر ناجمة عن المواجهة المباشرة مع حزب الله: بدأ حزب الله مساندته لغزة في الثامن من أكتوبر 2023، اتسمت المواجهة بين إسرائيل وحزب الله في بادئ الأمر بالتصعيد المحدود واتسع نطاق المواجهة فيما بعد مما جعل المواجهة شبه مفتوحة برًا وجوًا. أصبحت منطقة الجليل شمال الأراضي المحتلة مهددة أمنيًا، وهو ما دفع سلطات الاحتلال لإخلاء 28 مستوطنة في الشمال ونقل أكثر من 60000 إسرائيلي للداخل، وقد استهدف حزب الله المواقع العسكرية والاستخباراتية في الجليل كاستهداف مقر الاستخبارات الإسرائيلية الرئيسي بشمال دولة الاحتلال في صفد واستهداف مقر لواء غولاني. وقد عبرت الحرب الطويلة مع حزب الله عن تصدع في العقيدة القتالية الإسرائيلية المعتمدة على مبدأ الحروب الخاطفة وتحقيق أهداف سريعة بالاعتماد على التفوق التقني والاستخباراتي. كما فشلت استراتيجية الدفاع السلبي في الشمال القائمة على ثلاثية الردع المعتمدة على التفوق الجوي، والسيطرة الاستخباراتية، وقدرة سكان الشمال على التكيف مع الضغوط المعنوية والاقتصادية للهجمات، وقد تعرضت الأسس الثلاثة لتحديات مباشرة جراء استهدافات حزب الله. وخلال شهر منذ بدء إسرائيل العملية البرية في جنوب لبنان، أعلنت إسرائيل عن مقتل 75 وإصابة 750 جنديًا وضابطًا إسرائيليًا، وعن مقتل 45 من سكان الشمال والجولان السوري المحتل[70]، وعن تدمير حزب الله 38 دبابة ميركافا وإسقاط 4 مسيرات عالية التقنية[71].
أما بالنسبة للخسائر الاقتصادية، انخفض الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي إلى 8٪ وارتفع التضخم إلى 3.5٪[72]. لقد كلف توسيع الحرب ضد حزب الله في الشهرين الماضيين إسرائيل 9 مليار دولار، كما أن استهدافات حزب الله لحيفا والمناطق المحيطة بها -وهي مركز تجاري وبها منشآت الطاقة- يكلف إسرائيل 150 مليون دولار يوميًا. ومن المتوقع زيادة نفقات الحرب الإسرائيلية بقيمة 111 مليار شيكل مع استمرار المواجهة مع حزب الله.
كما بلغت خسائر قطاع السياحة في الشمال 3.5 مليار دولار. وكلف إخلاء سكان مستوطنات الجليل 613 مليون دولار مع تخصيص 1.7 مليار دولار لاستكمال عمليات إخلاء مستطونات الشمال، كما أن التعويضات عن المنازل المتضررة جراء استهدافات حزب الله كلف إسرائيل 4 مليار دولار، وقد كلف توقف 57600 شخص من مستوطنات الشمال عن العمل كلف إسرائيل 63.2 مليون دولار أسبوعيًا. وكلف إسرائيل أيضًا تعطل القطاع الزراعي في الشمال 500 مليون دولار وتضررت محاصيل زراعية بقيمة 5.4 مليون دولار كما تم إغلاق 24 مرعى حيواني[73].
على الجانب الآخر تكبد حزب الله خسائر كبيرة، إذ تقول إسرائيل أنها تمكنت من تدمير ثلثي القدرات الصاروخية لحزب الله. وعلى الرغم من أن ذلك قد يكون مبالغة للتأثير على الحالة المعنوية لجبهات الإسناد، إلا أنها أصابت جزءًا مؤثرًا من قدرات حزب الله الجوية، فضلا عما تكررت الإشارة إليه من اغتيالات وهجمات سيبرانية. ومنذ طوفان الأقصى وحتى سبتمبر 2024، أعلن حزب الله عن مقتل 500 من مجاهديه ولكنه توقف عن الإعلان عن شهدائه، في حين قالت بعض المؤسسات الإعلامية الإسرائيلية أن عدد قتلى حزب الله يتراوح بين 2500 و3000[74].
وقد أدت عمليات الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان إلى نزوح حوالي 886000 من سكان الجنوب وهجرة 540000 شخص إلى سوريا، كما أعلنت وزارة الصحة اللبنانية في نوفمبر 2024 عن استشهاد 3768 شخصًا وإصابة 15699 آخرين منذ الثامن من أكتوبر 2023. ولقد تكبدت لبنان خسائر اقتصادية كبيرة، فوفقًا للبنك الدولي بلغت الخسائر بلبنان 8.5 مليار دولار[75].
2) خسائر المواجهة مع الحوثيين: استهدف الحوثيون حوالي 199 سفينة مرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا منذ نوفمبر 2023 وحتى أكتوبر 2024، وقد أوقفت تلك الهجمات التجارة المتجهة نحو إسرائيل عبر البحر الأحمر. وقد دفعت تلك العمليات الكثير من شركات الشحن في العالم إلى تغيير طرق إبحارها واللجوء لطرق أطول، وهو ما أدى لرفع أسعار الشحن بين أوروبا وآسيا بنسب وصلت إلى 173٪. وقد أعلن الرئيس التنفيذي لميناء إيلات المنفذ الوحيد لإسرائيل على البحر الأحمر أن عمليات اليمن كبدت الميناء 14 مليون دولار قابلة للزيادة، وأنه تم إغلاق الميناء في نوفمبر 2023 ونقلت نشاطاته إلى ميناءي أسدود وحيفا وسُرح عماله[76].
وفي سياقٍ مضطرب كهذا تأثر قطاع الشركات الناشئة في إسرائيل، حيث تشير الإحصاءات إلى أن 44٪ من الشركات الناشئة غادرت إسرائيل. وفي البورصة، انخفض كلًا من مؤشر TA-125 وهو مؤشر يشمل أكبر 125 شركة بالبورصة الإسرائيلية، ومؤشر TA-35 وهو مؤشر يضم أكبر 35 شركة من حيث القيمة التسويقية في البورصة بعد هجمات الحوثيين بنسبة 1.1٪ وهو ما يؤكد على تراجع أداء الشركات الكبرى في إسرائيل.
كما تراجع مؤشر تل أبيب لأكبر خمس بنوك بنسبة 1.3٪، وتراجع أيضًا مؤشر TA-Construction الذي يقيس أداء الشركات العاملة في مجال البناء والإنشاءات بنسبة 1.6٪، إضافة إلى ذلك انخفض مؤشر TA-Biomed والذي يعبر عن أداء شركات التكنولوجيا بنسبة 2٪، ويشير تراجع تلك المؤشرات على تأثر الشركات الإسرائيلية بهجمات الحوثيين وحالة عدم الاستقرار السياسي.
الجدير بالذكر أن هجمات الحوثي وجبهات الإسناد الأخرى وعملية السابع من أكتوبر سببت عجزًا ماليًا كبير في إسرائيل، حيث وصل العجز المالي في يونيو 2024 إلى 7.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنة الماضية وهو ما يعادل 39.8 مليار دولار. ومنذ بداية 2024، وصل العجز المالي 17 مليار دولار. وبالنسبة للإنفاق الحكومي، فإنه ارتفع منذ بداية 2024 بنسبة 34.2٪ مقارنةً ببداية 2023[77].
أما بالنسبة لخسائر الحوثيين، منذ الثاني عشر من يناير 2024 نجحت الولايات المتحدة وإسرائيل والتحالف الدولي في صد بعض هجمات الحوثيين واستهداف عدد من المواقع التابعة لهم وكذلك عدد من المعدات العسكرية والطائرات والصواريخ؛ وذلك لتقليل قدرتهم على المواصلة في استهداف السفن بالبحر الأحمر وخليج عدن، كما قامت الولايات المتحدة بتصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية[78]. ووفقًا لما أعلنه الحوثيون، تم استهداف مبنى الإذاعة بمديرية الحوك بمحافظة الحديدة، ومطار صنعاء الدولي، وشبكة الاتصالات بمحافظة تعز ومحطتي رأس كتنيب والحالي، وخزانات النفط في ميناء عيسى، وكذلك ميناء الحديدة الذي بلغت خسائره 20 مليون دولار بالإضافة لتدمير بعض معداته[79] وقد توقف العمل بالميناء على إثر ذلك فترة محدودة[80]. وقد استشهد جراء تلك العمليات 16 مدني وأصيب 55 آخرون[81].
3) خسائر معنوية ناتجة عن استهداف السمعة “الدولة التي لا تقهر”: لقد أسقط طوفان الأقصى وجبهات إسناد غزة نظرية الأمن الإسرائيلي القائمة على الردع ومبدأ القتال في أرض العدو والمعارك الخاطفة والاستباقية، حيث أكدت عملية السابع من أكتوبر وضربات إيران وهجمات جبهات إسناد لبنان والعراق واليمن في قلب الأراضي الفلسطينية المحتلة والعديد من المناطق الأخرى على أن إسرائيل غير آمنة وقابلة للاختراق[82].
وقد أثبت ذلك سقوط أسطورة القبة الحديدية وكشف مواطن الضعف فيها، والمتمثلة في أنها تفشل في التعامل مع الاستهدافات المتتالية والمتتابعة والهجمات ذات العدد الكبير من الصواريخ في المرة الواحدة، كما أن تكلفة الصواريخ التي تستخدمها القبة الحديدية -والتي يصل بعضها لمليون دولار- أكبر من تكلفة الصواريخ التي تعتمد عليها إيران والمقاومة الفلسطينية وجبهات الإسناد في هجماتها، الأمر الذي يمنحهم فرصة القيام بهجمات بأعداد تتخطى قدرة القبة الحديدية على التصدي لها[83]. وقد كشف طوفان الأقصى أيضًا عن فشل استخباراتي إسرائيلي، حيث استطاعت المقاومة الفلسطينية تنفيذ أكبر عملية توغل واجتياح داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ إنشاء دولة الاحتلال دون اكتشاف الهجوم في البداية وأدى ذلك لانهيار أسطورة الدولة التي لا تقهر.
على جانب آخر، لقد أدت عملية طوفان الأقصى إلى هجرة نصف مليون إسرائيلي حتى يونيو 2024، كما انخفضت أعداد المهاجرين إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي بنسبة 70٪ في نوفمبر 2023 حيث هاجر فقط 2000 شخص إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة[84]، نتيجة سقوط نظرية الأمن الإسرائيلي وفكرة أنها “الملاذ الآمن لليهود حول العالم”.
كما مثل طوفان الأقصى وما تقوم به جبهات المقاومة ضربة لمحاولات التطبيع الإسرائيلي مع الحكومات العربية، إذ تم إسقاط نظرية الأمن الإسرائيلي وصورتها باعتبارها قادرة على حسم الصراعات بشكل استباقي واهتزت ثقة الأنظمة العربية في التحالف معها وبالتالي تعطل مبدأ التطبيع مقابل السلام وقدرته على تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، وهو أمر يصب في صالح إيران[85].
بشكلٍ عام، على الرغم من الخسائر الاقتصادية والعسكرية التي تتعرض لها إيران وجبهات الإسناد الموالية لها في المنطقة، إلا أن طوفان الأقصى عزز نفوذ إيران في المنطقة من خلال الجماعات التي تدعمها وتمولها ماليًا وعسكريًا. كما عرقل طوفان الأقصى عمليات التطبيع التي اعتبرتها إيران تهديدًا لمشروعها الإقليمي، وتوسيعًا للنفوذ الأمريكي والإسرائيلي في الدول العربية. وكذلك تضرر مخطط “الشرق الأوسط الجديد” الإسرائيلي والأمريكي، الذي يعمل على شيطنة إيران والترويج لفكرة أنها العدو الأول للدول العربية وليس دولة الاحتلال الإسرائيلي، ويهدف ذلك المخطط لإنشاء حلف عسكري عربي إسرائيلي لمواجهة إيران[86]. كما نجحت إيران في كسب الرأي العام العربي والإسلامي بتأييدها ومساندتها لغزة، وتمويلها لجبهات الإسناد. وأخيرًا، أوصلت إيران رسالة للقوى الدولية مفادها إن أي محاولة لتشكيل نظام وهيكل أمني جديد في الشرق الأوسط يجب أن يضع مصالح إيران وشركائها بعين الاعتبار[87].
خاتمة:
تعتمد إيران على التصعيد المحدود والمنضبط في صراعها مع إسرائيل بالاعتماد على جبهات الإسناد في مناطق نفوذها الإقليمي، وهو ما لا يتعارض مع توجه إيران في عدم تصعيد المواجهة لحرب عسكرية شاملة. ولقد جاءت الضربة الثانية لإيران على إسرائيل في أكتوبر 2024 لتؤكد على قدرة إيران على الوصول لعمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى مصداقية قاعدة الردع التي أرستها الضربة الأولى لإيران على إسرائيل في أبريل 2024، والمتمثلة في الرد المباشر في حال تخطت إسرائيل قواعد الدفاع الأمامي والردع المتبادل بينهما[88]. وقد أكد ذلك تصريحات الحرس الثوري والرئيس الإيراني؛ إذ شددوا على أن رد إيران سيكون أقسى إذا قامت إسرائيل بالرد على الهجوم الصاروخي الإيراني.
وتلعب الولايات المتحدة دورًا محوريًا في موازنة الردع وعدم تصعيد الأوضاع لحربٍ شاملة؛ فهي لا ترغب في التورط في حرب مع إيران على الرغم من رغبة نتنياهو في ذلك لاستعادة نفوذه ومكانته السياسية داخليًا. وقد ظهر الدور الأمريكي لعدم التصعيد بشكلٍ واضح بعد الهجوم الإيراني الثاني، فعلى الرغم من تأكيد الولايات المتحدة على حق إسرائيل في الرد إلا أنها رفضت رغبة نتنياهو في استهداف المنشآت النووية الإيرانية لأن ذلك من شأنه أن يؤدي لحرب شاملة في المنطقة، وهو ما يُهدد مصالح الولايات المتحدة فيها. وبالفعل لم يستهدف الهجوم الإسرائيلي على إيران المنشآت النووية، وإنما استهدف مواقع عسكرية بإيران. وقد أعلن البيت الأبيض بعد الهجوم أن الرد الإسرائيلي انتهى وطالب إيران بعدم الرد، كما أكد على أن الولايات المتحدة مستعدة للدفاع عن إسرائيل في حال استهدفتها إيران مرةً أخرى. وبالتالي، يمكن القول إن مستقبل المواجهة بين البلدين مرتبط بسلوك إسرائيل -الذي تحدد الولايات المتحدة مدى قبوله- ومدى التزامها بقواعد الردع مع إيران، وعدم انتهاك سيادتها كما حدث في استهداف السفارة الإيرانية بدمشق واغتيال هنية بطهران.
___________
هوامش
⁕ باحث في العلوم السياسية.
[1] عبد العال الديربي، محمد عبد المحسن حسين، أحمد جلال محمود، المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية الإيرانية في عصر ما بعد الثورة الإيرانية، مجلة الدراسات السياسية والاقتصادية – كلية السياسة والاقتصاد جامعة السويس، العدد الثاني، أكتوبر 2024، ص ص 197-198.
[2] سماح عبد الصبور عبد الحي، القوة الذكية في السياسة الخارجية: دراسة في أدوات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه لبنان منذ 2005، رسالة ماجستير، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، 2013، ص ص 104-106.
[3] عباس شريفة، المشروع الإيراني في المنطقة العربية كما تؤسسه نظرية أم القرى، مجلة رواء، العدد الخامس والعشرون مارس 2024، تاريخ الاطلاع: 21 /11/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/vqbAd2tm
[4] عبد العال الديربي وآخرون، مرجع سابق، ص 201.
[5] سماح عبد الصبور، مرجع سابق، ص ص 94-96.
[6] شيماء بهاء الدين، المشروع الإقليمي الإيراني في ضوء الطوفان والحرب على غزة.. هل من مسار لتوازن القوى بين العرب وإيران؟، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، ص 10، 20 مايو 2024، تاريخ الاطلاع: 1/12/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/fFFgasoR
[7] خامنئي: عملية طوفان الأقصى أفشلت محاولات التطبيع، sky news عربية، 3 يونيو 2024، تاريخ الاطلاع: 21/11/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/Jr0anUpO
[8] النص الكامل لكلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع جمع من أهالي محافظتي خوزستان وكرمان، الموقع الرسمي لآية الله علي خامنئي بالعربية، 25/12/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://arabic.khamenei.ir/news/7881
[9] محمد حمدان، “اجتثاث أمريكا”: تفكيك النفوذ الأمريكي في غرب آسيا، الموقع الرسمي لآية الله علي خامنئي بالعربية، 31/12/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://arabic.khamenei.ir/news/7900
[10] النص الكامل لكلمة الإمام الخامنئي في لقاء التعبويين بمناسبة “أسبوع التعبئة”، الموقع الرسمي لآية الله علي خامنئي بالعربية، 29/11/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://arabic.khamenei.ir/news/7817
[11] رئيسي: مستمرون في دعم فلسطين.. وتطورات الأوضاع لن تؤثر في سياستنا الخارجية، رأي اليوم، 3/12/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/BFXjgmKl
[12] رئيس الجمهورية: عملية “طوفان الأقصى” حطمت هيمنة الكيان الصهيوني، وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (ارنا)، 23/11/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/VWbp7iTH
[13] سماح عبد الصبور، مرجع سابق، ص 148.
[14] نويد أحمد، عقيدة الدفاع الأمامي الإيرانية: برامج الصواريخ والفضاء، رصانة – المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 11 أكتوبر 2020، ص ص 5-6، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/qXldcDrb
[15] المرجع السابق، ص ص 7-8.
[16] محمد أشقر، تغير العقيدة العسكرية الإيرانية خلال الحرب السورية، سلسلة تحليلات استراتيجية – المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 6 ديسمبر 2021، ص ص 1-3، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/mHGj2FxW
[17] نويد أحمد، مرجع سابق، ص ص 4-5
[18] محمد السعيد إدريس، علاقات إيران مع محور المقاومة في ضوء تحديات طوفان الأقصى، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، دورية الملف المصري، العدد 116، مايو 2024، ص 19.
[19] شيماء بهاء الدين، مرجع سابق، ص5.
[20] نبيل عودة، تحليل الصراع بين إيران وإسرائيل باستخدام الذكاء الاصطناعي ونظرية الألعاب، الجزيرة، 29/10/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/KydOVgUn
[21] المرجع السابق.
[22] محور المقاومة.. تحالف إقليمي لمواجهة إسرائيل، الجزيرة، 19/7/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/L5ECFpJE
[23] محمد السعيد إدريس، مرجع سابق.
[24] كيف نشأ حزب الله اللبناني وما دور حسن نصر الله فيه، BBC NEWS عربي، 24 سبتمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://linksshortcut.com/vJWjR
[25] نصر الله: انخرطنا في الحرب من البداية ومستمرون فيها، الجزيرة، 3/11/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/tv52T33t
[26] سجود عوايص، ما الذي تفكك بالفعل؟ ما لا يُحكى عنه في مستوطنات الشمال، شبكة الميادين، 19 أبريل 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/iF39UTfb
[27] بين “قواعد الاشتباك” وحافة الحرب.. قراءات في تكتيكات حزب الله، الجزيرة، 25/10/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/2K4aEg5G
[28] القواعد العسكرية الإسرائيلية التي استهدفها حزب الله منذ طوفان الأقصى، الجزيرة، 25/8/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/aRjSwgRF
[29] جنى الدهيبي، محمد حسين، محمد الحداد، محمد العلي، حزب الله وإسرائيل.. 4700 هجوم عبر الحدود في 6 أشهر، الجزيرة، 9/4/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/gmWwaDO
[30] محمد السعيد إدريس، مرجع سابق، ص 17
[31] بسمة سعد، ما بين التصعيد والتهدئة: تطور التكتيكات القتالية لجماعة الحوثي في البحر الأحمر، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 17/4/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/QqzM96QV
[32] نصر رشدي، طوفان الأقصى ومعركة الفتح الموعود: كيف يحشد الحوثيون الدعم الشعبي، منتدى سلام اليمن، 24 أبريل 2024، https://2u.pw/8Z9HOXeU
[33] النص الكامل لكلمة عبد الملك الحوثي حول “طوفان الأقصى” والرد الإسرائيلي، CNN بالعربية، 11 أكتوبر 2023م، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/EnJwQrik
[34] علي الذهب، انخراط الحوثيين في حرب غزة وتداعياته على أمن البحر الأحمر وعملية السلام في اليمن، تقييم حالة – المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 28 يناير 2024، ص ص 1-2، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/QJ2lePLR
[35] هذه أبرز هجمات الحوثيين المساندة لغزة خلال عام، الجزيرة، 7/10/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/AqiItssO
[36] المرجع السابق.
[37] محمد السعيد إدريس، مرجع سابق، ص 17.
[38] صافيناز محمد أحمد، “طوفان الأقصى”.. يضرب القواعد الامريكية في العراق وسوريا، مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية،21/10/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/LCmwfuVy
[39] المقاومة الإسلامية في العراق.. فصائل موالية لإيران تكتلت بعد طوفان الأقصى، الجزيرة، 17/11/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/FwNlXk7G
[40] حسن نافعة، “محور المقاومة” في مرآة “طوفان الأقصى”، شبكة ميادين، سبتمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/ni06rjSW
[41] فراس فحام، الإسناد البارد.. موقف النظام السوري من التصعيد الإسرائيلي، الجزيرة، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/qa1hl1CF
[42] أحمد الدرزي، سوريا بعد طوفان الأقصى: واقع جديد لمعادلات القوة، شبكة الميادين، 27 أبريل 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/NiOrPflG
[43] سياسة الاغتيالات الإسرائيلية نجاح تكتيكي وإخفاق استراتيجي، الجزيرة، 31/1/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/Fitc6z49
[44] هاجر أيمن، سياسة الاغتيالات في الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 3/8/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://ecss.com.eg/47219/
[45] المرجع السابق.
[46] الاغتيالات الإسرائيلية الأخيرة… فرض واقع جديد أم تكرار للماضي؟، الشرق الأوسط، 3 أكتوبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/zYzuTNEu
[47] منذ بدء “طوفان الأقصى” … تعرف على أبرز الاغتيالات الإسرائيلية، تليفزيون العربي، 28 سبتمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/ABLSPiMB
[48] أبرز الأسماء الإيرانية التي تم اغتيالها خلال السنوات الأخيرة، RT Arabic، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/1jrBy2z3
[49] الدويري: هذه أهداف نتنياهو من الاغتيالات، الجزيرة، 4/8/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/UTXs054j
[50] مهاب عادل، السياسة الإسرائيلية خلال المرحلة القادمة من الحرب.. الاغتيالات وتسخين الجبهات، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، تقديرات استراتيجية، يناير 2024، ص ص 2-3، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/OQrj9yBs
[51] هاجر أيمن، مرجع سابق.
[52] علي مرعي، الحروب السيبرانية في معركة طوفان الأقصى، شبكة الميادين، 28 ديسمبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/ToWhdRrZ
[53] رغدة البهي، القبة السيبرانية الإسرائيلية: السمات والدوافع، المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، 3/8/2022، متاح عبر الرابط التالي: https://ecss.com.eg/20310/
[54] إسرائيل تطور “قبة سيبرانية” للتصدي للهجمات الإيرانية، INDEPENDEDNT عربية، 3 مايو 2024م، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/atlSjh9D
[55] دينا إيهاب محمود، قراءة في التطور التكنولوجي العسكري الإسرائيلي: استراتيجيات وآفاق، مركز شاف ، 22 سبتمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/SRGSjRlA
[56] خالد المطلق، الحرب السيبرانية الإسرائيلية على أذرع إيران، إيلاف، 23 سبتمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/DhzjOFEx
[57] دينا إيهاب، مرجع سابق.
[58] ارتفاع حصيلة تفجير الأجهزة اللاسلكية في لبنان، sky news عربية، 19 سبتمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/VhmQBkgW
[59] خالد وليد محمود، التحدي السيبراني.. كيف تتسابق المقاومة وإسرائيل لصناعة الحقيقة؟، الجزيرة، 1/4/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/eB6NhefR
[60] Omar Yoachimik, Jorge Pacheco، الهجمات السيبرانية في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس،CLOUDFLARE، 23/10/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/qb5Jr3Ge
[61] خالد وليد، مرجع سابق.
[62] بعد دعوة أبو عبيدة: اختراق سيبراني لعدة مواقع إسرائيلية، أثير، 8/10/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://www.atheer.om/2024/10/08/002536/
إسرائيل تعرضت ل3 مليارات هجوم سيبراني منذ حرب 7 أكتوبر، الشرق الأوسط، 12 يوليو 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/loD4VdFu
[63] توم بينيت، ما الذي نعرفه عن هجوم إسرائيل على إيران؟، BBC NEWS عربي، 26/10/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/VGJorIFw
[64] ما الرسالة التي أرادت إيران إيصالها من خلال هجومها على إسرائيل؟، BBC NEWS عربي، 14 أبريل 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/Fby4hk1v
[65] طه خليفة، رسائل الوعد الصادق الإيراني، الجزيرة – مقالات، 2/10/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/Y3igK8mZ
[66] مهاب عادل حسن، اتجاهات التصعيد الإسرائيلي ضد إيران، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أكتوبر 2024، ص 2، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/rELXKTd6
[67] حسن أبو طالب، حروب “البينغ بونغ” بين إسرائيل وإيران.. مواجهات مفتوحة ومخاطر كبيرة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أكتوبر 2024، ص 3، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/8jqULkqL
[68] المرجع السابق.
[69] أهداف عملية أيام الحساب الإسرائيلية في الرد على إيران، sky new عربية، 26 أكتوبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/KtYU7tmH
[70] مقارنة بين خسائر حزب الله وإسرائيل.. مدنية وعسكرية خلال حرب الشهرين، العربية، 28/11/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/oCAXOsl4
[71] عبد الوهاب المرسي، خسائر إسرائيل في جبهة لبنان.. من يصرخ أولًا، 4/11/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/wq68MNDi
[72] حقائق حول الخسائر البشرية والمادية في لبنان وإسرائيل، الجزيرة، 26/11/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/NkzxmLIy
[73] عبد الوهاب المرسي، مرجع سابق.
[74] حقائق حول الخسائر البشرية والمادية في لبنان وإسرائيل، مرجع سابق.
[75] المرجع السابق.
[76] جبهات إسناد المقاومة في غزة.. عمق التأثير والسيناريوهات المحتملة، المركز الفلسطيني للإعلام، 26 سبتمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/6gZQRAXu
[77] محمود يوسف، إسرائيل.. ما القطاعات الاقتصادية الأكثر تضررًا من مواجهة الحوثيين؟، الجزيرة، 24/7/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/KyOxmxXS
[78] محمد محمود السيد، حدود الاستفادة الإسرائيلية من الضربات الأمريكية ضد الحوثيين، مركز المستقبل، 22 يناير 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/ZGM8EDVZ
[79]تفاصيل الضربات الأمريكية والبريطانية ضد أهداف للحوثيين، CNN بالعربية، 31/5/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/6uo2leGJ
[80] 20 مليون دولار خسائر قصف إسرائيل لميناء الحديدة، الجزيرة، 29/7/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/Y1h6Z7bE
[81] إسرائيل والحوثيون: هل بلغ الصدام مرحلة الانفجار؟، BBC NEWS عربي، 2/10/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/tb7m4nrN
[82] محسن صالح: طوفان الأقصى أسقط أوهام إسرائيل وفضح الغرب وألهم الأمة، حوار خاص للمركز الفلسطيني للإعلام مع الدكتور محسن صالح، المركز الفلسطيني للإعلام، 22/4/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/gaaGyjEs
[83] أحمد حسن إسماعيل، هل أثبتت القبة الحديدية الإسرائيلية فعاليتها تقنيًا؟، الجزيرة، 6/10/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/qRkziDuS
[84] الفرار من الأرض المقدسة.. نصف مليون يتركون إسرائيل بسبب الطوفان، الجزيرة، 11/8/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/b8kRtZHq
[85] محسن صالح: طوفان الأقصى أسقط أوهام إسرائيل وفضح الغرب وألهم الأمة، مرجع سابق.
[86] شيماء عبد الحميد، مكاسب إيرانية عدة من عملية طوفان الأقصى.. فهل تغامر طهران بالتدخل في الصراع؟، مركز شاف، 21 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/1i2LN0ga
[87] تداعيات حرب غزة على نفوذ إيران الإقليمي، مرجع سابق، ص 3.
[88] مهاب عادل حسن، مرجع سابق، ص 4.
- فصلية قضايا ونظرات- العدد السادس والثلاثون- يناير 2025