نيجيريا ومالي: بين الاقتصاد والحرب على الإرهاب

مقدمة:

تشهد كل من دولتي مالي ونيجيريا تدهورًا في الأوضاع الأمنية خلال العام 2019، حيث تعيش الدولتان حالة من الحرب على الإرهاب في إطار مسلسل تاريخي من عدم الاستقرار وتردِّي الوضع الأمني، تفاقم الأمر مع وجود مشكلات هيكلية في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومع تعقُّد المشهد مع تعدُّد الفاعلين فيه وتعدُّد مستويات تحليلهم.

غير أن عام 2019 شهد عدَّة أحداث هامَّة في هذا الصدد بلغت خطورتها مبلغًا عظيمًا إلى الحدِّ الذي دفع بعض الدول الغربية إلى تنبيه رعاياها في الدولتين إلى هذا الأمر مع توعيتهم ببعض الإجراءات الاحترازية في حالة الإقامة أو السفر إلى الدولتين.

ونظرًا لأن هذه الحروب مستمرة منذ ما يربو على العقد فإن آثارها تطال عدَّة مجالات، ومن أبرزها المجال الاقتصادي والإنساني، ولم يقتصر الأثر على الداخل المالي والنيجيري، إنما امتدَّت إلى الجوار الإقليمي بل وحتى المجال العالمي.  وفيما يلي نتناول حرب الدولتين على الإرهاب بشيء من التفصيل نمهِّد بنبذة تاريخية عن الدولتين اللتين تقعان في منطقة غرب أفريقيا.

تتميز نيجيريا بكثافة عدد سكانها ويبلغ 205 مليون نسمة تقريبًا، نصفهم من المسلمين ويعيشون في الشمال، بينما تبلغ نسبة المسيحيِّين حوالي 40% ويعيشون في الجنوب إضافة إلى بعض من يعتنقون ديانات أخرى[1]، أما مالي فيبلغ عدد سكانها 20 مليونًا و82 ألف نسمة، تحتل المرتبة الستين بين دول العالم من حيث الكثافة السكانية، تبلغ نسبة السكان الذين يسكنون في المناطق الحضرية حوالي 44% من السكان[2].

أولًا- أسباب تفاقم أزمات الحرب على الإرهاب في الدولتين

على الرغم من أن ما يقفز إلى الواجهة في الدولتين هي أزمة الحرب على الإرهاب غير أن جذورها العميقة في الدولتين تعزِّز استمراريَّة الأزمة بل وتضاعف من تداعياتها، ومن ثم فإن فهم الحرب على الإرهاب يقتضي الوقوف على هذه الأسباب الكامنة. تعود بعض هذه الأسباب إلى أسباب هيكلية متعلِّقة ببنية الدولة أو المجتمع، وبعضها سياسي متعلِّق بآليات ممارسة السلطة والسياسة، وبعضها اقتصادي متعلِّق بتوزيع الثروات وحجم الفارق بين الطبقات، ففي الحالة النيجيرية على سبيل المثال يعد إخفاق الدولة في القيام بوظائفها والتعامل مع الأزمات التي تواجهها أحد أبرز مسبِّبات تفاقم الأزمة إذ إنها استجمعت عدَّة ملامح من التعريف القياسي لمفهوم الدولة الفاشلة.

تعاني نيجيريا من هشاشة النظام السياسي أي هشاشة مؤسساته وعجزه عن التعامل مع التحديات والمسؤوليات المنوطة به، ويمكن الاستدلال على هشاشة المؤسسات بتتبُّع المؤسسات الأمنية وتحديدًا مؤسسة الجيش النيجيري، فعلى الرغم من نصِّ الدستور على دور الجيش في حفظ أمن البلاد وتجانس أراضيها إلا أنه متواجد بقوة في الحياة السياسية والبرلمانية تحديدًا، ممَّا أدَّى إلى إخفاقه في إدارة بعض الملفَّات، مثل العنف التالي للانتخابات وما رافقه من عدم استقرار سياسي، وهو ما يعني غياب قدرة أي فصيل نيجيري على السيطرة على مجريات الأمور؛ بالتالي تظل هناك عدَّة قوى متنافسة أو متصارعة تكاد تكون متكافئة في موازين القوى فلا يستطيع أيٌّ منها التغلُّب على باقي القوى فتظل حالة عدم الاستقرار السياسي قائمة[3].

تتَّضح هشاشة النظام كذلك في إخفاقه في القيام ببعض المسؤوليات بل والإلقاء بمسؤوليتها على فاعلين آخرين فقط لمجرد التنصُّل من المسؤولية، ويتَّضح هذا في الملف الأمني، حيث يعاني الشمال من حالة من الفراغ الأمني تتجلَّى في سرقة البنوك وعمليات الخطف والعنف بعد الانتخابات، فضلًا عن تعرُّض الشركات العاملة في الشمال لمحاولات النهب، على الرغم من فداحة هذا الأمر إلا أن المسؤول عنه لا يزال غائبًا، فالمفترض أن تقوم الحكومة بتحديد المرتكب الحقيقي لمثل هذه الأعمال وذلك بعد بذل الجهود في إنهاء حالة غياب الأمن تلك، وفي الغالب تدور الشكوك حول جماعة “بوكو حرام” وكذلك جماعات أخرى أو أفراد مسلحين يعملون بمفردهم ويقتاتون على هذه العمليات، لكن الحكومة تكتفي أحيانًا باتهام “بوكو حرام” بالقيام بهذا الأمر لتبرير تعاملات الحكومة مع الجماعة، في المقابل لا تتبنَّى “بوكو حرام” كافَّة العمليات كما لا يوجد متحدِّث رسمي لها يمكن الرجوع إليه لإثبات اتهامات الحكومة أو نفيها[4]، ومن ثم تبقى المعضلة الأمنية قائمة ويبقى المتسببون فيها مجهولين ولا يعرف حجم قوتهم، وذلك في ظلِّ عجز الحكومة عن بسط الأمن وعدم شفافيتها فيما يتعلق بالمعلومات اللازمة لهذا الملف.

وقد لفتتْ حالة الفراغ الأمني في الشمال والشمال الشرقي من نيجيريا نظر المجتمع الدولي إلى عجز الحكومة عن بسط نفوذها في تلك المساحات بسبب قصور التجهيزات اللازمة لقوات الجيش للتعامل مع مثل هذه المعضلات، ممَّا دفع بعض أفراد الجيش إلى التسرُّب منه، وقد شهد عام 2014 فرار حوالي 500 جندي نيجيري إلى الكاميرون هربًا من مواجهة “بوكو حرام”[5].

ولا يطال الإخفاق الملف الأمني وحده في نيجيريا وإنما يطال كذلك الملفات الخدمية ومنها ملفي التعليم والصحة، إذ يواجه النظام أزمة صحية تتمثَّل في انتشار الأوبئة مثل الإيدز الذي احتلَّت فيه نيجيريا المرتبة الثانية بين دول أفريقيا عام 2012 إضافة إلى الملاريا[6]، أما التعليم فتكمُن أزمتُه في نيجيريا في سياسات التوظيف إذ تخرج الجامعات الطلاب سنويًّا ليواجهوا نسبة بطالة تبلغ تقريبا 18% ومع غياب حلول لهذه الأزمة يلجأ الخريجون العاطلون إلى العمل المسلَّح[7].

أما الوضع السياسي في مالي، فنجد أن أزمة الاندماج الوطني هي من أهم الأزمات التي تواجه النظام السياسي، حيث تتكون مالي من مجموعة من الجماعات الرافضة مختلفة المصالح والأهداف، ومن جانب آخر وما يزيد أزمة الاندماج الوطنى سوء في مالي هو فشل النظام السياسي إما للفساد المستشري فيه أو نتيجة ضعف قدرته على الوفاء بمطالب واحتياجات تلك الجماعات[8].

وأمَّا على الصعيد الاقتصادي: فتُعاني الدولتان جرَّاء الحرب وإن اختلفت سياقات تأثُّرهما، فأمَّا مالي فتتميَّز بأنها دولة منخفضة الدخل عمومًا ذات اقتصاد متنوِّع سريع التأثُّر بتقلُّبات أسعار السلع والخدمات، حيث ظلَّ معدل النمو الاقتصادي منخفضًا في السنوات الأخيرة حتى وصل إلى 4.7% عام 2018، عند الوقوف على أسباب ذلك نجد أن انعدام الأمن وتحديدًا في المناطق الوسطى أحد أهم الأسباب بجانب عدم الاستقرار السياسي[9].

ويرتكز الاقتصاد المالي بشكل أساسي على قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والصيد البحري بشكل أساسي إضافة إلى الثروات المعدنية إذ تعد ثالث منتج للذهب في أفريقيا كما يوجد لديها يورانيوم، نظرًا لتمتُّعها بهذه الثروات لطالما كانت مالي محطًّا للأطماع الخارجية خاصَّة فرنسا بما لها من شركات عاملة في مالي يبلغ عددها ستين شركة تقريبًا وما لها كذلك من مواطنين عاملين في مالي يبلغ عددهم حوالي ستة آلاف عامل[10]. ورغم هذه الثروات تواجه مالي العديد من المشكلات الاقتصادية، حيث تصل نسبة الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة حوالي خمس الأراضي، ومن جانب آخر فقدان الكثير من أراضي الرعي بفعل الجفاف، وهو ما ينعكس على الثروة الحيوانية فيؤدِّي إلى موت ملايين الأبقار والأغنام والماعز. تعاني مالي كذلك من مشكلة عدم العدالة التي تتسبَّب في مضاعفة الأزمة، خاصة أن نسبة من يعيشون تحت خط الفقر فيها تصل إلى 64% تقريبًا من السكان، كما يتَّضح عدم العدالة في تهميش فئات مجتمعية بأكملها مثل “الطوارق” الذين همَّشتْهم الدولة لعقود.

وأمَّا نيجيريا فتبرز مشاكلها في الجوانب الاقتصادية الاجتماعية، إذ تعاني من عدم العدالة الاقتصادية وتفاوتات الثروة الهائلة، حيث إن معظم الولايات داخل الاتحاد الفيدرالي لديها فقر مدقع تفوق نسبته 70%، يعزى هذا الأمر إلى أسباب جغرافية حيث يتركَّز البترول في الجنوب وبالتالي تتركَّز فيه فرص التجارة الدولية أيضًا، بينما يبقى الشمال على حافَّة منطقة الساحل ويعاني عادة من المجاعات والجفاف[11].

كذلك تعدُّ مشكلة العدالة وبناء الأمة النيجيرية أحد مضاعفات الأزمات في نيجيريا، إذ إن العمل المسلَّح ضدَّ الحكومة لا يقتصر على “بوكو حرام” ولا يتم بدافع نشر الجهاد فقط، إنما توجد جماعات مسلَّحة أخرى لديها مشاكل مع الحكومة لأسباب أخرى منها التوزيع غير المتكافئ لثروات النفط مثل حركة تحرير دلتا النيجر وشعب دلتا النيجر[12]. مما يدفع تلك الحركات إلى الاتجار بالبشر وتهريب الأسلحة وخطف الرعايا الغربيِّين للحصول على فدية مع الاستفادة بعائد هذه الأنشطة لأن عائدها مربح، ولعل من أكثر ما فاقم الأزمة في الدولتين الإطاحة بمعمر القذافي في ليبيا، إذ إن قوَّاته كانت تضمُّ لها عددًا كبيرًا من المتمرِّدين الطوارق؛ وبالتالي فإن سقوطه يعني عودتها إلى مالي للقتال ضدَّ الحكومة فضلًا عن انتشار الأسلحة وإتاحتها بأقل تكلفة بعد سقوطه[13].

وأما على الصعيد الاجتماعي: فتواجه نيجيريا معضلة البنية المجتمعية، لا سيما في الشمال، إذ لا تزال القبيلة لبنة البناء الاجتماعي، كما تتسبَّب العلاقات الطبقية والعلاقات بين الأجيال المختلفة في العديد من المشكلات الاجتماعية، وممَّا زاد الطين بلة تدهور الأوضاع الاقتصادية في الشمال وما رافقها من عطالة الشباب عن العمل، ممَّا أدَّى إلى زيادة هائلة في نسبة الفقراء[14].

ومن جانب آخر نجد في نيجيريا  أن اختلاف الديانة أحد الأسباب الكامنة خلف اندلاع أعمال عنف بعد الانتخابات مثل هجوم المسيحيِّين على المسلمين في جوس وكادونا ممَّا يعكس صورة هشَّة عن التماسك المجتمعي[15]، وبالتالي فإنَّ الدولة مطالبة بالتفرقة بين اختلافات الجماعات المسلَّحة التي تنشط بداخل حدودها، ومنها: الجماعات الإسلامية المقتصرة على نيجيريا وحدها والتي لها روابط مع مجموعات في داخل مالي أو منطقة غرب أفريقيا أو لها روابط عالمية، والجماعات غير الإسلامية، بحيث تضع استراتيجية مناسبة للتعامل مع كلِّ من المجموعتين.

كما أن تورُّط الأنظمة في انتهاكات حقوق الإنسان أثناء تعاطيها مع الملفات الحسَّاسة يفاقم الأزمة ويعمِّق الشعور بعدم العدالة، إذ إن القوات التابعة للحكومة النيجيرية سواء الجيش أو الشرطة (المؤلَّفة من قوات مشتركة قوامها من ضباط وجنود من الجنوب) قامت بعمليات قتل خارج القانون أثناء مداهمات لمنازل ومناطق يشتبه في اتِّخادها معاقل لجماعة “بوكو حرام”، حتى إن عدد قتلاها يفوق عدد القتلى الناجمين عن عمليات “بوكو حرام”، إضافة إلى حرق المنازل والقتل العشوائي والمضايقات[16].

وأما على صعيد مالي، فبجانب غياب الاستقرار السياسي وضعف مؤسَّسات الدولة والقوى المالية في استعادة السيطرة على مجريات الأمور بغية استعادة الاستقرار أو تحقيقه ومع تأثير هذه الحالة على دول الجوار والعالم؛ فإن القوى الكبرى تتدخَّل دوليًّا، وكان آخر هذه التدخُّلات التدخُّل الفرنسي عام 2012[17]. ويتفاقم عدم الاستقرار مع تعدُّد مصادره في مالي وتعدُّد الفاعلين كذلك، فجانب من عدم الاستقرار ينبع من الأزمة الدستورية والسياسية التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي قاده أمادو سونجو ومجموعة من ضباط الصف ذوي الرتب المتوسطة (officers of the middle rank) ، فأطاح بالحكم المدني وعلَّق الحكم الدستوري، لكنه سلَّم السلطة لاحقا إلى الرئيس المؤقت ديونكوندا تراوري بسبب الضغط الدولي.

كما تُزعزع تمردات الطوارق في الشمال بزعامة الحركة الوطنية لتحرير أزواد الاستقرارَ في مالي، لا سيما مع سعي الحركة إلى إقامة دولة مستقلة في الشمال، وبلغت الاضطرابات أوجها عام 2012، حتى إن الحكومة عجزت عن مواجهتها، لا سيما مع قيام تحالف بين الحركة وبين جماعة “أنصار الدين” -إحدى الجماعات الإسلامية في مالي- لإحكام السيطرة العسكرية على شمال مالي، تم الإعلان عن دولة مستقلة للطوارق في إبريل 2012م، ظل الاستقرار غائبا عن المشهد حتى التدخل الفرنسي في شمال مالي بمباركة الإيكواسECOWAS ·، ممَّا ساهم في وأْد تمردات الطوارق وإعادة قدرة الحكومة على بسط نفوذها وسيطرتها على أراضيها[18].

لا تتوقَّف معضلات مالي عند عدم الاستقرار فحسب، بل تعاني مالي كذلك من غياب الهوية الجامعة التي يمكن أن يلتفَّ حولها الماليون أو تمثِّل كلمة سواء بين الفرقاء الماليِّين، وانطلاقًا من الهُوية يتَّخذ الفاعلون الماليُّون مواقف مختلفة في تفاعلاتهم وتمثِّل بعض هذه المواقف تحدِّيًا لسيادة الدولة وعائقًا أمام الحكومات المتعاقبة لبسط نفوذها، ويبرز هذا بشدَّة في تمرُّدات الطوارق، لكنه كان أكثر جلاءً في الجماعات الإسلامية الجهادية المتعدِّدة، لأن لها روابط إقليمية وعالمية تزيد من تعقيد المشهد، تشمل هذه الحركات:

  • جماعة أنصار الدين: ويقودها إياد غالي الذي عمل كقائد سابقًا في الطوارق لكنه انشقَّ عنهم.
  • القاعدة الإسلامية في بلاد المغرب العربي: والتي تعمل كجناح للقاعدة في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل.
  • المجموعات أو الفصائل المنشقَّة عن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب العربي: وتنقسم إلى مجموعتين: الأولى بقيادة الموريتاني حمادة ولد محمد خيرو، وتدعو إلى نشر الجهاد العالمي في منطقة غرب أفريقيا، بينما يقود الأخرى مختار بلمختار الجزائري وتتمتَّع بعلاقات قوية مع أنصار الدين.
  • الحركة الإسلامية بأزاواد: وهي مجموعة منشقَّة عن أنصار الدين وتعلن معارضتها الإرهاب والتطرُّف، والأمين العام للمجلس الأعلى لوحدة أزواد هو العباس أغ انتالا Alghabass Ag Intalla الذي كان قياديًّا بارزًا في أنصار الدين سلفًا[19].

في المقابل، تعاني مالي كذلك من رواسب الاستبداد وآثاره على بنية النظام السياسي، إذ إنها شهدت خبرة استعمارية تلاها نظام الحزب الواحد وحكم الجيش والديكتاتوريات المتعاقبة، فبالتالي لم يكتمل بناء المؤسسات عقب الاستعمار فسُيِّرت لصالح نخب فاسدة تسعى لمصلحتها الشخصية البحتة[20].

تعاني نيجيريا سياسيًّا هي الأخرى، لكن لا يتعدَّد الفاعلون فيها مثل مالي، إذ تواجه الدولة جماعتين فقط: أولاهما “بوكو حرام”  ويتركَّز وجودها منذ 2007 في ثلاث ولايات في شمال شرق نيجيريا هي ولايات بورنو وأداماو ويوبي[21] غير أنها تمتدُّ أيضًا إلى كل من الكاميرون وتشاد والنيجر، وتهدف إلى إقامة دولة في نيجيريا وغرب أفريقيا؛ ولذلك تحرص على زعزعة استقرار الحكومة النيجيرية والقضاء على النفوذ الغربي في البلاد. كانت “بوكو حرام” على ارتباط بالقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ثم أعلنت الولاء لداعش في 12 مارس 2015 ثم انقسمت في أغسطس 2016 إلى فريقين: الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا ISWA ولا زالت تحمل ذات الأفكار تجاه الحكومة ولا زالت تدين بالولاء للدولة الإسلامية في العراق والشام و”بوكو حرام” أو JASDJ[22]، أما ثانيهما فهي أنصار المسلمين في بلاد السودان وظهرت عام 2012 وترتكز في شمال نيجيريا. وفيما يلي سنتناول أهم الحوادث في الدولتين خلال عام 2019.

ثانيًا- أبرز العمليات الإرهابية في الدولتين منذ عام 2019

تتنوَّع الهجمات والعمليات التي تتم في الدولتين وتتنوَّع مقاصدها كذلك، إذ تستهدف أماكن العبادة والأسواق ومراكز التسوق والفنادق والحانات والمطاعم ومراكز مشاهدة كرة القدم ومعسكرات النزوح ومحطات النقل والمباني الحكومية والمؤسسات الأمنية والتعليمية والمنظمات الدولية وكذلك خلال الفترات الانتخابية.

ففي نيجيريا، نفَّذت جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان النيجيرية عدَّة هجمات وعمليات اختطاف واغتيالات لغربيِّين في شمال نيجيريا، آخرها كان خلال عام 2020 حين أعلنت الجماعة أنها نفَّذت عملية أسفرت عن مقتل ستة أشخاص على الأقل ولا زال العدد مرشَّحًا للزيادة وخطف العشرات وتدمير عدَّة سيارات في كمين على طريق كادونا زيرا السريع في ولاية كادونا.

ووقع هجوم في 9 فبراير 2020 أسفر عن مقتل 30 شخصًا على الأقل واختطاف نساء وأطفال، حيث وقعت الاغتيالات للأفراد في سياراتهم، وكان قد سبقه هجوم يومي 14-15 يناير قتلت فيه جماعة أنصار المسلمين ما لا يقل عن ستة أشخاص وتدمير العديد من المركبات على طريق كادونا زيرا السريع في ولاية كادونا.

وفي 2019 قُتل أربعة عمال إغاثة في 13 ديسمبر على يد الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا (ISWA) إضافة إلى عامل آخر في سبتمبر 2019، وفي 17 يونيو قُتل ما لا يقل عن 30 شخصًا وأصيب 40 آخرون في تفجير بولاية بورنو استهدف مدنيِّين مشجِّعين لكرة القدم، كما نفَّذت الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا هجومًا آخر في فبراير ركز على غرب المدينة في المنطقة المحيطة بالمطار والتجمع العسكري، فضلًا عن مقتل 20 شخصًا في  مايدوجوري في فبراير أيضًا[23].

أما في مالي، فطالت العمليات المسلحة كافة المدن بما في ذلك العاصمة باماكو، تستهدف على حدٍّ سواء كلًّا من المواطنين والأجانب، وقد شهد العامان الأخيران عمليات بارزة، منها عملية وقعت في 26 يناير 2020 استهدفت ثكنة عسكرية في سوكولو في منطقة سيجو، ما أسفر عن مقتل 20 جنديًّا، كما شهد عام 2019 ثلاث عمليات بارزة كانت أولاها عملية محكمة التنسيق في يناير ضدَّ معسكر لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعدِّدة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي والمعروفة باسم مينوسما MINUSMA القائمة في أغليهوك بمنطقة كيدال ممَّا أسفر عن مقتل 10 أفراد من قوات حفظ السلام فضلًا عن إصابة العديدين[24].

بعد هذه العملية بشهر تقريبًا وقع هجوم آخر وتحديدًا في 24 فبراير 2019 استهدف مركز التدريب الموجود في كوليكورو يقع على بعد حوالي 55 كم شمال شرق باماكو والذي يتَّخذه أعضاء بعثة التدريب التابعة للاتحاد الأوروبي مقرًّا رئيسيًّا للتدريب، وراح ضحيته 4 عسكريِّين ماليِّين، كما شهد نوفمبر من ذات العام هجومًا على موقع عسكري مالي على مقربة من الحدود مع النيجر ممَّا أسفر عن مقتل حوالي 53 جنديًّا ومدنيًّا[25].

ثالثًا- تداعيات الحرب على الإرهاب على المستويات الإنسانية والاقتصادية

  • الأزمة الإنسانية

تكبَّدت كل من مالي ونيجيريا تكلفة باهظة على الصعيدين الإنساني والاقتصادي أثناء الحرب على الإرهاب، فأما على الصعيد الإنساني فقد غاب الأمن الإنساني بمعناه الشامل خاصة الاحتياجات  للغذاء والمأوى، فيما يلي تفصيل ذلك.

ففي نيجيريا دُمِّرَتْ قرى بالكامل وأفرغت من أهلها ممَّا أدَّى إلى أزمات النزوح، وقد بلغ معدَّل النزوح في ولايات بورنو وأداماو ويوبي حيث تتركَّز “بوكو حرام” 1.7 مليون نازح داخليًّا، كما فاق عدد النازحين 100 ألف ما بين ديسمبر 2018 ويونيو 2019 لأن هذه الفترة شهدت مواجهات كثيفة بين الحكومة و”بوكو حرام”. تكمن كارثة النزوح في أنها تؤدِّي إلى الضغط على الخدمات في المناطق التي نزح إليها السكان، كما أنها تؤثِّر سلبًا على البنية الأسرية إذ ينتج عنها تفكُّك وتفريق الأسر، إضافة لما يفرضه ذلك من تحديات أمام عملية التنمية والتي تعاني بالفعل من تحديات أخرى غير تلك التي تفرضها الحرب[26].

كما عانت الدول المجاورة حيث فاق عدد اللاجئين إلى البلاد المجاورة لنيجيريا مثل الكاميرون وتشاد والنيجر في 30 أبريل 2018 ما يقرب من 213400 لاجئ في جميع أنحاء المناطق المجاورة، كما وردت معلومات من الوكالات الإنسانية العاملة في نيجيريا تؤكِّد وجود حالات عودة قسرية للاجئين النيجيريِّين من الكاميرون، وقد شهد عام 2019 وحده تهجير ما يقرب من 200 ألف شخص من مالي[27]. كذلك تعذَّر الوصول إلى مئات الآلاف من المناطق حيث تشير التقديرات إلى أن تعداد النازحين إلى مناطق يتعذَّر الوصول لها بلغ 800 ألف شخص، وتكمن صعوبة ذلك في صعوبة إيصال المساعدات الإنسانية إلى هذه الفئات المتضررة[28].

والخسائر في نيجيريا لم تقتصر على المواجهات مع الجماعات الجهادية فقط إذ تسبَّبت “حرب المزارعين والرعاة” في خسائر بشرية فادحة في العام السابق وصلت إلى 1949 قتيلًا ويمثِّل هذا العدد تقريبًا ستة أضعاف عدد القتلى بسبب المواجهات مع جماعة “بوكو حرام” في ذات العام.

وقد أدَّت المواجهات مع “بوكو حرام” التي استمرَّت إلى ما يزيد عن عقد من الزمان إلى أسوأ كارثة إنسانية في المنطقة، إذ تسبَّبت في وجود أكثر من 10 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدة إنسانية عاجلة إضافة إلى مليوني نازح في منطقة بحيرة تشاد والدول المحيطة بها[29].

وتعدُّ القطاعات التالية الأكثر تضرُّرًا من جرَّاء هذه الأزمات: التعليم والمساعدات الغذائية والصحة، ويعدُّ كلٌّ من النساء والأطفال من الفئات الأكثر تضرُّرًا، وبشكلٍ خاص الأطفال، إذ إن هناك واحدًا من كل أربعة نازحين داخليًّا تحت سنِّ الخامسة، كما أن 79% منهم من النساء والأطفال، وقد تحسَّنت الظروف في بعض المناطق مثل ولاية يوبي وأداماو وبعض أجزاء ولاية بورنو[30].

أمَّا مالي فشهدت نهب وتدمير عشرات القرى، إضافة إلى مقتل 300 مدني على الأقل في حوادث العنف الطائفي في الوسط والشمال، ولم تقتصر الخسائر البشرية على المدنيِّين، فقد كانت هناك روايات أفادت بمقتل 60 جنديًّا يشتبه في دعمهم أفرادًا مسلَّحين تابعين للجماعات الجهادية وتمَّ دفنهم في مقابر جماعية، إضافة إلى اعتقال وكالة الاستخبارات الوطنية العديد من الرجال المتَّهمين بجرائم ذات صلة بالإرهاب دون الالتزام بالإجراءات القانونية العادلة[31].

كما كانت شريحة الأطفال من أكثر الفئات تضرُّرًا من الأزمة، إذْ قُتل أكثر من 25 طفلًا في وسط وشمال مالي وأصيب آخرون بسبب المتفجرات، بالإضافة إلى نزوح الأطفال بسبب إطلاق النار والاشتباكات الطائفية، مما خلق أزمة أخرى هي “الأطفال المفقودين” أثناء عمليات النزوح، لم تقتصر أزمات الأطفال على النزوح بل أيضًا عانَى الأطفال من غلق المدارس، إذ ظلَّت أكثر من 735 مدرسة مغلقة كما حُرِمَ حوالي 225 ألف طفل من التعليم بسبب النزوح وانعدام الأمن[32].

  • الأزمة الاقتصادية

تباين أثر الحرب على القطاعات المختلفة في مالي، فبينما لم تتضرَّر بعض القطاعات بشكلٍ مبالغٍ فيه نجد أن هناك قطاعات أخرى تضرَّرت، ومنها قطاع الاستثمار، وانخفض بنسبة 2.4% من الناتج المحلي الإجمالي، ممَّا دفع الحكومة إلى زيادة النفقات استجابة لانخفاض الإيرادات فتراجع حجم التضخُّم من 1.8% عام 2017 إلى 1.7% عام 2018[33].

كما أسهمت صادرات القطن والذهب القوية في تقليل عجز الحساب الجاري الخارجي من 7.3% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2017 إلى 3.7% عام 2018، وقد تمَّ تمويل العجز من خلال مزيج من الاستثمار الأجنبي المباشر (20٪) والقروض الميسَّرة الخارجية (80٪)[34]. كما ارتفع عجز الموازنة من 2.9٪ من الناتج المحلي الإجمالي في 2017 إلى 4.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي في 2018، بينما انخفضت الإيرادات بنسبة 4.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي. قد يعزى ذلك إلى انخفاض الإيرادات الضريبية نتيجة لتدهور الوضع الأمني​​، والتهرب الضريبي، وزيادة الإعفاءات من ضريبة الوقود الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط العالمية، فضلًا عن تباطؤ النمو والتأخير في إصدار رخصة اتصالات جديدة[35].

استجابت الحكومة لذلك بتخفيض الإنفاق العام من 23٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017 إلى 20.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018، ومع ذلك زاد العجز وتمَّ تمويله إلى حدٍّ كبير من خلال إصدارات السندات الإقليمية، بسبب عدم كفاية المساعدة الخارجية[36].

وأمَّا نيجيريا فالأزمة فيها أقل حدَّة من مالي، إذ إنها أكبر اقتصاد في أفريقيا، كما تتَّجه إلى أن تحتلَّ المرتبة الثالثة على مستوى العالم من حيث عدد السكان بحلول عام 2050، ونظرًا لانتشار الفقر في أنحاء البلاد فإن من شأن مثل هذه النزاعات أن تتسبَّب في أزمة في الغذاء وزيادة الإصابة بالأمراض وازدياد معدلات الفقر، فضلًا عن أن بعض الفئات التي يعوَّل عليها للتخفيف من حدَّة الأزمة لن يُسعفها الواقع، وتندرج النساء تحت هذه الفئات حيث إن عمل النساء قد يخفِّف حدَّة فقر أسرهم، وقد بلغت نسبة الفتيات 60% من بين جميع الأطفال الذين خرجوا من المدارس[37].

وأما التداعيات الإقليمية للأزمة فقد تورَّطت نيجيريا في التدخُّل في مالي تحت ظلِّ قوات African-led International Support Mission to Mali  (AFISMA) فزاد الاحتقان ضدَّ حكومة نيجيريا من قبل الجماعات التي تسعى لإقامة حكم إسلامي أو تطبيق الشريعة، خاصَّة مع  انتشار الشائعات التي صدَّقها عموم الماليِّين بخصوص إساءة معاملة الجنود النيجيريِّين لعموم السكان[38].

وتثير الأزمات في الدولتين مخاوف دول الجوار التي تخشى تسرُّب الأزمات إليها، إذ هناك خطر انتشار الحرب الأهلية والنزاعات إلى الوسط المحيط Regionalization of the civil war وما يصحبه من تدفُّق المسلَّحين إلى الدول المجاورة وما قد يوازيه من عدم استقرار لهذه الدول، حيث تتخوَّف هذه الدول من تحوُّل مالي إلى دولة فاشلة تقودها التيارات الجهادية وبالتالي يصدِّرون أفكارهم إلى الدول المحيطة والعالم، خاصَّة مع تحوُّل الحركات الجهادية من اتِّخاذ جنوب آسيا إلى غرب أفريقيا ومنطقة الساحل كنقاط انطلاق وانتشار، كما تخشى دول الجوار أيضًا من إقامة مناطق تدريب على حدودها مع مالي لا سيما في ظلِّ الطبيعة الجغرافية لمالي، إذ إن هناك العديد من الجبال والوديان فيها ممَّا يجعلها ملاذًا آمنًا للحركات الجهادية وكذلك مشكلات الفقر والحكم غير الرشيد وغيرها التي تدفع باتجاه انتشار هذه الجماعات، أبرز الدول التي يهدِّدها هذا التخوُّف الجزائر التي تقع على مقربة من مناطق آجلهوك وتيسالي إحدى أبرز معاقل التدريب، لعلَّ ذلك قد يفسِّر سبب معارضتها لتدخُّل الناتو في ليبيا للإطاحة بالقذافي[39]، وذلك لأن قوات الأخير كانت تضمُّ عددًا كبيرًا من المتمرِّدين الطوارق وبالتالي فإن سقوطه يعني عودتها إلى مالي للقتال ضدَّ الحكومة فضلًا عن انتشار الأسلحة وإتاحتها بأقل تكلفة بعد سقوطه[40].

كما أن توجُّهات الفرق الإسلامية داخل مالي ليست واحدة ولا متجانسة، إذ يدين معظم الماليِّين بالإسلام الصوفي، بينما تسعى جماعة أنصار الدين لتطبيق الشريعة الإسلامية في شمال مالي لكن تحديدها لمعنى الشريعة مختلف عن مفهومها عند الصوفيِّين ممَّا يسبِّب تصادمًا بين التوجُّهين، بالتالي لن يؤدِّيَ التصالح مع طرف واحد منها إلى تهدئة الأزمة.

يعدُّ وضع مالي مسألة أمن قومي بالنسبة للحكومة النيجيرية، ربما الهاجس المشترك بين الدولتين هو الجماعات المسلحة في كلا البلدين والتي توفِّر الدعم لبعضها، فبينما تحارب نيجيريا “بوكو حرام” نجد أن “بوكو حرام” تلقَّت الدعم والتدريب من قبل القاعدة في بلاد المغرب العربي وجرتْ هذه التدريبات في شمال مالي، كما درَّب تنظيم “الشباب المجاهدين” -أحد فصائل القاعدة في بلاد المغرب العربي- “بوكو حرام” أيضًا لكن في الصومال، بالتالي فإن دفع نيجيريا منظمة “الإيكواس” التي تقودها للتدخُّل العسكري في مالي إنما هو في المقام الأول لإضعاف يد الدعم المقدَّمة لجماعة “بوكو حرام” بما يعزِّز مصالح الدولة النيجيرية، كما أن مصالح نيجيريا بالقطع تتضمَّن الحفاظ على عدم تحوُّل مالي إلى دولة فاشلة[41].

كذلك تثير الأزمات في الدولتين مخاوف القوى الكبرى عالميًّا، خاصَّة مع استغلال حكومة نيجيريا فزاعة الأمن للضغط على القوى الدولية، فمثلًا في مارس 2012 كانت هناك عملية تحرير رهائن فاشلة قامت بها نيجيريا وعلى إثرها طالب الرئيس جوناثان بضرورة التعاون الدولي للقضاء على الإرهاب.

ويتَّصل بذلك الذعر من توسيع رقعة المنضمِّين للجماعات المسلَّحة سواء كأفراد أو مؤسسات إضافة إلى توسيع رقعة النشاط بحيث لا يكون قاصرًا على مالي والنيجر وحدهما، إنما يطال قلب الدول الكبرى مثل التهديد بتنفيذ عمليات داخل فرنسا على خلفية غزوها مالي، إضافة إلى استهداف رعايا هذه الدول ومصالحها في مالي والنيجر.

وبالتالي يخشى أن تتحوَّل دول الساحل عمومًا ومالي خصوصًا إلى ملاذ لحركات الجهاد العالمي، لا سيما وأن معظم الحركات الجهادية في هذه المنطقة لها صلة مباشرة مع حركات عالمية كالقاعدة في بلاد المغرب العربي أو صلة غير مباشرة حيث تقدِّم لها التدريب، واستجابة لهذا الوضع الحرج أعلنت لجنة الأمن الداخلي بمجلس النواب الأمريكي جماعة “بوكو حرام” عام 2011 أنها تمثِّل تهديدًا متصاعدًا للمصالح الأمريكية والأراضي الأمريكية كذلك وأنه لا يجب الاستهانة بقدرات “بوكو حرام”، كما عقدت مقارنة بينها وبين “القاعدة” في شبه الجزيرة العربية وبين طالبان، كما سمَّت ثلاثة من أعضائها باعتبارهم إرهابيِّين دوليِّين.

ومن جانب آخر، فإن أمن الأجانب في منطقة غرب أفريقيا دومًا في حالة تهديد لا سيما مع تعدُّد عمليات الخطف وطلب الفدية، فبعد الاحتلال الفرنسي لمالي كان هناك خطف لسائحين أجانب في الكاميرون، اشترطت جماعة “أنصار المسلمين” على الحكومتين النيجيرية والفرنسية إطلاق سراح أتباعها القابعين في سجون نيجيريا مقابل إطلاق سراح السائحين.

ومن جانب ثالث، تعدُّ منطقة الساحل بيئة خصبة لتجارب أسلحة وقدرات القوى الكبرى، فعلى سبيل المثال؛ سهَّل التدخُّل الفرنسي الطريق لتوسُّع حرب الطائرات الأمريكية بدون طيار في منطقة الساحل، ووجود هذه القدرات لدى الولايات المتحدة الأمريكية قد يسهِّل مهمَّات دول أخرى في حربها ضدَّ الإرهاب كما فعلت في الصومال وأفغانستان.

خاتمة:

بعد مرور عقد من الزمان تقريبًا على البدء في الحرب على الإرهاب في المنطقة، كيف يمكن تقييم تلك الحرب في دولتي مالي ونيجيريا؟

الأمر يحتاج إلى وضع معايير للتقييم، وقد جرى اتخاذ معيارين هما تحقيق الحرب لمقصدها وهو القضاء على الإرهاب، سواء تمَّ على يد أجهزة الدولة أو على يد جماعات خارجة عن الدولة، إضافة إلى موازنة المكاسب والخسائر الناتجة عن هذه الحرب، ونجد أن كليهما يؤدِّي للحكم على هذه الحرب بالفشل، فأمَّا عن الهدف الأول فلم يتحقَّق نظرًا لأن الحرب مستمرَّة منذ ما يربو على العقد في الدولتين، ولم يشهد عام 2019 أو العام الحالي أي تطور في هذا الصدد.

وعلى مستوى المعيار الثاني، فإن كفة الخسائر راجحة أكثر بكثير من المكاسب بل إن المكاسب لا تكاد تُذكر، إذ تشمل هذه الخسائر خسائر الأمن الإنساني، لا سيما في ظلَّ غياب الاحتياجات الإنسانية الأولى، ومنها: الغذاء والمسكن، كذلك خسائر الاقتصاد التي سبق تفصيل الحديث عنها، بالإضافة إلى عجز الدولة عن القيام بوظائفها كاملة ممَّا يؤثِّر على سيادتها سلبًا.

ويتجلَّى هذا العجز في الملف الأمني تحديدًا ما يعطي الحجَّة لكلٍّ من التدخُّلات سواء كانت إقليمية أو عالمية مثل تدخُّل قوات الإيكواس وقوات الاتحاد الإفريقي في مالي وكذلك التدخُّل الفرنسي في مالي عام 2013 مستهدفًا منع إقامة دولة إسلامية على مقربة من فرنسا وأوروبا وغيرها.

وعند البحث في أسباب إخفاق الدول في هذا الملف نجد أن الأمر قد يعزى لثلاثة أسباب: أولهما يتعلَّق بمفهوم الدولة وخبراتها في السياقات المختلفة، فبينما تعني الدولة في السياق الغربي (الدولة الأمة) بمعنى أن دورها هو رعاية الأمة، نجد أن الدولة في خبرات الجنوب عامة، ومنها أفريقيا، هي دولة وحسْب، أي دولة لفرض السلطة وامتلاك أدوات قهر، أمَّا دورها فيما يتعلَّق برعاية الأمة الذي يبدأ بصياغة عقد اجتماعي ملائم لخبرتها التاريخية، ويمتد حتى استكمال بناء المؤسسات وتأديتها للوظائف المنوطة بها فهذا ممَّا لم يحدث حتى الآن أو في أحسن الأحوال لم تكتمل مسيرته.

أمَّا السبب الثاني فهو أن الحكومات أحيانًا تتوسَّع في بعض الأدوار غير المفترض أن تكون ضمن أولوياتها الأولى، فمثلًا تسعى نيجيريا لحيازة مكانة إقليمية؛ ومن ثم تستضيف على أرضها منظمات إقليمية وتشارك في ميزانيتها بينما يمكن توجيه الموارد إلى مكافحة الفقر أو النهوض بالتنمية في المقام الأول.

بينما يكمن السبب الثالث في أن معالجة الأمور تقتصر على المعالجة السطحية التي تكتفي بالتعامل الأمني ولا تتعمَّق لمعالجة الأزمات الهيكلية التي تساعد على إعادة توليد الأزمات.

*****

هوامش

[1] Nigeria Population, Worldmeters, accessed: march 2020, available at: https://2u.pw/06G3j

[2] Mali Population, Worldmeters, accessed: march 2020, available at: https://2u.pw/9qpjH

[3] Stuart Elden, The geopolitics of Boko Haram and “Nigeria’s war on terror”, the geographical journal, 2014, p. 3, available at: https://2u.pw/TzOyG

[4] Idem.

[5] Oyinloye Gabriel, PROFILE OF SECURITY CHALLENGES IN NORTH-EAST NIGERIA AND GOVERNMENT REACTIONS (1960 – March 2019), PHD: Nasarawa State University, Keffi, Nigeria, 2019, p. 18, available at: https://2u.pw/l2f3j

[6] Olaniyi Evans, The Impact of Poverty, Unemployment, Inequality, Corruption and Poor Governance on Niger Delta Militancy, Boko Haram Terrorism and Fulani Herdsmen Attacks in Nigeria, International journal of management, Economics, and social science, 2019, p. 4.

[7] Oyinloye Gabriel, PROFILE OF SECURITY CHALLENGES IN NORTH-EAST NIGERIA AND GOVERNMENT REACTIONS, Op. cit., p. 16.

[8]] ) مادي إبراهيم كانتي، الأزمة السياسية في مالي منذ 2012، مجلة آفاق أفريقية، العدد 36، ص ص 4-5

[9] The World Bank, The World Bank in Mali, accessed: 17 March 2019, available at: https://2u.pw/T1aXC

[10] عصام عبدالشافي، التداعيات الاقتصادية للأزمة في مالي، قراءات أفريقية، 22 فبراير 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://2u.pw/hc9e7

[11] Stuart Elden, The geopolitics of Boko Haram and “Nigeria’s war on terror”, Op. cit.

[12] هيثم قطب، منتقمو دلتا النيجر.. ثوار عباقرة أم إرهابيون، ساسة بوست، 14 يونيو 2016، تاريخ الاطلاع: 10 مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/qjoVE

[13] سرج دانييل، الطوارق بعد القذافي.. أي مستقبل لمنطقة الساحل، مركز الجزيرة للدراسات، 26 أكتوبر 2011، تاريخ الاطلاع: 13 مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://2u.pw/aaxfk

[14] Stuart Elden, The geopolitics of Boko Haram and “Nigeria’s war on terror”, Op. cit.

[15] أحداث ولاية بلاتو، الجزيرة.نت، 25 يونيو 2013، تاريخ الاطلاع: 10 مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://2u.pw/YG2Ep

[16] Stuart Elden, The geopolitics of Boko Haram and “Nigeria’s war on terror”, Op. cit.

[17] Maxim Ananyev, Michaelpoyker, State Capacity and demand for identity: Evidence from political Instability in Mali, Institute for New Economic Thinking, 26 June 2019, accessed: 10 March 2020, available at: https://2u.pw/j4UWq

  • الإيكواس هي منظمة إقليمية إفريقية حكومية تجمع 15 دولة من بلدان أفريقيا الغربية، تستهدف هذه المنظمة تحقيق التكامل الاقتصادي وتعزيز المبادلات التجارية بين دول المنطقة وتعزيز الاندماج في مجالات مختلفة كالصناعة والنقل والقطاعات المالية والنقدية وغيرها من القطاعات.

[18] David Francis, The regional impact of the armed conflict and military intervention in Mali, Norwegian Peace Building resource center, 2013, p. 2.

[19] Idem.

[20] Ibid. p3

[21] Humanitarian Implementation Plan (HIP) West Africa, 21 May 2019, accessed: 13 march 2020, p. 3, Ref Ares: (2019) 3315246, available at:  https://2u.pw/OyIA9

[22] Who are Nigeria’s Boko Haram Islamist group?, BBC, 24 November 2016, accessed:10 March 2020, available at: https://2u.pw/LOikb

[23] Foreign travel advice: Nigeria, Gov. UK, available at: https://2u.pw/FRDeI

[24] Foreign travel advice: Mali, Gov. UK, available at: https://2u.pw/CRoZj

[25] Idem.

[26] Humanitarian Implementation Plan (HIP) West Africa, Op. cit.

[27] The New Humanitarian, 2019 in Review: Militancy in Africa, 29 December 2019, accessed: 16 March 2019, available at: https://2u.pw/jNkV6

[28] Humanitarian Implementation Plan (HIP) West Africa, Op. cit.

[29] داليا قانصو، نيجيريا والعنف المتنقل: حرب أهلية كامنة، العربي الجديد، 4 أغسطس 2019، تاريخ الاطلاع: 10 مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://2u.pw/ywBut

[30] Hajer Naili, What you should know about the humanitarian crisis in north-east Nigeria, 21 June 2018, Norwegian Refugee Council, accessed: 16 march 2020, available at: https://2u.pw/9MCBn

[31] مالي: أحداث عام 2018، هيومن رايتس ووتش، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/hDcsE

[32] المرجع السابق.

[33] The World Bank, The World Bank in Mali, Op. cit.

[34] Idem.

[35] Idem.

[36] Idem.

[37] Feargal O’Connell, Nigeria faces rising violence in 2019, Financial Times, 9 January  2019, accessed: 10 march 2020, available at: https://2u.pw/JahjR

[38] Stuart Elden, The geopolitics of Boko Haram and “Nigeria’s war on terror”, Op. cit.

[39] Ibid. p. 11

([40]] سرج دانييل، الطوراق بعد القذافي، مرجع سابق.

[41] Stuart Elden, The geopolitics of Boko Haram and “Nigeria’s war on terror”, Op. cit.

  • نشر التقرير في فصلية قضايا ونظرات – العدد السابع عشر- أبريل 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى