محاولات التحرر الاقتصادى من الهمينة الأجنبية: دراسة لتجربة بنك مصر خلال (1919-1952)

مقدمة

اعتبر المؤرخ المصري عبد الرحمن الرافعي (1989-1966) أن بنك مصر كان بمثابة الثمرة الاقتصادية لثورة 1919، وأنه كان نواة نهضة مصر الاقتصادية والمالية خلال الفترة اللاحقة على الحرب العالمية الأولى(1)، وقد نشأ بنك مصر في 13 أبريل 1920 بعد نحو 9 سنوات من جهود مؤسِّسه طلعت حرب (1867-1941)، ويعتبر أول بنك يتمُّ تمويله وإدارته بالكامل من قبل مصريِّين، في الوقت الذي كان رأس المال الأجنبي يهيمن على مقومات الاقتصادي المصري في ظل الاحتلال البريطاني(2).
وبعد مرور نحو قرن من الزمان على ثورة 1919؛ وسعيًا للاستفادة من تجارب التاريخ للنهوض بالحاضر؛ فإن هذه الورقة تستهدف الإجابة عن سؤال رئيسي: هل أسهمت تجربة بنك مصر في إرساء مقومات اقتصاد وطني رغم الاحتلال؟ وكيف؟
تجيب الورقة عن هذا السؤال من خلال تتبُّع مراحل تأسيس وتطوُّر بنك مصر خلال الفترة الممتدَّة بين 1919 و1952؛ للوقوف على أهم محفِّزات النشأة والتطوُّر، وأبرز عوامل الاضمحلال والسقوط، وموقع قضية التحرُّر الوطني في هذا السياق بما يتطلَّبه ذلك من الأخذ في الاعتبار التفاعل بين الأبعاد الداخلية والخارجية في تحريك الأحداث.
وبناءً على ذلك تنقسم الورقة لأربعة محاور رئيسية على النحو التالي: الأول- الاقتصاد المصري قبل 1919: من تفاقم الديون إلى الهيمنة الأجنبية، الثاني- نشأة بنك مصر: التحرير الاقتصادي كمقدِّمة للتحرير السياسي، الثالث- النهضة الصناعية 1923-1935.. عوامل الصعود رغم المعوقات، الرابع- الأزمة المالية وإعادة إنتاج الهيمنة الأجنبية (1936- 1942).

أولًا- الاقتصاد المصري قبل 1919: من تفاقم الديون إلى الهيمنة الأجنبية

أصبح الاقتصاد المصري خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر معتمدًا بشكل رئيسي على النشاط التجاري نتيجة رواج زراعة القطن طويل التيلة والحاجة لتصديره؛ ما أدَّى لربط الاقتصاد المصري بالسوق العالمية وتأثُّره سلبًا وإيجابًا بتطوُّراتها وتقلُّباتها، كما أصبح رهينًا لقرارات الخارج سواء الصادرة عن الدول الأجنبية أو شركاتها. في الوقت نفسه عانت الموازنة العامة للدولة من ارتفاع مستوى الديون الحكومية الخارجية بسبب التخبُّط الاقتصادي والحاجة لتنمية البنية التحتيَّة لخدمة توسُّعات زراعة القطن، ووفَّرت أزمة الديون الخارجية في نهاية المطاف المبرر لبريطانيا لاحتلال مصر سنة 1982 متبنية سياسات تسمح بزيادة إنتاج القطن لخدمة مصانعها وإحكام السيطرة على مقومات الاقتصاد المصري(3).
وقد أدَّى الاحتلال البريطاني لمصر إلى تنامي المصالح والمؤسسات المالية الأجنبية على حساب الاقتصاد الوطني؛ من خلال البنوك والمتاجر والمصانع والمؤسسات الأجنبية عامة(4)، وذلك من خلال تحالفات بين جانب من كبار الملاك المصريين والجاليات الأجنبية والمتطلِّعين لمناصب سياسية، ومن ثم كانوا مؤيدين لسياسات الهمينة الأجنبية مقابل مصالحهم.
أي إن طبيعة الاقتصاد المصري التجارية أدَّت إلى إخضاعه للسوق العالمية والسيطرة الأجنبية، وتدمير الصناعات اليدوية والحرفية بسبب إغراق السوق للمنتجات الأجنبية في ظل عدم القدرة على المنافسة؛ ما أدَّى إلى انسحاب التجار المصريِّين من السوق لصالح الأجانب(5).

ثانيًا- نشأة بنك مصر: التحرير الاقتصادي كمقدمة للتحرير السياسي

كانت نشأة بنك مصر جزءًا من الكفاح الوطني ضد الاحتلال الأجنبي والهيمنة الأجنبية على الاقتصاد؛ إذ كانت قوى الاحتلال الأوروبي تهتم بأن تجعل من مستعمراتها الخارجية مزارع للمحاصيل التي تحتاج إليها وسلَّة للمواد الأولية التي تحتاج إليها اقتصاداتها وتحرص على وأْد أي تجربة تصنيعية لتبقى المستعمرات مصدرًا للمواد الخام وسوقًا للسلع النهائية المصنَّعة في دول الاحتلال على نحو يضمن استمرارية النمو الاقتصادي والتطوُّر الصناعي بهذه الدول؛ لذا كان الاهتمام بالنشاط التصنيعي في الدول المحتلَّة بمثابة جزء لا يتجزَّأ من الحركة الوطنية المناوئة للاحتلال(6).
لذا؛ اشترط طلعت حرب في عقد تأسيس بنك مصر أن يكون حملة الأسهم من المصريين(7)، جاء ذلك بعد عقود من نظرة المحتل البريطاني إلى المصريِّين على أنهم لا يصلحون سوى للإنتاج الزراعي ولا يمكنهم المشاركة في الصناعة ولا في نشاط التمويل المصرفي(8).
وكان الهدف من تأسيس بنك مصر خلق اقتصاد متطوِّر (صناعي أساسًا) وتقليل مستوى الاعتماد على إنتاج القطن طويل التيلة، ومواجهة أصحاب الأموال الأجانب والبنوك الأجنبية المتعاونين مع كبار ملاك الأراضي لاستنزاف ثروات البلاد؛ كجزء من الدفاع عن الهُوية المصرية في مواجهة الأجانب(9)، أي إن البنك قام على ربط نشاطي التصنيع والتمويل عبر جهة واحدة من خلال قيامه بتمويل الأنشطة التصنيعية والإنتاجية.
وقد لعبت التجربة الشخصية لطلعت حرب دورًا في بلورة أفكاره عن ضرورة إنشاء بنك وطني مصري؛ كونه نشأ في أسرة قد واجهتها صعوبات مالية دفعتها للاقتراض من المرابين بفوائد وصلت إلى 30%، ووقعت في فخِّ تراكم الديون والعجز عن السداد مضطرة لبيع أراضيها التي تعتبر مصدر أرزاقها؛ في الوقت الذي كانت تتكبَّد فيه ضرائب باهظة على نحوٍ أثَّر على التوجُّهات السياسية والاقتصادية لطلعت حرب ومناداته بتأسيس بنك وطني لرفع العبء عن الفلاحين(10).
ولا يعني هذا بالضرورة أن فكرة إنشاء بنك وطني كانت مشروعًا خاصًا بطلعت حرب وحده؛ فالفكرة طرحت في المجال المصري قبل 1919 عدَّة مرات حتى من جانب طلعت حرب نفسه، لكن الظروف لم تكن مواتية لتنفيذها على أرض الواقع؛ فقد ظهرت الدعوة لإنشاء بنك وطني خلال الثورة العرابية وعام 1909 أي قبل ثورة 1919 بنحو 10 سنوات وتجدَّدت الدعوة أيضًا قبل الحرب العالمية الأولى عام 1911، كما تحدَّث طلعت حرب خلال العام نفسه في كتاب له عن “علاج مصر الاقتصادي ومشروع بنك المصريين أو بنك الأمة”(11).
ويمكن في هذا الصدد الحديث عن قوَّتين رئيسيَّتين كانتا السبب المباشر وراء نجاح تجربة تأسيس البنك خلال 1920 ثم زيادة رأسماله خلال العامين الأولين من النشأة، وهما: الحركة الوطنية المصرية والتضامن الطبقي الكبير خلف البنك وخاصة دور طبقة كبار ملاك الأراضي الزراعية.

أ) ثورة 1919 ونجاح تجربة تأسيس البنك:

تعتبر ثورة 1919 السبب الرئيسي والمباشر لنشأة بنك مصر، فقد كان قيام ثورة 1919 عاملًا مهمًّا في إنضاج أفكار مؤسِّسي البنك والإسراع من وتيرة التأسيس، وهو ما وفَّر للبنك دعمًا وطنيًّا كبيرًا باعتباره مشروع الاستقلال الاقتصادي المصري.
وبرزت ضمن حملة المقاومة الوطنية للاحتلال البريطاني دعوات لمقاطعة “المحتل” في صورة منتجاته أو في صورة بنوكه؛ من خلال التوقُّف عن شراء السلع الإنجليزية والتوجُّه لشراء المنتجات الوطنيَّة، إلى جانب سحب الودائع من البنوك البريطانية وإيداعها لدى بنك مصر. وازداد تأثير هذه الحملات خلال عامي 1921 و1922 بعد نفي سعد زغلول وأعضاء آخرين من حزب الوفد في إطار المحاولات البريطانية لقمع مطالبات الاستقلال وإلغاء الحماية.
وكانت شريحة كبيرة من الطلاب المشاركين في حملات المقاطعة ينتمون للطبقات الوسطى أو الوسطى الدنيا، كما كان بينهم طلاب من أبناء أعيان الريف؛ على نحوٍ يؤكِّد تشابك العلاقات بين القوَّتين الاجتماعيَّتين الرئيسيَّتين اللتين دعمتا تجربة بنك مصر (الحركة الوطنية – طبقة كبار ملاك الأراضي)، خاصة وأن الطلاب كانوا عمود الحراك الوطني في ثورة 1919 وما بعدها(12).
وتحدَّث عبد الرحمن الرافعي عن دور الشباب (وبينهم الطلاب) في إنجاح تجربة تأسيس بنك مصر قائلًا: “فما إن ظهرت في أعقاب الثورة دعوة الزعيم الاقتصادي طلعت حرب إلى تأسيس بنك مصر (أغسطس سنة 1919) حتى ناصره الشباب وأيَّدوه وبثُّوا دعوته بين طبقات الشعب في المدن والأقاليم.. فالروح العامة التي أوجدتها الثورة في النفوس كان لها أثرها في نجاح هذه الدعوة.. إن الدعوة إلى تأسيس البنك الوطني لم تَلْقَ من مناصرة الأمة قبل الثورة ما لقيته بعد الثورة”(13).

ب) التضامن الطبقي الواسع ودور كبار ملاك الأراضي الزراعية:

استفاد بنك مصر خلال العامين الأوَّلين من تأسيسه من تضامن طبقيٍّ كبير، حيث دعمت البنك كافَّة الطبقات من ملاك الأراضي والتجار والحركة الوطنية والأحزاب الرئيسية القائمة؛ فقد أسهم الدعم والتسويق الذي قدَّمته البرجوازية الزراعية والجماعات الطلابية في دفع التجَّار للمشاركة في دعوات مقاطعة المنتجات والبنوك البريطانية لصالح بنك مصر والصناعة الوطنية، فقد شكَّل التجَّار غرفًا تجارية تزعَّمت دعوات المقاطعة وتحفيز المصريِّين على المساهمة في رأس مال البنك لتأسيس صناعة مصرية قويَّة، كانت شريحة التجار تتمثَّل في التجار الوطنيِّين المشتغلين بالتجارة الداخلية وليس كبار التجار الذين انغمسوا في علاقات بالأجانب من خلال أنشطة الاستيراد والتصدير لدرجة أنهم اعتبروا وكلاء للأجانب وكانوا سببًا في مصاعب عدَّة واجهها البنك خلال الثلاثينيَّات.
ومع ذلك؛ أسهمت طبقة كبار ملاك الأراضي الزراعي بنحو 92% من رأس مال البنك عند تأسيسه، جاء دعم هذه الطبقة لفكرة تأسيس بنك وطني رغبة في التخلُّص من قبضة القطاع المصرفي الأجنبي ولضمان توافر التسهيلات الائتمانية التي تحتاج إليها، فضلًا عن الصعوبات التي واجهت مزارعي القطن خلال الفترة اللاحقة على الحرب العالمية الأولى مما عزَّز احتياجهم لتنويع استثماراتهم من خلال ضخِّ جزء من استثماراتهم في القطاع الصناعي، بالإضافة إلى صلاتهم الشخصية بطلعت حرب، وقدَّمت هذه الطبقة دعمًا كبيرًا لبنك مصر من خلال شراء أسهمه وتسويقها في القرى والأندية، وعزَّز دور هذه الطبقة أيضًا اشتراك أبنائهم من الطلبة في الحراك الوطني المضاد للاحتلال والداعم والمروِّج لتجربة البنك.
وشكَّلت هذه الطبقة أيضًا النقابة الزراعية المصرية العامَّة التي أسهمت بشكل كبير في دعم البنك من خلال الضغط على الحكومة لتبنِّي سياسات معيَّنة خدمة لمصالحهم، على سبيل المثال طالبت النقابة التي مثَّلت التنظيم الأقوى لملاك الأراضي الحكومة بضخ الائتمان الزراعي من خلال بنك مصر(14). ويؤكِّد ذلك أهمية التنظيمات بين الأفراد على مختلف المستويات كوسيلة للدفاع عن أعضائها ولتحقيق مصالحهم؛ باختلاف مستويات الاهتمام سواء مهنية أو سياسية أو غيرها.
وكان البنك حريصًا على إشراك الطلبة في عملية التأسيس، حيث كان يحفِّز الطلبة على الادِّخار لشراء أسهم بأسمائهم في البنك(15)؛ بالإضافة إلى الإعلان عن مكافآت تتمثَّل في عدد معين من الأسهم للمدرسة التي تنجح في بيع أكبر عدد من الأسهم سواء لطلابها أو لكبار الملاك من خلال وفود ترسلها المدارس إلى القرى، وبالتوازي مع هذه المكافأة كانت المدارس تستفيد بتسليط الأضواء عليها في الصحافة وغيرها من المنابر، وهو ما حفَّز منظمات وجماعات أخرى للمشاركة ضمن حملات التسويق؛ ما أدَّى لتفعيل دور المدارس المختلفة في القاهرة والاسكندرية والأقاليم لزيادة رأس مال البنك(16).
ورغم التوجُّهات الوطنية التي تأسَّس في ضوئها ورغم الدعم الكبير الذي تلقَّاه من الحركة الوطنية بمختلف أطيافها؛ حرص البنك على أن يبدو غير تابع لجماعة أو حزب أو توجُّه سياسي معيَّن، بما حال دون وقوعه في مواجهات مع الاحتلال خلال الأعوام الأولى من تأسيسه، وذلك قبل أن ينغمس في السياسة بعد حصول مصر على الاستقلال الاسمي ووضع دستور 1923(17).
خلاصة ما سبق؛ أن بنك مصر كان بمثابة الحصاد الاقتصادي لثورة 1919، في محاولة للحدِّ من نفوذ المؤسَّسات والبنوك الأجنبية التي كانت تهيمن على الاقتصاد المصري والتي فاقمت من معاناة صغار الملاك بسبب فوائد الديون التي كانوا يحصلون عليها والتي عجزوا عن سدادها بسبب انهيار أسعار القطن خلال وبعد الحرب العالمية الأولى؛ فضلًا عن أن البنك كان بمثابة النواة الأساسية في تجربة التصنيع الوطني التي كانت مصر على أعتابها مطلع عشرينيات القرن العشرين لأسباب تتعلَّق بخلق بدائل أمام المتضرِّرين من انهيار زراعة وتجارة القطن فضلًا عن تحقيق الاستقلال الاقتصادي المصري كمقدمة للاستقلال السياسي.

ثالثًا- النهضة الصناعية 1923-1936: عوامل الصعود رغم المعوقات

ضمن مساعي تحقيق التنمية أنشأ بنك مصر خلال الفترة من 1922 وحتى 1936 العديد من الشركات الصناعية الكبرى، كما استحوذ على شركات كانت قائمة بالفعل أو على حصصٍ منها، وذلك ضمن إجراءات تحرير الاقتصاد المصري من الهيمنة الأجنبية(18)، ورغم ذلك فقد واجه البنك عدَّة تحديات خلال هذه الفترة أدَّت لانخفاض معدَّلات النمو في النشاط ورأس المال، كما سيتم توضيحه.
بالنسبة لعملية التأسيس الصناعي للبنك يمكن تقسيم هذه العملية إلى مرحلتين: من 1923 وحتى 1930، ومن 1931 وحتى 1936. ومرد هذا التقسيم أن عام 1930 شهد انتهاء آخر الاتفاقات التي كانت تضمن للدول الأجنبية معاملة تجارية تفضيلية في مصر وتحديدًا إيطاليا، وهو ما سمح بفرض رسوم جمركية حمائية لصالح الصناعة المصرية على نحوٍ دفع عملية التوسُّع من خلال البنك خلال الفترة الثانية.
ويمكن الإشارة بشكل موجز لأهم عمليات تأسيس الشركات من جانب بنك مصر خلال الفترة الأولى، ففي 1922 تم تأسيس أولى شركات بنك مصر وهي مطبعة مصر، كما تم إنشاء الشركة المصرية لإنتاج الورق عام 1923؛ لكن رأس مال الشركتين كان محدودًا ولم تقم شركة الورق بالإنتاج الفعلي، وشهد عام 1924 أول انطلاقة فعلية لمجموعة شركات مصر بتأسيس الشركة المصرية لتجارة وحلج الأقطان وتبعها تأسيس شركة مصر للنقل والملاحة، وشركة مصر للمسرح والسينما (ستديو مصر) في 1925، وفي 1927 تم تأسيس أهم شركات البنك وهي شركة مصر للغزل والنسيج، بالإضافة لشركات: مصر للكتان، ومصر للمصايد، ومصر لنسيج الحرير، وفي 1930 استحوذ البنك على آخر ممتلكات عائلة ليندمان في مصر وهي شركة مصر العليا والسفلى لتجارة الأقطان، وتم تأسيس شركة مصر لتصدير القطن.
وبالمجمل، فإن العقد الأول من تأسيس البنك شهد زيادة رأس المال من 80 ألف جنيه إلى مليون جنيه وتأسيس عدد كبير من الفروع وشون تخزين القطن، وبلغ قيمة رأس مال الشركات التي أسَّسها البنك 2.5 مليون جنيه، وبحلول 1930 كان للبنك عشرة أفرع رئيسية وعشرة مكاتب فرعية ومراسل في دمياط ومكتب صيفي في رأس البر للاستفادة من السياحة عبر المتوسط بالإضافة إلى المكتب الرئيسي(19).
وساعدت عدَّة عوامل بنك مصر على النمو خلال هذه الفترة، وأهمها:

أ) تغاضي الاحتلال عن عملية التأسيس والتطور الأولى:

شهدت المراحل الأولى من عملية تأسيس بنك مصر وشركاته تغاضيًا من جانب الاحتلال البريطاني عن عملية التأسيس؛ فخلال السنوات الأولى لم يرد الاحتلال إشعال غضب الشارع مرة أخرى بعد تجربة ثورة 1919؛ رغم تحديه للبنك الأهلي (الإنجليزي) الذي كان يحتكر عملية إصدار النقود حتى بدون رصيد من الذهب، ودعم التوجُّه الإنجليزي في البداية توقُّعات الاحتلال بفشل التجربة بدعوى عدم امتلاك المصريِّين الخبرات المالية والإدارية والفنية اللازمة لتطوُّر البنك(20).

ب) تكامل مجموعة الشركات التابعة:

اتَّسمت مجموعة شركات بنك مصر خلال هذه الفترة بتكامل النشاط، خاصة في مجال القطن والغزل والنسيج؛ على نحو عزَّز عمليات البنك والمجموعة؛ فقد كان البنك يصدر القروض على القطن الذي كانت شركة مصر تقوم بحلجه، ثم ينقل في النيل بواسطة مصر للملاحة البحرية حتى بورصة مينا البصل ليُباع هناك ويشحن بواسطة شركة مصر لتصدير الأقطان، فيما كان دور شركة مصر لعموم التأمينات يتمثَّل في التأمين على الأقطان التي يتمُّ نقلها، سواء في الداخل أو الخارج(21).

ج) بناء القدرات الإدارية والفنية:

ضمن إجراءات تحرير الاقتصاد المصري من الهيمنة الأجنبية؛ حرص بنك مصر إلى جانب قَصْرِ التمويل على المصريِّين على إرسال البعثات للخارج لتدريب مواطنين على عمليات البنك ووظائفها حتى لا يكون البنك ومجموعة شركاته خاضعين للعناصر الأجنبية(22).

د) النفوذ القوي لبنك مصر داخل مراكز صنع القرار

عمل بنك مصر منذ تأسيسه على بناء العلاقات مع الشخصيَّات البارزة والتواجُد داخل مؤسَّسات صنع القرار الاقتصادي بغرض ضمان دعم الدولة له ولمؤسَّساته، وقد توسَّع نفوذ البنك بمراكز القوى بعد إعلان دستور 1923؛ فمُثِّلَ بالمجلس الاقتصادي المصري المشكَّل سنة 1923 والمجلس التعاوني الأعلى المشكَّل سنة 1926 لتقديم النصائح الاقتصادية للحكومة، كما مُثِّلَ لدى مكتب التجارة والصناعة ولجنة بورصتي مينا البصل والقاهرة، إلى جانب نفوذ قوي في اتحاد الصناعات المصري المؤسَّس سنة 1923، وفي مجلس إدارة بنك الأراضي المصري، وازداد نفوذ البنك داخل غرفة القاهرة التجارية وفروعها بالأقاليم، كما أثَّر في البرلمان المصري المعاد تشكيله 1924 من خلال تشكيل مجموعة مؤيِّدة له في مجلسي الشيوخ والنوَّاب رغم النأي بنفسه عن الصراع بين الوفد وأعدائه؛ فتمَّ انتخاب نائب المدير التنفيذي للبنك د. فؤاد سلطان بك رئيسًا للجنة المالية بمجلس النواب فيما حصل يوسف أصلان القطاوي نائب رئيس البنك على ثاني أعلى نسبة من الأصوات ورُشح اثنان من أهمِّ مؤيدي البنك للجنة نفسها وهما طاهر اللوزي ومحمد سليمان الوكيل.
وأمَّن البنك لنفسه أيضًا النفوذ داخل مجلس الشورى المصري بانتخاب محمد علوي الجزار بك مدير فرع البنك في شبين الكوم وكيلًا للمجلس وانتخاب طلعت حرب رئيسًا لأقوى لجنة بمجلس الشيوخ وهي لجنة المالية والتجارة والصناعة والجمارك، كما انتخب أنصار البنك للجنتي المواصلات والأشغال العامة ولأقوى ثلاثة مناصب في لجنة الزراعة كما عُيِّنَ فؤاد سلطان مراقبًا للجنة مؤتمر مجلسي النواب والشيوخ بما دعم نفوذ البنك، كما حاز البنك دعمًا قويًّا من مجالس المدن والقرى في 1925 بتحويل حساباتها من البنك الأهلي المصري إلى بنك مصر(23).

هـ) الدعم الحكومي

مع مطلع العشرينيَّات جعلت الحكومة بنك مصر الجهة التي يتمُّ من خلالها ضخ الموارد المخصَّصة لصندوقي التعاونيات الزراعية والصناعات الصغيرة المؤسَّسَيْن لتوِّهما، فحصل على عوائد كبيرة من وراء تقديم القروض الصغيرة للقطاعين فضلًا عن نشاطه بشراء وتخزين القطن على إثر استجابة الحكومة لمطالب النقابة الزراعية المصرية العامة، والمتعلِّقة بشراء وتخزين القطن لحين تحسُّن أسعاره في السوق العالمية عقب تراجعها أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى(24).
أما الفترة الثانية من التوسُّعات؛ فخلالها حقَّق البنك نموًّا سريعًا بتأسيس 7 شركات جديدة والتوسُّع في الشركات القائمة؛ ففي 1932 تم تأسيس شركة مصر للطيران بالتعاون مع شركة طيران هيوستن (الخطوط الجوية البريطانية لاحقًا)، كما أسَّس البنك شركة بيع المصنوعات المصرية، وفي 1934 تمَّ تأسيس شركة مصر لعموم التأمينات بالتعاون مع شركتي بورنج للتأمين بلندن وتريستا العامة للتأمين، بالإضافة لشركات مصر: للملاحة البحرية، ولصناعة ودبغ الجلود، وللسياحة.
وفي 1936 أصبح بنك مصر ثاني أكبر بنك تجاري في مصر، وأصبحت مصر لحلج الأقطان ثالث أكبر شركة لحليج الأقطان في ظل تنافسية شديدة، خاصَّة مع وجود شركات كبيرة كانت مؤسَّسة قبل العشرينيَّات؛ فيما مثَّلت مجموعة شركات مصر أكبر شركة قابضة محلية، كما توسَّعت شركات البنك في نشاطها بشكل كبير، خاصة مصر للغزل والنسيج ومصر لحلج الأقطان.
بالتوازي مع ذلك كان البنك يسعى إلى تعميم التجربة التنموية الوطنية بالدول العربية المجاورة لتحقيق تكاملٍ يُسهم في إفشال محاولات الهيمنة الخارجية؛ فافتتح فروعًا له في فلسطين والعراق بالإضافة لتأسيس بنك مصر-سوريا-لبنان الذي افتتح فروعًا له في سوريا ولبنان، كما نشطت استثمارات البنك في منطقة الحجاز، وأسهمت شركتا مصر للطيران ومصر للملاحة في تأسيس شبكة علاقات تجارية قوية تغطِّي منطقة شرق البحر المتوسط والسودان؛ الأمر الذي دفع البعض لوصف مجموعة شركات البنك بـ”أول شركة عربية متعدِّدة الجنسيَّات”(25).
وقد كان التطوُّر الأهم خلال هذه الفترة والذي سمح بتطوُّر بنك مصر ومجموعة شركاته هو التعريفات الجمركية التي بدأ إقرارها اعتبارًا من 1930 بعد انتهاء آخر اتفاقية تفضيل تجاري مع الدول الأجنبية وكانت تتعلَّق بإيطاليا، سمح ذلك لمصر بتبنِّي سياسة الحمائية الجمركية لحماية الصناعة المحلية من تهديدات المنتج الأجنبي، وهو ما سمح بتطوُّرها وتوسُّعها ودخول شركات أخرى خلاف مجموعة بنك مصر لمجال المنافسة.
كانت التعريفات الجمركية القديمة والتي فرضتها الاتفاقيات التجارية مع الدول الأجنبية؛ متمثلة في رسم موحد بقيمة 8% من قيمة الوارد دون تمييز بين المواد الخام المستوردة لصالح المصانع المحلية وبين المنتجات الأجنبية الكاملة المنافسة للصناعة المصرية، ودون تمييز بين الضروريات والكماليات(26).
هذا إلى جانب ارتكاز أنشطة البنك أيضًا على العوامل الدافعة للنموِّ خلال الفترة الأولى والتي استمرَّت خلال هذه الفترة أيضًا من عدم محاربة رأس المال الأجنبي، وتوثيق العلاقات بمراكز القوى، وتكامل الأنشطة والدعم الحكومي.
ورغم التوسع والنمو الذي حقَّقه بنك مصر ومجموعة شركاته خلال هذه الفترة، فإن معدَّل النموِّ كان أقل من الأرقام المسجلة خلال الفترة الأولى، وذلك لعدَّة عوامل، أهمها:

أ) الصراع بين الطبقات وداخلها:

داخل الطبقة العليا -على سبيل المثال- ظهر تكتُّل ملاك الأراضي والتجار وموظفي الحكومة المستثمرين في الصناعة والذين طالبوا بحواجز جمركية ودعمٍ للصناعة المصرية الناشئة، في مواجهة منتجي القطن غير المستثمرين والتجار المحليِّين المرتبطين برأس المال الأجنبي والذين رفضوا تهديد التجارة الحرَّة، فيما كان صغار رجال الأعمال يتقرَّبون للحكومة للحصول على قروض بفوائد منخفضة لتشجيع الصناعة المحلية(27).

ب) الصراع السياسي وتقلبات الدعم الحكومي للبنك:

واشتعل الصراع السياسي اعتبارًا من 1930؛ فبعد وصول حزب الشعب للسلطة بزعامة إسماعيل صدقي في يونيو 1930؛ اتَّخذ إجراءات ضايقت الحركة الوطنية التي لعبت في السابق دورًا مهمًّا في نشأة وتوسُّع البنك؛ وأهم هذه الإجراءات: وقف العمل بدستور 1923 ووضع دستور 1930 الذي قلَّص اختصاصات مجلسي البرلمان لصالح الملك، وإجبار عدد من كبار ملاك الأراضي الزراعية على الاستقالة من الوفد والانضمام لحزب الشعب؛ فأصبح يُنظر لمجموعة بنك مصر على أنها تابعة لحكومة صدقي التي تبنَّت التعريفات الجمركية الحمائية لتدخل حيِّز التنفيذ عام 1931؛ رغم أن هذه التعريفات كان يطالب بها اتحاد الصناعات وبنك مصر قبل وصول الحكومة الجديدة، كما كان صدقي أيضًا من دعاة التصنيع وأحد مؤسِّسي اتحاد الصناعات المصري 1923، ودعمت الحكومة الجديدة شركات البنك وعهدت إليه بحق حصري لإنشاء شركة للنقل الجوي المصري مع حقوق حصرية للنقل داخل مصر ودعم مصر للطيران لتدريب الطيارين ومهندسي الصيانة وإنشاء المطارات. وبسقوط حكومة صدقي وجد البنك نفسه في مواجهة مع حكومة جديدة غير راضية عن الدعم الذي تتلقَّاه شركة مصر للطيران، وهو الأمر الذي كان يحدث مع كل تغيير حكومي في ظلِّ فترة عدم الاستقرار السياسي؛ بشكل جعل البنك غير قادر على الحفاظ على استقلاليته عن الأحزاب والقوى السياسية المختلفة(28).
واستمرَّت تجربة بنك مصر وشركاته في ظل هذه الأجواء السلبية على نحو أثَّر على معدَّلات النمو وفرص التوسُّع خلال النصف الثاني من ثلاثينيات القرن العشرين وبداية عقد الأربعينيات منه ما تسبَّب في أزمات مالية للبنك أدَّت لوقوعه في فخ الهيمنة الأجنبية التي نشأ لمواجهتها؛ لكن عبر وسطاء.
رابعًا- الأزمة المالية وإعادة إنتاج الهيمنة الأجنبية (1936- 1941)
شهد النصف الثاني من العقد الثالث من القرن العشرين وقوع بنك مصر ومجموعة شركاته في عدَّة أزمات مالية انتهت بالهيمنة البريطانية على المجموعة سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر عبر الوسطاء المصريين؛ المنتمين لبرجوازية مصرية حديثة ارتبط ظهورها بتطوُّر الصناعة المحلية مطلع العشرينيات، وإن كان رأس المال الأجنبي قد وجد طريقه إلى مجموعة شركات بنك مصر قبل منتصف الثلاثينيات، ويمكن في هذا الصدد تناول عدَّة موضوعات كانت ذات صلة بإضعاف بنك مصر وإخضاعه للهيمنة الأجنبية في نهاية المطاف، ومنها:

أ) الشركات الجديدة ومحدودية الربحية:

شهدت هذه المرحلة تأسيس العديد من الشركات التابعة لبنك مصر؛ لكن ربحيتها كانت محدودة ما تسبب في زيادة الأعباء المالية على مجموعة بنك مصر، ومن بين هذه الشركات شركة مصر لصناعة وتجارة الزيوت عام 1937، ومصر لصناعة الأسمنت 1938، وشركة مصر للمناجم والمحاجر في نفس السنة، ومصر للمستحضرات الطبية 1939، وشركة مصر للحرير الصناعي 1947(29)، بالإضافة لشركة مصر للتبغ والسجائر، وشركة مصر للتنمية العقارية، بجانب شركتين مشتركتين وهما: مصر للغزل الرفيع والنسيج وصباغي البيضا (للصباغة).
لكن لم تحقِّق سوى شركتي الغزل والصباغة أرباحًا؛ فيما حُلت مصر للتبغ والسجائر لعدم الملاءة المالية؛ ولم تصبح مصر للمستحضرات الدوائية مؤسسة ناجحة، ولو بشكل محدود حتى ثورة 1952؛ أي إن صناعة النسيج فقط هي التي كانت قادرة على الاستمرار وتحقيق الربحيَّة بسبب طبيعة الاقتصاد المصرية الأحاديَّة، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على الشركات المؤسَّسة خلال العشرينيات والنصف الأول من الثلاثينيات فقد كان البنك وشركاته المتعاملة في مجال تجارة وتصنيع الأقطان هي التي تحقق أرباحًا خاصة شركة مصر للغزل والنسيج بالإضافة لشركة الملاحة البحرية، على نحو عكس أزمة عدم التنوُّع الاقتصادي(30).

ب) تآكل الملاءة المالية والوقوع في فخ الاستدانة:

شهد النصف الثاني من ثلاثينيات القرن العشرين تآكل الملاءة المالية لبنك مصر بفعل العديد من العوامل أبرزها التوسُّع في إقراض ذوي النفوذ، ودعم الشركات التابعة الخاسرة، بالإضافة إلى المشاركة في أعباء موازنة الدفاع عن مصر بعد اتفاقية 1936.
كان على بنك مصر ضمان المزيد من الدعم السياسي الحكومي والبرلماني في مواجهة الهجمات التي كان يتعرَّض لها، من خلال القروض الميسَّرة لأعضاء الأحزاب السياسية المؤثِّرة، في الوقت الذي كان البنك يقوم فيه بتوجيه المزيد من رأس المال للدفع بعمليات الشركات التابعة التي تواجه مصاعب ناجمة عن الكساد الكبير، خاصة في الفترات التي كان الدعم الحكومي يتضاءل خلالها بشكل أوصل الاحتياطات النقدية للبنك لمستويات خطيرة ممَّا أضعف الموقف المالي للبنك.
وجاءت اتفاقية 1936 لتزيد من الأعباء المالية التي كان يتحمَّلها البنك؛ فقد نصت الاتفاقية على زيادة نصيب الحكومة المصرية في موازنة الدفاع عن مصر؛ فلجأت حكومة الوفد بقيادة مصطفى النحاس إلى مناشدة كل قطاعات المجتمع المصري للمشاركة في التمويل، وكان ينتظر من بنك مصر وشركاته المساهَمة؛ فوجد البنك نفسه أمام أعباء جديدة كان لا بد من تحمُّلها لضمان استمرار الدعم الوفدي سواء في الحكومة أو البرلمان.
وبحلول سنة 1938، اضطرَّ بنك مصر إلى الاقتراض من البنك الأهلي (البريطاني فعليًّا) لتقوية مركزه المالي واضطر البنك الأهلي للتمويل من خلال الضغط السياسي الذي لجأ إليه بنك مصر من خلال وزير المالية أحمد ماهر؛ ليحصل البنك على قرض بقيمة 3 مليون جنيه بضمان شركة مصر للغزل والنسيج(31).

ج) الشركات المشتركة بوابة اختراق رأس المال الأجنبي لبنك مصر:

لفت تأسيس شركة مصر للطيران أنظار بريطانيا نحو مجموعة شركات مصر، خاصة أنه ضُمَّ في الشركة ضمن هيكلها الإداري عناصر معادية لبريطانيا من أمثال محمد طاهر باشا الطيار المتقاعد وكان معروفًا بصلاته الوثيقة مع المصالح الألمانية في مصر فقد كان رئيس سيمنس الشرق الأوسط؛ ما أثار قلق بريطانيا رغم تعيين بريطاني مديرًا مشاركًا لمصر للطيران، جاء ذلك بالتوازي مع تراجع واردات مصر من المنسوجات المصنوعة في بريطانيا بسبب الحواجز الجمركية التي فرضتها حكومة صدقي عام 1930، فقد تراجعت حصة بريطانيا من سوق المنسوجات المصرية من 71.8% عام 1930 إلى 27% عام 1938.
في المقابل ازدادت حصة دول المحور (إيطاليا وألمانيا واليابان) من سوق المنسوجات المصرية حتى وصلت 60.4% في حين كانت حصة إيطاليا واليابان مجتمعتين عام 1926 لا تزيد عن 28.6% في وقت لم تكن هناك منافسة ألمانية.
وأمام الحواجز الجمركية وفي ظل مكانة بنك مصر في السوق؛ اختارت بريطانيا وشركاتها تأسيس شركات مشتركة مع البنك لكن البنك رفض في البداية دعوة مباشرة من الحكومة البريطانية للقيام بذلك، لكنه اضطر في النهاية للاستجابة، وقد سمحت الشركات المشتركة بدخول رأس المال الأجنبي لأول مرة إلى بنك مصر ومجموعة شركاته بعد أن كانت قائمة بالكامل على رأس مال مصري خالص، ولم تكن خبرة الشركات المشتركة قاصرة على هذه الفترة فقد دشَّنها البنك مع مطلع الثلاثينيات كما حدث بالنسبة لشركة مصر للطيران وشركة مصر لعموم التأمينات؛ لكن الجديد خلال النصف الثاني من ثلاثينيات القرن العشرين أن الشركات المشتركة أصبحت المطلب البريطاني إما خيارًا أو جبرًا؛ بعد أن كانت تتم بمبادرة وقرار من البنك خلال النصف الأول من الثلاثينيات(32).

د) الصراع الحزبي وأثره في إضعاف تجربة بنك مصر(33):

شهد النصف الثاني من ثلاثينيات القرن العشرين انقسامًا حزبيًّا وصراعًا شديدًا بين القوى المختلفة على نحو أضعف موقف البنك وفرصه في الحصول على الدعم الحكومي؛ فقد تعرَّض الوفد لانقسامات وزورت انتخابات 1938 لإبعاد الوفد؛ ما أثار حفيظته؛ فوجَّه سهام نقده لبنك مصر رغم مساهماته في صندوق الدفاع الوطني في ظل حكومة النحاس، وذلك بدعوى إبداء البنك ميلًا نحو تحالف السعديِّين والأحرار الدستوريِّين الفائز بانتخابات 1938؛ فضلًا عن عدم رضاء الوفد عن أحمد ماهر الذي ساعد البنك في الحصول على قرض من البنك الأهلي؛ فانضمَّ الوفد للهجوم على قانون التعريفات الجمركية الذي كان يطالب به البنك لحماية الصناعة المحلية عام 1938 بدعوى أنه معدٌّ لخدمة مصالح شركة مصر للغزل والنسيج فقط(34).

هـ) أزمة هيئة البريد وتغلغل وكلاء الاحتلال في منظومة بنك مصر(35):

شهد عام 1927 نقل حساب هيئة البريد إلى بنك مصر، ومع قيام الحرب العالمية الثانية 1939 فوجئ البنك بصغار المودعين في بنك توفير هيئة البريد لبنك مصر يريدون سحب ودائعهم، في الوقت الذي كانت الودائع الصغيرة (سواء في حسابات توفير البريد أو البنك) تمثل 75.3% من إجمالي ودائع البنك التي قدرت بنحو 12.7 مليون جنيه في 1939، وفي الوقت الذي كان البنك يحتفظ بسيولة لم تتجاوز 11 ألف جنيه وقت وقوع الأزمة؛ فاضطرَّ للجوء إلى البنك الأهلي للاقتراض مرة أخرى، فرفض مدير البنك البريطاني إدوارد كوك.
جاء ذلك بعد سقوط حكومة محمد محمود وإبعاد أحمد ماهر عن وزارة المالية، وقد كان داعمًا لبنك مصر؛ في الوقت الذي شُكِّلت فيه حكومة جديدة برئاسة علي ماهر وتولَّى وزارة المالية فيها حسين سري باشا، وكان معروفًا بولائه الشديد للإنجليز، وهو ابن أول مهندس مصري تخرَّج من جامعة بريطانية، كما كان وثيق الصلة بأحمد عبود ذي المصالح الاقتصادية المتعارضة مع منظومة بنك مصر.
تقدَّم طلعت حرب لوزير المالية الجديد بطلب للضغط على كوك للموافقة على القرض، فوافق الأخير شريطة تنحِّي حرب عن منصبه كمدير تنفيذي أو كعضو منتدب للبنك وشركائه فأذعن لهذا المطلب؛ رغبة في إنقاذ البنك؛ ليتولَّى حافظ عفيفي رئاسة البنك وعبد المقصود أحمد الشاب الصغير القادم من وزارة المالية الإدارة التنفيذية للبنك مع تركُّز السلطة بيد عفيفي.
وخلال عام 1940، عمل مكتب المحاسبة البريطاني هيويت وبريدسون ونيوبي على مراجعة الملفات المالية لمجموعة شركات مصر؛ فصدر تقرير مفاده أن مراقبي البنك والشركات والذين كانوا موظفين في البنك لم يقوموا بعملهم على نحو صحيح؛ فأصدر البرلمان تبعًا لذلك عام 1941 قانونًا بإعادة هيكلة شركات بنك مصر. نَصَّ هذا القانون على ضمان الحكومة للودائع، كما قدَّمت الحكومة قرضًا للبنك بقيمة 2 مليون جنيه للوفاء بالتزاماته العاجلة على أن تسدَّد من الأرباح المستقبلية، وتمَّ الاتفاق على تسييل كل الشركات غير الرابحة مع الالتزام بعدم تأسيس شركات جديدة، وحصلت الحكومة على حق النقض فيما يتعلَّق بتعيينات مجلس إدارة البنك مع حضور مفوض عنها اجتماعات المجلس كمسشار ومراجع مستقل، والذي أنقذ البنك من الحل كون عدد كبير من السياسيِّين المؤثِّرين كانوا مساهمين كبار في البنك وشركاته.
واستبدل مدير البنك الجديد كل المديرين الذين عملوا مع طلعت حرب ضمن منظومة تقديم رأس المال للمؤسَّسات التجارية والصناعية الجديدة، لتتركَّز جهود الإدارة الجديدة على استخلاص أكبر قدرٍ من الأرباح من البنك وشركاته؛ ما أدَّى إلى استشراء الفساد في المجموعة خاصة مع احتدام الصراع بين أعضاء البرجوازية للاستحواذ على مناصب الإدارة؛ ليتقلَّص دورها وفاعليَّتها ونشاطها.
وقد لخَّص المؤرِّخ المصري عبد الرحمن الرافعي الإنجازات التي تمكَّن البنك ومجموعته من تحقيقها استنادًا للهدفين الرئيسيَّين لهما (إقامة صناعة وطنية والتحرر من الهيمنة الاقتصادية والمالية الأجنبية) فأشار لتمكُّن البنك من: إحياء صناعة الغزل والنسيج بإنشاء مصانع كبرى، وتحرير جانب من الاقتصاد المصري من التبعيَّة الأجنبية، ونقل مهارات الإدارة والشؤون المالية والاقتصادية للمصريِّين من خلال التدريب الصناعي المباشر أو عبر البعثات الخارجية، وتشجيع مصريِّين آخرين على الاستثمار في الصناعة والتجارة والمؤسسات المالية والملاحية(36)؛ ممهدًا لطبقة بيروقراطية كانت أساس التجربة التصنيعية بعد 1952.
وقد قدَّم بنك مصر تجربة وطنية جرت محاولات لتعميمها جزئيًّا من خلال إنشاء بنكين وطنيَّين آخريْن: الأول بنك التسليف الزراعي المؤسس سنة 1931 لإقراض المزارعين وإنقاذهم من المرابين؛ وأصبح البنك ركنًا من الحركة التعاونية سنة 1948 بتحوُّله إلى بنك التسليف الزراعي والتعاوني، وتفرَّع عن البنك بنك التسليف العقاري لإقراض الملاك الزراعيِّين بدلًا من اللجوء للبنوك الأجنبية، واستقلَّ عنه سنة 1941(37).
لكن ما ينبغي التأكيد عليه أن وضع الهيمنة الأجنبية على الاقتصاد المصري كانت دومًا أكبر من بنك مصر ومنظومته، فالبنك الأهلي (الإنجليزي) كان هو المسيطر على السياسات النقدية المصرية؛ باعتباره بنك الدولة رغم أنه بنك إنجليزي النشأة والتكوين والإدارة، وقد كان مسؤولًا عن إصدار أوراق النقد المصرية، وكان يفترض انتهاء امتياز البنك عام 1948، لكن الحكومات المصرية سارعت إلى وضع مشروع لمدِّ امتياز البنك 40 سنة أخرى بعد انتهاء المدَّة المقررة سابقًا؛ وذلك من خلال حكومتي محمد محمود وعلي ماهر ثم وزارة حسن صبري التي صدر القانون في عهدها سنة 1940؛ أي قبل 8 سنوات على انتهاء الامتياز الذي كان قائمًا في وقتها، جاء ذلك بالتوازي مع توصُّل الحكومة لاتِّفاق خلال نفس العام لإلغاء صندوق الدَّيْن الذي كانت تشرف عليه الدول الأوروبية لضمان الحصول على مستحقَّاتها بعد تورُّط مصر في أزمة الديون في عهد الخديوي إسماعيل(38).
ويبدو أن الخطوتين تمَّتا في صورة مقايضة، لكنها كانت مختلَّة لصالح الاحتلال فاستمرارية امتياز البنك الأهلي كانت تضمن استمرار السيطرة البريطانية على مقدَّرات الاقتصاد المصري في الوقت الذي لم تكن هناك مخاوف من تراجع مصر عن سداد الديون خاصة في ظلِّ ولاء الحكومات المتعاقبة للاحتلال.
وتجدر الإشارة إلى أن المطالبة بإلغاء الصندوق كانت قديمة وتمتد لعام 1937 في عهد حكومة مصطفى النحاس باشا؛ وهو العام الذي شهد أيضًا إلغاء الامتيازات الأجنبية في مصر بموجب اتفاق مونترو؛ الذي أخضع الأجانب من أفراد ومؤسَّسات للقانون المصري خلال 1949 بعد فترة انتقالية(39).
أي إن البنك الأهلي ظلَّ مسيطرًا على السياسات النقدية المصرية قبل نشأة بنك مصر ومجموعة شركاته، وبعد السيطرة البريطانية على البنك عبر الوكلاء المصريِّين. واستمرَّ هكذا حتى تأميمه في الستينيَّات. جاء ذلك رغم أن الحكومات المتعاقبة خلال هذه الفترة كانت تحرص بشكل مستمر -خطابيًّا- على التأكيد على سعيها لضمان الاستقلال المصري.
وعلى الجانب الاقتصادي؛ فلم يكن هناك اهتمام بالمشروعات الإنتاجية الصناعية والزراعية، فتعطَّلت مشروعات لتوليد الكهرباء وتوسُّعات معامل التكرير، دون زيادة رقعة الأراضي الزراعية أو مشروعات الإسكان، مع شيوع الفساد واستغلال النفوذ للإثراء حتى في ظل حكومة الوفد التي وصلت للحكم 1950(40)، وذلك على نحو عزَّزَ خضوع الاقتصاد المصري للهيمنة الأجنبية وهو ما عبَّرت عنه اتفاقية وقَّعها وزير المالية مكرم عبيد سنة 1944 مع بريطانيا تسمح لمصر بالتوسُّع في استيراد السلع.
وإن كان هذا الاتفاق أزال عن مصر بعض القيود والرقابة المفروضة على عمليات الاستيراد من جانب بريطانيا والولايات المتحدة فإنه في نفس الوقت كان يعزِّز تبعيَّة الاقتصاد المصري للخارج حيث قصر حرية الاستيراد المصري على البلاد المتعاملة بالإسترليني والدول الأوروبية المحرَّرة (بعد الحرب العالمية الثانية)(41).

خاتمة

انطلقت تجربة بنك مصر وشركاته من مبدأ أن “الاستقلال الاقتصادي أساس الاستقلال السياسي”(42)، وقد اجتمعت عدَّة عوامل عزَّزت عمليات بنك مصر، أبرزها ثورة 1919 وما خلقته من روح عامة أدَّت لتضامن طبقي واسع بين مختلف القوى الاجتماعية والسياسية حتى تلك التي لم تكن محبِّذة للتجربة باعتبار أن الأولوية للنضال السياسي، وهو ما يؤدِّي لنتيجة مفادها أن الثورات الشعبية تعتبر لحظات استثنائية تخلق أجواءً قد لا تتوافر في الظروف الطبيعية وتؤدِّي إلى إنجازات ملموسة لتحقيق الأهداف الوطنية شريطة تنحية الاعتبارات الذاتية لصالح الاعتبارات الوطنية الكبرى.
وبمطالعة المصادر التاريخية التي تناولت تجربة بنك مصر؛ يتبيَّن أن الشباب وخاصة الطلاب قد لعبوا دورًا حيويًّا في تأسيس البنك وتوسُّعاته اللاحقة؛ على نحو يذكِّر باللحظات التاريخية التي شهدتها بلدان الربيع العربي بعد 2011 وانفجار الطاقات الشبابية رغبة في الإنجاز والبناء. لكن المشكلة تكمن -كما كانت في حالة بنك مصر- في مدى القدرة على البناء واستغلال هذه الطاقة وتوجيهها.
كان أحد العوامل التي أدَّت لتفتيت الحركة الوطنية بشأن موقفها من تجربة بنك مصر هو ترتيب الأولويات بين النضال السياسي والنهضة الاقتصادية، بشكلٍ أوقع العمل الوطني في ثنائيةٍ أدَّتْ لإضعاف الجبهتين في نهاية المطاف؛ في ظلِّ تجاهل زعامات سياسية مثل سعد زغلول لإمكانيات النضال السياسي مع البناء الاقتصادي في نفس الوقت، وهي حقيقة يزداد وضوحها بالنظر إلى خبرات شعوب العالم الثالث عامة والدول العربية والإسلامية خاصة؛ فكثير من هذه الدول نالت استقلالها السياسي منتصف القرن العشرين لكنها لا زالت إلى اليوم تابعةً اقتصاديًّا للقوى الاستعمارية السابقة.
إن الصراعات الحزبية والسياسية بشكل عام كانت أحد الأسباب الرئيسية في اضمحلال تجربة بنك مصر والحدِّ من فرص تطوُّرها ونجاحها؛ فجعلت من البنك ومجموعة شركاته ساحة لتصفية الحسابات بشكل أوقعه في النهاية في فخِّ الأزمات المالية والسيطرة الأجنبية عبر وسطاء؛ على نحو يكشف حقيقة أن مجتمعاتنا قلما تستفيد من الخبرات التاريخية، وهو أمر راجع بشكل أساسي لقلَّة الاطِّلاع على هذه الخبرات أو لتجاهلها في بعض الأحيان، فما أشبه الليلة بالبارحة! ما أشبه انقسامات ما بعد الربيع العربي بانقسامات ما بعد ثورة 1919، وما أشبه نتائج الانقسام والتصارع والتناحر في الحالتين!
وبالنسبة لوضع الهيمنة الأجنبية على مقومات الاقتصاد المصري خلال الفترة بين 1919 و1952 ومدى النجاح في مواجهتها؛ فقد لخَّصها عبد الرحمن الرافعي بقوله “خطوات البعث الاقتصادي.. تقدم في الحياة القومية، ولكن يلزمنا أن نعترف بأن هذه خطوات بدائية.. في حاجة إلى جهود جبارة متواصلة تشترك فيها الأمة.. والحكومة..” “اقتصادياتها (مصر) تخضع في كثير من مقوماتها للتبعيَّة الأجنبيَّة ممَّا له دخل كبير في فقر الأهلين لعدم الاهتمام بتطوير الصناعة والزراعة على نحو يكفي الاستهلاك”؛ رغم أن السياق العام قد شهد تخفيف قبضة المحتل (رسميًّا) في عديد من الأمور الخاصة بالسياسة والاقتصاد والإدارة وغيرها؛ لكن الأزمة من جهة نظره تكمن في ضعف الشعور الوطني لدى الحكومات(43).
ومع ذلك فقد أسهمت التجربة الصناعية خلال هذه الفترة في توفير بنية تحتية وبشرية كانت عصب التجربة الصناعية بعد 1952، ومن المهم في هذا الصدد تدريس التجربة بأبعادها المتعدِّدة ضمن المراحل الدراسية المختلفة وعدم إهمالها باعتبارها جزءًا من الكفاح الوطني ضدَّ الاحتلال، وعدم قصر التركيز ضمن المناهج على الأبعاد السياسية فقط، وما يتعلَّق منها بالمفاوضات مع الاحتلال بشكل خاص؛ بما يؤدِّي لاختزال مفهوم المقاومة في العقل الجمعي.
*****

الهوامش:

(*) باحث في العلوم السياسية، وطالب دكتوراة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة.
(1) عبد الرحمن الرافعي، ثورة 1919: تاريخ مصر القومي من 1914 إلى 1921، (القاهرة: دار المعارف، الطبعة الرابعة، 1987)، ص 583.
(2) إيريك دافيز، طلعت حرب وتحدي الاستعمار: دور بنك مصر في التصنيع (1920- 1941)، ترجمة: هشام سليمان عبد الغفار، مراجعة وتقديم: إبراهيم فوزي، (القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، الطبعة الأولى، 1430 ه/2009م)، ص ص 13-25.
ملحوظة: استفادت الدراسة بشكل كبير من هذا الكتاب؛ نظرًا لشموله العديد من الموضوعات المرتبطة بالدراسة وكثرة المصادر التي لجأ إليها المؤلف والتي لا تتوافر في كثير من الكتابات التي تناولت تجربة بنك مصر، ومنها مقابلات مع معاصرين ومنغمسين في التجربة، ووثائق بريطانيا عن التجربة وقت الاحتلال وغيرها.
(3) المرجع السابق، ص 62.
(4) عبد الرحمن الرافعي، ثورة 1919، مرجع سابق، ص ص 582-583.
(5) إيريك دافيز، طلعت حرب وتحدي الاستعمار، مرجع سابق، ص 13، ص ص 213-231.
(6) المرجع السابق، ص ص27-29.
(7) عبد الرحمن الرافعي، في أعقاب الثورة المصرية: ثورة سنة 1919، الجزء الثاني، (القاهرة: دار المعارف، 1988)، ص 282.
(8) سلوى يحيي، طلعت حرب «أبو الاقتصاد المصري»، 13/8/2015، موقع ساسة بوست، تاريخ الاطلاع 1/3/2019، متاح على الرابط التالي: http://cutt.us/A3aWP
(9) إيريك دافيز، طلعت حرب وتحدي الاستعمار، مرجع سابق، ص ص 12-29.
(10) المرجع السابق، ص 13، ص ص 103- 128.
(11) عبد الرحمن الرافعي، ثورة 1919، مرجع سابق، ص ص 583.
(12) إيريك دافيز، طلعت حرب وتحدي الاستعمار، مرجع سابق، ص ص 135-139.
(13) عبد الرحمن الرافعي، ثورة 1919، مرجع سابق، ص ص 582-583.
(14) إيريك دافيز، طلعت حرب وتحدي الاستعمار، مرجع سابق، ص ص 129-140.
(15) سلوى يحيى، طلعت حرب «أبو الاقتصاد المصري»، مرجع سابق.
(16) إيريك دافيز، طلعت حرب وتحدي الاستعمار، مرجع سابق، ص 140.
(17) المرجع السابق، ص 141.
(18) سلوى يحيى، طلعت حرب «أبو الاقتصاد المصري»، مرجع سابق.
(19) إيريك دافيز، طلعت حرب وتحدي الاستعمار، مرجع سابق، ص ص 147-150.
(20) سلوى يحيى، طلعت حرب «أبو الاقتصاد المصري»، مرجع سابق.
(21) إيريك دافيز، طلعت حرب وتحدي الاستعمار، مرجع سابق، ص 158.
(22) سلوى يحيى، طلعت حرب «أبو الاقتصاد المصري»، مرجع سابق.
(23) إيريك دافيز، طلعت حرب وتحدي الاستعمار، مرجع سابق، ص ص 145-147.
(24) المرجع السابق، ص 50.
(25) المرجع السابق، ص ص 14- 26.
(26) عبد الرحمن الرافعي، في أعقاب الثورة المصرية، مرجع سابق، ج 2، ص ص 285، 286.
(27) إيريك دافيز، طلعت حرب وتحدي الاستعمار، مرجع سابق، ص ص 144-145.
(28) المرجع السابق، ص ص 159- 162.
(29) عبد الرحمن الرافعي، في أعقاب الثورة المصرية: ثورة سنة 1919، مصدر سابق، ص 283.
(30) إيريك دافيز، طلعت حرب وتحدي الاستعمار، مرجع سابق، ص ص 156-165.
(31) المرجع السابق، ص ص 180-183.
(32) المرجع السابق، ص ص 162- 164.
(33) طالع تفاصيل هذه الخبرة في: عبد الرحمن الرافعي، في أعقاب الثورة المصرية: ثورة سنة 1919، ج 1، 2، 3، مرجع سابق.
(34) إيريك دافيز، طلعت حرب وتحدي الاستعمار، مرجع سابق، ص ص 182-183.
(35) راجع التفاصيل في: المرجع السابق، ص ص 174-189.
(36) عبد الرحمن الرافعي، في أعقاب الثورة المصرية، ، مرجع سابق، ج 2، ص 283.
(37) المرجع السابق، ص ص 286-287.
(38) عبد الرحمن الرافعي، في أعقاب الثورة المصرية، ج 3، ص ص 86-90.
(39) المرجع السابق، ص ص 37-39.
(40) المرجع السابق، ص ص 303-306.
(41) المرجع السابق، ص ص 149، 150.
(42) إيريك دافيز، طلعت حرب وتحدي الاستعمار، مرجع سابق، ص 18.
(43) عبد الرحمن الرافعي، في أعقاب الثورة المصرية، ج 2، مرجع سابق، ص ص 293-294.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى