مثلث العلاقات التركية والإيرانية والروسية والمنطقة العربية: المصالح والسياسات

مقدمة:

يعكس المثلث التركي–الإيراني–الروسي نمطًا من التفاعلات المتواترة المتشابكة محليًا وإقليميًا ودوليًا، والتي اكتسب في الآونة الاخيرة ملمح التكتل الإقليمي-الدولي الذي يدخل طرفًا هامًا في كثير من الحسابات والموازنات الدولية. إلا أن هذا المثلث لا يمثل تحالفًا سياسيًا بالمعنى الكلاسيكي المعروف بقدر ما يعبر عن مركب من المصالح المتشابكة في العديد من القضايا وتجاه بعض الأطراف ولكن ليس جميع القضايا ولا كل الأطراف. الأمر الذي يجعل من العلاقات البينية بين الدول الثلاث شراكات جزئية ولكنها هامة واستراتيجية ولا يمكن لأي منهم الاستغناء عنها بسهولة أو التضحية بها وباستقرارها النسبي.

ولفهم سياسات وأدوار هذا المثلث في عالمنا العربي ستعتمد الورقة على مستويين: الأول- يسعى لرسم خريطة واضحة لأبعاد ومدى التلاقي أو التنافس بين الأطراف الثلاث، انطلاقا من الرؤية الاستراتيجية التي يتبناها كل منهم في تحديد مصالحه ومن ثم صياغة وتنفيذ سياساته تجاه المنطقة العربية، الثانى- يتعلق بكيفية تنزيل هذه الرؤى على أرض الواقع العربى وماهية دور دول هذا المثلث في أهم القضايا والصراعات المحتدمة في سياق التدافع المأزوم ما بين قوى الثورة والثورة المضادة منذ 2011. ولذا سينقسم التحليل إلى قسمين رئيسين: الأول- مستوى كلي تنظيري يتعلق بمستوى الرؤى والمصالح والسياسات لدول هذا المثلث، والثانى- مستوى وسيط يتناول حضور هذا المثلث في أهم قضيتين عربيتين في هذه اللحظة التاريخية وهما: الحرب في سوريا وليبيا، باعتبارهما مختبرا كاشفا لنمط الشراكات بين الدول الثلاث وشبكة المصالح والصراعات بينها في المنطقة العربية.

أولًا- المثلث التركي الإيراني الروسي والشراكات المرنة -الجزئية:

تتسم العلاقات بين أطراف هذا المثلث بالتعقيد وأحيانًا بالتناقض، فلقرون أثرت الدول الثلاث في التفاعلات الإقليمية ليس فقط في العالم العربى ولكن أيضا في أقاليم عدة أخرى كآسيا الوسطى وبحر قزوين وشرق المتوسط. ساد بينها تنافسات وخصومات أكثر من التعاون، وكان توازن القوة وحركة التحالفات والصراعات بينها محددا مهما من محددات مصير المنطقة، كما تؤثر العلاقة بين هذه الدول على الداخل في كل منها وعلى علاقاته الخارجية وخاصة العلاقة بالولايات المتحدة الأمريكية[1]؛ حيث يظل المتغير الأمريكى حاضرًا بقوة في التأثير على مسار ومدى العلاقات بين القوى الثلاث.

واختلف حال هذا المثلث كثيرًا في العقد الأخير مقارنة بالماضى القريب، فقد كانت صراعات النفوذ وآليات التعاون فيما بينها تدور حول محور رئيس؛ وهو مجال الطاقة أو بالأحرى مسارات أنابيب الطاقة في بحر قزوين؛ الأمر الذي تغير في السنوات الأخيرة وتبوَّأت المنطقة العربية صدارة أجندة اهتمام الدول الثلاث، وأصبحت عملية مدّ النفوذ بها من أولويات أجندة هذا المثلث خاصة مع اندلاع ثورات الربيع العربى وتأجج الأزمات مع مد الثورات المضادة.

ومن ناحية أخرى، تطورت بشكل ملحوظ قدرات الدول الثلاث على التمدد والتأثير في محيطها الإقليمي وما وراءه، فلم تكن أي منها تمتلك أو قادرة توظيف القوة الناعمة لمدّ نفوذها خارج حدودها ناهيك عن القوة العسكرية، أما الآن فقد تعددت أدوات سياسات هذه الدول الخارجية لتتعدى الأدوات السياسية والاقتصادية والثقافية لتشمل أيضا تحركات عسكرية في دول عربية سواء بشكل مباشر معلن أو غير مباشر من وراء الستار. وبعد أن كانت هذه الدول نفسها ساحة مفتوحة للتدخلات الخارجية ممن حولها ومنهم عربًا، تحول الوضع راديكاليًا حيث أضحى تنافسها في الخارج متغيرًا مهمًّا يلقي بظلاله على حسابات الداخل، خاصة تلك المتعلقة بالمنطقة العربية. بل إن النظرة السائدة لطبيعة كل دولة تغيرت فبعد أن كانت تركيا دولة علمانية، أضحى الآن الحديث عن التوجه الإسلامي لنخبتها الحاكمة وما تبعه من تغييرات أيديولوجية في داخل الدولة وفي سياستها الخارجية، وبعد أن كانت إيران تلك الدولة المعزولة التي يُنظر لها باعتبارها خارج المجتمع الدولي، أضحت دولة منخرطة في السياسات الدولية وتختلف القوى الكبرى حول طرق التعامل معها مهادنة أم مقاطعة. كما لم تعد روسيا تلك الدولة الجريحة ما بعد الحرب الباردة المليئة بالإضرابات الداخلية والأزمات الاقتصادية والتي تراجعت هيبتها العسكرية، وتزامن استعادتها النسبية لقوتها الاقتصادية والعسكرية مع رغبة جامحة من القيادة السياسية بها لاستعادة المكانة الدولية كقوى كبرى فاعلة، وبإضافة هذه التحولات في العوامل الاقتصادية والسياسية في دول المثلث الثلاث إلى ثوابت الجغرافيا التي تنبع منها مصادر قوة استراتيجية لكل منها، سواء بالسيطرة على أهم المضايق البحرية والممرات الاستراتيجية أو الثروات الاقتصادية على تنوعها، كان من الطبيعى صعود هذه الثلاثية على الساحة الدولية والإقليمية منفردة أو مجتمعة.

وعلى مستوى نمط السياسة الخارجية وطبيعة الأدوات المستخدمة، تشترك الدول الثلاث في تبني سياسات مبادرة تستبق الأحداث ولا تنتظرها ولا تقتصر على ردود الأفعال، فالنظم السياسية في كل من إيران وتركيا وروسيا تتبنى سياسات مبادرة طموحة تُحركها رؤية استراتيجية بعيدة المدى، وهذا أحد أسباب مرونة وحركية التفاعلات فيما بينهم ومع غيرهم. وفي ظل عدم وجود قوة مهيمنة في هذا المثلث، فإن التعاون الثلاثي ليس هو النمط السائد في العلاقات البينية على طول الخط، فمن المرجح ظهور تعاون ثنائى متغير بحسب القضية أو الصراع المثار وأحيانا في مواجهة ما تعتبره اثنتان منهما تهديدا من الثالثة[2].

ورغم العلاقات التاريخية التنافسية فيما بينها لقرون طويلة وحتى وقت قريب، إلا أن عدة عوامل أسهمت في تنامي نفوذ دول هذا المثلث في المنطقة في الأعوام الأخيرة؛ منها ضعف وهشاشة النظم الحاكمة العربية بل وانهيار بعضها، بالإضافة إلى ظهور داعش الذي أعطى لشعار الحرب على الإرهاب دفعة قوية للتدخل من خارج المنطقة. وتزامنت هذه التطورات مع تراجع واضح للدور الأمريكى والأوروبى في المنطقة، وهو الفراغ الذي أفسح المجال أمام بزوغ تحالفات جديدة وتقوية أخرى، وبدت الدول الثلاث وسيطًا بل حليفًا لعديد من النظم في المنطقة[3].

  • أضلاع المثلث ما بين التعاون والتنافس

تشكل العلاقات الثنائية فيما بين تركيا وإيران وروسيا أضلاع المثلث الثلاث، وهى على قدر ما تشهده كل منها من شد وجذب تمتاز بقدر من الاستقرار والثبات يمنع التدهور حال الاختلاف، فالمثلث يعبر شراكات مرنة جزئية في مجملها تكرس التعاون ولكن مع تفهم التباين في الرؤى والمصالح.

لا ترتبط التحالفات بالتجانس بين أطرافها بقدر ما ترتبط بالاعتماد المتبادل بينها، فالتنسيق قد يقتصر على قضايا دون أخرى، وفى ملف دون غيره. يتأسس الاعتماد المتبادل داخل الأحلاف على مكاسب أمنية لا يمكن الاستغناء عنها، وطالما هذه الاحتياجات لم تتغير أو ليس هناك بديل أفضل فإن الاختلاف في السياسات لا يؤدي إلى انهيار التحالف[4]، وهو الوضع الذي ينطبق على الشراكات القائمة والمستمرة ما بين أطراف هذا المثلث، رغم الاختلاف في الرؤى والمصالح، فالتقارب بين تلك الدول قائم على ظروف اللحظة ونوع القضية ولا يعد توجهًا شاملًا كليًا.

بدأ تشكل هذا المثلث بالتعاون الوثيق بين إيران وروسيا في القضايا الإقليمية والعربية منذ عقود، والتحقت تركيا بهذا التحالف، ولعبت التطورات في الساحة السورية دورًا محوريًا في ذلك خاصة عقب دخول روسيا على الخط بقوة لمساندة نظام بشار وحلفائه: إيران وحزب الله، كما ساهم الانقلاب الفاشل على أردوغان في 2016 في التسريع ببروز هذا المثلث، ويمكن النظر إلى هذا المثلث من التعاون باعتباره حلفا تكتيكيا، حيث يجمعه أهداف محددة مع استمرار وجود نقاط اختلاف (بعضها جوهري) ما بين أطراف المثلث الثلاث، فتظل المسألة السورية محل خلاف رئيس وموضوع كثير من المفاوضات المكثفة بين الدول الثلاث( [5]].

وقد استخدم بوتين كلا من الروابط السياسية والعسكرية مع إيران وتركيا لتدعيم هذا المثلث ولعب دور الجسر بينهما ومنسق سياسات هذه الشراكة خاصة في الملف السوري، حيث لطالما اعتبرت الرؤية الروسية الاستراتيجية أن كلا من شبه جزيرة القرم (أي أوكرانيا) والمضايق (أي تركيا) وشرق المتوسط (أي سوريا ولبنان وفلسطين) بمثابة جبهة واحدة ممتدة من بحر البلطيق شمالًا إلى السويس جنوبًا. وفى هذا الإطار تم تحجيم فكرة تركيا كحصن للغرب تقطع هذه الجبهة الممتدة، وذلك عبر تأسيس علاقات ودية بين بوتين وأردوغان. ويعد الضلع التركي الإيراني هو أضعف أضلاع هذا المثلث، فالدولتان غريمتان تاريخيًا حيث تنافستا على الموارد والأراضي، ويُعد المكون الشيعي في أيديولوجية الدولة الإيرانية عاملا من عوامل التباعد، ناهيك عن تناقض المواقف فيما يخص الملف السوري، ليس فقط تجاه نظام الأسد ولكن أيضا تجاه المشاريع التنافسة لنقل الغاز عبر سوريا والتي لا يمكن إلا أن يستفيد منها إحدى الدولتين فقط. إلا أنه في الوقت ذاته تتعدد عوامل التقارب من أهمها الموقف الرافض من تمدد الدور الكردي، وهو الأمر التي قاد إلى قبول تركيا على مضض بالدور الإيراني في العراق(.[6]]

يشكل التعاون الاقتصادي والعسكري ومواجهة الضغوط الغربية وعلى رأسها العقوبات الأمريكية الدعامات الأساسية لقيام واستمرار هذا المثلث، فتعددت أبعاد التعاون الإيراني والروسي منها دعم روسيا للاتفاق النووي في 2015 ورفض العقوبات الاقتصادية على إيران سواء في 2012 أو بعدها في 2017، وبالمثل فيما يخص العلاقة بين إيران وتركيا حيث مثلت الثانية شريك تجاري ومالي للأولى، والتي خففت من تأثير العقوبات الاقتصادية ومثل مطار اسطنبول بوابة إيران الأولى لأوروبا[7].

فيما يخص الضلع التركي الروسي، فقد هدفت السياسة الروسية إلى إضعاف الروابط بين أنقرة من جانب والولايات المتحدة الأمريكية والناتو والغرب عامة من جانب آخر، وإن تدمج تركيا “كشريك أصغر” لها في تسيير النظام الإقليمى، فبنت علاقات اقتصادية قوية مع تركيا تسمح لها باستخدامها كورقة ضغط عند اللزوم، إلا أن الأحداث أثبتت أن مثل هذه الضغوط ليست كافية لإجبار تركيا على التخلي عن أولوياتها الاستراتيجية؛ مما فرض على روسيا احترام تلك المصالح لحد ما[8]، وبعد أزمة إسقاط الطائرة الروسية في 2015 استطاعت الدولتان إصلاح علاقاتهما سريعًا بل وتوطيدها، بدافع من الظروف الإقليمية في تلك اللحظة وبدافع مصالح مشتركة في تفويت الفرصة على الولايات المتحدة في انتهاز هذه الأزمة.

وقد ظهرت عدة عوامل في السنوات القليلة السابقة دفعت في اتجاه دفء العلاقات التركية الروسية، من أهمها: 1) التعاون في الأزمة السورية على مستوى إيجاد حلول سياسية عبر مسار مؤتمرات الآستانة أو سوتشي أو على الأرض في الشمال السوري. 2) صفقة صورايخ س 400. 3) التعاون الاقتصادي خاصة في مجال الطاقة، إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار التنافس الخفي (والمعلن في أحيان نادرة) ليس فقط في الشرق الأوسط بل البحر الأسود وجنوب القوقاز أيضا. 4) العلاقات الوثيقة على مستوى القيادات السياسية حيث كان موقف بوتين المؤيد لأردوغان خلال الانقلاب الفاشل عاملًا مساعدًا لتوطيدها[9]. 5) نمو التجارة والاستثمار والسياحة بشكل كبير بينهما منذ 2008. 6) الرغبة في تحجيم الضغوط والنفوذ الغربي من بين أهم عوامل التقارب بين الاثنين. ولكن رغم الإعلان عن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في 2010 إلا أن العلاقات ظلت تكتيكية في جوهرها بسبب التباين في المصالح وعدم وحدة الأجندة السياسية؛ وهو الأمر الذي اتضح جليا بعد اندلاع ثورات الربيع العربي[10].

ويمكن وصف نمط العلاقة بين تركيا وروسيا بأنها شراكة استراتيجية (وليس تحالفا)، حيث يظل التعاون بينهما ضروريًا في مجال الطاقة والتجارة والصراعات الإقليمية وعلى رأسها سوريا وليبيا((*. وتُقاد العلاقة بين تركيا وروسيا على مستوى النخب الحاكمة بالأساس، فهى ليست مؤسسية بقدر ما هي معتمدة على العلاقة الودية ما بين قيادتين قويتين، ورغم أنها شراكة براجماتية قصيرة المدى قائمة على ردّ الفعل تجاه الغرب إلا أنها منذ سنوات تتنامى وتقوى حتى إنها استطاعت تخطي الاختبار تلو الاختبار، وساعد على ذلك أن الفكر الاستراتيجى التركي يقوم على تنويع الروابط الاقتصادية والاستراتيجية لتخفيف آثار أي تدهور محتمل في العلاقات مع الدول الغربية[11].

اعتبر كثيرون أن حصول تركيا على منظومة صواريخ إس 400 نوع من تحجيم التبعية للغرب وتدعيم لقوتها التفاوضية معه وليس انسلاخًا من الناتو، إلا أن أصواتا أخرى أشارت إلى أن للأمر أبعادًا أخرى، وهي أنه قد يخلق حالة من التبعية المزدوجة بزيادة هشاشة تركيا لروسيا وبالتالي الاحتياج المتزايد للتطمينات من الناتو[12]، لأن امتلاك تركيا لصواريخ إس 400 لا يعني سيطرتها الكاملة عليها، فمثل هذه المنظومات الصاروخية المعقدة تحتفظ للمُنتج بالقدرة على التدخل في استخدامها؛ ولذا قد تحتاج تركيا لضمانات الناتو لحمايتها في مواجهة أي تهديديات روسية محتملة؛ وبالتالى فوجود صواريخ إس 400 على الأراضي التركية هو عملية مكلفة للناتو[13]، وقد انتقل التعاون التركي الروسي بهذه الصفقة من مجالات الطاقة والإعمار والسياحة والتجارة إلى مجال الصناعات الاسترايجية التي تؤسس لعلاقة اعتماد متبادل طويلة الأمد،ـ فبعد حصول تركيا على صواريخ إس 400 تكون روسيا حازت حوالى 13% من سوق السلاح التركي، واعتبر المراقبون أن محصلة هذه العلاقات التبادلية لصالح روسيا أكثر من تركيا، ولكن يظل هدف تركيا الأكبر الموازنة بين روابطها مع الغرب وتحسن علاقاتها مع دول مثل روسيا والصين وإيران[14].

أما عن الضلع الإيراني الروسي، فتاريخيًا سادت المخاوف بين البلدين لتعارض الطموحات السياسية والإقليمية؛ ولذا فتاريخ العلاقات لم يشهد فترات طويلة من العلاقات البناءة السلمية، فسادت بينهما سياسات جوار حذرة لم تعطَ فرصة لتعاون اقتصادي وسياسي صلب وقوي[15]، إلا أنه حدث تطور في العقدين السابقين خاصة في ظل رئاسة بوتين، وأضحت الآن العلاقات بينهما تعكس علاقات تعاون مستقرة حتى وإن كانت لا تقوى باطّراد، فالعلاقة على المستوى التجاري والسياسي تظل أداة في مواجهة الولايات المتحدة أكثر منها علاقة ثنائية مستقلة بذاتها، ورغم التعاون (خاصة العسكري) في كثير من الملفات إلا أن الملف السوري كشف سقف وحدود هذا التعاون على الأرض[16].

ومثل اغتيال قاسم سليمانى وتصاعد التوتر الإيراني الأمريكى فرصة أخرى لزيادة النفوذ الروسي والتقارب مع إيران، فقد ساعدت بعض القرارات الأمريكية مثل التخلي عن الأكراد في شمال سوريا على توسيع مساحة الفراغ والتي تعد روسيا وإيران الأوفر حظًا للتقدم لملئها، فكثير من سياسات ترامب سمحت بتوطيد نفوذ روسيا في سوريا والمنطقة ككل، كما أن الحكومة العراقية على سبيل المثال –مدعومة من طهران- صعدت من رفضها لانتهاك الولايات المتحدة للسيادة العراقية وتعالت التصريحات المصحوبة بإجراءات فعلية لتحجيم (أو إنهاء) وجود القوات الأمريكية في العراق، فمع تزايد احتمالية الخروج الأمريكى العسكري من العراق وما سبقه من خروج مماثل في سوريا تزداد قدرة روسيا وإيران على المناورة في المنطقة[17].

فأهم ما جمع الدولتين العلاقاتُ المتوترة والمتشككة مع الغرب، فالتوجه الإيراني المضاد للولايات المتحدة الأمريكية يراه الكرملين وسيلة من وسائل موازنة النفوذ الأمريكى (وأيضا التركي خاصة في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى)، وكثيرًا ما استخدم الروس الموقف من البرنامج النووي الإيراني كأداة من أدوات المفاوضة مع واشنطن؛ ولذا لم تنظر موسكو يوما لإيران باعتبارها تمثل أي مصدر للتهديد لها بل شريك في موازنة الغرب، بالإضافة إلى أنها تمثل سوقًا متناميًا لبيع الأسلحة التقليدية[18]؛ حيث تبزغ إيران كأكثر الشركاء الاستراتيجيين أهمية وتقاربًا من روسيا في الشرق الأوسط؛ فبالرغم من عبء التنافس التاريخى بين البلدين والفشل في تطوير تعاون اقتصادى كبير، يجتمع الاثنان على أولوية أساسية وهى العمل على مواجهة وتحجيم النفوذ الأمريكى في المنطقة، وفي هذا الشأن ترى كل منهما الأخرى كشريك استرايجي لا غنى عنه[19].

وبالنسبة إلى الضلع التركي الإيراني، وهو يعد أضعف الأضلاع رغم استقراره النسبى، فعلاقة التنافس –وأحيانا العداء- تاريخية منذ قرون ما بين الدولة العثمانية والصفوية، وهو التاريخ الذي أسس لاحقًا لميراث من التعايش وعدم الرغبة في التصعيد من الجانبين، وتحول هذا التعايش بعد الثورة الإيرانية إلى نوع من البراجماتية من الجانبين، والتي فتحت الطريق أمام قدر من القبول المتبادل للاختلافات[20]. وتشهد العلاقات الإيرانية التركية فترات صعود وهبوط بشكل مستمر، ويضع هذا التذبذب سقفًا لما يمكن اعتباره شراكة قلقة (وليس تحالفًا شاملًا). وبالنظر إلى التنافس والشكوك والاختلافات الثقافية والطائفية، فقد انتهجت كلا الدولتين استراتيجية استخدام الروابط الاقتصادية خاصة المتعلقة منها بالطاقة في الإبقاء على تنافسهما غير تصادميٍّ، خاصة أن تركيا مهمة لإيران –كما سبق الذكر- للحدّ من عزلتها الدولية ومن تأثير العقوبات عليها[21].

وتلاقت الدولتان –وإن بدرجات متفاوتة- حول الرغبة في مواجهة الضغوط الأمريكية ممثلة فى: أولًا، العقوبات الأمريكية على إيران، ثم ثانيًا، التلويح بها مؤخرًا تجاه تركيا، فكان الاتفاق على الإبقاء على تعاون تجاري قوي، واستمرت اللقاءات السياسية ما بين المسؤولين في معدلاتها العالية كمؤشر آخر على استمرار التنسيق[22] –ولو في حدِّه الأدنى تجاه بعض القضايا-، وعلى مستوى التعاون الأمني والسياسي تباينت المواقف ما بين سياسات متوافقة حول القضية الفلسطينية وبين تناقض حاد تجاه الربيع العربي خاصة في سوريا والعراق، وقد تأثر التعاون المحدود سلبيًا بين الدولتين في مواجهة الجماعات الكردية في ظل الدعم السوري الإيراني للجماعات الكردية في شمال سوريا والتي تعبترها تركيا جماعات إرهابية تمثل تهديدًا للأمن القومي التركي[23]، ولكن ظلت إيران حذرة في عدم الدخول في مواجهة مباشرة ومعلنة مع تركيا في إدلب، رغم وجود ميلشيات تابعة لها -بالإضافة إلى حزب الله- تحارب إلى جانب نظام بشار( [24]]، وتظل العراق من المسائل الشائكة في الضلع الإيراني التركي، فالحضور الإيراني المتزايد في العراق والذي من تجلياته تحالفها مع كل من حزب العمال الكردستاني وقوات الحشد الشعبي يمثل تهديدًا هامًا للمصالح التركية على المدى المتوسط والبعيد[25].

  • المنطقة العربية في استراتيجية المثلث:

تمتلك كل من تركيا وإيران وروسيا رؤية خاصة لمصالحها وسياستها؛ سواء في نظرتها للمنطقة العربية أو الموقف من قضاياها أو ادوات تحقيق أهدافها فيها، حيث تحتل المنطقة العربية أهمية كبرى لدى الدول الثلاث، وتسعى كل منها لمدّ وتأمين أكبر نفوذ ممكن سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا وعسكريًا، ولكن تتنوع وتختلف اقترابات تعاملها مع المنطقة؛ بسبب تباين نسبي أحيانا وجوهري أحيانا أخرى لرؤية ومرجعية كل منها، وقد مثل الموقف من ثورات الربيع العربي نقطة خلاف مفصلية بين تركيا من جانب وإيران وروسيا من جانب آخر، إلا أنه لم يؤثر على الشراكة بين الثلاثي ولكنه زاد من الفجوة بين الطرفين في الأزمات العربية وعلى رأسها سوريا وليبيا.

وقد أحدثت ثورات الربيع العربي نقلة نوعية في اقتراب تعامل دول المثلث مع المنطقة العربية وفى تغيير أدوات تدخلها فيها، فبعد أن كان الاعتماد على الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية في التأثير على المنطقة هو الأساس، أصبح التدخل العسكري أمرًا واقعًا ومتكررًا من هذه الدول، ووصلت الذروة بالتدخل العسكري في سوريا، الذي بدأ بإيران وحزب الله، وبعده تدخل روسيا في 2015 والذي كان -ومازال- يمثل عملية إعادة الانتشار الأولى للقوات الروسية خارج الحدود ما بعد العهد السوفيتي، وصولًا إلى تعدد العمليات العسكرية التركية في الشمال السوري.

وقد انطلقت الرؤية الروسية لما يجرى في المنطقة العربية من نظرة سلبية للربيع العربى؛ سواء باعتباره فرصة لاستيلاء الإسلاميين على الحكم في المنطقة أو باعتباره انقلابًا مخططًا من الغرب وامتدادًا للثورات الملونة في المنطقة الأرو-آسيوية[26]؛ وهي الرؤية التي اشتركت فيها مع إيران وكان الموقف من الثورتين السورية والليبية أول وأكبر دليل على ذلك.

نتجت عملية إحياء روسيا لمصالحها في المنطقة العربية عن نقلة في استراتيجيتها الخارجية ككل، فبعد سنين من الرفض الغربي وعدم معاملتها كشريكٍ ندٍّ من قبل الدول الغربية، اتجهت روسيا إلى أن ترى نفسها كلاعب دولي بقدرات وأدوات عابرة للحدود، وبرز الشرق الأوسط كساحة رئيسية لإثبات ذلك، ولإعلان أن مرحلة غيابها كقوى دولية رئيسية قد انتهت، فتاريخيًا تعد هذه المنطقة الساحة الخلفية الاستراتيجية لروسيا، هذا بالإضافة إلى أن تزايد أعداد المسلمين في روسيا (ما بين 12 إلى 15% من السكان) يزيد من المخاوف الروسية مما تعتبره أفكارا متطرفة قد تصل إلى داخل أراضيها عبر آسيا الوسطى وحدودها الجنوبية؛ وهو أحد أهم أسباب مساندة روسيا لقوى الثورة المضادة في العالم العربي ودعم النظم المستبدة مخافة من التغيير الذي قد يسهم في تصعيد المعارضة في الداخل ضد نظام بوتين ذاته؛ سواء تأثرًا بنجاح الثورات في جوار جغرافي بشكل عام أو ببروز قوى إسلامية سياسية بشكل خاص، فالرؤية الروسية ترى أن عدم الاستقرار في المنطقة يعني تحويلها “لقاعدة تدريب للجهاديين”، كما رأت أن موقف إدارة أوباما في دعم الربيع العربى (مثل ليبيا) قد أدى إلى خلخلة استقرار المنطقة، وأن النفوذ الروسي مهدَّدٌ حال فقدان حلفاء إقليميين مثل العراق وليبيا وسوريا[27].

وبالرغم من تماثل أهداف روسيا في عهد بوتين مع تلك الخاصة بالاتحاد السوفيتي في الماضي إلا أن الاقتراب اختلف، فبينما سعى الاتحاد السوفيتى لتحقيق أهدافه عبر العمل ضد حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، فإن بوتين حققها عبر التعاون معهم[28]، وبينما كان الاتحاد السوفيتي داعمًا لقوى التغيير كان هو داعمًا لقوى الوضع القائم، الأمر الذي سمح له بتدعيم علاقات قوية مع نظم المنطقة المختلفة رغم عدائهم لبعضهم البعض، فهدفه ليس تغيير الحكومات الموالية للغرب بأخرى موالية لروسيا، أو إقناع حلفاء الولايات المتحدة بالتحول إلى حلفاء لروسيا، فتركيا على سبيل المثال بحصولها على منظومة الدفاع الجوى س400 ورغم آثار ذلك على قلقلة العلاقات مع الولايات المتحدة وإثارة تساؤلات حول مستقبلها في الناتو، إلا أنها لم تتحول إلى حليف روسي ضد الغرب، واستمر الخلاف معها تجاه بضع المسائل منها: مستقبل بشار الأسد وكيفية التعامل مع القوى الكردية السورية، وأيضا فيما يخص النزاع بين آرمينيا وأذربيجان، فغاية بوتين هي زيادة التعاون الاقتصادي والعسكري مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة (خاصة مبيعات الأسلحة) لمساعدتها على مقاومة الضغط الأمريكي عليها، وفي ذات الوقت التقليل من تأثير  العقوبات الغربية على روسيا بشأن أوكرانيا؛ وفى المقابل فإن بعض الحلفاء الأمريكيين في المنطقة يأملون أنه بزيادة روابطهم بروسيا يستطيعون وقف دعمها لخصومهم مثل محاولات الرياض لخلق مسافات بين طهران وموسكو، إلا أن روسيا تمسكت بموقف الموازنة بين الجميع وعدم تدعيم علاقتها بطرف على حساب طرف آخر، فبينما لم تقم بتحجيم تعاونها مع إيران بناءَ على طلب إسرائيل والسعودية والإمارات، فإنه بالمثل لم تقم بتخفيض تعاونها مع الأخيرين رغم ما يسبّبه ذلك من قلق إيراني، بل أبقت روسيا هدفا لتوددهم جميعا لها[29]، خاصة في مجال شراء الأسلحة، وبشكل عام فإن سوق الشرق الأوسط (وفى قلبه العالم العربى) يحصل على النصيب الأكبر من صادرات السلاح الروسي. وعلى الجانب الآخر فإن البعض الآخر من حلفاء الولايات المتحدة يهدف من توثيق علاقته بروسيا إلى موازنة الضغوط الأمريكية وتحقيق توازن أكبر لصالحها في القضايا الإقليمية مثل تركيا وإيران.

ومن ناحية أخرى، استطاعت روسيا بدبلوماسية الطاقة الاستباقية التنسيق مع الدول النفطية وعلى رأسها السعودية للحدّ من تدهور أسعار النفط[30]؛ وهو الوضع الذي انقلب تمامًا مع بدايات أزمة فيروس كورونا وتأثر سوق النفط بشكل كبير بالصراع السعودى-الروسي، وقد برهن الانهيار الكبير والسريع في أسعار النفط على أهمية التنسيق ما بين الرياض وموسكو؛ وهو التنسيق الذي كان لغيابه عواقب فادحة ليس على المنطقة العربية فقط بل على العالم أجمع.

فيما يخص تركيا، فقد مثل الربيع العربى تحديًا فارقًا لسياستها الخارجية؛ فقبل اندلاع الثورات العربية كانت تركيا قد استطاعت تحسين علاقاتها بجوراها الجغرافي في جميع الاتجاهات وبشكل غير مسبوق، انطلاقا من نجاحها في تطبيق استراتيجية تصفير المشاكل التي تبناها أحمد داوود أوغلو، فكانت بمثابة “الدولة النموذج” التي يتعاون معها الجميع وتصبو إليها غالبية القوى الإقليمية، ثم مع احتدام الصراع بين قوى الثورة والثورة المضادة في المنطقة العربية، كان وقوفها إلى صف قوى التغيير إيذانا بتوتر علاقاتها بكثير من النظم الحاكمة، خاصة أنها لم تناصب التيارات الإسلامية العداء، عكس النخب العربية الحاكمة التي اعتبرت الموقف مما تسميه “بالإسلام السياسى” المعيار الرئيس -إن لم يكن الأول- في تحديد ماهية الحليف أو العدو. وبخلاف الإجماع على محاربة إرهاب داعش (ومن قبلها القاعدة)، ظهر اختلاف حول تحديد من هم الجماعات الإرهابية ومن هم الحركات الثورية، وكان ذلك سببا لتوتر العلاقات بينها وبين عدد من الدول العربية، بل أيضا مجالا للشد والجذب مع شريكيها في المثلث: إيران وروسيا. وتُعلى تركيا من أدوات القوة الناعمة في سياساتها الخارجية عمومًا تجاه المنطقة العربية خاصة، حيث كانت العلاقات الاقتصادية والأدوات الدبلوماسية والثقافية هي الاقتراب الأساسي في التعامل مع الدول العربية، حتى ما بعد 2011، ولم تُقدم تركيا على استخدام الأداة العسكرية إلا في سوريا وبعد سنوات من اندلاع الثورة بها؛ بسبب ما اعتبرته تهديدًا خطيرًا لأمنها القومي، وكان تدخلًا غير مباشر في البداية بدعم الجيش السوري الحر وغيره من الحركات التي تحارب نظام بشار الأسد، ثم تحول إلى عمليات عسكرية تركية مباشرة في الشمال السوري.

أما عن إيران، فيظل للمكون المذهبي الشيعي أهميته على مستوى الأهداف والأدوات، وتقوم المصالح الإيرانية في المنطقة على تأمين نطاق نفوذ يتخطى المناطق اللصيقة بحدودها ليشمل ما هو أبعد من ذلك، ومن ثم فإن أهمية سوريا كبيرة في الاستراتيجية الإيرانية بسبب الرغبة في تأمين النفوذ من الحدود الغربية الإيرانية إلى سواحل البحر المتوسط؛ ذلك بعد أن أمنت طهران لنفسها هيمنة لا يمكن إنكارها في العراق. أما اليمن فتكستب أهميتها في الاستراتيجية الإيرانية من ارتباطها بالنفوذ على المضايق البحرية وعلى تطويق المنطقة العربية خاصة الخليج. وعكست جميع مرتكزات النفوذ الإيراني في المنطقة العربية ذلك النهج الخارجى القائم على استثمار الرابطة المذهبية كأدة من أدوات التغلغل والتأثير -سواء أكانوا العلويين في سوريا أو الحوثيين في اليمن، ومن قبلهم الشيعة في لبنان والعراق- وظل هذا المنحى المذهبى مستترا في خطاب السياسة الخارجية الإيرانية تجاه العالم العربى، إلا أنه كان كامنًا ومؤثرًا خاصة في العراق ولبنان منذ عقود، إلا أنه برز بوضوح أكبر وعوٌلت عليه إيران بشكل فعَّال منذ 2011، فكان معيارًا رئيسيًا في رسم خريطة تحالفاتها وبناء شبكة شركائها وتحديد خصومها وأعدائها.

ثانيًا- أزمات العالم العربي والمثلث التركي الإيراني الروسي:

في عالم تداخل فيه الداخلي مع الخارجي، كان من الطبيعي أن يصبح لصراعات ما بعد الربيع العربي أبعادٌ خارجية لا تقل أهميتها عن المتغيرات الداخلية، بل في بعض الحالات تفوقها تأثيرًا وتوجيهًا لأطراف الصراع. بخلاف القضية المركزية للأمة الإسلامية -وهى القضية الفلسطينية- أضحت قضية الثورة (سواء إنجاحها أو القضاء عليها) هي القضية المحورية في عالمنا العربي؛ ولذا تمحورت حولها الأزمات العربية لأكثر من تسع سنوات. وتشتعل في تلك اللحظة المواجهات والقلاقل والمطالب الثورية في أكثر من بلد عربي؛ مثل: العراق ولبنان والجزائر والسودان واليمن وغيرها. وسيتم التركيز في هذه الورقة على الحرب في سوريا وليبيا حيث تعكس الأوضاع الحالية في الساحتين النزاعات والتوازنات الإقليمية وليس فقط المحلية، وتعبر عن الشرخ الكبير الذي أفرزه الصراع الرئيس في المنطقة العربية ما بين معسكري الثورة والثورة المضادة، حتى أجمع المحللون على أن ما يحدث في الدولتين ما هو إلا حرب بالوكالة. ويدخل المثلث التركي–الإيراني–الروسي في قلب -بل في صدارة- هاتين الحربين. وتلعب الدول الثلاث أدوارًا محورية في الملف السوري، وبينما تلعب إيران دورًا محوريًا على الساحة اليمنية فإنها تغيب عن الملف الليبي الذي تتدخل فيه تركيا وروسيا طرفين مؤثرين وبقوة.

هذا بالإضافة إلى أن الحرب في سوريا وليبيا وصلت إلى مرحلة ضرورة فرض الحسم العسكري، فبعد سنوات من العداء والاقتتال بين الأطراف المتناحرة -ومن وراءهم شبكة من الحلفاء الإقليميين والدوليين- لم تعد مرحلة إبقاء الصراع مفتوحًا وفي حده الأدنى تلبي مصالح هذا المركب المعقد من التحالفات، فمعسكر الثورة المضادة في المنطقة العربية يرى نفسه الأقوى ويريد ترجمة ذلك إلى نصر حاسم يجهز فيه على ما يراه “بؤر ثورية”، بينما ما زال معسكر الثورة مقاومًا ويعيق تنفيذ أجندات كثير من النظم الحاكمة العربية ومنها ما يعرف بصفقة القرن.

وقد تبنت الدول الثلاث الأداة العسكرية في تدخلها في المنطقة العربية، فلجأت كل من إيران وتركيا إلى التدخل المباشر على الأرض؛ سواء بقواتها، أو بشكل غير مباشر بدعم حكومات وجماعات؛ وذلك بالنسبة إلى تركيا في سوريا وليبيا، وبالنسبة إلى إيران في سوريا واليمن. أما عن روسيا، فإنه بسبب ما عرف بمتلازمة أفغانستان وصعوبة إرسال جنود روس رسميًا إلى خارج البلاد مخافة من الخسائر البشرية، اتجهت روسيا إلى استخدام المرتزقة للقتال على الأرض خاصة في الحالة الليبية، بينما اتجهت إلى القصف الجوى في سوريا، في إطار ما عرف بالأولوية لحرب المواجهة (أو كما في المصطلحات العسكرية الروسية بأنها “حرب تماسّ”)، ناهيك عن متغير القدرات التمويلية المحدودة النسبية لتمويل عمليات إنزال عسكري واسع النطاق[31].

وفى هذا السياق، استخدمت كل من دول المثلث مقولة الحرب على الإرهاب في مواجهة من تعتبرهم خصومها في المنطقة العربية، وتعكس الأزمتان السورية والليبية تلك المعادلة المعروفة التي سادت المنطقة العربية منذ 2011؛ وهى قيام رجالات الدولة القديمة ومن يتبعهم من جماعات وقوى بتسويق أنفسهم كمحاربين للإرهاب والتطرف؛ وهي المقولة التي نشأت مع بداية موجة الثورة المضادة، وقدمت تبريرًا ناجحًا لمحاربة -ليس فقط الإرهاب- بل أيضا الجماعات الثورية في المنطقة، ومثلت مصدر قوة للنظم الحاكمة العربية، فمن جانب فتتت الجبهات الداخلية وفككت جزءًا لا يُستهان به من الحواضن الشعبية للثورات في كل بلد، ومن جانب آخر تبنت خطابًا رائجًا محبوبًا لدى الدول الغربية.

 

  • الأزمة السورية:

تطورت الثورة السورية من السلمية إلى العسكرة بفعل سياسات القمع الشديد التي مارسها نظام الأسد، وساعده على ذلك توافر بيئة خارجية معادية في مجملها أو على الأقل غير مرحبة بالثورات العربية، وما يمكن أن تحققه من تغييرات راديكالية كبرى في المنطقة. وتمثلت تلك البيئة في حاضنة إقليمية مساندة لنظام بشار الأسد بكل قوة ممثلة في إيران في المقام الأول، ثم لحقتها دول عربية مثل: السعودية ومصر والإمارات، وفى بيئة دولية منقسمة ومترددة حول أنسب الطرق للتعامل مع هبات الشعوب ولكنها متفقة على التغاضي عن انتهاكات وجرائم بشار الأسد في سوريا. ومع دخول داعش على خط المواجهة على الأرض، اختلطت الأوراق لصالح النظام السوري بتفكيك وتشويه تلك الصورة التي كانت ناصعة البياض شديدة الوضوح عن طبيعة الصراع، كصراع بين قوى التغيير الساعية لتحرير الشعوب وبين قوى الوضع القائم المستبدة الفاسدة، فأصبحت مقولة الحرب على الإرهاب والتطرف مبررًا لقمع الثورات، في ظل توسيع دائرة الإرهابيين بحسب أجندة ورؤية كل دولة.

ثم حدثت النقلة النوعية الثانية في الأزمة السورية بالتدخل العسكرى الروسي الحاسم في سبتمبر 2015 الذي غير من معادلة الصراع، وتحولت المعارضة السورية المسلحة من الهجوم والسيطرة على أكثر من 75% من الأراضي السورية إلى الدفاع والانحسار في منطقة واحدة وهي إدلب، والتي ما زال النزاع حولها قائمًا للإجهاز على ما تبقى من الثورة السورية.

وجاءت العمليات التركية العسكرية منذ أغسطس 2016 لتمثل نقلة نوعية ثالثة لمسار الصراع السوري، وقد لعبت تركيا دورًا كبيرًا منذ نشأة الأزمة وإن تغيرت طبيعة هذا الدور وأولوياته بمرور الوقت.

وقد لخص الرئيس التركي أردوغان الأولويات التركية في سوريا بقوله: “لا نريد نفطًا ولا أرضًا من سوريا بل حدودًا آمنة لدولتنا”[32]، فهدف رحيل الأسد وإن ظل قائما إلا أنه تراجع أمام هدف مواجهة ما تمثله الجماعات الكردية من تحدّ للأمن القومي التركي وهدف التعامل مع قضية المهاجرين التي أضحت تمثل ضغطًا سياسيًا واقتصاديًا (بل واجتماعيًا) على الداخل التركي. ولا يمكن أيضا فصل الموقف التركي من نظام بشار الأسد عن موقف تركيا العام المؤيد لثورات الربيع العربى وموقعها في خريطة الصراع بين الثورة والثورة المضادة الذي يهمين على المنطقة منذ 2011، إلا أن الحالة السورية تظل هي الأكثر التصاقا بالمصلحة التركية المباشرة من غيرها، رغم تشابك القضايا والصراعات الإقليمية.

تتدخل تركيا في المسألة السورية انطلاقا من عدة عوامل جيو-استراتيجية دفعتها دفعًا لذلك؛ منها: أن جنوب تركيا هو الملجأ الأول للاجئين السوريين كلما احتدمت المعارك في الجبهة السورية، وأن الخطر الكردي على تركيا لم يعد قادمًا من العراق في ظل العلاقات الإيجابية بين تركيا وحكومة إقليم كردستان العراق، وإنما أضحى أساسًا قادمًا من شمال سوريا في مثلث سنجار وقنديل منذ سقوط الموصل في 2014، وحتى بعد استعادتها لاحقًا ظلت هذه المنطقة تهديدًا حالًا مباشرًا وضاغطًا على الأمن القومى التركي. فهناك حسابات استراتيجية عسكرية متعلقة بالخصوصية الجغرافية لتلك المنطقة لا يمكن لتركيا تجاهلها، وهي الحدود التركية السورية الطويلة الممتدة 900 كيلومتر، الأمر الذي فرض على تركيا خيارات مثل القبول بفكرة التخلي عن بعشيقة مقابل سنجار، فسنجار تعد نقطة اتصالات هامة بين حزب العمال الكردستانى وقوات حماية الشعب الكردى، كان من المهم قطعها ومنع تدفق الجماعات السلحة من جبال قنديل إلى سنجار، لإعاقة قيام قواعد عسكرية للأخيرة في شمال سوريا ولقطع الإمدادات اللوجستية والتنسيق المخابراتي بين الاثنين[33]. وتوالت العمليات العسكرية التركية في الشمال السوري سواء بتدخلات محدودة مؤقتة أو تحركات عسكرية كبيرة ومستمرة مثل درع الفرات ونبع السلام.

تتناقض الاستراتيجية التركية في سوريا مع كل من إيران وروسيا منذ أن بدأت تقدم الدعم اللوجستي والمادي وتدريب الجماعات الثورية التي تحارب النظام السوري خاصة الجيش السوري الحر، وقد ساهمت الحوارات بينها وبين إيران وروسيا والتنسيق مع القوى الغربية في تغيير السياسة التركية لفترة، فاتجهت إلى تخفيف نسبي للدعم التركي المقدم للحركات الثورية السورية –خاصة ما يتعلق منها بالبعد العسكري- وذلك في سياق عملية ترتيب الأولويات التركية في سوريا لتكون موجهة إلى الجماعات الكردية في المقام الأول، التي استفحلت قوتها في الشمال السوري بسبب سياسة النظام السوري القائمة منذ اللحظة الأولى على تلافي أي مواجهة معها. ثم جاءت معارك إدلب لتمثل مرحلة مفصلية جديدة من الصراع في سوريا، وبذلك فإن التعاون الروسي التركي الإيراني في سوريا بعيد جدًا عن مفهوم التحالف نظرًا لكونه تعاونًا انتقائًا جزئيًا تغيب عنه الثقة[34].

وقد بدأ الشد والجذب في العلاقات الروسية التركية في الساحة السورية يتضح أكثر منذ القصف الروسي المكثف على الجبهات الشرقية والجنوبية لدمشق في 2015، والتى كانت تسيطر عليها الجماعات الثورية التي تساندها تركيا، وتشترك إيران مع روسيا في الموقف الرافض للدعم التركي لما تعتبره إيران قوى أصولية متشددة[35].

أما عن الأهداف الروسية في سوريا فمن بين أهمها وقف التدخل الغربى وخاصة الأمريكي في إطار ما سُمي بالتدخلات الإنسانية، فهي تدخلات تستند إلى أسباب جيوبوليتيكية واذا استمرت قد تكون روسيا ذاتها هدفا مستقبليا لها، كما أرادت روسيا أن تبرز حدود النفوذ الأمريكى في المنطقة، وأن على الغرب ألا يتجاهل رأي ومصلحة روسيا كلاعب أساسي في المنطقة[36]، هذا بالإضافة إلى تأمين قواعد عسكرية لها (مثل قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية وأخرى بحرية في طرطوس) في شرق المتوسط، تتبنى روسيا إدارة حذرة للملف السوري للوضع القائم بدلًا من السعي لتسوية سياسية شاملة، فإنها تسعى إلى توفير حد أدنى من السلام والاستقرار على المدى القصير والمتوسط، عبر تحقيق تقدم تراكمي مثل عودة بعض اللاجئين وإعادة العلاقات بين النظام السوري وبعض الدول العربية والأوروبية[37].

وقبل يومين من التدخل العسكري الروسي في سوريا، ألقى بوتين خطاب في الجمعية العامة، ألقى فيه باللوم على الغرب في خلق الأزمة السورية وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، واقترح تحالف دولي لمحاربة داعش، واعتبر أن كلاًّ من نظام الأسد والجماعات الكردية هما القادران على محاربتها، ورغم خطاب محاربة الإرهاب، إلا أن الموجة الأولى من القنابل الروسية استهدفت قوى المعارضة المحاربة لنظام الأسد وليس داعش، واستغل التدخل الروسي في سوريا الفراغ الذي تركه التراجع الأمريكى والذي بدى واضحًا مع تردد واشنطن في التدخل الحاسم عندما استخدم الأسد الأسلحة الكيميائية في عدة مناطق بدمشق في أغسطس 2013؛ وفى المقابل، جاء التدخل الروسي سريعًا وقويًا ومكثفًا عبر إنزال بحري سريع لنظم الدفاع الجوي س300 ثم س400 كرسالة قوية للغرب بعدم التدخل ضد الأسد، ونشر مثل هذه النظم الدفاعية المتطورة لا علاقة لها بالحرب على داعش أو دحر المعارضة السورية، وكان الأسد قد طلب مساعدة روسيا تفعيلًا لاتفاقية الصداقة والتعاون الموقعة 1980، ورغم أنها اتفاقية موقعة بين سوريا والاتحاد السوفيتى، فإن استداعاءها ما هو إلا غطاء لشرعنة التدخل الروسي العسكري وفق القانون الدولي في إطار غياب قرار من مجلس الأمن، وقدمت روسيا نفسها بذلك كمانحة للاستقرار في المنطقة بالخلاف لما قام به الدور الامريكى كما صوره بوتين في خطابه في الجمعية العامة السابق الإشارة إليه، فإلى جانب ما وفره مثل هذا التحرك من قوة تفاوضية لروسيا إلا أنها أيضا الصورة التي أراد بوتين نشرها وتدعيمها في المنطقة، خاصة في الشمال الأفريقى في مصر وليبيا والجزائر صورة المساند القوي للأنظمة الذي يعتمد عليه حال تدهور الأوضاع، عقب اهتزاز تلك الصورة عن الولايات المتحدة[38].

أما الدور الإيراني فقد تطور بشكل كبير في دعم النظام السوري من دور محدود ودعم غير مباشر إلى قيادة مباشرة في المعارك تحدد الاستراتيجية العسكرية لنظام الأسد في أغلب المناطق السورية، ويهدف هذا الدعم المحورى للأسد إلى فتح طريق إلى البحر المتوسط عبر العراق وسوريا، ووفق تلك النظرة طويلة المدى عميقة التأثير فإن إيران تسعى أيضا للسيطرة على القطاعات الاستراتيجية في الدولة السورية والاقتصاد السوري، لضمان إبقاء الأسد في دائرة نفوذها ما بعد انتهاء الحرب، وكورقة في مواجهة الضغوطات الأمريكية أيضًا، وللتدخل العسكرى الإيراني في سوريا أهداف داخلية أيضًا حيث إن الدولة الإيرانية تعمل على تغيير الصورة الدولية لإيران كدولة معزولة، وفي نفس الوقت تسعى لتبرير الخسائر المادية والبشرية الضخمة التي استُنزفت في الحرب في سوريا، ولكن لا شك أن دخول روسيا قد قلل من الدور الإيراني بشكل ملحوظ، وتتعارض رؤى ومصالح الدولتين في سوريا في بعض أبعادها، منها الموقف من إسرائيل، ومنها التحفظ الإيراني على مفاوضات جنيف التي اعتبرتها وسيلة لإبعادها عن مائدة المفاوضات[39].

ولاشك أن التدخل الروسي في 2015 هو الذي أنقذ نظام الأسد من السقوط، وبدا التنسيق بين روسيا وإيران في سوريا واضحًا جدًا في البداية (وإن ظهرت خلافات جزئية لاحقًا)، فقد عقدت روسيا هدنة مع الثوار حول دمشق وسمحت لهم بالانسحاب لإدلب، وبعدها بثلاث سنوات ساعدت روسيا كلاًّ من الأسد وإيران وحزب الله والجماعات الشيعية الأخرى على الإجهاز عليهم، إلا أن ذلك لم يمنع من حدوث توتر نسبي في علاقة الدولتين بعد إعطاء روسيا الضوء الأخضر لإسرائيل لتدمير الإنشاءات الصناعية والعسكرية في سوريا (حوالى 200 ضربة إسرائيلية في عام 2018 وحده)، وفى الوقت الذي أكد فيه بوتين لنيتنياهو أنه لا يمكنه تقييد الأنشطة الإيرانية في سوريا، ترك الإسرائيليين يوجهون ضرباتهم لمواقع إيران وحزب الله في سوريا طالما لا يتم استهداف أي مواقع سورية أو روسية، وقد اتجه الخبراء الإيرانيون إلى التهوين من تأثير الضربات الإسرائيلية واعتبارها أنها للاستهلاك المحلي أكثر منها تؤثر على عملياتها على الأرض، كما أن ضعف رد فعل روسيا لاعتراف ترامب بضم إسرائيل لهضبة الجولات من المؤشرات الأخرى الكاشفة عن الحرص الروسي على عدم مواجهة الأجندة الأمنية الإسرائيلية في سوريا، وتتلاقى الدولتان في العمل على ألا يتوسع النفوذ الإيراني في سوريا[40]] ).

وهذا التباين يعكس اختلاف الرؤى حول ما يجب أن تكون عليه سوريا، فبينما روسيا تريد دولة سورية قوية بنفس الوضع السابق حتى تستطيع استضافة القاعدتين العسكرية والبحرية في البحر المتوسط، فإن إيران تريد على العكس تحويل سوريا إلى لبنان أخرى تكون فيها الجماعات الشيعية الموالية لها قوية والدولة ضعيفة، فأجندة إيران المعلنة في سوريا تتعدى فكرة إنشاء القواعد العسكرية إلى تأسيس وتنمية روابط اقتصادية واجتماعية وسياسية مع المجتمع والدولة كأدوات لنفوذ سياسي مستمر ودائم في سوريا، أما عن الأسد فهو معضلة أساسية في الملف السوري ليس فقط لاختلاف الموقف منه بين تركيا وغيرها من الدول المنخرطة في الملف السوري، ولكن لأن كلاُّ من إيران وروسيا وإسرائيل ترى أن بقاءه مصلحة لها( [41]].

كما يوجد قدر من التنافس بين الدولتين على الموارد الاقتصادية المحدودة لسوريا، مثل عقود الفوسفات والموارد الطبيعية الأخرى، وتتنافسان أيضًا في تجنيد أتباعهما في المواقع الحساسة وأجهزة الدولة السورية خاصة الجيش وقوات الأمن، فروسيا تؤيد إعادة هيكلة القوات المسلحة السورية وإعطاء دور مركزى لها، بينما تسعى إيران إلى الحفاظ على الميليشيات الشيعية المنسوبة للحرس الثورى الإيراني كجزء من هيكل الدولة السورية الأمني[42]. وفي هذا الإطار، فإن إلغاء نتائج انتخابات الفروع والشعب في “حزب البعث” السوري التي أجريت مؤخرًا من قبل “القيادة القطرية” جاء على ضوء صراع روسي إيراني على التعيينات الحزبية، حيث اعترضت روسيا على وضع عدد كبير من الشخصيات التابعة لإيران على رأس قيادات الفروع والشعب الحزبية، خشية من زيادة النفوذ الإيراني في ما تبقى من مفاصل الدول، يتسع الصراع الروسي الإيراني في سوريا سواء على مناطق النفوذ أو الثروة. بل إن صراعًا داخليًا من نوع آخر يوجد بين التابعين لإيران أحدهما على المستوى العقائدي والفكري، والآخر متعلق بالفساد المالي(. [43]]

تظل إيران من أهم المعضلات الاستراتيجية التي ستواجهها روسيا على المدى المتوسط في سوريا، فمن ناحية يدرك الروسيون أن انسحاب القوات الإيرانية من سوريا أمر مستبعد، وأنهم يوفرون حماية لنظام الأسد ضد أي مقاومة له، ولكن من ناحية أخرى فإن تزايد النفوذ الإيراني على الأرض يعقد من إدارة المرحلة الانتقالية بشكل يرضي المعارضة السورية التي تظل رافضة بقوة لأي انخراط إيراني في تحديد البنية المستقبلية للدولة السورية، ورغم اتفاق إيران وروسيا على ضرورة بقاء الأسد ونظامه، إلا أن رؤاهما تختلف حول مستقبل سوريا وإعادة إعمارها، كما أن تغلغل إيران في هذا البلد يثير قلق كل من إسرائيل والسعودية[44].

ومن ناحية ثالثة، يتسم التحالف التركي الروسي في سوريا بالهشاشة لاختلاف موقف الدولتين في أمور جوهرية مثل استمرار الأسد، الوحدة الإقليمية للدولة السورية، أدوار الفواعل الإقليمية والمحلية الأخرى، وتوزيع عقود إعادة الإعمار.

ورغم التباين بين الدول الثلاث إلا أن مستقبل أى حل دائم لهذا الملف يترتبط بالتفاعلات ليس بين الفواعل العربية أو حتى الأطراف السورية ولكن بين العواصم الثلاث طهران وأنقرة وموسكو، وقد تبنى الثلاثة مسار آستانة كعملية متوازية مع حوارات جنيف المدعومة من الأمم المتحدة والغرب ولا تلغيها[45]، وقد انطلقت مفاوضات الآستانة في 2017 على قاعدة التنسيق ما بين الدول الثلاث رغم الاختلاف بينهم على مصير إدلب آخر معاقل الثوار السوريين، ومن نتائج هذه العملية الاتفاق على إنشاء لجنة لكتابة دستور سوري جديد، إلا أن الخلاف استمر حول تحديد أعضائها، كما رفضت روسيا تحديد موعد لأول اجتماعاتها[46].

أحد أسباب نجاح مفاوضات آستانة نسبيًا مقارنة بجنيف هو تركيبة كلا النموذجين، آستانة كانت ملتقى القوى الإقليمية الفاعلة، أما جنيف فكانت ملتقى القوى الدولية مع بعض القوى الإقليمية المختارة من الأولى[47]، وقد عكس مسار آستانة ما أضحت تمتلكه الدول الثلاث من تأثير –هو الأكبر- على تطورات ومآلات ما يحدث في سوريا، ولكن لم يقدم حلولًا جوهرية فارقة للأزمة السورية حتى الآن، في حين أبرزت عملية رسم حدود مناطق تخفيف التصعيد الناتجة عنه قدر التباين في المواقف حول إدلب بين الدول الثلاث تركيا من جانب وإيران وروسيا من جانب آخر[48]. وبشكل عام، لم يستهدف مسار آستانة أهدافًا كبرى حتى الآن، ودار حول مسائل مثل وقف إطلاق النار وتخفيض التوتر والاتفاقات العسكرية التكتيكية بدلًا من فتح حوار شامل حول المستقبل السياسي لسوريا، وحتى قرار تشكيل اللجنة الدستورية -الذي انبثق عن الجولة الثالثة عشر من المفاوضات- لم يتم فيه تحديد أعضائها[49].

في عام 2019 حدثت نقلات هامة في الحرب في سوريا ارتبطت بعمليات عسكرية تركية موسعة في الشمال السوري، فبعد عملية نبع السلام التي بمقتضاها استطاعت تركيا تحجيم الخطر الكردي عليها (دحر قوات سوريا الديموقراطية)، دشنت تركيا عملية درع الربيع لمساعدة الجيش السوري الحر على صد هجوم الأسد المدعوم روسيًّا وإيرانيًّا على إدلب، والتي بدأت تظهر كمشكلة محورية بعد أن تحولت لملجأ رئيس وأخير للحركات السورية المحاربة لنظام بشار، وكان اتفاقًا قد تم بين الرئيسين بوتين وأردوغان في سبتمبر 2018 تضمن بناء 12 نقطة مراقبة من القوات التركية لفرض منطقة عازلة بين الثوار وقوات النظام السوري، وتحيطها وتحميها قوات الشرطة العسكرية الروسية، ويتم حظر الأعمال العدائية في تلك المنطقة أو ما عرف بمناطق خفض التصعيد، إلا أن الخلاف الروسي التركي استمر حول تعريف من هم الجماعات الإرهابية في سوريا[50].

ثم جاء تصعيد روسيا والنظام السوري ضد تركيا والمعارضة السورية في إدلب لإعادة ترسيم حدود اتفاق سوتشى ما بين أنقرة وموسكو، حيث الهدف هو تخفيض مساحة مناطق التصعيد في الشمال السوري، فالأهداف الأولية من ذلك هي السيطرة على الطريقين الرئيسيين “إم4” و”إم 5″، اللذين يربطان دمشق بحلب، والسيطرة على إدلب لضمان إبعاد المعارضة السورية عن اللاذقية حيث تتمركز القوات الروسية، وإعادة تشغيل مطارات حلب وحميميم، وتواجه تركيا تداعيات سلبية كبيرة من جراء هذا التطور حيث يوجد بتركيا بالفعل نحو خمسة ملايين لاجئ سوري، وتسبب الهجوم الروسي السوري الأخير على إدلب بموجة نزوح جديدة تقدر بحوالى أربعة ملايين سوري نحو الحدود مع تركيا، ورغم أنه اختبار صعب للدولتين إلا أن كليهما متمسك بعدم تطوير الأمر إلى مواجهة عسكرية مباشرة بينهما، وفي الوقت ذاته، من الصعب على كل منهما تقديم تنازلات؛ فإدلب تعني لتركيا أهمية أمنية لا يمكن الاستهانة بها، وبالمثل فإن الروس لن يقبلوا بوجود معارضة سورية على طريقي “إم 4″ و”إم 5”[[51]].

وأسفر الهجوم على نقاط المراقبة التركية عن قتل العشرات من الجنود الأتراك، ورغم أن الهجوم نفذته قوات نظام الأسد إلا أنه تم بموافقةٍ روسية تجسدت في دعم جوي روسي، بل إن بعض وسائل الإعلام التركية أشارت إلى أن بعض الهجمات كان من طائرة روسية، وجاءت التوترات المتصاعدة في ظل اتهامات متبادلة ما بين الجانبين بخرق اتفاق سوتشي[52].

وعقب قمة جمعت الرئيسين الروسي والتركي في 5 مارس وقّعا اتفاقًا جديدًا، إلا أن الخطاب السياسى والإعلامى التركي أظهر أنه لا يلقى رضا كاملاً من الجانب التركي، ونُظر له على أنه اتفاق مرحليٌّ لا يقدم حلا نهائيًا حاسمًا للأوضاع المضطربة في إدلب، فتركيا ترفض تقليل مساحة خفص التصعيد[53]، بينما تريد روسيا استحداث اتفاقيات بناءً على الواقع والخرائط الجديدة”[54]. وتنبع هشاشة هذا الاتفاق من أنه لا يلبي مطلب تركيا الرئيسي بأن تنسحب قوات النظام إلى حدود اتفاق سوتشي، وينص الاتفاق الأخير الموقّع على إنشاء “ممر آمن” بمسافة ستة كيلومترات من جانبي الطريق الدولي “إم 4″، مما يعني ضمنيا منطقة عازلة بطول 12 كيلومتر، على أن تحدد تفاصيل هذه المنطقة لاحقًا[55]، وتسيير دوريات تركية وروسية، وبذلك ينقسم الممر الآمن أو –بمعنى أدق- ما تبقى منه إلى نصفين شمالي وجنوبي، وسيكون القسم الجنوبي مهددًا من قبل النظام في حال لم تحدد تفاصيل تنفيذ الاتفاق.

كما بقيت نقاط المراقبة التركية على حالها، وظهرت تكهنات بأن عملية “درع الربيع” قد تتواصل، ولكن في اتجاه آخر ميدانيًا وسياسيًا يتم في إطاره التركيز على حلّ القضية السورية بشكل شامل، بعد أن أدركت روسيا عدم إمكانية بدء إعادة الإعمار في البلاد بدون حل معضلة الأسد، فأهم ما يهم روسيا حاليًا من الغرب هو ملف إعادة الإعمار، وحصلت على رسائل قوية من الغرب بأن إعادة الإعمار مرهون بتغيير الوضع الراهن، وتلعب كل من فرنسا وألمانيا الدور الكبير في هذا الشأن.

ومن ثم سعت روسيا للسيطرة على الطرق الدولية وفرض النظام كطرف رابح في سوريا لتغيير المعادلة في صالح رؤيتها لما يجب أن يكون عليه مستقبل سوريا؛ وهو التصور الذي يفسر جزئيًا الموقف التركي من إدلب ومحاولتها تحريك الملف السياسي، خاصة أن “قانون قيصر” الأميركي اقترب تطبيقه؛ مما يفرض مزيدًا من الضغوط على النظام وروسيا)[[56].

إلا أن إدلب مازالت تحت سيطرة المعارضة، كما أن هيئة تحرير الشام تسيطر على مناطق واسعة في شمال طريق “إم 4″، وهي من الجماعات التي تعتبرها روسيا إرهابية، وقد نُصَّ في الاتفاق على محاربة الإرهاب؛ وهو ما يعني أن روسيا تحتفظ بحق محاربتها في المنطقة، ويعد ذلك من أهم إشكاليات الاتفاق المستقبلية[57]، ولكن يظل توفير منطقة آمنة تنهي ضغط تدفق اللاجئين على حدوده الجنوبية هدفًا أوليا لأردوغان، وهو ما حظي عليه باتفاق الضامن الأول له وهو الجيش التركي[58]، فهناك أكثر من 15 ألف جندي تركي، مما يعطيها أدوات تأثير مهمة لحماية علاقاتها الاستراتيجية مع الروس أو مع غيرهم، وأيضا التنسيق مع المعارضة السورية المسلحة وترتيب صفوفها[59].

وتظل سيناريوهات التصعيد قائمة ولكنها بعيدة عن مواجهة عسكرية مباشرة بين روسيا وتركيا، فما يجمع الدولتين أكبر من الملف السوري ومن إدلب[60]، وبالمثل، لم يؤثر القصف التركي على عناصر من حزب الله الداعمة للنظام السوري على العلاقة بين إيران وتركيا، فالمصالح المشتركة بينهما أكبر من الذهاب نحو الصدام المباشر؛ حيث إنه مع احتدام المعارك على الأرض أجمعت الدول الثلاث على تخفيف اللغة الدبلوماسية وحديث كل منهم عن أنه لا مشكلة مع الطرفين الآخرين.

  • الأزمة الليبية:

بسبب مواردها النفطية، حظيت الثورة الليبية باهتمام غربي أكبر منذ اندلاعها مقارنة بمثيلتها في سوريا، وتدخلت القوى الغربية من خلال حملة الناتو سريعًا للمساعدة على إسقاط نظام القذافي، وكان دور المثلث التركي الإيراني والروسي محدودًا في البداية، ومع تطور خارطة التوازنات الداخلية أصبحت روسيا ثم تركيا من بين الدول المؤثرة بقوة على الساحة الليبية.

إن عدم اتفاق القوى الإوروبية حول نهج واحد تجاه ليبيا، وتراجع أدوارهم في طول أمد الصراع وفى إنتاج فراغ في الساحة الليبية، كانا من العوامل التي سمحت وربما استدعت تدخل روسيا وتركيا في ليبيا، وتحول الصراع إلى حرب بالوكالة ما بين الفواعل الإقليمية دفاعًا عن المصالح الاقتصادية والأيديولوجية لكل منهم[61].

تختلف الحالة الليبية عن غيرها من ثورات الربيع العربي بإجماع خاصتين هامتين؛ وهما: الثراء والتسلح، فمن ناحية، جعلت الموارد النفطية الهائلة من ليبيا مطمعًا وهدفًا للقوى الإقليمية والعالمية، وفي ذات الوقت وفرت لغالبية القوى المحلية مصدرًا للدخل الكبير والمستمر، فكان ذلك أحد عوامل استمرارية وتأجيج الصراع. ومن ناحية ثانية، تتسم الدولة الليبية بخصوصية التركيبة القبلية للمجتمع؛ ويزداد الأمر تعقيدًا لكونها قبائل مسلحة في معظمها، حتى إن غسان سلامة مبعوث الأمم المتحدة لليبيا صرح -فى مطالبته باحترام حظر إرسال السلاح إلى ليبيا- أنه بالفعل هناك أكثر من 20 مليون قطعة سلاح بالبلاد وليس هناك حاجة للمزيد[62]، فمنذ 2011 فرضت الأمم المتحدة حظرًا على تصدير السلاح إلى ليبيا إلا أن اختراق اللاعبين الإقليميين والدوليين له أكثر بكثير من احترامه.

لم تستطع أي قوى فرض سيطرتها الكاملة على ليبيا وتصاعد العنف خاصة منذ 2014، وتعددت الجماعات والشخصيات الفاعلة على الساحة الليبية، وقد انحصر النزاع بعد مراحل عدة في المواجهة بين جبهتين رئيسيتين: حفتر وما أسماه “بالجيش الوطني الليبي” من جانب، وحكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة وكثير من دول العالم من جانب ثانٍ؛ وتعكس الجبهتان الشرخ السياسي الرئيس في المنطقة العربية؛ فالجهة الأولى تساندها قوى مثل: الإمارات والسعودية ومصر (ودوليًا: فرنسا وروسيا)، والثانية مدعومة من قطر وتركيا (ودوليًا: إيطاليا)[63]، ويلعب العامل الاقتصادي دورًا في الحالة الليبية لا يتوافر مثله في سوريا، حيث تتصارع الجهتان على السيطرة على ما يعرف بهلال النفط الليبي، والتي يوجد بها معظم الاحتياطي، وقد حددت الأمم المتحدة أن الشركة الوطنية للنفط التي مقرها طرابلس هى المالكة لحق إدارة وبيع نفط البلاد، ويسعى حفتر لكسر هذا الاحتكار[64]، وقد استطاع بالفعل تعطيل إنتاج وتصدير النفط في بعض الأحيان، ووصلت النسبة إلى 75% من الإنتاج في بعض الاوقات.

ولقد بدأ حفتر هجومًا عسكريًا على طرابلس في أبريل 2019 ساعيًا للسيطرة عليها، ويستمر الكر والفر بين الطرفين حتى كتابة هذه السطور، وكان حفتر قد رفض التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار سواء في مؤتمر موسكو أو برلين، وتستمر انتهاكات قواته لأي هدنة، وتتوالى المحاولات لإقناعه بوقف العمليات العسكرية بسبب تهديد فيروس كورونا، وقد أصبحت ليبيا محورًا لسياسات المتوسط وبالتالي سياسات الشرق الأوسط للقوى الدولية. واستخدمت روسيا الملف الليبي (مثل السوري) لتقديم نفسها كقوى دولية مؤثرة، بل وأكثر تأثيرًا من الغرب، ومقارنة بتراجع الاهتمام الأمريكي نسبيًا فإن روسيا لا تترك فرصة إلا وترسل رسائل قوية بأنها تتواصل مع جميع أطراف الصراع، وقد استضافت موسكو أطرافًا من طرابلس ومصراتة وطبرق ولكن مع دعم غير معلن لخليفة حفتر وقواته، ولكن يزداد الوضع تعقيدًا بأن ذات الأطراف -وعلى رأسها خليفة حفتر- تبدو أكثر تفضيلًا لواشنطن حتى لو كان من الصعب ضمان دعمها.

وقد تركت حملة الناتو العسكرية في ربيع 2011 وتداعياتها آثارًا واضحة على علاقات روسيا بالغرب، بل إن أحد أهم أسباب سرعة التدخل العسكري الروسي لمنع سقوط بشَّار الأسد هو عدم الرغبة في تكرار ما حدث في ليبيا عندما تم استبعاد روسيا والتخلص من أحد حلفائها وهو القذافي، وبينما كانت السياسة الروسية في سوريا تتجه نحو فكرة عقد صفقة ما مع الولايات المتحدة، إلا أنها اختلفت في الحالة الليبية حيث أدرك صناع القرار الروس أن التعامل هنا مع أوروبا بالأساس، فالأخيرة تواجه تهديدات محددة في المتوسط من أهمها تدفق المهاجرين وبزوغ ما تعتبره “جماعات إرهابية” على الضفة المقابلة لها منه. وفي هذا السياق، انخرطت روسيا مع قبائل الجنوب الليبي كوسيلة لمنع الهجرة القادمة من أفريقيا، واستخدمت حضور جماعات المرتزقة الروسية مثل جماعة واجنر كأداة رئيسية من أدوات تحركها على الأراضي الليبية، وبدأت بتدخل محدود وصولًا إلى تزايد تأثيرها ليكون جوهريًا على التسويات السياسات المحتملة للصراع.

وكان الدعم الروسي لاتفاقية الصخيرات الموقع في ديسمبر 2015 كأساس لحل النزاع الليبي ما هو إلا مدخلٌ لتقديم روسيا لنفسها كوسيط أكثر منه موالاة حقيقية لطرابلس على حساب بني غازي، وقد أبقت روسيا دورها قائمًا من وراء الستار ولم تظهر قوته وتأثيره إلا منذ استضافة موسكو للمفاوضات بين الأطراف الليبيبة المتنازعة في يناير 2020، بل إن بوتين قاد بنفسه الوفد الروسي في مؤتمر برلين بعدها بأيام، وذلك بعد أن غادر حفتر المؤتمر الأول بدون أن يوقع على اتفاق الهدنة الذي رعته موسكو؛ الأمر الذي عُدّ ضربة تؤدي إلى اهتزاز سمعة روسيا، وأُعلن عقبها أن روسيا تركت وقتًا لحفتر للتفكير قبل مؤتمر برلين، وأنه أرسل خطاب شكر للرئيس الروسي مع استعداده لزيارة موسكو عقب مؤتمر برلين. ويتسم عادة التدخل الروسي في النـزاعات بالسرعة والحسم، حتى على مستوى عمليات التفاوض، وقد وضع مؤتمر موسكو الأسس الكبرى لتسوية وقف إطلاق النار في برلين؛ وهى: الحاجة إلى “وقف إطلاق نار دائم، الشروع في العملية السياسية، الحفاظ على الوحدة الإقليمية للدولة الليبية، والحاجة لضمان وصول كافة الأطراف الليبية للموارد الطبيعية”.

وبخلاف المسألة السورية، تبدو روسيا مستعدة للسماح للدول الأوروبية بلعب دور أكبر ولدول المنطقة أن تقوم بالمهمة الرئيسية عبر وكلائهم على الأرض، وفي نفس الوقت فإنه سيظل على الدول الأوروبية والإقليمية أن تعود إلى روسيا حال العودة للمفاوضات للوصول إلى اتفاق نهائي، باختصار فإن الاستراتيجية الروسية في ليبيا تقوم على “القيادة من الخلف”[65].

وبالرغم من دعم روسيا القوي لحفتر إلا إنها أبقت على الروابط الدبلوماسية مع حكومة الوفاق، وقد زاد الدعم الروسي منذ أواخر عام 2019 المقدّم لحفتر وبشكل واضح حينما أمدت الجيش الوطني الليبي بمرتزقة جماعة واجنر بالإضافة إلى تمكينه من الوصول إلى سوق الأسلحة وأيضًا مدّه بالعملة المزيفة[66]، حيث رصدت تقارير عدة قيام روسيا بطبع مليارات الدينارات الليبية لدعم حفتر ماليًا[67].

يمكن تفسير التدخل الروسي في ليبيا بالرجوع إلى عوامل تاريخية، فالاتحاد السوفيتي سابقا ثم الجمهورية الروسية لاحقًا ارتبطا بعلاقات وثيقة مع نظام القذافي مقدمين له الأسلحة والتدريب العسكري، ومعظم ضباط “الجيش الوطني الليبي” تلقوا تدريباتهم في روسيا؛ ومع اندلاع الربيع العربي كانت ليبيا مدينة لروسيا بمليارات الدولارات ثمنًا لصفقات سلاح أو عقود مرتبطة بقطاع الطاقة؛ وهي أموال ما زالت تريد استرجاعها، وبالإضافة إلى ذلك فإن التدخل الروسي في ليبيا جزءٌ من استراتيجية أكبر لموازنة النفوذ الأمريكي دوليًا وإقليميًا، ومن بينها ضمان الوصول إلى موانىء المتوسط والحفاظ على دور قوى في الشرق الأوسط. ومن ناحية اخرى، تصبّ علاقات روسيا بحفتر في توطيد علاقتها بمصر، وفي تقوية الحضور الروسي في الشمال الأفريقى، وجميعها تحركات تزيد من قدرة روسيا على التأثير على الاتحاد الأروبي والناتو[68].

واختلف نمط التعاون الروسي التركي في المسألة الليبية عنه في الحالة السورية، فرغم ما يرتبط بالملف الليبي من مصالح هامة إلا أن الملف السوري أكثر أهمية لهما، خاصة بالنسبة لتركيا؛ بسبب حجم وطبيعة التهديدات التي على المحكّ والعوامل الجغرافية السياسية، فإن قدرة ورغبة تركيا في الضغط على روسيا في ليبيا أقل من نظيرتها في سوريا.

وقد مثلت الساحة الليبية ساحة ثانية للاختلاف الروسي التركي حيث يساند كل منهما أطراف مختلفة تركيا تساند حكومة الوفاق في طرابلس بينما تساند روسيا هجوم حفتر على طرابلس، لا تتخذ تركيا موقفًا معاديًا من القوى الإسلامية ومن ثورات الربيع العربي عمومًا، وهناك قطاع من حكومة السراج محسوب على جماعة الإخوان المسلمين التي تناصبها حكومات عربية مثل السعودية والإمارات ومصر أشد العداء. أما من الناحية الاقتصادية، فإلى جانب المصالح الاقتصادية المشتركة بينها وبين حكومة السراج فيما يخص الاستثمار والنفط، كذلك تحمى تركيا استثماراتها الكبيرة في ليبيا التي تُقدر بحوالى 18 مليار دولار منذ عهد القذافي المتمثلة خاصة في عقود المقاولات[69]، هذا بالإضافة إلى ما يحققه اتفاق الحدود البحرية من مصلحة تركية هامة وهي الحفاظ على حقوق التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط وموازنة التحالف اليوناني القبرصي الإسرائيلي المصري في تلك المنطقة الاستراتيجية الهامة[70]، ففي 27 نوفمبر 2019 وقعت تركيا وحكومة الوفاق مذكرة تفاهم بخصوص الحدود البحرية والتى اعتبرها وزير الخارجية الليبي حماية للحقوق الشرعية للدولتين في مناطقهم الاقتصادية، وحماية للسيادة الليبية في المتوسط[71]، وتقوم السياسة البحرية التركية ليس فقط على حماية إمكانياتها الاقتصادية كقوة إقليمية بل كقوة عالمية، ولذا تتجه لبناء قوتها البحرية وتركيزها على حدودها البحرية[72]، وقد مثل الاتفاق البحري بين تركيا وحكومة الوفاق نقلة نوعية هامة في الصراع وفى تحفيز الدولة الأوروبية على التدخل بقوة لمحاولة وقف إطلاق النار.

وفى إطار مساندة حكومة الوفاق لصد هجوم حفتر على العاصمة الليبية، وافق البرلمان التركي على إرسال قوات إلى ليبيا، وكانت قد لجأت حكومة الوفاق إلى تركيا طلبا للدعم بعد أن تزايد خطر حفتر وإصراره على الاستيلاء على طرابلس، في الوقت الذي تخلت عنها فيه كل القوى الغربية.

وتجلّى بُعدٌ عسكريٌّ تقنيٌّ للتنافس الروسي التركي في ليبيا، فبينما أمدت موسكو حفتر بطائرات بدون طيار محملة بالقنابل؛ وهي التي مكنته من اختراق أماكن ذات الكثافة السكانية في طرابلس، قامت في المقابل أنقرة بمدّ حكومة طرابلس بالطائرات بدون طيار التركية[73]، وعلى صعيد الدعم العسكري، قدمت أنقرة مستشارين عسكريين وذخيرة ومدافع وغيرها من المعدات الهامة ومن أهمها نظم الدفاع الجوي الأمريكية هوكHawk  واستطاعات حماية المناطق التي تسيطر عليها حكومة الوفاق من خطر الطائرات دون الطيار الإماراتية، وتؤكد تركيا أن قواتها ليس لها مهام قتالية، ففي إطار محاولته احتواء قلق القوى الغربية، أعلن أردوغان أن ما تم إرساله هو بعض المستشارين (حوالى 30 خبير عسكري)، إلا أن عددَا من التقارير الصحفية يؤكد قدوم مقاتلين تركمان سوريين إلى ليبيا منذ ديسمبر 2019، وقُدر عددهم بحوالي ثلاثة آلاف؛ وهو الأمر الذي يزيد من العناصر الأجنبية المتحاربة على الأراضي الليبية[74]، بالإضافة إلى ظهور بارجتين تركيتين في سواحل طرابلس، ومدَ حكومة الوفاق منذ ديسمبر 2019 بنظم دفاع جوي وتشويش[75].

ولا شك أن حسابات الداخل التركي تقيد من قدرة أردوغان على توسيع الدعم العسكري في ليبيا، حيث إن أي خسائر بشرية ستكون لها تداعياتها؛ ولذا حينما أعلن عن مقتل جنديين تركيين لم يذكر أي تفاصيل بينما أشار إلى تحييد ما يقرب من مائة من المرتزقة[76]؛ بالإضافة إلى القيود الداخلية، تشكل القيود الخارجية عاملًا قويا آخر للحد من تدخل عسكري تركي واسع النطاق في ليبيا، فعندما دخل أردوغان سوريا كان مَدعومًا من تحالفٍ دولي على رأسه الولايات المتحدة، أما في ليبيا فالأمر مختلف، فهي تَبعُد 2000 كم، ويخوض حربها بدون أصدقاء، بل وفي مُواجهة التّحالف نفسه الذي دعمه في الحرب الأُولى، ويدعم بقوة خصمه خليفة حفتر[77].

ومن ناحية أخرى، لا يمكن تجاهل مردود التحرك العسكري التركي المحدود نسبيًا على إعادة توزيع خريطة القوة في الصراع الليبـي، فبعد أن كان ضغط حفتر متواصلًا ودعم الإمارات ومصر والسعودية وفرنسا وروسيا له متصاعدًا، جاء توقيع الاتفاق البحري والدعم التركي لحكومة الوفاق ليعيد التوازن نسبيًا ما بين الأطراف المتصارعة؛ وهو التطور الذي قاد إلى جهود أوروبية جادة لوقف إطلاق النار كخطوة لحل سياسي شامل.

إلا أن مؤشرات التصعيد واضحة، حيث يستمر تدفق الأسلحة على الجانبين في الأسابيع الأخيرة، فقد أجمعت التقارير الغربية على زيادة المعدات العسكرية التي ترسلها الإمارات لحفتر زيادة كبيرة إبان وبعد مؤتمري موسكو وبرلين، وقُدرت بحوالى خمسة آلاف طن من الأسلحة، كما وصلت أعداد من المحاربين سواء من مرتزقة جماعة واجنر الروسية أو الجنجاويد السودانية لدعم حفتر أو من الجماعات المسلحة السورية لدعم حكومة الوفاق، ذلك وفق تصريحات غربية[78]، وترواحت تقديرات الدبلوماسيين عن عدد المقاتلين السوريين ما بين 1500 إلى 3000، وما بين 200 إلى 500 عن عدد القوات التركية بما فيهم القوات الخاصة وموجهي الطائرات بدون طيار وغيرهم[79]؛ وبذلك يبدو من إرسال الأسلحة واستقدام المحاربين أن كلا الطرفين يحضران للمعركة القادمة؛ وهى لن تكون معركة سهلة سواء العسكرية أو السياسية، فجمود الموقف وتعقد الملف يعود للتوازنات الشائكة بين أطراف الصراع وصعوبة الوصول إلى حل حاسم، فتوازن القوة دقيق بشكل يجعل حسم المعركة على الأرض لطرف دون الآخر صعب للغاية.

ما يمكن استخلاصه أن المثلث التركي الروسي الإيراني لا يمثل تحالفًا سياسيًا بقدر ما يعبر عن شراكات جزئية مرنة ولكنها هامة واستراتيجية، فهو مركب من المصالح المتشابكة المشتركة، ولكنها لا تتلاقى دومًا حيث تتباين الرؤى والمصالح، وقدمت المسألة السورية مثلا لأبعاد الخلاف فيما بين أطراف هذا المثلث، وتظل العلاقة مع الولايات المتحدة متغيرًا أصيلًا في تشكل وعمل هذا المثلث، فجميع أطرافه يسعون لمواجهة أو موازنة النفوذ الغربى (وإن بدرجات متفاوتة) بهدف توسيع مساحة تحركهم وتأثيرهم في المنطقة العربية، إلا أن الموقف من ثورات الربيع العربى يظل محور الخلاف الرئيسي الذي يباعد بين تركيا وشريكيها الآخرين في كثير من ملفات المنطقة.

*****

هوامش

[1] Bulent Aliriza, Jon B. Alterman, Andrew C. Kuchins, Stephen J. Flanagan (project manager,The Turkey, Russia, Iran Nexus driving forces and strategies, the Center for Strategic and International Studies, 2013, p v

[2] Nur Bilge Criss, Serdar Guner, Geopolitical Configurations: The Russia- Turkey- Iran triangle, Security Dialogue, Vo 30, N 3, 1999, P 370

[3] Nicu Popescu, Stanislav Secrieru ,Russia`s Return to the Middle East Building Sandcastles?, Chaillot Papers, European Union Institute for Security Studies ,  July 2018, Paris, p 5-6

[4] Mehmet Yegin, Turkey between NATO and Russia: The Failed Balance, SWP comment, No30, June 2019, p2-3.

[5] Mohammad Khajouei , Iran, Russia, Turkey Triangle: Strategic Coalition or Tactical Alliance?,  August 23, 2016

[6] Audrey L. Altstadt, Putin’s Middle East Triangle, Wilson Center Kennan Cable No.23, June 19, 2017.

[7] Hillel Frisch,  Photo-Ops: Notwithstanding, Iran Faces the US Alone, Besa Perspectives, BESA Center Perspectives Paper , No. 1,407, January 15, 2020.

[8] Witold Rodkiewicz , Russia’s Middle Eastern policy regional ambitions, global objectives, Centre for Eastern Studies, No 71,  December 2017, WARSAW, P5-6

[9] Russia and Turkey in the Black Sea and the South Caucasus, Crisis Group Europe Report,  No 250, 28 June 2018,  P i

[10] Bulent Aliriza, Jon B. Alterman, Andrew C. Kuchins, Op.Cit, p v- vi

*  أما أن العلاقات الثنائية حول الطاقة رغم اهميتها إلا إنها تنافسية. فتركيا تريد أن تكون الجسر الرئيسى للطاقة إلى أوروبا وتهدف إلى تنويع مصادر الطاقة للتقليل من تبعيتها لروسيا (المصدر الثالث للنفط والغاز، وفى نفس الوقت تسعى روسيا إلى السيطرة على تدفق الطاقة من بحر قزوين وآسيا الوسطى، وهو ما يتعارض مع طموح تركيا في أن تكون الممر الرئيسى للطاقة بين الشرق والغرب في نفس الوقت التى تطور محورها  لنقل الطاقة مع روسيا بين الشمال والجنوب.

[11] Siri Neset, Metin Gürcan, Hasret Dikici Bilgin, Mustafa Aydin, Turkey`s international relations. CMI Report 2019

[12]] (Mehmet Yegin, Op. Cit, P1

[13]]  Ibid, p2-3

[14] Galip Dalay, After the S-400 Purchase: Where Are Turkish-Russian Relations Heading?, Point of View, German Institute for International and Security Affairs, 03.09.2019, available at: https://2u.pw/9h3gM

[15] Nicola Pedde, Russia’s Strategy Toward Iran and the Gulf,  Karim Mezran, Arturo Varvelli (ed, The MENA Region: A Great Power Competition, Atlantic Council, First edition: October 2019, p131

[16] Ibid, P128

[17] Strobe Talbott , Maggie Tennis , The only winner of the US-Iran showdown is Russia, Brookings, January 9, 2020, available at: https://2u.pw/2TNd3

[18] Bulent Aliriza, Jon B. Alterman, Andrew C. Kuchins, Op. Cit, pvii

[19] Witold Rodkiewicz , Op. Cit, p5-6

[20] Kemal Kirişci, Post-revolutionary Iran and Turkey at 40: Pragmatism and convergence, Brookings, April 4, 2019, available at: https://2u.pw/8msAz

[21] Bulent Aliriza, Jon B. Alterman, Andrew C. Kuchins, Op. Cit, p,vi

[22] How US sanctions facilitate Turkish-Iranian understanding on Syria, May 8, 2019, available at: https://2u.pw/w3l9Y

[23] Bulent Aliriza, Jon B. Alterman, Andrew C. Kuchins, Op. Cit, p,vi

[24] How US sanctions facilitate Turkish-Iranian understanding on Syria, Op. Cit.

[25] Mohamed  Aziz Abdel-Hassan Al-Bayati, The Theory of the Triangle of Conflict and the Geo-Strategic Justification for the Turkish Military Incursion in SINJAR and QANDIL to Pursue the PKK, Journal of Political Science and Leadership Research, Vol. 4 No. 3 2018, P88.

[26] Melike Janine Sökmen, Irene Martínez, Nicolás Pedro, Russia, Iran and Turkey, a common strategy in Syria?,  5/2018, available at:

 https://2u.pw/3TXNp

[27] Nandan Unnikrishnan, Uma Purushothaman, Russia in Middle East:Playing the Long Game?, India Quarterly 73(2,2017, p252-253

[28] Mark N. Katz, Same Ends but Different Means: Change, Continuity and Moscow’s Middle East Policy, Karim Mezran, Arturo Varvelli (ed , The MENA Region: A Great Power Competition, Atlantic Council, First edition: October 2019, Ledizioni Ledi Publishing  , p39

[29] Ibid , p43-45

[30] Nicu Popescu , Stanislav Secrieru, Op. Cit, p 5-6

[31] Ibid, p 5-6.

( [32]] طلبت من بوتين التنحي”.. أردوغان يؤكد مقتل 2000 من قوات الأسد وتدمير 30 مركبة، موقع الجزيرة نت، بتاريخ، 29 فبراير 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://2u.pw/5pqdP

[33] Mohamed Aziz Abdel-Hassan Al-Bayati, Op.Cit, p 83-82

[34] Melike Janine Sökmen, Irene Martínez, Nicolás Pedro, Op.Cit.

[35]]  Hillel Frisch,  Op.Cit.

[36] Witold Rodkiewicz , Op.cit, p5-6

[37] Michel Duclos, Russia and Iran in Syria—a Random Partnership or an Enduring Alliance?, An interim report, ISSUE BRIEF, P2-3

[38] Melike Janine Sökmen, Irene Martínez, Nicolás Pedro, Op.Cit.

[39] Ibid.

[40] Michel Duclos, Op.Cit, P4

[41] Ibid, P4

[42] Ibid, P2-3

[43] صحيفة لبنانية تكشف عن صـ.ـراع “روسي إيراني” جديد داخل أركان النظام السوري، موقع سوشال، 13مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/gfyoT

[44] Chiara Lovotti , Redistribution of Power in the Middle East: Moscow’s Return to Syria, Karim Mezran , Arturo Varvelli (ed, Op.Cit  ,p75

[45] Melike Janine Sökmen, Irene Martínez, Nicolás Pedro, Op.Cit.

[46] Dorian Jones, Iranian, Russian and Turkish Presidents Focus on Unity in Efforts to End Syrian War, September 16, 2019, available at: https://2u.pw/l2bnt

[47] Andrey Kortunov, The Astana Model: Methods and Ambitions of Russian Political Action,  Karim Mezran, Arturo Varvelli (ed , Op.Cit , P57

[48] Konstan_n Truevtsev, The Russia-Iran-Turkey Triangle and the Astana Format: No Expected Breakthrough on Syria, but Cooperation Will Be Extended, The Eastern Perspective, 31.07.2019, available at: https://2u.pw/a1mzf

[49] Chiara Lovotti , Op.Cit  ,P73

[50] Dorian Jones, Op.Cit.

[51] “هذا ما عرضه الروس على الأتراك.. فهل تتخلى أنقرة عن إدلب أم تختار المواجهة؟”، موقع الجزيرة نت، بتاريخ 8 فبراير 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://2u.pw/n5YmG

 ( [52]]عماد ابو الروس، صحيفة تكشف: مقاتلة روسية وراء مقتل جنود اتراك بسوريا،  موقع عربى 21، 15 فبراير 2020،متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/AuSLO

 ([53]]  عماد أبو الروس،  تركيا ترفض مقترحا روسيا بشأن التوتر بإدلب، موقع عربي21، 20 فبراير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/5LWmL

[54]  عماد أبو الروس، يحيى عياش، عقبة واحدة أمام “ردع” تركيا لنظام الأسد.. من الأقوى ميدانيا؟، موقع عربي21، 12 فبراير 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://2u.pw/odNCn

 [55] “اتفاق بوتين وأردوغان.. هدوء حذر بإدلب وتركيا تحتفظ بحق الرد”، موقع الجزيرة نت، 6 مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/OmJ2X

 [56] أحمد العمر، ما نوقش أكبر من إدلب ويصل لـ”قصر المهاجرين”.. مصادر تركية: اتفاق إدلب شكلي فقط و”درع الربيع” ستستمر لكن باتجاه آخر.. وهذه هي الخطوات القادمة، موقع مدى بوست،  بتاريخ 8مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/v9xL3

–         قانون قيصر هو القانون الذى وقعه الرئيس ترامب اواخر 2019 لحماية المدنيين في سورية، ويسمح بفرض عقوبات جديدة على المسؤولين السوريين، ويلزم الولايات المتحدة بدعم الملاحقة الدولية للمتهمين بإرتكاب انهاكات لحقوق الانسان.

( [57]]عماد أبو الروس، هكذا قرأ مراقبون أتراك اتفاق أردوغان وبوتين حول إدلب، عربي21،  06 مارس2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/yQZhz

[58] التايمز: اتفاق أردوغان وبوتين يؤكد الحاجة للقوة قبل التفاوض، عربي21، 06 مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://2u.pw/OxCbG

[59]  أحمد العمر، مرجع سابق.

[60]  يمان نعمة، ما موقف روسيا حال اندلاع مواجهة بين تركيا والنظام بإدلب؟، عربي21، 19 فبراير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/SttIE

[61]  Zia Weisi, The lybian Conflict Explained, Politico,20/1/2020, available at: https://2u.pw/BoukB

[62] Both sides in Libya conflict agree need for lasting ceasefire: UN negotiator, UN news, 4 February 2020, available at: https://2u.pw/zkMM7

[63] Andrey Chuprygin , Russia and the United States in the Cases of Egypt and Libya, Karim Mezran, Arturo Varvelli (ed, Op.Cit ,  P.103

[64] Zia Weisi, Op.Cit.

[65] Maxim A. Suchkov , Russia’s ‘leading from behind’ strategy on Libya , Al-Monitor, 2019, available at: https://2u.pw/BkUzL

[66] Sigvart Nordhov Fredriksen, Zenonas Tziarras, The Libya Conflict and its Implications for the Broader Region, Peace Research Institute, 4/2020, Oslo (PRIO, 2020, p13

[67] Andrew England , Libya: how regional rivalries fuel the civil war in Tripoli,  Finical Times, February 25, 2020, available at: https://2u.pw/Ji6Dh

[68] Sigvart Nordhov Fredriksen, Zenonas Tziarras, Op.Cit, p21

[69] “In Libya, the worst is yet to come”, Ahval news, Feb 04 2020, available at: https://2u.pw/fyKaa

[70] Zia Weisi, Op.Cit.

[71] Sigvart Nordhov Fredriksen, Zenonas Tziarras, Op.Cit, p21

[72] Ibid, p26

[73] Hillel Frisch,  Op.Cit,

[74] Andrew England, Op.Cit.

[75] “In Libya, the worst is yet to come”, Op.Cit.

[76]] Andrew England, Op.Cit.

[77]  عبد البارى عطوان، إنهِيار مؤتمر موسكو حول ليبيا، رأى اليوم، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/jJPGr

[78] “In Libya, the worst is yet to come”, Op.Cit.

[79] Aidan Lewis, Ayman al-Warfalli, Libya’s rival factions dig in for long conflict, Reuters, available at: https://2u.pw/Bgasx

  • نشر التقرير في فصلية قضايا ونظرات – العدد السابع عشر- أبريل 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى