انتخابات الرئاسة في تونس ومستقبل المسار الديمقراطي: مشاهد ودلالات

مقدمة:

تجاوز التونسيون المخاض الثالث في مسار الانتقال الديمقراطي المعقَّد الذي انطلق منذ الإطاحة بالرئيس السابق علي زين العابدين بن علي في ثورة الياسمين (ديسمبر عام 2010) وصولًا إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الثالثة في (سبتمبر-أكتوبر 2019) والتي شهدت مفاجآت غير متوقعة بصعود أستاذ قانون مستقل إلى رأس السلطة، واستعادة حزب حركة النهضة للأغلبية البرلمانية التي فقدتها خلال سنوات مضتْ رغم خسارته في الانتخابات الرئاسية التي شهدت منافسة شرسة مع رموز المنظومة القديمة بشقَّيْها (الأمنيي والاقتصاديي تحديدًا) متمثِّلة في وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، ورجل الأعمال نبيل القروي صاحب اتهامات الفساد والتهرُّب الضريبي وصاحب العلاقات المشبوهة مع أطراف صهيونية في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد. وقد حظي مرشَّحو المنظومة القديمة بدعم أطراف إقليمية ودولية منخرطة في الشأن التونسي منذ اندلاع الثورة (الإمارات وفرنسا تحديدًا) إضافة إلى مجموعة من الأحزاب والحركات والرموز السياسية  في داخل تونس ممَّن يصطفُّون في نفس المعسكر المضادِّ للثورة والعدل والحرية والديمقراطية بشكل عام (بعضهم عن مصلحة وقصد، والآخرين عن مناكفة وكِبر). ورغم نجاح التونسيِّين في إفشال مخطَّطات القوى الإقليمية والدولية في الانتخابات الأخيرة (الرئاسية والبرلمانية) إلا أن ثمَّة مخاوف عديدة ما زالت تهدِّد مسار الانتقال الديمقراطي في تونس خلال الفترة المقبلة خاصة على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني، نحاول في هذه الورقة تحليل نتائج تلك الانتخابات ودلالاتها بالنسبة لعملية التحوُّل الديمقراطي المعقَّدة والتحدِّيات التي تحاصره ومخاطرها المستقبلية المتوقَّعة.

 أولًا- مشاهد الانتخابات الرئاسية التونسية ومفارقاتها:

  • المشهد الأول- تعليق قانون الانتخابات: لا أوقِّع ولا أعترض

جمعت الانتخابات الرئاسية التونسية 2019 من المفارقات ما يدعو للتأمُّل والتعجُّب وإثارة التساؤلات!

أولى هذه المفارقات يتعلَّق برفض رئيس الجمهورية (المتوفَّى قبل موعد الانتخابات بشهرين تقريبًا) التصديق على تعديلات قانون الانتخابات المحال إليه من البرلمان وسط تدهور حالته الصحية وعدم وجود محكمة دستورية في البلاد (بسبب عدَّة تعطيلات قادتْها كتل حزبية مناهضة لحركة النهضة في البرلمان وصلتْ إلى ثماني مرَّات[1]). كان من اللافت في هذا اللغز أن يخرج الرئيس من المستشفى لأيام ليوقِّعَ على خطاب دعوة الناخبين ثم إرساله إلى الهيئة المنظِّمة للانتخابات ثم يعود بعدها بأيام إلى المستشفى ليخرج مرة أخرى لكن دون تصديق على تعديلات قانون الانتخابات والتي كانت ستمنع بعض الأحزاب والشخصيات المتورِّطة في أعمال فساد من الترشُّح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية وعلى رأسهم رجل الأعمال نبيل القروي وبعض الشخصيات في حزبه الجديد “قلب تونس”.

انقضت المدة المتاحة للرئيس (عشرة أيام) دون التوقيع على القانون ودون استخدام لصلاحياته المتاحة في هذا السياق (إعادته للبرلمان مع ملاحظات أو دعوة الناخبين للاستفتاء عليه)، وكذلك دون ظهور صوتي ملحوظ للرئيس باستثناء صورة له مع وزير الدفاع أُخذت على عجل وهو جالس على المكتب وصُدرت في الصحف والتلفزيونات في محاولة لإظهار أن الرئيس ما زال في وعيه، لتكتمل تلك الصورة بعد ذلك بصوت ابنه حافظ قايد السبسي الذي خلفه في رئاسة حزب “نداء تونس”، حيث ظهر على الشاشات مؤكِّدًا وعي أبيه الرئيس وسيطرته على نفسه وإصراره على عدم التصديق على القانون بحجَّة عدم الإقصاء، لتنطلق بعدها حملة إعلامية بقيادة رموز سياسية وحزبية وأساتذة قانون تروِّج لمقولة غريبة مفادها أن خلوَّ القانون من توقيع الرئيس يعرقل نفاذه بغضِّ النَّظر عن استنفاده لأجل الاعتراض أو إحجامه عن استخدام وسائل الاعتراض المخوَّلة له دستوريًّا، بحجَّة أن الدستور لم ينصَّ صراحةً على تلك الحالة، وكأنها تستعصي على الفهم (يقصدون الحالة التي يمتنع فيها الرئيس عن ممارسة صلاحياته إيجابًا أو سلبًا)[2]. ولعلهم يقصدون أيضًا الإشارة إلى أن واضعي الدستور كانوا من ذوي النوايا الطيبة لدرجة أنهم لم يتحسَّبوا لتلك الحالة التي يلجأ فيها الكبار يومًا إلى ألاعيب الصغار دون خجل من النفس أو الغير. كما جرى التسفيه من الأصوات التي رأتْ نفاذ القانون بانقضاء آجال الاعتراض وامتناع الرئيس عن ممارسة صلاحياته باعتبار ذلك أمرًا ضمنيًّا لا يحتاج إلى نص أو تصريح، بالضبط كما يحصل عندما يمتنع وزير أو رئيس هيئة حكومية أو محافظ أو رئيس بلدية عن توقيع قرار محدَّد بآجال (يصبح نافذًا على الفور).

وعلى الرغم من وضوح ذلك المشهد “الاستحماري”[3] بجوانبه المختلفة ابتداء من تدهور صحة الرئيس وعجزه عن ممارسة شؤون الحكم في أسابيعه الأخيرة، ومرورًا باختطاف اسمه وصفته من قبل آخرين قابعين خلف الستار لإرباك المسار السياسي وصولًا إلى طريقة الإخراج الساذجة لهذه المسرحية بشكل لا ينطلي على أيِّ مواطن حديث عهد بالسياسة، إلا أن الغلبة آلتْ في النهاية للأقوى وإن كان ضعيف المكر مفضوح الوجه، فكان لهم ما أرادوا، وأُجريت الانتخابات وفق القانون القديم[4].

  • المشهد الثان- وضع وزير الدفاع: أجازة للترشُّح وليس استقالة

شهدت الانتخابات الرئاسية التونسية 2019 ترشُّح كمٍّ هائلٍ من المرشَّحين الحزبيِّين والمستقلِّين وصل عددهم إلى (26) مرشَّحًا من أصل (98) تقدَّموا بأوراقهم إلى اللجنة المنظمة للانتخابات[5]، وتشير خريطة المترشِّحين إلى عدَّة ملاحظات هامَّة، أبرزها وجود رئيس سابق (المنصف المرزوقى) على قائمة المنافسين ضدَّ رئيس حكومة حالي (يوسف الشاهد)، ورئيس برلمان حالي (عبد الفتاح مورو)، إضافة إلى رؤساء حكومات سابقين في فترة ما بعد الثورة (حمادي الجبالي – مهدي جمعة). الملاحظة الثانية- تعدُّد المرشحين من التيار الواحد ودخولهم في منافسة بينية على نفس الكتلة التصويتية تزامنًا مع ضيق الفترة الزمنية المتبقية، مثال (مورو – المرزوقي – سيف الدين مخلوف – حمادي الجبالي – قيس سعيد)، (يوسف الشاهد – مهدي جمعة – محسن مرزوق – الصافي سعيد)، (نبيل القروي – عبد الكريم الزبيدي – عبير موسى – حمة الهمامي – منجي الرحوي)..

وكانت المفاجأة الأكبر في هذه الانتخابات  دخول وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي على خطِّ المنافسة بطريقة غامضة مثيرة للشك في وجود ترتيبات داخلية وإقليمية للدَّفع به إلى رأس السلطة بطريقة ديمقراطية للقضاء على التجربة ونسفها من الداخل بعد أن كاد يطيح بها بانقلاب عسكري أفصح عن تفاصيله متفاخرًا في لقاء إعلامي بعد الترشُّح للرئاسة[6]، حيث صرَّح بأنه خطَّط بالفعل لمحاصرة البرلمان بالدبَّابات وكاد أن يفعلها خلال الأيام التي راجت فيها شائعات موت الرئيس (يوم الخميس الموافق 27 يونيو 2019 تحديدًا)، وساق في ذلك تبريرًا مثيرًا للانتباه مفاده أنه أراد منع البرلمان من الانقلاب على الشرعية الدستورية بعد اجتماع أعضائه للتفكير في طريقة لملء الشغور الرئاسى المحتمل آنذاك، مع أن البرلمان هو المختصُّ دستوريًّاومنطقيًّا بهذه المسألة في حالة وفاة الرئيس، إذ الأصل أن يحلَّ المنتخب مكان المنتخب، لكن يبدو أن تلك المسألة ليست ذات بال بالنسبة لتلك النوعية من العسكريِّين والتي لا زالت تفكِّر بمنطق القوة والانقلابات العسكرية.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن يوم الخميس الأسود (27 يونيو) الذي أطلقت فيه شائعات موت الرئيس، قد شهد مجموعة من الأحداث المتزامنة بشكلٍ لا يخلو من الشكِّ والرِّيبة، حيث أخذ رئيس البرلمان محمد الناصر أجازة مرضية بالتزامن مع تدهور الحالة الصحية للرئيس ونقله إلى مستشفى عسكري شديد الحراسة (للمرة الثانية)، وذلك بعد تصريح صادر من المركز الإعلامي لرئاسة الجمهورية بنقله في حالة خطيرة، أعقبتها حالة تكتُّم شديدة عن تطوُّرات حالته الصحية وغياب أي أخبار موثوقة عنها بالتزامن مع انتشار شائعات وفاته بكثافة من قبل أعضاء في البرلمان وغيرهم بالتزامن أيضًا مع عمليَّتين إرهابيَّتين أحدهما وسط العاصمة تونس[7]. وكأن المراد من خلق هذه الحالة أن ترتبك الأطراف الرئيسية في المشهد (حركة النهضة تحديدًا) وتضطر إلى تصديق شائعة الوفاة، فتتحرك في مجلس النواب لمناقشة الشغور بناءً على ذلك في ظلِّ غياب رئيسه (محمد الناصر) وقيام عبد الفتاح مورو بأعماله، فتقع حركة النهضة في وضع المقبوض عليه في حالة تلبُّس، وكأنها تنقلب على رئيس ما زال على قيد الحياة، فتكون بذلك قد منحت الذريعة لمحاولات الانقلاب التي تحدَّث عنها وزير الدفاع. ويبدو أن عبد الفتاح مورو عضو حركة النهضة ونائب رئيس البرلمان قد تحسَّس هذا الفخ[8]، فاتَّصل برئيس المجلس في منزله أكثر من مرة قبل أن يدعو رؤساء الكتل الحزبية في البرلمان للاجتماع لمناقشة الوضع وتقييم الحالة، لتفوت بذلك فرصة الانقلاب على وزير الدفاع بسبب تريُّث حركة النهضة في تصديق شائعة كادت تعلو فوق مرتبة الحقائق من شدَّة حبكها وتواتُرها. جدير بالإشارة أن رئيس المجلس محمد الناصر قطع أجازته المرضية في مساء نفس اليوم (الخميس الأسود) ليترأَّس اجتماعًا طارئًا بالمجلس، وقد بدا من هيئته أن مرضه لم يكن من النوع الذي يخشى عليه منه!!

هذا من ناحية تخطيط وزير الدفاع لمحاصرة البرلمان، أما من ناحية عملية ترشُّحه للرئاسة، فقد شهدت غرائب مثيرة للانتباه، أبرزها أنه لم يقدِّم استقالته من وزارة الدفاع قبل أو بعد ترشُّحه أو حتى بعد خسارته، بل حصل على أجازة أسبوعين ثم عاد لمنصبه وزيرًا للدفاع بكل سلاسة وهدوء[9]، وكأنه كان في نزهة أو أجازة صيفية أو مرضية وليس في خضمِّ منافسة سياسية تقتضي استقالتَه على الفور، وربما اعتزاله للشأن العام، بصفته رجلا عسكريًّا دخل إلى عالم محظور على العسكريِّين طرقُه. لك أن تتخيَّل أيضًا أن هذا الرجل ظلَّ متمسِّكًا بمنصبه دون التفكير في تقديم استقالته للرئيس الجديد (أحد منافسيه في الانتخابات) حتى اضطرَّ الأخير إلى إقالته وتعيين وزير العدل قائمًا بأعماله وذلك بعد أسبوع تقريبًا من ولايته الرسمية، وكأنه كان في انتظار مبادرته إلى ذلك حفظًا لماء الوجه لكنَّه لم يفعل[10].

  • المشهد الثالث- مغمور في وسط مشهورين: كيف صعد أستاذ قانون لكرسي الرئاسة؟

جاءت نتيجة الانتخابات التونسية مفاجأة للجميع في الداخل والخارج، خاصَّةً في مرحلتها الأولى ، لتُسْفِرَ عن فوز أستاذ قانون دستوري مستقلٍّ على قدرٍ ضعيفٍ من الشُّهرة (قيس سعيد[11]) لم يكن يخطر على بال أحد أن يكون من بين العشرة الأوائل فما بالنا بتصدُّره قائمة المرشَّحين في الجولة الأولى وبفارق مريحٍ عن التالي له. انصبَّت الأنظار جميعها إلى عددٍ محدودٍ من المرشَّحين لا يتجاوز عشرة أشخاص ينتمون لفئتين رئيستين ذات كتل شعبية وحظوظ انتخابية متفاوتة، الفئة الأولى تنتمي للنظام القديم بروافده القديمة والجديدة ممثَّلة في وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، ورجل الأعمال نبيل القروي مرشح حزب “قلب تونس”، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد مرشَّح حزب “تحيا تونس” المنشق عن حزب “نداء تونس”، وتلحق بهم مجموعة أخرى من المرشَّحين الأقل حظًّا مثل الصافي سعيد ومهدي جمعة ومحسن مرزوق وعبير موسى ومنجي الرحوي وحمة الهمامي… إلخ. بينما تنتمي الفئة الثانية للثورة برافديْها الإسلامى واليساري ممثَّلة في عبد الفتاح مورو مرشح “حركة النهضة” والمنصف المرزوقى الرئيس السابق ومرشح حزب “الإرادة” وتلحق بهم مجموعة أخرى من المرشَّحين مثل سيف الدين مخلوف مرشح “ائتلاف الكرامة” وحمادي الجبالي رئيس الحكومة السابق… وغيرهم.

التفتت الأنظار تجاه هؤلاء العشرة، وانصبَّت استطلاعات الرأي العام، وتمركزتْ الكاميرات ووسائل الإعلام، وتشكَّلت المواقف والتحالفات، واشتدَّ الجدل ما بين مؤيِّد لهذا على ذاك، ومتحمِّس لذاك على هذا، لكن ما لم يكن في الحسبان أن ينفذ من بين هؤلاء جميعًا، مرشَّح مستقلٌّ لا حزب له ولا  كتلة ولا مال ولا شهرة ولا حتى كاريزما تميِّزه عن غير من المتنافسين، مع ذلك تخطَّى الرجل الجولة الأولى وتصدَّر فيها بنسبة 18.4٪ من الأصوات بفارق مريح عن الفائز بالمرتبة الثانية (نبيل القروى) والذي حصل على 15.5٪، بينما حلَّ مرشح حركة النهضة عبد الفتاح مورو في المرتبة الثالثة بنسبة 12.9٪ يليه وزير الدفاع في المرتبة الرابعة بنسبة 10.7٪، ثم رئيس الحكومة يوسف الشاهد في المرتبة الخامسة بنسبة 7.3٪.

في الجولة الثانية فاز قيس سعيد بالانتخابات بنسبة قاربت ثلاثة أرباع المصوِّتين تقريبًا (72.7٪) من إجمالى أصوات الناخبين، مقابل 27.3٪ من الأصوات حصل عليها المرشح المنافس (نبيل القروي) الذي خاض المرحلة الأولى من وراء القضبان بعد احتجازه على خلفية قضايا تهرُّبٍ ضريبي وغسيل أموال ثم خرج قبل انطلاق الجولة الثانية بأيام قليلة بعد ضغوط شديدة من قبل أطراف دولية هدَّدت بالتشكيك في النتائج برمَّتها في حالة إصرار القضاء على احتجازه، فكان مشهد خروجه بهذه الطريقة ذا دلالة صريحة على حدود تأثير الضغوط الدولية على تجارب التحوُّل الديمقراطي وضعف مقولات استقلال القضاء التي يشاع ترويجها في الأوساط العربية.

اختلفت التفسيرات حول هذا الفوز المفاجىء لقيس سعيد، ما بين مرجِّح لاحتمال فقدان الشعب ثقته في التكوينات والأحزاب القائمة الإسلامية والعلمانية، القديمة والجديدة، الثورية والإصلاحية، على حدٍّ سواء، ولجوئه إلى اختيار وجه جديد لم يعهده من قبل في حالة أقرب للتصويت العقابي باعتباره من خارج المنظومتين[12]، بيد أن ثمة شواهد عديدة تشير إلى احتمال حصوله على دعم بعض التكوينات الموجودة على الساحة بشكل أو بآخر وبالأخص حركة النهضة. أولى هذه الشواهد أن حركة النهضة ظلَّت تناور قبل الانتخابات بشهور وفق مقولة “البحث عن العصفور النادر”[13] التي أطلقها راشد الغنوشي، في إشارة إلى أن حركته لن تخوض السباق بمرشَّح من داخلها بل ستبحث عن مرشح توافقي من خارجها. وقد ظلَّت الحركة على هذا الموقف لشهور حتى ظنَّ الجميع أنها لن تخوض السباق فعلًا، والتفتت الأنظار إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد لقربه من حركة النهضة ودعمها له في أكثر من أزمة ضُغط عليه فيها لتقديم استقالته من قبل أحزاب مختلفة على رأسهم حزبه الذي رشَّحه (نداء تونس) في مفارقة عجيبة من مفارقات المشهد السياسي في تونس.

بعد وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي، اجتمع مجلس شورى حركة النهضة لحسم مسألة الرئيس التوافقي كما يتوقَّع الجميع، وسط تكهُّنات بالمفاضلة بين عدَّة أشخاص أبرزهم، رئيس الحكومة يوسف الشاهد ورئيس المجلس التأسيسي لجمعية وضع الدستور مصطفى بن خضر، ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، الذي أشار إلى أنه معنيٌّ بالترشُّح، ووصفه الغنوشي بالصديق المؤهَّل للرئاسة[14]، فإذا بمجلس الشورى ينقسم على نفسه إلى قسمين متساوييْن في النسب تقريبا (45٪ مقابل 44٪)، قسم يميل إلى ما يميل إليه رئيس الحركة وصهره (رفيق عبد السلام)، وقسم يصرُّ على النزول بمرشَّح من داخل النهضة، ليتقرَّر تأجيل الاجتماع إلى موعدٍ لاحقٍ على فتح باب الترشُّح للانتخابات بأيام (أعلن خلالها وزير الدفاع ترشُّحه رسميًّا)، ليفاجأ الجميع بمفاجأتيْن متزامنتيْن، الأولى متمثِّلة في حالة تصويت جماعية وصلت نسبتها إلى 98٪ لصالح الدفع بمرشح من داخل النهضة وإغلاق ملف الرئيس التوافقي، والثانية أن المرشَّح الذي وقع عليه الاختيار ليس رئيس الحركة راشد الغنوشي، وإنما نائبه عبد الفتاح مورو[15].

دخل مورو السباق بإجماع أصوات حركته التي تستحوذ على نسبة تتراوح بين 25 إلى 30٪ من الكتلة التصويتية في تونس وفقًا لنتائج الاستحقاقات الانتخابية السابقة، لكن ما حدث أن مورو لم يحصل إلا على 13٪ تقريبًا من إجمالي الأصوات. من هنا تثور التساؤلات، كيف لمرشَّحٍ دخل الانتخابات بإجماع الممثِّلين لحزبه أن يحصل على تلك النسبة الضعيفة من أصواته؟ هل فقدت النهضة جزءًا من كتلتها التصويتية بفعل سياسة التوافق والشراكة مع ممثِّلي المنظومة القديمة؟ أم قامت بتوجيه هذا الجزء من الكتلة الانتخابية إلى مسارٍ آخر بطريقة أو بأخرى أم حدثَ الأمرين معًا بشكلٍ متزامن؟ على الجانب الآخر من المشهد، كيف لمرشَّح مستقل غير مدعوم بحزب ولا كتلة وليست له حظوظ متوقَّعة، أن يتصدَّر الجولة الأولى بتلك النسبة (18.4٪) التي لو جُمعت إلى نسبة مورو لكانت نسبة الثلث التي تتراوح حولها حركة النهضة في استحقاقات ما بعد الثورة. هل دخلت النهضة بمرشحين أحدهما ظاهر لجذب الأنظار وإثارة الدخان واستقطاب الخصوم، والآخر غير ظاهر للتسحب من وراء الستار؟ هل قصدت بذلك حرق أحد مرشحيها لصالح آخر يحفظ حياد موقع الرئاسة، بينما ركَّزت على رئاسة البرلمان وأغلبيَّته؟ يستتبع ذلك سؤال آخر حول الكيفية، وما إذا كانت معلومة أم مجهولة، وهل كان قيس سعيد جزءًا من تلك اللعبة أم أحد أدواتها دون أن يدري؟ كما يستتبع ذلك سؤالًا آخر؟ هل قامت حركة النهضة بلعبة الورقة الدوَّارة بين أنصارها قبيل التصويت بساعات أو أيام أم أن ثمة شريحة بداخلها كانت تتَّجه إلى قيس سعيد بالفعل، وشريحة أخرى إلى سيف الدين مخلوف مرشَّح ائتلاف الكرامة (حصل على 4٪ في الرئاسية، و6٪ في البرلمانية)؟ وإذا كان ذلك صحيحًا، فكيف صوَّت مجلس الشورى بالإجماع على مورو؟ ألم يكن ذلك ليظهر في التصويت أم أن نسبة التصويت نفسها أريد لها أن تخرج بهذا الشكل لإبعاد الأنظار عن احتمال وجود مرشح آخر؟ أضفْ إلى ذلك تصدُّر حركة النهضة للانتخابات البرلمانية التي تخلَّلت مرحلتي الانتخابات الرئاسية بنسبة وصلت إلى 19.5٪ من إجمالى الأصوات، وهو ما يشير صراحة إلى أن 6 ٪ من الأصوات على الأقل قد ذهبت عن النهضة ورجعت إليها في غضون عشرة أيام تقريبًا، فهل كان الذهاب والإياب تلقائيًّا أم مدارًا عن بُعد؟ وكيف حدث ذلك خاصة في ظلِّ وجود مرشَّحين آخرين أكثر جاذبية لكتلة حركة النهضة، أمثال سيف الدين مخلوف (مرشح ائتلاف الكرامة المحسوب على الثورة)، والمنصف المرزوقي (الرئيس السابق واليساري المدافع عن الحركة ضدَّ الإقصائيِّين من اليسار)، فكيف حدث ذلك؟ ما زال هذا لغزًا ستحلُّه الأيام، كما يبقى كلُّ ما سبق مجرد استنتاجات مبنيَّة على ملاحظات قد تصيب وقد تخطئ في قراءة الواقع التونسي، وفيصل ذلك وميزانه في نهاية المطاف هو الواقع وما سيطرأ عليه من مستجدَّات خلال الفترة القادمة.

ثانيًا- تحليل نتائج الانتخابات ودلالاتها

تشير نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إلى مفارقات ذات دلالة على أكثر من مستوى، أولى هذه المفارقات فوز مرشَّح مستقل مغمور بلا ظهير سياسي أو شعبي واضح من بين ستة مرشَّحين من ذوي الحظوظ الواسعة والكتل الحزبية الداعمة. ولا يقتصر وجه هذه المفارقة على فوزه فقط بل في تصدُّره للجولة الأولى بفارق مريح واكتساحه في الجولة الثانية بنسبة ثلاثة أرباع تقريبًا، إذ المتوقَّع في مثل حالته لو صعد للمنافسة أن يكون الثاني في الجولة الأولى وبشقِّ الأنفُس، وأن يفوز في المرحلة الثانية بفارق نقطة مئوية أو نقطتين على الأكثر. ولا يعني هذا الفوز بتلك الطريقة إلا أحد احتمالين لا ثالث لهما، أحدهما أن يكون قد حصل على دعم بعض الكتل الحزبية من الباطن كما سبقت الإشارة أو أن الرأي العام في تونس صار من الصعوبة بمكان توقُّع اتجاهات تصويته واختياراته.

المفارقة الثانية تتعلَّق بالمنافس الثاني “نبيل القروي”[16] وهو رجل أعمال يمتلك قناة إعلامية مشهورة وصاحب أعمال تنموية واسعة في تونس ومتَّهم في قضايا تهرُّب ضريبى وغسيل أموال[17]، وذو علاقات مشبوهة بشخصيات صهيونية[18]. خاض الجولة الأولى في الانتخابات من وراء القضبان (حيث كان رهن الحبس الاحتياطي) ثم ضغطت أطراف داخلية (منها لجنة الانتخابات والرئيس المؤقَّت واتحاد الشُّغل) ودولية (فرنسا) لخروجه إلى المنافسة قبل إجراء الجولة الثانية بأيام[19]، وقد حصل على 15.5٪ من الأصوات تقريبًا في الجولة الأولى ونحو 27 ٪ في الجولة الثانية، حيث حصل على 11٪ من الأصوات الإضافية تمثل النسبة التي حصل عليها وزير الدفاع في الجولة الأولى، كما حصل حزبه “قلب تونس” على المركز الثاني في الانتخابات البرلمانية.

ويعنى هذا أن ربع الكتلة الحركية في تونس تميل إلى هذا الاتجاه الذي يمثله رجل أعمال مشتبه في فساده ووزير دفاع محل استفهامات كثيرة، كما يعني أن تلك الكتلة يمكن أن تتحرَّك في الشارع (بتلقائية أو بتوجيه) لقلب الموازين في أي لحظة كما حدث في الحالة المصرية مع العلم بأن مسألة الحشد في الميادين صارت لعبة في مقدور الجميع ممارستها، وقد وقع هذا بالفعل بعد اغتيال الناشط اليساري شكري بلعيد في عام 2014، وكان من مفارقات ذلك الحدث أن خرجت طائرة عسكرية على الطريقة المصرية لتصوِّر الحشود من أعلى دون علم رئيس الجمهورية آنذاك (د. المنصف المرزوقي)[20]، وقد نتج عن تلك الحالة من التهييج تحوُّل المشهد السياسي برمَّته باتجاه معاكس اضطرَّ الحزب الحاصل على الأغلبية البرلمانية (حركة النهضة) للتراجع إلى الخلف عشرات الخطوات تحت تهديد الفوضى أو الانقلاب. جدير بالإشارة أن تلك الأحداث وقعت في تونس بالتزامن مع تحضيرات الانقلاب العسكري في مصر (وقع اغتيال شكرى بلعيد في فبراير 2013 ، بينما وقع اغتيال محمد البراهمي في 25 يوليو من نفس العام)، ولا يبدو هذا التزامن بريئًا أو عفويًّا، إذ يعتقد بعض السياسيِّين في تونس على رأسهم الرئيس السابق المنصف المرزوقي أن ثمَّة غرفة عمليات دولية (تضم الإمارات والسعودية وإسرائيل) تدير المشهدين المصري والتونسي بنفس الطريقة ، وتجدر الإشارة أيضا إلى أن المتهم في كلتا الحادثتين شخص ملاحَق من قبل السلطات التونسية لتهريب السلاح من ليبيا[21].

المفارقة الثالثة، تتعلَّق بالضغوط التي مُورست على القضاء في تونس لإخراج المرشَّح نبيل القروي من الحبس الاحتياطي المقرَّر قبل إجراء الانتخابات على خلفية تهم الفساد المالي والتهرُّب الضريبي وغسيل الأموال، فقد بدا للمتابع أن قضاة التحقيق مُصرين على استمرار حبسه عبر رفضهم أكثر من طلب تقدَّم به للخروج بكفالة كما هو معروف في التقاليد القضائية، إلا أنهم أظهروا تمسُّكهم بمسار القضية وضرورة استمرار حبسه إلى أن تزايدت الضغوط (الداخلية والخارجية) لتصل إلى التهديد بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات ما لم يُسمح له بالخروج للمنافسة، ليتحوَّل المشهد القضائي بشكلٍ دراماتيكي ويُسمح له بالخروج بشكلٍ محرج للغاية، ويبدو هذا المشهد قريبًا ممَّا حدث للمتَّهمين الأجانب في قضية التمويل الأجنبي في مصر عام 2012 إذ جرى ترحيلهم لبلادهم بشكلٍ مشابه. وتُشير هذه الحالة إلى أن مرفق القضاء في تونس ليس بمعزلٍ عن عمليات التسييس بأشكالها الناعمة والخشنة، بما يعني إمكانية الضغط عليه لتصفية حسابات سياسية أخرى عجز السياسيون عن تسويتها وفقًا لوسائل المنافسة المعروفة في العالم (الانتخابات)، ويظهر هذا بوضوح في الضغوط المتزايدة التي تمارسها بعض القوى العلمانية المناهضة للثورة والديموقراطية (الجبهة الشعبية تحديدًا) منذ سنوات على قضاة التحقيق فيما بات يعرف إعلاميًّا بقضية “الجهاز السري لحركة النهضة”، بهدف استصدار حكم بحلِّ حركة النهضة واتهامها في قضايا الاغتيالات التي وقعت في عهد حكومة كانت تترأسها للمفارقة (حكومة حمادي الجبالي)، كما يعني هذا إمكانية استخدام بعض القضاة لتعطيل المسار الديمقراطي بشكل أو بآخر عبر دعاوى كيدية تهدف إلى تعطيل الرئيس والبرلمان، كما حدث في حالة مصر خلال الفترة (2011-2013)، وإن كان وجود أستاذ قانون على رأس السلطة في تونس يمكن أن يقلِّلَ من هذا الاحتمال.

ثالثا- التعريف بالرئيس الجديد: ملامح البرنامج الرئاسي

تُشير مراجعة السيرة الذاتية للرئيس الجديد قيس سعيد، إلى بعض ملامح شخصيَّته التي تبدو أقرب إلى أستاذ جامعي متفرِّغ للعلوم القانونية وطلابها، منقطع الصلة بعالم السياسة وأحداثها خلال فترة ما قبل الثورة. ولد الرجل في فبراير 1958، لأسرة متوسطة الحال (أب موظف وأم ربة منزل). أنْهى دراسته للقانون الدولي في كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس عام 1985، ثم حصل بعدها بعام واحد على دبلوم الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري، ثم عُيِّنَ مدرِّسًا للقانون بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بجامعة سوسة، ثم تولَّى رئاسة القسم حتى عام 1999، وشغل عدَّة مناصب ذات اختصاص قانوني في عدد من المنظمات العربية على رأسها جامعة الدول العربية، فكان خبيرًا قانونيًّا في جامعة الدول العربية والمعهد العربي لحقوق الإنسان. اشتغل في الفريق المكلَّف بإعادة كتابة ميثاق جامعة الدول العربية عام 1990، ثم دُعِيَ عام 2014 ضمن لجنة الخبراء لإبداء تعليقاتهم على مشروع الدستور التونسي الجديد عام 2014. ويبدو من تلك السيرة أن هذا الرجل لا يتمتَّع بأيِّ خبرة سياسية سابقة سواء في العمل البرلماني أو الحكومي باستثناء بعض المهام القانونية الإقليمية البعيدة -بطبيعة الحال- عن عالم السياسة المحلي وأحداثه المتعاقبة في تونس طوال فترة بن علي، كذلك لا يبدو أن الرجل مارسَ العمل السياسي خلال فترة ما بعد الثورة، كما يبدو من خلال حملته الانتخابية أنه مستقلٌّ بلا ظهير حزبي أو شعبي منظَّم، الأمر الذي يتوقَّع معه مواجهته لصعوبات جمَّة خلال فترته الانتخابية الممتدَّة لخمس سنوات.

ولا يختلف برنامج قيس سعيد الرئاسي كثيرًا عن برامج المرشحين الآخرين في مجالات الاقتصاد والسياسة والاجتماع والأمن والدفاع. فقد ركَّز البرنامج في شِقِّهِ الاقتصادي على زيادة الدور الاجتماعي للدولة في دعم الشرائح الأقل حظًّا، كالفقراء والمهمَّشين والمرأة، كما تضمَّن برنامجه دعم القطاع الخاص والاستثمار المحلِّي والأجنبي، حتى إنه طرح التصالح مع 460 رجل أعمال متهمين بالفساد واستغلال حصيلة ذلك في تطوير المناطق الأشد فقرًا في تونس، ولم يختلف في نهج التصالح عن أغلب المرشَّحين. أما على المستوى الأمني فقد أكَّد الرجل على دعم الجيش والشرطة في مقاومة الإرهاب دون التطرُّق لأيِّ مراجعة للسياسات الأمنية السابقة، ودون طرح أيِّ تساؤلات حول عمليات الاغتيالات والتفجيرات المشبوهة التي يتشكَّك كثير من النخب السياسية في تونس من تورُّط أطرافٍ دوليةٍ فيها.

أمَّا على مستوى السياسة الخارجية، فقد أعلن الرجل انحيازه الصريح لثورات الربيع العربي، وشدَّدَ على أهمية وحدة دول المغرب العربى، مشيرًا إلى أن أول زيارة خارجية له ستكون للجزائر. أما فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، فقد رفض الرجل تبنِّي الدعوات المتصاعدة لمراجعة الاتفاقيات الدولية الخاصة بالثروات الطبيعية (كالملح والفوسفات والنفط) والتي تمَّ توقيعها خلال العقود الماضية، وأكَّدَ على ضرورة استمرار العلاقات الاستراتيجية مع فرنسا والاتحاد الأوروبي لا سيما في مجالات دعم الاقتصاد ومواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي تؤرِّق الدول الأوروبية على وجه الخصوص[22].

مع ذلك يمكن القول، إن برنامج قيس سعيد يتميَّز بثلاثة ملامح رئيسية لم تظهر في برامج غيره من المرشَّحين، أحدهما خارجي والباقي محلي، أولها التبنِّي الواضح للقضية الفلسطينية على رأس أولويات السياسة الخارجية التونسية، واعتبار التطبيع مع إسرائيل خيانة عظمى يسعى إلى النصِّ عليها من خلال تعديلات دستورية يستعدُّ لطرحها على البرلمان. الملمح الثاني يتعلَّق بطرحه تصوُّرًا متكاملًا لترسيخ الحكم المحلي وبرنامج اللامركزية الذي انطلق منذ سنوات في تونس، حيث اقترح إنشاء ثلاثة مجالس محلية منتخبة ذات صلاحيات تشريعية ومالية وإدارية تمكِّن الشعب من اختيار السياسات والمشروعات اللازمة للجهة أو الإقليم أو البلدية ويقوم بتنفيذها بشكل لامركزي تحت رقابة أعضاء منتخبين منه أغلبهم من الشباب، الأمر الذي يحقِّق مفهوم انتقال السلطة الحقيقية إلى الشعب كما يتصوَّر قيس سعيد. الميزة الثالثة تتعلَّق باحترام قيس سعيد لأحكام الإسلام المنظِّمة للأسرة والعائلة في تونس، وتجلَّى ذلك في رفضه الصريح تبنِّي مشروع “المساواة في الميراث” الذي أثارته التيارات العلمانية بقوَّة خلال السنوات الماضية، كما رفض مسألة المثلية الجنسية التي طرحتها نفس التيارات[23].

رابعًا- التحديات والمخاطر المحيطة وتداعياتها

يبدو مسار التجربة الديموقراطية في تونس متعثِّرًا متأرجحًا بين نهوض وقيام وسقوط، وتتمثَّل أبرز التحديات التي هدَّدت المسار الديمقراطي التونسي وما زالت في ثلاث تحديات رئيسية، أحدها سياسي والآخر اقتصادي، وأهمها وأخطرها أمني دفاعي استخباراتي، ولا ينحصر مصدر تهديد هذه التحديات على الداخل فحسب بل يشتبك معها الخارج ببُعديْه الإقليمي والدولي كما سنرى.

أهم هذه التحديات وأخطرها يتركَّز في التحدِّي الأمني ممثلًا في عمليات التفجيرات الإرهابية والاغتيالات السياسية التي تحدث من حينٍ لآخر، وبدأت تحوم حولها الشبهات من حيث الزمان والمكان والفاعلين، وما إذا كانت تنحصر في جماعات التمرُّد الإسلامية المسلَّحة (كتنظيم الدولة وغيره) أم تمتدُّ إلى فاعلين آخرين يمتدُّ طرفهم إلى أجهزة استخبارات دول معادية للثورات العربية (الإمارات وفرنسا تحديدًا). وتتزايد الشكوك التي تحوم حول تلك الظواهر الإجرامية في تونس يومًا بعد يوم، حتى ارتفعت نبرة كبار الشخصيات السياسية في البلاد تحذر من اختلاط هذه الظاهرة وتشدِّد على ضرورة تتبُّعها بدقَّة من قبل أجهزة الأمن والدفاع والاستخبارات والمشتغلين بالصحافة الاستقصائية لعلهم يصلون إلى طرف من الخيط الموصل إلى الفواعل السياسية (المحلية والدولية) التي تحركها، كما صرَّح بذلك الشيخ راشد الغنوشي رئيس أكبر كتلة سياسية في البلاد في 30 يونيو 2019، حيث عبَّر عن مخاوفه -استنادًا لمؤشِّرات طالب بتتبُّعها والتحقُّق منها- من احتمالية تورُّط أطراف إقليمية ودولية في صناعة بعض العمليات الإرهابية والاغتيالات السياسية الحاصلة في البلاد، كما عبَّر في نفس الوقت عن ضعف أجهزة الأمن والاستخبارات داعيًا الصحفيِّين المعنيِّين بمجال الأعمال الاستقصائية إلى الاهتمام بهذه الظاهرة لعلَّهم يساعدون في كشف خيوطها الدولية[24]. في نفس الاتجاه طالب سياسيُّون آخرون حزبيُّون ومستقلُّون بنفس التحقيق والتقصِّي لتلك الظاهرة، أمثال سيف الدين مخلوف رئيس حركة ائتلاف الكرامة[25]، وجوهر بن مبارك أستاذ القانون الدستوري[26]، كما يطالب بذلك بعض الأمنيِّين المتقاعدين من ذوي الخبرة السابقة مثل العميد هشام المؤدب[27].

ويبدو هذا التحدِّي الأمني خطيرًا للغاية، خاصة فيما يتعلَّق بتداعياته وآثاره وتوظيفاته السياسية التي تستغلها قوى حزبية عديدة في إطار سياسة المكايدة والتربُّص المسيطرة على المشهد التونسي منذ تسع سنين، وتعدُّ حادثتا اغتيال الناشطيْن السياسيَّيْن اليساريَّيْن شكري بلعيد ومحمد البراهمي (عام 2013) والتحولات السياسية التي جرتْ في المشهد على إثرهما مثالًا جيدًا على خطورة ذلك التحدِّي واحتمالية تجدُّده في المستقبل القريب في ظلِّ حالة الضعف والعجز الشديد التي ما زالت تعاني منها أجهزة الأمن والاستخبارات في تونس، إذ تبدو تلك الأجهزة بارعة في أي عمليات محلية ضدَّ المعارضين السياسيِّين وخلافه، بينما تبدو عاجزة عن مواجهة أيِّ تحدٍّ أو اختراق خارجي، وكأنها صُمِّمَتْ بالأساس منذ عقود وفق أهداف محلية محدودة تدور أغلبها حول أمن النظام الحاكم وحمايته من أي معارضة داخلية، وهو دأْب أجهزة الأمن والاستخبارات في كافة الدول العربية.

ويزيد من خطورة هذا التحدِّي انضمام وزيري داخلية ودفاع سابقين إلى معسكر الثورة المضادَّة (المحلي والإقليمي والدولي) بشكل أو بآخر، فقد وقع إقالة وزير الداخلية لطفي البراهمي في يونيو 2018 على خلفية معلومات مسرَّبة حول ترتيبه لانقلاب بدعم إماراتي ولقائه سرًّا ببعض الشخصيات السعودية والإماراتية[28]، ثم لحقَه وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي بسقوطه في الانتخابات الرئاسية (سبتمبر 2019) بطريقةٍ لا تبشِّر إلَّا بالخطر، وتوحي بأن بعض العسكريِّين في تونس ما زالوا يفكِّرون بنفس الطريقة المصرية الإماراتية السعودية، ولمَ لا وقد عبَّر الرجل عن محاولته لفعلها على الطريقة المصرية، وكاد أن يحاصرَ البرلمان ويغلقه بالدبابات وفقًا لما صرَّح به متفاخرًا أثناء ترشُّحه للانتخابات الرئاسية التي خسر فيها ساخطًا، وعاد إلى منصبه مستخفًّا بأساليب العمل السياسي، ليجد نفسه أمام قرارٍ بإقالته مُهَانًا وتعيين قائم بالأعمال مكانه بعد أسبوع من ولاية الرئيس الجديد لم يبادر فيها إلى تقديم استقالته في مشهد غريب للغاية يوحي بأن خطر هذا الرجل لم يُدفع بعد، وكذلك وزير الداخلية المقال. لك أن تتخيل ماذا يعني انضمام مثل هذين الرجلين بما يمثِّلانه من ثقل أمني واستخباراتي إلى معسكر الثورة المضادَّة؟

أمَّا التحدِّي الثاني، فيتمثَّل في تردِّي الأوضاع الاقتصادية وتفاقم عجز الموازنة وثقل تركة الديون وخدماتها وارتفاع نسب البطالة، وكثرة الإضرابات والاحتجاجات العمَّالية التي يقودها الاتحاد العام للشُّغل بشكل دوري منتظم كلَّ أسبوعٍ تقريبًا دون مراعاة لظروف البلاد الاقتصادية والمالية بشكلٍ يوحي بالشكِّ في سلوك قيادات الاتحاد، وما إذا كانت تحرِّكهم دوافع سياسية كيدية تخدم بشكلٍ أو بآخر مسار الثورة المضادَّة إضافة إلى تفسيرات أخرى تستند إلى تاريخ قيادات هذا الاتحاد وندرة نشاطه النضالي والحقوقي والعمَّالي طيلة فترة بن علي الممتدَّة عبر ثلاثة عقود تقريبًا رغم تردِّي الأوضاع الاقتصادية خلالها[29]. وقد كان من المفارقات الدالَّة على هذه الحالة المريبة دعم “قيادات الاتحاد”[30] لوزير الدفاع في الانتخابات الرئاسية رغم وضوح رؤيته المناهضة لما يصفه بمظاهر الفوضى المنتشرة في البلاد منذ الثورة[31]، كما طالبت قيادات الاتحاد بإخراج المرشَّح “نبيل القروي” من الحبس الاحتياطي ومارست في ذلك ضغوطًا عدَّة وصلت إلى التهديد بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات رغم أنه متَّهم في قضايا تهرُّب ضريبى وغسيل أموال.

ويخشى البعض من “انقلاب على الطريقة المصرية” إذا استمرَّ الاتحاد في سياسة الإضرابات اليومية والأسبوعية التي صارت محلَّ استهجانٍ متصاعدٍ من الأهالي بما قدْ يدفع إلى مظاهرات واحتجاجات عكسية تُستغل من قبل أطراف أمنية متربِّصة للانقلاب على التجربة الديمقراطية برمَّتها، ويحذر المفكِّر التونسي أبو يعرب المرزوقي من هذا الاحتمال إلى جانب تحذيره من احتمالات الانقلابات العسكرية المباشرة أيضًا[32]. ويؤيد هذا التخوُّف افتقادَ الرئيس الجديد للكاريزما السياسية وتقليدية أسلوبه ودخوله إلى السلطة بخطاب ناعم يكاد يستبعد الشدَّة والحزم اللازميْن إلى جانب اللين والرقة في عالم السياسة والحُكم، الأمر الذي قد يجرِّئ عليه دوائر السفلة من السياسيِّين والنشطاء والإعلاميِّين، ويحرِّك ضدَّه عصابات البلطجة والإجرام فضلًا عن التفجيرات والاغتيالات، وصولًا إلى إظهاره في حالة من الضعف وفقدان الحيلة تنتهي به إلى ما انتهى إليه حال الرئيس مرسي في مصر أو تضطره إلى تسليم البلاد إليهم عبر انتخابات تجري على أعينهم بطريقة تتشابه مع ما حدث في 2014 وليس كما حدث في 2019.

تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الاتحاد العام للشغل منخرط في العمل السياسي بشكل مباشر منذ الثورة وحتى الآن، حتى أصبح طرفًا رئيسيًّا من الأطراف الفاعلة في تشكيل الحكومة وإقالتها، بل وفي نجاح المفاوضات السياسية وفشلها بين الأحزاب والكتل السياسية الرئيسية في البلاد. من هذا مشاركته كطرف أساسي في رباعية الحوار الوطني عام 2014 التي توصَّلت لاتِّفاق بشأن المصادقة على الدستور والسماح بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، كذلك مشاركته في حوارات وطنية لاحقة وفقًا لما يعرف بوثيقة قرطاج 1 وقرطاج 2. ويعنى هذا أن مسألة الفصل أو التمييز بين العمل النقابي والسياسي في تونس صار صعبًا بل مستحيلًا في ظلِّ هذه الوضعية التي فرضها الاتحاد على كافة الأطراف السياسية في البلاد، ويبدو أن هذه الوضعية ستشهد تمدُّدًا خلال الفترة المقبلة بما ينذر باحتمالية تأزيم الأوضاع السياسية والأمنية في أيِّ وقت.

أما التحدِّي الثالث، فيختصُّ بحالة النخب السياسية المتصدِّرة للشأن العام في تونس، وما تعانيه من أمراض الفرقة والتنازع والمكايدة والمشاكسة والصراع الصفري في ظلِّ وضعٍ سياسي هشٍّ، ووضع اقتصادي متدهور، ووضع أمني مخترق من الداخل والخارج، وتداعيات ذلك وآثاره على مسار التجربة الديمقراطية على المدى القريب، إذ يبدو فريقٌ من النخب السياسية العلمانية (بتكويناتها اليسارية والليبرالية) مستعدًّا للتحالف مع الشيطان لنسف التجربة برمَّتها في مقابل تصفية خصمه من الوجود السياسي وربما البيولوجي أيضًا (حركة النهضة تحديدًا)، وتبدو مواقف هذا الفريق خلال التسع سنوات الماضية مناهضة تمامًا لكلِّ قضايا الديمقراطية والثورة والحرية، محتقرة للشعب واختياراته، كما يبدو ولاؤهم أقرب لفرنسا وبعض الدول العربية المعادية للثورات صراحة (الإمارات)، ويعتمد هذا الفريق أجندة قضايا مناهضة للإسلام وأحكامه الواضحة المنظِّمة للأسرة والعائلة (النواة الأساسية لأي مجتمع)، وقد ظهر هذا واضحًا في إثارتهم لقضايا الميراث واللواط والزنا والختان والإجهاض وزواج المسلمة من غير المسلم وغيرها من القضايا بدعوى التحرُّر والمساواة[33]، وقد لاحظ د. المنصف المرزوقى (أحد رموز اليسار التونسي ورئيس الجمهورية السابق) انحراف قطاع كبير من زملائه اليساريِّين وتحوُّل بوصلتهم عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية العادلة للشعب التونسي إلى مناهضة الإسلام والمسلمين، حتى وصفهم ذات مرة منفعلا “غلبكم حقدكم على الإسلام والمسلمين بحجة معارضة النهضة، فصرتم خدمًا لدى الطبقة المستكرشة الناهبة لثروات البلاد”[34].

على الجانب الآخر، تعاني أغلب النخب المحسوبة على الثورة من الفرقة والتنازع والتشبُّث بالمواقف المبدئية والتفكير العاطفي المفارق لواقع الدولة المعقَّد والتركة الاقتصادية المتراكمة، وموازين القوى المختلَّة، والخطط الإقليمية والدولية النَّشطة على قدم وساق لنسْف آخر مولود ديمقراطي متبقٍّ من عائلة الثورات العربية، بعدما تمَّ الإجهاز على التجربة المصرية والسورية واليمنية والليبية وبالتزامن مع خطط مثيلة يجري تحضيرها للتجارب العربية الأخرى (الجزائرية والسودانية تحديدًا). رغم كل هذه المخاطر المحيطة تتصرَّف النخب المحسوبة على الثورة في تونس برفاهية منقطعة النظير، وكأنها أمِنت الوقوع في تلك الفخاخ وحصَّنت نفسها من أي مصير مماثل.

أمام هذه الحالة من الانقسام والتشرذم تبدو احتمالية تعثُّر المسار الديمقراطي في أي لحظة أقرب للتحقُّق،كما تبدو مخاطر الانقلاب على المسار برمَّته محتملة، سواء كان ذلك على الطريقة المصرية أو بطريقة أخرى، إذ يبدو أن حلفاء الثورة المضادة في تونس سيعاودون الكرَّة مرة أخرى وربما بطريقة أشرس وأعنف ممَّا سبق.

خاتمة

من كل ما سبق، يبدو مسار التجربة الديمقراطية في تونس محاصرًا بتحديات عدَّة ومخاطر جمَّة، أمنية واقتصادية وسياسية، كما تبدو التحالفات الإقليمية والدولية المعادية للثورات العربية ذات تأثير واضح على مجريات المشهد السياسي في تونس وفقًا لما رأينا في حالة الضغوط التي مورست والتهديدات التي أطلقت لاخراج رجل الأعمال نبيل القروي من الحبس الاحتياطي للمنافسة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وُيخشى في هذا السياق أيضًا من عودة ظاهرتي التفجيرات والاغتيالات مرة أخرى للمشهد بما تحمله من تداعيات خطيرة قد تقلب المسار السياسي برمَّته، كما حصل من قبل، كما يُخشى من تزايد مخطَّطات العدو الصهيوني تجاه تونس، بعدما أفصح الرئيس الجديد بوضوح عن تبنِّيه للقضية الفلسطينية على رأس أولويات سياسته الخارجية الجديدة. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى حادثة اغتيال مهندس الطيران التونسي محمد الزواوى على يد مجهولين في مدينة صفاقس بتونس (15 ديسمبر 2016)، واتجاه أصابع الاتهام مباشرة إلى الموساد الإسرائيلي، بعد نعي كتائب القسام الفلسطينية له باعتباره أحد القادة المشرفين على مشروع طائرات الأبابيل القسَّاميَّة.

من ناحية أخرى، تعاني الطبقة السياسية المتصدِّرة للمشهد من حالات الفرقة والتنازع المفضية إلى حالات المشاكسة والمكايدة المعطلة بدورها لحياة الناس ومعاشهم بما سيكون له ما بعده من تداعيات، ويبدو أن أثر تلك الحالة الكيدية سينعكس على أداء البرلمان الجديد، إذ من المتوقع أن تُعرقل هذه الأحزاب بعضها البعض سواء في تمرير التشريعات أو في تشكيل الحكومة ومتابعة أعمالها، وقد بدأت المكايدة بالفعل في مفاوضات تشكيل أول حكومة والموكلة إلى وزير الفلاحة السابق “الحبيب الجملي”، إذ تبدو المفاوضات متعثِّرةً للغاية رغم مرور شهرين على تكليف الجملي، وذلك بسبب إصرار كل حزب أو كتلة على شروط تعجيزية، بما يهدِّد بإمكانية فشل تشكيلها واللجوء إلى انتخابات برلمانية مبكرة في نهاية المطاف. كما يبدو الاتحاد العام للشغل كالمتربِّص بفريسة على وضع الاستعداد لالتهامها عبر سلسة من التهديدات أطلقها في شكل مبكر للغاية بما ينذر بإمكانية دخول البلاد في دوامة جديدة من الإضرابات والاحتجاجات ذات السقوف المرتفعة من المطالب في ظلِّ حالة ضعف اقتصادية محسوسة وحالة من السخط المتصاعد من قبل الأهالي المتضرِّرين من كثرة الإضرابات وتعطيل المرافق وغيرها.

يضاف إلى تلك المخاوف جميعها، احتمالية انضمام وزيري الداخلية والدفاع السابقين إلى معسكر التحالفات المحلية والإقليمية المعادية للثورة التونسية، خاصة وأنهما ما زالا يمارسان حياتهما بلا أي قيود على حركتهما في الداخل أو الخارج، رغم خروجهما من الخدمة على خلفية ترتيب محاولات انقلابية، صرح أحدهما بواحدة منها متفاخرًا (وزير الدفاع) ، بينما أُقيل الآخر (وزير الداخلية) على خلفية لقاءات سرية مع شخصيات إماراتية وسعودية. وتتزايد الخشية من استخدام هذين الرجلين في مخطَّطات سياسية وأمنية جديدة لا يعرف عواقبها،كذلك يخشى من اتصالهما بكتل سياسية وحزبية ودوائر مالية وأمنية نافذة في المشهد بما يعني أن ثمَّة مخاطر محتملة ما زالت تهدِّد المسار الديمقراطي في تونس وتستدعي يقظة أهلها ونخبها السياسية والأمنية.

 

 

(*) باحث في العلوم السياسية، وطالب دكتوراة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

[1] للمرة الثامنة.. البرلمان يعجز عن انتخاب باقي أعضاء المحكمة الدستورية، موقع الوطن، 18 يوليو 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/UGfBZ

[2] راجع في الجدل حول أزمة عدم التصديق على القانون الانتخابي آراء مختلفة لأستاذة القانون الدستوري في تونس، كل من:

– بعد تأخر ختم تعديل القانون الانتخابي.. حيرة سياسية وجدل قانوني، موقع التونسيون، 19 يوليو 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/F7lFc

– قانون الانتخابات التونسي دون ختم السبسي.. أزمة عارضة أم مناورة سياسية؟، موقع الجزيرة.نت، 20 يوليو 2019، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/zV3AZ

[3] القابلية للاستحمار مصطلح صكَّه المفكر الإيرانى الراحل علي شريعتي في كتابه “النباهة والاستحمار” وذلك على نفس طريقة النحت الاشتقاقي التي أنتجها المفكر الجزائري مالك بن نبي في صكِّ مصطلح “القابلية للاستعمار” في كتابه شروط النهضة، وكلا المصطلحين يستخدمان للدلالة على غفلة الشعوب الإسلامية المعاصرة وضعفها إزاء مخططات الخصوم والأعداء.

[4] راجع قرار لجنة الانتخابات في تونس بالاعتماد على القانون الانتخابي القديم، في:

– الانتخابات التشريعية التونسية: فتح باب الترشحات رغم عدم توقيع الرئيس على القانون، موقع فرانس 24، 22 يوليو 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/vm6Lh

[5] تونس: من هم المرشحون الـ26 للسباق نحو قصر قرطاج؟، موقع فرانس 24، 3 سبتمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/aM1nP

[6] تصريح وزير الدفاع حول تخطيطه للانقلاب على البرلمان في حواره مع قناة حنبعل، 3 سبتمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/olaQk

[7] تونس: تفجيران انتحاريان في العاصمة ووفاة رجل أمن متأثرًا بجروحه، موقع فرانس 24، 27 يونيو 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/xHX4z

[8] مورو يعرض هاتفه للصحفيين: اتصلت برئيس المجلس 3 مرات يوم الخميس واتِّهامي بالتخطيط ”للانقلاب“ عبث بهيبة الدولة، موقع تورس الإخبارى، 1 يوليو 2019 ، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/vrH3d

[9] عبد الكريم الزبيدي يطلب إجازة من وزارة الدفاع، موقع التلفزيون التونسي، 2 سبتمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/f3ndm

[10] تونس- إقالة وزيري الدفاع والخارجية من منصبيهما، موقع دويتشه فيله، 29 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/0QcLa

[11] من هو قيس سعيِّد الرئيس التونسي الجديد؟، موقع فرانس 24، 13 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/qKHfr

[12] راجع في مثل هذا التفسير، مقال خولة بوكريم، بعنوان “التصويت العقابي” يوجه مصير تونس نحو الشعبوية؟، موقع دراج، 16 سبتمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/G7cgU

[13] راشد الغنوشي: حركة النهضة تبحث عن العصفور النادر حتى تدعمه في الانتخابات، موقع فرانس 24، 20 مايو 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/EnGIb

[14] الغنوشي: الزبيدي صديق للنهضة ومرشح للرئاسة، موقع إذعة موزاييك التونسية، 29 يوليو 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/Umf9W

[15] لأول مرة في تاريخها.. حركة النهضة الإسلامية تقدِّم مرشحًا للانتخابات الرئاسية في تونس، موقع فرانس 24، 7 أغسطس 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/XgkSQ

[16] تونس: من قطاع المال والأعمال إلى السباق نحو قصر قرطاج.. من هو نبيل القروي؟، موقع فرانس 24، 11 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/FVlE6

[17] ما الذي نعرفه عن الملف القضائي للمرشح لرئاسة تونس نبيل القروي؟، موقع فرانس 24، 9 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/yDbXQ

[18] راجع الآتي:

– وثائق وزارة العدل الأمريكية تشير لتعاقد نبيل القروي مع ضابط موساد إسرائيلي، موقع بي بي سي العربية، 4 أكتوبر 2019، متاح عبر  الرابط التالي: https://cutt.us/rciSE

– وثيقة على موقع العدل الأميركية تثير سجالا حول نبيل القروي، موقع ميدل إيست أون لاين، 3 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/svx0q

[19] راجع الآتي:

– اتحاد الشغل يهدد: إطلاق سراح نبيل القروي أو الطعن في نتائج الانتخابات، موقع رصد التونسية، 28 سبتمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/FW4r1

– نبيل بفون، تهديدات اتحاد الشغل بالطعن في العَملية الانتخابية بسبب القروي قانونية، موقع شبكة تونس الآن، 28 سبتمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/RN6Li

– الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تطالب القضاء بإطلاق سراح نبيل القروي، موقع شبكة تونس الآن،  28 نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/eEYHm

– الرئيس التونسي: وجود القروي بالسجن يؤثر بمصداقية الانتخابات، موقع سكاي نيوز، 4 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/onr4X

– نواب فرنسيون يطالبون السلطات التونسية بإطلاق سراح القروى، موقع  ميدل إيست أون لاين، 24 سبتمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/3FMRs

[20] حكى الرئيس التونسي المنصف المرزوقي تفاصيل هذه الحادثة  في الحلقة ال 19 من شهادته على العصر على قناة الجزيرة، منشورة بتاريخ 6 أغسطس 2017، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/Qm0ko

[21]  وزير داخلية تونس: البراهمي قُتل بنفس السلاح الذي قُتل به بلعيد، موقع دويتشه فيله، بتاريخ 26 يونيو 2013، متاح عبر الرابط التالى: https://cutt.us/jBAEl

وراجع أيضا : المنصف المرزوقي: “غرفة العمليات الدوليةّ” أجهضت الثورات العربية، موقع جريدة هسبرس المغربية، 17 فبراير 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/nkBnO

[22] قيس سعيد: لم أطالب بمراجعة علاقتنا الاستراتيجية مع فرنسا ولا يمكن إلغاء الاتفاقيات معها، موقع باب نت، 27 سبتمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/bmD3n

[23]  قيس سعيد: رئيس فصيح بلا برنامج أو خبرة، موقع إضاءات، 13 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/TNUQ6

[24] راجع حوار الغنوشي مع قناة حنبعل بتاريخ 30 يونيو 2019، وتصريحاته حول ظاهرة التفجيرات والاغتيالات وشكه في وجود أطراف دولية وراءها، متاح عبر الرابط التالى:

https://cutt.us/NXCU6

[25] سيف الدين مخلوف: قتلة شكري بلعيد يُموّلون مُترشحين للانتخابات، موقع الشارع المغاربى، 5 سبتمبر 2019، متاح عبر الرابط التال: https://cutt.us/AHPbY

[26] جوهر بن مبارك يتهم الإمارات بالوقوف وراء العمليات الإرهابية بتونس، موقع باب نت، 27 يونيو 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/9YfDw

[27] العميد هشام المؤدب: الإرهاب في تونس يقف وراءه بلد أوروبي وبلد خليجي يصر على حل النهضة، موقع باب نت، 17 أكتوبر 2018، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/J39bd

[28] موند أفريك: وزير الداخلية التونسي المقال لطفي براهم خطط للانقلاب على الرئيس السبسي، موقع فرانس 24، 14 يونيو 2018، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/317Wl

[29] راجع الآتي:

– كريم أسعد، الاتحاد التونسي للشغل: النقابة المعجونة بماء السياسة، موقع إضاءات ، 9 يناير 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/1gzsS

– أحمد محمد مصطفى،حياة اليعقوبى، الدور السياسي للنقابات العمالية العربية في ظل الثورات العربية: التجربتان المصرية والتونسية في العمل النقابي قبل وأثناء وبعد الثورات، من إصدارات منظمة فريدريش إيبرت، 2015، ص ص 28-34.

– توفيق المديني، الاتحاد العام للشغل حزبا معارضا، من إصدارات جمعية هوية المقاومة، تونس، 2019.

[30] لسعد اليعقوبي: اتحاد الشغل أضاع البوصلة بدعمه لعبد الكريم الزبيدي، منشور على موقع ألترا تونس، 16 سبتمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/uFq7w

[31] وزير الدفاع التونسي السابق يقدم 5 نقاط أولية لبرنامج ترشحه الرئاسي، موقع روسيا اليوم، 15 أغسطس 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/XlD3V

[32] أبو يعرب المرزوقي، الانقلاب خيانة عظمى سواء كان بقوة السلاح أو بقوة الشارع، موقع أبو يعرب المرزوقي، 23 نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/bl8P4

[33] للمزيد حول هذه الجزئية راجع دراسة رجب السيد بعنوان “الثورة التونسية بين الثقافى والسياسي، ماذا يراد بالمجتمع التونسي”، ورقة منشورة في العدد الحادي عشر من فصلية قضايا ونظرات، (القاهرة: مركز الحضارة للدراسات والبحوث، أكتوبر 2018)، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/FU6Gf

[34] راجع تصريحات المنصف المرزوقي الناقدة لليسار التونسي، الجزيرة مباشر، 27 يناير 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/juKvn

 

فصلية قضايا ونظرات- العدد السادس عشر – يناير 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى