الموقف الأوروبي من إبادة غزة: بين التباينات القومية والتجمد الجماعي وأثر الرأي العام الداخلي

مقدمة:
ليس الغرض من هذا التقرير رصد المواقف الأوروبية من العدوان على غزة من أجل إثبات ازدواجية معايير الاتحاد الأوروبي وانتقائيَّته، أو تركيز الضوء على عدم الاتِّساق المعلَن مع السياسات الواقعية ذات الصلة بقضايا حقوق الإنسان (غير الغربي) والكرامة الإنسانية واحترام القانون الدولي. فهذا مما قد يكون مستقرًّا عليه في تقارير مؤسسات المجتمع المدني والمقالات الصحفية والأبحاث المنشورة في دوريات علمية. إنما الهدف هنا محاولة إجابة عن هذا السؤال: إلى أي مدى يستطيع الاتحاد الأوروبي -دولًا ومؤسسات- أن يمضي في مساره محمَّلًا بهذا التناقض على عاتقه، حاملًا سمعة دولية بعدم قدرته على الفعل؟ فقد يكون هذا هو السؤال الملائم بعد 24 شهرًا من العدوان رأى فيها العالم أجمع رأيَ العين كيف استخدم العدو أساليب الإبادة الجماعية المجرَّمة دوليًّا، من قتل جماعي وإحراق مدنيين واستهداف أطقم طبية وعمال إغاثة، فضلًا عن سياسات التجويع والتهجير.
وبحسابات المصلحة؛ هل يستطيع الاتحاد الأوروبي الاستمرار في تجاهل معطيات الواقع وتغيير صورته التي طالما حرص على تصديرها للعالم كفاعل دولي معياري Normative actor يدير شؤونه الدولية بميزان قيمي يتجاوز حسابات التكلفة والعائد التقليدية في السياسة الخارجية، لا سيما في ضوء تباين -بل وتعارض- مواقف الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي من العدوان على غزة؟
وسعيًا إلى الإجابة عن هذا السؤال يستعرض هذا التقرير بعض المواقف الأوروبية المصاحبة للتطورات الميدانية في ساحة حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، متَّخذة من قطاع غزة ساحة للمعركة الحالية. ويرصد التقرير هذه المواقف على ثلاثة مستويات: مستوى الرأي العام؛ ردود فعل الشعوب الأوروبية، ومستوى المجتمع المدني؛ العالمي والأوروبي، والمستوى الأوروبي الرسمي؛ القومي (حكومات الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي) والجماعي (مؤسسات الاتحاد الأوروبي).
ولا يدَّعي التقريرُ تقديمَ رصدٍ تفصيلي للمواقف الأوروبية على تلك المستويات، وإنما يسعى في محاولة استنتاج مسار عام لتلك المواقف على مدار العام الثاني منذ اندلاع الطوفان، وتسليط الضوء على أي تحولات في المسار إن وجدت.
ثوابت الموقف الأوروبي الرسمي[1]:
بداية، وقبل النظر في المواقف الأوروبية -عبر المستويات الثلاثة المشار إليها عاليًا- ينبغي التعريف بالموقف الأوروبي الرسمي من العدوان على غزة، والذي طالما أَكَّدَتْهُ بيانات وتصريحات متعدِّدة لفاعلين ومسؤولين رسميِّين على مدار عامين. فمنذ اندلاع الطوفان تبلور موقف أوروبي رسمي -قومي وجماعي- يتلخَّص في:
- إدانة قاطعة لعملية السابع من أكتوبر وتأكيد ما أسموه “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في إطار القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني”.
- التأكيد على ضرورة حماية المدنيين.
- مطالبة إسرائيل باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين، بلا أي إدانة لجرائم قوات الاحتلال في قطاع غزة.
- التأكيد على التزام الاتحاد الأوروبي بحلِّ الدولتين.
- استمرار الاتحاد الأوروبي في دوره كمانح عن طريق توفير مخصَّصات مالية للسلطة الفلسطينية تحت مسمَّيات عدَّة ولأغراض مختلفة؛ من قبيل إعادة تأهيل الضفة الغربية وغزة (576 مليون يورو للسنوات 2025 – 2027)، وتمويل الخدمات الأساسية، وغيرها.
وتمثِّل النقاط السابقة محور ما ورد في البيانات الصادرة عن مؤسسات الاتحاد الأوروبي المختلفة (المجلس الأوروبي على المستويين الرئاسي والوزاري، والمفوضية، والبرلمان). وفي الوقت نفسه نرى الاتحاد الأوروبي -على سبيل المثال- يُدين ما يُسَمِّيه “الحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا”، واتهام القوَّات الروسية بارتكاب جرائم حرب، بمفردات صريحة وواضحة لا تحتمل التأويل ولا تتجنَّب الإشارة إلى المعتدي[2]. كما تجدر الإشارة إلى أن هذه الثوابت اقتصرتْ على كونها مواقف معلنَة ولم تُترجم إلى سياسات حقيقية لحماية المدنيِّين على سبيل المثال أو اتخاذ إجراءات واضحة للدفع في اتجاه إنهاء الحرب.
أولًا- المستوى الرسمي: المؤسسات والحكومات
منذ اليوم الأول للطوفان، أعلن الاتحاد الأوروبي -دولًا ومؤسسات- دعمه الكامل لإسرائيل. وأول ما بدا من هذا الدعم كان رفع العلم الإسرائيلي أمام مبنى البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية في بروكسل يوم الثامن من أكتوبر[3]. ونشرت الصفحة الرسمية للمفوضية الأوروبية على فيسبوك صورة وتعليقًا: “اليوم يحلق العلم الإسرائيلي عاليًا أمام مقرِّنا في بروكسل”[4]، ما دعا سفير إسرائيل لدى الاتحاد الأوروبي إلى وصف الأخير بأنه “رأس حربة” لدعم إسرائيل في الحرب الدائرة، وأن الموقف القاطع للاتحاد الأوروبي بدعم إسرائيل يعنى السماح لها بحرية الحركة وإلا فالضحية القادمة ستكون أوروبا نفسها[5].
وبعد أيام قليلة من بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، أعلنت المفوضية الأوروبية إطلاق عملية الجسر الجوي الإنساني لتوصيل المساعدات إلى غزة حاملةً شحنات إنسانية من اليونيسف بما في ذلك مواد الإيواء والأدوية ومستلزمات النظافة[6]. وحتى أكتوبر 2024، أي خلال العام الأول، كان الاتحاد الأوروبي قد أرسل ستين طائرة محمَّلة بنحو 2700 طن من المساعدات[7]. وهذا دأب الاتحاد الأوروبي في الجولات المتتالية من الصراع مع إسرائيل، وهو التأكيد على دوره “الإنساني” باعتباره المصدر الأول للمساعدات والعمل الإنساني.
وفي الاجتماع الأول للمجلس الأوروبي (القمة الأوروبية) بعد بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة (أكتوبر 2023)، لم يطالب بيان القمة بوقف إطلاق النار، بل اكتفى بالتعبير عن “قلق عميق” إزاء تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، والتعهُّد بالتنسيق مع الشركاء في المنطقة لحماية المدنيِّين وتوفير المساعدات[8].
وخلال الشهور الخمسة الأولى من العام الأول للحرب ساد خلاف داخل المجلس الأوروبي (مجلس رؤساء الدول والحكومات) حول الدعوة إلى وقف إطلاق النار، لتعود القضية الفلسطينية لتكون -كما كانت دومًا وغيرها من القضايا العربية- ساحة لانقسام أوروبي يفشل فيه قادة الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي في صياغة موقف أوروبي موحَّد. فبعض الدول -من بينها بلجيكا وإسبانيا وأيرلندا- طالبت منذ الأيام الأولى للعدوان بوقف إطلاق النار، في حين عارضت هذا الأمر دول أخرى -مثل المجر والتشيك- حتى لا تؤثِّر هذه الدعوة في موقف الاتحاد الأوروبي الداعم لما يدَّعي أنه “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”. وبناء عليه لم يطالب قادة الاتحاد الأوروبي بوقف إطلاق النار إلا بعد خمسة شهور من اندلاع حرب الإبادة وذلك في القمة الأوروبية في مارس 2024. ذكر بيان القمة أن عدد الضحايا من المدنيين “مروِّع” والوضع الإنساني حرج بل و”كارثى”، وطالب رؤساء الدول والحكومات بهدنة إنسانية فورية يعقبها وقف إطلاق نار دائم. وقد احتفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين بهذا القرار، واصفة إياه بأنه “إقرار بحق إسرائيل أن تفعل كل ما يمكن فعله لئلا يتكرَّر حدث السابع من أكتوبر… ولكنها أيضًا [أي إسرائيل] يتعيَّن عليها أن تفعل كل ما يمكن فعله من أجل حماية المدنيين”. وكانت رئيسة المفوضية قد تعرَّضت لانتقادات كونها متحيِّزة لإسرائيل على حساب حياة الفلسطينيين، لكنها الآن -وبعد خمسة أشهر- تطالب حكومة الاحتلال بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع والتي لا تسمح إسرائيل -على حدِّ قولها- بدخول الحد الأدنى منها (500 شاحنة يوميًّا)[9]. وكذلك احتفى رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال بالبيان ووصفه بـ”القوي” و”الموحَّد”، وذلك في تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي “إكس” في 21 مارس 2024[10].
وفي هذا الاحتفاء دلالة قوية حين يرى المسؤولون الأوروبيون إنجازًا كبيرًا في إصدار بيان لا يقدِّم شيئًا إلا المطالبة بوقف إطلاق النار بعد خمسة شهور من العدوان المستمر ارتُكبت خلاله جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بلا دعوة إلى خطوات عملية تتخذها دول الاتحاد الأوروبي ومؤسساته في هذا الصدد.
هذا “التحول” -إذا جاز القول- في الخطاب الأوروبي الجماعي أعقبتْه خطوات منفردة لدول أعضاء في الاتحاد الأوروبي. تلك الخطوات المنفردة وإن بدتْ متباعدةً ومتناثرةً فإنها قد تكون كقطع الفسيفساء التي يمكن تجميعها لتكوين صورة واضحة عن محاولات كسر الجمود الأوروبي إزاء حدث عالمي ومأساة إنسانية لا يمكن بحال أن تُبقي حالة الجمود قائمة.
فمنذ بدء حرب الإبادة، أعلنت ثلاث دول من أعضاء الاتحاد الأوروبي اعترافها بدولة فلسطين؛ إسبانيا وأيرلندا وسلوفينيا في مايو ويونيو 2024، بالإضافة إلى النرويج وهي ليست عضوًا في الاتحاد الأوروبي. أما السويد، وهي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، فقد سبق واعترفت بالدولة الفلسطينية في العام 2014[11].
وقبل ذلك كانت عدَّة دول أوروبية قد اعترفت بفلسطين قبل انضمام تلك الدول إلى الاتحاد الأوروبي، وهي بلغاريا والمجر وبولندا ورومانيا، وذلك في العام 1988. وفي العام نفسه اعترفت تشيكوسلوفاكيا بفلسطين، ولكن بعد انقسامها لم تعترف جمهورية التشيك بفلسطين حتى كتابة هذه السطور، في حين أعلنت سلوفاكيا اعترافها بفلسطين عام 1993[12].
وخلال العام الثاني من الإبادة علت الأصوات المعلنة عن الاعتراف بدولة فلسطين. ففي الرابع عشر من يوليو 2025، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبر منصات التواصل الاجتماعي اعتزام فرنسا الاعتراف بفلسطين خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر من العام نفسه. وبهذا الاعتراف تكون فرنسا أولى دول مجموعة السبع الكبرى (G7) والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن التي تعلن اعترافها رسميًّا بفلسطين[13]. صدر هذا الإعلان قبل أيام من انعقاد مؤتمر وزاري برئاسة فرنسية-سعودية استضافتْه الأمم المتحدة يهدف إلى دفع جهود “حل الدولتين” بوضع خريطة طريق لإقامة دولة فلسطينية مع ضمان “أمن إسرائيل”[14].
لكن الرئاسة الفرنسية ووزارة الخارجية قد سبق وأعلنتا عدَّة شروط للاعتراف بفلسطين، أهمها نزع سلاح المقاومة والاعتراف بإسرائيل وإطلاق سراح الرهائن. فهل يُعتبر وعدُ ماكرون على الرغم من عدم تحقُّق الشروط تراجعًا في الموقف الفرنسي؟ تُشير بعض التحليلات إلى أن “ماكرون” لم يتراجع عن المطالبة بنزع سلاح المقاومة، وإنما تراجع عن جعله شرطًا للاعتراف بفلسطين، كونه شرطًا لا سيطرة له عليه. ويذهب آخرون إلى أن المجاعة في غزة ربما تكون قد دفعت ماكرون إلى مراجعة سياساته، لا سيما وأن الغرب صار في موضع الهجوم والانتقادات من دول “الجنوب العالمي” التي باتت تتَّهم الغرب بازدواجية المعايير كونه يدعم إسرائيل في حرب الإبادة الجماعية في غزة، في حين يفرض عقوبات على روسيا جرَّاء حربها على أوكرانيا. وفيما يخصُّ فرنسا بالتحديد، فقد أعلن ماكرون دعم فرنسا غير المحدود لإسرائيل أثناء زيارته دولة الاحتلال في أواخر شهر أكتوبر 2023. كما سبق ورفضت فرنسا (في نوفمبر 2024) تنفيذ مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو[15].
وفى إطار مؤتمر “حل الدولتين” الثاني، الذي عُقد برئاسة سعودية-فرنسية في نيويورك في 22 سبتمبر 2025، قُبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، اتَّسعت قائمة الدول الأوروبية التي أعلنت اعترافها بالدولة الفلسطينية لتضمَّ المملكة المتحدة وأندورا وموناكو، وخمس دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي وهي البرتغال وفرنسا وبلجيكا ولوكسمبورج ومالطا، إلى جانب أستراليا وكندا[16].
وكان المستشار الألماني فريدريش ميرتس، قد صرَّح في مؤتمر صحفي مع رئيس وزراء كندا في 26 أغسطس 2025، أن ألمانيا لا تعتزم الانضمام إلى مبادرة حلفاء غربيِّين للاعتراف بفلسطين خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في الشهر التالي (سبتمبر 2025)، إذ إن شروط الاعتراف الألماني لم تُسْتَوْفَ بعد، وأن الأحداث الأخيرة في قطاع غزة لم تغيِّر شيئًا من الموقف الألماني في هذا الصدد[17].
لكن يبقى التساؤل: ما معنى هذا الاعتراف؟
أعلن الرئيس الفرنسي ماكرون في كلمته في مؤتمر “حل الدولتين” أن “الاعتراف بدولة فلسطين هو الحل الوحيد لأجل السلام” وأن هذا الاعتراف “هزيمة لحماس”، وأن “الدولة الفلسطينية يجب أن تكون منزوعةَ السلاح”. وأكَّد عددٌ من القادة وممثلي الدول المشاركين في المؤتمر، من بينهم وزيرة خارجية بريطانيا ورئيس وزراء أستراليا ورئيسة المفوضية الأوروبية، رفضهم أن يكون هناك أي دور لحماس في الدولة الفلسطينية المستقبلية، وهو ما صدَّق عليه محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية في كلمته التي ألقاها عن بُعد، بَعد رفض السلطات الأمريكية منح أعضاء الوفد الفلسطيني تأشيرات دخول الولايات المتحدة للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة[18].
فالدولة الفلسطينية المعترف بها مؤخَّرًا يُراد أن تكون دولةً منقوصةَ السيادة، لا جيش لها يحمل السلاح للدفاع عن أراضيها وسلامتها الإقليمية؛ ذلك الإقليم المقتطعة أراضيه لصالح المحتل المستوطن. وبهذا تكون الدولة الفلسطينية وسيلة لغاية أكبر وأهم هي تقويض المقاومة وتأكيد ما اتفق عليه العالم الغربي منذ عهد الاستعمار بحتمية استئصال حركات التحرر الوطني والمقاومة وإنهاء وجودها.
بين القومي والجماعي: إشكالية المواقف المتأرجحة واللافعل
من الإشكاليات الأصيلة في مسار العمل الجماعي الأوروبي إشكالية حدود سلطة مؤسسات الاتحاد الأوروبي على حكومات الدول الأعضاء، وبالتحديد في مجال السياسة الخارجية. ولطالما كانت القضايا والأزمات العربية -وفى قلبها الصراع العربي/الإسرائيلي- كاشفة لتلك الإشكالية ومحفزة لها في الوقت ذاته، والتي تجدَّدت مع حرب الإبادة على غزة. فمنذ بدايات الأزمة -وكما أُشِيرَ في موضع سابق من التقرير- فشل رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي في الاتفاق على صيغة للمطالبة بوقف إطلاق النار على مدى خمسة شهور. وخلال شهور الإبادة -المستمرة حتى كتابة هذه السطور- رصد المتابعون للشأن الأوروبي تصريحات ومواقف منفردة لساسة ومسؤولين أوروبيين خارج منظومة العمل الجماعي الأوروبي.
ففي ذكرى مرور عام على طوفان الأقصى، ألقتْ وزيرة خارجية ألمانيا السابقة “أنالينا بيربروك” خطابًا أمام البرلمان الألماني “البوندستاج” أكَّدت فيه أن “أمن إسرائيل جزء من سبب وجود ألمانيا […] وهو أمر ليس خاضعًا للخلافات السياسية العادية بين الأحزاب”. وقالت الوزيرة إن “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها مسؤوليتنا، وهو أمر تؤكِّد ألمانيا عليه يوميًّا بالفعل لا بالقول”، ومنها ضرورة استمرار تصدير السلاح لإسرائيل. وادَّعت الوزيرة في خطابها أن غزة قاعدة “للإرهاب الوحشي” ولبنان قد يكون كذلك إذا صار مركزًا للهجوم على إسرائيل. وكان التصريح الأكثر إثارة للغضب من الوزيرة خلال تلك الجلسة قولها إن ألمانيا لا تخجل من استهداف الأشخاص والمنشآت المدنية مثل المدارس، كونها تُستخدم من قبل حماس للاختباء فيها[19]، ما دعا السفارة الألمانية في القاهرة إلى نشر بيان على صفحتها الرسمية على “فيسبوك” في نفس اليوم يدافع عن وزيرة الخارجية بالقول “إن الادِّعاء بأن وزيرة خارجية ألمانيا تدعم الهجمات على المدنيِّين هو ادِّعاء كاذب”، وأن ألمانيا لا تساعد في مثل هذه الهجمات. لكن المنشور نفسه أكَّد ما ورد في تصريح الوزيرة أن “البنية التحتية المدنية محمية [بالقانون الدولي] ولا تفقد هذه الصفة إلا إذا تمَّ استغلالها بلا شكٍّ لأغراض عسكرية”، مطالبًا إسرائيل بتقديم الأدلة على ذلك في كل حالة من حالات الاستهداف[20]. والواقع أن سلطات الاحتلال -طوال شهور الإبادة- لم تقدِّم دليلًا واحدًا على استخدام المنشآت المدنية من منازل ومدارس ومستشفيات في عمليات عسكرية. معنى ذلك أن بيان السفارة يقرُّ ضمنًا بمشروعية استهداف تلك المنشآت في غزة كعمل احترازي، ثم تقديم المبررات المدعمة بالأدلة لاحقًا. ولعل هذا يذكرنا بمفهوم “الحرب الوقائية Preventive War” المشار إليه دائما في وصف الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، تحت ذريعة امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، وهو الأمر الذي لم يثبت ولم تقدَّم بشأنه أية أدلة دامغة لا قبل الحرب ولا بعدها أثناء احتلال العراق.
وكانت الوزيرة نفسها قد صرَّحت من قبل أن الهدف من هجمات السابع من أكتوبر هو تعطيل مسار التقارب بين إسرائيل والدول العربية ممثَّلًا في “الاتفاقات الإبراهيمية” ومسارات التطبيع الثنائية مع دول عربية، فتصبح إسرائيل منعزلةً تمامًا إقليميًّا، واستفزاز إسرائيل للرد على هذه الهجمات بما يجعلها منبوذةً دوليًّا[21].
وعلى صعيدٍ موازٍ وفي اليوم نفسه (16 أكتوبر 2024)، أدلى المستشار الألماني السابق أولاف شولتس بتصريحات أبرزها[22]:
- التعهد بتقديم المزيد من شحنات الأسلحة إلى إسرائيل في عدوانها على قطاع غزة وحزب الله في لبنان: “هناك شحنات وستكون هناك دائمًا شحنات إضافية. يمكن لإسرائيل الاعتماد على ذلك”.
- الدعوة إلى توفير المساعدات الإنسانية لسكان غزة، وعلى ضرورة الالتزام بقواعد القانون الدولي في الحرب الشرق الأوسط: “هناك مدنيون قتلوا في هذه الحرب، والإنسانية تفرض التعاطف مع جميع الضحايا”.
- تحذير إيران من الاستمرار في مهاجمة إسرائيل بالصواريخ: “إيران تلعب بالنار.. يجب أن يتوقف ذلك”.
- الإشارة إلى الحرب الروسية-الأوكرانية: “إن عددًا لا يحصى من الجنود الروس يروحون كل يوم ضحايا للجنون الإمبريالي للرئيس الروسي […] هم أيضًا ضحايا لسياساته التي تهدف إلى توسيع بلاده. وهو أمر يجب ألا يتكرر بهذه الطريقة في أوروبا”.
جاءت تصريحات المستشار الألماني على هامش أعمال القمة الأولى بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية في بروكسل. ومما ورد في البيان الختامي للقمة تعبير الدول المشاركة عن “القلق العميق” إزاء التطورات في الضفة الغربية وقطاع غزة، و”إدانة” و”شجب” الاعتداء على المدنيين واستهداف البنية التحتية المدنية، و”حث جميع الأطراف على ضبط النفس”[23].
ومما يلاحظ هنا -وهو من طبائع الأمور- الاتساق التام بين خطابي رئيس الحكومة الألمانية ووزيرة خارجيته في تأكيد الدعم المطلق لإسرائيل.
جدير بالذكر أن “بيربوك” قد تولت لاحقًا منصب رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفى كلمتها في افتتاح الدورة الثمانين لأعمال الجمعية العامة (سبتمبر 2025)، وفى صدد حديثها عن أهمية دور الأمم المتحدة في السياسة الدولية، ذكرت “بيربوك” أمثلة لمعاناة البشر في الصراعات الدولية الدائرة ومنها الحرب على غزة، فتحدثت عن قتل المدنيين والأطفال، وعن المجاعة التي جعلت “آلاف اليتامى في غزة يهيمون حول الأنقاض يأكلون الرمال ويشربون المياه الملوثة”[24].
إن حديث “بيربوك” عن قضية غزة على هذا النحو -بعد حوالي عام من كلمتها أمام البوندستاج- لا يعكس بالضرورة تغيُّرًا في المواقف. بل المرجح أن المنصب الجديد والسياق (المكاني والزماني والموضوعي) فرضَا خطابًا مغايرًا، ولا يعني ذلك بالضرورة تحوُّلًا في رؤيتها الشخصية، لأن موضوع هذا الخطاب كان الدفاع عن المنظمة الدولية كساحة لإصدار التشريعات الدولية. وأشارت “بيربوك” صراحة إلى أن قوة ميثاق الأمم المتحدة تكمن في احترام الدول الأعضاء لمبادئه وأحكامه وفي مسؤوليتها عن مساءلة الأعضاء المخالفين لتلك المبادئ والأحكام. وهذا سياق مختلف تمامًا عن خطابها السابق أمام البرلمان الألماني كمسؤولة تنفيذية في الحكومة. أضف إلى ذلك مضيَّ ما يقرب من عام على خطابها الأول، تزايدت خلال هذا العام التيارات الدولية المناصرة لفلسطين والمندِّدة بوحشية العدو على نحو لا يمكن لها تجاهله لا سيما في إطار ما يفرضه منصبها الجديد من التزامات كممثلة للمنظمة الدولية، لا لحكومة بلدها.
لكن بعد موافقة مجلس الحرب الإسرائيلي على احتلال قطاع غزة، أعلن المستشار الألماني الحالي فريدريش ميرتس في 8 أغسطس 2025 وقف تصدير الأسلحة لإسرائيل حتى إشعار آخر، معبرًا عن “قلقه الشديد إزاء معاناة السكان المدنيين في غزة”، ما دعا نتنياهو إلى وصف هذ القرار بأنه “مكافأة” لحماس[25].
وإذا كان الموقف الألماني من أشد المواقف تطرُّفًا في دعم إسرائيل، نجد على النقيض الموقف الإسباني الذي يُشار إليه بكونه من أكثر المواقف الأوروبية إنصافًا ودعمًا للحق الفلسطيني.
فإلى جانب كون إسبانيا في طليعة الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي التي قرَّرت الاعتراف بفلسطين في خضمِّ الأزمة، كان رئيس الوزراء الإسباني “بدرو سانشيز” أول سياسي أوروبي رفيع المستوى يصف عمليات قوات الاحتلال في غزة بـ”الإبادة الجماعية”، ودعا الاتحاد الأوروبي إلى تجميد التعاون مع إسرائيل[26]. وصرح سانشيز بأن ما تقوم به إسرائيل “ليس دفاعًا عن النفس، ولا حتى هجومًا، بل هو إبادة لشعب أعزل وانتهاك صارخ لجميع القوانين الإنسانية”. وقد أعلن رئيس وزراء إسبانيا عن حزمة إجراءات تهدف إلى الضغط على إسرائيل من بينها حظر تصدير الأسلحة ومنع دخول “كل من تورط بشكل مباشر في الإبادة الجماعية، وانتهاكات حقوق الإنسان، وجرائم الحرب في قطاع غزة” إلى الأراضي الإسبانية. صحيح أن إسبانيا تطبِّق حظر تصدير السلاح بالفعل منذ أكتوبر 2023، إلا أن الآلية الجديدة تمثل خطوة إضافية بإقرارها “حظرًا قانونيًّا ودائمًا على شراء وبيع الأسلحة والذخيرة والمعدَّات العسكرية لإسرائيل”. وهنا يجدر لفت الانتباه إلى أن إسبانيا لم تكن مورِّدًا أساسيًّا للسلاح إلى إسرائيل، كشأن الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا. وأقرَّ سانشيز بذلك قائلًا: “لا يمكننا وحدنا إيقاف الهجوم الإسرائيلي، لكن هذا لا يعني أننا سنتوقَّف عن المحاولة”. كما شملت الإجراءات التي أعلنتْ عنها الحكومة الإسبانية فرض حظرٍ على استيراد المنتجات القادمة من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلَّة “بهدف التصدِّي لهذه الاحتلالات، ووقف التهجير القسري للسكَّان الفلسطينيِّين، والحفاظ على حلِّ الدولتين”[27].
وبعد ذلك بأيام أعلن وزير الاقتصاد الإسباني عن إجراءات جديدة للضغط على إسرائيل، من بينها منع مرور أي وقود أو مواد قد تُستخدم لأغراض عسكرية عبر الأراضي والموانئ الإسبانية[28]. وقد دعا رئيس وزراء إسبانيا “بيدرو سانشيز” إلى منع إسرائيل من المشاركة في الفعاليات الرياضية الدولية، أسوة بالقرار الذي اتُّخِذ ضد روسيا عقب غزو أوكرانيا في 2022[29].
وعلى صعيد التحركات المنفردة للحكومات، صدر بيان مشترك عن وزراء خارجية 31 دولة، منها 21 دولة عضوًا في الاتحاد الأوروبي، والمفوض الأوروبي لشؤون المساواة وإدارة الأزمات. تضمن البيان -الصادر بتاريخ 21 يوليو 2025- رسالة عاجلة لوقف الحرب في غزة فورًا. ومما نصَّ عليه البيان[30]:
- إدانة “القتل اللاإنساني للمدنيِّين، ومنهم أطفال، الذين يرغبون في تلبية احتياجات أساسية للغاية؛ الماء والطعام”.
- وصف سياسة توصيل المساعدات المسؤولة عنها حكومة الاحتلال بأنها “خطيرة وتؤجِّج عدم الاستقرار وتنزع عن الغزيِّين كرامتهم الإنسانية”. وعلى خلفية استشهاد ما يزيد عن 800 فلسطيني من طالبي المساعدات -وهو ما وصفه البيان بالأمر “المروع”- طالب البيان حكومة الاحتلال بالامتثال لالتزاماتها وفق قواعد القانون الدولي الإنساني.
- مطالبة “الحكومة الإسرائيلية” بالرفع الفوري للقيود المفروضة على دخول المساعدات وتمكين موظفي الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني الإنسانية من أداء عملهم في ظروف آمنة.
- دعوة “جميع الأطراف” إلى حماية المدنيين واحترام القانون الدولي الإنساني، وإدانة مقترحات التهجير القسري الدائم التي تُعَدُّ خرقًا لقواعد هذا القانون.
- وبالطبع أدان البيان استمرار احتجاز الرهائن الإسرائيليين وطالب بإطلاق سراحهم فورًا ودون شروط.
يلاحَظ في هذا البيان كونه أكثر حدَّة عن المعتاد من البيانات الدولية (الغربية) عمومًا بخصوص إسرائيل؛ إذ يدين صراحة ودون مواربة الانتهاكات الإسرائيلية في قطاع غزة، وتحديدًا تلك الخاصة باستهداف طالبي المساعدات بعد استدراجهم زمرًا إلى مراكز توزيع الطعام. لكن يتَّضح أيضًا أن الدول الموقِّعة على البيان تمثِّل أنفسها فقط، حتى الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي (21 من إجمالي 27 دولة عضوًا) شاركت في إصدار هذا البيان بعيدًا عن عضويتها في الاتحاد. فحتى كتابة هذه السطور أخفق الاتحاد الأوروبي -من خلال أيٍّ من مؤسساته الرئيسية؛ المجلس والمفوضية والبرلمان- في الاتفاق على صياغة واضحة تُدين ما آلتْ إليه الأحوال في غزة جرَّاء العدوان الإسرائيلي، مقارنة بما تصدره تلك المؤسسات من بيانات متتالية بشأن الحرب الروسية على أوكرانيا على سبيل المثال.
وعلى غرار البيان السابق، وفي الثامن من أغسطس 2025 صدر بيان مشترك لوزراء خارجية النمسا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، ومن خارج الاتحاد الأوروبي كندا وأستراليا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة، والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية. رفض البيان قرار سلطات الاحتلال شنَّ “عملية عسكرية واسعة النطاق” في غزة، وهو ما من شأنه تدهور الوضع الإنساني الكارثي في غزة، وتعريض حياة “الرهائن” للخطر، والنزوح الجماعي للمدنيِّين، وفي هذا خرق لقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. وعن الوضع الإنساني في غزة، طالب البيان بوقف إطلاق النار من أجل إتاحة توصيل المساعدات العاجلة والمستمرَّة إلى غزة التي باتتْ على مشارف المجاعة(*)، وطالب حماس بإطلاق سراح الأسرى فورًا ودون شروط. وكالمعتاد، والمتوقَّع، أشار البيانُ إلى تدهور الأحوال الإنسانية في غزة بلا إدانة للطرف المسؤول عن هذا التدهور؛ سلطات الاحتلال، التي اكتفى البيان بـ”دعوتها” إلى إيجاد حلول عاجلة لإصلاح نظام تسجيل المنظمات الإنسانية الدولية بما يمكِّنها من الوصول إلى المدنيِّين المحتاجين للمساعدة[31].
وفي تطوُّر آخر على الصعيد الدولي أصدرتْ لجنةُ التحقيق الدولية المستقلَّة التابعة للأمم المتحدة تقريرًا يوم 16 سبتمبر 2025 أثبتَ ارتكاب إسرائيل إبادةً جماعية بحقِّ الفلسطينيِّين في قطاع غزة، بارتكابها أربعة من أفعال الإبادة الجماعية الخمسة التي حدَّدتها اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقب عليها (1948) وهي: “القتل، وإلحاق أذى جسدي أو عقلي خطير، وفرض ظروف معيشية متعمَّدة يُراد بها تدمير الفلسطينيِّين كليًّا أو جزئيًّا، وفرض تدابير تستهدف الحيلولة دون الإنجاب”[32]، صحيح أن هذا التقرير تأخَّر كثيرًا، وأنه من غير المتوقَّع أن يُرَتِّبَ آثارًا قانونية (معاقبة سلطات الاحتلال ومجرمي الحرب) أو سياسية (الضغط الدولي لإنهاء الحرب)، لكن أهميته تكمن في احتمال أن يكون أساسًا لاستخدام مصطلح “الإبادة الجماعية” من قِبل الفاعلين الدوليِّين.
فطالما رُفض بشكل قاطع استخدام هذا المفهوم في الخطاب الأوروبي الرسمي على مستوى مؤسسات الاتحاد الأوروبي. فقُبيل إصدار التقرير بأيام، وتحديدًا في الرابع من سبتمبر، ألقتْ نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية تريزا ريبيرا (إسبانية الجنسية) محاضرة في جامعة باريس[33]، وصفتْ فيها ما يحدث في غزة بـ”الإبادة الجماعية”، وقالت إن تلك الإبادة كشفتْ عن “فشل” الدول الأوروبية في العمل سويًّا والحديث بصوت واحد. كما أضافتْ أن الاتحاد الأوروبي غير قادرٍ على الفعل وأن الدول الأعضاء لم تستطعْ إلى الآن الاتفاق على إجراء عقابي ضد إسرائيل على الرغم من الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة. أثار هذا التصريح غضب حكومة الاحتلال التي قال المتحدِّث باسم خارجيتها إن هذا التصريح “لا أساس له” و”غير مقبول”، متَّهمًا ريبيرا بأنها نصَّبت نفسها “مُرَوِّجَةً لدعاية حماس”. وعلى صعيد الاتحاد الأوروبي قالت المتحدثة باسم رئيسة المفوضية إن المفوضية لا تصف العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة بالإبادة الجماعية، وأن السيدة “ريبيرا” لم تتحدَّث باسم المؤسسة في هذا الشأن في محاضرتها بباريس، وأن المفوضية ليس من شأنها الحديث عن إبادة الجماعية، بل المحاكم هي المنوط بها هذا الأمر[34]. أما وقد صدر تقرير رسمي أممي يثبت هذا الأمر، فهل تصرُّ المفوضية وسائر مؤسسات الاتحاد الأوروبي على تجنُّب استخدام المصطلح أم تملك من الشجاعة والاتِّساق ما يؤهِّلها إلى تصعيد الخطاب وتسمية الأفعال بمسمَّياتها؟
ومن المهمِّ هنا رصد الفارق بين مسارعة الاتحاد الأوروبي التنصُّل من تصريحات نائبة رئيسة المفوضية، وبين عدم الاكتراث بما أثاره تصريح وزيرة الخارجية الألمانية السابقة -المشار إليه سابقًا- من استياء في الأوساط المناصرة للحق الفلسطيني.
في اليوم التالي لإصدار التقرير الأممي صرَّحت مفوَّضة الاتحاد الأوروبي للمساواة والتأهُّب وإدارة الأزمات أن على جميع الدول أعضاء الأمم المتحدة تحمُّل مسؤولياتها والتصرُّف بناءً على تقرير لجنة التحقيق الأمميَّة، وأوضحتْ أن الاتحاد الأوروبي سوف يستخدم جميع وسائل الضغط لعدم وجود مؤشرات حقيقية على تحسُّن الظروف، بل إنها تتَّجه إلى الأسوأ إذْ نشهد حالة المجاعة التي يعيشُها الفلسطينيون[35].
كانت هذه أمثلة على المستوى القومي والسياسات الحكومية والمبادرات الفردية لمسؤولين أوروبيين خارج مظلَّة الاتحاد الأوروبي، فماذا عن المستوى الجماعي داخل مؤسسات الاتحاد؟
بداية نشير إلى أن الاتحاد الأوروبي يعد الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل مستحوذًا على نسبة 32% من حجم تجارة إسرائيل الخارجية خلال العام 2024. وخلال العام 2024 بلغ حجم التجارة في السلع بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل 24,6 مليار يورو؛ منها 15.9 مليار يورو واردات إسرائيلية إلى الاتحاد الأوروبي و26,7 مليار يورو صادرات أوروبية إلى إسرائيل. فضلًا عن التجارة في الخدمات التي بلغت 25,6 مليار يورو في العام 2023؛ بقيمة 10,5 مليار يورو واردات إسرائيلية و15,1 مليار يورو صادرات أوروبية[36].

شكل (1): حجم التجارة والميزان التجاري بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل خلال الأعوام (2022 – 2024)[37]

شكل (2): حجم التجارة في الخدمات والميزان التجاري بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في الأعوام (2021 – 2023)[38]
ويلاحظ من الشكلين زيادة حجم العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل بشكل عام، ما عدا الواردات الإسرائيلية إلى الاتحاد الأوروبي التي بلغت 15,9 مليار يورو عام 2024 مقابل 16,1 مليار يورو عام 2023، أي بنسبة 1,24%. أي إن العلاقات التجارية لم تتأثَّر بشكل يُذكر خلال العام التالي على الطوفان والجرائم الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية.
في نوفمبر 2024 قدَّم “جوزيب بوريل”، الممثل الأعلى السابق للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي مقترحًا إلى مجلس الشؤون الخارجية -بصفته رئيس المجلس- بتعليق الحوار السياسي في إطار اتفاق التعاون بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. رُفض المقترح، وهو ما كان متوقعًا كما قال بوريل نفسه على هامش اجتماع المجلس. كانت الحجَّة الأساسية للرفض هي أن مقاطعة إسرائيل لن تخدم جهود الاتحاد الأوروبي لتحقيق السلام في الشرق الأوسط؛ إذ لا سلام بلا حوار مع إسرائيل[39].
قبل ذلك المقترح كانت إسرائيل قد رفضتْ عقد اجتماع مجلس اتفاق التعاون الأوروبي-الإسرائيلي لمناقشة حالة حقوق الإنسان في غزة. وقد سبق وطالبت إسبانيا وأيرلندا بمراجعة اتفاقية التعاون كلها، وليس تعليق الحوار السياسي فقط وهو أحد المحاور التسعة للاتفاقية- للضغط على إسرائيل اقتصاديًّا باستغلال المزايا التجارية المتاحة لها في إطار اتفاق التعاون[40].
وبعد شهور أُعيد تقديم طلب المراجعة من 19 دولة. وفي 20 مايو 2025 وافق مجلس وزراء الخارجية بالأغلبية على إجراء مراجعة لالتزام إسرائيل بالمادة الثانية من اتفاقية التعاون والتي تنصُّ على “العناصر الأساسية” المتعلِّقة باحترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية. وقد انتقدت كتلة اليسار في البرلمان الأوروبي عزوف الاتحاد الأوروبي عن التحرُّك إزاء “جرائم الحرب الإسرائيلية” إلا بعد عشرين شهرًا من “إبادة جماعية شهدها العالم، وأمام أعيننا جميعًا”[41]. وبعد شهر أصدر الممثِّل الخاص للاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان تقريرًا ينصُّ على “وجود مؤشرات على خرق إسرائيل التزاماتها في إطار المادة الثانية”. وتعقيبًا على هذا التقرير قالت الممثِّلة العُليا للسياسة الخارجية الأوروبية كايا كالاس إن الجميع يعرفون ماهية الإجراءات المتَّخذة بناءً على التقرير، لكن أيها سيوافَق عليه؟[42].
واستنادًا إلى التقرير قدَّمت المفوضية الأوروبية مقترحًا إلى مجلس الاتحاد الأوروبي (على المستوى الوزراي) في السابع عشر من سبتمبر 2025 لتعليق بعض البنود في اتفاقية التعاون، وتحديدًا تلك المتعلقة بالعلاقات التجارية، وفرض عقوبات على “الوزراء المتطرفين والمستوطنين الممارسين للعنف”، وبالطبع عقوبات على حماس. كذلك نص المقترح على إعادة النظر في الدعم الأوروبي لإسرائيل على مستوى العلاقات الثنائية باستثناء منظمات المجتمع المدني، وهو ما يعني تأثُّر مشروعات التعاون الجارية وكذلك المخصَّصات المالية الأوروبية للفترة اللاحقة حتى العام 2027. مع العلم بأن انتهاك إسرائيل المادة الثانية يخوِّل الاتحاد الأوروبي تعليق الاتفاقية من طرف واحد[43].
وحتى كتابة هذه السطور لم يُصدر المجلس قرارًا بشأن هذه المقترحات التي أُعلنت بناءً على طلب رئيسة المفوضية أورسولا فون ديرلاين في خطابها السنوي حول “حالة الاتحاد”(*). وفي الخطاب المشار إليه وصفت ديرلاين ما يجرى في غزة بـ”الأحداث المروعة التي تحدث يوميًّا”، وفي الضفة الغربية بـ”التطورات الخطيرة”. وطالبت بوقف إطلاق نار فورى وعدم إعاقة الوصول إلى المساعدات الإنسانية، وبإطلاق سراح جميع الرهائن لدى حماس”. وجدير بالذكر أن أي قرار مؤسَّسي بتعليق لبنود اتفاقية التعاون -ولو بشكل جزئي- يتطلَّب الإجماع داخل مجلس الاتحاد الأوروبي، وهو أمر صعب تحقُّقه بالنظر إلى تنوُّع وتناقض مواقف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتؤكِّده سوابق العمل الجماعي الأوروبي فيما يخص القضايا العربية بصفة عامة، والقضية الفلسطينية بصفة خاصة.
استنادًا إلى ما سبق، يتَّضح أن المسافة بين المواقف القومية الحكومية والمواقف الجماعية المؤسَّسية لا تزال كبيرة؛ كِبَرَ المسافة بين الفعل واللافعل، نظرًا لبطء الحركة وافتقاد المبادرة على المستوى الجماعي مقارنة بالمستوى القومي.
وفي هذا المقام لا يجوز إغفال التناقض الذي يشهده العمل المؤسَّسي نفسه بالنظر إلى المواقف المعلنة والخطوات المتَّخذة تجاه القضايا المختلفة.
فمنذ ما قبل الطوفان، تشير البيانات الرسمية الصادرة عن مؤسسات الاتحاد الأوروبي وممثِّليها إلى “الصراع بين إسرائيل وغزة”، في حين تشير إلى ما يجري على أراضي أوكرانيا بـ”حرب روسيا العدوانية ضد أوكرانيا”. والواقع أن الاتهامات الموجهة للاتحاد الأوروبي بازدواجية المعايير ليست خارجية فحسْب، ولا مدنية أيضًا مصدرها مؤسسات مجتمع مدني أوروبية. ولكن انطلقت أصوات معارضة لدور الاتحاد الأوروبي من داخل المؤسسات الرسمية الأوروبية، ومنها على سبيل المثال البرلمان الأوروبي، الذي انتقدت رئيسة كتلة اليسار فيه (فرنسية الجنسية) ازدواجية معايير الاتحاد الأوروبي الذي فرض 17 حزمة عقوبات ضد روسيا جرَّاء حربها ضد أوكرانيا، في حين لم يفرض حزمةً واحدةً ضد إسرائيل التي ترتكب إبادة جماعية، واتهمت الاتحاد الأوروبي بالتواطؤ لصمته عن الإبادة[44].
وخلال شهور حرب الإبادة الجماعية، اعتدت إسرائيل بهجمات عسكرية على أراضي لبنان وسوريا وقطر وإيران، فضلا عن اليمن الذي طالتْه أيضًا اعتداءات أمريكية-غربية.
في الأول من أبريل 2024 شَنَّتْ إسرائيل هجومًا عسكريًّا من هضبة الجولان المحتلَّة على مبنى القنصلية الإيرانية بدمشق، ما أدَّى إلى مقتل وإصابة كلِّ من كان بداخله من مدنيِّين وعسكريِّين، وفقًا لما أعلنته وكالة الأنباء السورية الرسمية[45]. حينها أدان المتحدث الرسمي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي “الهجوم على الهيئة الدبلوماسية الإيرانية في دمشق في الأول من أبريل، وكذلك الخسائر المعلنة”. ودعا البيان إلى ضبط النفس لأن مزيدًا من التصعيد في المنطقة ليس من مصلحة أحد. وأشار البيان إلى مبدأ حصانة المقار الدبلوماسية والقنصلية وموظفيها وفقًا لقواعد القانون الدولي[46]. لم يذكر البيان اسم إسرائيل، وكأن الفاعل مجهول، واكتفى بذكر مخالفة الهجوم قواعدَ القانون الدولي الدبلوماسي.
في 13 أبريل ردَّت إيران بإطلاق ما يزيد عن مئتي مسيَّرة على إسرائيل، اعتُرض معظمها. وعلى الرغم من محدودية الخسائر الناجمة عن الهجوم الإيراني، وفقًا لتصريحات جيش الاحتلال الإسرائيلي نفسه[47]، بادر الاتحاد الأوروبي بدعوة رؤساء الدول والحكومات الأوروبية إلى قمة استثنائية في 17 و18 أبريل. وأصدرت القمة بيانًا أدانت فيه “بقوة” الهجوم الإيراني على إسرائيل، وأكَّدت على “تضامن [الاتحاد الأوروبي] الكامل مع شعب إسرائيل والتزامه بأمن إسرائيل والاستقرار الإقليمي”. كما أعلن بيان القمة اعتزام الاتحاد الأوروبي اتخاذ مزيد من الإجراءات العقابية تجاه إيران، وتحديدًا فيما يتعلَّق بالطائرات بلا طيار (المسيرات) والصواريخ[48].
ومع تجدد العدوان الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية في يونيو 2025، أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرتس عن دعمه ما أسماه “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وأن إسرائيل “تقوم بالعمل القذر نيابةً عنا”، يقصد العالم الغربي “المتحضِّر”[49]. وفي 17 يونيو أصدرت مجموعة الدول السبع الكبرى (G7) بيانًا يؤكِّد “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” ويؤكِّد دعم دول المجموعة لأمن إسرائيل. ووصف البيان إيران بأنها “المصدر الرئيسي للتوتر الإقليمي والإرهاب”[50].
أمَّا رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين فأكَّدت أن منع إيران من امتلاك سلاح نووي أمر غير قابلٍ للنقاش. كما قالت في تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي “إكس” إن إيران هي المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار الإقليمي، ولإسرائيل حق الدفاع عن نفسها ضد أي عدوان[51].
وصدر بيان عن الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي تعبر فيه عن “قلق عميق” إزاء التصعيد الناجم عن “هجمات إسرائيل على إيران والرد الإيراني”. يذكر البيان “الأمن الإقليمي” في الشرق الأوسط ويخصُّ بالذكر “أمن إسرائيل”، ويدعو “جميع الأطراف” إلى ضبط النفس والالتزام بالقانون الدولي، بلا إدانة لأي طرف ولكنه في نفس الوقت يؤكِّد أن “إيران لا ينبغي أن يُسمح لها بامتلاك سلاح نووي”. وفي هذا إقرار ضمني بمشروعية الهجمات الإسرائيلية[52]. ومع ذلك وفي سياق تلك الأحداث نجد إدانةً أوروبية لقصف إيران مستشفى عسكريًّا في بئر سبع في فلسطين المحتلَّة، وصمت إزاء قصف إسرائيل مستشفى الفارابي في مدينة كرمنشاه بإيران[53].
ووفقًا لمصادر صحفية، لم يكن ما ذكرتْه رئيسة المفوضية عن “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” محل إجماع بين الدول الأعضاء التي رأى ممثِّلو عددٍ منها أن إسرائيل لم تقدِّم الأدلةَ الكافيةَ على أن هجماتها على إيران تمَّت في إطار الحق الشرعي في الدفاع عن النفس، حتى إن البيان الصادر عن الاتحاد الأوروبي بتاريخ 14 يونيو خَلَا من تعبير “حق الدفاع عن النفس”[54].
ومع ذلك لم يستدرك الاتحاد الأوروبي -من خلال أيٍّ من مؤسساته- بالتصريح بأن ما وردَ في تدوينة رئيسة المفوضية لم يكن له صفة مؤسَّسية.
كما خلا بيان الممثِّلة العليا من لفظ “الإدانة”، لأن إدانة طرف سوف تستلزم إدانة الطرف الآخر، لا سيما وأن إسرائيل هي الطرف البادئ بالهجوم. وإذا كان بيان رئيسة الدبلوماسية الأوروبية هزيلًا لا يرقى إلى مستوى الحدث، استمرَّت التحرُّكات الأوروبية الجماعية التالية على نفس المنوال. فقد سبق القمةَ الأوروبية العادية في نهاية الشهر اجتماعُ وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي الذين ناقشوا الوضع الأمني في الشرق الأوسط بعد الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، وأكَّدوا رفض الاتحاد الأوروبي امتلاك إيران السلاح النووي. كما ناقش الاجتماع تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة وبالذات في ظلِّ منع قوَّات الاحتلال وصول المساعدات الإنسانية، ومدى التزام إسرائيل ببنود اتفاق التعاون مع الاتحاد الأوروبي، وخاصة المادة الثانية[55] الخاصة باشتراط التزام الطرف الآخر باحترام القانون وحقوق الإنسان وإلا يقرر الاتحاد الأوروبي تجميد التعاون. لكن تلك المناقشات لم تُسْفِرْ عن قرارٍ واحدٍ يخصُّ إسرائيل.
أمَّا اجتماع القمة الأوروبية، فلم يقدِّم جديدًا، إذْ تكرَّرت “إدانة” الوضع الإنساني في غزة والعدد “غير المقبول” للضحايا المدنيِّين. وطالب الاجتماع مجلس وزراء الخارجية بمتابعة مراجعة اتفاق التعاون مع إسرائيل، “مع أخذ التطوُّرات على الأرض في الاعتبار”[56]. وتنفيذًا لتكليف المجلس الأوروبي، أعلنتْ رئيسة مجلس وزراء الخارجية، كايا كالاس، الممثِّلة العُليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، خلال اجتماع مجلس الشؤون الخارجية، ملاحظة الاتحاد الأوروبي ما أسمته “علامات إيجابية” تمثَّلت في التفاهم مع إسرائيل بشأن “التوسع في المساعدات الإنسانية إلى غزة”، حيث سُمح لعدد أكبر من الشاحنات والمؤن من الوصول إلى القطاع عبر نقاط دخول مختلفة، وإصلاح خطوط الكهرباء. واستخدمت “كالاس” المفردات “الناعمة” ذاتها بالإشارة مثلا إلى أن إسرائيل “بحاجة إلى اتخاذ إجراءات أكثر وضوحًا لتحسين الوضع الإنساني على الأرض”. كما صرَّحت أن الاتحاد الأوروبي سوف يراقب عن كثب التزام إسرائيل بتطبيق نقاط التفاهم وتقييمه دوريًّا كل أسبوعين[57].
وبينما يستند الموقف الأوروبي من الحرب على أوكرانيا إلى المادة (4/2) من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تحظر على الدول استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضدَّ سلامة أراضي دولة أخرى، تُدير أوروبا ظهرَها لنفس النصِّ القانوني حين يكون المعتدِي إسرائيل ضد دولة ذات سيادة[58]؛ إيران على سبيل المثال، وأيضًا لبنان وسوريا التي طالتْ كلًّا منها هجمات العدوان الإسرائيلي. ففي يوليو 2024 حينما اغتالتْ إسرائيل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، في العاصمة طهران، صرح المتحدث باسم المفوضية الأوروبية للشؤون الخارجية أن الموقف المبدئي للاتحاد الأوروبي هو رفض عمليات الاغتيال والقتل خارج إطار القانون، بلا إشارة لإسرائيل من جانبه أو من جانب الممثِّل الأعلى للشؤون الخارجية “جوزيب بوريل” الذي دعا إلى وقف التصعيد ووقف فورى لإطلاق النار في غزة[59].
ومع ذلك لم يملك الاتحاد الأوروبي إلَّا أن يُدين الهجوم الإسرائيلي على الدوحة الذي استهدف قيادات المكتب السياسي للمقاومة، مع ملاحظة أن البيان أدان استهداف قطر ولم يُدِنْ محاولة اغتيال وفد المفاوضين الفلسطينيِّين. فقد صرَّح المتحدِّث الرسمي باسم الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية أن “الغارة الجوية الإسرائيلية ضد قيادات حماس في الدوحة تُعَدُّ خرقًا للقانون الدولي وللسلامة الإقليمية لقطر، وتهدِّد بتصعيد العنف في المنطقة […] ونؤكِّد أن الاتحاد الأوروبي وشركاء آخرين يصنِّفون حماس منظمة إرهابية”[60].
ثانيا- المجتمع المدني الأوروبي والعالمي
في الواقع لم تدَّخر مؤسسات المجتمع المدني العالمي جهدًا في رصد جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة منذ بداية العدوان. ولعل هذا شأن المجتمع المدني المتحرِّر من القيود والمصالح والمعايير الملزمة للحكومات والتي تعطِّل -بل وتعيق- الفعل الرسمي.
وهاك أمثلة لتصريحات لمسؤولين في منظمات مدنية دولية بشأن الموقف الأوروبي من العدوان على غزة[61]:
“إن عدم اتخاذ الاتحاد الأوروبي موقفًا إزاء ما يحدث في غزة يجعله متواطئًا في الإبادة الجماعية”. أمين عام منظمة أطباء بلا حدود.
“إن عدم تحرك قادة الاتحاد الأوروبي بعمل حاسم على مدى الأحد عشر شهرًا الماضية يحملهم بدرجة هائلة مسؤولية الجرائم التي نراها تحدث في غزة”. مسؤولة الشؤون الدولية في مؤسسة “أنقذوا الأطفال”.
إن “اللافعل” الأوروبي أعطى إسرائيل ضوءًا أخضر للمضيِّ في ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين. مسؤول ملف إسرائيل وفلسطين في منظمة هيومان رايتس ووتش.
“تجميد اتفاقات التعاون والتجارة التفضيلية مع إسرائيل هي الوسيلة الوحيدة التي يستطيع من خلالها الاتحاد الأوروبي أن يُحدث فارقًا”. نائب المدير الإقليمي لمنظمة العفو الدولية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
“بعد 17 شهرًا من الإبادة الجماعية في غزة لا يزال الاتحاد الأوروبي يرفض تسمية إسرائيل وإدانة هجماتها الجوية التي محت عائلات بأسْرها من الوجود […] إن موقف الاتحاد الأوروبي لا يفشل فحسب في إثبات صدق ما يعلنه عن التزامه بالقانون الدولي، ولكن أيضًا يثبت انتقائيَّته للضحايا المتعاطف معهم، خاصةً لو كانوا فلسطينيِّين”. مديرة مكتب المؤسسات الأوروبية في منظمة العفو الدولية[62]. وكان هذا التصريح تعقيبًا على بيان المجلس الأوروبي في 20 مارس 2025 الذي “يأسف لعدم إعمال اتفاق وقف إطلاق النار ما أسْفر عن عددٍ كبيرٍ من الضحايا المدنيِّين في الضربات الجوية الأخيرة”. فالبيان لا يتحدَّث عن “خرق” الاتفاق، ولا “يُدين” قتل المدنيِّين ولا يذكر الفاعل. وبينما “يأسف” البيان لرفض حماس تسليم من تبقَّى من الرهائن، لا يذكر اسم إسرائيل في فقراته المتتالية عن غزة وعن لبنان[63].
وفي يونيو 2025 صدر بيان[64] موقَّع من 187 من منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات مدنية أوروبية وغير أوروبية ودولية يحث الاتحاد الأوروبي على المراجعة الدقيقة لاتفاقية التعاون مع إسرائيل للتحقُّق من مدى احترامها حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية باعتبارها “عنصرًا أساسيًّا” في الاتفاقية كما تنصُّ المادة الثانية منها. وأشار البيان إلى وجود أدلَّةٍ دامغةٍ على ارتكاب إسرائيل جرائم مروِّعة وانتهاكات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبناءً عليه طالب البيانُ المفوضيةَ الأوروبية وجميعَ الدول الأعضاء باتخاذ إجراءات واضحة تتضمَّن تعليقَ اتفاقية التعاون ولو جزئيًّا. ونصَّ البيان على أن مراجعة الاتفاقية أمر قد تأخَّر كثيرًا على الرغم من تقدُّم إسبانيا وأيرلندا بطلب المراجعة منذ فبراير 2024، وعلى الرغم من أحكام محكمة العدل الدولية وأوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحقِّ قادة الحرب الإسرائيليِّين، والعديد من التقارير الصادرة عن أجهزة الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني والباحثين والخبراء المستقلِّين التي كشفتْ جميعُها ضلوعَ إسرائيل في انتهاكات جسيمة لمبادئ حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني وارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من بينها التهجير القسري والقتل والإبادة الجماعية.
وأشار البيان إلى أن هذه المراجعة تُجرى في وقت حرج تمنع فيه إسرائيل تمامًا دخول المساعدات إلى قطاع غزة المحتل لتُنشئ نظامَها الخاص لتوزيع المساعدات يمارَس فيه القتل الجماعي بحقِّ المدنيِّين المجتمعين في نقاط التوزيع طلبًا للمساعدات. كما عَدَّدَ البيان جرائم أخرى ظلَّ جيش الاحتلال يرتكبها منذ بدء عدوانه على القطاع. وقال البيان إن على الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي التزامًا كونها أعضاءً في “اتفاقية الإبادة الجماعية”(*) بفعل ما يلزم لوقف تلك الإبادة.
الرأي العام الأوروبي:
على عكس الموقف الرسمي، لا يمكن بحال القول بتحول الرأي العام العالمي، بل إنه اكتسب زَخَمًا مع ما بدا من تواطؤ دولي لاستمرار العدوان.
فلم تتوقَّف المظاهرات الشعبية الحاشدة في العواصم والمدن الأوروبية دعمًا لفلسطين وتنديدًا بالجرائم الإسرائيلية، وآخرها -حتى كتابة هذه السطور- الاحتجاجات التي اندلعت منذ مطلع شهر أكتوبر 2025 تنديدًا بجرائم قوات الاحتلال في غزة واعتدائها على السفن المتَّجهة إلى غزة لكسر الحصار تحت اسم “أسطول الصمود”. وكان للمدن الإيطالية النصيب الأكبر من تلك الاحتجاجات الأخيرة، إلى جانب مدن عديدة في بلجيكا (أمام البرلمان الأوروبي) وفرنسا وإسبانيا وأيرلندا وبريطانيا وتركيا خرج فيها ملايين الأوروبيين دعمًا للقضية الفلسطينية[65].
وفي ربيع 2024 شهد العالم الغربي احتجاجات طلابية واسعة وحركات تضامن مع الشعب الفلسطيني انطلقت من الولايات المتحدة وانتقلت إلى أوروبا وأستراليا. وشهدت جامعات أوروبية في دول عديدة -من بينها هولندا وألمانيا والنمسا وإسبانيا- مظاهرات واعتصامات طلابية قُوبل بعضها بالعنف من قِبل قوات الشرطة.
كما شهدت الساحات الفنية والثقافية والرياضية أفعالًا ومواقف رمزية تعبِّر عن التضامن مع الحق الفلسطيني وتندِّد بحرب الإبادة الإسرائيلية. فعلى سبيل المثال وللمرة الثانية أدارت الجماهير الإيطالية ظهورها للملعب أثناء عزف نشيد دولة الاحتلال، وذلك خلال مباراة المنتخب الإيطالي لكرة القدم مع إسرائيل في سبتمبر 2025[66]. وسبق أن سلك الإيطاليون الفعل ذاته قبلها بعام، في سبتمبر 2024[67]. إلى غير ذلك من مواقف من بينها إطلاق مشجعين بولنديين صفارات استهجان عند عزف النشيد الإسرائيلي في مباراة كرة سلة، وكذلك تعطيل سباق دراجات إسباني احتجاجًا على مشاركة فريق إسرائيلي[68].
يُضاف إلى ما سبق مواقف فردية لشخصيات عامة من فنانين ومخرجين ورياضيين عالميين، عبروا عن تضامنهم مع الحق الفلسطيني بأساليب رمزية مثل رفع العلم الفلسطيني أو حمل شعارات مناهضة للإبادة ومطالِبة بوقف فوري لإطلاق النار، أو بالانضمام لحملات مقاطعة المهرجانات والفعاليات الفنية والثقافية التي تشارك فيها هيئات ووفود إسرائيلية، أو بالتدوين على منصات التواصل الاجتماعي.
كما عبَّر سياسيون أوروبيون سابقون عن موقفهم الرافض لحرب الإبادة الإسرائيلية، ومن أبرزهم الممثل الأعلى السابق للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل(*)، الذي دعا إلى تحرك قضائي ضد تقاعس مؤسسات الاتحاد الأوروبي تجاه مجازر غزة التي يجب أن تحرِّك ضمير العالم. جاء ذلك خلال تصريحات أدلى بها بوريل، خلال جلسة بعنوان “إلى أين تذهب أوروبا؟” نظَّمتها إحدى الجامعات الإسبانية، وحذَّر من تراجع سمعة الدول الأوروبية إذا لم تتَّخذ إجراءات ملموسة ضد إسرائيل، منتقدًا أداء مؤسسات الاتحاد الأوروبي التي “قد تقدِّم اقتراحًا لفرض نوع من العقوبات على إسرائيل، لكنها لا تفعل شيئًا”. ونوَّه إلى أن مصداقية الاتحاد الأوروبي العالمية تتآكل، محذرًا من أن عدم اتخاذ إجراءات ملموسة ضد إسرائيل سيجعل أوروبا غير قادرة على تنفيذ أي سياسة للدفاع عن حقوق الإنسان. وناشد “بوريل” الرأي العام في الدول التي تدعم إسرائيل وتمدها بالسلاح الضغط على الحكومات لمنع استمرار هذا الوضع[69].
وقُبيل انتهاء عمله كرئيس للدبلوماسية الأوروبية، وتحديدًا في نوفمبر 2024، صرَّح بوريل أن “القانون الإنساني دُفن تحت أنقاض غزة”[70].
خاتمة:
أُعِدَّ هذا التقرير في أتون الحرب والمجاعة في غزة، ولا يدَّعي التقرير رصدًا تفصيليًّا للمواقف الأوروبية على المستويات الثلاثة: الرسمي والمدني والشعبي، فهذا مما لا يتَّسع له المقام. إنما الهدف محاولة استنتاج خط عام للمسار الأوروبي للإجابة عن التساؤل الوارد في مقدمة التقرير.
وإذا كانت المواقف الرسمية المتباطئة في ظل الأحداث المتسارعة لا تتيح إجابة قاطعة عن هذا التساؤل، إلا أن مما يمكن استنتاجه أن الاتحاد الأوروبي الرسمي؛ القومي والجماعي، لا يملك البقاء طويلا على حالة الجمود واللافعل، وأن ما رُصد في التقرير من “تحولات” طفيفة ومتباطئة في المواقف المعلنة هو من ضرورات التكيُّف مع الأوضاع على الأرض التي يفرضها الصمود الفلسطيني أمام وحشية العدو وصمت وتواطؤ دوليين. فامتصاص الصدمات والمواجهة الحقيقية والرشيدة للأزمات من ضرورات البقاء. وليس بوسع أوروبا أن تبقى ساكنةً في وقت تتزايد فيه دعاوى التضامن العالمي مع الحق الفلسطيني يومًا بعد يوم؛ تلك الدعاوى التي تشبه كرة الثلج التي باتت تكبر ولا يملك أحد إيقافها. وأخيرًا، تواجه المنطقة بأسرها مخططات لإعادة تشكيلها وفق قواعد جديدة وبمنطق استعماري لتصفية جميع حركات المقاومة، وفرض هيمنة أمريكية-إسرائيلية ترسم خريطة المنطقة وتستغل ثرواتها وتعيد تصميم منظوماتها القيمية. ولا سبيل إلى درء هذه المخطَّطات إلا إرادة قوية من أنظمة وشعوب واعية، تبصر حجم التهديد الوجودي الذي يحيق بها، وبموقف جماعي موحَّد وقويٍّ من جميع القوى والأطراف الإقليمية الفاعلة لصدِّ هذا الهجوم على المنطقة ومقدَّراتها والدفاع عن حاضرها ومستقبلها.
⁕ باحثة في العلوم السياسية.
[1] The Middle East crisis, The European Commission, Accessed at: 29 July 2025, available at: https://2u.pw/Q9CXxA
[2] مثلا بيان القمة الأوروبية في أكتوبر 2023، يدين بنفس القوة والوضوح كلا من روسيا وحماس، متهمًا الأخيرة باستخدام المدنيِّين كدروع بشرية.
European Council meeting (26 and 27 October 2023) – Conclusions, Brussels: The European Council, 27 October 2023, Accessed at: 5 August 2025, available at: https://2u.pw/ULAx6F
[3] EU – Israel, Multimedia Centre in the European Parliament, Accessed at: 17 August 2025, available at: https://2u.pw/lKQ70K
[4] European Commission’s post, facebook, 8 October 2023, available at: https://2u.pw/8FW249
[5] Israeli ambassador: ‘EU is spearhead of support for Israel during war’, jnn, 5 November 2023, Accessed: 17 August 2025, available at: https://2u.pw/NILF1t
[6] “الاتحاد الأوروبي يطلق عملية الجسر الجوي لتوصيل المساعدات إلى غزة.. بالتزامن مع زيارة منسق الأمم المتحدة للإغاثة إلى المنطقة”، أوروبا والعرب، 17 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 10 أغسطس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/JbrzCs
[7] EU Humanitarian Air Bridge, European Commission: European Civil Protection and Humanitarian Aid Operations, Accessed at: 10 August 2025, available at: https://2u.pw/lKIEfA
[8] European Council meeting (26 and 27 October 2023) – Conclusions, Brussels, 27 October 2023, Accessed: 5 August 2025, Available at: https://2u.pw/17lP2c
[9] In breakthrough, EU leaders call for eventual Gaza ceasefire for the first time, Euronews, 21 March 2024, Accessed at: 25 August 2025, Available at: https://2u.pw/RK6VLX
[10] Charles Michel, The EU calls for an immediate humanitarian pause leading to a sustainable ceasefire, X post, 21 March 2024, available at: https://2u.pw/t6CFkD
[11] انظر القائمة الكاملة للدول التي أعلنت اعترافها بدولة فلسطين حتى أبريل 2025، وتاريخ الاعتراف:
- AJLabs, Mapping which countries recognise Palestine in 2025, Al Jazeera, 10 Apr 2025, available at: https://h1.nu/1ceuU
[12] Inês Trindade Pereira & Mert Can Yilmaz, Which EU countries recognise Palestine amid France’s decision?, Euronews, 28 July 2025, Accessed: 3 September 2025, Available at: https://h1.nu/1gVC7
[13] Ibid.
[14] الأمم المتحدة تحتضن مؤتمرًا وزاريًّا برئاسة فرنسا والسعودية يهدف لإحياء حل الدولتين، فرانس24، 28 يوليو 2025، تاريخ الاطلاع: 3 سبتمبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/LhOJ95
[15] فرنسا تلتزم بالاعتراف بدولة فلسطين… لماذا الآن؟، فرانس24، 29 يوليو 2025، تاريخ الاطلاع: 3 سبتمبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/mcdPZx
[16] في مؤتمر “حل الدولتين”.. فرنسا وعدة دول تعترف بدولة فلسطين، العربية.نت، 22 سبتمبر 2025، تاريخ الاطلاع: 23 سبتمبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/lulJf1
[17] ألمانيا: لن ننضم لمبادرة الاعتراف بدولة فلسطين، العربية.نت، 26 أغسطس 2025، تاريخ الاطلاع: 26 أغسطس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/8mxZem
[18] في مؤتمر “حل الدولتين”.. فرنسا وعدة دول تعترف بدولة فلسطين، مرجع سابق.
[19] Speech by Foreign Minister Annalena Baerbock during the agreed debate in the German Bundestag on the first anniversary of the terrorist attack on Israel on 7 October, German Federal Foreign Office, 10 October 2024, Accessed at: 10 August 2025, Available at: https://2u.pw/6Cc9El
[20] صفحة السفارة الألمانية في القاهرة على “فيسبوك” بتاريخ 16 أكتوبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/NgvNcZ
[21] Opening statement by Foreign Minister Annalena Baerbock during questions put to the Federal Government in the German Bundestag, German Federal Foreign Office, 16 October 2024, Accessed: 10 August 2025, Available at: https://2u.pw/rED5cw
[22] نقلا عن صفحةCNBC Arabia على موقع فيسبوك بتاريخ 16 أكتوبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/46Gykcc
[23] البيان المشترك للقمة الأولى بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، بروكسل، 18 أكتوبر 2024، تاريخ الاطلاع: 7 سبتمبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/sRa1Kl
[24] Remarks by the President of the General Assembly, H.E. Ms. Annalena Baerbock, opening of the 80th General Debate, America Times News Service, 26 September 2025, Accessed at: 28 September 2025, available at: https://2u.pw/Ab6KVo
[25] ألمانيا توقف الصادرات العسكرية لإسرائيل وتحث على وقف النار بغزة، العربية.نت، 8 أغسطس 2025، تاريخ الاطلاع: 26 أغسطس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/5u0hJj
[26] Spain PM accuses Israel of genocide in Gaza, Le Monde with AFP, 27 June 2025, Accessed at: 31 August 2025, Available at: https://2u.pw/J6Hz3z
[27] ما هي الإجراءات التي اتخذها رئيس الوزراء الإسباني ضد إسرائيل؟، بي بي سي نيوز، 8 سبتمبر 2025، تاريخ الاطلاع: 9 سبتمبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/ttBldS
[28] إسبانيا تعلن قرارات جديدة ضد إسرائيل، موقع إرم نيوز، 23 سبتمبر 2025، تاريخ الاطلاع: 28 سبتمبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1gVGv
[29] طوفان بشري يجتاح برشلونة.. مطالبات بإنهاء تجارة السلاح مع إسرائيل، العربية.نت، 4 أكتوبر 2025، تاريخ الاطلاع: 4 أكتوبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/OiYiaW
[30] وقع على البيان وزراء خارجية كل من: أندورا وأستراليا وكندا وأيسلندا واليابان وليشتنشتاين ونيوزيلندا والنرويج وسويسرا والمملكة المتحدة. ومن الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي كل من: النمسا وبلجيكا وقبرص والدنمارك وإستونيا وفنلندا وفرنسا وأيرلندا وإيطاليا واليونان ولاتفيا وليتوانيا ولوكسمبورج ومالطا وهولندا وبولندا والبرتغال وسلوفاكيا وسلوفينيا وإسبانيا والسويد. والمفوض الأوروبي لشؤون المساواة والتأهب وإدارة الأزمات.
(*) صدر هذا البيان قبل أيام من إعلان الأمم المتحدة رسميًّا المجاعة في غزة يوم 22 أغسطس 2025.
[31] Joint Statement on Gaza, German Federal Foreign Office, Press Release, 9 August 2025, Accessed at: 26 August 2025, Available at: https://2u.pw/CT4JVX
[32] لجنة تحقيق دولية مستقلة: إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية في غزة، الأمم المتحدة، 16 سبتمبر 2025، تاريخ الاطلاع: 28 سبتمبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/eMu5Yx
[33] Welcoming PSIA Class of 2027, the Paris School of International Affairs, Accessed 10 September 2025, available at: https://2u.pw/f5L1oh
[34] EU Commission distances itself from genocide statement on Gaza, 8 September 2025, Accessed 10 September 2025, available at: https://2u.pw/dydfOu
[35] EU commissioner urges action after UN inquiry declares Israel is committing genocide in Gaza, 17 September 2025, Accessed: 28 September 2025, available at: https://2u.pw/DG99r0
[36] Israel: EU trade relations with Israel. Facts, figures and latest developments, European Commission, Accessed 16 August 2025, available at: https://2u.pw/JEjecP
[37] EU commissioner, available at: https://2u.pw/JEjecP
[38] المرجع السابق.
[39] EU High Representative Borrell’s proposal to suspend political dialogue with Israel is a non-starter, eunews, 18 November 2024, Accessed: 1 September 2025, available at: https://2u.pw/V0i9qJ
[40] Suspend political dialogue with Israel: Borrell’s proposal comes to the table of EU countries, eunews, 14 November 2024, Accessed: 1 September 2025, available at: https://h1.nu/1ceFu
[41] The EU has opened the door to revising the association agreement with Israel. But sanctions on settlers skip, 20 May 2025, Accessed: 1 September 2025, available at: https://h1.nu/1ceFD
[42] EU recognizes human rights violations by Israel in Gaza, but delays action, 23 June 2025, Accessed: 27 August 2025, available at: https://bit.ly/4q06sY7
[43] Commission proposes suspension of trade concessions with Israel and sanctions on extremist ministers of the Israeli government and violent settlers, 17 September 2025, Accessed: 28 September 2025, available at: https://bit.ly/3J0Yld6
(*) ألقت رئيس المفوضية الخطاب في 10 سبتمبر 2025. للاطلاع على الخطاب كاملًا، انظر:
2025 State of the Union Address by President von der Leyen, Strasbourg, 10 September 2025, Accessed: 28 September 2025, available at: https://bit.ly/3VWA2Qn
[44] In the end, Kallas criticises Netanyahu: “Israel must defend itself, but it has gone too far”, eunews, 18 June 2025, Accessed: 11 August 2025, available at: available at: https://bit.ly/4nEsk9D
[45] “إدانات عربية للهجوم الإسرائيلي على مقر القنصلية الإيرانية في دمشق”، وكالة شينخوا، 2 أبريل 2024، تاريخ الاطلاع: 10 أغسطس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/46T8JeN
[46] Iran: Statement by the Spokesperson on the attack in Damascus, The Diplomatic Service of the European Union, 3 April 2024, Accessed: 10 August 2025, available at: https://bit.ly/48VWOQ3
[47] “Iran Attacks Israel: Hundreds of Missiles Launched, Most Intercepted; Israel Vows Response”, Haartz, 14 April 2024. Accessed: 10 August 2025, available at: https://bit.ly/432n2ws
[48] Special meeting of the European Council (17 and 18 April 2024) – Conclusions, Brussels: European Council, 18 April 2024, Accessed: 19 April 2024, available at: https://bit.ly/3J3k8ki
[49] Germany’s Merz says Israel doing ‘dirty work for us’ in Iran, DW, 17 June 2025, Accessed: 10 August 2025, available at: https://bit.ly/4o4L1TS
[50] G7 Leaders’ Statement on Recent Developments Between Israel And Iran, La Maison Élysée, 17 June 2025, Accessed 10 August 2025, available at: http://bit.ly/48ljrxd
[51] نقلًا عن:
EU chief pushes for diplomatic solution to Israel-Iran crisis in call with Netanyahu, The Times of India, 18 June 2025, Accessed: 10 August 2025, available at: https://bit.ly/42FaR8J
[52] Israel/Iran: Statement by the High Representative on behalf of the European Union, Council of the EU, 14 June 2025, Accessed: 3 August 2025, available at: https://bit.ly/3KTLB8F
[53] نقلًا عن:
Hamidriza Azizi and Erwin van Veen, The EU’s response to Israel’s assault on Iran: The justified, the hypocritical and the vacuous, Clingendael, 1 July 2025, Accessed: 19 August 2025, available at: https://bit.ly/4h7VjAs
[54] EU divided over Israel’s right to bomb Iran, Euronews, 19 June 2025, Accessed: 7 August 2025, available at: https://bit.ly/3WwwkNE
[55] Foreign Affairs Council, 23 June 2025- Main results, Accessed: 29 July 2025, Available at: https://bit.ly/4h79MMZ
[56] European Council meeting (26 June 2025) – Conclusions, Brussels, 26 June 2025, Accessed: 29 July 2025, Available at: https://bit.ly/46P9Q0s
[57] Foreign Affairs Council, 15 July 2025 – Main results, Accessed: 29 July 2025, Available at: https://bit.ly/4okBkAR
[58] Eldar Mamedov, Pure Orwell: Europe condemns Iran for attacks on its own territory, Responsible Statecraft, 14 June 2025, Accessed: 7 August 2025, Available at: https://bit.ly/4n08tRe
[59] EU calls for ‘maximum restraint’ after Hamas leader Ismail Haniyeh’s assassination, euronews, 31 July 2024, Accessed: 7 August 2025, Available at: https://bit.ly/47n4BoL
[60] Israel/Qatar: Statement by the Spokesman, European Union External Action, 9 September 2025, Accessed: 12 September 2025, Available at: https://bit.ly/4ogV0Wk
[61] نقلا عن:
EU ‘too little, too late’ on Gaza, NGOs tell von der Leyen: Humanitarian groups are urging the EU to impose sanctions on Israel, 25 July 2025, Accessed: 25 August 2025, Available at: https://bit.ly/4q2niFD
[62] Europe: EU leaders’ ‘shameful’ attempt at justifying Israel’s genocide and war crimes against Palestinians, Amnesty International, 20 March 2025, Accessed: 1 September 2025, Available at: https://bit.ly/4nPKoOo
[63] للاطلاع على البيان كاملا:
Conclusions of the European Council on the Middle East, Oceans and Multilateralism, 20 March 2025, Accessed: 1 September 2025, Available at: https://bit.ly/46RNfAs
[64] للاطلاع على البيان كاملًا:
Joint Statement on the EU-Israel Association Agreement Review, June 19, 2025, Accessed: 19 September 2025, Available at: https://bit.ly/4h91Sm7
(*) اتفاقية “منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها” التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948.
[65] Millions across Europe gather for Gaza and the Flotilla. Brussels, tensions in front of Parliament, 3 October 2025, Accessed: 4 October 2025, Available at: http://bit.ly/43iaeCd
[66] تضامنا مع غزة.. جماهير إيطاليا تدير ظهرها للملعب أثناء عزف نشيد إسرائيل، الشروق، 8 سبتمبر 2025، تاريخ الاطلاع: 15 سبتمبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/4ohimLh
[67] أدارت ظهرها.. جماهير إيطاليا تحرج الكيان الصهيوني مجددا أمام أنظار العالم، يلا كورة، 8 سبتمبر 2025، تاريخ الاطلاع: 15 سبتمبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/4h8NMkU
[68] إندبندنت: احتجاجات ومقاطعات أوروبية متصاعدة ضد إسرائيل في الملاعب والمهرجانات، الاتحاد، 21 سبتمبر 2025، تاريخ الاطلاع: 1 أكتوبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/42CVb60
(*) شغل الإسبانى “جوزيب بوريل” منصب الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية لمدة خمسة أعوام (2019 – 2024)، وخلفته الإستونية “كايا كلاس” في نهاية العام 2024.
[69] بوريل يدعو لتحرك قضائي ضد تقاعس مؤسسات الاتحاد الأوروبي تجاه مجازر غزة، بوابة الشروق، 25 أغسطس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3WERQ2E
[70] Suspend political dialogue with Israel: Borrell’s proposal comes to the table of EU countries, eunews, 14 November 2024, Accessed: 1 September 2025, Available at: https://bit.ly/4n4uNcG
نشر في العدد 39 من فصلية قضايا ونظرات – أكتوبر 2025




