الحرب بين إسرائيل وإيران: الذاكرة، دينامية المواجهة، والتقييم الاستراتيجي

لم تكن الحرب القصيرة بين إسرائيل وإيران بدءا من الهجوم الإسرائيلي فجر 13 يونيو 2025 إلى وقف إطلاق النار فجر 24 يونيو 2025، مجرد حدث عسكري معزول، بل تمثل قفزة نوعية خطيرة في مسار صراع طويل الأمد بين الطرفين، اتسم لعقود بطابع “حروب الظل” عبر وكلاء إقليميين، واشتباكات استخباراتية ورقمية متكررة، لكنه لم يصل من قبل إلا مستوى الاشتباك المباشر المتصل اللهم إلا في صورة ضربات متقطعة في إطار تداعيات طوفان الأقصى المتفجر منذ 7 أكتوبر 2023. تحول الصراع فجأة إلى مواجهة علنية بين قطبين إقليميين رئيسيين، يعلن كل منهما رؤية وجودية مضادة للآخر، ويرى في الآخر تهديدًا جوهريًّا لأمنه ومصالحه الاستراتيجية، وذلك في إطار صراع تأجج مع اندلاع طوفان الأقصى.

يأتي هذا التقرير لتحليل ديناميات هذه الحرب المستجدة في أبعادها المتشعبة، وتحليل خطاباتها المتناحرة، واستشراف تداعياتها العميقة على مستويي الداخل في الطرفين ومستقبل الصراع بينهما، في ظل حالة من مخاوف تجدد أو استمرار الحرب بأشكال مختلفة. وقبل ذلك نتوقف عند الذاكرة القريبة للصراع بين إيران وإسرائيل.

أولًا – الطريق إلى الحرب: من حروب الظل والوكلاء إلى المواجهة المباشرة

بناء على متابعة مجريات العامين الماضيين، يمكن القول إن طوفان الأقصى يميز بين مرحلتين مختلفتين من مسار الصراع الإيراني-الإسرائيلي: تبدأ الأولى منذ الثورة الإيرانية وتستغرق نحو ما يزيد عن أربعة عقود متصلة، وتبدأ الثانية من هذا الطوفان:

أ. مرحلة حروب الظل والوكلاء

يمكن إرجاع الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران إلى مسار سابق من الصراع غير المباشر، أو شبه المباشر:

  1. الحروب السيبرانية

على مدى هذه الفترة جرت مواجهات استخباراتية مكثفة بين الطرفين: ففي عام 2010 ظهر فيروس الكمبيوتر «ستوكسنت» الذي يُعتقد أنه هجوم مشترك إسرائيلي–أمريكي، وقد دمّر نحو ألف جهاز طرد مركزي في منشأة نطنز[1]. وفي السنين اللاحقة كثّفت إسرائيل -ولا سيما الموساد- عمليات التجسس السري واختراق الخزائن: ففي إبريل 2018 كشفت إسرائيل أنها حصلت على عشرات آلاف الصفحات من وثائق نووية سرّية من مخازن الإيرانيين[2]. وبالتوازي نشطت أيضًا استهدافات قاتلة: ففي 2010 قُتل القيادي في مشروع الصواريخ الإيرانية في انفجار بقاعدة إيرانية حسن طهراني مقدم ووجهت أصابع الاتهام للموساد[3]، وفي نوفمبر 2020 اغتيل العالم النووي الإيراني محسن فخري‌ زاده (مخطط البرنامج العسكري) برصاص آلي عن بُعد بالقرب من طهران[4]. وفي أبريل 2021 فجّرت إسرائيل جزءًا من مصنع للطرد المركزي في نطنز عبر هجوم إلكتروني شديد التخصيب[5]، موازاة لذلك فرضت أمريكا وأوروبا المزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران لشلّ برنامجها النووي والصناعات الحيوية، مما أثقل كاهل الاقتصاد الإيراني ورفع من منسوب التوتر العسكري.

ومن ناحية مقابلة، توسعت إيران في العمليات الاستخباراتية، التي شملت كذلك الهجمات والاختراقات السيبرانية ضد إسرائيل، لكنها التزمت غالبا عدم الرد على الضربات العسكرية واغتيال بعض رموزها.

  1. حروب الوكلاء: امتدادات الصراع في المنطقة (سوريا، لبنان، العراق، اليمن)

مع الغزو الأمريكي للعراق 2003 فتح المجال أمام إيران لتكوين محور استراتيجي إقليمي يمتد من حدودها مع العراق ويصل إلى حدود سوريا ولبنان مع إسرائيل؛ ما يسمى بالهلال الشيعي، وما يؤجج من احتمالات الصدام بين الطرفين. وقد كانت حرب إسرائيل على لبنان 2006 جزءا من هذا المسار. ومع قيام الثورات العربية وتفجرها في سوريا 2011 تدخلت إيران عسكريا بشكل سافر؛ وخاصة عبر حزب الله منذ 2013؛ ثم قوات عديدة تابعة لها؛ لكي تقترب جدا من حدود الأراضي المحتلة، ومن ثم أصبح الكيان الصهيوني على خط مواجهة مباشرة مع إيران وحلفائها.

في هذا الإطار/ امتد الصراع بين إسرائيل وإيران إلى جبهات متعددة لكن عبر “الحروب بالوكالة” في سوريا ولبنان؛ فقد دعمت طهران النظام السوري عبر الحرس الثوري وحزب الله لحماية ممرها إلى لبنان، بينما نفذت إسرائيل عشرات الغارات في سوريا لاستهداف التمدد الإيراني، قبل اندلاع طوفان الأقصى.

ومع اندلاع هذه الطوفان، وإعلان إيران مساندتها للمقاومة الفلسطينية في غزة، تطور الصراع بين إيران وإسرائيل إلى مواجهات مباشرة وغير مباشرة. فقد قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية بدمشق في أبريل 2024 الأمر الذي أدى غلى رد إيراني بصواريخ وطائرات مسيرة، وجهت إلى قلب الكيان الصهيوني، لكن أكثرها تم اعتراضه. وفي العراق، شاركت فصائل عراقية في توجيه ضربات تجاه الكيان الصهيوني مساندة للمقاومة ولأهل غزة. أما في اليمن، فقد شن الحوثيون المتحالفون مع إيران هجمات صاروخية وبحرية على الممرات البحرية لاستهداف إسرائيل وحلفائها، فيما نسقت إسرائيل مع الولايات المتحدة وبريطانيا لضرب المنشآت الصاروخية الحوثية، مرات عديدة منذ اشترك الحوثيون في المعركة. وهكذا انتقل الصراع الإسرائيلي الإيراني من المواجهات غير المباشرة، والحرب عبر وكلاء إيران، إلى مواجهات مباشرة، استهدفت فيها إسرائيل الأراضي الإيرانية بضربات جوية وصاروخية، وردت إيرانية باستهداف الكيان بضربات ضمن عميليتي الوعد الصادق 1، و2، وإن لم تكن مؤثرة عسكريا.

ب. من طوفان الأقصى إلى اندلاع الحرب الراهنة (أكتوبر 2023–يونيو 2025)

مع اندلاع طوفان الأقصى أعلنت إيران دعمها لحق “الدفاع المشروع” للفلسطينيين، ورفعت شعارات التضامن مع فلسطين في طهران. وقد اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إيران بتمويل وتوجيه حماس، مشيرًا إلى أن 90% من ميزانية حماس العسكرية تأتي من إيران. خلال هذه الفترة، دخلت المنطقة في حالة من التوتر المتصاعد؛ حيث بدأت إسرائيل عملية عسكرية واسعة في قطاع غزة، بينما نشطت الجماعات المدعومة من إيران في مختلف جبهات المواجهة؛ في لبنان والعراق واليمن. ومن ثم تصاعد صراع من نوع جديد بين إسرائيل وإيران منذ 7 أكتوبر 2023، وذلك عبر حلقات أو وقائع المواجهة التالية، وحتى تكللت بالحرب الأخيرة:

  • الواقعة الأولى: ما بعد عملية طوفان الأقصى مباشرة: حيث اتهمت إسرائيل إيران بأنها تقف وراء عملية 7 أكتوبر، وأعلنت إيران مساندتها للمقاومة ولأهل غزة، كما تقدم.
  • الواقعة الثانية: الضربات الإسرائيلية على سوريا وقتل قادة إيرانيين: في 1 أبريل 2024، قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق؛ مما أدى إلى مقتل سبعة من عناصر الحرس الثوري الإيراني؛ بينهم قائد قوات الحرس الثوري في سوريا ولبنان، محمد رضا زاهدي. وكان هذا الهجوم بمثابة تصعيد كبير في المواجهة بين البلدين؛ حيث استهدفت إسرائيل مباشرة منشأة دبلوماسية إيرانية، وقتلت قادة عسكريين إيرانيين رفيعي المستوى.
  • الواقعة الثالثة: الرد الإيراني المباشر الأول على إسرائيل (13 أبريل 2024): ردًا على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، شنت إيران في 13 أبريل 2024 هجومًا مباشرًا على إسرائيل أطلقت عليه اسم “عملية الوعد الصادق”، استخدمت فيها حوالي 170 طائرة مسيرة وأكثر من 30 صاروخًا كروز، وأكثر من 120 صاروخًا باليستيًا. وكان هذا الهجوم هو الأول من نوعه الذي تشنه إيران مباشرة على إسرائيل منذ بدء صراعهما بالوكالة. وتمكنت إسرائيل، بمساعدة من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأردن، من اعتراض معظم هذه الصواريخ والطائرات المسيرة.
  • الواقعة الرابعة: الرد الإسرائيلي المحدود (19 أبريل 2024): في 19 أبريل 2024، ردت إسرائيل على الهجوم الإيراني بضربة محدودة استهدفت مواقع عسكرية في إيران، خاصة في مدينة أصفهان. وقالت تقارير إن الضربة الإسرائيلية استهدفت موقع رادار للدفاع الجوي يحرس منشأة نطنز النووية. بدا أن الهدف من هذه الضربة المحدودة كان إظهار قدرات إسرائيل دون تصعيد التوترات بشكل أكبر.
  • الواقعة الخامسة: اغتيال قادة حماس في طهران وقادة حزب الله في لبنان (يوليو-سبتمبر 2024): شهدت الفترة من يوليو إلى سبتمبر 2024 تصعيدًا جديدًا في الصراع؛ حيث بادرت إسرائيل باغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وهو في طهران في نهاية يوليو 2024. كما اغتالت الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في 27 سبتمبر 2024 في ضاحية بيروت الجنوبية. هذه الاغتيالات أدت إلى تصعيد كبير في التوتر بين إيران وإسرائيل، حيث اعتبرت طهران أن إسرائيل تجاوزت كل الخطوط الحمراء.
  • الواقعة السادسة: الرد الإيراني الثاني على إسرائيل (أول أكتوبر 2024): في 1 أكتوبر 2024، شنت إيران هجومًا صاروخيًا ثانيًا على إسرائيل ردًا على اغتيال هنية ونصر الله؛ حيث أطلقت إيران نحو 200 صاروخ باتجاه إسرائيل، مستهدفة مراكز عسكرية وصناعية إسرائيلية. وكان هذا الهجوم أكثر مفاجأة من الهجوم الأول، وأظهر تصميم إيران على الرد على الاغتيالات الإسرائيلية.
  • الواقعة السابعة: الرد الإسرائيلي الواسع (أكتوبر 2024): في 26 أكتوبر 2024، شنت إسرائيل عملية عسكرية واسعة النطاق ضد إيران أطلقت عليها اسم “عملية أيام التوبة”. استهدفت الضربات الإسرائيلية 20 موقعًا في إيران، بالإضافة إلى مواقع في العراق وسوريا. وفقًا للجيش الإسرائيلي، استهدفت الضربات مواقع عسكرية إيرانية، بما في ذلك بطاريات الدفاع الجوي ومصنع للطائرات بدون طيار ومنشآت إنتاج الصواريخ. شارك في الهجوم أكثر من 100 طائرة إسرائيلية، بما في ذلك مقاتلات F-35 الشبحية.

وفي النهاية آلت هذه الضربات المتبادلة بين الطرفين إلى أن أقدمت إسرائيل على شن حرب مباشرة على الأراضي الإيرانية، وبالأخص على المواقع النووية والصاروخية، فجر 13 يونيو 2025.

 

ثانيًا – دينامية الحرب وتسلسل أحداث المواجهة

تكشف تطورات المواجهة منذ اشتعالها عن ديناميات الردع والهجوم المتبادل بين الطرفين، وترسم صورة لتطور العمليات العسكرية اليومية، ويمكن بيان تسلسل أحداث المواجهة على النحو الآتي:

  1. اليوم الأول: الجمعة 13 يونيو 2025:
  • الهجوم الإسرائيلي – عملية “الأسد الصاعد”: في ضربتها الأولى، استخدمت إسرائيل أكثر من 200 طائرة حربية من طرازات F-35I Adir وF-15I Ra’am وF-16I Sufa، وأسقطت أكثر من 330 قذيفة على حوالي 100 هدف استراتيجي. شملت الأهداف الإسرائيلية منشآت نووية رئيسية مثل نطنز وأصفهان وفوردو، بالإضافة إلى قواعد عسكرية ومصانع الصواريخ الباليستية. ونجحت العملية في اغتيال قادة عسكريين بارزين؛ بما في ذلك قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، ورئيس هيئة الأركان العامة محمد باقري، وعدد من العلماء النوويين. كشفت تقارير لاحقة كيف لعب الموساد دورًا محوريًّا في هذه العملية؛ حيث تمكن من إنشاء قاعدة أو قواعد سرية للطائرات المسيرة بالقرب من طهران، وتهريب أسلحة دقيقة إلى داخل إيران. هذه الاستعدادات المسبقة، التي استمرت لسنوات، مكنت إسرائيل من تحقيق عنصر المفاجأة وتعطيل كثير من الدفاعات الجوية الإيرانية.
  • الرد الإيراني – بداية عملية “الوعد الصادق 3”: بعد حوالي 18 ساعة من الهجوم الإسرائيلي، أطلقت إيران عملية “الوعد الصادق 3” في مساء الجمعة 13 يونيو. استخدمت إيران في ردها الأولي أكثر من 100 طائرة مسيرة وأكثر من 200 صاروخ باليستي، مستهدفة مواقع عسكرية واستخباراتية في إسرائيل. تمكنت القوات الجوية الإسرائيلية من اعتراض معظم الطائرات المسيرة والصواريخ، لكن عددًا منها تمكن من الوصول إلى أهدافه، مما أسفر عن أضرار في مناطق سكنية ومواقع عسكرية. أطلقت الهجمات على أربع دفعات منفصلة بهدف إرباك الدفاعات الجوية الإسرائيلية.
  1. اليوم الثاني: السبت 14 يونيو 2025:
  • استمرار الهجمات الإسرائيلية: واصلت إسرائيل هجماتها خلال ليل الجمعة وصباح السبت، مستهدفة منشآت نطنز وأصفهان وفوردو النووية، بالإضافة إلى أهداف عسكرية أخرى. أعلن الجيش الإسرائيلي عزمه بدء ضرب أهداف في طهران نفسها، ردًا على الصواريخ الباليستية التي أصابت تل أبيب ووسط إسرائيل. بحلول بعد الظهر، أعلن الجيش الإسرائيلي أن حملته الجوية منحت سلاح الجو “حرية حركة في الأجواء الإيرانية” تمتد من غرب البلاد وصولًا إلى العاصمة طهران. هذا التطور شكل تحولًا نوعيًا في القدرة العملياتية الإسرائيلية داخل العمق الإيراني.
  • تصعيد الرد الإيراني: ردت إيران بتصعيد هجماتها، حيث أطلقت أكثر من 200 صاروخ جديد على وسط إسرائيل، بما في ذلك تل أبيب وبئر السبع. تضمنت هذه الموجة الثانية من الهجمات استهداف مواقع حساسة قرب منشآت نووية إسرائيلية. ووفق ما أعلن الحرس الثوري فقد أسفرت الضربات الإيرانية عن إصابة 150 موقعًا عسكريًّا واستخباراتيًّا وسقوط 14 قتيلًا وإصابة أكثر من 450 شخصًا بجروح متفاوتة[6].
  1. اليوم الثالث: الأحد 15 يونيو 2025
  • “أصعب ليلة على إسرائيل”: شهدت ليلة السبت/الأحد 15 يونيو ما وصفته وسائل الإعلام الإسرائيلية بـ”أصعب ليلة على إسرائيل” منذ بداية الحرب. شنت إيران هجومًا صاروخيًا عنيفًا استخدمت فيه صواريخ جديدة، بعضها “فرط صوتية” يصعب اعتراضها. رغم أن إيران أطلقت حوالي 80 صاروخًا فقط في موجتين على شمال ووسط إسرائيل، إلا أن الهجوم أحدث دمارًا كبيرًا في تل أبيب وما حولها. أدى الهجوم إلى مقتل وإصابة عشرات الإسرائيليين والإبلاغ عن عدد من المفقودين تحت الأنقاض.
  • التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة: رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتصريحات تصعيدية، مؤكدًا أن إسرائيل ستستهدف كافة المواقع والأهداف التابعة لإيران، مشيرًا إلى أن “ما شاهدوه حتى الآن لا يُقارن بما سيواجهونه في الأيام المقبلة”. كما هدد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بـ”إحراق طهران”. أعلنت إسرائيل أن عملياتها قد تمتد لأسابيع، ودعت الشعب الإيراني إلى الثورة ضد النظام. في المقابل، أفاد التلفزيون الإيراني بمقتل حوالي 60 شخصًا، من بينهم أطفال، نتيجة الغارات على مجمعات سكنية.
  1. يوما 16-17 يونيو 2025: استمرار التصعيد
  • استمرار المواجهة: واصلت إيران وإسرائيل تبادل الضربات خلال الأيام التالية، مع استمرار إسرائيل في شن غارات داخل الأراضي الإيرانية وردود إيرانية بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة. أعلن الحرس الثوري الإيراني أنه استهدف في أحدث موجة من الهجمات الصاروخية القواعد الجوية الإسرائيلية التي تنطلق منها المقاتلات لضرب أهداف في إيران.
  • موجات الهجمات المتتالية: بحلول 17 يونيو، وصلت عمليات “الوعد الصادق 3” إلى الموجة العاشرة، حيث قال الحرس الثوري إن “أبطال القوة الجوفضائية في الحرس الثوري قاموا في الموجة العاشرة من عمليات الوعد الصادق 3، بتخطيط وتنفيذ العمليات لاستهداف القواعد الجوية التي انطلق منها العدوان”. استخدمت إيران، ولأول مرة، صاروخًا لم تتمكن إسرائيل من اعتراضه، بحسب ما قالت طهران. كما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه استكمل “موجة غارات” استهدفت 12 موقع إطلاق وتخزين صواريخ في “قلب إيران”.
  1. اليوم السادس: الأربعاء 18 يونيو 2025
  • توسع نطاق الهجمات الإسرائيلية: في اليوم السادس من الحرب، واصلت القوات الإسرائيلية هجماتها؛ فشنت ضربات جوية على عشرات المواقع في طهران ومحيطها، بما في ذلك مقر القيادة العامة لقوات الأمن ومقر “قراركاه ثار الله” التابع للحرس الثوري. أعلن الجيش الإسرائيلي أنه نفذ منذ فجر الجمعة 13 يونيو أكثر من 1100 ضربة على أهداف داخل إيران. يوم الأربعاء وحده، نفذ الجيش الإسرائيلي ضربات على 40 بنية تحتية صاروخية، ومستودعات صواريخ، ومواقع عسكرية في غرب إيران، بالإضافة إلى تدمير خمس مروحيات في قاعدة بمحافظة كرمانشاه.
  • تحذيرات خامنئي والتهديد الأمريكي: في ثاني رسالة له منذ اندلاع الحرب، ظهر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي من مخبئه، محذرًا من احتمال متزايد لانضمام الولايات المتحدة إلى الهجوم العسكري. حذر خامنئي من أن أي تدخل عسكري من واشنطن “سيُلحق بها ضررًا لا يمكن تعويضه”. في المقابل، قال مسؤول سياسي إسرائيلي إن التقديرات في تل أبيب تشير إلى أن “الأمريكيين سينضمون قريبًا إلى الهجوم الواسع على إيران”.
  1. اليوم السابع: الخميس 19 يونيو 2025
  • استمرار القصف الإسرائيلي المكثف: واصلت إسرائيل عملياتها العسكرية بوتيرة مكثفة في اليوم السابع من الحرب، حيث شنت قواتها الجوية غارات واسعة النطاق استهدفت عشرات المواقع العسكرية الإيرانية. ركزت الضربات الإسرائيلية على منشآت نووية حيوية، حيث استهدفت منشأة نطنز النووية ومفاعل الماء الثقيل في خوندب (المعروف سابقًا باسم آراك). كما استهدفت إسرائيل مقر الأمن الداخلي الإيراني في طهران، مدمرة المقر بالكامل، كما شهد هذا اليوم توسع نطاق الهجمات الإسرائيلية لتشمل مدنا إيرانية جديدة، حيث تم تسجيل انفجارات في مدينة كرج ومطار بيام القريب منها. كما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه نجح في تدمير ثلثي منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية، مما أدى إلى تراجع ملحوظ في كثافة الهجمات الإيرانية مقارنة بالأيام السابقة.
  • الهجوم الإيراني على مستشفى سوروكا: في واحد من أبرز أحداث هذا اليوم، أطلقت إيران دفقة صاروخية مكونة من حوالي 20 صاروخًا باليستيًا استهدفت مناطق متعددة في إسرائيل. أحد هذه الصواريخ أصاب مستشفى سوروكا في بئر السبع، مما أسفر عن إصابة 71 شخصًا. وصف هذا الهجوم بأنه “مدمر” حيث أصاب بشكل مباشر المستشفى الذي يُعد أحد أهم المرافق الطبية التي يتم نقل الجنود الإسرائيليين المصابين إليها. ادّعت إيران أن الهدف لم يكن المستشفى نفسه، بل مقر قيادة ومعلومات الجيش الإسرائيلي ومعسكر الاستخبارات العسكرية في “حديقة جاف-يام التكنولوجية”. ومع ذلك، فإن الأضرار المباشرة للمستشفى أثارت انتقادات دولية واسعة، حيث وصف وزير الدفاع الإسرائيلي الهجوم بأنه “جريمة حرب”.
  • التطورات السياسية والعسكرية: أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن طهران ستدفع “ثمنًا باهظًا” للضربة على المستشفى. كما حذر من أن الجيش الإسرائيلي سيضرب “جميع المنشآت النووية” في إيران. في السياق نفسه، لم يستبعد نتنياهو استهداف المرشد الأعلى الإيراني، قائلًا إن “لا أحد في إيران يجب أن يحصل على حصانة”. من الجانب الأمريكي، أعلن الرئيس دونالد ترامب أنه سيتيح أسبوعين للدبلوماسية قبل اتخاذ قرار بشأن توجيه ضربة في إيران. هذا التصريح أثار توقعات بشأن إمكانية التدخل الأمريكي المباشر في الصراع.
  1. اليوم الثامن: الجمعة 20 يونيو 2025
  • تكثيف العمليات الإسرائيلية: شهد اليوم الثامن تكثيفًا ملحوظًا في العمليات العسكرية الإسرائيلية، حيث أعلنت إسرائيل أنها استهدفت عشرات الأهداف العسكرية في إيران خلال ليلة واحدة. شملت هذه الأهداف منظمة الابتكار والبحث الدفاعي في طهران، ومواقع إنتاج الصواريخ، ومنشآت عسكرية في غرب ووسط إيران. استهدفت إسرائيل أيضًا بطاريات صواريخ أرض-جو في غرب إيران، مما أسفر عن مقتل مجموعة من الجنود الإيرانيين أثناء التحرك، بما في ذلك قائد قاعدة للحرس الثوري الإيراني. كما قتلت عالمًا نوويًا في هجوم على منظمة الابتكار والبحث الدفاعي في طهران، والتي تُتهم بالمشاركة في برنامج الأسلحة النووية الإيراني المزعوم.
  • الرد الإيراني المستمر: من جهتها، أعلن الحرس الثوري الإيراني إطلاق الموجة السابعة عشرة من الصواريخ على المرافق العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك قاعدتي نيفاتيم وحتسيريم. أطلقت إيران صواريخ على بئر السبع في جنوب إسرائيل، مع تقارير أولية عن إصابات صاروخية في تل أبيب والنقب وحيفا. استخدمت إيران في هجماتها صواريخ بعيدة المدى وفائقة الثقل ضد المواقع العسكرية الإسرائيلية ومراكز القيادة والسيطرة والصناعات الدفاعية. أكدت وكالة فارس الإيرانية أن “الإصابات الدقيقة” أظهرت أن “قوتنا الصاروخية الهجومية تتنامى”.
  • الأضرار والخسائر: تم تفعيل أنظمة الدفاع الجوي في بوشهر جنوب إيران، موقع محطة الطاقة النووية الوحيدة العاملة في البلاد. كما تضررت منشأة صناعية تشارك في إنتاج ألياف الكربون في شمال إيران. أفادت وزارة الصحة الإيرانية بأن مستشفى ثالثًا في طهران تضرر، مما يجعل المجموع ثلاثة مرافق طبية تضررت خلال ثمانية أيام.
  1. اليوم التاسع: السبت 21 يونيو 2025
  • الضربة الإسرائيلية الأطول مدى: شهد اليوم التاسع تطورًا نوعيًا في العمليات الإسرائيلية، حيث نفذت القوات الجوية الإسرائيلية ضربة على قاعدة الإمام حسين الصاروخية الاستراتيجية بالقرب من مدينة يزد في وسط إيران. هذه الضربة تُعتبر الأطول مدى التي نفذتها إسرائيل منذ بداية الصراع، حيث سافرت الطائرات الإسرائيلية مسافة 2,200 كيلومتر. كانت القاعدة المستهدفة تضم صواريخ خرمشهر بعيدة المدى في أنفاق تحت الأرض، والتي أطلقت حوالي 60 صاروخًا باليستيًا باتجاه إسرائيل. قال قائد سلاح الجو الإسرائيلي اللواء تومر بار: “في وضح النهار، فاجأنا مقر صواريخ الإمام حسين في وسط إيران، أبعد هدف ضربناه حتى الآن”.
  • التطورات الدبلوماسية: في هذا اليوم، بدأت إشارات واضحة على احتمال التدخل الأمريكي المباشر، حيث ذكرت وكالة بلومبرغ، نقلًا عن مصادر مجهولة، أن كبار المسؤولين الأمريكيين “يستعدون لإمكانية توجيه ضربة لإيران في الأيام المقبلة”. هذا التطور كان بمثابة إشارة على أن واشنطن “تجمع البنية التحتية لدخول صراع مباشر مع طهران”.
  • الإحصائيات العسكرية: بحلول هذا اليوم، قدر الجيش الإسرائيلي أن إيران أطلقت 400 صاروخ و1,000 طائرة مسيرة على إسرائيل منذ بداية الصراع. من بين هذه الأعداد، أصاب فقط 20 صاروخًا مناطق حضرية ودخلت أقل من 200 طائرة مسيرة الأجواء الإسرائيلية. هذه الإحصائيات تُظهر فعالية أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية في التصدي للهجمات الإيرانية.
  1. اليوم العاشر: الأحد 22 يونيو 2025
  • دخول الولايات المتحدة الحرب مباشرة: شكل 22 يونيو 2025 نقطة تحول حاسمة في الصراع، حيث دخلت الولايات المتحدة الحرب بشكل مباشر لأول مرة من خلال عملية “مطرقة منتصف الليل” (Operation Midnight Hammer). في الساعات الأولى من صباح 22 يونيو، قامت الولايات المتحدة بقصف ثلاثة مواقع نووية إيرانية رئيسية: فوردو ونطنز وأصفهان. استخدمت الولايات المتحدة سبع قاذفات B-2 Spirit الشبحية من قاعدة Whiteman الجوية في ولاية ميزوري. الطائرات طارت لمدة 18 ساعة متواصلة مع إعادة تزويد بالوقود متعددة المرات. استخدمت العملية 14 قنبلة من طراز GBU-57A/B MOP (Massive Ordnance Penetrator) بوزن 30,000 رطل، وهي قنابل “خارقة للتحصينات” مصممة خصيصًا لتدمير المنشآت المحصنة تحت الأرض.
  • تفاصيل العملية الأمريكية: شملت عملية “مطرقة منتصف الليل” 125 طائرة إجماليًا وأكثر من 75 ذخيرة موجهة بدقة. بالإضافة إلى القاذفات، أطلقت غواصة أمريكية أكثر من 30 صاروخ توماهوك على منشأة أصفهان النووية. استخدمت العملية تكتيكات خداع متعددة، حيث انطلق بعض القاذفات غربًا كخدعة لتحويل الانتباه عن القوة الضاربة الرئيسية المكونة من سبع قاذفات متجهة شرقًا نحو إيران.
  • التصريحات الأمريكية: أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن المواقع النووية الإيرانية الرئيسية “دُمرت تمامًا وبالكامل” من جراء الضربات الأمريكية. وكتب ترامب على منصة Truth Social: “لقد نفذنا هجومنا الناجح للغاية على المواقع النووية الثلاثة في إيران، وهي فوردو ونطنز وأصفهان. جميع الطائرات الآن خارج المجال الجوي الإيراني”. صرح الجنرال دان كين، رئيس هيئة الأركان المشتركة، أن العملية كانت “أكبر ضربة عملياتية لقاذفات B-2 في التاريخ الأمريكي” وألحقت “أضرارًا ودمارًا شديدين للغاية” بالأهداف.
  • العمليات الإسرائيلية المتزامنة: بالتزامن مع الهجوم الأمريكي، واصلت إسرائيل عملياتها العسكرية، حيث استهدفت القوات الجوية الإسرائيلية قاعدة الإمام حسين الصاروخية بالقرب من “يزد” باستخدام 30 مقاتلة. الضربة دمرت صواريخ خرمشهر قبل إطلاقها وضربت الأنفاق المستخدمة لتخزين الصواريخ.
  1. اليوم الحادي عشر: الاثنين 23 يونيو 2025
  • الرد الإيراني على الضربة الأمريكية: ردت إيران على الضربات الأمريكية بإطلاق عملية “بشائر الفتح”، والتي شملت إطلاق صواريخ باليستية على قاعدة العديد الجوية الأمريكية في قطر. وقد أوردت تقارير عدة أن هذا الهجوم كان منسقًا بعناية، فوفقا لتلك التقارير أخطرت إيران الولايات المتحدة مسبقًا بالهجوم وحددت نطاق انتقامها. أعلن الحرس الثوري الإيراني أن العملية تضمنت “ضربة صاروخية مدمرة وقوية” ضد قاعدة العديد. قالت إيران إن عدد الصواريخ المُطلقة على قطر كان مساويًا لعدد القنابل التي استخدمتها الولايات المتحدة في ضربتها يوم السبت، مما يشير إلى رغبة في تخفيف التصعيد.
  • بداية المفاوضات: في أعقاب الضربات الإيرانية على القاعدة الأمريكية، أعرب الرئيس ترامب عن انفتاحه على وقف إطلاق النار، شاكرًا إيران لإخطار الولايات المتحدة مسبقًا وتحديد نطاق انتقامها. وصف ترامب التأثير الناتج عن الضربات بأنه كان محدودًا، واصفًا إياها بـ”استجابة ضعيفة جدًا”. طلب ترامب من أمير قطر الوساطة في ترتيب وقف إطلاق النار مع إيران. حصل رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني على موافقة إيران، والتي أعلنها ترامب لاحقًا للجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
  • التطورات الدبلوماسية: وافقت إيران على وقف إطلاق النار الذي اقترحته الولايات المتحدة بشأن إسرائيل، بعد محادثات توسطت فيها الحكومة القطرية.
  1. اليوم الثاني عشر: الثلاثاء 24 يونيو 2025
  • إعلان وقف إطلاق النار: في وقت مبكر من صباح الثلاثاء 24 يونيو، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسميًا وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل. كتب ترامب على منصة Truth Social: “تهانينا للجميع! تم التوصل إلى اتفاق كامل ونهائي بين إسرائيل وإيران على وقف شامل وكامل لإطلاق النار”. أطلق ترامب على المواجهة اسم “حرب الاثني عشر يومًا”، مؤكدًا أن الولايات المتحدة “تجنبت حربًا مدمرة كانت ستمتد لسنوات”. دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ رسميًا عند الساعة السابعة صباحًا بتوقيت طهران.
  • التحديات المبكرة: رفض وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في البداية إعلان ترامب، قائلًا إنه لم يتم الاتفاق على أي اقتراح لوقف إطلاق النار. ومع ذلك، صرح بأن إيران ستوقف عملها العسكري إذا أوقفت إسرائيل الأعمال العدائية “في موعد أقصاه الساعة 4 صباحًا بتوقيت طهران”.
  • انتهاكات وقف إطلاق النار: شهدت الساعات الأولى من وقف إطلاق النار توترًا، حيث ردت الدفاعات الجوية الإيرانية على الضربات الإسرائيلية المستمرة على العاصمة في الساعة 6:45 صباحًا بتوقيت طهران، وأطلقت إيران دفعة أخرى من الصواريخ على بئر السبع في الساعة 7:07 صباحًا. بعد أربع ساعات من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، شنت إسرائيل غارة جوية ضد إيران، زاعمة أنها رد على صاروخين باليستيين دخلا مجالها الجوي من إيران. تم اعتراض كلا الصاروخين، في حين أن الضربة الإسرائيلية المضادة استهدفت منشأة رادار بالقرب من طهران.
  • استقرار وقف إطلاق النار: أعرب ترامب عن استيائه من الانتهاكات المبكرة قائلًا: “أنا غير راضٍ عما حدث هذا الصباح”، مضيفًا: “لدينا طرفان يقاتلان لفترة طويلة جدًا، ولا يعرفان ما يفعلانه”. أنكرت إيران إطلاق الصواريخ، وبحلول الساعة 11:30 بتوقيت غرينتش، تم إعادة تأكيد وقف إطلاق النار.

 

ثالثا- التقييم الاستراتيجي: الحرب في بعديها العسكري والأمني

يكشف تسلسل أحداث المواجهة وما أحاط بها من سياقات متفاعلة معها، أهم أبعاد هذه الحرب: البُعد العسكري من حيث استعدادات الجانبين، والبعد الاستراتيجي والعملياتي وتطور قدرات الطرفين التكتيكية والتقنية، والبُعد الأمني والاستخباراتي المرتبط بعمليات الاغتيال والعمليات السيبرانية والاستخبارات الميدانية، والبُعد السياسي من حيث الأهداف والنتائج والانعكاسات، وصولًا إلى التحليل الاستراتيجي لأهداف كل طرف، وأساليبه وأدواته في هذه المعركة المباشرة.

(1) البعد العسكري:

يتضمن البعد العسكري الإعداد للحرب من كلا الطرفين، ونتائج المواجهة العسكرية، وتقييم آثارها على كل من طرفيها؛ وذلك على النحو الآتي:

  1. الحرب وعملياتها الرئيسة:

اشتملت الحرب على أربع عمليات رئيسة: الأسد الصاعد الإيرانية، الوعد الصادق 3 الإيرانية، مطرقة منتصف الليل الأمريكية، ثم الرد الإيراني: عملية “بشائر الفتح، أعد لها الطرفان ثم الولايات المتحدة ونفذ كل منهما خططه بشكل يكشف عن الميزان العسكري بينهم، على مستوى الأهداف والأسلحة والاستراتيجية والتكتيكات:

  • عملية “الأسد الصاعد” الإسرائيلية[7]
  • التخطيط والإعداد

كشفت المصادر الإسرائيلية أن عملية “الأسد الصاعد” كانت نتيجة سنوات من التخطيط الدقيق وجمع المعلومات الاستخباراتية والنشر المبكر للقدرات السرية في العمق الإيراني. وقد لعب جهاز الموساد دورًا محوريًا في التمهيد للعملية، حيث قام بتنفيذ سلسلة من العمليات السرية داخل إيران شملت إنشاء قاعدة للطائرات المسيرة بالقرب من طهران، وتهريب أجزاء من الأسلحة الدقيقة إلى داخل إيران، ونشر عناصر كوماندوز وأنظمة أسلحة موجهة بدقة بالقرب من أنظمة الدفاع الجوي ومواقع إطلاق الصواريخ الباليستية.

  • التنفيذ والأهداف

في الساعات الأولى من صباح يوم 13 يونيو 2025، شنت إسرائيل هجومًا واسع النطاق على إيران، حيث استخدمت أكثر من 200 طائرة حربية لإسقاط أكثر من 330 قذيفة على حوالي 100 هدف استراتيجي. شملت الأهداف الإسرائيلية منشآت نووية رئيسية مثل نطنز وأصفهان وفوردو، بالإضافة إلى قواعد عسكرية ومصانع الصواريخ الباليستية. كما نجحت العملية في اغتيال قادة عسكريين بارزين، بما في ذلك قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، ورئيس هيئة الأركان العامة محمد باقري، وعدد من العلماء النوويين.

  • التكتيكات العسكرية

اعتمدت إسرائيل في عملية “الأسد الصاعد” على مزيج من التكتيكات العسكرية المتطورة:

  • الضربة الاستباقية المفاجئة: استغلت إسرائيل عنصر المفاجأة لتنفيذ ضربة استباقية واسعة النطاق ضد إيران، مستفيدة من المعلومات الاستخباراتية الدقيقة التي جمعها الموساد.
  • تحييد الدفاعات الجوية: قامت إسرائيل بتحييد أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية قبل وصول الطائرات الإسرائيلية، من خلال استخدام أنظمة أسلحة موجهة بدقة تم نشرها مسبقًا بالقرب من منظومات صواريخ أرض-جو إيرانية.
  • استخدام الطائرات المسيرة: استخدمت إسرائيل طائرات مسيرة محملة بالمتفجرات تم تهريبها مسبقًا إلى داخل إيران، واستخدمتها لضرب منصات إطلاق صواريخ أرض-أرض في قواعد عسكرية قرب طهران.
  • الاغتيالات المستهدفة: نفذت إسرائيل سلسلة من الاغتيالات المستهدفة ضد قادة عسكريين وعلماء نوويين إيرانيين.
  • عملية “الوعد الصادق 3” الإيرانية[8]
  • الرد الصاروخي

بعد حوالي 18 ساعة من الهجوم الإسرائيلي، أطلقت إيران عملية “الوعد الصادق 3” في مساء الجمعة 13 يونيو. استخدمت إيران في ردها الأولي أكثر من 100 طائرة مسيرة وأكثر من 200 صاروخ باليستي، مستهدفة مواقع عسكرية واستخباراتية في إسرائيل. وقد استمرت إيران في إطلاق موجات متتالية من الصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل، حيث وصلت إلى الموجة “الثانية والعشرين” من “الوعد الصادق 3” تضمّنت إطلاق 14 صاروخاً على مواقع عسكرية إسرائيلية قبل وقف النار بحلول 24 يونيو.

  • الأسلحة المستخدمة

استخدمت إيران في عملية “الوعد الصادق 3” مجموعة متنوعة من الأسلحة:

  • الصواريخ الباليستية: أطلقت إيران أكثر من 400 صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل، من بينها صواريخ “سجيل” الثقيلة بعيدة المدى ذات المرحلتين.
  • الصواريخ فرط الصوتية: استخدمت إيران صواريخ “فاتح” الباليستية فرط الصوتية، التي تصل سرعتها إلى 15 ماخ وتحمل رؤوسًا حربية تصل إلى 1.5 طن، مما يجعل اعتراضها صعبًا للغاية.
  • الطائرات المسيرة: أطلقت إيران ما لا يقل عن 1000 طائرة مسيرة باتجاه إسرائيل، تمكنت إسرائيل من اعتراض حوالي 800 منها قبل اقترابها من الأجواء الإسرائيلية.
  • التكتيكات الإيرانية

اعتمدت إيران في عملية “الوعد الصادق 3” على عدة تكتيكات:

  • الهجمات المتتالية: أطلقت إيران هجماتها على شكل موجات متتالية، وصلت إلى 13 موجة بحلول 19 يونيو، بهدف إرباك الدفاعات الجوية الإسرائيلية.
  • تنويع الأسلحة: استخدمت إيران مزيجًا من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والصواريخ فرط الصوتية، مما شكل تحديًا لأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية.
  • استهداف المواقع الاستراتيجية: ركزت إيران على استهداف المواقع العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية، بما في ذلك قواعد سلاح الجو ومقرات الموساد وأمان.
  • عملية “”مطرقة منتصف الليل” الأمريكية[9]:

شهدت هذه الحرب تحولًا جذريًا في طبيعة المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، حيث تحولت من حالة العداء غير المباشر والصراع بالوكالة إلى مواجهة عسكرية مباشرة؛ حيث دخلت الولايات المتحدة المواجهة بشكل مباشر لأول مرة منذ عقود من خلال عملية “مطرقة منتصف الليل” في 22 يونيو 2025، التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية.

التخطيط والإعداد طويل الأمد

كشف الجنرال دان كين، رئيس هيئة الأركان المشتركة، أن عملية “مطرقة منتصف الليل” كانت نتيجة 15 عامًا من التخطيط والتطوير للأسلحة المطلوبة للتعامل مع منشأة فوردو المحصنة. بدأ التخطيط للعملية في عام 2004 عندما أدرك ضباط وكالة الحد من التهديدات الدفاعية (DTRA) أن الولايات المتحدة تفتقر إلى الأسلحة القادرة على الوصول بفعالية إلى منشأة فوردو المدفونة عميقًا في الجبل. هذا الإعداد طويل الأمد يعكس الطبيعة الاستراتيجية للتفكير العسكري الأمريكي، حيث تم تطوير تقنيات اختراق متقدمة خصيصًا لهذا الغرض. استثمرت الولايات المتحدة مليارات الدولارات في تطوير قنابل GBU-57 MOP القادرة على اختراق أكثر من 200 قدم من الخرسانة المسلحة.

التنفيذ والنطاق العملياتي

شملت عملية “مطرقة منتصف الليل” 125 طائرة أمريكية، مما يجعلها أكبر عملية تشغيلية للقاذفات B-2 في التاريخ الأمريكي. استخدمت العملية سبع قاذفات B-2 طارت لمدة 37 ساعة متواصلة من قاعدة وايتمان في ميزوري إلى إيران والعودة، مع إعادة تزويد بالوقود عدة مرات في الجو. أسقطت القاذفات 14 قنبلة GBU-57 MOP على منشآت فوردو ونطنز، في أول استخدام عملياتي لهذا النوع من الأسلحة. بالإضافة إلى القاذفات، أطلقت غواصة أمريكية من فئة Ohio أكثر من 30 صاروخ توماهوك على منشأة أصفهان. هذا التنسيق بين القوات الجوية والبحرية يُظهر مستوى التطور في القدرات العملياتية الأمريكية.

التكتيكات المستخدمة

اعتمدت العملية على تكتيكات خداع متطورة، حيث أُرسلت بعض القاذفات غربًا نحو المحيط الهادئ في خدعة لتحويل الانتباه عن القوة الضاربة الرئيسية المتجهة شرقًا نحو إيران. هذا التكتيك عكس مستوى التطور في التخطيط العملياتي الأمريكي والقدرة على تنفيذ عمليات معقدة متعددة الطبقات. كما استفادت العملية من التدهور المسبق في شبكة الدفاع الجوي الإيرانية نتيجة الهجمات الإسرائيلية، مما سمح للقاذفات الأمريكية بالوصول إلى أهدافها دون مواجهة مقاومة تذكر. يؤكد الجنرال كين أن أنظمة الصواريخ أرض-جو الإيرانية لم تتمكن من رصد القاذفات الأمريكية، وأن العملية احتفظت بعنصر المفاجأة طوال المهمة.

  • الرد الإيراني على المطرقة: عملية “بشائر الفتح”[10]
  • ردت إيران على الضربة الأمريكية بإطلاق عملية “بشائر الفتح”، التي استهدفت قاعدة العديد الجوية الأمريكية في قطر بعدد 19 صاروخا لم يصل إلى أرض القاعدة سوى صاروخ واحد. وقد صورت إيران الرد بوصفه صفعة ثقيلة على الوجه الأمريكي، واعتذرت رسميا لدولة قطر التي احتجت بقوة على انتهاك سيادتها، وشاركت عسكريا في التصدي للصواريخ الإيرانية باستخ\ام منصات باتريوت الأمريكية. أطلقت إيران عددًا من الصواريخ مساويًا لعدد القنابل التي استخدمتها الولايات المتحدة في ضربتها، مما يشير إلى رغبة في التخفيف من التصعيد مع الحفاظ على ماء الوجه.
  • ومن ناحية أخرى، أوردت تقارير عدة عن إخطارات إيرانية للجانب القطري والأمريكي مسبقة بالهجوم وحددت نطاق انتقامها، فيما يعرف بالدبلوماسية العسكرية. هذا الإخطار يعكس الطبيعة المحسوبة للاستراتيجية الإيرانية، التي تهدف إلى إظهار القدرة على الرد دون الانزلاق إلى حرب شاملة. هذا النهج يعكس فهمًا إيرانيًا عميقًا للتوازنات الاستراتيجية والقيود المفروضة على قدراتها في مواجهة القوة الأمريكية.

 

  1. تقييمات نتائج المواجهة العسكرية

في غضون اثنتي عشرة يومًا (13–25 يونيو 2025)، شهد الصراع المشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وإيران من جهة أخرى، خسائر فادحة على مستويات متعددة:

  1. أمّا إيران، فقد تكبّدت خسائر بشرية كبيرة، حيث أعلنت وزارة الصحة سقوط نحو 610 قتلى بينهم 263 مدنيًا، وإصابة نحو 4,870 شخصًا، شملت 13 طفلًا وخمسة من الكوادر الطبية. واستهدفت الاغتيالات المباشرة عدة قادة رفيعي المستوى؛ من بينهم رئيس الأركان العامة اللواء محمد باقري، وقائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي، وقائد القوة الجوفضائية العميد أمير علي حاجي زاده. كما قضت عملية «نارنيا» الإسرائيلية على نحو 25 عالمًا نوويًا في هجمات متزامنة على مساكنهم. على صعيد البنية النووية، استُهدفت المرافق الرئيسية في نطنز وأصفهان وفوردو، فتدمّرت آلاف أجهزة الطرد المركزي، ولاقى موقع تحويل اليورانيوم في أصفهان تدميرًا شبه كامل، في حين لحقت أضرار كبيرة بفوردو رغم صعوبة حصر حجمها تحت الأرض. أسفرت هذه الضربات عن تراجع قدرات إيران النووية سنوات عدّة إلى الوراء. وبجانب القطاع النووي، أصيب الجانب الصاروخي بخسائر جسيمة، فدُمّرت نحو 200 منصة إطلاق وأكثر من 80 بطارية أرض–جو، وانخفضت احتياطيات الصواريخ الباليستية من حوالي ألفي صاروخ إلى نحو ألف، ما أنهى أكثر من ثلث مواقع الإنتاج.
  2. في إسرائيل، أسفر جهد الدفاع الجوي عن انتزاع بعض الانتصارات التكتيكية بمعدل اعتراض تراوح بين 80 و90%، لكن نحو 20% من الصواريخ الإيرانية وطائرتين مسيّرتين اخترقت «القبة الحديدية»، مسببة أضرارًا في منشآت حيوية كمعهد وايزمان ومصفاة النفط في حيفا ومستشفى سوروكا في بئر السبع. وسقط 28 قتيلًا (27 مدنيًا وجندي واحد)، إضافةً إلى أكثر من 3,200 جريح، فيما بلغت التكلفة المادية المباشرة نحو 3 مليارات دولار وتقدّر إجمالي الخسائر بنحو 6.5 مليار دولار شاملة التعويضات والإصلاحات.
  3. أما الولايات المتحدة، فقد انضمت إلى الضربات في 22 يونيو باستخدام قاذفات B‑2 وقنابل «GBU‑57»، لكن التقارير السرية أشارت إلى أن الأهداف تحت الأرض بقيت صامدة جزئيًا، ما خفّض من الفعالية العسكرية للغارات رغم تكلفتها العالية التي تجاوزت 6 مليارات دولار لقصف فوردو وحده. هذا، وقد أثارت نتائج هذه العملية شكوكًا في مجتمع الاستخبارات الأمريكي حول مدى التأثير الحقيقي على البرنامج النووي الإيراني.
  4. بشكل عام، أنتجت هذه المواجهة توازن خسائر مرهق: فإيران دفعت ثمنًا باهظًا في أرواح كوادرها وبرنامجها الصاروخي والنووي، لكنها أبقت على قدرة رمزية عبر اختراق دفاعات خصومها. وفي المقابل، حققت إسرائيل والولايات المتحدة تدميرًا تكتيكيًا موقّتًا للمنشآت النووية، لكنهما دفعا فاتورة باهظة اقتصاديًا وأظهرا نقاط ضعف دفاعية أثارت مخاوفهما من استدامة الدفاع والردع.

 

 (2) البعد الاستخباري والأمني:

يثبت البعد الأمني-الاستخباراتي في هذه الحرب أنه محور حاسم يتفوق في أحيان كثيرة على المواجهة العسكرية التقليدية، ويتجلى ذلك في الخرق الاستخباري والعمليات السرية، وفي الحرب السيبرانية والعمليات غير التقليدية، وكذلك في إدارة التهديدات والأمن الداخلي، ويمكن إجمالها على النحو الآتي:

  1. الخرق الاستخباري والعمليات السرية:

نجحت إسرائيل، بفضل تفوقها التكنولوجي وشبكات التجسس العميقة، في تحقيق ضربات مؤلمة ضد قيادات إيرانية وازنة، بينما تكافح طهران لتعويض ثغراتها عبر القمع الداخلي وتهديد العملاء واستهدافهم، ووقد كشف هذا البعد دلالات مهمة:

  • الاختراق الاستخباري الإسرائيلي الضخم: كشفت الضربات الإسرائيلية الأولى (13 يونيو 2025) عن تغلغل عميق للموساد في البنية الأمنية الإيرانية؛ حيث قدَّمت إسرائيل في منتصف ليل 13 يونيو 2025 عملاً معقداً وواسع النطاق أسمته «الزفاف الأحمر»، استهدف القضاء على قيادات عسكرية وعلماء نوويين إيرانيين دفعةً واحدة. حيث شهدت الضربة الأولي للاحتلال عدّة عمليات اغتيال وتخريب مرتبطة بالاستخبارات. أقرّت إسرائيل علنًا بتنفيذ عدد من الضربات الاستباقية داخل إيران: فقد أعلن الجيش الإسرائيلي قتل أربعة من كبار ضباط استخبارات الحرس الثوري في ضربة دقيقة بشمال طهران[11]، كما استهدفت ضربة جوية لاحقة طهران وقتلت اللواء علي شادماني، قائد المقر المركزي للدفاعات الجوية الإيرانية (قاعدة خاتم الأنبياء) والذي كان أحد أعلى قادة النظام بعد الخامنئي[12].
  • استند المخطط، كما كشفت صحيفة وول ستريت جورنال، إلى سلسلةٍ من التدريبات والاستخبارات المتوغلة داخل إيران منذ منتصف التسعينيات، شملت تدريبات جوية لمسافة أكثر من 1,000 ميل (عملية «سْبارتان المجيدة») ومحاولاتٍ متكررة لاغتيال العلماء النوويين عبر انفجارات سرية وفيروسات إلكترونية. وركزت إسرائيل على ضرب منازل العلماء النوويين في طهران في هجمات شبه متزامنة، فاغتالت تسعة منهم قبل أن يتسنى لهم الاختباء، ولضمان عنصر المفاجأة، استُخدمت خديعة دبلوماسية: تزامن إعلان رئيس الوزراء نتنياهو عن تأجيل زفاف نجله حتى 16 يونيو مع ترويج وجود خلاف علني مع الإدارة الأميركية بشأن شن الهجوم، ما أوهم طهران بأن العملية العسكرية مرتبطة بموافقة واشنطن أو تأجيلها للمسار الدبلوماسي. وفي اللحظة ذاتها، أحبطت مقاتلاتٌ إسرائيلية أي استعداد دفاعي إيراني عبر شبكات تجسس ومواقع لطائرات دون طيار رُفِدت بعوامل لوجستية استُخرجت من حقائب وشاحنات شحن بهدف إخفائها داخل البلاد[13].
  • كما تباهى مسؤولون إسرائيليون بقيادة الجيش والموساد بعمليات “كوماندوس برية” واختراقات استخباراتية بالتعاون مع الـCIA داخل إيران، واستهداف قادة وعلماء نوويين، إلى جانب تفجيرات منشآت وطائرات مسيّرة وإنشاء قواعد سرية قرب طهران[14].
  • الفشل الاستخباري الإيراني: فشلت الاستخبارات الإيرانية في رصد التحضيرات الإسرائيلية رغم ما أوردته عدة تقارير من تحذيرات وجهت لإيران من ضربة وشيكة. ما سمح لإسرائيل بتدمير هائل للقدرات الدفاعات فضلا عن الاغتيالات الثقيلة. وردًا على ذلك، شنت إيران حملة اعتقالات واسعة ونفذت عدة إعدامات لعدد من المشتبه بهم بتهمة التخابر[15]، لكنها لم تعالج الثغرات الهيكلية.
    1. الحرب السيبرانية والعمليات غير التقليدية:
  • على الصعيد السيبراني، أعلنت قيادة الأمن الإلكتروني الإيرانية أنها صدّت «عددًا كبيرًا» من الهجمات الإلكترونية الإسرائيلية على بنيتها التحتية الرقمية[16]، وأوردت وكالة فارس الإخبارية أنَّ هجومًا استهدف بنك سبه الحكومي تحدّث عنه مؤخّرًا، وأن مجموعة معارضة تُعرف باسم «تُنْدَر» (العصفور المفترس) تبنَّت الهجوم، متهمة البنك بتمويل الجيش الإيراني، وسط هذا الصراع «الصامت»، فرضت طهران قيودًا صارمة على الإنترنت لمواجهة العمليات الاستخباراتية الإسرائيلية والتأثيرات الإعلامية السلبية.
  • وبالمقابل، يستمر جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد وقوات الأمن الرقمي) في تجنيد عملاء وجمع معلومات داخل إيران وحولها؛ وتشير تحليلات إلى انتشار خلايا استطلاعية «أرضية» واستغلال مجموعات معارضة (كمنظمة مجاهدي خلق والأكراد والبعثيين) لتسهيل عمليات ذات طابع مضاد للترسانة الإيرانية رغم صعوبة التحقق المستقلة[17].
    1. إدارة التهديدات والأمن الداخلي

اتخذت كل من إسرائيل وإيران عدة تدابير أمنية طارئة لإدارة المخاطر والتهديدات:

  • في إيران: اتخذت إيران منذ بداية الحرب مع إسرائيل سلسلة من الإجراءات الأمنية الصارمة لتأمين جبهتها الداخلية، تمثلت في قطع شبه كامل للإنترنت بهدف عزل الداخل عن الخارج ومنع التنسيق لأي احتجاجات، إلى جانب تعزيز الرقابة الإلكترونية والدعوة لحذف تطبيقات أجنبية كـ”واتساب” بدعوى استخدامها في التجسس. كما نشرت قوات الحرس الثوري وقوات الأمن الخاصة بكثافة في المدن الكبرى، خاصة طهران، وفرضت قيودًا على التجمعات ومنعت التغطيات الإعلامية. بالتوازي، فُعِّلت خطة طوارئ مدنية شملت فتح الملاجئ واستخدام مترو الأنفاق كمواقع حماية، بينما سُجلت حالات نزوح داخلي من بعض الأحياء، قرارا يمنع المسؤولين من استخدام أي أجهزة متصلة بشبكات الاتصالات العامة، بهدف تقليص خطر كشف المواقع والمعلومات الحساسة[18].
  • في إسرائيل: مع اندلاع المواجهة المفتوحة مع إيران، سارعت إسرائيل إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات لتأمين جبهتها الداخلية، شملت إعلان حالة الطوارئ وتجنيد الاحتياط، ونشر وحدات من “القيادة الأمامية” و”الحرس الوطني” لتأمين المنشآت الحيوية. كما فُرضت قيود صارمة على الحركة والتجمعات، وأُغلقت المدارس، وجرى تحويل محطات المترو والملاجئ إلى مواقع حماية يومية للمدنيين. وعلى الصعيد السيبراني، أُطلقت حملات توعية لحماية المنازل من الهجمات الإلكترونية الإيرانية، وتم تعزيز الدفاع الإلكتروني للمنشآت الكبرى. كذلك فرضت الحكومة حظرًا إعلاميًا لمنع تسريب معلومات قد تثير الذعر أو تضر بالأمن القومي. ومع استقرار نسبي في اليوم السادس، خففت إسرائيل بعض القيود تدريجيًا، لكنها أبقت على حالة التأهب القصوى، في مسعى متوازن لحماية الداخل دون تعطيل الحياة بالكامل[19].
    1. التقييمات الاستخبارية لنتائج الحرب:

أتت التقييمات الاستخبارية للحرب بنتائج متضاربة خاصة في الجانب الأمريكي والإسرائيلي لتجسد تعقيدات المشهد الاستراتيجي:

  • فعلى الجانب الأمريكي؛ قدمت وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية (DIA) تقريرًا سريًا أوليًا يتعارض مع تصريحات الرئيس ترامب حول تدمير المنشآت النووية الإيرانية. وأوضحت الوكالة أن الضربات الأميركية الثلاثة ضد مواقع فوردو، نطنز، وأصفهان لم تستهدف المكونات الأساسية للبرنامج النووي، بل أدّت فقط إلى تأجيله لبضعة أشهر. واستند هذا التقييم إلى تحليل أضرار ميادين القتال الذي أجراه المركز القيادي الأمريكي (CENTCOM)، والذي خلُص إلى أن مخزون اليورانيوم المخصب لم يتضرر والأجهزة الطرد المركزي ظلت سليمة إلى حد كبير، في حين اقتصر الأذى على المنشآت السطحية فقط[20]. سُرّب هذا التقييم ليثير خلافًا داخليًا في الإدارة الأمريكية، فوصفت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، التقرير بأنه “خاطئ تمامًا” واتهَمت مسؤولًا غير معروف في الاستخبارات بالتسريب لتقليل إنجازات الرئيس[21]. أما الجانب الإسرائيلي؛ يعتقد الجيش الإسرائيلي، في تحليل أولي، استنادًا إلى صور الأقمار الاصطناعية واستخبارات ميدانية، على أن منشأة فوردو النووية قد تعرضت لأضرار جسيمة بعد الضربة الأميركية، لكنها لم تُدمر بالكامل. وقد لوحظ عبر صور التقطتها “بلانيت لابز” و”ماكسار تكنولوجيز” نقل إيران لمعدات ويورانيوم من الموقع قبل الضربة[22].
  • ويبرز من هذا التقييم أن “الانتصار” هنا مفهوم نسبي: فواشنطن وتل أبيب روّجتا للقضاء على التهديد النووي، لكن التناقضات في التقارير كشفت فجوة بين الخطاب السياسي والواقع الميداني، ويشير اختلاف التقييمات بين الرئيس ترامب، ووكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية (DIA)، والاستخبارات الإسرائيلية إلى تصادمٍ بين الأهداف السياسية والرؤية الفنية حول مدى نجاح الضربة على منشآت إيران النووية. فقد تبنّى ترامب خطًّا شعبيًّا انتصاريًّا، عندما وصف الضربة بأنها «إنجاز باهر» قضى كليًّا على قدرات فوردو، مستندًا إلى استعمال أقوى القنابل الخارقة للتحصينات. في المقابل، أظهرت تقديرات DIA أن الأضرار الراهنة قد تؤخر برنامج التخصيب بضعة أشهر أو سنوات قليلة فقط، وأن المنشأة لا تزال قابلة للإصلاح جزئيًا، ما استدعى دعوات حكومية لاستكمال جمع المعلومات الميدانية قبل إعلان نجاح نهائي. من جهتها، أقرت الاستخبارات الإسرائيلية، استنادًا إلى صور الأقمار الصناعية والتقديرات المكانية، بأن الضربات ألحقت أضرارًا جسيمة بمعظم منشآت التخصيب، ورغم ذلك، لم تتبنى تل أبيب وصراحة رواية «التدمير الكامل» التي كرّرها ترامب، وإنما تحدثت عن تحقيق «نصر استراتيجي مؤقت» يستوجب متابعة العمليات والضربات ضد المواقع الأخرى.
  • هذا بينما ترى طهران، وفق تقرير وكالة «تسنيم»، أن القصف الجوي لمنشأة «فوردو» لا يشكل سوى تدمير جزئي رمزيٍّ لقدراتها النووية، ولا يُفضي إلى إنهائها نهائيًّا. فهي تعتمد على ثلاث ركائز لا تُمسّ بالقصف: المعرفة المحلية المتراكمة لدى خبرائها، والتكنولوجيا الذاتية لصناعة أجهزة الطرد المركزي، والاحتياطي من المواد المخصبة المنقول مسبقًا إلى مخازن آمنة. وبناءً عليه، تؤكد إيران أنه لا يمكن اختزال قدرتها النووية بضربة عسكرية، وأن الحديث عن «تدمير كامل» يعدّ بروباغندا تستهدف تقديم منجز إعلامي يُمكّن إسرائيل من الانسحاب مرفوع الرأس، بينما الواقع يَظهر أن البرنامج يملك القدرة على التعافي والتطوير بعد أي صفٍّ جزئي للأضرار[23].

__________

[1] US was ‘key player in cyber-attacks on Iran’s nuclear programme’, the Guardian, Jun 22. 2012, access: Jun 17. 2025, https://shorturl.at/wplWF

[2] سرقة “الأرشيف النووي”.. قصة أكبر عملية للموساد تقرّ بها إيران، الشرق الإخبارية، 3 أغسطس 2021، تاريخ الاطلاع: 17 يونيو 2025، https://shorturl.at/RlS1v

[3] هل اغتالت إسرائيل “عراب البرنامج الصاروخي” في إيران؟، بي بي سي عربية، 1 أغسطس 2018، تاريخ الاطلاع: 17 يونيو 2025، https://shorturl.at/6F2Jy

[4] الحكم بإعدام 3 متهمين في قضية اغتيال “أب البرنامج النووي” الإيراني، العربية، 5 نوفمبر 2024، تاريخ الاطلاع: 17 يونيو 2025، https://shorturl.at/2ZZuI

[5] تفجير مفاعل “نطنز”: مواجهة “عالية السقف” بين إسرائيل وإيران، مونت كارلو الدولية، 12 أبريل 2021، تاريخ الاطلاع: 17 يونيو 2025، https://shorturl.at/r8B5b

[6] الحرس الثوري الإيراني: الضربات الصاروخية استهدفت 150 موقعا إسرائيليا تم تحديدها مسبقا بدقة، روسيا اليوم، 14 يونيو 2025، تاريخ الاطلاع: 17 يونيو 2025، https://shorturl.at/t5pnF

[7] راجع:

– “الأسد الصاعد” هجوم إسرائيلي على إيران بحمولة دينية، الجزيرة نت، 17 يونيو 2025، تاريخ الاطلاع: 17 يونيو 2025، https://shorturl.at/8UBKI

– تفاصيل عملية “الأسد الصاعد”.. كيف هاجمت إسرائيل قلب إيران؟، 14 يونيو 2025، تاريخ الاطلاع: 17 يونيو 2025، https://shorturl.at/4txNj

[8] راجع:

– “الوعد الصادق” سلسلة عمليات عسكرية شنتها إيران ضد إسرائيل، الجزيرة نت، 14 يونيو 2025، تاريخ الاطلاع: 17 يونيو 2025، https://bit.ly/4kmdYIx

– إيران ترد بـ”الوعد الصادق 3″ على “الأسد الصاعد” الإسرائيلي، سكاي نيوز عربية، 13 يونيو 2025، تاريخ الاطلاع: 17 يونيو 2025، https://shorturl.at/qTMDG

[9] راجع:

– هبة القدسي، «مطرقة منتصف الليل»… تفاصيل عملية خداع وتضليل عسكري، الشرق الأوسط، 23 يونيو 2025، تاريخ الاطلاع: 28 يونيو 2025، https://bit.ly/44tXLvi

– رسم بياني يوضح تفاصيل عملية “مطرقة منتصف الليل”، سي إن إن بالعربية، 23 يونيو 2025، تاريخ الاطلاع: 25 يونيو 2025، https://cnn.it/4ex25hJ

[10] راجع:

– كيف أحبطت قطر هجوم إيران على “العديد” أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة؟، سي إن إن بالعربية، 29 يونيو 2025، تاريخ الاطلاع: 30 يونيو 2025، https://cnn.it/3TRgZG4

– تقارير: إيران نسّقت مسبقاً مع قطر الهجمات على قاعدة العديد، الشرق الإخبارية، 24 يونيو 2025، تاريخ الاطلاع: 25 يونيو 2025، https://bit.ly/4eti7JH

[11] إسرائيل تعلن اغتيال 4 مسؤولين كبار بالاستخبارات الإيرانية، الجزيرة نت، 16 يونيو 2025، تاريخ الاطلاع: 17 يونيو 2025، https://bit.ly/3HS7X9d

[12] إسرائيل تغتال قائد “مقر خاتم الأنبياء” في إيران، سكاي نيوز عربية، 17 يونيو 2025، تاريخ الاطلاع: 17 يونيو 2025، https://bit.ly/44h73L3

[13] “الزفاف الأحمر”.. تفاصيل خطة إسرائيل لاغتيال علماء إيران النوويين وقياداتها العسكرية، الشرق الإخبارية، 27 يونيو 2025، تاريخ الاطلاع: 30 يونيو 2025، https://shorturl.at/zcWhM

[14] مجموعات “كوماندوس برية” إسرائيلية “تحركت سرا في قلب” الأراضي الإيرانية خلال الحرب، فرنسا 24، 25 يونيو 2025، تاريخ الاطلاع: 26 يونيو 2025، https://shorturl.at/rspii

[15] راجع:

– إيران تعتقل 22 “عميلا” لإسرائيل في قم، الجزيرة نت، 21 يونيو 2025، تاريخ الاطلاع: 22 يونيو 2025، https://bit.ly/3TFTXlj

– تعاملا مع الموساد.. اعتقال “جاسوس كبير” وإعدام آخر بإيران، العربية، 16 يونيو 2025، تاريخ الاطلاع: 17 يونيو 2025، https://bit.ly/44g57Cl

[16] إيران تتعرض لهجوم إلكتروني وانقطاع للإنترنت، الجزيرة نت، 17 يونيو 2025، تاريخ الاطلاع: 17 يونيو 2025، https://bit.ly/4jUIGbz

[17] حرب إسرائيلية داخل إيران… فصول من خطط الموساد، العربي الجديد، 19 يونيو 2025، تاريخ الاطلاع: 20 يونيو 20 يونيو 2025، https://bit.ly/3TA77jS

[18] قيود على الإنترنت في إيران.. واتهام إسرائيل باستغلال الشبكة، سكاي نيوز عربية، 19 يونيو 2025، تاريخ الاطلاع: 25 يونيو 2025، https://bit.ly/3ZHaysJ

[19] Look:

– US inserts itself into Israel’s war with Iran, striking 3 Iranian nuclear sites, The Associated Press, SAM MEDNICK, AAMER MADHANI and DAVID RISING, June 22, 2025, access: June 22, 2025, https://bit.ly/3HPJP74

– Fearful of Iranian missiles, many sleep in Israel’s underground train stations, The Associated Press, June 20, 2025, access: June 22, 2025, https://bit.ly/45S5ntV

– Israel Begins to Ease Restrictions on Daily Life, Dov Lieber And Anat Peled, Jun 18, 2025, access: Jun 22, 2025, https://on.wsj.com/4k0amMo

[20] تقييم استخباراتي: الضربات الأميركية أخرت برنامج إيران النووي ولم تدمره، الشرق الإخبارية، 25 يونيو 2025، تاريخ الاطلاع: 30 يونيو 2025، https://shorturl.at/BKRS0

[21] تفاصيل تسريب المخابرات.. ضربة أميركا على إيران “غير مدمرة”، سكاي نيوز عربية، 25 يونيو 2025، تاريخ الاطلاع: 30 يونيو 2025، https://shorturl.at/s2kQm

[22] تقييمات أميركية وإسرائيلية: منشأة فوردو النووية لم تدمر بالكامل، الشرق الإخبارية، 22 يونيو 2025، تاريخ الاطلاع: 30 يونيو 2025، https://shorturl.at/34Nz3

[23] تقرير وكالة تسنيم الإيرانية يعرض تفاصيل هامة بخصوص ضرب مفاعلات إيران النووية و أهمها فوردو، وكالة تسنيم الإيرانية، 23 يونيو 2025، تاريخ الاطلاع: 30 يونيو 2025، https://shorturl.at/yLxoS

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى