مداخل فهم المجتمع المصري 1: المدخلان الاقتصادي والاجتماعي

 

ملتقى الحضارة الثاني 

“مداخل فهم المجتمع المصري 1: المدخلان الاقتصادي والاجتماعي”

27/02/2008

    

انطلاقًا من الغاية التأسيسية لعقد الملتقى العلمي لمركز الحضارة، والتي ترمي إلى مد جسور التواصل بين دائرة المهتمين والباحثين في المنظور الحضاري الإسلامي للمعرفة

، ووصل رحم العلم بينهم بمختلف تخصصاتهم ومستوياتهم السنية والمعرفية، يأتي اللقاء الثاني للملتقى ليجمع هؤلاء في نقاش وتواصل وتواصٍ بالحق ورؤى تفعيل حول ما يهتمون به أو يهمهم من قضايا وموضوعات فيشكلون دائرة وعي وسعي إزاءها “كأنهم بنيان مرصوص”.

ولما كان اللقاء الافتتاحي قد دشن فاعليات الملتقى بوضع اللبنة الأولى بتدبير مسئوليات الباحث الإنسان، فإن اللقاء الثاني للملتقى قد اقتفى أولويات مسئوليات ذلك الباحث الإنسان فوجدها تبدأ من دوائره الأقرب وأن هموم وطنه هي ألح مسئولياته وبواعث شجونه، وأن أول خطوة نحو اضطلاع الباحث الإنسان بمسئولياته هي إيجاد تفسيرات وحلول لقضايا وهموم مجتمعه.

ومن ثم جاءت كلمة إدارة المركز والملتقى لتوضح الصلة بين الرؤية والأهداف التي تأسس عليها هذا الملتقى العلمي وبين سلسلة لقاءاته: الأول (مسئوليات الباحث الإنسان)، والحالي (مداخل فهم المجتمع المصري: 1)، واللاحق (مداخل فهم المجتمع المصري: 2)؛ بدءًا من نقطة تلاقت حولها أفكار وعقول أعضاء الملتقى، وتتعلق بضرورة التأكيد والتفعيل لمسئوليات كل منا باعتباره “باحثًا إنسانًا”، إلى الانطلاق إلى أقرب دوائر اهتمام ومسئوليات ذلك الباحث الإنسان ألا وهي أحوال وطنه ومجتمعه الأقرب.

وانطلقت رؤية هذا اللقاء الثاني -تحت عنوان: “مداخل فهم المجتمع المصري”، من تعدد المداخل والاتجاهات والاقترابات والمفاهيم والنماذج النظرية والعملية التي يمكن لنا من خلالها -ليس فقط رصد ووصف وتقويم وتفسير حال المجتمع المصري- بل وتفعيل لأدوات وإجراءات التغيير والتطوير فيه، وفق ما تمتلكه قوى الإصلاح المختلفة من إمكانات وطموحات.

          وقد شمل جدول أعمال هذا اللقاء: كلمة إدارة المركز، والكلمات الأساسية، ومداخلات الحضور من الأعضاء، ثم ختام اللقاء.

 

أولاً- كلمة إدارة المركز:

كما أشرنا جاءت الكلمة الافتتاحية واصلة بين الأهداف التأسيسية للملتقى (وأهمها هدف التواصل والتواصي بين مجموعة الأعضاء في الملتقى) والدواعي والسياقات العالمية التي تحث كل مجموعة فيه على التكتل والاصطفاف في سبيل تفعيل رؤاها وقيمها كأنهم بنيان مرصوص.. ومما جاء في هذه الكلمة:

– أن اختيار موضوع “مداخل فهم المجتمع المصري” لسلسلة من لقاءات الملتقى جاء تفعيلاً لحمل كل عضو في الملتقى جانبًا مهمًا من مسئولياته كباحث عليه فهم مجتمعه والاضطلاع بدور إيجابي فيه.

– أن مداخل فهم المجتمع المصري وإن قُسمت بمعايير مجالية (اقتصادي، سياسي، ديني، أدبي،…) إلا أن ثمة مداخل أخرى قد تكون جزئية أو بينية أو جامعة تسهم في تجميع أجزاء صورة الحالة المصرية التي باتت هلامية الملامح.

– أن علينا أولاً رصد مداخل فهم مجتمعنا -وإن كان منها العلمي المحكم وغير العلمي المبنيّ فقط على انطباعات وقتية- حتى نرى أولاً كيف يدرك كل منا ظواهر مجتمعه، ثم لننطلق إلى ترشيح وتقويم تلك المداخل وتصنيفها واستبعاد غير المناسب منها وإدماج الجزئي منها في الأشمل منه…

– أن هذه الخطوات تنفعنا كباحثين ومهتمين بشكلٍ عام في تشخيص وتحليل وتركيب وتفسير مختلف الظواهر من حولنا.

– أن لقاء اليوم أُختير له أن يجمع بين أمرين مهمين:

* أولهما- التأكيد على تنوع فاعليات الملتقى بين عروض كتب، ومحاضرات،     وخبرات عملية…

 * ثانيهما- أن نماذج المداخل التي تعرض ككلمات أساسية خلال الملتقى لابد وأن تتميز بالثراء والشمول والعمق.

– ومن هذين الأمرين، كان اختيار فاعليات هذا اليوم بين:

* عرض كتاب: ماذا حدث للمصريين (لـ د. جلال أمين) ويعرضه أ. عبد الله عرفان (المعيد بقسم الإدارة بكلية التجارة جامعة الأزهر). فرغم التخصص الاقتصادي لصاحب الكتاب، إلا أنه يجمع الجانيين الاجتماعي والثقافي كما يتميز بسهولة الأسلوب، وعمق التحليل، بل ويعتبر مرجعًا لكل من يريد البحث في المجتمع المصري وأبعاد فهمه.

* عرض خبرة عملية: العمل في دار الإفتاء المصرية، ويعرضها د. عمرو الورداني (مدير إدارة التدريب بدار الإفتاء المصرية) وهي خبرة تتميز بالثراء، كما تتميز بجمعها بين المدخلين: الديني الشرعي والمجتمعي؛ باعتبار أن مجمل القضايا التي تعرض على دار الإفتاء المصرية تمثل عينة نموذجية لفهم تطورات وأبعاد المجتمع المصري.

 

ثانيًا- عرض كتاب: ماذا حدث للمصريين:

وشمل العرض ما يلي:

– بدأ الأستاذ عبد الله عرفان عرضه للكتاب، الذي قام فيه بقدر كبير من الجهد في القراءة والتلخيص والنقد، بدأ بالتعريف بمؤلف وطبيعة كتاباته ثم تعريف عام بالكتاب من حيث: شمول تحليله لأهم أبعاد وظواهر المجتمع المصري خلال نصف قرن، الطبيعة الفكرية غير الأكاديمية للكتاب، بروز الإطار المعرفي الحاكم للمؤلف داخل الكتاب في: مستويات وأدوات تحليله، أطر تفسيره، مفاهيمه…

– جرى استعراض مختصر لأهم الأفكار التى حملتها فصول الكتاب الثمانية عشر والتي حملت عناوين ظواهر انتشرت في المجتمع المصري من 1945- وحتى بدايات القرن 21، والتي أرجعها إلى متغير أساس –وليس وحيدًا- هو الحراك الاجتماعي الذي حدث على خلفية الانقسام الطبقي.

– وجرى استعراض عوامل الحراك الاجتماعي عبر مرحلتي ما قبل ثورة 1952 (دور التعليم، سياسات الثورة) ومرحلة الانفتاح الاقتصادي (انحسار دور الدولة، الهجرة لدول النفط، التضخم).

– ثم تم استعراض الآثار والمآلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية الحراك الاجتماعي عبر المرحلتين (ما قبل 1950، ما بعد 1970): شيوع الاستثمار غير الإنتاجي، شيوع مظاهر الترفيه: التصيف، اقتناءِ سيارات فخمة، وموبايل، زيادة معدلات الهجرة للمدن، التغريب مثل الحرص على تقليد الأجنبي وأنماط استهلاكه والعمل عنده، ثقافة الاستهلاك وقيم السوق: الفهلوة، المحسوبية، الرشوة، الفساد، اللامبالاة، مقابل تراجع قيم: الأسرة، إتقان العمل، الحِرَفية…

– هذا، وإذا كان الحراك الاجتماعي والانقسام الطبقي –في وجهة نظر د. جلال أمين- هو التفسير الأساسي الذي يرتكن له الكتاب، فإن شمولية طرحه قد أعطت له حجية كبيرة، وإن كانت لا تخلو من انتقادات.

– الانتقادات التي تُثار حول الكتاب تستدعي قراءات من مداخل وأطر معرفية أخرى حاولت تفسير المجتمع والشخصية المصرية، مثل كتابات: المسيري، وجمال حمدان وغيرهما.

– اختلاف قارئ الكتاب مع أدوات ومستويات تحليل د. جلال أمين للمجتمع المصري يدعو ذلك القارئ ويدعونا لطرح أدواتنا ومداخلنا أو مستويات تحليلنا له، وما تُنتج من تفسيرات لفهم المجتمع المصري.

 

ثالثًا- عرض خبرة عملية: دار الإفتاء المصرية عدسة رؤية ومدخل تفسير للمجتمع المصري:

لم يكتفِ د. عمر الورداني أن تكون دار الإفتاء المصرية في تناولنا لمداخل فهم المجتمع المصري مجرد أداة أو عدسة رصد في هذه الحالة، معتبرًا أن هذا يمثل اختزالاً لدور ووضع الإفتاء في هذا السياق. واعتبر أن عملية الإفتاء تصلح كمدخل تفسير. وفي هذا الإطار طرح عددًا من النقاط:

– اعتبر أن “خماسية كون- Thomas cohen” الشهيرة معيار للحكم على مدى صلاحية مدخل محدد للتفسير.

– أن عملية الإفتاء بمراحلها الأربع: التصوير والتكييف والحكم ثم مرحلة إصدار الفتوى تمثل انطباقًا عمليًا ونظريًا لمعيار الحكم الخماسي (خماسية كون).

– كتب الفتاوى تمثل مرصدًا للمجتمعات التي ظهرت فيها، ومن ثم فإن كتب الفقه وكتب الفتاوي تمثل مكملاً من أهم مكملات الرصد التاريخي والاجتماعي للمجتمعات المسلمة عبر العصور؛ إذ ترصد تاريخ الطبقات الدنيا في المجتمع.

– رصد وتفسير لبعض ظواهر المجتمع المصري من خلال حالات وأنماط الفتوى:

                   * الفتاوى الاستهلاكية واستهلاك الفتاوى: (الهاتف الإسلامي، هلع الناس وكثرة أسئلتهم في كل الأمور،…)

                   * فتاوى الإهلاك وفتاوى التهليك: أن يطلب المستفتي من الشيخ أن يشدد عليه، أو أن يتخذ الشيخ التشدد منهجًا له، وهنا تكمن خطورة ذلك على المجتمع؛ إذ يؤدي التشدد الديني إلى مزيد من علمنة المجتمع بعزله عن الدين.

                   * الفتاوى الإعلامية وإعلام الفتاوى: فصار الشيخ الذي يفتي مهددًا إما بالإفتاء حسب ما يتوافق مع ما صار سائدًا في المجتمع أو مقتضيات كونه نجمًا إعلاميًا مثلاً…، كما أصبح الإعلام يحث الناس على الفتوى في كل الأمور.

 مع ملاحظة أن المتحدث (د. الورداني) أكد على أن وصفنا لهذه الحالة لا يجب معه الاستسلام –ولو ضمنيًا- إلى تحول الإعلام من أداة اجتماعية إلى أداة تحكم في المجتمع، وبالتالي لا يصير مبحث إعلام الفتوى علمًا مستقلاً بل يظل مبحثًا في علم اجتماع الفتوى.

 

رابعًا- مداخلات الحضور: الاتجاهات والقضايا:

وشملت الآتي:

– إلى أي مدى تصلح “الطبقة” كأداة ومستوى تحليل للمجتمع المصري كما طرحها كتاب د. جلال أمين؟ ومن ثم، هل التناول من مدخل محدد يعد أحادية في التحليل والتفسير؟

– أن لفظة “مداخل” المطروحة في عنوان اللقاء كلمة تجمع عدة معانٍ لكلمات بينها تداخل لكنها مكملة لبعضها البعض ولا يمكن الاكتفاء بواحدة منها ولا عدم الجمع بينها إن أردنا منظارًا أوسع لتحليل وتفسير وفهم الظواهر المختلفة في المجتمع المصري أو غيره: فقد نقترب من الموضوع من زاوية رؤية أو مجال تخصص أو مقترب محدد أو مفهوم ذي دلالة تفسيرية وتحليلية أو نموذج Paradigm (كما طرح د. عمرو الورداني).

– هل ما قدمه د. جلال أمين في كتابه يعد تناولاً لعينات ممثلة للمجتمع المصري أم هو استقراء للمجتمع في الفترة المحددة، أم هو استقراء جزئي؟

– لكل مدخل صلاحية مع ما يناسبه من ظواهر، ويستحيل على مدخل واحد أن يفسر كل الظواهر. لكن على كل صاحب مدخل أو مجال أن يُلم بغيرها حتى يُثري تحليلاته وتفسيراته للظواهر محل اهتمامه أو تخصصه.

– أهمية الاعتبار لبعض المداخل أو زوايا النظر الجزئية في تفسير حال المجتمع المصري، مثل:

          * مدخل اللقطات (الذي اعتمده د. سيف الدين عبد الفتاح في كتابه عن دفاتر المواطنة المصرية) من التقاط ظواهر محددة تكشف وتقوم وتفسر حال المجتمع المصري.

          * مدخل الأدب الشعبي: النكتة مثلاً.

          * العولمة كمفهوم دال: حيث السياق العالمي وما ألمّ بكل المجتمعات، ومن آثارها تراجع الطبقة الوسطى عالميًا.

          * الذاكرة التاريخية والاجتماعية للشعب المصري.

          * المقولات الخلدونية كمدخل تفسير (الولع بالغالب، الترف والظلم باعتبارهما مؤذنيْن بخراب العمران).

          * المدخل الجغرافي-الجيولوجي: جمال حمدان والطبيعة النهرية لشعب مصر.

          * الفرد الأمة: وفق الطرح القرآني كمدخل لعلاج وحل أحوال الوطن والأمة؛ إذ هو الفرد الذي تلتف حوله الناس ويكون نموذجًا وقدوة لهم…

– أهمية أن ننتقل في مراحلنا في فهم المجتمع المصري من مرحلة الرصد والوصف ثم التصنيف إلى مرحلة التقويم ثم التفسير…

– أنه غالبًا ما تُنسى مرحلة التقويم والتصنيف رغم ما بها من أهمية بيان الإيجابي والسلبي رغم أن هذا البيان يعتمد عليه بناء خطط وأسس الحلول والإجراءات، فتصنيف مظاهر سلبية مثل: شيوع قيم الخوف والاستخفاف، الاستسهال وفقدان المهارة والكسل والنظرة الفورية للأمور وفقدان قيمة العمل الجماعي، مقابل رصد وتقويم مظاهر إيجابية في المجتمع مثل: تدين المصريين، حب المصريين وبحثهم عن أي ثغرة أمل في الإصلاح.

– لابد من رؤية تجمع زوايا نظرنا وتفسيرنا للأمور: فحدث مثل فوز مصر السادس بكأس الأمم الإفريقية له جوانب إيجابية عدة عملت على إعادة إبراز قيم سامية في المجتمع كادت تندثر؛ أما الجانب المهرجاني الذي ثم وظيفه عبر الإعلام لإلهاء المصريين واللعب بعقولهم، فهو لا يعدو جانبًا مظلمًا لا يجب أن يُغمض أعيننا عن أبعاد جمال المشهد.

– لابد وأن نخرج عبر سلسلة لقاءات الملتقى حول مداخل فهم المجتمع المصري بوعي بالثابت والمتغير في المجتمع المصري؛ حتى يمكننا تفعيل دورنا في إصلاحه.

– أن أهمية الحالة المصرية في الرصد والتحليل والتفسير في إطار الاهتمام الكلي بقضايا وأحوال الأمة الإسلامية لنا كجماعة بحثية، تنبع من كون الحالة المصرية تمثل نموذجًا “model” تعبر عن حال الأمة، وإن كان هذا لا يجب أن يجعلنا ننزلق إلى “النظرة الشوفينية” للأمور.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى