ولكم في القصاص حياة ولو بعد حين
حكم تاريخي بإدانة قائد ومجرم الحرب الصربية
بعد عشرين عامًا من اتفاقية دايتون “للسلام” في البوسنة التي توقفت معها حرب شهدت أفظع الجرائم ضد الإنسانية وخاصة ضد مسلمي البوسنة، وبعد ثمانية أعوام من القبض على سفاح البوسنة الصربي رادوفان كارجيدس (أي بعد 12 عام من وقف الحرب) استغرقتها محاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية، أصدرت المحكمة في 24/3/2016 حكمًا بإدانته في جرائم الحرب في سربرنيتشا (12-13/7/1996) وفي حصار سراييفو ولم تستطع إدانته بجرائم الحرب عبر البوسنة كلها.
لم يتم القبض على المجرم إلا بعد 12 عامًا من توقف جرائمه، ولم تتم إدانته عن كامل جرائمه لعدم توافر الأدلة، وأخذت المحكمة في الاعتبار (وفق النص الذي قرأه رئيس المحكمة)، عدة أمور للنظر في تخفيف العقوبة، ألا وهي استقالته من كافة مناصبه منذ 1996 (وفق اتفاق مع ريتشارد هولبروك المبعوث الأمريكي الذي أدار مفاوضات السلام في مرحلتها الأخيرة)، ولأنه أحسن السلوك خلال مدة حبسه تحت المحكمة، ولأنه أعلن عن أسفه وندمه على ما ارتكبه من جرائم…، وصدر الحكم بالسجن 40 عامًا…
إنها “العدالة الدولية” وفق القانون الدولي صدر حكمها في لاهاي، في عقر دار أوروبا المتباهية دومًا بريادتها في حقوق الإنسان والمواطنة. صدر حكم بعد 20 عامًا من توقف مجازر البوسنة التي وقعت في قلب جنوب شرق أوروبا (البلقان) واستمرت لأربع سنوات حتى أراد أو استطاع “المجتمع الدولي” الضغط لوقفها وكان ثمن هذه الحرب غاليًا وحزينًا وقاسيًا من الناحية الإنسانية، ولم يكن الاتفاق السياسي إلا محصلة توازنات سياسية وعسكرية على الأرض. فلقد ظل الكبار الأوربيون والأمريكيون يراقبون “الساحة” والناس يقتلون ببشاعة حتى تحين لحظة “التسوية الممكنة” ليتم فرضها من أعلى وبإدارة دولية… إنها الواقعية السياسية، إنه السلام الدامي بشروطـ، أو قل إنها اللاقيمية واللاأخلاقية الإنسانية لصالح براجمتية سياسية كبرى تعطي للتوازنات وللمصالح الأولوية على حساب “الإنسان” والقيم التي يتشدقون بها.
ولذا فإن الحق لا بد له من قوة تحميه لتحفظ وتؤكد قوة الحق، في مواجهة عدوان القوة الغاشمة.
ولقد ظل البوسنيون حريصون على حقوقهم ويتسلحون بكل أنواع القوة لإدانة قتلَتهم وتأكيد استمرارهم جزءًا من نسيج البلقان التاريخي يأبى على الاستئصال، لقد جعلوا ذكرى مذبحة سربرنيتشا في 12 يوليو من كل عام ذكرى قومية لهم، يُذكِّرون بها العالم أنه وقف متفرجًا ولم يتدخل كباره بالسرعة المطلوبة أو الدرجة المطلوبة لإنقاذهم من الإبادة.
إن القصاص ولو بعد حين ولو بأيدي الجنائية الدولية أفضل من لا شيء. ليس بالنسبة لضحايا البوسنة من كل نوع فقط، ولكن للإنسانية كلها. وللمدافعين عن حقوق الإنسان ضد كافة الانتهاكات.
أقول: استمروا في نضالكم الحقوقي المدني فله مردود سياسي وقانوني ولو بعد حين، ولكن الأهم هو المردود الإلهي. فالأكثر أهمية أن قصاص الله أقوى نصير للمستضعفين في الأرض الذين يقولون ربنا الله وانصرنا على القوم الظالمين.
وستظل حقوق أخرى للإنسانية معلقة في رقبة طغاة ومستبدين وقتلة آخرين. لم تستطِع أو لم ترغب “الجنائية الدولية” في إحكام القبضة عليهم. لم يجدوا الأدلة أو لم تتوافر الشروط القانونية رغم أن العالم يشهد على جرائمهم ورغم تعدد الإدانات الحقوقية لهم.
ألم يدرك بعدُ الأوربيون والأمريكيون والروس حقيقة جذور الإرهاب التي تطرُق أبوابهم!!!
إنه ليس “إرهاب الإسلام” ولكنه إرهاب الحكام المستبدين متحالفًا مع المتطرفين العنصريين ضد الإسلام والإسلامية والمسلمين سواء في الشرق أو الغرب.