موقع القضايا الثقافية للعالم الإسلامي على أجندة المؤسسات الثقافية

مقدمة

عندما نتكلم عن القضايا الثقافية للعالم الإسلامي فإننا نقصد بذلك هموم ومشاكل الأمة الإسلامية التي تتعلق بمكونها الثقافي والحضاري، والتي يندرج تحتها العديد من العناصر التي تخص الدين وشريعته وقيمه، وأيضا اللغة والفكر والهوية، والتي تعبر جميعها عن الانتماء للمرجعيات الكامنة في أصول الثقافة. ويرتبط بتلك العناصر، التي تحوي قيمًا خاصة بالعالم الإسلامي وحضارته، أنشطة وفعاليات تعبر عن النبض الثقافي لهذا العالم مثل الممارسات الفكرية وأنشطة المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية مثل الندوات والمؤتمرات وورش العمل وما إليها، وأيضا ما يترجم ذلك من إعلام مقروء ومسموع ومرئي ومعلوماتية وتقنية داخل وخارج الأمة الإسلامية.
ولعل ما دفع بنا إلى تناول القضايا الثقافية للعالم الإسلامي هو الكشف عن تلك الحالة الثقافية للأمة الإسلامية التي باتت تواجه تحديات كثيرة في ظل العولمة والثورة المعلوماتية والاتصالية والتطور الكبير في وسائل الإعلام المسموع والمرئي، وأيضا التوابع المؤثرة عليها جراء الأحداث العالمية والإقليمية المحيطة بالأمة والتي نفذت إلى داخلها بل وأصبحت تمثل خطرًا على الهوية الثقافية لها، وهو ما يستدعي وجوب أن تعد العدة حتى تواكب تلك التحديات وتحافظ على المكون الرئيسي لثقافتها وحضارتها من المخاطر المحدقة بها.
ومن واقع اهتمام المؤسسات الثقافية العالمية والإقليمية بالمجالات الثقافية التي تهم الإنسان في ثقافته ووعيه وهويته قمنا برصد بعض قضايا العالم الإسلامي للكشف عن موقعها على أجندة اهتمام تلك المؤسسات من جانب، ومدى فاعلية تناول هذه الأخيرة لتلك القضايا وما نتج عنها من جانب آخر، ويأتي على رأس المؤسسات الثقافية العالمية محل الرصد منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، أما المؤسسات الإقليمية ذات الصلة فيأتي على رأسها المنظمتان الإسلامية والعربية للتربية والثقافة والعلوم (الاسيسكو والالكسو).

أولا- التعريف بالمنظمات محل الرصد وأهدافها:

1- اليونسكو:
تعد منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم، والمعروفة اختصارًا باسم اليونسكو، إحدى المنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة. ويقع مقرها الدائم في باريس، ولها أكثر من 50 مكتبًا وعدة معاهد تجريبية حول العالم، كما أن لها عدة برامج أساسية تدور حول التربية والتعليم والعلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية والاجتماعية والثقافة والاتصالات والإعلام، وتدعم العديد من مشاريع محو الأمية والتدريب التقني وبرامج التأهيل وتدريب المعلمين وبرامج العلوم الطبيعية والمشاريع الثقافية والتاريخية واتفاقيات التعاون العالمي للحفاظ على الحضارة العالمية والتراث الطبيعي وحماية حقوق الإنسان.
ولعل من أبرز أهدافها العمل على تحقيق السِلم والأمن الدوليين عن طريق تشجيع التعاون بين الشعوب المختلفة في المسائل الثقافية والتعليمية بما يؤدي إلى احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية له حول العالم، وأيضا تقديم المعرفة المشتركة والتفاهم بين الشعوب باستخدام وسائل الاتصال والإعلام ونشر الثقافة بين الشعوب عن طريق تشجيع التعليم والثقافة ونشر العلوم والأفكار وجعلها متاحة للجميع وتقديم المساعدات اللازمة لتحقيق ذلك لكل الدول والشعوب. هذا فضلا عن إعلان قائمة مواقع التراث الثقافي العالمي سواء كانت مواقع طبيعية أو تاريخية وحمايتها والحفاظ على سلامتها.

2- الإسيسكو:
جاء إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، التي تم الاتفاق على ميثاقها المنشيء في مارس عام 1972، بغرض الحفاظ على القيم الروحية والاجتماعية الإسلامية وتعزيز التضامن الإسلامي في مختلف المجالات. وكان من بين الأجهزة الفرعية المهمة لها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة والمعروفة اصطلاحًا باسم (الإسيسكو) اختصارًا لاسمها باللغة الإنجليزية Islamic Educational, Scientific and Cultural Organization.
ويقع مقرها في مدينة الرباط بالمغرب. وقد تطورت فكرة إنشائها كجهاز إسلامي يختص بقضايا التربية والعلوم والثقافة عبر مراحل عديدة، بدأت باجتماعات المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية في دوراته الثامنة وحتى الحادية عشرة إلى أن تم التصديق في مؤتمر القمة الإسلامي الثالث على قرار إنشاءها وحث الدول الأعضاء على دعمها والانضمام إليها وهو ما استغرق أربع سنوات كاملة منذ عام 1978 وحتى عام 1981، وذلك بهدف دعم الثقافة الإسلامية، وحماية التراث الإسلامي، والتعريف بالحضارة الإسلامية، وجعل الإطار العام لمناهج التعليم مستوحى من الثقافة الإسلامية.

3- الأليسكو:
لم تغفل جامعة الدول العربية ضرورة دعم التعاون العربي في مجالات الثقافة فانبثقت عنها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم المعروفة اصطلاحًا بالإليسكو اختصارًا لاسمها باللغة الانجليزية Arab League Educational , Cultural and Scientific Organization ، والتي تأسست بموجب المادة الثالثة من ميثاق الوحدة الثقافية العربية في 25 يوليو 1970.
وتنص المادة الأولى من لائحة المنظمة على أن أهم أولوياتها يتمثل في دعم التقارب والاتحاد العربي عن طريق تشجيع التعليم والثقافة والعلوم بين دوله، ورفع المستوى الثقافي فيه، وتحديث وصيانة التعليم والتربية والثقافة والعلوم والاتصال، ورعاية ودعم اللغة العربية والثقافة الإسلامية داخل وخارج الدول العربية، ومد جسور للحوار والتعاون بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافات الأخرى.
ولتحقيق ذلك كان عليها العمل على الاستفادة من الخبرات والمعلومات ونشرها بين بلدان العالم العربي ومؤسساته البحثية العلمية، والوصل بينها وبين باقي المنظمات العربية المتخصصة في شتى المجالات والحفاظ على الطاقات الموجودة وتطويرها وتشجيعها والاستفادة من العقول العربية المهاجرة وبناء قاعدة ثقافة علمية واسعة ومراكز علمية وبحثية متقدمة وربطها بمراكز الإنتاج وتوفير رأس المال اللازم لذلك.

ثانيًا- القضايا محل اهتمام المنظمات الثلاث:

1- القدس:
هي المدينة العربية الإسلامية العريقة تاريخيًا وثقافيًا والتي لها مكانة خاصة في قلوب المسلمين في شتى أنحاء العالم فهي أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى النبي (صلى الله عليه وسلم) في رحلة الإسراء والمعراج. وقد ابتليت منذ أن وطأت أقدام الاحتلال الإسرائيلي أرضها المباركة بمحاولات مستمرة لا تتوقف لطمس معالمها العربية الإسلامية واستبدالها بمعالم يهودية توحي للآخرين بأنها ليست عربية إسلامية على خلاف الحقيقة، فأصدر قانونًا في 31 يوليو 1980 باعتبار القدس عاصمة له على خلاف كافة قواعد القانون الدولي ذات الصلة والتي لا تجيز للمحتل أن يغير الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي حال من الأحوال. وتبع ذلك إجراءات إسرائيلية عديدة في اتجاه تهويد القدس، مثل الهدم المستمر لبيوت المقدسيين، وإقامة المستوطنات اليهودية التي أصبحت تحاصر المدينة والأحياء العربية داخلها، واستبدال أسماء يهودية بأسماء المدن والأحياء العربية فيها، والاستيلاء على المعالم الثقافية مثل باب المغاربة والحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح، فضلا عما تقوم به من حفريات تحت المسجد الأقصى بزعم البحث عن هيكل سليمان الأمر الذي يهدد بتخريب المسجد الأقصى وهدمه.
وإزاء تلك الإجراءات الإسرائيلية المستمرة جاء رد الفعل من قِبل المؤسسات السياسية العالمية كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهما لا يتعدى كونه قرارات شجب وإدانة أو توجيه اللوم، وعلى ذات الشاكلة سارت ردود أفعال المؤسسات السياسية العربية والإسلامية كالجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وقادة سياسين عرب ومسلمين وقيادات دينية متذبذة بين الشجب والإدانة ومطالبات للمجتمع الدولي بالتحرك دون أن يكون هناك إجراءات فعلية على أرض الواقع لمنع ذلك أو مقابلته بإجراءات عربية مضادة لدعم البنية العربية الإسلامية في المدينة ودعم معالمها الثقافية والحضارية بأساليب وطرق مختلفة في مواجهة محاولات التهويد المستمرة.
وفي إطار رصدنا لمواقف المؤسسات الثقافية الثلاث محل البحث مما يحدث في مدينة القدس نستعرض مواقفها تباعًا من هذه القضية.

اليونسكو وقضية القدس:
تراوحت ردود فعل المنظمة في العام محل الرصد بين القلق لما تقوم به إسرائيل من إجراءات مثلما جاء على لسان مديرة المنظمة ردًا على قرار إسرائيل ‏ شمول موقعين فلسطينيين، هما الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح، ضمن برنامج التراث الوطني في إسرائيل. وبين دعوة مجموعة من خبراء الآثار من الأردن وإسرائيل لتداول الأفكار –فقط- حول كيفية سير عمل المنظمة فيما يخص تراث القدس الثقافي. ومن المعلوم أن مدينة القدس تعد وفقًا لاتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي في العالم، والتي تضم 890 مَعلَمًا، من بين الأماكن المهددة بالخطر المُدرجة على تلك القائمة منذ عام 1982، حيث ما فتئت المدينة منذ وقوعها تحت نير الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 تتعرض بشكل يومي تقريبًا لمحاولات طمس وتخريب معالمها الثقافية العربية الإسلامية.
وكانت النقطة الفاصلة، والتي لم تجد ترحيبًا لدى إسرائيل وحلفائها، ما جاء في قرارات المنظمة في دورتها الـ185 في أكتوبر 2010، والتي واجهت فيها المجموعة العربية والإسلامية صعوبة كبيرة في حشد الأصوات لتأييد القرارات الخمسة الخاصة بالأراضي المحتلة، وقد وصلت تلك الصعوبات إلى حد تهديد الولايات المتحدة بمنع مساهمتها في ميزانية المنظمة إذا استمر التصويت عليها أو استطاعت المجموعة العربية الإسلامية حشد التأييد لها.
وقد خص القرار الأول من هذه القرارات الخمسة منطقة باب المغاربة التي استولت عليها إسرائيل وبنت فيها الحي اليهودي؛ حيث دعا القرار سلطة الاحتلال إلى تمكين خبراء فلسطين والأردن من الوصول إلى منحدر باب المغاربة دون تعطيل أو عوائق، وعدم اتخاذ إسرائيل إجراءات تنال من أصالة الموقع وسلامته وفقًا لأحكام اتفاقية التراث الثقافي والطبيعي واتفاقية لاهاي بشأن حماية الممتلكات الثقافية في حال وقوع نزاع مسلح. وقد جاءت نتيجة التصويت على هذا القرار متمثلة في تأييد 31 صوتًا له، واعتراض 5 أصوات عليه، وامتناع 17 دولة عن التصويت.
أما القرار الثاني، فقد أعرب عن القلق إزاء الحفريات التي تقوم بها إسرائيل وتأثيرها على المسجد الأقصى والقدس، مؤكدًا على تناقض تلك الأعمال مع قرارات واتفاقيات اليونسكو وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة، داعيًا إلى ضرورة تعيين خبراء يكون مقرهم القدس الشرقية للإبلاغ عن أي شيء يتعلق بالوضع المعماري والتعليمي والثقافي والسكاني للقدس.
وجاء القرار الثالث في شأن الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح، مؤكدًا على كونهما جزءًا من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى أن أي فعل من جانب دولة الاحتلال ينال من وضعهما القانوني يعد انتهاكًا للقانون الدولي واتفاقيات اليونسكو ذات الصلة فضلا عن قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وتناول القرار الرابع التأثير السلبي للجدار الفاصل تعليميًا وإنسانيًا على سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة التي يمر عبرها.
أما القرار الخامس والأخير فقد تم تخصيصه لحصار غزة؛ ذلك أن الحصار المستمر على قطاع غزة منذ عدة سنوات، وما شهده العام الأخير من اعتداء على أسطول الحرية ومنعه من إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة بحرًا وقتل عدد من الذين كانوا على متنه، لم يلقَ هذا جميعه أي رد فعل يتناسب مع تلك الجريمة الدولية سواء على مستوى المؤسسات الدولية السياسية أو الثقافية (اليونسكو)، ولم يزد موقف اليونسكو عن مجرد التعبير عن الصدمة كما ورد على لسان مدير عام المنظمة في يونيو 2010 والتعبير عن القلق والدعوة لإجراء تحقيق لمعرفة ما حدث بالضبط، وكأن الذي حدث كان بحاجة إلى تحقيق لمعرفة محتواه. وضمن جهود المجموعة العربية والإسلامية في المنظمة في إصدار القرارات الخمسة المتعلقة بالأراضي المحتلة جاء القرار الخامس ليشجب الحصار المستمر على قطاع غزة وأثره السلبي على تنقلات العاملين ومواد الإغاثة، ويناشد القرار المديرة العامة لليونسكو مواصلة مشاركة المنظمة في جهود الأمم المتحدة في غزة في مجال اختصاصها.
وما يهمنا هنا هو ما تحمله تلك القرارات من دلالات تعبر عن مدى غياب دور حقيقي للمنظمة فيما تعرضت له الأراضي المحتلة في الماضي وضعف ذلك الدور في الحاضر وكأنها تسير على طريق ما يحدث في المؤسسات السياسية الدولية في هذا الصدد، وتعبر أيضا عن مدى ما تتعرض له الثقافة العربية والإسلامية من صعاب في عرض وجهة نظرها فيما يتعلق بقضاياها، ومن بينها قضية التراث الحضاري والثقافي العربي والإسلامي في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولاسيما في القدس الشريف. وذلك ما يقودنا إلى التساؤل عن فاعلية تلك القرارات من حيث التنفيذ على أرض الواقع، فقد علمتنا تجارب التاريخ أن هناك الكثير من القرارات الصادرة عن أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة إزاء الأراضي المحتلة ولكنها باتت مجرد حبر على ورق. وإن كان صدور القرارات الخمسة في حد ذاته يعد كسبًا معنويًا ترتب على جهد دبلوماسي جيد في الإعداد وحشد التأييد.

الإسيسكو وقضية القدس:
في إطار رصدنا لمواقف الإسيسكو من قضية القدس نجد أنها تساعد في العملية التعليمية في فلسطين عمومًا وذلك من خلال المساهمة في شراء الكتب والمراجع الدراسية والتربوية والألعاب وغيرها. ولكن فيما يخص الجوانب الثقافية والحضارية العربية والإسلامية للقدس, تُعنى المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بحماية المقدسات الإسلامية في القدس الشريف والعمل على الحفاظ على هويتها الحضارية العربية الإسلامية. وقد أنشأت المنظمة “وحدة القدس” التابعة لمديرية العلاقات الخارجية والتعاون؛ وتقوم وحدة القدس بالمهام التالية: الاتصال بجميع المنظمات والمؤسسات التي تُعنى بقضية القدس للتعرف على ما تنفذه من برامج، والتشاور معها حول تنسيق الجهود والتعاون المشترك، واقتراح الوسائل والسبل الكفيلة بتوفير الموارد المالية اللازمة للبرامج المتعلقة بالقدس، وتنسيق ومتابعة تنفيذ البرامج الخاصة بالممتلكات الثقافية في القدس، وإعداد تقارير المدير العام للمجلس التنفيذي والمؤتمر العام حول ما تقوم به من نشاطات. كذلك أنشأت المنظمة “صندوق مدينة القدس الشريف”، وفتحت له حسابًا مصرفيًا يخصص ريعُه لحماية الممتلكات الثقافية في القدس، وتواصل المنظمة اتصالاتها بالمؤسسات المعروفة والشخصيات الفاعلة التي يمكنها أن تساهم في دعم هذا الصندوق.
ولكن ردود فعل المنظمة, في التحليل الأخير, لم تتعدَ الشجب والإدانة والتنديد. وكانت المنظمة قد شكلت فريقًا من الخبراء بهدف إعداد ملف لإقامة دعوى قضائية ضد إسرائيل في مواجهة ما قامت به من اعتداءات على الممتلكات الثقافية وغير ذلك في 5/10/2009. وفي اجتماع خبراء الإسيسكو المكلفين بإعداد تقارير قانونية حول تهويد القدس تم في نوفمبر 2010 عرض مجموعة من الأبحاث والتقارير وأوراق العمل الموثقة والتي تم فيها استعراض كافة المخططات الإسرائيلية الهادفة إلى القضاء على الهوية الثقافية والحضارية للمدينة المقدسة.
كذلك قام وزير الأوقاف والشئون الدينية الفلسطيني في 26يناير 2011بزيارة إلى المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وتناول اللقاء بحث تعزيز الدعم الذي تقدمه الإيسيسكو للمؤسسات التعليمية والثقافية والعلمية في القدس خاصة وفي عموم الأراضي الفلسطينية عامة، واستعراض الإجراءات والممارسات التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتهويد القدس وتهجير المواطنين الفلسطينيين منها وهدم منازلهم، ومواصلتها للحفريات في محيط المسجد الأقصى. وقدم الوزير الفلسطيني للمدير العام للإيسيسكو خلال هذه المقابلة ثلاثة إصدارات لمؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف حول (المنارات المقدسية)، و(القدس: معالم ووثائق)، و(الحياة السياسية العربية في القدس في بداية القرن العشرين)، التي موّلت إصدارها الإيسيسكو وتم الإتفاق على ترجمة كتاب منارات مقدسية إلى الإنجليزية والإسبانية والفرنسية.
والحق أن الجهود التي تبذلها الإسيسكو في هذا الصدد هي جهود متواضعة للغاية ولا تكفي بحال لمواجهة ما يحيط بالقدس من مخاطر، ولا تكفي حتى لمجابهة ما يصدر عن إسرائيل من لافتات وملصقات وأفلام تنشرها السفارات والمراكز الثقافية والسياحية الإسرائيلية حول العالم والتي توحي بأن القدس ليس بها إلا مقدسات يهودية فقط.

الألسكو ‏وقضية القدس:
بمناسبة إعلان القدس عاصمة للثقافة العربية عام 2009 أصدرت الألسكو ‏كتابًا تحت عنوان (القدس: الاعتداءات الإسرائيلية على أهاليها وتراثها)، كما نظمت ندوة دولية في باريس في الفترة 5،4 مارس من ذات العام حول القدس ثقافة ومصير بمشاركة اليونسكو.
وفي إطار دعم الألسكو ‏لقضية القدس وقع المدير العام للمنظمة الدكتور محمد العزيز ابن عاشور في نوفمبر 2010 اتفاقية شراكة وتعاون مع المدير العام لوكالة بيت مال القدس السيد عبد الكبير العلوي المدغري, من أجل تقديم المزيد من الدعم للقدس الشريف وسكانها في المجالات التربوية والثقافية والصحية والاجتماعية والرياضية؛ حيث تقوم الألسكو ‏في سياق ذلك ببناء المدارس والمعاهد, والمساعدة على ترميم البنايات ذات العمق التاريخي, وشراء الأراضي لمزيد من التوسيع على سكان القدس في جميع المجالات التربوية والاجتماعية والصحية.
وفي اجتماع وزراء الثقافة والإعلام العرب في الدوحة في نوفمبر 2010 وفي البيان الخاص بالقدس تم توجيه الدعوة إلى اليونسكو لتنفيذ اتفاقيات المحافظة على التراث الثقافي والحضاري في الأراضي المحتلة لعام 1954، واتفاقية التراث المعرض للخطر لعام 1972، واتفاقية حماية التراث غير المادي لعام 2003، واتفاقية تعزيز وتنوع أشكال التميز الثقافي لعام 2005، فضلا عن تنفيذ القرارات الخمسة الأخيرة الصادرة في أكتوبر 2010 عن الدورة (185) لليونسكو سالفة الذكر، كما عبر وزراء الثقافة والإعلام العرب عن قلقهم العميق إزاء الإجراءات الإسرائيلية الهادفة إلى تهويد القدس.
على أن مثل هذا الاجتماع وأمثاله وما يصدر عنها من إعلانات تبدو كما لو كانت اجتماعات سياسية تسعى إلى توجيه رسالة سياسية إلى الطرف الآخر، دون أن تكون هناك آليات فعالة تعمل على أرض الواقع يخرج بها المجتمعون إعلاميًا وثقافيًا وتربويًا؛ فالقدس لا تواجه تهجيرًا وهدمًا وتغييرًا لمعالمها المادية فحسب، بل إنها تواجه طمسًا وتغييرًا لمعالمها التاريخية والثقافية والحضارية كذلك. ومن ثم فإنها تحتاج إلى خطاب إعلامي عربي إسلامي له استراتيجية هادفة في ذلك الشأن تسعى إلى الوصول إلى العالم، كما تحتاج إلى مؤسسات تربوية وثقافية عربية بالتعاون مع الفلسطينيين تعمل على أرض فلسطين ذاتها.

2- حوار الحضارات:

قامت فكرة الحوار بين الحضارات على إمكانية خلق تعاون وتكامل ثقافي عالمي بين الثقافات المختلفة على أساس التركيز على القيم الانسانية المشتركة بينها لمجابهة ما يعرف بصدام الحضارات وأنصاره الذين يؤججونه. وتمشيًا مع فكرة الحوار هذه أخذت المؤسسات الثقافية العالمية والإقليمية الدعوة بمأخذ الجد واعتبرتها عنصرًا من عناصر نشاطها العالمي والإقليمي بل والمحلي كذلك. وقد تجلى ذلك في الإعلان العالمي لليونسكو لتنوع الثقافات 2001، والاتفاقية العالمية لحماية ذلك التنوع، والمندوبية السامية لتحالف الحضارات المنبثقة عن الأمم المتحدة عام 2005. ويندرج تحت هذه المظلة جملة تفاعلات أخرى ذات صلة، مثل حوار الأديان باعتباره مدخلا من مداخل حوار الحضارات.
ولعل هذا الموضوع، والذي أصبح يحتل مكانة خاصة في دائرة اهتمام الدوائر الثقافية والسياسية –كذلك- عالميًا وإقليميًا، قد وجد طريقه إلى أجندة اهتمامات منظمة اليونسكو التي ترتبط بالمندوبية السامية لتحالف الحضارات ببرتوكول تفاهم يجدد كل عامين. ومع ظهور تحديات كثيرة وقضايا لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بموضوع حوار الحضارات هذا، كالعولمة وتأثيراتها المختلفة، وثورة الإعلام ووسائط الاتصال الحديثة، وما شهده المجتمع الدولي من تغيرات جسيمة لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 والتي وجد فيها أنصار الصدام وأعداء حضارات وديانات معينة كالإسلام مرتعًا خصبًا للترويج لكراهية الإسلام باعتباره العدو الجديد الذي ينبغي تكتيل الجهود من أجل محاربته، وبحيث برز على سطح الأحداث ما أضحى يعرف بظاهرة الإسلاموفوبيا، وهو ما وضع على كاهل المنظمة عبئًا كبيرًا لمجابهة ذلك ثقافيًا ولتصحيح هذه الأوضاع المختلة. ومن ثم فقد أطلقت المنظمة مبادرة بشأن السنة الدولية للتقارب بين الثقافات في فبراير 2010، وقد جاءت الأفكار والأوراق المعبرة عن وجهة نظر المنظمة خلال المنتدي الثالث لتحالف الحضارات في مايو 2010 في ريو دي جانيرو في البرازيل، بحضور عدد من المسئولين السياسيين ومديرة المنظمة وممثلي الشركات ومؤسسات المجتمع المدني، تحمل أسئلة ومناقشات حول كيفية التعامل مع التحديات الجديدة (العولمة – الهجرة الدولية المتزايدة – الأزمات المالية) وللبحث عن سبل مختلفة لتحسين العلاقة بين الثقافات للتصدي لأنصار مبدأ حتمية التصادم. ومن الملاحظ أن أوراق اليونسكو التي عرضت في الاجتماع الوزاري لمجموعة أصدقاء تحالف الحضارات قد ركزت على دور القيم المشتركة في بناء السلام ودور العولمة أيضا في التقارب، غير أنها لم تسفر عن أفكار وخطط واضحة ودقيقة لبيان كيفية تفعيل دور هذه القيم المشتركة والعولمة في بناء جسور التقارب والتحالف، سيما وأن هناك اجتهادات كثيرة تنظر إلى العولمة باعتبارها مدخلا من مداخل دول الشمال الغني لاستغلال دول الجنوب الفقير، ولم تتطرق بحال إلى البحث في إمكانية أن تكون قيم الديانات السماوية كالإسلام فيها من القيم الإنسانية ما يمكن الاستعانة به والبناء عليه في تفعيل عملية التقارب المأمول.
وعلى ذات المنوال نجد منظمة الإسيسكو في مؤتمر باكو بأذربيجان 2009 وبمشاركة عدد من الوزراء من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي قد ناقشت التحديات العديدة التي تعترض طريق حوار الحضارات وما يرتبط بهذا من أحداث عالمية ومحلية كالعولمة وغيرها، والبحث عن سبل جديدة تركز على القيم الإنسانية المشتركة لتعزيز الحوار، دون أن تخرج لنا بآليات وخطط فعالة على أرض الواقع للتعامل الإسلامي مع تلك التحديات. غير أنه مما يحسب للمنظمة في هذا السياق الفعاليات التي قامت بتنظيمها أو المشاركة فيها خارج العالم الإسلامي لتطهير وجه الحضارة الإسلامية من الشوائب التي ألصقت به عمدًا، وإيضاح الصورة الحقيقية لها أمام العالم، ومن ذلك على سبيل المثال مؤتمر قرطبة بأسبانيا في أكتوبر2010، والاجتماع العاشر للمجلس الأعلى للتربية والعلوم والثقافة للمسلمين خارج العالم في موسكو يونيو 2010، ومؤتمر مكانة الإسلام في أوربا (في بلجيكا) بالتعاون مع مؤسسات علمية وبحثية وجمعيات إسلامية لإدانة ظاهرة الإسلاموفوبيا والظواهر التابعة لها مثل منع الحجاب ومنع بناء المآذن في سويسرا وغيرها، والبحث أيضًا عن سبل لتعزيز الحوار من خلال مناهج التربية والمقررات الدراسية في اجتماع المنظمة مع المنظمة الفرانكفونية في دكار (السنغال) في أكتوبر 2010.
وانطلاقًا من ميثاق المنظمة الإسلامية الذى يدعو إلى تقوية الحوار المثمر مع الثقافات الأخرى، أدرجت المنظمة ضمن خططها المستقبلية مجال عمل متكامل تحت عنوان “الثقافة الإسلامية الفاعلة والمتفاعلة” تم تصوره من خلال أسس الحوار و آلياته ومقاصده. وترتكز تلك الخطط المستقبلية على محورين أساسيين؛ يتضمن المحور الأول كيفية تنشيط التفاعل بين الثقافات من خلال الدراسات والمنشورات التي ‏تصدرها المنظمة والمتعلقة بتصحيح الأخطاء الشائعة عن الإسلام والمسلمين الواردة في المنشورات التي ‏تصدر من الغرب, وظاهرة الحوار من وجهة نظر إسلامية وظاهرة الاستشراق عمومًا. كما شملت تلك الجهود كذلك الموائد المستديرة التي ‏عقدتها المنظمة في أوروبا لنشر قيم الإسلام وتقديمه في صورته الصحيحة. أما المحور الثاني فيمتد نحو التبادل الثقافي بين المسلمين أنفسهم؛ حيث خصصت المنظمة أنشطة عديدة للتبادل الثقافي بين المسلمين ولأدب الاختلاف في الإسلام, كما اهتمت كذلك بالتقريب بين المذاهب الإسلامية, وردّ الاعتبار للغات الشعوب الإسلامية عبر نشر معاجم للغات الأفريقية مثل الفلاني والسواحلي وغيرها. ونظمت أيضا أنشطة أخرى لصالح الأقليات المسلمة في أوروبا, إضافة إلى استراتيجية الاستفادة من الكفاءات المهاجرة خارج العالم الإسلامي. ومن هذا المنظور تعمل الإسيسكو على تنفيذ البرامج المتعلقة “بالحوار الثقافي بين المسلمين” و” تعزيز الثقافة الإسلامية للأقليات والجاليات الإسلامية” و” تفعيل تبادل المنتوج الثقافي” و”استراتيجية التعامل مع ظاهرة العقول المهاجرة والاستفادة منها” وذلك في إطار التعاون مع مؤسسات منظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها من المؤسسات الإسلامية والمراكز الثقافية للمجموعات الإسلامية.
أما منظمة الألكسو، والتي نص دستورها في مادته الأولى على المرتكزات المحورية لها ومنها تشجيع التعاون بين الأمة العربية والأمم الأخرى، فقد جاءت فعالياتها خلال فترة الرصد معبرة عن اهتمام كبير بحوار الحضارات. وعلى اعتبار أنها منظمة عربية تدين الغالبية العظمى من شعوب الدول الأعضاء فيها بالإسلام فهي معنية بالشأن الثقافي العربي الإسلامي، ولاسيما فيما تواجهه حضارة الإسلام من تحديات في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي طالت تداعياتها على أرض الواقع أجزاءً من أراضي الوطن العربي –العراق والسودان واليمن- والدول الإسلامية القريبة منه –أفغانستان وباكستان- في إطار ما سمي “الحرب على الإرهاب” التي وجدت من يدفعون إلى لصقها بالعروبة والإسلام وكل ما هو عربي ومسلم.
وقد جاءت الاجتماعات التحضيرية للقمة الثقافية العربية التي عقدت في الدوحة في أكتوبر 2010 بمشاركة ممثلين عن مؤسسات رسمية، وجمعيات أهلية ثقافية، واتحاد الكتاب والأدباء العرب، واتحاد الناشرين العرب، وأعضاء مجامع لغوية عربية، والهيئة العربية للمسرح، تعبر عن قلق عميق لما تواجهه الثقافة العربية من تحديات، داعية إلى ضرورة التعاون بين المؤسسات الدينية والمدنية العربية والتوازن بينها لوضع آلية للحوار بين القيادات السياسية والمثقفين لصالح الوطن، وأيضًا تعميق الحوار مع الآخر.
والحق أن القراءة المتفحصة لما جاء بالبيان الختامي لهذه الأعمال التحضيرية يظهر مثالب عدة توحي بأن المؤتمرين كما لو كانا غير مدركين أننا ما زلنا في مرحلة لا ترقى إلى مستوى النِديَّة مع الآخر، وما يعنيه ذلك من كشف عن عجز إدراكي ومعلوماتي لمستجدات العالم وما يحيط بنا ويحاك لنا ثقافيًا، وعلى الأصعدة غير الثقافية أيضًا، ويعكس اعترافًا بالعجز أمام مجابهة من يريدون النيْل من ثقافة وحضارة الأمة العربية والإسلامية. كما تعكس هذه القراءة أيضًا حقيقة وجود هوة كبيرة بين المؤسسات الدينية والمدنية، وبين القيادات السياسية والمثقفين، توحي بأنه لا يوجد تعاون ووحدة للصف لمجابهة تلك التحديات.
وفي إطار متصل مع موضوع حوار الحضارات سوف نتناول بالرصد التحليلي قضيتين على قدر كبير من الأهمية هما قضية حوار الأديان، وقضية ازدراء الأديان، باعتبارهما مدخلان مهمان في التأثير على قضية حوار الحضارات.

3- حوار الأديان:

ويعد حوار الأديان أحد المداخل المهمة في حوار الحضارات لما للدين من مكانة كبرى في تشكيل الحضارات وتوجيه الخيارات السلوكية المجتمعية.
هذا وقد جاءت التفاعلات العربية الإسلامية في شأن حوار الأديان في مؤتمر الدوحة لحوار الأديان في أكتوبر 2010، والذي عقد بمشاركة مائتين وخمسين شخصًا من تسع وخمسين دولة منهم قادة مسلمون ومسيحيون ويهود، وذلك للبحث في تأثير العقائد الدينية في المشكلات والأزمات التي تواجه العالم، سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم مالية وسبل التغلب عليها، والبحث عن دور فاعل للدين في تخطي تلك الأزمات وحماية مواقع الحضارة والمؤسسات الدينية والدفاع عن الحقوق والحريات الدينية.

4- ازدراء الأديان:

وقعت خلال الفترة محل الرصد عدة إساءات للإسلام وللرموز الإسلامية الكبرى، كان من بينها الرسوم المسيئة للرسول والفيلم الهولندي المسيء للإسلام والكتب والتصريحات العديدة في هذا السياق والتي كان آخرها دعوة القس الأمريكي تيري جونز لحرق المصحف الشريف. والحق أن هذه الإساءات كان لها آثار بالغة الخطورة على الاتجاه نحو تعزيز الحوار بين الحضارات، والتي يشكل حوار الأديان أحد أهم مداخله.
وسنتناول في رصدنا هذا قضية ازدراء الأديان في محورين متصلين؛ يتعلق أولهما بتداعيات دعوة القس الأمريكي لحرق المصحف الشريف في ذكري الحادي عشر من سبتمبر، وهي الدعوة التي قوبلت بالاستنكار والاستهجان من جانب الأمم المتحدة، وشخصيات دينية مسيحية كبرى على رأسها بابا الفاتيكان، ومنظمات دولية إقليمية كاليونسكو والإسيسكو والألكسو. غير أنه مما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن رد فعل المنظمات الثقافية العربية والإسلامية لم يتجاوز حد الشجب والإدانة دون أن يكون هناك استغلال جيد لذلك الأمر إعلاميًا ودعائيًا وعبر نشاط ثقافي مكثف (ندوات ومؤتمرات عالمية) يكشف حقيقة حضارة الإسلام وثقافته وقيمه العظيمة، مكتفية –أي المنظمات الثقافية العربية والإسلامية- بتوجيه النداء للهيئات الدولية من أجل تجريم ازدراء الأديان، وكانت التحركات في هذا الشأن فردية مارستها بعض الدول دون أن تكون مواقف مؤسسية لهذه المنظمات، ومن ذلك على سبيل المثال ما تقدمت به مصر من اقتراح لمشروع قرار بمنع وتحريم ازدراء الأديان والذي لاقى دعمًا وقبولا من عديد من الدول في اليونسكو وتم إقراره فيها.
أما المحور الآخر فيتعلق بالرسوم المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم) والتي لم تجابه أيضًا إلا بالشجب والإدانة من قِبل المنظمات الثقافية العالمية مثل اليونسكو والتي وصفت ذلك الأمر بأنه يصعِّد التوتر في العلاقات الدولية. فيما اكتفت المنظمات الإسلامية والعربية مثل الإسيسكو والألسكو ‏بالتنديد بهذه الرسوم والقول بأنها تتناقض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يكفل حرية الاعتقاد الديني، وأنها تمثل خرقًا لميثاق الحقوق المدنية والسياسية.

5- قضايا أخرى محل اهتمام المنظمات الثقافية:

طبقا لما ورد في ميثاق عمل كل مؤسسة من المؤسسات الثلاث فإنها تركز على مجالات ترتبط بالثقافة ذات أبعاد اجتماعية وسياسية واقتصادية، وعلى اعتبار أنها مؤسسات مهتمة بالأساس بالتربية والعلوم والثقافة، وترتبط بمنظمات دولية عالمية وإقليمية ذات توجهات وأهداف مختلفة في نطاق عملها جغرافيًا، وإن كانت تتكامل في غاياتها النهائية. فاليونسكو مرتبطة بالأمم المتحدة، والإسيسكو مرتبطة بمنظمة المؤتمر الإسلامي، والألكسو مرتبطة بجامعة الدول العربية، وليس بين هذه المنظمات من اختلاف إلا في النطاق الجغرافي للعمل، والآليات التي تعمل من خلالها على تنفيذ برامجها، فأعمالها تتكامل في النهاية وتصب في صالح الإنسانية جمعاء. ونتناول بالرصد هنا بعضًا مما يشغل بال الأمة الإسلامية من هموم وقضايا من خلال التفاعلات داخل أروقة هذه المؤسسات.

اللغة العربية:
اعتُمِدَت اللغة العربية كلغة عاملة على مستوى المؤسسات الدولية ذات الطابع السياسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1968، وفي مجلس الأمن عام 1981.
أما على مستوى المؤسسات الثقافية فقد سعت المنظمات العربية والإسلامية إلى تعزيز استخدام اللغة العربية داخل أروقة وفاعليات منظمة (اليونسكو) من خلال عدد من الفاعليات والبرامج والاتفاقيات، لعل من أهمها تخصيص الدورة الثامنة لجائزة خادم الحرمين الشريفين وبحضور اليونسكو في مايو 2010 إلى قطاع الترجمة من وإلى العربية لعدد من الكتاب والباحثين والمترجمين من الدول العربية وخارجها، وفي إطار ذلك التعزيز صدر كتاب “الفلسفة مدرسة للحرية” باللغة العربية بدعم من برنامج الأمير سلطان بن عبد العزيز ودعم المملكة لبرنامج تعزيز اللغة العربية داخل المنظمة بـ 55 مليون دولار. هذا وقد أطلق موقع جديدة للمندوبية الدائمة للجماهيرية الليبية لدى اليونسكو في سبتمبر 2010 باللغة العربية وخصصت الجماهيرية مبلغ مليون دولار لدعم استخدام اللغة العربية داخل المنظمة.
وليس ثمة شك في أن دعم استخدام اللغة العربية في فاعليات المنظمة قد أصبح مطلبًا ملحًا خاصة أن هناك صعوبة كبيرة تواجه مستخدمي اللغة العربية في الحصول على المعلومات الخاصة بنشاطات وجوائز المنظمة المعلن عنها وشروطها وغير ذلك مما يفوت الفرصة على كثير من الناطقين باللغة العربية للاشتراك فيها والتفاعل معها.
والحق أن اللغة العربية أصبحت تواجه تحديات جسيمة منها التراجع في مواكبة المستجدات العلمية والتقنية التي جاءت بلغات أجنبية أصبحت مهيمنة في مجال الإعلام والمعلومات اللذين يضطلعان بدور فعال في صياغة مجتمع المعرفة، وأصبحت تحتاج إلى تنشيط حركة التعريب والترجمة وتحسين مستوى تدريسها وآدابها في مراحل التعليم المختلفة، واستخدامها بشكل مكثف في مجال الاتصالات الحديثة.
وغني عن البيان أن اللغة العربية ذات أهمية كبيرة بالنسبة لكل من منظمة الإسيسكو ومنظمة الألكسو باعتبارها اللغة الأم للأمة العربية والإسلامية، فهي لغة القرآن الكريم ولذلك فالمنظمتان دائمًا ما تحرصان على تدعيم اللغة العربية داخل بلدانهما من خلال تطوير المناهج الدراسية وتوفير الكتب اللازمة والمعلمين وتدريبهم وما إلى ذلك. وعلى المستوى الدولي تسعى المنظمتان إلى نشر اللغة العربية في الدول غير الناطقة بها سواء أكانت دولا إسلامية أو غير إسلامية بإرسال بعثات معلمين إليهما وإنشاء مراكز لتعليمها فيهما.
حيث أبرمت الألسكو ‏شراكة مع “مجموعة الطالب” التابعة للشركة الإعلامية الفرنسية L’Express في أكتوبر 2010 بمقر المجموعة بباريس، وبموجب هذة الاتفاقية ستشرف الألسكو ‏على جناح “اللغة العربية بلا حدود” في المعرض الدولى للغات في دورته التاسعة والعشرين والذي سوف ينعقد من 2-5 فبراير 2011 بقصر المعارض بباريس حيث ستكون اللغة العربية ضيف الشرف باعتبارها واحدة من أبرز اللغات في العالم. وقد تأسس هذا المعرض الدولي الذي يقبل عليه جمهور عريض من الباحثين والمهنيين والإعلاميين عام 1982، وتشارك فيه ثلاثون دولة وثمانون لغة.
كذلك أصدرت الألسكو ‏في نوفمبر 2010 كتابًا بعنوان “السياسة اللغوية القومية للغة العربية” في نطاق مشروع النهوض باللغة العربية للتوجه نحو مجتمع المعرفة تنفيذًا لقرار القمة المنعقدة في الدوحة مارس 2010. ويهدف هذا المشروع إلى تثبيت الهوية العربية والمحافظة عليها ومعالجة مسائل التنمية البشرية ونشر اللغة العربية وترقية استعمالها في المجتمعات والمحافل الإقليمية والدولية كما يهدف المشروع إلى مواجهة تحديات مجتمع المعرفة.
وتنص المادة الأولى من لائحة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم على أن أحد أهم أولوياتها رعاية ودعم اللغة العربية والثقافة الإسلامية داخل وخارج الدول العربية. ولقد أنجزت المنظمة العديد من الإصدارات والمعاجم، وقادت حركة تعريب للتعليم العالي من خلال مراكزها المتخصصة وتدريسها لغير الناطقين بها، وشرعت منذ قمة دمشق في وضع برامج وخطط للنهوض بها سواء على مستوى وضع السياسة اللغوية وتطوير مناهج التدريس والارتقاء بالكفاءات من أعضاء هيئة التدريس، أو من خلال إصدار كتب مرجعية ودراسات وبحوث متعلقة بطرق التدريس.

ولعل ما جاء عن الاجتماعات التحضيرية لقمة الدوحة الثقافية أكتوبر 2010 في هذا الصدد يوحي لنا بذلك الاهتمام، حيث أوصى المجتمعون بتفعيل استخدام اللغة العربية داخل فعاليات الدول العربية، أي تعزيز استخدامها عربيًا أولا، وذلك بأن تكون جميع المؤتمرات الثقافية باللغة العربية، وتفعيل ذلك في الإطار الدستوري والقانوني في كل دولة من خلال إقرار سياسة لغوية واضحة على المستوى الرسمي والشعبي في قطاعات التعليم والاقتصاد والعلوم والتقنية، وتطوير مناهجها وإنشاء مراكز نشرها في البلدان الأجنبية، وحتى على المستوى الاقتصادي فقد حث البيان الصادر عن القمة وزراء العمل والتجارة على إبرام العقود باللغة العربية، وعلى المستوى الإعلامي جعل الفصحى هي اللغة الرسمية في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وأن تكون إجادتها ضمن اختبارات العمل في تلك المجالات. كذلك فقد أوصى البيان الختامي للقمة بأهمية اللغة كعنصر أساسي في تطوير الثقافة العربية وضرورة النهوض بها وتطويرها وتحديث طرق تدريسها لمواكبة التطورات الحديثة حتى تصمد أمام اللغات الأخرى.

نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى