علاقات أمريكا اللاتينية الخارجية: الصين وإيران نموذجًا

مقدمة:

تتقاسم قارة أمريكا اللاتينية مع العالم العربي والإسلامي العديد من الأواصر المشتركة مثل الظروف التاريخية من حيث النشأة والتكوُّن في ظلِّ خبرات فترات الاستعمار والاضطرابات السياسية والاقتصادية مرورًا بمراحل الاستقلال والتنمية والتحولات الديمقراطية ونظم الحكم السلطوية، الأمر الذي يجعل قراءة الخبرات التاريخية والتجارب السياسية والاجتماعية لدول أمريكا اللاتينية أمرًا ذا فائدة للعالم العربي والإسلامي.

في هذا الإطار، تأتي قراءة الأدبيات التي تناولت علاقات دول أمريكا اللاتينية الخارجية في مقدِّمة هذا الاهتمام، فلقد قدَّمت دول أمريكا اللاتينية خبرات ثريَّة وتجارب متنوِّعة في علاقاتها مع الدول الخارجية، خاصة مع دولتي الصين وإيران باعتبارهما في الصفوف الأمامية -بجانب روسيا- للدول المواجِهة للمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

  • التغلغل الإيراني في أمريكا اللاتينية[1]:

تناقش هذه الدراسة بالأساس ملامح ومظاهر التغلغُل الإيراني في دول أمريكا اللاتينية منذ الثورة الإيرانية 1979 مرورًا بمراحل مختلفة لتطوُّر العلاقات بين إيران والدول اللاتينية، وتحلِّل الوجودَ الإيراني في المنطقة ودوافع إيران الرئيسية من وراء هذا الوجود المتمثِّل في تشكيل جبهة وتكتُّل سياسي مناهض للهيمنة الأمريكية، ونشر مذهبها الشيعي في دول أمريكا اللاتينية، كما تهدف لتنويع مصادر المواد الخام لخدمة مشروعها النووي في إطار التعاون في مجالات الطاقة والنفط مع دول القارة اللاتينية، وفي مقابل هذا، تحلِّل الكاتبةُ الموقفَ الأمريكي من تنامي العلاقات الإيرانية مع تلك الدول والخيارات المتاحة أمام الإدارة الأمريكية لمواجهة هذا النفوذ في منطقة تمثِّل امتدادًا جغرافيًّا وثقلًا جيوسياسي للولايات المتحدة الأمريكية.

تُرجع الدراسة العلاقات الإيرانية مع دول القارة اللاتينية منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979، إلَّا أن النقلة النوعية لتنامي هذه العلاقات وتنوُّعها حدث منذ عام 2005 مع تولِّي أحمدي نجاد سُدَّةَ الحكم في إيران بالتزامن مع صعود التيار اليساري في الدول اللاتينية، وترى أن تنامي هذه العلاقات كان نتيجةً للطوق الأمني الذي أنشأته الولايات المتحدة الأمريكية لحصار إيران والتحالف مع معظم جيرانها، حيث قامت إيران بمضاعفة عدد سفاراتها في الدول اللاتينية وإنشاء القنوات الإعلامية والمراكز الثقافية لجعل الدول اللاتينية أكثر تعاطفًا مع المصالح الإيرانية.

كما يمكن تفسير التواجد الإيراني في القارة اللاتينية من خلال قراءة دوافع توجُّهها نحو المنطقة، فوفقًا للدراسة، فإن التوجُّه الإيراني نحو الدول اللاتينية يمكن تحليله أبعاده في أسباب سياسية أهمها: إنشاء تكتُّل سياسي مناهض للولايات المتحدة الأمريكية وقد كان ذلك استغلالًا للنبرة المعادية لسياسات أمريكا خاصة مع انتشار المدِّ اليساري في دول القارة، خاصة البرازيل وفنزويلا وكوبا، حيث سعت إيران من وراء هذا التكتُّل لتخفيف العزلة المفروضة عليها بسبب زيادة نشاط برنامجها النووي، وتحالف الولايات المتحدة مع معظم دول الخليج وإنشاء قواعد عسكرية في محيط إيران. وأسباب فكرية أيديولوجية تتمثل في: رغبة إيران في نشر مذهبها الشيعي وتوحيد الأقليات الشيعية تحت رايتها، وأسباب اقتصادية تتمثل في: احتياج إيران للمواد الخام لاستمرار وتطوير مشروعها النووي، حيث تعاني من نقص عجز خام اليورانيوم لذا سَعَتْ لتوفيره من فنزويلا وبوليفيا، وتكتمل الحلقة الاقتصادية في علاقة إيران بدول أمريكا اللاتينية من خلال تعزيز سبل التعاون في مجال الطاقة والنفط.

ثم تذهب الدراسة لاستعراض أبعاد الموقف الأمريكي من العلاقات الإيرانية مع دول أمريكا اللاتينية، إذ تستقرأ المخاوف الأمريكية من التقارب بين إيران والدول اللاتينية، حيث أصبح الدعم الدبلوماسي من القيادات اليسارية التي وصلت للحكم في الدول اللاتينية بمثابة رافعة سياسية ودبلوماسية للبرنامج النووي الإيراني، كما يمثُّل هذا التقارب نافذة إيرانية كسرت العزلة الدولية المفروضة على إيران بسبب هذا البرنامج النووي، وقد أوضحت الدراسة هذا الموقف الرافض لتقارب إيران من الدول اللاتينية في تصريحات ومواقف العديد من القيادات الأمريكية بشأن الأعمال الإرهابية في القارة اللاتينية واتهام إيران بالمشاركة فيها ودعمها.

وتطرح الدراسة عددًا من الخيارات المتاحة للحكومة الأمريكية للتعامل مع هذا النُّفوذ الإيراني في أمريكا اللاتينية -فعلى الرغم من رفض الولايات المتحدة للنُّفوذ الإيراني في القارة اللاتينية، فإنها منغمسة في العديد من القضايا على المستوى الدولي ما يجعلها تبحث عن تسوية مؤقَّتة مع إيران لبدء بناء الثقة بين البلدين، وقد حدَّدت الدراسة –حسب رؤية المحللين الأمريكيين – الخيارات المتاحة في:

– استخدام مزيج من القوة الناعمة والصلبة في التعامل مع الدول اللاتينية.

– تنسيق الجهود بين الوكالات الأمريكية من أجل وضع حَدٍّ لأنشطة إيران غير المشروعة في أمريكا اللاتينية.

– مشاركة الأجهزة الأمريكية الدولَ اللاتينية استخدام وحدات معارضة الشفافية من أجل مكافحة غسيل الأموال.

– توسيع نطاق جمع المعلومات الاستخباراتية مع الدول اللاتينية في كفاحها ضد الإرهاب.

– العمل على لعب دور رئيسي في أمريكا اللاتينية وتوسيع نطاق برامج مكافحة تهريب المخدرات والاتجار فيها.

  • العلاقات الإيرانية – اللاتينية بعد تولِّي روحاني[2]:

ترصد الدراسة واقع واتجاهات العلاقات الإيرانية اللاتينية عقب التوصُّل لاتفاق الملف النووي مع دول مجموعة 5+1 في عام 2015، وهو الاتفاق الذي يقضي برفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران مقابل فرضها قيود على برنامجها النووي، إلا أن وصول ترامب للحكم في الولايات المتحدة في يناير 2017، واتخاذ إجراءات صارمة وتشريع قوانين لمواجهة البرنامج النووي الإيراني، قد أعاد ذلك التوتُّر في العلاقات الأمريكية الإيرانية، الأمر الذي يشير إلى حاجة إيران أكثر من ذي قبل للعمل على كسر العزلة ومقاومة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة، وذلك من خلال مبدأ توسعة الأصدقاء لا سيما في القارة اللاتينية.

صوَّرت الدراسة واقع واتجاهات العلاقات الإيرانية مع الدول اللاتينية خلال الأعوام العشرين الأخيرة في عدَّة مراحل:

أولها- مرحلة قمة التنسيق الإيراني اللاتيني: حيث توطَّدت العلاقات الإيرانية اللاتينية عقب الثورة الإيرانية عام 1979 على أساس العداء المشترك للولايات المتحدة، ومثَّل وصول اليساري هوغو تشافيز إلى رئاسة فنزويلا نقطة تحوُّل كبيرة نحو التعاون والتحالف بين البلدين، ومع وصول الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لسدَّة الحكم عام 2005 بالتزامن مع صعود التيار اليساري في دول أمريكا اللاتينية، أخذت العلاقات في النموِّ والتنسيق على كافَّة الأصعدة.

ثانيها- المرحلة الراهنة بين التقدم والتراجع: فقد بدأت تتراجع هذه العلاقات مع رحيل أحمدي نجاد ووفاة الرئيس الفنزويلي تشافيز عام 2013، بالتزامن مع التوصُّل إلى اتفاقية حول الملف النووي الإيراني عام 2015 وبدأ رفع العقوبات المفروضة على إيران، ومع وصول دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ونهج سياسة أكثر شدة تجاه إيران، عادت العلاقات الإيرانية اللاتينية إلى ساحة اهتمامات الإدارة الإيرانية.

ثالثها- انحسار اليسار ومعوِّقات النُّفوذ الإيراني في الدول اللاتينية: توجد علاقة طردية بين تمكين التيار اليساري والعداء للولايات المتحدة وبين النُّفوذ الإيراني في الدول اللاتينية، فمنذ عام 2015 شهدت المنطقة اللاتينية انحسارًا للتيارات اليسارية وهو ما أثَّر بالسلب على العلاقات الإيرانية اللاتينية، ومن مؤشِّرات هذا الانحسار فوز المرشح اليميني في الانتخابات الأرجنتينية عام 2015، وفي البرازيل عزل مجلس الشيوخ الرئيسة اليسارية وتولِّي نائبها اليميني، وخسارة التيار اليساري في الانتخابات التشريعية الفنزويلية في ديسمبر 2015.

وحدَّدت الدراسة أهداف إيران من حضورها في دول أمريكا اللاتينية في عدَّة أهداف:

أولًا- مقاومة العزلة وبناء التحالفات: حيث إنها تواجه عقوبات اقتصادية منذ بداية إدارة ملفها النووي، لذا يمكن تفسير التوجُّه الإيراني نحو دول القارة اللاتينية لجزء من استراتيجية إيرانية تهدف إلى توسيع دائرة أصدقائها وكسب تأييدهم في المحافل الدولية.

ثانيًا- الاقتراب من حدود الولايات المتحدة: إذ تسعى إيران إلى تعزيز تواجدها الفعلي في المناطق الاستراتيجية المتاخمة للولايات المتحدة وهو ما يعتبر رد فعل منطقي على التواجد العسكري في الدول العربية المجاورة لإيران، وفي ذلك استغلال مباشر لوتيرة العداء المتزايد في الدول اللاتينية.

ثالثًا- أهداف اقتصادية وثقافية: حيث يرتبط الوجود الإيراني في الدول اللاتينية بتأكيد مصالحها الاقتصادية فيما يتعلَّق بقضايا إنتاج النفط والتبادلات الاقتصادية بينها وبين دول مثل فنزويلا صاحبة أكبر احتياطي نفطي في العالم، ويندرج ضمن ذلك سعي إيران لنشر مذهبها الشيعي على ما يواجهها في ذلك من صعوبات نظرًا لقلَّة أعداد المسلمين في دول أمريكا اللاتينية.

أوضحت الدراسة عددًا من الآليات التي تبنَّتها إيران لتنفيذ أهدافها من التوجُّه نحو دول القارة اللاتينية:

أولًا- المساعدات الاقتصادية: حيث أبْرمت إيران في العقد الأول من الألفية الثالثة أكثر من 300 اتفاقية اقتصادية تعاونية من شأنها تسهيل عمليات التجارة ونقل الأموال، وهو ما مثَّل كسْرًا شديدًا للعقوبات الاقتصادية التي وجَّهتها الولايات المتحدة ضدَّها.

ثانيًا- الثقافة والإعلام ونشر المذهب الشيعي: فعمدت إيران إلى مدِّ جسورٍ ثقافيةٍ بينها وبين الدول اللاتينية لنقْل الأفكار والمعرفة والثقافة إلى جانب مذهبها الشيعي، حيث افتتحت عددًا من القنوات الإعلامية بلغات مختلفة، وما يقارب من 80 مركزًا ثقافيًّا شيعيًّا في أنحاء الدول اللاتينية.

ثالثًا- العمل الاستخباراتي: فعلى الرغم من سِرِّيَّةِ هذا الدور الاستخباراتي الإيراني فإنه يظهر بوضوح في التقارير الأمريكية وتصريحات المعارضة اليمينيَّة في الدول اللاتينية، بل وتقارير صادرة عن الإنتربول الدولي، حيث قامت إيران استخباراتيًّا بالعديد من العمليات من خلال خلايا حزب الله، والتي تقرَّر من خلالها وجودها ونُفوذها في العديد من الدول اللاتينيَّة، كما جنَّدت العديدَ من القيادات التابعة لها في مراكز قيادية حسَّاسة في هذه الدول من ضمنها نائب الرئيس الفنزويلي.

 

 

  • محور بكين – أمريكا اللاتينية[3]:

تتمثَّل القضية الرئيسية للدراسة في رصد وتحليل أهم أبعاد ومظاهر السياسة الخارجية الصينية في منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، بهدف استيضاح أهمِّ أهداف ودوافع الوجود الصيني في هذه المنطقة في إطار توسُّعاتها المترامية، خاصة في علاقاتها مع الدول الخارجية، وتقوم الدراسة على تحليل نتائج منتدى التعاون الأول بين الصين والدول اللاتينية الذي عُقد في يناير 2015، ومن جانب آخر تتناول الدراسة أبعاد الموقف الأمريكي من التواجد الفعَّال في القارَّة اللاتينية التي تُعتبر بمثابة الفناء الخلفي والظهير الاستراتيجي للولايات المتحدة.

تنقل الدراسة عن الكاتب الصيني لين ليمين أن استراتيجية الصين الخارجية في القرن الحادي والعشرين تتمحْور حول تحقيق ثلاثة أهداف، وهي: تعزيز التنمية الاقتصادية – ضمان أمن الدولة – تحمل مسؤوليات دولية حقيقية، وترى الدراسة أن التحدِّي الأكبر الذي يواجه الصين هو التوفيق بين هذه الأهداف وتحقيق التوازن بينها بما يحقِّق الاستجابة المناسبة للبيئة الدولية المتغيِّرة، وذلك في ضوء التحديات التي تواجه الدولة من قبيل الاقتصاد الذي يعتمد على الاستثمار والصادرات لتحقيق النمو، وما تقوم به من إصلاحات هيكليَّة من أجل تحويل الاقتصاد من الاعتماد على الاستهلاك ليكون قائمًا على الإنتاج والابتكار، وكذلك تحديات التدهُور البيئي والتحديات الديمغرافية مع توقُّعات بتقلُّص عدد السكَّان بعد عام 2030، لذلك كان اتجاه الصين لفتح قنوات ومجالات جديدة للاستثمار في العديد من المناطق من أهمِّها دول القارة اللاتينية.

وتستعرض الدراسة أهدافَ الصين من وجودها في المنطقة اللاتينية، فإذا كان التواجد الصيني في أمريكا اللاتينية بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجانبين كأولوية للجانب الصيني، فإن أهداف الصين لا يمكن حصرُها في الأهداف الاقتصادية وحسْب، حيث تسْعى إلى كسْب التأييد والدعم السياسي في هذه المنطقة، حيث أصبح لدى الصين زعامة دولية ربما أكثر مصداقية وبديلًا عن الهيمنة الأمريكية في نظر معظم الدول اللاتينية، وهناك العديد من المؤشِّرات على هذه الصورة الإيجابية التي صدَّرتها الصين لدول القارة اللاتينية، حيث تضاعفت الاتفاقيَّات الثنائيَّة الموقَّعة بين الصين ودول أمريكا اللاتينية في عديد من القطاعات، كما ارتفع حجم التجارة بين الجانبيْن من 10 مليار دولار عام 2000 إلى 102 مليار عام 2007.

وتتمثَّل المصالح الاستراتيجية للصين في جعل أمريكا اللاتينية مصدرًا للطاقة والواردات الزراعية والموارد الطبيعية، وإنشاء أسواق جديدة للحفاظ على مستوى النموِّ الاقتصادي، والاستثمار في قطاع البنية التحتيَّة في العديد من الدول اللاتينية لاستغلال ذلك في دفع عجلة القوة الناعمة الصينيَّة في هذه المنطقة.

وتجسَّدت الشراكة الاستراتيجية بين الصين ودول أمريكا اللاتينية بانعقاد منتدى التعاون الأول “سيلاك” في يناير 2015، بهدف وضع خارطة طريق لتنفيذ الخطط المشتركة وتشكيل توافق سياسي، إذ يمكن تلخيص استراتيجية الصين من هذا المنتدي في سعيها لتأمين مواردها من النفط والطاقة من دول القارة اللاتينية، كما أنها تسْعى -من خلال هذا المنتدى- لتحسين وتعزيز صورتها في دول العالم النامي بشكل يوطِّد العلاقات مع تلك الدول من خلال زيادة الاستثمارات الصينية المباشرة وتواجد البنوك الصينية بما يؤدِّي إلى رفع كفاءة اقتصاد هذه الدول لدعم استراتيجية القوة الناعمة الصينية في القارة اللاتينية.

وقد أثار هذا المنتدى هواجس واشنطن حول التطلُّعات الصينية في أمريكا اللاتينية، حيث ترى أن الصعود الصيني يمثِّل عائقًا يقوِّض من رغبتها في فرض الهيمنة الأمريكية على الشؤون العالمية خاصة داخل الحديقة الخلفيَّة لها، وذلك في ظلِّ اختلاف رؤية كلٍّ من القُطبين لطبيعة النظام الدولي وآليات إدارته، وعليه؛ فإن الولايات المتحدة تحاول تقْويض التواجُد الصيني خاصةً في دول أمريكا اللاتينية لما تمثِّله هذه المنطقة من أهمية جيوسياسية للولايات المتحدة، وذلك من خلال فرض العقوبات والضغط على الصين في قضايا تتعلَّق بالديمقراطية وحقوق الإنسان وبَسْطِ النفوذ الأمريكي في المجال الحيوي للصين بقارة آسيا.

خاتمة:

من خلال النظر لطبيعة علاقات دول أمريكا اللاتينية الخارجية -لا سيما مع إيران والصين- نخلص بعدد من الدلالات والدروس المستفادة:

أولًا- تُعَدُّ قضايا الدول اللاتينية -على ما فيها من دروس وعِبر يمكن الاستفادة منها في واقعنا العربي والإسلامي – على هامش الاهتمام العربي والإسلامي لاسيما البحثي، فعلى الرغم مما قد عرضْناه، فإن الدراسات المعروضة تُعَدُّ قديمةً نسبيًّا لما تمرُّ به هذه العلاقات من تغيُّرات وتطورات متسارعة يمكن الوقوف عندها كثيرًا للدراسة والبحث والتحليل.

ثانيًا- تقوم إيران بجهد مضنٍ في نشر المذهب الشيعي -بأهداف سياسية- في دول أمريكا اللاتينية في ضوء استراتيجيَّتها لكسْر العُزلة الدولية المفروضة عليها، وهنا يأتي التساؤل: أين الدور العربي والإسلامي -سياسيًّا، وثقافيًّا، ودينيًّا…- في هذه المنطقة؟ وكيف يمكن توحيد الجهود العربية لدعم النشاط الديني برؤية سياسية شاملة لمواجهة التمدُّد الإيراني في المنطقة؟ وهل يمكن أن تكون هناك استراتيجية عربية إسلامية للاستفادة من التجارب اللاتينية في شتَّى القطاعات التنمويَّة؟

ثالثًا- مع أخذ التشابه في الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين البلدان العربية وبلدان أمريكا اللاتينية بعين الاعتبار؛ تنبع أهمية تنمية العلاقات بين الطرفين كونها قاطرةً تبادُليَّةً في قطاعات شتَّى، أهمها منح القضية الفلسطينية الدعم والثقل السياسي في المحافل الدولية من خلال اعتراف الدول اللاتينية بالحق التاريخي للفلسطينيِّين في بناء دولتهم وإنهاء الاحتلال الصهيوني، وذلك في ضوء الدعم التاريخي من الدول العربية لحركات التحرُّر اللاتينية، وكذا الاستفادة من خبرات هذه الدول وتجاربها في البناء الديمقراطي، والتنمية الاقتصادية المتوازنة… إلخ، وذلك من خلال زخم التبادلات السياسية والاقتصادية في ضوء القمم والمنتديات العربية اللاتينية على غرار مجلس العلاقات العربية مع أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي “كارلاك” الذي أنشئ مؤخرًا بدعم من الإمارات وبعض الدول العربية.

إجمالًا، يمكننا أن نصيغ رؤية حول تعزيز العلاقات العربية بأمريكا اللاتينية على مستويين: الأول- مستوى السياسات الحكومية، من حيث ضرورة وضع استراتيجية شاملة للتقارب وتنمية العلاقات مع الدول اللاتينية بما يُفيد عالمنا العربي والإسلامي في شتَّى القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وذلك من خلال دعم الجهود التقاربية مع هذه الدول سواء كانت فردية أو جماعية، والثاني- مستوى مجتمعي بحثي، بأن يكون هناك جهد منظم ومدعوم برؤية بحثية تقوم عليها الجهات والمراكز البحثية لدراسة قضايا الشأن اللاتيني وما يتقاطع به مع واقعنا العربي بهدف استخلاص الدروس والعِبر، وأن يتَّسم هذا المسْعى بالدورية والاستمرارية لتغطية مستجدَّات الشأن السياسي والاقتصادي المتغير.

 

فصلية قضايا ونظرات – العدد الثامن والعشرون – يناير 2023

______________________

الهوامش

[1] نهى شحاتة، التغلغل الإيراني في أمريكا اللاتينية، المركز العربي للبحوث والدراسات، مجلة آفاق سياسية، العدد 18، 2015.

[2] أمل مختار، العلاقات الإيرانية – اللاتينية بعد تولي روحاني: فرص استعادة النفوذ في بيئة متغيرة، مركز الخليج للدراسات الإيرانية، مجلة الدراسات الإيرانية، المجلد 1، العدد 4، 2017.

[3] محمود صافي، محور بكين – أمريكا اللاتينية: استراتيجية الصعود الصيني وفرص بكين الكبرى في أمريكا اللاتينية، المركز العربي للبحوث والدراسات، مجلة آفاق سياسية، العدد 16، 2015.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى