عرض كتاب “العولمة والنساء في العالم الثالث”

مقدمة:

إن منظومات الهيمنة العالمية ألقت بثقلها على العديد من المناطق والفئات المختلفة في العالم، خاصة العولمة النيوليبرالية (الليبرالية الجديدة) كمنظومة عالمية للهيمنة، قوبلت تلك المنظومة بمقاومة من قبل الأفراد سواء كانوا رجالا أو نساءً في جميع أنحاء العالم، فرادى أو جماعات. وإذا ما نظرنا لحال المرأة في دول العالم الثالث سنجد أنهن فئة مستضعفة ضمن مجتمعات مستضعفة، فكيف يمكن لهن مقاومة منظومات عالمية للهيمنة تتمثَّل في العولمة النيوليبرالية العالمية.

يمكن إعادة تعريف وتحديد العولمة النيوليبرالية من خلال دراسة مواطن استغلالها للفئات الأكثر استضعافًا مثل نساء العالم الثالث[1]، ومن خلال تحديد كيفية مقاومة تلك المساحات التي يتم فيها استغلالهن يمكن البحث والمطالبة بمنظومات عالمية أكثر عدالة، بالإضافة إلى تحديد الاختلاف بين حجم الاستغلال ومنظومات الهيمنة التي تتعرَّض لها الدول المختلفة بين دول كبرى وأخرى صغرى، والفروق في الاستغلال والهيمنة التي يتعرَّض لها كل من الرجال والنساء.

تعرض هذه الورقة لكتاب يستعرض منظومات الهيمنة العالمية للعولمة النيوليبرالية من خلال دراسة فئة من الفئات التي تتعرَّض للاستغلال مثل النساء، هذا الكتاب عنوانه “العولمة ونساء العالم الثالث: الاستغلال والتعايش والمقاومة[2]، وقد حَرَّرَ هذا الكتاب كلٌّ من ليجيا ماكجفرن وإيسادور ويلمان، وينقسم الكتاب إلى عشرة فصول، تتمحور تلك الفصول حول دراسة العولمة والرأسمالية الاقتصادية وتأثير ذلك على هوية النساء والمهاجرات في دول ومجتمعات مختلفة ودراسة قضايا تتعلق بتجارة النساء عبر العالم.

  • منهجية الكتاب:

ترتكز منهجية الكتاب على اعتبار العولمة النيوليبرالية ليست عملية محايدة، فهي جندرية، وقد أدَّت إلى تفاقُم عدم المساواة الاجتماعية المحلية والعالمية. وبالتالي، هناك مقاومة متزايدة ضدَّ مسارها المدمِّر والبحث يتزايد عن بدائل أخرى لعملياتها. إن نساء العالم الثالث يُعانين من التأثير السلبي للعولمة النيوليبرالية بشكل أكثر من رجال ونساء العالم الأول، وتتحدَّى مقاومتُهم الهيمنةَ التي تؤكِّدها السياسات النيوليبرالية، رغم أن مقاومة مثل تلك السياسات غالبًا ما يكون صعبًا ولا يخلو من المشاكل والمخاطر، خاصة عندما تردُّ الدولة النيوليبرالية بالقمع السياسي والعسكري. بالإضافة إلى ذلك يطرح الكتاب إطارًا مفاهيميًّا ينطلق من مفهوم العولمة النيوليبرالية وتتفرَّع منها مجموعة من المفاهيم المرتبطة بها مثل عدم المساواة والإمبريالية والاستعمار.

  • محتوى الكتاب:

يتناول الكتاب كلًّا من عدم المساواة والرأسمالية العالمية وسياسات الهجرة والهوية والمعاناة والتضامن ودراسة حالات من الشمال والجنوب ومن أمريكا اللاتينية وأفريقيا والنساء المهاجرات مثل الفلبينيَّات في الولايات الأمريكية، في إطار دراسة دور النساء خاصة في العالم الثالث في مواجهة ومقاومة السياسات النيوليبرالية سواء كانت اقتصادية أو ثقافية، وفيما يلي شيء من التفصيل حول فصول الكتاب:

  • الفصل الأول: العولمة وعدم المساواة الإقليمية

أكَّدت العولمة على تقسيم العالم وعدم المساواة بين الشمال والجنوب، وبالإضافة إلى ذلك رسَّخت عدم المساواة بين دول الجنوب العالمي، حيث أدَّت العولمة إلى هجرات اقتصادية بين الدول ذات الفروق الاقتصادية في الإقليم الواحد، هجرات كان أساسُها الاستغلال والفقر. انتشرت تلك الهجرات في جميع أنحاء العالم، وبينما ركَّزت الأدبيات على الهجرات من الجنوب للشمال يركِّز هذا الفصل على الهجرات من الجنوب للجنوب، خاصة هجرات النساء، فلقد تركَّزت هجرات النساء حول العمل في المنازل، ويدرس الفصل حالة عاملات المنازل في جوهانسبرج في جنوب أفريقيا القادمات من مختلف الدول الأفريقية.

يؤكِّد الفصل على أنه أصبح للعاملات المنزليَّات تجارة خاصة بهم تُسَمَّى (تجارة الخادماتMaid trade ) تتدفَّق عبر أنحاء العالم باعتبارها إحدى نتائج وآثار العولمة، وتشْهد جنوب أفريقيا واحدةً من السياسات المتناقضة فيما يتعلَّق بالعاملات المنزليَّات، ففيما تُسَنُّ قوانين لحماية العاملات المنزليات المحليات فإنها لا تأْبه البتَّة بالعاملات المنزليَّات المهاجرات من دول الإقليم مثل زيمبابوي، بل وهناك عداء سياسي تجاههنَّ ضمن العداء السياسي الواضح للعاملين المهاجرين من دول الإقليم، فعلى الرغم من الدور المحوري لهؤلاء العاملين المهاجرين، خاصة النساء منهم، في تزكية الاقتصاد في جنوب أفريقيا، فإنهن يتعرَّضن لأقصى درجة من الاستغلال مادِّيًّا وجسديًّا على يد أرْباب العمل والعصابات التي تعمل على نقلهنَّ عبر الحدود.

  • الفصل الثاني: الرأسمالية العالمية والنساء

للرأسمالية دور كبير في تغيير الاقتصاد العالمي والمحلي، وفي أثناء ذلك فإنها تُغَيِّرُ البنى الاجتماعية والسياسية لمتبنِّيها، وتقوم على الاستغلال للقوى العاملة التي تحاول النجاة من الانسحاق الاقتصادي، ويركِّز الفصل الثاني على كيفية تغيير الرأسمالية وعملياتها لحياة النساء، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.

فمع تزايُد الهجرة النسائية عبر الحدود من الجنوب إلى الشمال من أجل الفرص الاقتصادية التي تُتيحها مجالات العمل المعتمِد على النساء مثل العاملات المنزليَّات؛ يؤدِّي ذلك إلى تغيير الطبقات الاقتصادية في الدول الطاردة لتلك العمالة، بالإضافة إلى تغييرٍ في الأدوار الاجتماعية حيث يبقى الرجال من أجل رعاية الأطفال وكبار السن، أو ينضمُّون هم أيضًا إلى قطار الهجرة الاقتصادية للشمال، ممَّا يترك الفئات الأكثر فقرًا وضعفًا في الجنوب مثل الأطفال وكبار السِّن دون رعاية حقيقة كانت تقوم بها النساء.

فالرأسمالية بهذا الشكل لا تُعيد فقط تشكيل الأوضاع الاجتماعية في الدول المستقبِلة لتلك الهجرات، بل تُعيد تشكيل المجتمعات في الدول التي يرغب رجالُها ونساؤها في الهرب منها، من حيث آفاق المستقبل في أجيال لم تتم رعايتها بشكل كافٍ أو حتى في نقص عدد السكَّان نتيجةَ نقص أعداد النساء المنجِبات في تلك الدول؛ وما يتبعه من نقص في التعليم والحماية الاجتماعية بشكل كلي.

  • الفصل الثالث: الهجرة والسياسات عبر الحدود وحدود الدولة في تحدي القوانين

يدرس هذا الفصل تجربة التنظيم العابر للحدود للمهاجرين الفلبينيِّين في التنظيم والتعبئة عبر الحدود للمحافظة والدفاع عن حقوقهم، يقوم الفصل على دراسة ميدانية قام بها الكاتب للتنظيم في مانيلا بالفلبين بين عامي 1997-2001 من خلال دراسة حملاتهم وتعبئتهم للعاملين والمهاجرين في مختلف الدول.

تعمل المنظمة على جبهتين: الأولى حماية حقوق الفلبينيين في الدول التي هاجروا إليها، والثانية محاولة تغيير السياسات التي تدفع بالفلبينيِّين إلى الهرب من دولتهم إلى دول أخرى، حيث يعتبر التنظيم أن الدولة مسؤولة عن الوضع العام للفلبينيِّين ورغبتهم في تَرْكِ أُسرهم والعمل في الخارج، كما يحاول التنظيم الدفعَ بفكرة المواطنة الفلبينيَّة العالمية التي تنبثق من حراكِ أفْقرِ وأضْعفِ طبقات العاملين في الفلبين المضطرة للسفر للعمل كعمالة غير ماهرة أو عاملات منزليات في دول أخرى.

  • الفصل الرابع: الهويات والوطن والإمبريالية

يعكس هذا الفصل بعض الاتجاهات النظرية الرئيسية التي ميَّزت جوانب معيَّنة من الحركة النسوية الفلبينية الأمريكية، باعتبارها أكبر مجموعة من “الأمريكيِّين الآسيويِّين” في الولايات المتحدة اليوم، حيث تتجلَّى آثارُ الاستعمار الأمريكي في التهميش والاستغلال المستمرِّ لحوالي ثلاثة ملايين فلبِّيني يعيشون ويعملون داخل مدن الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي هذا السياق فإن هذا الفصل يؤكِّد على أن تاريخ وظروف الأمريكيِّين الفلبينيِّين في هذا البلد لا يمكن مساواته وإدراجه ضمن فئة “الأمريكيين الآسيويين” بشكل عام، ففي حين أن الفلبينيين قد يتشاركون بعض أوجه التشابه مع المجموعات العرقية الآسيوية الأخرى، فإن ما يجعلهم متميِّزين هو حقيقة أن “بلدهم الأصلي كان موضوعًا للاستعمار العنيف والقهر المطلق من قبل رأس المال الاحتكاري الأمريكي” وأن أيَّ سعيٍ للخلاص من الهيمنة الاستعمارية التي يعاني منها الأمريكيُّون الفلبينيِّين -خاصة النساء منهم- لا بدَّ أن تبدأ بتخلُّص الفلبين نفسها من هذا الإرث الاستعماري.

  • الفصل الخامس: النضال من أجل السيادة على الأرض والغذاء

تتصاعد في كينيا انتفاضة أخرى للماوماو* ضدَّ احتكار كبار الملاك والشركات للأراضي في كينيا، يقود تلك الانتفاضة الفلاحات والنساء اللاتي لا يملكن أرضًا، وقطاع الاقتصاد غير الرسمي والعديد من قطاعات الفقراء، وتتمثَّل مطالب تلك الانتفاضة في ملكية عامة للأراضي والتعليم الشامل والمجاني ومراقبة الإنتاج الزراعي، ويركِّز هذا الفصل على دور النساء اللاتي لا يملكن أرضًا في نضالهنَّ من أجل ملكية عامة للأراضي.

كانت الشركات تستولي على الأراضي الخصبة في كينيا ويتم وضع سياج حولها باعتبارها ملكية خاصة من أجل زيادة إنتاج الأراضي من المحاصيل الزراعية المخصَّصة للتصدير، وتصاعدت تلك العمليات في الواقع الكيني منذ الاستقلال وحتى بدايات الألفية الثالثة بشكل مطَّرد، ممَّا نتجَ عنه تزايُدٌ في الفقر وعدم قدرة صغار الفلاحين عن مقاومة الشركات الكبرى وآليَّات إنتاجها، وقد قامت حركة الماوماو الحديثة -خاصة في شِقِّها النسائي- بالدفاع عن الملكية العامة للأراضي من أجل الدفاع عن الإنتاج المشترك ولإنتاج مساحات اقتصادية مخالفة للاقتصاد الرأسمالي الاستغلالي الذي سادَ منذ استقلال البلاد، نتجَ عن تلك المطالبات وذلك النضال سندات ملكية جماعية للأراضي المشتركة، وتعويضات عن الاغتصاب الذي كان يتمُّ للفلاحات من قبل العصابات التي تحمي تلك الشركات، والتنظيم المستقلِّ للملكية الجماعية من قبل الفلاحين.

  • الفصل السادس: اقتصاديات بديلة.. تنظيم الاقتصاد التضامني

في عام 1994، وافق الكونجرس الأمريكي على معاهدة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)* مع المكسيك وكندا،  وقد أضرَّت تلك الاتفاقية بشكل خاص بالطبقات الشعبية في المكسيك، بما في ذلك المزارعين والعمال الصناعيين وأصحاب الأعمال الصغيرة. يستعرض هذا الفصل بإيجاز التفاوتات الهيكلية المتزايدة التي سببتها سياسة التجارة الحرة هذه. بالتزامن مع قوانين الهجرة الأمريكية القاسية وانخفاض الإنفاق الاجتماعي من قبل الحكومتين الليبراليَّتين الجديدتين في المكسيك والولايات المتحدة. مع الأخذ في الاعتبار أن محل تركيز الفصل على تأثيرات الليبرالية الجديدة على النساء والأُسر التي تركها المهاجرون الذكور إلى الولايات المتحدة من المكسيك، من خلال النظر في دراسة حالة إثنوغرافية لبعض النساء الريفيَّات حيث ارتكزتْ مقاومتهم من خلال طريق تشكيل تعاونيَّات الإنتاج النسائية. وتعاونيَّاتهم هي مجرد مثال واحد على الممارسات الاقتصادية البديلة للاقتصادات الرأسمالية كجزء مما يُسَمَّى “الاقتصاد السياسي التضامني”.

يذكر الفصل ثلاثة أمثلة على إنشاء شبكات اقتصادية تعاونية بديلة تعمل على تمكين المرأة في أمريكا اللاتينية، وهي: أولًا- حركة العمال الزراعيين الذين لا يملكون أرضًا في البرازيل، حيث يُنشيء عمَّال المزارع مجتمعات تعاونية على أراضٍ لا تتم زراعتها حاليًّا، مملوكة لأصحاب الأراضي الأثرياء، ويبدأون في زراعة الأرض بشكل تعاوني، ويطالبون بملكيَّتها بموجب القانون البرازيلي الذي يشترط أن تكون الأرض لخدمة الاستخدام الاجتماعي وإلا يحقُّ للحكومة مصادرتها.

والمثال الثاني يتعلَّق بحركة زاباتيستا في تشياباس بالمكسيك، التي شاركت منذ عام 1994 في معارضة التغييرات في الدستور المكسيكي التي استفاد منها المستثمرون الخارجيون في الأراضي على حسابهم. إنهم يهدفون إلى إنشاء مجتمعات أصلية مستقلَّة تسيطر على الأرض بشكل جماعي وتتَّخذ القرارات من خلال الديمقراطية التشاركية، وتشارك النساء المنتميات إلى تعاونيَّات الإنتاج على قدم المساواة في عملية صنع القرار.

المثال الأخير الذي قدَّمه الفصل يتعلَّق بحركة العمَّال العاطلين عن العمل المستقلِّين في لاماتانزا، وهو حي في بوينس آيرس، عاصمة الأرجنتين، حيث تتولَّى النساء قيادة مختلف التعاونيَّات العمَّالية التي تشكَّلت منذ استيلاء العمال هناك على المصانع التي أغلقتْ أبوابها في الأزمة الاقتصادية في عام 2001. ويشاركون في إنشاء مدرسة مجانية للأطفال بناءً على مبادئ تعاونية مفادها أنه يجب على الأطفال أن يتعلَّموا التفكير النقدي لأنفسهم وأن يتعلَّموا المشاركة بشكل ديمقراطي في قرارات التعليم في المدرسة.

  • الفصل السابع: نحو اقتصاد عالمي للمشاركة

نتج عن العقود الماضية من التنمية المؤسَّسة على الوقود الأحفوري أزمات بيئيَّة عدَّة يُعاني منها الأشخاص في جميع أنحاء العالم، يدرس هذا الفصل الحراك ضدَّ الوقود الأحفورى من خلال الحركات النسائية التي تطالب بعدم استخراجه من الأساس في كلٍّ من نيجيريا وكوستاريكا والإكوادور، بالإضافة إلى المطالب بالاستغلال الجماعي الداعم للبيئة بدلًا من الاستغلال التدميري للبيئة.

يحاول هذا الفصل تقديم بديل لسيطرة الاقتصاد النيوليبرالي العالمي بقيادة الدول الكبرى والشركات متعدِّدة الجنسيَّات على الوقود الأحفوري، من خلال إعادة السيطرة على الموارد إلى الشعوب سواء من خلال بعض الدعم الذي تقدِّمه الدول إلى المنظمات التي تكافح من أجل هذا الهدف، كما في (كوبا، وفنزويلا، والإكوادور، وكوستاريكا… وغيرها)، حيث رفضت هذه الدول عروض تلك الشركات للسيادة على الموارد الطبيعية. وفي حالات أخرى، يأتي الدعم من التشبيك العابر للحدود بين منظمات المجتمع المدني، كما هو الحال في تحرُّكات الفلاحات النيجيريَّات في 1999 و2002-2003.

  • الفصل الثامن: الليبرالية الجديدة في خطاب التنمية للمرأة

يدرس هذا الفصل عملية تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين من خلال سَدِّ الفجوة الرقمية بينهم، حيث تصاعدت أعداد برامج التنمية المصمَّمة لمعالجة فجوة تكنولوجيا المعلومات بين البلدان الغنية والفقيرة. كثير من تلك البرامج مصمَّمة للنساء في الدول الفقيرة بشكل خاص، وذلك لأن نساء العالم الثالث يشكِّلن محور تركيز قوي لهذه البرامج، لأنه يعتقد أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يمكن أن تساعدهنَّ على تجاوز مراحل التنمية الأخرى، ويركِّز الفصل بشكلٍ خاصٍّ على دراسة خطاب تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة في أفريقيا.

ويرى الكاتب أن خطاب تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الذي يتبنَّاه صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة والذي يمنح الأفضلية للمعرفة المتخصِّصة “يسلب” الفرصة من النساء على مستوى القاعدة الشعبية لتحديد احتياجاتهن من الواقع، وإنشاء مشاريع مبتكرة تستخدم تلك التكنولوجيا، حيث إن ذلك الخطاب يفرض آليات معيَّنة وتصوُّرات جاهزة عن التنمية مستوردة وليست نابعة من البيئات وتصورات النساء المستهدفات؛ ممَّا يعني إقصاء النساء عن تلك المساحات وليس إدماجهن فيها.

  • الفصل التاسع: العولمة وتمكين النساء في أفريقيا

يتناول هذا الفصل تأثير العولمة في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية متعدِّدة الأبعاد لحياة المرأة وتمكينها في أفريقيا؛ ويؤكد على أن العولمة أدَّت إلى زيادة انتهاكات حقوق المرأة الاقتصادية والسياسية والثقافية بسبب برامج التكيُّف الهيكلي التي اعتمدتْها العديدُ من البلدان الأفريقية. ويستكْشف الفصلُ أيضًا العواملَ الاجتماعية والاقتصادية التي تعوق دمج المرأة في المناصب القيادية السياسية في القارة. ومع ذلك، وسط هذه العقبات، تسعى النساء في أفريقيا إلى الحصول على فرص متزايدة للعمل التضامني على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية للمطالبة بحقوقهن.

  • الفصل العاشر: العولمة وتسليع المرأة جنسيًّا

يقدِّم هذا الفصل لمحة موجزة عن عمليات الاتجار بالجنس في جنوب آسيا، ويوضِّح كيف تتقاطع الاتجاهات العالمية والإقليمية والمحلية في هذه المنطقة، وتشكُّل عمليات الاتجار بالجنس والاستجابات لها سواء كانت محلية أو إقليمية أو عالمية. ويطرح الفصل نماذج من عمليات الاتجار تلك في كلٍّ من الهند وباكستان ونيبال وبنجلاديش وفيما بينها لإظهار كيف تقود الهيمنة المحلية عملية وتنظيم الاتجار بالجنس. بالإضافة إلى مناقشة الاستجابات لتلك العمليات من قبل الحكومات والجهات الفاعلة غير الحكومية.

إن عمليات الاتجار بالجنس في جنوب آسيا لا تتعلَّق باختيارات فردية للنساء، إنما تتعلَّق بمنظومات الهيمنة الاقتصادية التي تفرضها النيوليبرالية، وعليه، يتطلَّب التصدِّي لتلك العمليات معالجةَ طبيعة عولمة الشركات العالمية ومحاولاتها المتواصلة لخصخصة الموارد وتفكيك الضمانات الحكومية بحيث تصبح جميع الموارد والخدمات ودعم الرعاية الاجتماعية سلعًا للبيع والربح، وكيف يؤثِّر ذلك في حياة الفقراء والمحتاجين.

خاتمة:

تناول هذا الكتاب إشكاليَّات الفئات المهمَّشة، خاصة النساء، من منظور يساري يعتبر أن كافة الإشكاليات التي تعاني منها النساء في الدول الفقيرة ناتجة بشكل أساسي عن ممارسات تطبيق النيوليبرالية الاقتصادية، وما لها من تأثيرات اجتماعية وسياسية تزيد من حالة التهميش والفقر وعدم التمكين، كما تناول أيضًا عددًا من نماذج مقاومة الحركات النسائية ضد تلك الهيمنة الاقتصادية.

تجدر الإشارة هنا إلى أن حالات المقاومة التي ذكرتها الدراسة ركَّزت على الملكية الجماعية للموارد في مقابل الملكية الخاصة للشركات العالمية بشكل خاص، حيث اعتبر الكتاب أن الملكية الجماعية كانت وما زالت أحد الحلول للفقراء والمستضعفين والمطردوين من الرأسمالية حسب الكتاب في خلق بدائل تفيد المجتمعات، ولكن يظلُّ السؤال مطروحًا حول مدى نجاح تلك الملكيات على المدى الطويل وما إمكانية تطويرها لتكون بديلًا حقيقيًّا عالميًّا أمام الرأسمالية؟

 

هوامش

[1] يعترض الكثير من الباحثين بأن مصطلح العالم الثالث انتهى من الوجود، إلا  أن منظومات الهيمنة العالمية الحالية تعيد تأكيد هذا المصطلح، ومن جانب آخر فإن استخدام مصطلح نساء العالم الثالث يظهر إدراك الفروق بين الفئات التي تُعاني من منظومات العولمة الليبرالية، واعتراف بأن النساء في تلك الدول هن الفئة الأكثر استضعافًا.

[2] Ligaya  Lindio-Mcgovern  and Isidor Wallimann, Globalization and Third World Women: Exploitation, Coping and Resistance, (New York: Routledge, 2016).

* الماوماو وهي كلمة قديمة تعني الأجداد أو اخرج، وأطلقت على جيش الأرض والحرية الكيني، في خمسينيَّات القرن الماضي، ونشأ الماوماو في كينيا من تجمع العديد من القبائل مثل الكيكوكو لمحاربة الاستعمار البريطاني والذي كان يهدف بالأساس إلى الاستيلاء على الأراضي الكينية للزراعة، واستمرَّت انتفاضة الماوماو في كينيا حتى الاستقلال، ويطلق نفس اللفظ على النضال ضدَّ الاقتصاد النيوليبرالي في كينيا في الوقت الحالي.

* نافتا (NAFTA) أو اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، هي معاهدة لإنشاء منطقة تجارية حرة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. وقعت اتفاقية التبادل الحر لأمريكا الشمالية في ديسمبر 1992 وأصبحت سارية المفعول في يناير سنة 1994.

 

  • نُشر في فصلية قضايا ونظرات- العدد الحادي والثلاثون- أكتوبر 2023

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى