تطور المجال العام في ظل التواصل السيبراني: الفرص والتحديات

مقدمة:

ارتبطت موجة الاحتجاجات والثورات التي اجتاحت المنطقة العربية مطالبة بالتغيير، من قِبل شريحة الشباب، بصعود نجم شبكات التواصل الاجتماعي، وغيرها من شبكات التواصل الافتراضية، والتي وجد فيها الشـباب العربي مَنفذا للتعبير عن آمالهم وطموحاتهم ورغباتهم في التغيير، حتى غدت بمثابة محرك فاعل ومؤثر في الثورات والمظاهرات والأحداث التي شهدتها المنطقة العربية”[1].

كان هذا التصور المتصدِّر -في منطقتنا العربية على وجه الخصوص- حول العلاقة بين المجال الإلكتروني الافتراضي والمجال العام في السنوات الأولى من العقد الماضي (العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين): أن المساحة الافتراضية cyber space أضحت تمثل امتدادا للمجال العام، وشكلا جديدا من أشكاله؛ لِما أتاحته من فرص وآليات للتعبير الحر عن الرأي العام، بعيدا عن قيود السلطات والنظم الرسمية. ولكن، هل مازالت هذه الصورة قائمة حتى الآن، أم طرأ عليها تغيرات أو تطورات إيجابية أو سلبية؟ بعبارة أخرى؛ ما الفرص والتحديات القائمة أمام تطور المجال العام في ظل تطور المساحات الافتراضية أو التواصل “السيبراني” في عالمنا؟

والحقيقة أن هذا التساؤل ليس جديدا في ذاته؛ فالنقاشات حول “المجال العام الافتراضي” قائمة منذ فترة، وإن كان ما يطرأ من مستجدات وتطورات في مجال التواصل الافتراضي، وفي وعي وإدراك الأجيال المتعاقبة، يجعل ذلك التساؤل محل نقاش مستمر حتى الآن.

فقد برز دور المجال الافتراضي في دعم الديمقراطية، سواء في الديمقراطيات الراسخة أو في نظم عانت شعوبها الاستبداد فترات طويلة؛ ما جعل الكثيرين يتحدثون عن المجال العام الافتراضي، ويرون أن “السيبرانية” داعم كبير للديمقراطية وسبب لتحول هيكلي جديد في المجال العام. غير أن انتكاس بعض تلك التحولات –خاصة في دول الثورات العربية- وارتدادها أو الالتفاف عليها بطرق مختلفة، بل وتغوُل نظم الاستبداد على مساحات التواصل الافتراضي واستخدام ذات أدواتها في تضييق ومحاصرة المجال العام (ليس الافتراضي فقط بل والمادي أيضا) يدفعنا إلى إعادة التفكير في دور “التواصل السيبراني” في تطور المجال العام، واتجاه هذا التطور، وما يطرحه هذا النمط من التواصل من فرص وتحديات أمام تطور المجال العام.

وتتعدد تعريفات مفهوم “السيبرانية”، ومن تعريفاتها المبسَّطة أنها: “علم التحكم في العملية الاتصالية”، أو أنها “القدرة على الحصول على النتائج المرجوة من خلال استخدام مصادر المعلومات المرتبطة بالفضاء السيبراني”. وعرَّفها البعض في إطار علاقتها بالمجال السياسي، بأنها “نتاج الثورة الرقمية .. التي أتاحت مساحة مناسبة للعنصر البشري أن يلعب دورا أساسيا للتأثير في مخرجات النظام السياسي، من خلال الوسائط الرقمية الناقلة”، أو أنها “فاعل دولي جديد يستفيد من الأدوات والوسائل العصرية التي أنتجتها الثورة التقنية .. لإعادة قولبة نمط المجتمعات وبنائها السياسي بالشكل الذي يسهم في تغيير أساليب التفكير، وإحلال طرق جديدة لتغيير الأنظمة، بدلا من التغيير العنيف”. كما عرفها البعض بأنها “ذلك الفضاء المتاح عبر الوسائط الشبكية بمختلف أنواعها، والذي يمكِّن الفرد والجماعة من ممارسة أدوار مجتمعية ذاتية إرادية تتسم بالطابع التشاركي والتفاعلي وقادرة على تحصيل تأثير محسوس على البيئة المحيطة بأنظمتها الفرعية”، وأنها “عملية في أصلها مادي.. فاعل قوي يضمن التوسيع من التحكم في المجال العام، بمعنى ضمان المشاركة الافتراضية الواسعة لكن مع القدرة على توجيهها والتأثير عليها”[2].

يتبين من هذه التعريفات أن “السيبرانية” أو التواصل الإلكتروني قد يلعب دورا –في إطار علاقته بالمجال العام- في كلا الاتجاهين: توسيع المجال العام وتحسين فرص النقاش والحوار الحر فيه، أو على العكس: تضييق المجال العام وتقييده؛ وذلك وفق توازن الأطراف الفاعلة فيه، بين أطراف مجتمعية تمارس النقاش الحر، وأطراف سياسية واقتصادية قد تحاصر ذلك النقاش أو تضلل المشاركين فيه.

أولًا- جدالات نظرية حول الإنترنت والمجال العام

في هذا الإطار، أدى ظهور الإنترنت وانتشاره عبر العالم إلى ظهور مفهوم يربط تأثير هذا الانتشار بالمجال العام، وهو مفهوم “المجال العام الافتراضي”. وقد تعددت الآراء النظرية حول هذا المفهوم: هل يمثل في ذاته مجالا عاما، أم إنه مجرد مساحة تُيسِّر أو تدعم فعالية المجال العام، أم إنه يشتت المجال العام ويمزقه..؟

فقد رأى هابرماس (مطوِّر مفهوم المجال العام) أن الإعلام الإلكتروني -رغم انتشاره- لا يمثل وسيطا أو أداة أساسية في تشكيل المجال العام، وأن وسائل الإعلام التقليدية تظل هي الموجِّه والفاعل الأساسي في مساحة التواصل السياسي بين المواطنين. ورغم أن ظهور الإنترنت أحدث نقلة نوعية بالسماح للقراء أن يكونوا مؤلفين، فضلا عن إتاحة المشاركة في نقاشات عامة لأعداد أكبر من الأفراد، ولكنه لم يُحدِث في ذاته تقدما في مستوى المجال العام. فإذا كان المجال العام التقليدي يقوم على اهتمام مجموعة من الأفراد المجهولين بقضايا معينة لتنظيمها، فإن الإنترنت لا يحقق ذلك الاهتمام الجمعي في رأي هابرماس، بل على العكس إنه يشتت ويفرق الاهتمامات؛ حيث تتحول الجماعات المختلفة إلى جزر متناثرة مغلقة على ذواتها لكل منها اهتمامات مستقلة، وتفتقد الرابطة الشاملة فيما بينها[3].

وفي هذا الاتجاه نفسه، رأى البعض أن وصف “المجال العام الافتراضي” غير دقيق أو غير صحيح؛ لافتقاده بعض شروط المجال العام، مثل المساواة في التعبير عن الآراء، والعقلانية والمعرفة. فـ”توصيف الفضاء العمومي الافتراضي من منظور هابرماسي قد يكون خاطئا (وفق هذا الرأي)… خاصة فيما يتعلق بأن كل الأطراف المشاركين في المجال العام يمتلكون صوتا مماثلا لأنهم كلهم عقلانيون لهم تجارب في الحياة متماثلة، .. فهناك الكثير ممن يدخلون النقاشات دون دراية أو معرفة، فالشبكات تطرح فكرة وصول الجميع إلى المعلومة والنقاش مفتوح للجميع بغض النظر عن العقلانية التي ينتمي إليها الأشخاص”[4].

في المقابل، يرى آخرون أن الإنترنت والفضاء الإلكتروني يمثل إضافة ونقلة مهمة في مسار وتطور المجال العام؛ لِما يسهم به في توسيع نطاق المجال العام محليا وعالميا، ومجالات النقاش والحوار والمشاركين فيه. فالإنترنت –وفق هذا الرأي- يمثل أداة مهمة أحدثت تطورا ملحوظا في زيادة فاعلية المجال العام العالمي؛ حيث يسهم بشكل واضح في عولمة الموضوعات والقضايا بدلا من اقتصار الاهتمام بها على نطاقات محلية محدودة، ويتيح الوصول للمعلومات حول القضايا المختلفة بسهولة ودون احتكار من الأنظمة الرسمية أو جهات محددة، كما أنه يعد حيزا مفتوحا يمكن من خلاله توجيه خطاب عالمي خاصة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي تتيح التواصل والنقاش المباشر بين الأفراد على المستوى العالمي، والتعبير عن الرأي بحرية دون إكراه أو تهديد من أي طرف[5].

ومن ثم، يتيح الإنترنت في هذا السياق إمكانية التشبيك بين الأنشطة الموجودة في أماكن ودول مختلفة؛ حيث لا يصبح الإنترنت مجرد وسيلة للتواصل أو الوصول للمعلومات بشكل عفوي وغير منظم، وإنما آلية منظمة لتبادل الخبرات والتنسيق المتبادل في الأنشطة والفعاليات والأدوات بين الفاعلين[6]. وكذلك يساعد الفضاء الإلكتروني في سرعة تبادل المعلومات في المجال العام، متخطيا حدود المكان.

لذا، يرى بعض الباحثين أن “ظهور الإنترنت سهَّل عملية إنتاج خطاب قائم على المناقشة العقلانية النقدية بطرق متعددة تقترب من متطلبات المجال العام، … وأتاح مجالا عاما لما يقدمه من مزايا كالدردشة والبريد الإلكتروني وغيرها من البروتوكولات التى مكنت الأفراد من المناقشة والتشاور خلالها”[7].

وعلى مستوى الدراسات العربية، أشار أحد البحوث إلى أن “المسح السريع لأدبيات دراسة العلاقة بين المجتمعات الافتراضية والمجال العام في الوطن العربي أسفرت عن اتجاهين متضادين: الاتجاه الأول يرفض وجود علاقة بين المجتمع الافتراضي والمجال العام بسبب ما يتميز به الحيز الافتراضي من مادية وعدم إنسانية؛ وهو ما لا يتوافق مع طبيعة المجال العام القائمة على التفاعلية الاجتماعية بين مختلف الأفراد. بينما يذهب الاتجاه الثاني إلى إمكانية مساهمة الحيز الافتراضي في بناء المجال العام خاصة في ظل عدم قدرة الأفراد على استخدام الفضاءات التقليدية نتيجة خضوعها للسيطرة من جانب قلة من أفراد المجتمع؛ وهو الأمر الذي قد يمنع تشكيل الهيئة العامة المكونة للمجال العام في داخل الأطر التقليدية المعروفة”[8].

وقد تبدو هذه الآراء النظرية هي في ذاتها افتراضية واحتمالية، وربما مثالية، وتنقصها المؤشرات الواقعية للعلاقة بين السيبرانية المتصاعدة وحالة المجال العام الفعلية، وربما يتجاوزها الواقع بفرض المجال العام الافتراضي بخصائصه وإشكالياته وقدرته على إعادة تعريف ذاته باستمرار. لذا فيما يلي تحاول الورقة استكشاف ما يطرحه الواقع العملي من فرص وتحديات أمام إمكانية تطور المجال العام في ظل التواصل الإلكتروني الافتراضي أو السيبراني، بذكر مؤشرات واقعية تتضافر مع الرؤى النظرية المتنوعة.

ثانيًا- آفاق المجال العام الافتراضي

أصبح المجال العام الافتراضي أمرا مسلَّما به، نتيجة ما أحدثه تطور الإنترنت والتواصل الإلكتروني من إمكانات واسعة لتكوين وإيجاد مساحات افتراضية تتيح للأفراد التعبير والنقاش الحر عن آرائهم حول القضايا المشتركة بينهم بهدف تحقيق مصلحة عامة، في إطار مجموعة من القيم المتفق عليها بينهم (ولو ضمنيا)؛ وهذا جوهر المجال العام.

وإن كان البعض اعتبره بديلا كاملا عن المجال العام المادي أو الواقعي في حال غيابه أو تقييده في بعض النظم والمجتمعات التي تعاني استبدادا، خاصة بعد إسهام وسائل التواصل الاجتماعي في إشعال أو دعم الثورات العربية على سبيل المثال؛ “مبررين ذلك بأن الشباب العربي وجد في الشبكات الاجتماعية وسيلة للتخلص من واقعهم السياسي والاجتماعي مقارنة بالأبنية التقليدية وأهمها: مشكلة الرقابة على وسائل الإعلام، ضيق قاعدة إنتاج المعلومات وتداولها والحصول عليها، مشكلة ضعف رأس المال الاجتماعي”[9]. وهذه مبالغة في التعويل على دور هذه المساحة الافتراضية؛ كونها فرعا ممتدا عن الأصل، قد يقوى ويمتد ولكنه لا يمكن أن يحل محل الأصل.

ولكن لا يمكن إنكار الإمكانات التي يتيحها الإنترنت والتواصل الإلكتروني من فرص لتطور المجال العام؛ نظرا لسهولة الدخول إلى هذه الوسائل في أنحاء كثيرة من العالم، وسهولة الوصول إلى المعلومات ومناقشة مختلف القضايا عبرها بحرية، بالمساواة بين المشاركين في النقاش. وذلك في إطار عملية أوسع هي “الديمقراطية الرقمية”، تقوم على “استخدام الوسائل الإلكترونية للممارسة الديمقراطية سواء ما تعلق بجانبها الرسمي أو غير الرسمي… وتفعيل القنوات الاتصالية بين النخب السياسية والرأي العام، وتطوير آليات صنع السياسات”[10].

وفيما يلي يمكن أن نرصد بعض الفرص والإمكانات التي تتيحها السيبرانية لتطور المجال العام..

  • الإتاحة وسهولة الوصول

أتاح انتشار الإنترنت على نطاق واسع عبر معظم بلدان العالم سهولة دخول الراغبين في المشاركة في النقاشات في المجال العام الافتراضي، عبر طرق وآليات متعددة سواء على المستوى المادي (الأجهزة الممكِّنة للاتصال والتواصل الإلكتروني) أو المستوى التخيلي الافتراضي (المواقع والساحات التي تتيح تبادل المعلومات والآراء). فـ”انخفاض ثمن خدمة الإنترنت، تعدد خدماتها، حرية التعامل على مستواها، كلها سمات مهدت لفاعلية وتفاعلية المستخدمين ونشاطهم من خلال الفضاء الرقمي. الأمر الذي غيَّر من موازين العملية الاتصالية إلى درجة تحول المواطن العادي إلى مواطن صحفي”[11].

غير أن هذه الإتاحة ليست عامة أو مطلقة، وإنما تتأثر باختلاف توزيع الثروات والنفوذ والقوة المادية والمعنوية، مما يحول دون قدرة البعض على الوصول بسهولة إلى إمكانيات التواصل الإلكتروني، أو يحد من حرية مشاركتهم فيها.

  • سهولة الوصول للمعلومات

من الإمكانات التي يتيحها التواصل الإلكتروني لتطور المجال العام: سهولة وسرعة الوصول للمعلومات، وتعدد وتنوع مصادرها المحلية والعالمية، التي باتت تصل إلى كوْن المواطن العادي مصدرا للمعلومة أحيانا؛ في مقابل تعرض وسائل الإعلام والمعلومات التقليدية للتأثر بمصادر القوة والنفوذ السياسي والاقتصادي، ومن ثم شبهة تحيزها أو تزييفها للحقائق. فـ”خاصية الأفقية التي تتمتع بها هذه الشبكات قد مكنت كلَّ من لديه حاسوب متواضع أو هاتف نقال بمواصفات غير معقدة من أن يكون مصدرا للمعلومة والخبر، على النقيض تماما من وسائل الإعلام التقليدية، التي كانت تحتكر مصدر المعلومة والخبر، ولا تقوم بتصريف ما يتوفر لديها من أخبار ومعلومات إلا بانتقائية شديدة”[12].

وفي هذا الإطار وعلى سبيل المثال، أكد بعض الشباب الأردنيين الذين شاركوا في الحراك الشعبي هناك أن الإنترنت و”مواقع التواصل هي وسيلتهم الأهم والأقرب إلى قلوبهم لمتابعة الأحداث والمستجدات..”، وأنها أتاحت لهم “متابعة كثير من القضايا المحلية والعربية والعالمية، وأدركوا أن الاهتمام بالسياسة والانخراط في قضاياها لا يعني بالضرورة النزول إلى الشارع، فكثير من الموضوعات التي طرحت على مواقع التواصل الاجتماعي، تم التعامل معها رسميا، وكان لها تأثير على مجرى الأحداث بعد ذلك، وكان هذا دافعا لهم لزيادة وعيهم السياسي من خلال تكثيف القراءة والبحث عن المعلومة الصحيحة”[13].

  • حرية التعبير والتفاعل

تتيح وسائل التواصل الإلكتروني أيضا حرية التعبير والتفاعل في مناقشة القضايا المختلفة، بعيدا عن الرقابة المباشرة للسلطة، بل بما يجعل الأفراد والجماعات في موقع النقد والرقابة على السلطات الرسمية. فـ”الشبكات الاجتماعية الرقمية ساهمت في تحرر الجمهور من العلاقة العمودية والسلبية مع المؤسسات التقليدية في المجال العام. كما أنها فتحت الباب واسعا أمام التعبير والتعبئة السياسية انطلاقا من القاعدة، إذ تمكنت تلك الشبكات في بعض الأحيان من تجاوز قدرة الفاعلين السياسيين التقليديين، أو أنتجت فاعلية كبيرة في ظل الأنظمة الديكتاتورية التي تمارس رقابة صارمة على الإعلام التقليدي”.

وقد ساهم ذلك في تكوين مجال عام فاعل في بعض الدول التي عانت استبدادًا وقمعا لحرية التعبير لفترات طويلة، مثل سوريا؛ حيث “شكّل الحيّز الافتراضي بالنسبة إلى المحتجين ما يشبه المنتديات الفكرية المفتوحة، التي أطلقت العنان لمناقشة القضايا السياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة المرتبطة بالثورة، وفتحت المجال أمام الشباب السوري )لأول مرة بعد عقود من الجمود والانغلاق( لحوار شامل طال ماضي سورية وحاضرها ومستقبلها”[14].

  • المساهمة في (إعادة) تشكيل الوعي

نتيجة لما تسهم به وسائل التواصل الإلكتروني من سهولة الوصول للمعلومات وإتاحة مساحة للنقاش الحر، تشارك هذه الوسائط في تشكيل أو رفع وعي بعض الفئات بالواقع المحيط؛ بما يدعم المجال العام ويقويه. فقد “أسهمت هذه الشبكات إلى حد ما في رفع منسوب الوعي لدى أعضائها… إنها أذكته وأججته ووجهته ليتحول من وعي فردي خاص إلى وعي جمعي مشترك يكون مدخلا لبناء رأي عام يُعتد به”[15]. وإن كانت “لم تصل لدرجة تحول الوعي الفاعل بقوة والعمل السياسي وآلياته إلا بدرجات قليلة سمحت ربما بتجاوز حاجز الخوف، وأطلقت الخوف المكبوت بقدر ما، وسمحت بمستوى من الجرأة والمران الديمقراطي إلكترونيا”[16].

  • سهولة الحشد لتكوين رأي عام

تسهم وسائل التواصل الإلكتروني كذلك في جذب الانتباه إلى قضايا معينة وتعبئة الأفراد حولها، بما قد يصل إلى تكوين رأي عام حولها. وذلك سواء على مستوى المؤسسات الوسيطة كالأحزاب أو على مستوى الأفراد والجماعات أو الحركات الفاعلة في المجال السياسي والعام؛ فـ”شبكات التواصل الاجتماعى لعبت دورا محوريا فى التعبئة السياسية للمواطنين، ابتداءً من الانتخابات الرئاسية كما حدث أثناء الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكى باراك أوباما 2008، مرورا باحتجاجات الانتخابات الرئاسية الإيرانية عبر تويتر 2009، وثورات الربيع العربى 2011، واحتجاجات الشباب غير العامل فى إسبانيا 2011″[17].

على سبيل المثال، تشير إحدى الدراسات إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي كانت وسيطا مركزيا للحراك الذي فجرته حركة 20 فبراير في المغرب عام 2011؛ “إذا لم يكن في دفع الجماهير للنزول إلى الشارع بالجملة، فعلى الأقل في تعبئتها والرفع من منسوب الوعي لديها، وإقناعها بضرورة الفعل الجمعي على مستوى المعلومات والأفكار أولا، ثم على مستوى التجاوب الميداني المباشر فيما بعد”[18].

وفي هذا الإطار يُعد ما يمكن تسميته “الاحتجاج الرقمي” من النواتج المهمة لتأثير التواصل الإلكتروني في المجال العام؛ حيث تقوم على: التدفق المستمر والآني للمعلومات والقضايا العامة، الحشد والتعارف حول القضايا العامة، دفع جدار الحصار المفروض على حرية التعبير وفتحه وتطويره بشكل تلقائي، نشأة أفكار عديدة، التنسيق والتنظيم العلني من خلال مواقع التواصل، انتقال الاحتجاج إلى الشارع في بعض الأحيان نتيجة اقتناع الناس بما يطرح من أفكار، الانتشار والتوسع أفقيا باتجاه الشعب وعموديا باتجاه السلطة، الوجود الإعلامي المكثف والبث المباشر على مواقع التواصل الاجتماعي يكون خير وسيلة لردع السلطة عن البطش بالمحتجين. ويتفاوت تأثير هذا الحشد الإلكتروني في الواقع وفق طبيعة القضية وحجمها ودرجة الاهتمام بها.. وغير ذلك من العوامل؛ فقد تلقى المطالب المطروحة أحيانا استجابة من السلطات الرسمية قبل أو بعد انتقالها إلى الشارع، وقد يتم تجاهلها أحيانا أخرى[19].

  • مناقشة قضايا قد يصعب مناقشتها في الواقع المادي

أصبح من الممكن مناقشة بعض القضايا التي تحوز اهتمام بعض الأفراد والجماعات عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، عبر إثارة البعض لها وحشد الاهتمام والتضامن حولها، في حين لم تكن تلك القضايا تحظى باهتمام وسائل الإعلام والتواصل التقليدية؛ لسيطرة توجهات معينة عليها تفرض اهتمامات ونقاشات محددة؛ مثل قضايا الحريات، أو التحرش، أو غيرها. بل صارت الوسائل الإلكترونية في أحيان كثيرة مصدرا تستمد منه وسائل الإعلام التقليدية القضايا المطروحة للنقاش العام.

وقد عقدت إحدى الباحثات مقارنة بين المجال العام التقليدي والمجال العام الافتراضي أو الرقمي؛ مبينة من خلالها أن وسائل التواصل الإلكترونية تمثل صورة جديدة للمجال العام على نحو افتراضي، و”أننا نعيش تحولا تاريخيا لا يمكن تجاوزه في إمكانيات الفعل التواصلي العقلاني وأدواته، وهذا التحول وضعنا أمام تحول تاريخي آخر لمفهوم المجال العام، أفرزته البيئة الرقمية التي تغلغلت في حياة الناس ومجتمعاتهم… الفرق بين التحولين أن الأول جاء عقب انتشار وسائل الإعلام الجماهيرية (من الفرد إلى الجمهور)، وكان أثره سلبيا على المجال العام من حيث تفكيكه وانهياره… أما التحول الثاني، فجاء عقب انتشار وسائل الإعلام الرقمي ومنصاته المختلفة (من الجمهور إلى الجمهور)، وكان أثرها إيجابيا على المجال العام من حيث إعادة إحيائه وإتاحته لأكبر عدد من المستخدمين. وعادت له وظيفته في التأثير على الأنظمة السياسية، وأصبح جزءا من آلية العمل السياسي”[20].

غير أن هذا المناظرة بين المجالين تطرح بعض الإشكاليات؛ مثل مدى إتاحة الإنترنت ووسائل التواصل الإلكتروني للجميع على السواء، محليا وعالميا، ومدى تأثير النفوذ الاقتصادي للدول والشركات في ذلك. وكذلك مدى استقلالية تلك الوسائل عن الأنظمة السياسية، ومدى قدرتها على التأثير فيها من حيث الإتاحة وحرية التعبير وتوفير المعلومات ومصداقيتها.. إلخ.

هذه الإشكاليات قد يعتبرها البعض إخلالا بشروط المجال العام في المساحة الافتراضية، وقد يعتبرها البعض الآخر انتقالا لإشكاليات المجال العام المادي إلى الواقع الافتراضي. وفي كلا الحالتين تمثل هذه الإشكاليات تحديات تواجه تطور المجال العام الافتراضي، على نحو ما سنرى.

ثالثًا- تحديات التواصل الإلكتروني

يرى أحد الاتجاهات أن المجال العام الافتراضي انعكاس للمجال العام المادي أو الواقعي، فإذا قَوِيَ الثاني قوي الأول والعكس. ومن ثم ذهب البعض إلى أن دور وسائل التواصل الإلكتروني في دعم الحراك الشعبي والمجال العام في المنطقة العربية خفت وتراجع بتراجع الثورات ذاتها والالتفاف عليها، فمثلا يشير أحد الباحثين إلى أن “شبكات التواصل الاجتماعي بالمغرب، وإن استطاعت في البداية، تشكيل رأي عام اتخذ من الواقعي ومن الافتراضي دعامته لتأسيس المجال العام، فإن هذا المعطى سرعان ما تراجع زخمه بمجرد خفوت “الربيع العربي” وتأكُّد الجماهير من أن الأمر لم يخرج عن كونه مجرد سراب عابر”. ويرى أن “الدراسات والتقارير المتوفرة لم تنجح في تعيين دورها بالتحديد… لا سيما في الفترات الزمنية التي لا تكون ثمة مستجدات كبرى تستوجب اللجوء لهذه الشبكات بكثافة… دور شبكات التواصل الاجتماعي إنما يبقى رهينا بالمستجدات على أرض الواقع، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يفرزها من تلقاء نفسه، أو يخلق الحراك حولها، وإن تسنى له ذلك فبمستويات محصورة”… ومن ثم “دور هذه الشبكات لا يجب أن يُعطى أكثر من حجمه في تحريك الجماهير أو تجنيدها أو دفعها للنزول إلى الشارع”.

ويضيف: “لو تأتى لنا أن نجزم بأن هذه الشبكات قد أسهمت حقا في إفراز مجال عام افتراضي بمقياس ما حدده هابرماس تجاوزا، فإنه من غير المؤكد الجزم بأن تلك الشبكات قد نجحت في ترجمة ذلك إلى مجال عام “مادي” يكون بمقدوره الفعل المباشر على الأرض. ومن ثم فإننا بهذه الشبكات إنما بإزاء عمليات تجنيد محدودة ومحصورة، ولا ترقى إلى مواصفات المجال العام المتعارف عليه، اللهم إلا إذا اعتبرناها امتدادا (بالعالم الافتراضي) للمجال العام أو رافدا له بالشبكات الرقمية”[21].

في حين يرى اتجاه آخر أن التواصل الإلكتروني لا يزال مهما في دعم المجال العام، وإن كانت تواجهه بعض التحديات؛ سواء كانت نابعة من أدوات “السيبرانية” ذاتها، أو من البيئة المحيطة بها والمجتمعات والنظم التي تتفاعل عبر المجال العام المادي أو الافتراضي. وهو الاتجاه الذي ترجحه هذه الورقة.

وفي هذا الإطار، رصدت إحدى الدراسات مجموعة من التحفظات على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي (باعتبارها النموذج الأبرز لوسائل التواصل الإلكتروني)[22]، وصنفتها إلى: تحفظات موضوعية خاصة بطبيعة تلك المواقع؛ ومن أهمها: أن آليات عمل مواقع التواصل الاجتماعي قد تتحكم بالمستخدم وتوجهه وفق معادلات لا يكون واعيا لها، وأنها ليست أداة محايدة تماما وقد تفرض رقابة على الآراء السياسية التي لا توافق عليها، وأنها تساعد في القضايا الطارئة والبسيطة، وليس في القضايا الكبيرة والدائمة.

وتحفظات ذاتية خاصة بالشباب المحتج؛ ومنها: التخوف من الاعتمادية على مواقع التواصل في التعبير والاحتجاج، تحول الاحتجاج الرقمي لـ”موضة” عند البعض ووسيلة للشهرة والإشباع النفسي دون نتيجة، التخوف من المحاسبة القانونية في ظل قوانين الجرائم الإلكترونية.

وفيما يلي نرصد بعض التحديات التي تواجه المجال العام في ظل التواصل الإلكتروني..

  • عدم الاستمرارية والتعبير المزيف عن الذات

يتيح التواصل الإلكتروني إخفاء الهوية الشخصية؛ ومن ثم قد يلجأ الأفراد إلى التعبير عن ذواتهم بهوية زائفة، ما قد يضلل الآخرين ويشكل رأيا مشوها للأفراد والجماعات. كما أن “الدخول فى التفاعلات الافتراضية بهوية مغايرة قد يُؤثر على ديمومة الاتصال؛ وعدم الاستمرارية فى موضوع تفاعل المجال العام، بما يُؤثر على مصداقية التفاعلات التى تتم فى سياقات المجال العام الافتراضي”[23].

  • إضعاف التفاعل المباشر بين الأفراد

قد يفضل الكثيرون التخفي وراء جدران الفضاء الافتراضي والاكتفاء به عن التفاعل المباشر مع الآخرين، ومن ثم قد يحوِّل ذلك المجال العام إلى مجرد كلمات منشورة دون فعل مؤثر على أرض الواقع. حيث “تحل العلاقات الافتراضية التجريدية محل العلاقات المباشرة الفيزيائية، نتيجة ابتعاد الفرد عن محيطه المباشر .. بمعنى بروز حالة من الاغتراب بين الفرد وعالمه الأصلي وتولد شعور بالانتماء لعالم مغاير لا مكاني وغير تعددي ولكن مثالي تتغلب فيه القيم الديمقراطية..”[24].

  • ضعف الآراء والنقاشات

يرى البعض أن إتاحة الإنترنت الفرصة للجميع للمشاركة في الحوار حول القضايا المختلفة –مهما كانت درجة تخصصها- يؤدي إلى ضعف قيمة النقاشات في المجال العام؛ حيث يدلي كلٌ بدلوه وإن كان غير مدرك لأبعاد القضية المختلفة أو حتى غير مُلمٍ بملامحها الأساسية، فيصبح النقاش عبثا لا يؤدي إلى تشكيل رأي عام فاعل ومؤثر.

ذلك أن منصات وسائل التواصل الاجتماعي –وفق أحد الباحثين- “تعمل على تبسيط الخطابات وتقليل قوة الرأي العام”.. وأن الإنترنت “يوفر للهواة الفرصة للإدلاء بالرأي في مختلف القضايا واستقطاب جمهور، وبهذا المعنى يكتسب هؤلاء الهواة تأثيرًا كان منذ وقت ليس ببعيد امتيازًا حصريًّا للمهنيين والخبراء.. لافتًا إلى أن المدونين ومستخدمي الإنترنت لا يخضعون لأي شكل من أشكال الرقابة، ومن المرجح أن تكون منشوراتهم أقل موثوقية، وتفتقر حججهم إلى العقلانية”[25].

“فإذا كانت شبكة الإنترنت لديها المقدرة على كسر حاجز نشر المعلومات، فإن هذا سيؤدى إلى مزيد من الآراء المنشورة، وبالتالى فإن أي رأي سيضيع بين زحمة الآراء، وسيصعب لأي شخص وقتئذٍ التأثير على العملية الديمقراطية”، ويشكك باحث آخر “في فرضية أن اتساع نطاق النفاذ إلى الإنترنت سيقود إلى بناء حالة من التوافق العام داخل المجتمع، فعلى العكس يؤدي النفاذ إلى مصادر المعلومات وكثافة الاتصال والجدل العام على الشبكة حول مختلف القضايا لحالة من التفكك داخل المجتمع”[26].

  • حرية التعبير بين الديمقراطية والفوضى

يثير التواصل في المجال العام عبر الوسائل الإلكترونية إشكالية متجددة من حيث مضمونها؛ وهي تراوح الرقابة بين حماية المجال العام من المحرضين على الفوضى والعنف من ناحية، وتقييد الحريات من ناحية أخرى.

وهو الجدل الذي ثار إزاء الموقف من حساب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على تويتر أثناء الانتخابات الرئاسية 2020؛ بسبب استخدامه في التحريض على العنف. فقد رأى البعض ضرورة وقف حسابه، اعتراضا على “سياسة تويتر التي تحمي بعض الأشخاص، الذين لديهم أكثر من 250 ألف متابع، من حذف تغريداتهم أو تعليق حساباتهم أو حظرها بسبب نشر محتوى ينتهك قواعد المنصة، إلا أنها تضع علامات تحذيرية على هذا المحتوى، دون أن تفرض حذفه كما هي الحال مع المستخدمين العاديين. ويمكن مشاهدة التغريدات التي يضع عليها الموقع علامات تحذيرية، لكن مع خسارتها ميزة الإعجاب أو إعادة التغريدة أو التعليق”[27].

طالب هذا الفريق بوقف حساب ترامب؛ معتبرين استمراره في تغريداته تهديدا للديمقراطية، وأن منع التحريض على العنف لا يتعارض مع حرية التعبير، “لذا يُعد وقف خطاب الكراهية أمرًا حيويًّا للحفاظ على الفضاء العام الذي تحتاجه الديمقراطية التداولية غير العنيفة. إن الخطاب غير الخاضع للإشراف تمامًا والذي يؤيد الأكاذيب والعنف، يخاطر بتفتيت ذلك الفضاء العام”[28].

في حين رأى آخرون أن ذلك نوع من الرقابة وسيطرة من شركات التكنولوجيا الكبيرة على المجال العام، وأن “الاختيار الحالي بين وسائل التواصل الاجتماعي أو لا شيء قد أدَّى إلى وصف حَظْر حساب دونالد ترامب على تويتر بأنه شكل من أشكال الرقابة يتساوى مع قمع الحكومة للتعبير. ورأى البعض أن الجهة الفاعلة الوحيدة المخوَّلة باتخاذ قرارات بشأن الحظر يجب أن تكون الحكومة نفسها”[29].

ثار الجدل أيضا حول القانون الذي أصدره البرلمان التركي لتوسيع رقابة السلطات على شبكات التواصل الاجتماعي، بعدما انتقدها الرئيس التركي. حيث “يُرغِم القانون شبكات التواصل الاجتماعي التي يتردد عليها أكثر من مليون مستخدم يوميا في تركيا، أن يكون لها ممثل في تركيا والانصياع لأوامر المحاكم التركية التي تطلب سحب مضمون معين، تحت طائلة التعرض لغرامة مالية كبرى، أو حجب الإعلانات أو تقليص عرض النطاق الترددي بنسبة تصل إلى 90 في المئة. كما يتعين على تلك المنصات تخزين بيانات مستخدميها من تركيا في البلاد، مما يجعل من السهل لممثلي الادعاء والسلطات الأخرى الوصول إليها”[30].

  • توغل الدولة للسيطرة على المجال الافتراضي

يعد هذا الملمح من أخطر التحديات التي يواجهها المجال العام في الفضاء الافتراضي؛ وهو امتداد آليات السلطة لمراقبة وقمع المجال العام المادي إلى المجال الافتراضي، بل وابتكار آليات جديدة للسيطرة على كلا المجالين وبقائهما تحت سيطرتها. فقد كان المجال العام الافتراضي فعالا في بداياته بسبب حداثته على السلطات، خاصة في الدول الاستبدادية، وعدم قدرتها على مواجهته بشكل منظَّم. وهو ما تسعى العديد من الدول إلى تجاوزه بطرق مختلفة.

وفي هذا الإطار تشير إحدى الدراسات إلى انتقال “العلاقة بين السلطة والاحتجاجات الرقمية من عدم اكتراث في بداية ظهورها، إلى علاقة قلق وخوف ناتج من عدم قدرة السلطة على تقدير حجم الاحتجاجات الرقمية، وعدم قدرتها كذلك على التحكم بمخرجاتها كما كانت تفعل في الاحتجاجات التقليدية،… فتمظهر قلق السلطة وتخوفها في أشكال عدة، تختلف باختلاف موضوعات الاحتجاج، وسياقاتها، وأشكالها،.. مثل: الاستجابة واتخاذ قرارات سريعة لاحتواء الأوضاع، تتبع حركية المواقع الاجتماعية لتجنب أي تحرك ميداني يكون من مخرجات التفاعل السياسي في العالم الرقمي، دخول السلطة في اللعبة الرقمية بشكل سري من خلال الجيوش الإلكترونية، أو بشكل علني من خلال استخدام المسؤولين لحساباتهم على مواقع التواصل، مراقبة مواقع التواصل ومعاقبة كل من يخرج عن السقف المسموح له، وإقرار قوانين تتعقب المشاركين”[31].

فمن ناحية، عملت السلطات على مراقبة المجال الافتراضي بطرق عدة؛ فاستخدمت برامج رقابية متطورة على الإنترنت؛ فعلى سبيل المثال “زودت شركة (Amesys) الفرنسية النظام السابق في ليبيا بحزمة من البرامج الفنية تدعى (EGALES) لمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت والحيلولة دون مستخدمي الإنترنت داخل ليبيا واستخدام برامج كسر الحجب للدخول إلى المواقع المحجوبة، إضافة إلى مراقبة الهواتف وبرامج المراسلات الفورية”. لم يقتصر ذلك على النظم الاستبدادية، وإنما وجِد أيضا في النظم الموصوفة بالديمقراطية؛ “في سياق ما يعرف بمكافحة الإرهاب.. فعلى سبيل المثال من حق وكالة الأمن القومي الأمريكي قانونيا مطالبة الشركات العاملة في مجال الإنترنت بتزويدها ببيانات تتعلق بمستخدمين لها حول العالم”[32]. “ففي عام ٢٠١٢ شددت شركة جوجل وفيس بوك من إجراءاتهما الأمنية بحيث أجبرت المستخدمين على إضافة أرقام هواتفهم المحمولة تحت شروط الحماية”[33].

من ناحية أخرى، سعت بعض النظم للحد من المحتوى الناقد أو المخالف لها على الإنترنت؛ فاتبعت آلية حجب المواقع الإلكترونية التي تعتبرها مصدر تهديد لها، بما يمنع الوصول إليها داخل الدولة. وإن كان الكثير من المستخدمين يتمكنون من تجاوز هذا الحجب، غير أنه لا يزال يشكِّل عائقا –ولو جزئيا- لجهات كثيرة، خاصة مع تعطيل بعض آليات تجاوز الحجب، ما يؤثر سلبا في تشكيل المجال العام.

تجاوز الأمر حجب السلطات للمواقع إلى دفع مشاركي المحتوى على الإنترنت إلى تحجيم وفلترة ما ينشرونه إلى أدنى حد؛ بالتتبع الأمني والقضائي لمن ينشر محتويات تنتقد النظام أو تخالف توجهاته، أو حتى تناقش الواقع المعيش والسياسات العامة. يرصد أحد الكتاب ذلك فيما يتعلق بالمجال العام في سوريا بقوله: “إنّ طبيعة الشبكات الاجتماعيّة الرقميّة وما يتركه الفاعلون من آثار تفاعليّة وتواصليّة، وفّرت للسلطة السوريّة ولفروع المعلومات التابعة لها إمكانية متابعة الكثير من الناشطين وملاحقتهم واعتقالهم اعتمادًا على بياناتهم وآثارهم التفاعليّة على الشبكات”[34].

وكذلك تقوم الأنظمة بإصدار تشريعات وقوانين تساعدها في إحكام قبضتها على المجال الافتراضي؛ من قبيل وضع اشتراطات قانونية متشددة أمام تأسيس موقع إلكتروني، وقانون مكافحة الجرائم المعلوماتية.. وغير ذلك[35].

  • الإعلام البديل بين توصيل الحقائق وتزييفها

من الآليات التي اتبعتها السلطة أيضا للتوغل في المجال العام، إيجاد قنوات تواصل تابعة لها (خفية أو معلنة)؛ لتكون أداة للترويج لها، والمشاركة في تشكيل الرأي العام، ولو بتزييفه وتضليله.

فقد عملت تلك النظم على تشكيل المجال الافتراضي وفق رؤيتها؛ من خلال التواجد عبر الفضاء الإلكتروني بشكل غير مباشر فيما يُعرَف باللجان الإلكترونية، ثم بشكل مباشر من خلال قنوات خاصة لفاعلين رسميين عبر وسائل التواصل الإلكتروني، تمكنها من ترويج روايتها للأحداث وتكذيب وتشويه كل من يخالفها، وصناعة رأي عام داعم للسلطة ومتبنٍ لوجهة نظرها[36].

ومن ثم يرى أحد الكتاب “أن القرار بجعل تلك الشبكات متاحة للمواطن السوري كان مدروسًا ويحمل أهدافًا محددة. فبالتوازي مع تكاثر الشبكات والصفحات المعارضة للنظام، ظهرت صفحات مؤيدة وبشكل منظّم ومدروس. أشرف على تلك المساحات التعبيرية متخصصون بتقنيات الاتصال والمعلومات، ما أتاح للسلطة السياسية خلق حيّز عام خاص بمؤيديها ومناصريها استخدمته كوسيلة للتعبئة والتجييش ودعم “بروباغندا” النظام. شكّل هذا الحيّز الافتراضيّ بالنسبة إلى النظام تعويضًا عن انعدام فاعلية إعلامه التقليدي ومحدودية انتشاره، ومدخل لتشكيل حيّز افتراضيّ مضاد مقابل للحيز الافتراضي المعارض”[37].

  • سيطرة رأس المال على المجال العام الافتراضي

من التحديات التي تواجه المجال العام الافتراضي كذلك مخاوف سيطرة رأس المال وتوجيهه للرأي العام المتشكِّل عبر وسائل التواصل الإلكترونية؛ نتيجة ارتباطها بشركات كبرى يحكمها المنطق الرأسمالي الهادف إلى تحقيق مصالح خاصة، وليس مصالح عامة. فهذه الشركات تعمل على دعم ونشر وجهات النظر التي تميل إليها أو التي تدعم سياساتها، من خلال مواقعها الإلكترونية؛ مما يؤدي إلى توجيه الرأي في المجال العام الافتراضي نحو توجهات بعينها ويحد من تنوع الآراء فيه، ومن ثم “تحويل المجال العام الإلكترونى تدريجيا من ساحة حرة مفتوحة إلى ساحة مغلقة تجارية قائمة على أنظمة التحكم”[38].

دفع ذلك البعض إلى وصف وسائل التواصل الإلكتروني بأنها “ليست مثل المقاهي أو الصالونات… (هي) عبارة عن شركات مملوكة للقطاع الخاص وتتمتع بسلطات واسعة للمراقبة والتحكم في ماهية تواصل المستخدمين وكيفية القيام بذلك.. إن نُظُم هذه الشركات ليست مدفوعة بالالتزام بمبادئ واضحة.. وبدلًا من ذلك، فإن نُظُمها الذاتية مدفوعة بالكامل بالحاجة إلى تحقيق الأرباح من خلال تحويل البيانات إلى أموال، وتقديم إعلانات مستهدفة، والتهرب من المسؤولية القانونية الجسيمة، حتى مع تطبيق غرامات تصل إلى مليار دولار”[39].

خاتمة:

إن العلاقة بين السيبرانية وتطور المجال العام تتراوح على خط متصل؛ بين تكوين مجال عام فعال ومؤثر افتراضيا وماديا من ناحية، واحتكار المجال العام أو إغلاقه كليا من ناحية أخرى، مرورا بتوسيع فرص المشاركة الحرة في المجال العام، ودعم الافتراضي للواقعي، وتأثير الافتراضي سلبا على المادي بإضعاف تأثيره أو المساهمة في تقييده وحصاره..

ويمكن القول إن أيا من المجال العام الافتراضي أو المجال العام المادي ليس عاملا مستقلا دائما، وإنما هما في تفاعل متبادل مستمر؛ يكون أحدهما في دور القيادة والتأثير أحيانا وفي دور التبعية والتأثُّر أحيانا أخرى، وفق البيئة والظروف المحيطة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا… فظروف التباعد الاجتماعي والحجر المنزلي التي فرضها انتشار فيروس كورونا –على سبيل المثال- منحت العالم الافتراضي مساحة كبيرة للتأثير وتطور التفاعلات المختلفة عبره في كثير من المناطق والبلدان، غير أن هذه الظروف ليست بمعزل عن سياقات أخرى سابقة عليها، وتكاد تكون دائمة، لم يتوقف تأثيرها في ظل الجائحة، بل قد يكون تأثيرها السلبي زاد وضوحا في هذه الظروف؛ من قبيل غياب العدالة الاجتماعية وعدالة التوزيع داخليا وعالميا، والاستبداد السياسي، واحتكار الموارد والإمكانيات المادية والمعنوية، وسيطرة المنطق الرأسمالي… إلى غير ذلك.

الأمر الذي يؤكد أن الفرص والتحديات التي تطرحها السيبرانية أمام المجال العام ليست متمايزة بشكل واضح، ولكنها تتداخل وتتشابك في وجودها وتأثيرها. ويؤكد أيضا أنها متفاوتة بدرجة كبيرة من بلد لأخرى ومن منطقة لأخرى؛ متأثرة بموازين القوى، وبحسابات المصالح بمنظور واقعي وليس بمنظور مقاصدي سُفُني يدرك أن العالم أجمع متأثر –آجلا أو عاجلا- بما يحدث في أي من أرجائه مهما بعُدَت ومهما صغُرت أو ضعفت.

ولكن ذلك لا ينفي إمكانية الاستفادة مما يتيحه الفضاء الافتراضي من فرص للتواصل، ومحاولة الحد من تهديداته. فيمكن أن يتحقق ذلك من خلال صنع مساحات ذاتية للتواصل عبر الفضاء الافتراضي؛ فكما نشأت شبكة بارلير –على سبيل المثال- وراجت بين اليمينيين المتطرفين، يمكن أن تنشأ منصات للتواصل الإلكتروني بين فئات أو مجتمعات معينة، فتكوِّن مجالات عامة فرعية أو موازية أو منافسة للمجال العام المهيمن تناقش القضايا العامة التي تهمها وتخصها دون فرض أو توجيه أو تقييد من سلطات مختلفة. كما يمكن لتلك المنصات أن تواجه سيطرة الشركات الكبرى على المواقع والمنصات الشهيرة، وما تمارسه من رقابة وتوجيه للآراء عليها، وكذلك أن تواجه تزييف الحقائق، بتطوير آليات لزيادة التوثق من صدق المعلومات المتداولة[40].

حيث يحقق ذلك ثلاثة أهداف مهمة في التواصل عبر الفضاء الافتراضي: إتاحة المجال العام والسماح للفئات المختلفة بالتواجد فيه، وظهور كل فاعل في المجال العام محافظا على هويته دون تنميطه أو فرض قضايا معينة عليه، والاعتراف بثقافة وخصوصية الأطراف المختلفة في المجال العام واحترام الاختلاف والتنوع.

ومن ناحية أخرى، من المهم ضبط التواصل عبر المساحات الافتراضية المختلفة، بالتزام الأفراد ذاتيا بقيم التواصل عبر المجال العام، وحفظ مقاصده الأساسية من حرية التعبير، والسعي للتوافق، وتحقيق المصالح العامة. فيما يمكن أن يعتبر “ميثاق شرفيتوافق عليه الأفراد في تواصلهم، لضمان التواصل الفعال في المجال العام.

*****

الهوامش 

[1] د.حاتـم سـليم العلاونة، دور مواقع التواصل الاجتماعي في تحفيز المواطنين الأردنيين على المشاركة في الحراك الجماهيري “دراسة ميدانية على النقابيين في إربــد”، ورقة مقدمة للمؤتمر العلمي السابع عشر بعنوان “ثقافة التغيير” (كلية الآداب/جامعة فيلادلفيا، عمان/الأردن)، تشرين الثاني 2012م، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/SWU3b

[2] انظر: هادية يحياوي، المجال السياسي وتأثيرات المعرفة السيبرانية، المجلة الجزائرية للأمن الإنساني، المجلد 5، العدد 2، جويلية 2020، ص 233، 234.

[3] Jurgen Habermas and Markus Schwering, Internet and Public Sphere.. What the Web Can’t Do?, An Interviewe, 24 July 2014, available at: https://bit.ly/3t4PCtu

[4] د.جمال بن زروق، أ.بضياف سوهيلة، الشبكات الاجتماعية الإلكترونية وإشكالية تطبيق نظرية المجال العام لهبرماس في البحوث العربية، جامعة الجلفة، مجلة آفاق للعلوم، العدد الثامن، ج2، جوان 2017، ص 192.

[5] Edith Schellings, A Cosmopolitan Public Sphere: Jurgen Habermas’ Public Sphere, Mutual Human Obligations and Online Movement, MA Thesis: University of Utrecht, 2011, pp. 44 – 48.

[6] حول الجدل بشأن اعتبار الإنترنت مجالا عاما أم لا، انظر:

  • Jodi Dean, Why the NET is not a Public Sphere?, Constellations, vol. 10, No. 1, pp. 98-100.
  • Mark Poster, CyberDemocracy: Internet and the Public Sphere, available at: https://cutt.us/HOExD

[7] د.يحيى اليحياوي، الشبكات الاجتماعية والمجال العام بالمغرب: مظاهر التحكم والدمقرطة، مركز الجزيرة للدراسات، 8 نوفمبر 2015، ص 3، متاح عبر الرابط التالي:

https://bit.ly/3ryncGP

[8] د.جمال بن زروق، أ.بضياف سوهيلة، الشبكات الاجتماعية الالكترونية وإشكالية تطبيق نظرية المجال العام لهبرماس في البحوث العربية، مرجع سابق، ص 190.

[9] راجع في ذلك: المرجع السابق، ص 190.

[10] هادية يحياوي، المجال السياسي وتأثيرات المعرفة السيبرانية، ص 236، 237.

[11] رايس علي ابتسام، فعالية المجال العام الافتراضي: دراسة في ممارسة المواطنة على مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، مجلة الراصد العلمي، العدد الخامس، شهر ماي 2018، ص 120.

[12] د.يحيى اليحياوي، الشبكات الاجتماعية والمجال العام بالمغرب، مرجع سابق، ص 8.

[13] أسماء حسين ملكاوي، الحركات الاحتجاجية الرقمية في المنطقة العربية وتحولات المجال العام: دراسة ظاهراتية للحالة الأردنية، مركز الجزيرة للدراسات، 3 ديسمبر 2018، ص 8، 9، 10، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3lfJriY

[14] انظر: وسام الناصر، مراجعة كتاب “المجال العام الافتراضي في الثورة السورية: الخصائص – الاتجاهات – آليات صنع الرأي العام”، سياسات عربية، الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012، ص 147، 153.

[15] د.يحيى اليحياوي، الشبكات الاجتماعية والمجال العام بالمغرب، مرجع سابق، ص 11.

[16] أسماء ملكاوي، الحركات الاحتجاجية الرقمية في المنطقة العربية وتحولات المجال العام..، مرجع سابق، ص 8، 9، 10.

[17] المجال العام من الواقع الفعلي إلى العالم الافتراضي: معايير التشكل والمعوقات، المركز الديمقراطي العربي، 20 مارس 2018، تاريخ الاطلاع: 22 يناير 2021، متاح عبر الرابط التالي:  https://democraticac.de/?p=53184

[18] د.يحيى اليحياوي، الشبكات الاجتماعية والمجال العام بالمغرب، مرجع سابق، ص 11.

[19] راجع: أسماء ملكاوي، الحركات الاحتجاجية الرقمية في المنطقة العربية وتحولات المجال العام، ص 13، 14، 16، 17.

[20] أسماء ملكاوي، الحركات الاحتجاجية الرقمية في المنطقة العربية وتحولات المجال العام، مرجع سابق، ص 28، 29.

[21] د. يحيى اليحياوي، الشبكات الاجتماعية والمجال العام بالمغرب، مرجع سابق، ص 5، 8، 10، 11.

[22] أسماء ملكاوي، الحركات الاحتجاجية الرقمية في المنطقة العربية وتحولات المجال العام، ص 19، 20.

[23] المجال العام من الواقع الفعلي إلى العالم الافتراضي..، مرجع سابق.

[24] هادية يحياوي، المجال السياسي وتأثيرات المعرفة السيبرانية، ص 238، 239.

[25] مركز القرار، المجال العام الافتراضي.. قراءة تحليلية، 9 سبتمبر 2020، تاريخ الاطلاع: 21 يناير 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://alqarar.sa/2775

[26] المجال العام من الواقع الفعلي إلى العالم الافتراضي..، مرجع سابق.

[27] “معاملة تويتر الخاصة”.. هل يخسرها ترمب؟، العربية.نت، 8 نوفمبر 2020، تاريخ الاطلاع: 12 مارس 2021، متاح عبر الرابط: https://bit.ly/38wyt3v

[28] فريق العمل، «فورين بوليسي»: كيف مزقت احتكارية شركات التواصل الاجتماعي المجال العام؟، ساسة بوست، 23 يناير 2021، تاريخ الاطلاع: 11 مارس 2021، متاح عبر الرابط:  https://bit.ly/3bD8sBh

[29] المرجع السابق.

[30] البرلمان التركي يقر قانونا للسيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي، DW، 29 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3ewKSb9

[31] أسماء حسين ملكاوي، الحركات الاحتجاجية الرقمية في المنطقة العربية وتحولات المجال العام، مرجع سابق، ص 21.

[32] عمر أبو القاسم الككلي، صراع واقعي داخل فضاء افتراضي، 14 مايو 2017، تاريخ الاطلاع: 22 يناير 2021، متاح عبر الرابط: https://cutt.us/f51at

[33] عبد الهادي العجلة، مواقع التواصل الاجتماعي: فضاء عام أم خاص؟، 10 مارس 2014، تاريخ الاطلاع: 22 يناير 2021، متاح عبر الرابط: https://cutt.us/mIDV9

[34] وسام الناصر، مراجعة كتاب “المجال العام الافتراضي في الثورة السورية..”، مرجع سابق، ص 147.

[35] لمزيد من التفصيل، راجع: مصطفى السيد، الجدار الناري لنظام السيسي: استراتيجيات القمع السيبراني ومستقبل المساحات السيبرانية في مصر، سلسلة: تحليلات استراتيجية، تحليل استراتيجي رقم 4، 26 أكتوبر 2020، متاح على: https://bit.ly/3v7YT5f

و: الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، إغلاق المتبقي من المجال العام، فبراير 2020.

[36] راجع: مصطفى السيد، الجدار الناري لنظام السيسي..، مرجع سابق.

وكذلك: مصطفى محمود، إدارة البيان والتوجيه للنيابة العامة المصرية: حراس العدالة حراسا للحدود السيبرانية، المفكرة القانونية، 25 نوفمبر 2020،  تاريخ الاطلاع: 22 يناير 2021، متاح على الرابط: https://bit.ly/395syTy

[37] وسام الناصر، مراجعة كتاب “المجال العام الافتراضي في الثورة السورية..”، مرجع سابق، ص 147.

[38] المجال العام من الواقع الفعلي إلى العالم الافتراضي..، مرجع سابق.

[39] “فورين بوليسي”: كيف مزقت احتكارية شركات التواصل الاجتماعي المجال العام؟، مرجع سابق.

[40] توجد بعض النماذج لمواقع ومنصات حاولت الحفاظ على الخصوصية المجتمعية العربية، حققت درجات نجاح مختلفة. راجع في هذا الإطار –على سبيل المثال:

  • شيرين طقاطقة، مواقع التواصل الاجتماعي العربية، موضوع، ٣ يناير ٢٠٢١، تاريخ الاطلاع: 6 أبريل 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3fKxuRx
  • عرفة علي، أكبر ثلاث مواقع تواصل عربية ومكافاة صناع المحتوى لديها، موقع حسوب، متاح عبر الرابط التالي: https://io.hsoub.com/tech/85746
  • ياسر عاشور، “باز”.. تجربة لإثراء المحتوى العربي على منصات التواصل الاجتماعي، نون بوست، 23 أكتوبر 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/QRG4j

فصلية قضايا ونظرات-العدد الحادي والعشرون – أبريل 2021

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى