تصورات نهاية العدوان واحتمالات الحل السياسي وآثاره: نحو رؤية استراتيجية حضارية
(تقرير عام عن حلقات نقاشية عقدت 6-17 ديسمبر 2023 عن طوفان الأقصى وتداعياته في الشهر الثالث)
عقد مركز الحضارة سلسلة من خمس حلقات نقاشية حول (طوفان الأقصى وتداعياته بعد شهره الثاني) وامتدت هذه الحلقات بين 6- 16 ديسمبر 2023، ثم جرى تكميلها وتجميع خلاصات أساسية فيها في حلقة الأحد 17/12/2023 (اليوم الثاني والسبعين من الطوفان وصراعه). وشارك فيها متحدثون رئيسيون ومعقبون[1]. وتم نشر الأوراق الرئيسية على الموقع الالكتروني بعد أن أعاد الباحثون النظر فيها على ضوء المنافسات ومن مجموع هذه الحلقات، وبالاخص الحلقة النقاشية الجامعة الخاتمة (السادسة) تجلت العديد من الملاحظات الجديرة بالتسجيل.
تنوعت الملاحظات حول طوفان الأقصى وتداعياته، ومواقف أطرافه، وأهدافها، وتأثيرات ذلك كله على تطور الصراع، وما يتراءى من مستقبل قريب للقضية الفلسطينية. ويمكن تصنيف هذه الملاحظات في عدة فئات: أولا- النظر الكلي (الاستراتيجي الحضاري) إلى الصراع الراهن، وثانيا- التحليل الواقعي للصراع المركزي الجاري ووصلة بالقيم والإيمان، وثالثا- النظر المركب إلى المواقف الإقليمية، خاصة العربية، في إطار استحضار مآلات العقود الأخيرة على المواقف من القضية الفلسطينية، (ومعه النظر في دوائر العدو والعدوان وبالأخص الموقف الأمريكي وصلته بالحضارة الغربية وتحولات النظام الدولي، والنظر في المستوى الشعبي والفواعل من غير الدول، لاسيما في إطار النصرة والمساندة والخذلان والتصهين)، ورابعا- استمرار العمل على تطوير رؤية استراتيجية حضارية عملية لمواجهة الصهيونية وتكميل انتصار الطوفان.
وكان سؤال الحلقة الجامعة: كيف نتصور نهاية هذه الحرب؛ ومن ثم اليوم التالي لها، والحل السياسي واحتمالاته؟ وآثار ذلك على الأمة العربية والإسلامية وأنظمتها؟ وما الذي ينبغي الوعي به أو السعي فيه في هذا الصدد؟. ويمكن في الأسطر التالية تلخيص أهم نتائج هذه الحلقات ونقاشاتها.
أولاً- في النظر الكلي (الاستراتيجي الحضاري) للطوفان والصراع الجاري:
(1) هذا الصراع في فلسطين وحولها، هو جزء من صراع ممتد بين الغرب وعالم الإسلام. فالغرب –وخاصة قواه الكبرى التي تصدرتها بريطانيا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ثم الولايات المتحدة حتى اليوم– هو من “خلقَ” دولة الكيان الصهيوني، وهو الذي عقد مشكلة العالم الإسلامي (تحت الاحتلال أو التدخل المباشر) باسم (المسألة الشرقية) التي انتهت بإسقاط الخلافة العثمانية منذ مائة عام. وأرادت الولايات المتحدة من إسرائيل أن تكون رأس حربتها في الخصر العربي والإسلامي، وآزرتها –ومع قوى أوروبية رئيسية- في حروبها المختلفة ضد العرب، ووصلت بمشروعها في السنوات الخمس الأخيرة –عبر إدارة ترامب- إلى صفقة القرن واتفاقات أبراهام المتضمنة الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة (أبدية!!) لإسرائيل، ونقل سفارتها إلى القدس، ثم هي اليوم –عبر إدارة جو بايدن- تشارك إسرائيل في عدوانها الوحشي غير المسبوق على غزة، بالتخطيط والتسليح والتمويل والدعاية والتأطير السياسي والتحصين ضد القرارات الدولية في منظمة الأمم المتحدة (بالفيتو)، وتعلن كل يوم عن مشاركتها إسرائيل في مواصلة الحرب حتى تحقق أهدافها المعلنة من الحكومتين: القضاء على حركة حماس، وإعادة ترتيب أوضاع قطاع غزة –والضفة- بما يحقق أهداف إسرائيل، وتحرير الأسرى الإسرائيليين من يد المقاومة، دون دنى اكتراث حقيقي بحقوق الفلسطينيين وأرواحهم وحياتهم. وتشارك دول أوروبا الغربية الكبرى (خاصة بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا، فرنسا، والاتحاد الأوروبي) الولايات المتحدة الموقف، لكن مع اختلاف في أنواع ومقادير المشاركة. ومع تحول الصراع إلى مذبحة كبيرة مكثفة متصلة الأيام، مستبشعة من العالم وشعوبه وأكثر حكوماته، أظهرت الإدارة لأمريكية والحزبان الرئيسان في الولايات المتحدة، وإدارات الدول الأوروبية المشار إليها صورة لاإنسانية لاأخلاقية غير مسبوقة، وكشفت عن وجه بشع لهذا الجزء من الغرب ومن الحضارة الغربية، ومن الحداثة وفلسفاتها المادية الوضعية العلمانية، ومن العنصرية الاستعلائية الأنانية العميقة الصلبة. وتعجز نظريات العلاقات الدولية التحليلية والمعيارية عن تفسير هذا الانخراط الجارف غير المفهوم مصلحيًّا ولا قيميًّا.
(2) وفي المقابل، تُظهر النظرة الحضارية الاستراتيجية حالة الوهن والغثائية في الموقف الشرقي والعربي والإسلامي، لا سيما الرسمي، ما بين العجز والتعاجز، وبين اللامبالاة، أمام المأساة الإنسانية العظمى التي صنعها –ولا يزال- العدوان الصهيوني على غزة لنحو ثمانين يومًا (حتى كتابة هذا التقرير)، دون تحرك فعال لإيقاف أو لإغاثة أهل غزة بماء أو طعام أو دواء أو وقود أو إيواء… أو ما إليه. ثمانون يومًا كشفت عن ضعف إنساني عالمي كبير، وفي قلبه الضعف والوهن في الأمة العربية والإسلامية؛ سواء من الأنظمة الحاكمة التي فقدت القدرة –وغالبًا الرغبة- للتأثير على الصراع، أو الشعوب التي فقدت القدرة –وليس الرغبة غالبًا- للتأثير على النظم الحاكمة لها بعد عشر سنين من التفكيك والتخويف والتقييد والتدجين.
إنه بالرغم من النُّصرة المهمة في الأمة والمساندة الإنسانية خاصة في الغرب (وضد الحكومات العدوانية) وفي أمريكا اللاتينية، وأفريقيا وآسيا، عبر الإنترنت، والدعاية للقضية، والدعوة لإغاثة أهل غزة، وضد العدوان، وضد العدو الصهيوني، وضد الصهيونية بصورة أوسع، والدعوة لتحرير فلسطين (Free Palestine)، والمقاطعة الاقتصادية، وحملات التبرع، والتي ينبغي تقديرها والمشاركة فيها وتعزيزها بشكل مستديم ومستقبلي كما سنشير، فإن الصورة العامة، والمحصلة العملية أن العدوان مستمر ولم يستطع أحد أن يوقفه؛ لأن الولايات المتحدة تقوده وتدافع عن استمراره من ناحية، ولأن أهل القضية أنفسهم –خاصة الأقوياء منهم- لم ينهضوا لها، ولم يفكروا في ممارسة الضغوط المناسبة الممكنة على الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لوقف العدوان أو لفتح المعابر للإغاثة الإنسانية. فالوضع الحضاري والاستراتيجي للأمة ومعظم العالم لا يزال رهين الهيمنة الأمريكية، والغطرسة السياسية الغربية، وفي الأمة –للأسف- من يشارك الأمريكان الفكر والرؤية لاسيما تجاه حركات المقاومة ذات المرجعية القومية والإسلامية.
(3) ومن المنظور الحضاري، فقد دفع طوفان الأقصى بالبُعد العقدي الإيماني، والقيمي الأخلاقي، والإنساني الشامل، إلى قلب المشهد وصدارته بكل قوة؛ متجليًّا في مشهدٍ ذي صورتين: صورة مقاومة مشروعة ذات عنفوان وحيوية، وجلد ومصابرة، واستبسال رغم قسوة العدوان وطول الحصار، وفي خلفيتها ملحمة إيمان وصمود ينضح بها، ويرسم خطوطها، وجوه وصبية وصبايا ونساء وشباب وعجائز، يرسمون اللوحة بدمائهم، وبأشلائهم، وببكائهم، وبدعائهم، وبإعلانهم الثبات والصبر ومواصلة التمسك بالأرض والإمساك براية الحرية والكرامة والاستقلال مرفوعة، وعلى إطار الصورة قطاعات شعبية ومدنية تستمر أسابيع في المسيرات والتظاهرات والاحتجاجات والإضرابات والاعتصامات والدعوات لإيقاف المذبحة. وفي المقابل: صورة عدو شيطاني يرسل قذائفه كل ساعة ودقيقة على البيوت والمدارس والمستشفيات وكل مأوى؛ ليفتك بالمستضعفين من الرجال والنساء والولدان، بينما هو رعديد عند المواجهة البرية وغير كفء ولا فعَّال، رغم الترسانة الهائلة من المعدات والأسلحة والذخيرة، ويعبر عن مشهده الشيطاني كل يوم متحدثون لا يتحدثون إلا عن مزيد من القتل والاغتيال واللامبالاة بما يصنعون من مذابح وجرائم، وفي الخلفية حكومات غربية ومتحدثوها وهم يؤكدون اللامبالاة بالإنسانية، والإصرار على قتل المقاومة ووصمها بالإرهاب ظلمًا وعلوًّا؛ ما يطرح السؤال عن فكرة “المصالح”؟ كما أشرنا، وعن العقلانية والرشادة، والليبرالية، وحقوق الإنسان، والحرية، والديمقراطية، وسائر منظومة القيم التي طالما روَّج الغرب لها –وادِّعاها الكيان الصهيوني زيفًا وزعمًا- … نعم هذه القيم كثير منها ليس غربيًّا محضًا، وإن ادَّعى الغرب والمتغربون ذلك؛ لذا يجب استمرار التمسك بها لأنها قيم إنسانية مشتركة، وتفرض الحضارة الإسلامية أكثرها. ويجب الجمع بين العقيدة والعمل، والمادي والمعنوي، والقيمي والمصلحي؛ وهذا جوهر المنظور الحضاري.
(4) من أهم دروس الطوفان، إعادة التأكيد على دينامية تقسيم المعمورة وتصنيف قوى العالم. فنحن –العرب والمسلمين- لسنا شيئًا واحدًا الآن وبالأخص أمام الطوفان؛ والأمة لها قلب فلسطيني ولكن حوله أعضاء مريضة وأنسجة ميتة. وكذلك الغرب، ليس شيئًا واحدًا، ولا اليهود، ولا العلمانيون. فمن المهم الاستمرار في (رسم وتجديد الخرائط): رسم خرائط القضية الفلسطينية وصراعها الجاري والسياقات المحيطة بها، ورسم خرائط القضايا العالمية والإقليمية وكيف تصبُّ في دواخلنا، وكيف تتشابك فيما بينها، وكيف تستدعي الذاكرات التاريخية والحضارية؛ سواء في النظر إلى الذات أو إلى العالم. وفيما يخص العدو، فمن المهم الانتباه إلى الفجوات بين إسرائيل وبين الغرب، وإن ادَّعت أصوات العدو أنهما شيء واحد، ومن المهم كذلك التمييز بين الإدارات والقوى العدوانية المعادية للأمة في الغرب، والقوى المنصفة والأخلاقية، وعدم حملهم على تصنيف واحد مما يفوِّت فرص الاستفادة من مساندة القضية، ومن توسعة الفجوات داخل جبهة العدو، وليس تكتيلها بنظرات متعجِّلة أو انفعالية. ويرتبط بذلك أهمية التمييز بين المواقف عبر مسارها كالتحولات في الموقف الفرنسي الرسمي بخلاف الموقف الألماني المفاجئ في تشدُّده في تأييد الصهيونية، مع الانتباه إلى التمييز بين التحول والتطور والتغير، وبين التلوُّن بألوان جديدة مع بقاء المواقف على ما هي عليه في الحقيقية.
ويتَّصل ذلك بإدراك الأبعاد السياسية لمواقف قوى مثل الصين وروسيا التي تدور حول مصالحها الذاتية ومشروعاتها الإقليمية أو العالمية، والتي ينبغي التعامل معها من منطلق مصالح القضية ومصالح الأمة وأقطارها.
(5) من أهم عناصر النظر الكلي للطوفان قضية المفاهيم المستعملة في التعبير عن الذات، والمقاومة، والصمود، والنصرة، وعن العدو، والعدوان، وشركائه، والخذلان والمساندة، وضرورة الجمع فيما بين الأصالة الحضارية، والتحديد العملي، والحذر من الآثار السلبية لاستعمال مفاهيم معيَّنة في سياقات معيَّنة. فينبغي التأكيد على مفاهيم: المقاومة، حركة التحرير، الحركة الوطنية ذات المرجعية الإسلامية، الصمود، المذبحة، المأساة الإنسانية، الإنساني بمعناه الشامل وليس فقط التراحمي أو الإغاثي، الحقوق السياسية والقانونية، النصرة، التضامن، المساندة، الأخلاق، المصالح، القوة، الجهاد، الكفاح، الأمة، فلسطين وليس فقط غزة ولا حماس، والمقاومة الفلسطينية وليس فقط القسام… إلخ. ومن المهم أيضًا أن نشرح هذه المفاهيم ونوضح كيف أنها تتضمَّن قيمًا إنسانية عامة لمقاومة الظلم والاحتلال والعدوان. هذا في مقابل الإرهاب الصهيوني، والإرهاب الأمريكي، وجرائم الحرب، والعقاب الجماعي، والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وأيضًا.. القانون الدولي الإنساني، وحق المقاومة المسلَّحة، وحق تقرير المصير، وحق الدفاع عن النفس وعن الأرض والمقدسات، والحق العربي والإسلامي في القدس وفلسطين… وهكذا، وألا ننساق إلى استعمال مفاهيم العدو بمقاصد العدو منها، أو نترك له أو لغيره مفاهيمنا، أو نستعملها في غير مواضعها ودون إدراك السياق بما قد يضر بها وبوظيفتها. وكذلك التعامل العملي والواقعي الاستيعابي مع مفاهيم مثل: “الانتصار” و”الانكسار”، و”التقدم”، و”التراجع”، والتسوية السياسية، والحل السياسي،… وما إليه. فالبعض يرى أن ثمة انتصارًا قد تحقَّق في 7 أكتوبر، وأن ما يجري لن يؤثِّر على هذا الانتصار، والبعض يرى أن الانتصار العسكري ليس هو الانتصار الوحيد ولا بالضرورة الأهم، والبعض يرى أن العبرة بالنهاية التي ستنتهي إليها المعركة العسكرية وتأثيرها السياسي على القضية الأم: تحرير فلسطين.
ثانيًا- أهمية التحليل الواقعي للصراع وقواه وأهدافهم:
(1) من المهم أخذ خطاب العدو وشركائه على محمل الجدية، وفحصه، دون الخضوع له، وكذلك خطاب المقاومة وقوى النُّصرة. فعلى الرغم من تصعيد العدو لأهدافه من اليوم الأول، واستمراره في اجترارها وتكرارها كل يوم، رغم ضعف تقدُّمه نحوها؛ إلا أنه من المهم إدراك أنه –أو القطاع المؤثر فيه- لا يزال مصرًّا عليها، وعلى استمرار الحرب، وأنه يبدو في أحيان كثيرة مستعدًّا للتضحية بأسراه وتقديم تضحيات –غير مسبوقة- في جنوده واقتصاده وسمعته الدولية؛ ما يعني عمق صدمته وشعوره بالهزيمة يوم 7 أكتوبر وشعوره بالخطر المستقبلي. لكن من ناحية أخرى، فإن نوعًا من الانتصار عليه ممكن، وإن قراءة في المشهد بتعقداته وتركيبته يحرك التحليل نحو احتمالات عديدة؛ منها اتساع نطاق الحرب، ومنها ضغوط في داخل العدو، وفي دواخل شركائه، وفي المجتمع الدولي وخاصة منظماته الإنسانية والحقوقية، وضغوط الأوضاع الاقتصادية والسياسية في الإقليم، وعبر الحدود.
(2) يرتبط بذلك قراءة الحدث ومساره وتداعياته بطريقة دينامية، تستدعي الذاكرة التاريخية على الأقل القريبة له عبر عقد أو عقدين سابقين، وصلته بتحولات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر التي شغلت العقد الأول من هذا القرن، ثم الثورات العربية الشعبية والثورات النظمية المضادة، وسط تحولات مهمة في السياق الدولي (لا سيما الصراع بين القوى العالمية الكبرى: الولايات المتحدة ومعها بريطانيا وأوروبا نسبيًا، والصين، وروسيا، وترشح الهند للدخول فيه خلال هذا العقد)، كما تستدعي هذه الدينامية رسمًا مستمرًّا لسيناريوهات الصراع؛ سواء في دائرته المركزية، أو في الدوائر المحيطة والمتقاطعة معها. ومن ذلك أن المواقف من القضية بعضها يتحرك، وبعضها لا يزال يراوح مكانه، وبعضها قابل للتطوير عقب وقف إطلاق النار، وبعضها قابل للتراجع. فمثلاً يرى البعض أنه الآن -وربما مستقبلاً- يقف الفلسطينيون وحدهم، يحملون قضيتهم في أيديهم، وستتراجع مساندتهم بعد الحرب، وسيعود المنطق السابق على الحرب ليهيمن على المواقف والتفاعلات (تسويات على أساس اقتصادي رأسمالي مثلاً)، بينما يرى آخرون بأن فلسطين وفي قلبها غزة، ومن حولها المنطقة لن تعود إلى ما كان قبل 7 أكتوبر وأن تغييرات كبيرة تنتظر الجميع وعلى رأسهم طرفا الصراع المباشران.
(3) إنعام النظر في المواقف العربية، والشرقية الدولية، والأوروبية؛ من منظور ما آلت إليه أوضاعها قبل 7 أكتوبر؛ ومن ثم عدم التفاجؤ أو الاندهاش من “الخذلان الكبير”؛ فهو سابق ومستمر منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، وتعمَّق كثيرًا بعد الثورات العربية والثورات المضادة لها، حيث صُنِّفت المقاومة الفلسطينية (الإسلامية) لأول مرة بوصفها حركات إرهابية من قبل أنظمة عربية رئيسية، وضُربت وحوصرت بشدة –لا سيما إعلاميًّا وسياسيًّا- في إطار هجمة إقليمية شرسة على التيار الإسلامي. وكذلك روسيا والصين والهند مارست هذه الدول أشكالاً خطيرة من العداء والهجوم على الإسلام والمسلمين، لا سيما الذين هم في حوزتهم (الروهينجا، الأويغور، مسلمي الهند وكشمير، الدور الروسي في سوريا وليبيا… وهكذا). ومن ثم يجب الحذر من تهويل المواقف الصامتة أو المحتجَّة على الوضع الإنساني وحسْب، لكن القضية السياسية نفسها تظلُّ لها حسابات تقع بيد الشعب ومقاومته اليوم. ومن المهم التفكير في الحفاظ على الزخم الذي أحدثه الطوفان وتعزيزه مستقبلاً، ومواجهة هجماته المضادة في الدواخل العربية والإسلامية وفي الشرق والغرب.
(4) ومن المهم في هذا التحليل الواقعي، رصد عناصر القوة التي أبرزها الطوفان؛ وبالأخص لدى المقاومة والشعب الفلسطيني، وقدرتها على ضرب معادلة الهيمنة–التبعية وما تتضمَّنه من قيم الوهن والغثائية، بمعادلة المقاومة والتحرر وقيم القوة والتوازن والصمود، وقدرتها على صدِّ العنف المعرفي الذي أراد فرض رؤية العدو للصراع وعمله على شيطنة المقاومة وازدراء الشعب الفلسطيني؛ لكي تتصدر -بالفعل والصوت والصورة والإدارة الجيدة- صورة المقاومة الباسلة والصمود الشعبي الأسطوري والإيمان القوي، والصبر الجميل؛ بحيث يمكن القول إن تهمة (الإرهاب والعنف والتطرف) ترتد اليوم إلى صدر العدو أكثر منها إلى المقاومة. ولا يزال هذا الملف مفتوحًا وقابلاً للعديد من الاحتمالات.
ثالثًا- النظر المركب إلى المشهد بأبعاده الرسمية والشعبية، والإقليمية والعالمية، والآنية والمستقبلية:
(1) فالشعوب العربية والإسلامية هي التي تقاوم الغزوَ الحضاري، وسياسات الهيمنة–التبعية، والمقاومة الشعبية أو المنبثقة من الشعب، هي التي تقود المعركة الآن في غزة وفي فلسطين، بخلاف موقف السلطة التي احتوتها الأنظمة في منطقها منذ أوسلو وحتى صفقة القرن التي لم تكتمل، وكذلك الشعوب العربية والإسلامية وما أسميناه (العالم الحر) هي التي تتفاعل يوميًّا وإيجابيًّا مع الصراع، وتقف موقفًا إنسانيًّا وأخلاقيًّا ومنصفًا؛ ومن هنا أهمية الوعي والدعوة والدعاية، ومواجهة الحرب النفسية الدعائية التي تقودها منابر العدو للتخذيل ضمن (حرب السرديات وحرب كتابة التاريخ وعمليات التفسير والشرح المستمرة بلا انقطاع..)، وأهمية متابعة الحراك المدني والشعبي، والخطابات، واستطلاعات الرأي.
ومن الأهمية بمكان في هذا الصدد ملاحظة “الفارق الجيلي” في التجاوب مع الحدث، والموقف منه، عبر العالم، وخاصة في الغرب الذي يشهد تحولاً جيليًّا مهمًّا ضدَّ الصهيونية، وليس فقط لدواعٍ إنسانية تراحمية مؤقتة… إن مؤشر القول بنهاية إسرائيل حلاًّ للصراع في أحد الاستطلاعات في الولايات المتحدة ينبغي أخذه مأخذًا جادًّا واقعيًّا، وتحليله وتفسيره. وتمييز المستوى غير الرسمي في التفاعل مع الطوفان وفهمه، وفهم إمكانياته، وكذلك حدوده وقيوده الموضوعية عليه من السياسة والثقافة والاقتصاد… من الأهمية بمكان.
(2) تزداد عملية الاتصال والتقاطع بين الدواخل الوطنية، والتفاعلات الإقليمية والعالمية حول الطوفان.. وتشهد جديدًا في التعامل مع الحقائق، والقيم، والهويات، وعمليات من الدبلوماسية الشعبية الرقمية العابرة للحدود، والمواجهة للدبلوماسية الرقمية الصهيونية التي كانت قد أغرقت المنطقة العربية بتطبيع وتصهين فجٍّ خلال العقود القليلة الماضية، ولا ينبغي أن نهمل الحضور العربي والإسلامي في الإعلام الغربي (مقابلات بيرس مورجان وغيره مثلا) ودورها في حرب الروايات، وحرب الصورة الذهنية، والجهود الجبارة التي قام عليها شباب مؤثرون، ورموز رياضية وفنية وأكاديمية وسياسية وغيرها في تأطير الطوفان تأطيرًا قيميًّا وحقوقيًّا منصفًا، وإضفاء الشرعية عليه التي أراد العدو نزعها… وقد كان لإعلام المقاومة دور مهم في ذلك؛ سواء على المستوى الإنساني والأخلاقي أو على مستوى نقل روح القوة والصمود، ونقل الحقائق.
(3) إن الأبعاد المشار إليها (الشعبي، والجيلي، والاتصالي) تفتح الطريق أمام الخروج من اللحظة الجارية إلى ما بعدها… فالتحولات أو التغييرات المستجدَّة على القضية والصراع ليست قليلة، ومنها الإيجابي والسلبي، ومنها الكاشف والمنشئ،.. ولكنها كلها تحتاج إلى جهود متَّصلة تمضي بها إلى المستقبل بشكل يعزِّز من القضية ودور المقاومة. وهذا المستقبل يتحرَّك في دوائر: بدءًا من وقف إطلاق النار وإنهاء العدوان الجاري، فإعادة إعمار القطاع المدمَّر تدميرًا غير مسبوق، ثم تعزيز قضية تحرير فلسطين، ثم مواجهة الهجمة المضادة من الصهيونية ومن المتصهينين، وكسب مساحات جديدة من التواصل والتفاعل والتداخل مع الآخر في قضايا أوسع تتعلَّق بالإنسان والكوكب والعدالة العالمية والحرية وتقرير المصير للجميع… والعمل على التغيير العميق (في الأطر المعرفية) خاصة في الداخل العربي والإسلامي، وإعادة تعريف الأشياء؛ وبالأخص السياسة والسياسي من منظور حضاري إنساني مستوعب للقيم والقواسم المشتركة… فالسؤال هو: كيف نجعل هذا الحدث الطوفاني مستدامًا؟
رابعًا- العمل على تطوير رؤية استراتيجية حضارية عملية لمواجهة الصهيونية واستكمال انتصار الطوفان:
وهذا كان موضوعًا ساريًا عبر الحلقات الخمس، ثم انصبَّ عليه التركيز في الحلقة السادسة تحت سؤالين مفادهما: كيف نتصور نهاية هذه الحرب بين الأمدين القصير والمتوسط؛ ومن ثم اليوم الذي يتلو هذه الحرب؟ وكيف نتصور تأثيرات ذلك على الأمة وخاصة النظم العربية والإسلامية، وما ستحصده من هذا الطوفان؟ وما توصياتنا في ذلك؟ وجاءت خلاصات النقاش كالآتي:
(1) إن هذه الحرب تتوقف في إحدى حالتين؛ إما أن يحقق العدو أهدافه على الأقل أهدافه القريبة (كسر حركة حماس وتحرير الأسرى)، وإما أن يضطر إلى ذلك اضطرارًا نتيجة قوة المقاومة أو الضغوط الدولية أو كليهما، والأرجح أن الذي يؤثر ساعتها هو قوة المقاومة الميدانية وصمود الشعب لا الضغوط الدولية التي تعرف إسرائيل كيف تتعامل معها. ومن ثم فكلما زادت مساندة المقاومة ونصرتها، وكلما صمدت هي والشعب –مع عدم استعجال توقف الحرب- وكلما أمكننا أيضًا إيصال المساعدات الإنسانية؛ كلما زاد احتمال النصر وعدم تحقيق العدو لأهدافه واضطراره إلى وقف العدوان.
(2) ثمة تصورات لمحاولات الإيقاع بين الجناحين السياسي والعسكري في حركة حماس؛ بحيث يتم استيعاب وإدماج الجناح السياسي (في منظمة التحرير الفلسطينية التي ستتعرض لتغيرات وتدخل في انتخابات وتفرز سلطة جديدة قادرة على إدارة عملية تفاوضية مع إدارة /حكومة إسرائيلية جديدة من غير نتنياهو) مع الانفراد بالجناح العسكري وضربه والاستمرار في استهدافه عبر العام 2024، وقيام الدول العربية بأدوار موزَّعة لما بعد الحرب (دولة حاضنة لقطاع غزة، ودول تمول إعادة الإعمار بشرط المضي في حل سياسي للصراع)، مع فتح المجال “لهجرة طوعية” في دول الجوار أو خارجها… وهذا السنياريو القادم من العدو أو من حلفائه، يهزمه تماسك المقاومة، وتمسك الشعب الفلسطيني بها واحتضانه لها؛ وهو ما يظهر لنا حتى الآن، وقدرة المقاومة على إدارة التفاوض والحل السياسي، والتقارب مع قوى منظمة التحرير لا سيما فتح، ولكن ثمة رؤية مقابلة أن هذا التصور إنما يعبر عن أفق الـ”لا حلّ”، وهو المشهود سابقًا وعبر العقود الثلاثة الماضية، تحت عنوان (حل الدولتين) حتى أصبح شبه مستحيلٍ… وهذا يعني استمرار الصراع، لكن بصور أعنف. ويرتبط بذلك أيضًا سيناريو الوقيعة واستحضار الخلاف بين حماس من جهة والسلطة حركة فتح باسم منظمة التحرير من جهة أخرى. ويأخذ ذلك صورة الحديث عن إدارة قطاع غزة وملف الحل السياسي وملف إعادة الإعمار، والتعامل مع المجتمع المدني، كأنه من المسلم به استمرار حصار القطاع وإقصاء واستبعاد حماس من معادلة ما بعد العدوان.
وهذا يحتاج إلى تطوير رؤى مبتكرة مقابلة أو مضادة لهذه الرؤى، فيطرح البعض فكرة (الدولة الواحدة) للشعبين، والعدو وشركاؤه طبعًا يرفضونها، لكنها أقدر على الضغط عليهم وإحراجهم، كما يرى هذا الفريق، … لكن الأهم هو مواصلة النضال الشعبي والمدني، وتحريك الرأي العام الداخلي والخارجي لتحريك الحكومات، وكسر الرواية الواحدة، واختراق الساحات المختلفة.
(3) إن هذه الحرب –وليست المعركة- ستتوقَّف حين يظهر “أفق سياسي لحل القضية”.. والمقاومة مرشَّحة لأن تكون فاعلاً لا مجرد مفعولٍ به؛ ومن ثم يمكنها أن تقدم (مبادرة استراتيجية سياسية)، تطرح وتشرح فيها رؤيتها لحل القضية؛ استكمالاً لما قدمته في وثيقة 2017… وتحدد فيها مفهومها للتحرير بما يمْكِن ويمكِّن.. فهي الآن في موضع يُسمع له إذا قدَّم رؤية واقعية محدَّدة، وبالطبع ليست رؤية انهزامية أو استسلامية أو تراجعية. ومن المهم في هذا الصدد الأخذ بزمام المبادرة وعدم انتظار الحسم العسكري، وأن يتضمَّن ذلك تطويرًا للخطاب بحيث يجمع بين السياسي والعسكري، ولا أن يفصل بينهما أو يستسلم لمحاولات صنع الشِّقاق بينهما.. وأن تراعي في ذلك المرحلية بين الواقع والمستقبل القريب والمتوسط… وهكذا.
(4) ويرى فريق أن هذه الحرب / المعركة تتوقف حين يحدث تغيُّر في رؤية أو موقف الإدارة الأمريكية؛ باعتبارها المدير الفعلي لها، لكن ذلك خارج يد المقاومة الآن من حيث السُّبل المباشرة. لكن قوة المقاومة وصمودها، مع احتداد التطرف الديني في إسرائيل، وتزايد الضغوط الإقليمية على الولايات المتحدة وإسرائيل، والتحالفات المضادَّة لهما، يضغط على الجميع بما فيها الأنظمة العربية؛ ممَّا يدفع إلى تغيير السياسات، وإيقاف الحرب دون انتصار حاسم على المقاومة الفلسطينية، حتى ولو تعرَّضت لخسائر مؤثِّرة. لكن استمرار الحرب لا يعني سوى استمرار الصراع ومحاولات واحتمالات العودة بالأوضاع إلى ما قبل 7 أكتوبر.. مع تشديد الحصار على القطاع، وتعرُّض الكيان الصهيوني إلى أزمات داخلية كبيرة.. بما يعني أن السيناريوهات مفتوحة يمنةً ويسارًا.
(5) ثمة رؤى تقوم على التحوُّط والتحذير، وبالأخص من مفهوم الحل السياسي؛ وتستدعي الذاكرة التاريخية للأدوار الغربية (وخاصة الأوروبية) والعربية (وخاصة المتصهينة) للتلاعب بالقضية وبحركات المقاومة وتبريرها لحين تتغير الظروف والسياقات لصالح العدو ومشروعه التوسعي. ومن ثم؛ فإن الحرب يمكن أن تتوقف من جهة المقاومة كلما اشتد عليها الخناق لا سيما الجغرافي، أو توفرت الشروط التي تقبل بها، لكن العدو يمكن أن يتوقف مع زيادة خسائره، عند الحدِّ الذي يمكنه تحمُّله، وتراجع التدفُّقات الخارجية التي تقدَّم له… ولكن من المهم إدراك أن الصراع الميداني العسكري يتأثَّر بتحرُّكات الحل السياسي والرؤى عنه، فهما أشبه بالبديلين… وكلما تقدَّم الحل السياسي كلما تراجع الصراع المسلح والعكس.
(6) من المهم التفكر في احتمال استمرار وتوسع الحرب حتى ربما يصل إلى صورة (حرب الجميع ضد الجميع)، إذا أصرَّ العدو على أهدافه، ولم يمكنه تحقيقها، واستفحلت المأساة الإنسانية في غزة، واستمر العدوان في الضفة والقدس، وننتقل من حرب محدودة إلى حرب كبيرة مفتوحة، وذلك له أبواب عدة (انتفاضة في الضفة تتحرك باتجاه المستوطنات، انزلاق في الجبهة اللبنانية، أو اليمنية، أو توجيه ضربات مباشرة إلى إيران…)، وربما من تحت الرماد في سوريا أو العراق أو الخليج أو تركيا، أو غيرها.
(7) ويمكن للحرب أن تتوقف نتيجة تحول دراماتيكي غير مرتب؛ كأن يُقتل قادة حماس، أو يحدث انقسام في الحكومة الإسرائيلية أو حدث إقليمي أو عالمي… ويمكن أن تتوقَّف هذه المعركة ولا تتوقف الحرب بأشكال مختلفة نتيجة تعقد القضية وعدم اقتصارها على الوضع القائم.
(8) وهناك من يرى أن إسرائيل بالفعل قد هُزمت، وهُزمت مرات عديدة منذ 7 أكتوبر، ثم مع المزيد من انكشافها وتعرِّي مساحات ضعفها الكبيرة، وغرقها في رمال غزة، وبين جبهات عديدة… إلخ؛ ومن ثم فإن إطالة أمد المعركة، إنما هو إطالة لعملية هزيمتها رغم الخسائر الفادحة في صف الشعب ومقاومته. وفيما بعد الحرب، فإن ثمة احتمالات لظهور مقاومة جديدة، لكنها ستكون أشد عنفوانًا من الحالية نتيجة فداحة العدوان وخسائر الفلسطينيين الكبيرة.
(9) ومن ناحية الآثار على المنطقة وأنظمتها فإن احتمالات كبيرة واردة على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والخارجية، أكثرها يتعلَّق بمزيد من الأزمات والضغوط الموضوعية والموجَّهة خاصة من الخارج، والحراكات المجتمعية التي غالبًا ما لن تكون إيجابية، وداخل فلسطين (نهاية السلطة الحالية)، ويجب أن تبادر القوى الوطنية بضبط هذه الحراكات من الآن مع الضغط على الأنظمة.
(10) كيف نتلمَّس في الواقع الإقليمي ما يدعم المقاومة أو لا يدعمها؟ ما الدولة الأولى بالتأثير في المقاومة والقضية أو الأكثر تأثرا بها؟ إنها بلا شك “مصر”. لكن مصر مع مرور الوقت لا يتضح فيها تغيير في الموقف، وليس ثمة كشف عن أوضاع التوتُّر بين مصر وإسرائيل، وهي موجودة، ولكن إما يتم إنكارها، أو أنها لا تُستخدم من البداية، اللهم عندما تبين أن إسرائيل تسعى إلى تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، فأعلنت مصر رفضها البات، وبدت تغيرات في الخطاب (كخطاب سامح شكري في واشنطن مؤخرا مع مركز الدراسات الاستراتيجية)، وشاركت مصر في الأمم المتحدة في جهود وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، وعبر اللجنة السباعية العربية الإسلامية التي انبثقت عن قمة 11 نوفمبر. لكن وراء ذلك يبدو أن ثمة تفاهمًا مصريًّا إسرائيليًّا في ملفَّات عديدة؛ كما في المعبر وصد هجمات الحوثيين القادمة عبر البحر الأحمر، فهل يمكن أن تستعمل مصر ذلك كمناورة للتوصُّل إلى وقف إطلاق النار الذي تسْعى إليه، أو توسعة إدخال المساعدات عبر معبر رفح؟ وهل من جديد بعد الانتخابات الرئاسية، حيث انتهت الحاجة إلى توظيف الحرب سياسيًّا، فما الذي يمكن أن يحدث ولم يظهر في العلانية حتى الآن؟
(11) ومما يخشى منه إمكانية تصاعد النزعات القتالية في المنطقة، وأن تحاول بعض القوى تكرار نموذج طوفان الأقصى ضدَّ بعض الدول. والغالب أن المنطقة مقْدمةٌ على حالة من عدم الاستقرار بسبب وحدة ساحات القضايا، وينبغي التحسُّب لذلك. والترتيبات التي ستتم في غزة إذا كانت فيها أدوار إقليمية فيجب الاستعداد لفكرة الأدوار؛ دور مصر أساسي في هذا، ويجب أن تهيئ مصر نفسها له داخليًّا؛ فقد أُنهكت مصر على مدى عشر سنوات ماضية، وعلينا أن نتساءل: هل نحن قادرون على لعب دور داخل غزة وداخل الصراع؟ وما هو؟ وكيف؟! إن هذا يستدعي من الدولة المصرية أو النظام المصري تغييرات دراماتيكية.
(12) عندما يهدأ غبار المعركة، ستحاول كل الأطراف استعادة توازن ما قبل الطوفان؛ حيث تعرَّضت معظمها أو كلها لاضطرابات في التوازن بعد ركود شديد البؤس، وقضية فلسطين عادت إلى الطاولة والمواقف منها ستعود إلى محك مختلف عن صفقة القرن. وهذه القضية ستظل في حاجة إلى “نصرة” من أمتها وخاصة الشعوب. فالتأثير على الأنظمة صعب. لكن الطوفان غالبًا نجح في تحجيم نسبي للتطبيع السياسي والاقتصادي العلني، وفتح المجال أمام ترتيبات إقليمية ضئيلة الحضور الإسرائيلي؛ وهذا نجاح يمكن البناء عليه.
والله أعلى وأعلم.
26/12/2023.
يمكن تحميل الدراسة من خلال الرابط التالي
__________________
هوامش
[1] (د.نادية مصطفى، د.مازن النجار، د.نسبية أشرف، د.آية عنان، د.مدحت ماهر)، وبالتعقيب الأساسي أ.نبيل شبيب، سفير معتز أحمدين، أ.هشام جعفر، أ.سامح راشد، د.أحمد علي سالم، د.شريف عبد الرحمن، د.ريهام خفاجي، د.أميرة أبو سمرة، وشارك بالتعليق: د.حازم علي ماهر، د.عبد الرحمن رشدان، أ.أحمد خليفة، أ.عمر سمير، أ.أحمد البوهي.