تداعيات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس: مسيرات العودة والانتفاضة المقيدة
مقدمة:
لم يكن الإعداد لمسيرات العودة التي تنظم للاحتفال بيوم الأرض وذكرى النكبة في هذا العام شبيهًا بالسنوات الماضية، رغم استمرار مكونات المشهد كما هي؛ حيث كان قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس أبرز مستجدات هذا العام، لاسيما مع تزامن تنفيذ القرار في ذكرى النكبة وإعلان دولة إسرائيل.
تجاوزت المحنة الفلسطينية مرحلة الصراع حول قضيتي فلسطين التاريخية الكبرى أم حل الدولتين، ومواجهة سياسات التهويد في الأقصى أم الدفاع عن غزة، ودخلت في نفق مميت يُعرف بنفق تصفية القضية الفلسطينية تمامًا وإنهاء حق الفلسطينيين الأصيل في الحياة فوق أرضهم. بعد أن قرَّرت الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو ما يعني خروج الأخيرة من معادلة التفاوض، وإعلانها عاصمة للدولة الصهيونية.
وكان الفلسطينيون على مستوى الحدث لاسيما في غزة؛ حيث شهدت مسيرات العودة أحداثًا دموية ومشاهد بطولية سطرتها أيديهم في الضفَّة والقدس، وكانت غزة درة التاج ورأسه بما قدَّمت من عشرات الشهداء ومئات المصابين. وقد استهدف الحشد على مدار أيام وأسابيع تحفيز الناس للخروج في يوم الأرض بمسيرة “مليونية للعودة”(1) لإثبات الحق الفلسطيني في التاريخ والجغرافيا. وأعادت تلك المسيرات الأنظار مجددًا إلى مصطلح حق العودة الفلسطيني الذي ظهر عقب النكبة التي حلت بالفلسطينيين عام 1948، بعدما أسفرت سلسلة مذابح ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق القرى والمدن الفلسطينية إلى نزوح نحو 800 ألف فلسطيني آنذاك(2).
تنوَّع الحراك المقاوم وأحدثت مسيرات العودة زخمًا كبيرًا نتيجة توسُّعها الجغرافي، إلا أنها لم تتمكَّن من إشعال انتفاضة نتيجة عدَّة عوامل محلية وإقليمية ودولية، تدور هذه الدراسة حول تحليل مشاركة الناس في مسيرات العودة وتنوُّعات هذه المشاركة على المستوى الجغرافي، مع تفسير أبعاد هذه المشاركة ودلالات عدم قدرتها على إشعال انتفاضة جديدة، رغم استمراريَّتها لأسابيع طويلة.
أولًا- الغضب في غزة بين رفع الحصار وكسر القرار:
تجهَّز المحتجُّون بأعلام فلسطين التاريخية وأسماء قراها ومناطقها التي غيَّر هُويتها الاحتلال، وعادت مفاتيح العودة التي تتوارثها الأجيال. نُصبت خيام العودة في ست مناطق على الحدود الشرقية والشمالية لغزة مع الأراضي المحتلة، وانحصرت التجمُّعات والاعتصامات في مناطق محدَّدة جرى التوافق عليها، ومنها مدخل معبر بيت حانون، شمال القطاع، وبوابة النجار شرق خزاعة، شرق خان يونس، وبوابة المطبق، شرق رفح، وشرق مخيم البريج، وسط القطاع، وشرق حي الزيتون عند بوابة ملكة. فتوجَّهت الجماهير نحو شرق وشمال غزة حيث السياج الحدودي مع الأراضي المحتلة، ولم تتَّجه جنوبًا تجاه سيناء/ مصر؛ فقد خابت مساعي إسرائيل في تحويل بوصلة الصراع إلى القاهرة، فالفلسطينيون يرفضون كل محاولات الوطن البديل، وفي مقدمتهم الغزواين(3)، أعلنوها صريحةً: لن نقبل بتسوية تناهض حق العودة، ولن نفرِّط في القدس ولو بعد حين.
في الطرقات سمع المارَّة مكبرات الصوت من المنازل والمساجد بواجب المشاركة في التظاهرات، لحماية الحق الفلسطيني في العودة وكسر الحصار الذي يواصل عامه الثاني عشر، ومن جهتها أعلنت وزارة الصحة في غزة إلغاء كافة أجازات موظفيها لتهيئة الوضع لاستقبال الجرحي والشهداء. كانت الأجواء مختلفة هذه المرة، هكذا ظهرت المؤشرات والدلائل، ومن ناحيتها، راهنت الفصائل على قدرة الأهالي في غزة على الصمود لأيام وأسابيع طويلة حتى تحقُّق مطالبهم(4).
هذا الإعداد القوي من شعب يعاني الويلات جرَّاء صموده يدعو للفخر، فها هم أهل غزة المحاصرين المهمَّشين الذين تضيق عليهم الأرض بما رحبت، ثم هم يضيقونها أكثر بإصراراهم على مواجهة آلة القتل الحداثية بأدوات بدائية وبحناجر أرهقتها كثرة انقطاع الكهرباء وأجساد بليت من وقف الرواتب والمستحقات.
بدأت المسيرات في الثلاثين من مارس 2018(5)، واستمرَّت ما يزيد عن ثلاثة وعشرين أسبوعًا من التظاهر المستمر، وقد شهدت تنوُّعًا وصمودًا تعجَّب منه الكثيرون لقدرتها على الإبداع في أساليب المقاومة، وإصرارها على الصمود أكثر من أي مكان آخر، ورهانها على كسر الحصار، وهو ما اضطرَّ وزير الأمن الإسرائيلي ليبرمان بأن يهدِّد القطاع بحملة موسَّعة ومؤلمة إذا استمرَّت مسيراته(6)، وقد وصل عدد الشهداء لما يزيد عن 180 شهيدًا وأكثر من 18 ألف جريح، من النساء والشيوخ والشباب والأطفال، معظمهم كانوا من غزة. فضلًا عن المشاهد البطولية التي سطرها آخرون مثل الأسير المحرر ابن بيت حانون إسماعيل العثمانة الذي استخدم دراجته الرباعية بملامح وجهه الغاضبة لإنقاذ المتظاهرين الجرحى ونقلهم من الأماكن التي لا تستطيع سيارات الإسعاف الوصول إليها عند السياج الحدودي نتيجة كثافة الرصاص. وصورة انتشرت في تويتر لطفل وضع قناعًا من البصل للصمود في وجه قنابل الغاز، ومسعف أصر على القيام بعمله في علاج المصابين رغم إصابته برصاص في ذراعه الأيمن، ورابع استشهد أثناء رسمه على الأرض(7). كما “تمكَّن عدد من المشاركين في فعاليات العودة، من اختراق الحدود الشرقية لوسط القطاع بأدوات بسيطة ودون حمل أي نوع من السلاح، والوصول إلى ثكنة عسكرية يستخدمها جنود القناصة الإسرائيلية في إصابة المتظاهرين، وحرقها قبل العودة مجدَّدًا إلى غزة، مسجِّلين عملية الاقتحام التي أحرجت كثيرًا جيش الاحتلال بكاميرات هواتفهم المحمولة. ودفع هذا الفشل العسكري الإسرائيلي في اكتشاف عملية التسلُّل الناجحة للنشطاء، إلى اللجوء لقوة الطيران الحربي لمداراة ضعفها، بقصف أهداف شملت مواقع للمقاومة، في مسعى أرادت من خلاله إسرائيل تكرار تجربتها السابقة التي بدأتها مع انطلاق الفعاليات والذي يقوم إلى حرفها من طابعها الشعبي السلمي إلى “العمل العسكري” لتستغل الأمر في تبرير عمليات قتل المتظاهرين”(8).
لقد برز مصطلح رفع الحصار في مسيرات العودة على ألسنة أهالي القطاع وتصريحات قيادات الفصائل، بجانب مواجهة صفقة القرن وعدم تمرير قرار الرئيس الأمريكي بنقل السفارة. لقد كان أهالي القطاع الأكثر تعرضًا للظلم طوال السنوات الماضية، عن طريق اغتيالات مستمرة وتضييق واعتقالات وصلت لشنِّ حصار كامل أوقف كافَّة مظاهر الحياة. ويبدو أن أزمة الحصار كانت حاضرة بوضوح في غضبهم واحتجاجاتهم، نعم “نريد رفع الحصار وكسر القرار الأمريكي بنقل السفارة”، ولكن في حالة ضعفت أدوات تنفيذ المطلب الثاني، فربما يكون المطلب الأول أكثر أهمية لأنه سيمنحنا القوة لتحقيق المطلب الثاني، هكذا دارت أفكار الغزاويين غالبًا، وهو ما يفهم من اسم جهة تنظيم الفعاليات الإحتجاجية هناك “الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار”. كما تمكَّنت مسيرات العودة من إعادة مفاهيم الأرض وحق العودة واللاجئين إلى جيل جديد من الأطفال الذين نشؤوا في سياق تضييق العيش والصراع السياسي الداخلي على السلطة، لتتفتَّح أمام أعينهم رحابة القضية وأصل الصراع.
وكان الإبداع حاضرًا كعادته في غزة، حيث تم استخدام الطائرات والبالونات الحارقة التي تمكَّنت من إشعال الحرائق فيما يزيد عن 8500 هكتار من الأراضي، ويبدو أنه سيكون سلاحًا جديدًا وفعَّالًا، ليس في حجم تأثيره الآن، ولكن في تطوُّراته المستقبلية، لذلك “هدَّد رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي، والرئيس السابق لجهاز “الشاباك”، آفي ديختر، بلجوء إسرائيل إلى حملة عسكرية ضد غزة، لإنهاء ظاهرة “الطائرات الورقية الحارقة”، وقال إنه لا يستبعد العودة إلى سياسة الاغتيالات، وتصفية قائد حركة حماس في غزة يحيى السنوار”(9).
ومع زيادة حجم الشهداء والمصابين، وارتفاع حدَّة القمع ضد أهالي غزة، اضطرت الأمم المتحدة للتدخل من خلال منسقها في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف الذي أعلن قائلًا: “ناشدت الفصائل الفلسطينية ألا تثير أي أحداث عند السياج، وأن تكف على الفور عن إطلاق الصواريخ والطائرات الورقية والبالونات الحارقة. وناشدت إسرائيل أن تعيد فتح المعابر وتوقف القصف، خاصة في المناطق المأهولة، وأن تمارس ضبط النفس تجاه غزة”(10).
لم تستقر الأوضاع بسبب استمرار المسيرات الغاضبة لغزة، نتيجة إدارة الفصائل للمشهد الاحتجاجي بصورة جيدة جدًّا وتمكُّنها من تحقيق تقدُّم على الأرض، وهو ما أجبر الأمم المتحدة على تشكيل لجنة تحقيق أممية يرأسها الأمريكي ديفيد كرين(11) للتحقيق في عمليات العنف التي تعرَّض لها قطاع غزة، حيث اضطرت إسرائيل للدفاع عن نفسها بأنها تتعرَّض لعملية تشويه لسمعتها(12).
في حقيقة الأمر، لا ينبغي أن تأخذنا تفاصيل أعداد الشهداء والجرحي واتهامات البعض بأنها تذهب سدى، عمَّا يحدث من تغيُّرات في معطيات الواقع، فبالفعل تمكَّنت غزة من تغيير حقائق ترسَّخت لسنوات مضت وقلبت المعادلة الإسرائيلية رأسًا على عقب، فقد انحصرت فكرة المقاومة لعقود في تصدُّر نخبة معينة لتحريك المشهد سواء كانت عسكرية أو سياسية، أما في اللحظة التي تعيشها غزة الآن: فالشعب هو المحرك الرئيسي في المشهد، الجماهير هي من تجبر وتحرك الفصائل من خلفها وتطالبها بالاحتماء بها وترك تفاهمات السياسة وإكراهات السياق، ولا يقلِّل هذا من الدور الذي تلعبه “حماس” وباقي الفصائل، فقد راهن إسماعيل هنية على استمرار المسيرات لفترة طويلة حتى تنتقل إلى الضفة الغربية وباقي مناطق الداخل الفلسطيني مرورًا بالشتات، ما دفع البعض للاعتقاد بأنه ثمة تحول في برنامج “حماس” الوطني، بتحويل مسيرات العودة لبرنامج طويل المدى للتأثير في المشهد، وإعادة اهتمام العالم بالقضية.
لكن حركة “حماس” تعاني من ضغوط خارجية كبيرة للقبول بتصفية القضية الفلسطينية، ظهرت في تصريح إسماعيل هنية القائل: “نحن أمام التحدي الأخطر الذي يستهدف القدس واللاجئين والقضية الفلسطينية برمَّتها بفعل “صفقة القرن” والتواطؤ الصهيوني والإقليمي مع هذه الصفقة”(13).
لم ترضخ غزة للضغوط المحلية والإقليمية والدولية واستمرَّت في مسيراتها، حيث كشفت صحيفة “جيروزاليم بوست”، أن رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية الإسرائيلي “الشاباك”، نداف أرغمان، طلب من رئيس جهاز الاستخبارات العامة المصرية، عباس كامل، نقل رسالة تهديد لحركة “حماس”، تحذرها من مواصلة تصعيد الاحتجاجات التي ينظمها الفلسطينيون ضمن فعاليات “مسيرات العودة”. وأشارت الصحيفة إلى أن أرغمان أبلغ كامل بأن إسرائيل “لن تحتمل مواصلة الاحتجاجات على الحدود”(14). ورغم أن هنية أعلن نفيه لهذه الأخبار، مؤكدًا أن مصر طالبت بالسيطرة على الوضع وعدم تدحرج الأمور لمواجهة مسلحة شاملة(15).
لم تنتهِ المظاهرات من غزة حتى تاريخ كتابة هذه السطور، وهو أمر يعود لعدة أسباب، أهمها أن استمرار المقاومة الفلسطينية في غزة ساهم في مزيد من تعبئة الناس بهوية وعقيدة النضال حتى تحرر فلسطين رغم سياسات التركيع التي يتبعها الاحتلال وأذنابه. انتفضت غزة انتفاضة الحياة ونفضت عن نفسها أكوامًا من الرُّكام الذي أثقل كاهلها، وأرادت إعادة كل إنجازات القوى المعادية بحرف بوصلة الصراع من أجل الوطن إلى صراع سياسي داخلي تتحكَّم في أبعاده لقمة العيش وحبَّة الدواء وبوَّابة المعبر، إلى مربَّع الصفر، إلى مربع الأرض المسلوبة، والوطن الضائع، وحق العودة، وحرية تقرير المصير(16)، والتي تأكَّدت مع حجم الحشد الجماهيري الراغب بوعي لكسر معادلة يحرص الاحتلال الإسرائيلي على تكريسها، باختصار، يريد الاحتلال الإسرائيلي تحويل سلاح المقاومة في غزة إلى عبء على المقاومة نفسها، وعلى جماهير الناس بطبيعة الاحتلال.. استهدف الاحتلال الجماهير العزل في مسيرات العودة بقوة هائلة. لكن الاحتلال، الذي لا يملك أي مبرر أخلاقي أو أي مسوغ قانوني لجرائمه الشنيعة، سيستخدم ذات الحجَّة، وهي وجود سلطة مسلَّحة تحكم أرضًا فلسطينية هو لا يدخلها وإن كان يحاصرها. هذه السلطة، بحسب دعاية الاحتلال، هي التي تدفع الجماهير في مسيرات العودة.
دخلت “حماس” الانتخابات وفازت وشكلت حكومة، سرعان ما اقتصرت على قطاع غزة بعد الانقسام، لتتفرَّد السلطة بالضفة الغربية، وهكذا ارتبطت معادلة المقاومة بمعادلة السلطة، بشكل مركب وشديد التعقيد. فسياسات السلطة في الضفة اشتغلت على تفكيك الحركة الوطنية وصرف الجماهير عن مسؤوليتها التاريخية؛ الأمر الذي أظهر أن المقاومة قد انحصرت في غزة، ومن ناحية أخرى أصبحت حماس قوة معيلة لما يقرب من مليوني إنسان، وبالتالي دخلت في معادلة الدمار والبناء المعقدة. بمعنى أن الاحتلال أراد تحويل سلاح المقاومة إلى سلاح دفاعي، مستغلا ظروف “حماس” وظروف قطاع غزة، وفي مرحلة لاحقة أراد تجريد سلاح المقاومة من طابعه الدفاعي، وتحويله إلى عبء خالص، مستفيدًا من حالة الحصار، ومن كون “حماس” سلطة أمر واقع تحرص على الحفاظ على هذا المكتسب. وبهذا شنَّ الاحتلال عدَّة مرَّات هجمات مسلحة على غزة، لا لإحراز أهداف أمنية فحسب، بل ولإحراز أهداف سياسية، مفادها أن يده هي العليا، وأنه يمكنه أن يضرب في كل وقت دون أن ترد المقاومة، وبالتالي يعيد تقديم سلاح المقاومة على أنه عبء، أو مكتسب ضيق، لا يُستخدم ضد الاحتلال ولكنه يستجلب الحصار وتجويع الناس! في المقابل، تسعى المقاومة لكسر المعادلة التي يحرص الاحتلال على فرضها، وهكذا تأتي ردودها بين فترة وأخرى، وبالتالي فهي ردود سياسية، أكثر من كونها ردودًا عسكرية أمنية، فغايتها كسر معادلة الاحتلال، لكن هذه المحاولة على أهميتها، بالإضافة للمساعي الحيوية التي تنظمها المقاومة لاستعادة مكانتها ومكانة القضية الفلسطينية وكسر الحصار، فإن ذلك كله لا يحل بعد معضلة ولا أزمة المقاومة الفلسطينية، بالإضافة إلى أن أصل وظيفة المقاومة هي السعي في سبيل التحرير، لا معالجة المشاكل الناجمة عن هذا السعي الأصل؛ لكن معالجة المشاكل الناجمة عن وجود المقاومة أو عن ممارستها ضرورية لتعزيز صمود الناس؛ دون أن يعني هذا أن تتحول هذه المعالجة إلى الغاية الرئيسة. وضمن الظروف التي سبق بيان جانب منها، انحصرت المقاومة مؤسسيًّا في غزة، وانحسرت عن الضفة بطابعها المؤسَّسي، وبطابعها الجماهيري الشامل، وإن أخذت تستعيد ذاتها في الضفة، بوتيرة محدودة منذ منتصف العام 2014، وهذا التباين إلى جانب الحصار المطبق؛ يُشغل المقاومة في غزة في غير الغاية الرئيسة، أو في تخصيص القسم الأكبر من جهدها لفك الحصار، وهذا يبدو في بعض منه مفهومًا بالنظر إلى تحمُّل قطاع غزة العبء الأوحد في القيام بواجب المقاومة”(17). لذلك رغم حجم التضحيات التي تقدمها المسيرات لاستمراريَّتها، ومقدار المكاسب التي تحققها، إلا أنها لاتزال مكبلة بقيود عديدة سيتم مناقشتها لاحقًا.
ثانيًا- الضفة الغربية: الوجه الآخر للاحتلال
لم تتجاوز حالة الرفض في الضفة الغربية ما كان متوقعًا لها، حيث شهدت أعمال غضب ومقاومة قوية ولكنها لحظية، أي أنها لم تستمر سوى ساعات قليلة، ولم تتطوَّر كما في غزة لاختلاف السياقين، ومع ذلك، تعرَّض المتظاهرون للاعتداء الذي كان حاضرًا بغشم في يوم الأرض، حيث أصيب 55 فلسطينيًّا بجراح وحالات اختناق، خلال مواجهات مع القوات الإسرائيلية؛ وتنوَّعت أماكن التظاهرات، وشملت عددًا كبيرًا من مدن ومناطق الضفة؛ حيث اندلعت مواجهات عنيفة عند المدخل الشمالي لمدينة رام الله، وسط الضفة. كذلك أصيب عدد من الشبان خلال مواجهات عنيفة اندلعت في بلدة قصرة، جنوبي مدينة نابلس، إضافة إلى مواجهات في بلدة كفر قليل، جنوبي مدينة نابلس، استهدف خلالها الشبان جنود الاحتلال بالزجاجات الحارقة، بينما اندلعت مواجهات مماثلة في بلدة كفر قدوم، شرقي مدينة قلقيلية. واندلعت مواجهات أيضًا في بلدة المزرعة الغربية، شمال غربي مدينة رام الله، وبلدات نعلين وبلعين ودير نظام، غربي المدينة، إضافة إلى المدخل الشمالي لمدينة بيت لحم، ومنطقة باب الزاوية، وسط مدينة الخليل، جنوب الضفة، ومدخلي مدينة أريحا الجنوبي والشمالي، إضافة إلى مواجهات في بلدتي أبوديس والعيزرية، جنوب شرقي مدينة القدس المحتلة”(18). إلا أنه رغم اتساع جغرافية الاحتجاج فإنه لم يكتب لها الاستمرارية، وتفسير ذلك يعود لعدَّة أسباب بعضها مرتبط بسياسات الاحتلال القمعية واعتقالاته المستمرة في صفوف النشطاء، بجانب تضاعف أعداد مستوطناته ومتاريسه بغزارة، بشكل أعاد تصميم الهندسة الجغرافية للضفة بما يحول بين إمكانية تحويل المسيرات لانتفاضة ممتدة، ما حوَّل الضفة لبؤرة سكون.
كما أن هناك سببًا لا يقل أهمية، بل ربما يزيد، وهو الذي يعود بالأساس لممارسات السلطة الفلسطينية وبالطبع حركة “فتح” التي رسَّخت حالة من القنوع لدى الأهالي أشعرتهم بضآلة تأثيرهم في معادلة تحرير فلسطين، وإيمانهم بقضية المفاوضات السياسية، وبالتالي غياب فاعلية تحركاتهم، فمستقبل القضية سيناقش على مائدة التفاوض الدولي، وعلى الجهة الأخرى، تسود حالة من فقدان الثقة لدى الأهالي تجاه خطاب السلطة بوجه عام، ولذلك كان مشهد المشاركة هشًّا وضعيفًا بصورة كبيرة، وغير ممكن تطويره لانتفاضة حقيقية، أو على الأقل لتقليل الضغط عن غزة، وهو أمر يحمَّل بصورة رئيسية على عاتق “فتح” وممارسات السلطة. يمكن القول إن هذه الأزمة قديمة وعميقة، على الأقل منذ توقيع اتفاقية “أوسلو”، فمحض وجود سلطة محلية لم يجرِّد الفلسطينيِّين من الكثير من أدوات النضال التي احترفوها في الانتفاضة الأولى فحسب، ولا هي (أي السلطة المحلية) تكتفي بالتحول إلى حاجز محلي؛ من جهة تمنع احتكاك الجماهير بالعدو، ومن جهة أخرى تعمل على تحييد الجماهير عن دورهم الطبيعي ومسؤوليتهم التاريخية في التصدِّي للعدوِّ، ولكنَّها فوق ذلك تتحوَّل إلى مكتسب هو في حقيقته العقبة الكبرى أمام المقاومة”(19).
ندرك أن تصفية القضية لا يعفي أحدًا من ضرورة التحرُّك، ولكن التفسير يوضِّح طرق العلاج، فلحركة “فتح” دور كبير فيما وصلت إليه النتائج، وبدلًا من بحثها عن حلول لتجاوز هذا الوضع، أخذت بعض عناصرها تؤكد أن نجاح الحراك الشعبي في غزة يؤكد جدوى الطرح السياسي السلمي للحركة، وهي كلمات هشَّة تذهب أمام أبسط موجة نقد(20).
ثالثًا- فلسطينيو الداخل وفاعلية الهامش
تعرَّضت مناطق الأغلبية العربية بالداخل الفلسطيني (الأراضي المحتلة) لعقود من إعادة التدجين داخل بوتقة الدولة الصهيونية، فتمَّ تفكيك الجوار الجغرافي العائلي ذي الامتداد التاريخي والثقافي لتشعر كل كتلة بأنها وحيدة عن باقي إخوانها في مواجهة آلة القمع المتوحشة.
وللداخل الفلسطيني إرث عظيم من المقاومة برزت ذروته في الثلاثين من مارس 1976، عندما سقط ستة شهداء في سخين وعرابة ودير حنا والطيبة، إثر قيام حكومة الاحتلال الإسرائيلي بمصادرة عشرات آلاف الدونمات من الأراضي العربية في مثلث يوم الأرض؛ حيث بدأت المواجهات في الداخل الفلسطيني في التاسع والعشرين من مارس في قرية عرابة، التي اقتحمتها المدرعات الإسرائيلية، وأسفرت المواجهات عن سقوط أول شهداء يوم الأرض، خير ياسين، برصاص حرس الحدود، ثم تطوَّرت بعد ذلك في الثلاثين من مارس على إثر استشهاد خير ياسين، فتفجَّرت الأوضاع في الجليل والمثلث والنقب، واندلعت مظاهرات صاخبة ومواجهات بين آلاف المتظاهرين العزل في مختلف أنحاء الداخل الفلسطيني، والآلاف من عناصر الشرطة وحرس الحدود، على الرغم من فرض حكومة الاحتلال منع التجول والدفع بآلاف الجنود وعناصر الشرطة للبلدات الفلسطينية في الداخل.
وخلال تلك المواجهات، سقط أيضًا مئات الجرحى، فضلاً عن اعتقال مئات آخرين، وفصل آلاف العمال الذين استجابوا لقرار الإضراب من أماكن عملهم. ورفضت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، برئاسة إسحاق رابين، في ذلك الوقت، التحقيق في حالات سقوط الشهداء والجرحى، وحملت المسؤولية لقيادات الجماهير العربية”(21)، شعرت سلطة الاحتلال بخطورة الداخل الفلسطيني، وأنه لا يقل عن مقاومة الفدائيِّين في الخارج، فأخذت تسعى لتقويضهم، وساعدتها في ذلك الصراعات التي نشأت داخل المقاومة نفسها بين “الجبهة الشعبية” و”منظمة التحرير”.
تعاني مناطق الداخل الفلسطيني من تهميش حاد وقمع دائم، ومع ذلك حاولت ألَّا تخرج عن صورة مسيرات العودة ورفض قرار ترامب، ولكنه حراك يظلُّ تابعًا للهيئات التمثيلية والنيابية، وليس لفصائل مقاومة عسكرية، لذلك فهي مقيدة النطاق على كل حال، بمسيرة مركزية في مدينة عرابة، وبنشاطات محلية متفرقة تبدأ بعد صلاة الجمعة في اجتماع شعبي في قرية راس جرابا في النقب، شرقي مدينة ديمونا. كما انطلقت في بلدة عرابة، مسيرة محلية جابت المدينة، مع المسيرة القطرية الرسمية التي شارك فيها الآلاف من الفلسطينيِّين في الداخل، فضلًا زيارة لأضرحة شهداء يوم الأرض الأول.
لقد ازدادت الدعوات في الأراضي المحتلة بالزحف إلى القرى التي هُجِّر منها أهلها بمسيرات عودة، شبيهة بتلك المشتعلة في غزة، حتى لو عشر قرى فقط(22).
وردًّا على الوحشية التي تعاملت بها قوات الاحتلال مع المتظاهرين السلميين في غزة، قرَّرَ فلسطينيو الداخل تنظيم إضراب عام لمدة يوم والخروج في تظاهرة في حيفا ضد ممارسات الشرطة بحق الأهالي في غزة، ولكن الشرطة قابلتها بعنف شديد هذه المرة، حيث قامت باعتقال 21 متظاهرًا، بل أحيل سبعة من المعتقلين إلى المستشفى بعد تعرُّضهم لإصابات مختلفة نتيجة عنف الشرطة، كان من بينها إصابة مدير مركز “مساواة” جعفر فرح بكسر في رجله، بعد قيام شرطي بركله في ركبته خلال التحقيق؛ حيث أظهرت كاميرات اعتقاله أنه كان يمشي على قدميه جيدًا، ما يعني أن الكسر الذي حدث في قدمه كان نتيجة تعذيب ضباط الشرطة.
لقد أحْيَتْ مسيرات العودة -التي قادتها غزة- شعور الوحدة في الألم والمعاناة والمصير بين الفلسطينيِّين، وهو ما عبَّر عنه النائب جمال زحالقة، رئيس التجمع الوطني الديمقراطي في الكنيست قائلًا: “الدم الذي يسيل في غزة هو دمنا، وعلينا أن نثبت لأنفسنا والقاصي والداني أننا شعب واحد لديه قضية واحدة عنوانها تصحيح الغبن التاريخي الذي لحق بشعب فلسطين وتحقيق الحرية والعدالة، في هذه المعركة نحن نعرف أن كل أحرار العالم معنا وكل أنذال العالم مع مجرمي الحرب الإسرائيليِّين”(23). كما طالب بالتحقيق في العنف الذي تتَّبعه الشرطة تجاه المتظاهرين والمعتقلين، وأكد على استمرارية الاحتجاجات والمظاهرات ضدَّ القمع والقتل والاحتلال. ودعا إلى تصعيد النضال في كافة أماكن وجود الشعب الفلسطيني وبالأخص في القدس المحتلة والضفة الغربية(24).
لم تكتف جماهير الداخل الفلسطيني بمشاركتها في مسيرات العودة، بل قاومت قانون القومية اليهودي، حيث بدأت الهيئات التمثيلية للفلسطينيِّين في الداخل أوَّل تحرُّك فعليٍّ لمواجهة قانون القومية اليهودي الذي أقرَّه الكنيست الإسرائيلي. فقد عقدت سكرتارية لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، اجتماعًا استثنائيًّا للتشاور بشأن الخطوات الواجب اتخاذها على الصعيد المحلي والفلسطيني العام وعلى الصعيد الدولي. ووفقًا لبيان أصدرته اللجنة، فإن هناك توجهًا نحو عقد مؤتمر عام حتى نهاية العام الجاري، للتوجُّه للأمم المتحدة وعقد لقاءات سياسية مع هيئات الأمم المتحدة المختصَّة بحقوق الإنسان، مع مواصلة التشاور مع مركز “عدالة”، لرفع التماس ضد القانون للمحكمة الإسرائيلية العليا، بموازاة سلسلة من الخطوات الميدانية المباشرة، وعلى رأسها تنظيم مظاهرة جماهيرية في تل أبيب. وقال رئيس اللجنة، محمد بركة في اجتماع اللجنة: “إن البند الأول في القانون يستهدف شعبنا في وطنه، يستهدف فلسطين الكاملة، فهو يؤسس بقانون أساس مشروع اليمين المتطرف بشأن “الحق التاريخي لليهود على أرض إسرائيل”، بمعنى أن التنكُّر لحقوق شعبنا الفلسطيني في وطنه، لم يعد برنامجًا سياسيًّا لهذا الحزب أو ذاك، إنما قانون دولة (غلَّاب على كل القوانين .( وأضاف بركة: “نحن نقول إن فلسطين الكاملة هي وطن الشعب الفلسطيني وإسقاط حل الدولتين يعيدنا للمربع الأول: فلسطين التاريخية هي وحدة واحدة، ولا يمكن أن نقبل أن نعيش في نظام فصل عنصري في وطننا، لأننا أصحاب البلاد ونحن لم نهاجر إلى الوطن من أي مكان في العالم”(25).
على كل حال، رغم الحراك القوي الذي أحدثته مسيرات الفلسطينيِّين داخل الأراضي المحتلة، إلا أنه سيظل محصورًا وقابلًا للسيطرة عليه، ولكنه سيظلُّ حراكًا له دلالة ونتائج منتظرة على المدى المتوسط.
رابعًا- عوامل تقييد الانتفاضة
تعاني مسيرات العودة من فقدان للدعم الحقيقي الذي يعينها على استكمال أهدافها نتيجة وجود عوامل عديدة، بعضها خاص بالوضع الداخلي لفلسطين، والثاني مرتبط بالمشهد الإقليمي ومتغيِّراته التي طرأتْ منذ عام 2013 بنجاح الثورة المضادة في هزيمة الثورة في مصر، والثالث لصيق الصلة بالمشهد الدولي، ومرحلته الانتقالية التي يمرُّ بها، وتصدُّع تحالفاته التقليدية:
محلِّيًّا، جاء قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في ظلِّ سياق شديد التعقيد على مستوياته المتنوعة: الفاعلين والسياق والملفات. فعلى مستوى الفاعلين نجد تعدُّدًا في الأطراف وفقًا لأوزانها نسبيًّا؛ بين فاعل تأثيره قوي وآخر متوسط وثالث هامشي من جهة، ووفقًا لتوزيعها جغرافيًّا فيمكن توزيعها على أربع مناطق: الأولى في غزة، والثانية في الضفة الغربية، والثالثة في القدس المحتلة، والرابعة في باقي الأراضي المحتلة التي تسيطر عليها حكومة الكيان، ولكل منطقة طبيعة مغايرة من النشاط والحركية.
فالعمل المقاوم النضالي يزيد بقوة في غزة لوجود حركة “حماس” التي ما زالت تستخدم قوتها العسكرية -رغم انخفاضه بصورة كبيرة- بينما يزيد العمل السلمي في منظمات المجتمع المدني في الضفة الغربية والقدس، إلا أن الأولى (حماس) لديها فاعلية أقوى في استخدام القوة بعملياتها الاستشهادية، عكس الثانية (المنظمات) التي ترسَّخت لديها قناعة حركة “فتح” التي تتَّخذها مقرًّا لها في ضرورة العمل السياسي السلمي والدبلوماسي وترك ميدان القوة بحجَّة أنها تعقد الوضع أكثر، بينما يغيب العمل المقاوم بصورة أكبر في الأراضي المحتلة، ويتركَّز في نضال النواب العرب في الكنيست الإسرائيلي وبعض منظمات المجتمع المدني، ولذا فخرائط الفاعلين ومستوى تأثير كل فاعل ومساحة هذا التأثير تختلف باختلاف الجغرافيا والفاعل ونطاقات التفعيل، لذلك كان المشهد الاحتجاجي في غزة بمسيرات يوم الأرض مهيبًا وقويًّا، وقدَّم أكبر عدد من الشهداء والمصابين، واستطاع أن يرسل رسائله بقوة لمن يشكك بقدرة الحصار على تركيعه، وأعادت قدرًا من الشرعية إلى “حماس” باعتبارها المنظِّم الأكبر لتلك الاحتجاجات ونقاط اشتباكاتها، وذلك عكس باقي المناطق التي لم تؤثِّر بنفس الشكل نظرًا لوجود معوقات أخرى مثل قوات الاحتلال وقوات الأمن الفلسطينية، ولكن في حقيقة الأمر، هذا لا يعني أن الجهات الأخرى منزوعة الفاعلية، ولكن مساحات تأثيرها مختلفة وفقًا لثلاثة عوامل، الأول- هو ما يملكونه من أدوات السلطة والمال والمؤسَّسات التي تقدِّم الخدمات للمواطنين، ولذلك فإن مستوى قدرة “حماس” على التأثير في حياة المواطنين بل وقمعهم في بعض الأحيان كما يحدث في غزة كبير، والثاني- هو طبيعة ارتباطاتها الإقليمية والدولية، والثالث- هو مقدار الثقة التي يتمتع بها هؤلاء تجاه مواطني الضفة والقدس والأراضي المحتلة، ومدى تفاعلهم مع دعواتهم، ويتأثَّر العامل الأخير بالتصور الأيديولوجي والرؤية الفكرية لكل فرد وتقييمه لجدوى العمل المقاوم من العمل السلمي وأيهما يقدِّم.
يساعد تشريح هذه الخريطة في فهم محدَّدات تحرُّك كل عنصر لأنها ستعطي نتيجة مختلفة عن الآخر، لذا تجد مستويات التأثير مختلفة في كل حالة وكل منطقة ووفقًا لوزن كل فاعل وقوة تأثير داعمه، ويساهم ذلك في الفهم والوصف ومن ثم صحة التفسير.
والجدير بالذكر، أن الفاعلين أنفسهم توجد بداخلهم اختلافات، بعضها مرتبط بالرؤي وأخرى مرتبطة بالمصالح، وثالثة مرتبطة بالتناقض بين الداعمين الدوليين في ذات الفاعل، فحركة “فتح” ليست واحدة ولكنها جبتهين رئيسيتين، الأولى- هي جبهة السلطة الفلسطينية ويقودها الرئيس الفلسطيني أبو مازن، والثانية- تعرِّف نفسها بالإصلاحيِّين ويتزعمُّها محمد دحلان، ولكلٍّ منهما من يدعمه في الداخل والخارج، وهناك اتجاه إقليمي تتزعَّمه مصر والإمارات لإزاحة أبو مازن وتولية محمد دحلان، في مشهد يذكِّرنا بما حدث مع الرئيس الراحل ياسر عرفات عندما تم إعداد محمود عباس ليحلَّ محلَّه، صيرورة متداولة التكرار يستمر فيها غياب فاعلية الفلسطينيِّين في اختيار من يمثلهم وينوب عنهم.
كما أن السياق الخارجي مؤثر بدرجات كبيرة على المشهد المحلي، وهو ما ظهر من التهديدات التي ترسلها الإدارة الأمريكية للسلطة الفلسطينية، لمنعها من الخروج عن مسار المفاوضات والتسوية السياسية أو التوجه نحو الفصائل الفلسطينية بدون تبني الأخيرة لأجندة الرباعية الدولية وشروطها الخاصة بالاعتراف بإسرائيل وعدم استخدام السلاح، واعتناق مبادئ العمل السياسي ومسار المفاوضات الدولية. وهو ما حاولت إسرائيل فعله على لسان الحكومة المصرية مع “حماس” عندما أرسلت لإسماعيل هنية لتهديده بضرورة إيقاف مسيرات العودة(26).
على مستوى الملفات يتعقَّد المشهد أكثر فأكثر بحجم خطورة كل ملف، وفي مقدمة تلك الملفات نجد موضوع المصالحة الفلسطينية الذي اقترب أن يكون كابوسًا ليس بالسهل الاستيقاظ منه دون تجاوزه بالكلية، نظرًا لسيولته المستمرة، وغياب مقومات نجاحه، مع تكرار ترديد مقولاته حتى أصبح جزءًا من الروتين اليومي للمواطن الفلسطيني، وهو ما أفقده الثقة في النخبة السياسية برمَّتها. تاريخيًّا، ترسَّخت رؤية “فتح” على رعاية الوحدة الوطنية وتجاوز إرث الخلافات الأيديولوجية لصالح تشكيل الجماعة الوطنية، بحيث نظرت لتحرير فلسطين باعتباره خطوة لا يمكن تحققها دون تكتل القوى مجتمعة معًا. لقد تغير هذا الوضع مع الجيل الثاني والثالث، حيث أصبحت لغة النقد مرفوضة تمامًا، بل ويتم مواجهتها بعبارات الخيانة والتآمر، ما يستدعي سلسلة إجراءات انتقامية قاسية، “والسؤال الذي يطرح نفسه كيف وصلت الأمور هنا؟ والجواب أنَّ فكرة حشد الطاقات والوحدة الوطنية تراجعت لصالح الخطاب الأمني، واختفى من كان يمكن مجازاً تسميتهم “إطفائيّي” الحرائق السياسية، “عرّابي” الوحدة الوطنية”(27)
لطالما كان خطاب المصالحة طوق النجاة الذي تحاول “حماس” أن تنأى به من مصير الهلاك، إلا أن الأيام والحقائق التي تترسَّخ يومًا بعد يوم تؤكِّد حقيقة أن المصالحة لم تكن سوى الوجه الآخر الناعم لغاية الاحتلال في تصفية سلاح القضية الفلسطينية. وتدرك حركة “فتح” جيدًا أن محاولات “حماس” إشعال الانتفاضة لرغبتها في الفكاك من أسر المصالحة وشروطها، لذلك ليس غريبًا أن يكون لسان حال قيادات “فتح” مطالبًا بضرورة ترك ملف إدارة غزة للسلطة لتخليصها من معاناتها اليومية(28) ولا يخفى على أحد أن أبرز معوقات زيادة فاعلية ونتائج الحراك المناهض لقرار نقل ترامب تعود لحدَّة الصراع السياسي بين حركتي فتح وحماس، الذي أدى لفقدان التنسيق بينهما وغياب محاولة للعمل على صياغة برنامج عمل وطني لتبادل الأدوار. يؤثر هذا الوضع على سيكولوجية الشعب الفلسطيني الذي يرى في هذا الصراع عبثًا مصلحيًّا تقوده نخب منتفعة باسم الشعب. ناهيك عن شعور بعض القطاعات العربية المتأثِّرة بالخطاب الرسمي لأنظمة الثورة المضادة، أن الفلسطينيِّين هم من باعوا أرضهم والآن يتنافسون على كعكعة السلطة، وبالتالي يأخذ ذلك السياق من رصيد الدعم العربي والضغط الشعبي الذي كان من الممكن أن يمارس.
لقد أصبحت عبارات التحرير والنضال وفلسطين التاريخية لدى السلطة وحركة “فتح” جزءًا من الفلكور الرسمي الذي يطلق كمبنى مفرغ من أي معنى، وتضاعفَ أثره السلبي بالصراع مع حركة “حماس”، حيث هشَّم الانقسام الفلسطيني الصورة المثالية لتماسك الشعب، وقدَّم القضية النبيلة في سياق صراع سياسي تناحري، ما أضعف اللُحمة، وفتَّ في عضد المفهوم الناصع للمقاومة(29).
من الصعب تخيُّل نجاح المصالحة في ظلِّ غياب الحدِّ الأدنى من قبول أطرافها بها، ناهيك عن إرادة الأطراف المتحكِّمة فيها، وهو وضع يدركه جيِّدًا أيُّ متابع للوضع هناك، لاسيما في ظلِّ ارتباط هذا الملف بملفات أخرى لا تقلُّ صعوبة عنه، مثل ملف سلاح المقاومة في غزة، وكيفية إدماجه في جهاز السلطة الأمني، إذ يبدو هناك اتفاق على ضرورة تفكيك جهاز المقاومة العسكري، وهو ما تدركه جيدًا “حماس”، لذا يتمُّ الضغط بملف الموظفين المدنيِّين في القطاع الذين عيَّنتهم حماس بدلًا من الموظَّفين الذين خرجوا على حكومة إسماعيل هنية بدعوة “فتح” لهم بالإضراب عن العمل وعصيان الحكومة التي شكَّلتها “حماس”، ومن هنا تستخدم السلطة أداة منع المرتبات وغيرها لإجبار “حماس” على الموافقة، ولذا حاولت الأخيرة أن تستخدم ورقة الوثيقة السياسية التي أعلنتها من عام تقريبًا لمخاطبة أطراف أخرى يمكن أن يثمر الحديث معها في الضغط على حركة “فتح” أو خلق مساحات جديدة للحركة.
ربما هناك طريق وحيد للمصالحة وفقًا لمعطيات الواقع الحالي وهو ما يتلخَّص في إعادة تدجين “حماس” بما يجبرها على التخلِّي عن سلاح المقاومة ودخولها في المسار الدولي بشروطه السياسية الدولية، وهو ما تحاول أطراف الثورة المضادة فعله تحت ضغط إكراهات الواقع المأساوي الذي تعيشه غزة، حيث شهد ملف المصالحة حراكًا كبيرًا العام الماضي، نتيجة توافد الزيارات على القاهرة من جانبي “فتح” و”حماس”، بل إن الحكومة الإسرائيلية، لم تقم بالهجوم على اتفاقيات المصالحة، أو تحاول عرقلتها علنًا، عكس مواقفها المعتادة، وتهديداتها لمحمود عباس، باعتباره لا يصلح شريكًا في المفاوضات. وهو نفس رد فعل الإدارة الأمريكية التي لم تكتفِ بالتجاهل والصمت، بل أعلنت المباركة(30)، إلا أن ذلك في النهاية لن يحقِّق النتيجة المنتظرة لإنهاء الانقسام، لأن ضريبته ستكون تخلِّي “حماس” عن سلاح المقاومة، وتفسير الموقف الأميركي يؤكِّد أن أيَّ حكومة فلسطينية يجب أن تلتزم بدون غموض وصراحةً باللاعنف، والاعتراف بدولة إسرائيل، والقبول بالاتفاقيات السابقة والالتزامات بين الأطراف والمفاوضات السلمية(31).
وإقليميًّا، مثَّلت قضية فلسطين الخطاب الرسمي العربي -ولو شكليًّا- على مدار عقود مضت، واتَّخذتها الحكام مبرِّرًا لتجاوز المطالب المشروعة في المشاركة السياسية وما يستتبعها من قضايا الحقوق والحريات، كان التكرار دائمًا، أن الخطر الإسرائيلي يستوجب تجاوز الديمقراطية والوقوف خلف الزعيم الذي سيدافع عن سيادة البلاد ضد الصهاينة، لذا كانت النتيجة رضوخ الشعوب تحت وطأة الاستبداد وسوط القمع الأمني.
ساهمت الأحداث التي شهدتها المنطقة بسقوط الربيع العربي وتمكُّن الثورة المضادة من قيادة النظام الإقليمي العربي في التأثير على الوضع الفلسطيني، أدركت الثورة المضادة سريعًا أن الفرصة الآن سانحة أفضل من أي وقت مضى لتصفية الصراعات في المنطقة والتخلُّص من التهديدات الثلاث التي تمثِّل عناصر المروق داخلها وهي: أولًا- تيارات الإسلام السياسي وفي مقدِّمتها جماعة الإخوان وأفرعها التنظيمية المنتشرة في أنحاء العالم، بحيث يتم تجفيف منابع استمرارية تلك التنظيمات بكافَّة السبل، والثاني- هو التخلص من القضية الفلسطينية، أحد أهم عناصر تغذية الخطاب الأيديولوجي والجيب التنظيمي المتجدِّد لهذه الجماعات، فضلًا عن كونها أحد أبرز تجليات فشل النظام الرسمي العربي، والثالث هو الخطر الإيراني الذي تمَّ الربط بينه وبين القضية الفلسطينية والجماعات الإسلامية بحيث يرتكز كل منهما على الآخر بوسائل متباينة(32).
فلم تواجه القضية الفلسطينية منذ الاحتلال وضعًا أصعب من وضعها الحالي، فلم يجرؤ النظام العربي المؤسَّسي على تغيير لغة خطابه ومضامينه تجاه القضية الفلسطينية بالمستويات الحالية من قبل، فالآن يقوم بعض أقطاب النظام العربي بتحميل الفلسطينيِّين مباشرة مسؤولية استمرار الأزمة والعنف، بل ويتم المساوة بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي فيما يخص درجات ذلك العنف(33).
ولذلك تعاني مسيرات العودة من سياق إقليمي مناوئ لها بقوة، ظهرت دلالاته في الموقف العربي بصورة واضحة أثناء الدعوة التي وجهتها تركيا للرَّدِّ على القرار الأمريكي، لقد غاب معظم قيادات العرب عن القمة الإسلامية الطارئة التي عقدت في إسطنبول، وهو ما يعني استكمال توجُّهات النظام العربي الذي تحرِّكه دول الخليج، وهو ما يعكس في حقيقة الأمر استمرار غيابهم، وبروز المعادلة الثلاثية بين الدور التركي والإيراني والإسرائيلي أكثر فأكثر(34).
وأخيرًا، لا يقل البعد الدولي في وزنه النسبي من الفاعلية في مسار القضية الفلسطينية عن البعدين المحلي والإقليمي بل يتجاوزهما بقوة. إذ يمرُّ المجتمع الدولي بمرحلة انتقالية يسودها التخبط والضبابية، وتسارعٌ بين قوى تسعى للصمود في القمة، وأخرى راغبة في الوصول للمجد، وبين هذا وذاك تذوب التفاصيل المأزومة غير القادرة على إيصال أصواتها لصالح هيمنة الأحلام الكبرى، وفي هذه الأثناء يبدو أن هناك تواطؤًا ما فيما يخصُّ فلسطين تحديدًا، رغم تصدُّع باقي التحالفات فيما يخص الأزمات الأخرى.
تعرَّض العالم الغربي هو الآخر لأزمة وجودية بعد صعود التيارات اليمينية المتطرفة، حيث تهدد منجزات الحداثة السياسية والاقتصادية والحضارية التي أنجزها رموزها على مدار عقود طويلة، كما أن تبنِّيها لقضية الهجرة من المسلمين للغرب مستغلِّين إرهاب تنظيم “داعش” ساهم في ضعف القضية الفلسطينية وقضايا العرب عمومًا هناك، ناهيك عن زيادة الأزمات التي يمر بها الغرب ذاته، حيث نقلت جزءًا من الداعمين لقضيَّته إلى التركيز على قضاياهم.
خاتمة
إن المتأمل في التاريخ بدقة سيدرك أن الخبرة الفلسطينية تفاجئك عندما تعلم أن أكثر لحظاتها المضيئة كانت في أصعب الظروف، ففي الستينيات وفي أوج النكسة العربية، وفي ظلِّ هيمنة إسرائيل على المشهد، خرجت المقاومة الفلسطينية لتسطر أقوى ملاحمها في مواجهة غطرسة الكيان الصهيوني، بعدد كبير من العمليات الفدائية، وبعد أحداث أيلول الأسود والحرب التي اندلعت بين النظام الأردني والمقاومة الفلسطينية، ثم انشغال النظام الإقليمي العربي والدولي بالحرب العراقية-الإيرانية، اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي أجبرت العالم على إعادة الانتباه للقضية، وحدثت بعدها المفاوضات السياسية التي انتهت باتفاق “أوسلو”، الذي دشَّن لمرحلة جديدة ظنَّ فيها البعض أن الموت السريري يقترب أكثر فأكثر من القضية، لاسيما بعد غزو العراق للكويت، وتصدُّع النظام الإقليمي العربي، وتزايد الصراع بين تنظيم القاعدة والمجتمع الدولي بقيادة أمريكا ثم غزو الأخيرة لأفغانستان، ورغم قتامة المشهد، استطاع الشعب الفلسطيني إشعال الانتفاضة الثانية للأقصى، بعد دخول شارون ساحة الأقصى.
ويبدو أن الفلسطينيِّين يقتربون أكثر كلَّما ضاقت بهم الحيل، ويبدعون دومًا كلما فقدوا الثقة في غيرهم، إذ تترسَّخ القناعات لديهم في أن انتظار الخلاص العربي هو السراب الأكبر، وأن مصيرهم أن يحملوا على عاتقهم هم القضية الأثقل في العالم.
الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات أعلنوها صريحة: لا تنازل عن حق العودة، ولا تفريط في واجب المقاومة مهما كانت جدواها غير واضحة الآن، ولكنها حتمًا ستعبر عن وجودها حينما تتاح الفرصة، ولذلك يواجه الإسرائيليون الذين طالما تغنوا بقبول التظاهر السلمي بوضع حرج من صعوبة طرح الحل النهائي القائم على تصفية القضية بما أظهرته مسيرات العودة، فالمجتمع الدولي لم يتفرَّغ بعد من حل الأزمة السورية واليمينة والليبية حتى تظهر له أزمة جديدة أشد خطورة، ولذلك يساعد السياق الحالي الذي تعيشه المنطقة رغم صعوبته في عدم نجاح محاولات التصفية بفضل شجاعة ويقظة الفلسطينيِّين عامَّة، وفي القلب منهم غزة هاشم.
إن الوضع في الضفة الغربية والأراضي المحتلة ربما يكون في مرحلة أسوء نتيجة خفوت شعلة المقاومة بالمقارنة مع غزة، إلا أن ذلك لا يرفع عنهم ضرورة التأكيد على استمرار النبض وسريان الدماء داخل الجسد المعتل، أمَّا فلسطينيو الشتات فالواجب أشد لقدرتهم على التحرُّك أكثر من غيرهم، ولابد أن يكون هناك تصور للمرحلة المقبلة، يقوم على نقل المعركة إلى داخل معادلات وحقائق الاحتلال الإسرائيلي كما تفعل وتغيِّر غزة. لذلك سيساعد الاستمرار في مسيرات العودة على تأكيد تلك المعطيات الجديدة.
إن البحث وراء قضية المصالحة لن يزيد عن كونه استهلاكًا إعلاميًّا أو أكاديميًّا ربما يخدم أجندات معينة، ليست تلك الدراسة جزءًا منه، وإن كنَّا نؤمن بأن وحدة الشعب أمر لا مفرَّ منه، ولكن عندما تتوافر شروطه، أما استمرار هذا الوضع بنخبه الحالية فلن يفيد خطوة للأمام. والجدير بالذكر، أن محاولات التضييق أكثر على الضفة الغربية وأهالي فلسطين المحتلة، وعدم السماح لهم بالمشاركة في مسيرات العودة، سيجبرهم على تبنِّي مرحلة جديدة من النضال ستكون سمته المقاومة الفردية غير المركزية التي ستعبر في كل حالة ثأر لها عن رفضها لهذا الواقع بأطرافه وأسبابه ومسبباته. وعلى الجانب الآخر يبدو أن دور الفصائل الفلسطينية سواء كانت في الضفة أو القطاع في انحسار وتراجع أكثر، لاسيما أن تكلفة أي تحرُّك من جانب “حماس” ستكون كارثية، ورغم ذلك فهذا التراجع ربما يقدِّم خدمة جليلة للقضية بخروج جيل من المقاوميين الذاتيِّين الذين يؤمنون بحقهم على هذه الأرض.
*****
الهوامش:
(*) باحث في العلوم السياسية.
(1) ذروة مسيرات العودة باليومين المقبلين والاحتلال يتأهب، موقع الجزيرة، 13 مايو 2018، تاريخ دخول الموقع 23 يوليو 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/bgz9KS
(2) شباب غزة ماضون في مسيرة العودة الكبرى، موقع الجزيرة، 4 أبريل 2018، تاريخ دخول الموقع 30 يوليو 2018، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/VVSZiK
(3) أسباب القلق الإسرائيلي من مسيرة العودة الكبرى، موقع عرب 48، 29 مارس 2018، تاريخ دخول الموقع 30 أغسطس 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/fDpxoK
(4) ضياء خليل، مسيرة العودة في غزة: رسالة برفض تصفية حق العودة، موقع العربي الجديد، 30 مارس 2018، تاريخ دخول الموقع 7 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/s2L58Z
(5) شهيد و146 جريحا بتجدد مسيرة العودة بغزة، موقع الجزيرة، 6 يوليو 2018، تاريخ دخول الموقع 23 يوليو 2018، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/9ybb5w
(6) شهيدان وجرحى مع تجدد مسيرات العودة بغزة، موقع الجزيرة، 20 يوليو 2018، تاريخ دخول الموقع 29 يوليو 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/2jXsXS
(7) جهاد عويص، بطولات وتضامن… “مسيرة العودة الكبرى” على مواقع التواصل، موقع العربي الجديد، 1 أبريل 2018، تاريخ دخول الموقع 8 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/vmr1Ma
(8) أشرف الهور، مسيرات العودة تنطلق من غزة إلى حيفا وتفتح ميادين الاشتباك، موقع القدس العربي، 25 مايو 2018، تاريخ دخول الموقع 2 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي:
(9) أشرف الهور، إصابات في جمعة «من غزة للضفة» والفصائل تؤكد الاستمرار في «مسيرات العودة» ومسؤول إسرائيلي يتوعد بحرب لمنع «الطائرات»، موقع القدس العربي، 30 يونيو 2018، تاريخ دخول الموقع، 2 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي:
(10) ديفيد كرين… أميركي يتولى التحقيق الأممي بأحداث “مسيرات العودة”، موقع العربي الجديد، 25 يوليو 2018، تاريخ دخول الموقع 6 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/v6KWLk
(11) بغض النظر عن استقالته بعد ذلك بشهر فقط بدعوى أن لديه “ظروف شخصية”.
(12) توبي ستيرلنج، استقالة رئيس تحقيق الأمم المتحدة في العنف بغزة، موقع رويترز، 23 أغسطس 2018، تاريخ دخول الموقع 5 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/MyVepd
(13) نادية سعد الدين، “مسيرات العودة” تجوب فلسطين اليوم ضد نقل السفارة الأميركية للقدس، موقع الغد، 11 مايو 2018، تاريخ دخول الموقع 21 أغسطس 2018، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/VLMXKZ
(14) صالح النعامي، إسرائيل تطلب من رئيس المخابرات المصرية نقل تهديد لـ”حماس”، موقع العربي الجديد، 5 أبريل 2018، تاريخ دخول الموقع 5 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/XQJqp2
(15) أشرف الهور، «مسيرات العودة» تتواصل والمتظاهرون يتناولون الإفطار على الحدود، موقع القدس العربي، 19 مايو 2018، تاريخ دخول الموقع 29 أغسطس 2018، متاح عبر الرابط التالي:
«مسيرات العودة» تتواصل والمتظاهرون يتناولون الإفطار على الحدود
(16) محمد أبو عويمر، مسيرات العودة.. محطَّات وإنجازات، مدونات الجزيرة، 14 أبريل 2018، تاريخ دخول الموقع 1 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/vUWji5
(17) ساري عرابي، التصعيد الأخير في غزة.. عودة إلى أزمة المقاومة، موقع عربي 21، 29 مايو 2018، تاريخ دخول الموقع 7 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/JGpD4D
(18) ضياء خليل، مجزرة إسرائيلية في يوم الأرض، موقع العربي الجديد، 31 مارس 2018، تاريخ دخول الموقع 9 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/hYp7xo
(19) ساري عرابي، مرجع سابق.
(20) لمى خاطر، موقع الضفة الغربية من مسيرة العودة، مدونات الجزيرة، 8 أبريل 2018، تاريخ دخول الموقع 12 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/NhjYMk
(21) نضال محمد، إحياء يوم الأرض في الداخل الفلسطيني: ذاكرة حية ووفاء لأرواح الشهداء، موقع العربي الجديد، 30 مارس 2018، تاريخ دخول الموقع 12 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/BcwMgi
(22) وديع العواودة، «مسيرة العودة» تعيد الاعتبار لمشروع سياسي فلسطيني مشترك، موقع القدس العربي، 7 أبريل 2018، تاريخ دخول الموقع 7 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي:
(23) فلسطينيو الداخل يواصلون الاحتجاج على العنف الإسرائيلي في غزة وحيفا، موقع القدس العربي، 22 مايو 2018، تاريخ دخول الموقع 6 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي:
فلسطينيو الداخل يواصلون الاحتجاج على العنف الإسرائيلي في غزة وحيفا
(24) المرجع السابق.
(25) نضال محمد، فلسطينيو الداخل يباشرون تحركات لمواجهة “قانون القومية”، موقع العربي الجديد، 23 يوليو 2018، تاريخ دخول الموقع 11 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/s51ecf
(26) فتحي صباح، «حماس» ترفض عرضًا لوقف «مسيرة العودة»، موقع الحياة، 18 أبريل 2018، تاريخ دخول الموقع 23 يوليو 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/ZKn6zW
(27) أحمد جميل عزم، “اللسان الطويل” والمؤامرات الكثيرة، موقع الغد، 12 سبتمبر 2017، تاريخ دخول الموقع 8 أغسطس 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/GuSqfj
(28) زعيم «حماس» يعد بنقل «مسيرات العودة» إلى الضفة الغربية وأراضي 48، موقع الشرق الأوسط، 26 أبريل 2018، تاريخ دخول الموقع 13 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/ubQMkp
(29) بسام ناصر، القضية الفلسطينية.. لماذا خفت ألقها وكيف يتوهج من جديد؟، موقع عربي 21، 20 فبراير 2017، تاريخ دخول الموقع 10 أغسطس 2018، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/eauZ3C
(30) أحمد جميل عزم، المفاوضات الأميركية مع “حماس”، موقع الغد، 5 أكتوبر 2017، تاريخ دخول الموقع 12 أغسطس 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/bQ6W8y
(31) المرجع السابق.
(32) السيسي “يخرج عن النص” ويدعو إسرائيل لصنع السلام، موقع سكاي نيوز عربية، 21 سبتمبر 2016، تاريخ دخول الموقع 15 أغسطس 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/xwFQmj
(33) بالفيديو.. ننشر نص كلمة الرئيس السيسى أمام الأمم المتحدة، اليوم السابع، 20 سبتمبر 2017، تاريخ دخول الموقع 15 أغسطس 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/u41rB8
(34) سليمان أبو ارشيد، غياب العرب، موقع عرب 48، 15 ديسمبر 2017، تاريخ دخول الموقع 28 يوليو 2017، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/gEUCLy