المؤسسات الثقافية والحقوقية والعالم الإسلامي 2008

مقدمة:
نقصد بالمؤسسات الثقافية مجموعة من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي تضع في مجال اهتمامها الإنسان ورفع وعيه بقيمته وحقوقه وواجباته والتطبيقات والعمليات التي من دورها رفع قيمته. وليست المنظمات الثقافية فحسب هي محل الاهتمام والنظر وإنما تشترك معها المنظمات الحقوقية أيضًا؛ لأنها هي الأخرى تهتم بالإنسان وقضاياه. وحتى وإن كانت تهتم بأبعاد معينة مرتبطة بالحقوق الإنسانية وكيفية التعبير عنها؛ وبالتالي، فهما سويًّا (المؤسسات الثقافية والمؤسات الحقوقية) يشكلان القضية محل النظر والدراسة.
ومن هنا، يمكننا الانطلاق في عملية الرصد إلى عدد كبير من المؤسسات الثقافية والحقوقية التي تنتشر في كل مكان، ولكن سوف نحدد عملية الرصد في خمس مؤسسات تتنوع ما بين الحقوقية والثقافية. وكما أوضحنا فإنه تم اختيار المنظمات محل الرصد من بين العديد من المنظمات المختلفة لاعتبارات عدة أهمها: تنوعها ما بين الإقليمي والدولي، والحكومي والمدني، وأن تكون من المنظمات الأكثر اهتمامًا بالعالم الإسلامي، وسيكون التقسيم كالتالي:
أ) المنظمات الثقافية: ونتناول فيها منظمات اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة)، والإيسيسكو (المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة)، وألكسو )المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم).
ب) المنظمات الحقوقية: ونتناول فيها منظمة العفو الدولية، والشبكة العربية لمعلومات لحقوق الإنسان.
وتعد المنظمات سابقة الذكر مثالًا حيًّا على المنظمات التي تنتشر أعمالها في كل مكان. ولقد أخذناها مثالًا على المؤسسات الدولية والإقليمية والمجتمع المدني العالمي، من أجل عرض نموذج حي على الواقع الذي تمر به المؤسسات الثقافية، ومحاولة لوضع أيدينا على مواطن القوة والضعف ومحاولة لتفعيل سبب خيرية الأمة الإسلامية، قال تعالي: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} [سورة آل عمران: 110]. وسوف نُجمِل تلك المؤسسات ثم نفصلها مستعرضين مجالات الاهتمام المتعلقة بالأمة الإسلامية وأهم القضايا التي تتطرق إليها المنظمات, وأهم المشكلات التي من واجبنا توضيحها وآليات مقترحة للقضاء عليها وتلافيها.

أولًا- التعريف الأولي بالمنظمات

1. اليونسكو:
اليونسكو هي إحدى وكالات الأمم المتحدة، ويتمثل دورها، كما ورد في الميثاق التأسيسي لها، في العمل “على ضمان الاحترام الشامل للعدالة والقانون وحقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة دون تمييز بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين، كما أقرَّها ميثاق الأمم المتحدة لجميع الشعوب”. ومطلوب من المنظمة في سبيل تحقيق هذه الغاية “أن تعزز التعارف والتفاهم بين الأمم بمساندة أجهزة إعلام الجماهير، وتوصي لهذا الغرض بعقد الاتفاقات الدولية التي تراها مفيدة لتسهيل حرية تداول الأفكار عن طريق الكلمة والصورة…”[1]. وبعرض التوصيف الوظيفي، يتضح مدى اتساع الدور الذي يناط بالمنظمة أداؤه.
2. الإيسيسكو[2]:
وهي المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وهي منظمة دولية تعمل في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي، متخصصة في ميادين التربية والعلوم والثقافة والاتصال. تشتمل أهدافها على: تقوية التعاون وتشجيعه وتعميقه بين الدول الأعضاء في مجالات التربية والعلوم والثقافة والاتصال، والنهوض بهذه المجالات وتطويرها، في إطار المرجعية الحضارية للعالم الإسلامي، وفي ضوء القيم والمثل الإنسانية الإسلامية وتدعيم التفاهم بين الشعوب والتعريف بصورة الإسلام الصحيحة، وتدعيم التكامل بين الدول والمؤسسات، وتشجيع التفاعل الثقافي والاهتمام بالثقافة الإسلامية، ودعم جهود المؤسسات التربوية والعلمية والثقافية للمسلمين في الدول غير الأعضاء في الإيسيسكو.
ولكـي تحـقق الإيسيسكو الأهداف المحددة لها، عليها أن تستخدم الوسائل الآتية:
وضع الخطط ودعم المشروعات المناسبة لتطوير الثقافة الإسلامية والتعريف بها، والعمل على نشر تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها؛ بصفتها لغة القرآن الكريم، في جميع أنحاء العالم ومساعدة الجامعات ومراكز البحث والهيئات المتخصصة، وتطوير النشاط العلمي والتربوي الذي يقوم به أفراد أو هيئات أو جمعيات لنشر الثقافة الإسلامية وأسسها وخصائصها، وتشجيع البحوث والدراسات وبرامج التأهيل والتكوين اللازمة لتطوير التربية والتعليم في الدول الأعضاء والارتقاء بها، وعقد المؤتمرات والندوات والدورات التدريبية والحلقات الدراسية وورش العمل بالتعاون مع الدول الأعضاء، ووضع الآليات المناسبة للتعريف بالصورة الصحيحة للإسلام والثقافة الإسلامية وإسهاماتها في الحضارة الإنسانية، وتنظيم المسابقات والمنتديات التربوية والعلمية والثقافية بالتعاون مع المؤسسات المختصة في الدول الأعضاء.

3. ألكسو[3]:
الغاية الأولى من إنشاء المنظمة، كما وردت في المادة الأولى من دستورها، هي “التمكين للوحدة الفكرية بين أجزاء الوطن العربي عن طريق التربية والثقافة والعلوم، ورفع المستوى الثقافي في هذا الوطن حتى يقوم بواجبه في متابعة الحضارة العالمية والمشاركة الإيجابية فيها”.
وفي إطار هذا الهدف العام، تنهض المنظمة بجملة من المهام، من أبرزها العمل على رفع مستوى الموارد البشرية في البلاد العربية، والنهوض بأسباب التطوير التربوي والثقافي والعلمي والبيئي والاتصالي فيها، وتنمية اللغة العربية والثقافة العربية الإسلامية داخل الوطن العربي وخارجه، ومد جسور الحوار والتعاون بين هذه الثقافة والثقافات الأخرى في العالم.

4. منظمة العفو الدولية[4]:
وكما تعرّف نفسها، فمنظمة العفو الدولية حركة تعمل على نطاق العالم بأسره وتضم أشخاصًا يشاركون في حملات من أجل احترام حقوق الإنسان المعترف بها دوليًّا وحماية هذه الحقوق. “وإذ تغضبنا انتهاكات حقوق الإنسان، ولكن يلهمنا الأمل في إنجاز عالم أفضل، فإننا نعمل من أجل تحسين حالة حقوق الإنسان عبر الحملات والتضامن الدولي. ويمارس أعضاؤنا وأنصارنا التأثير على الحكومات والهيئات السياسية والشركات والهيئات الحكومية الدولية”.
ويتبنى الناشطون قضايا حقوق الإنسان ليس فحسب من خلال مختلف أنواع المراسلات والاتصالات وقنوات وسائل الإعلام، ولكن أيضًا عن طريق تعبئة الضغوط الجماهيرية من خلال المظاهرات الحاشدة والاعتصامات الليلية وكسب التأييد على نحو مباشر.
“جميع حملاتنا وأبحاثنا تقوم على الحقائق. ومن بين الأنشطة العديدة التي نقوم بها: إرسال الخبراء ليتحدثوا إلى الضحايا ومراقبة المحاكمات ومقابلة المسئولين المحليين والاتصال بنشاطي حقوق الإنسان ورصد وسائل الإعلام العالمية والمحلية ونشر تقارير مفصَّلة وإيصال المعلومات إلى وسائل الإعلام وإعلان بواعث قلقنا بإصدارها في نشرات وملصقات وإعلانات ورسائل إخبارية وعلى مواقع إلكترونية. ونساعد على وقف انتهاكات حقوق الإنسان عبر تعبئة الجمهور لممارسة الضغط على الحكومات والجماعات السياسية المسلحة والشركات والهيئات الحكومية الدولية.
ويتم ذلك من خلال: المظاهرات الجماهيرية واعتصامات ليلية وكتابة الرسائل والتربية على حقوق الإنسان وحفلات التوعية الموسيقية وكسب التأييد على نحو مباشر والمناشدات الموجَّهة والمناشدات بالبريد الإلكتروني وغيرها من الأنشطة على الشبكة والشراكات مع جماعات الحملات المحلية وأنشطة على مستوى المجتمع المحلي والتعاون مع الهيئات الطلابية”.

5. الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان:
وهي مؤسسة قانونية مستقلة أُنشئت طبقًا للقوانين المصرية، وتتخذ من الدستور المصري والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية، وخاصة التي وقعت عليها مصر مرجعية لها. والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان هي مؤسسة قانونية تسعي لتغطية عمل المنظمات الحقوقية العاملة بالمنطقة العربية، أو التي تغطيها؛ بحيث يمكن تصفح إصدارات تلك المنظمات طبقًا للتوزيع الجغرافي أو طبقًا للموضوع. كما تعمل الشبكة على رصد ومتابعة حرية الرأي والتعبير على الانترنت والانتهاكات التي تطال الحق في تداول المعلومات، فضلًا عن احتوائها على منتدى حوار للنشطاء والمهتمين، يغطي المواد الحقوقية مثل حرية الرأي والتعبير والاعتقاد وحقوق المرأة والطفل وغير ذلك من الموضوعات ذات الصلة.
وتعمل الشبكة على التنسيق بين المؤسسات المحلية والإقليمية، وعلى تجميع إصدارات مؤسسات حقوق الإنسان العاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والصادرة باللغة العربية في موقع واحد، على رغم الاختلاف سواء في الأنشطة “حقوق مدنية وسياسية أو حقوق اقتصادية اجتماعية وثقافية. وتشمل أهدافها:
بناء شبكة إعلامية معلوماتية عربية خاصة بقضايا حقوق الإنسان، وتوفير الإصدارات العربية للمؤسسات المحلية والإقليمية والدولية العاملة بمجال حقوق الإنسان، و العمل على رفع الوعي للجمهور العربي وقراء العربية بالنسبة لقضايا حقوق الإنسان وتكوين دائرة من المؤيدين والمناصرين لها، وتقديم الدعم القانوني لكافة ضحايا انتهاكات حرية الرأي والتعبير والفكر والإبداع. وعمل أجندة تتناول أنشطة مؤسسات حقوق الإنسان يتم نشرها بشكل دوري. ويأتي العمل من خلال:
جمع الإصدارات المختلفة لمؤسسات حقوق الإنسان ولصقها على الموقع بشكل يومي، وتصنيف الإصدارات الواردة للموقع حسب “النشاط”: حرية رأي وتعبير، الحماية من التعذيب، المحاكمة العادلة، حرمة الحياة الخاصة… إلخ. وحسب “الموقع الجغرافي”: مصر، سوريا، الأردن، المغرب، السعودية، تونس… إلخ.
وإعداد قائمة بريدية يرسل لها كل تجديد للموقع وبنفس التوقيت للصحفيين والمؤسسات المختلفة، وإعداد نشرة بريدية أسبوعيًّا تتناول آخر الأحداث والتطورات التي تتعلق بالمؤسسات المختلفة لحقوق الإنسان، ونشر الوثائق والاتفاقيات الدولية والإقليمية الخاصة بحقوق الإنسان، وإصدار التقارير والدراسات التي تتناول حرية تداول المعلومات على الإنترنت وحرية الرأي والتعبير والقيود المفروضة عليها، أو التطورات التي طرأت عليها، بحيث يوضح موقف الحكومات المختلفة في دول المنطقة من تلك الحقوق، وإصدار وإعادة نشر الأدلة التي أصدرتها المؤسسات الدولية أو المحلية المختلفة حول كيفية: أخذ أقوال- مراقبة محاكمة – زيارة سجون – كتابة مذكرة قانونية تستند لمواثيق حقوق الإنسان – كتابة شكاوى للجان حقوق الإنسان الدولية والتابعة للأمم المتحدة، وتوفير الدعم والمساندة القانونية للصحفيين والكتاب ومستخدمي الانترنت الذين يتعرضون لانتهاك حقهم في التعبير.

ثانيًّا- القضايا محل اهتمام المنظمات الثقافية والحقوقية

بالنسبة للمنظمات الثقافية، يمكن رصد قضايا أساسية عُنيت بها، أهمها:
أ- حوار الحضارات
في الفترة الأخيرة ظهرت دعاوى رسمية تدعو إلى إنشاء حوار جاد وفعال لإنشاء تحالف للحضارات والثقافات، وظهرت هذه الدعوات كفكرة مضادة للدعوات السابقة المتعلقة بالصراع بين الحضارات، وكان هذا على المستوى الأكاديمى والشعبي مع تجليات ذات ظهور إعلامي وشعبي كبير. الأمر الذي رافقه خط رسمي بين قيادات وحكومات الدول ومؤسسات دولية وإقليمية من أجل تعزيز الحوار الفعال.
وفي يناير 2008، تجلى هذا فى ظهور المنتدى الأول لتحالف الحضارات[5] فى مدريد الذى التقى فيه قادة سياسيون ومندوبو منظمات إقليمية وصانعو قرار ومسئولو هيئات مانحة ومؤسسات مجتمع مدني وبعض المؤسسات الخاصة؛ لمواجهة حالة الاستقطاب والاحتقان بين الأمم والثقافات وتشجيع التعارف والتفاهم المتبادلين تحت رعاية المندوبية السامية لتحالف الحضارات والذى أعقبته مجموعة من اللقاءات بين قادة إسلاميين وقيادات مسيحية فى الفاتيكان.
وقد أعقب ذلك ما طرحته الأوراق الخاصة بالرؤى الإسلامية والعربية حول حوار الأديان فى منتدى كرانس مونتانا الذي عقد فى موناكو فى شهر يونيو لعام 2008)[6](. وطرحت فيه محاور أساسية ومركزية تعبر عن تطلعات العالم الإسلامي؛ وهي: الحضارة فى مواجهة العولمة، والمخاطر التي تهدد التنوع الثقافي، والمنطقة المتوسطية باعتبارها حلقة وصل بين الشمال والجنوب وبين الشرق والغرب، وأخيرًا ما ورد تحت المحور الثاني بخصوص مدينة القدس الشريف والديانات السماوية، وحول الحوار بين المسيحية والإسلام، وعن العلاقة بين الإسلام والحداثة وحقوق الإنسان والتسامح.

ب- الهجرة والعولمة:
شكلت قضية الهجرة غير المشروعة محورًا مهمًّا اهتمت به كل المؤسسات الثقافية؛ العالمية والإقليمية منها؛ وذلك لأن قضية الهجرة ترتبط بالأساس بقضايا الفقر في دول الجنوب, وهذا يأتي بالتزامن مع قضايا كبرى مثل العولمة والحوار بين الشرق والغرب وخاصة بين الدول المسلمة والدول الغربية, ويأتي أيضًا متزامنًا مع الحرب على الإرهاب والذي أصبح ذريعة لرفض دخول الفقراء المهاجرين هجرة غير شرعية غالبًا، كل تلك الأمور تعود بنا للعولمة الثقافية ومدى تأثيرها في عقليات الشباب في الدول الإسلامية الفقيرة، وما يتعلق بالفعل العولمي ورسم الصورة الذهنية للشمال والجنوب: كل عن الآخر، وهذا ما تناولته المنظمات الثقافية الرسمية. أما المنظمات الحقوقية فقد هاجمت دول شمال أفريقيا واتهمتها بأنها شرطي أوروبا[7]، واتهمت دول الجنوب الأوروبي بأنها تحرض تلك الدول على انتهاك حقوق الإنسان، وناشدت أوروبا أن تقوم بدورها في حماية حقوق الإنسان، وطالبتها ألا تعيد المهاجرين غير الشرعيين إلى بلادهم لأنهم سيعاملون بقسوة في غالب الأمر.
وبهذا يظهر مدى ضعف المنظمات الثقافية الدولية والإقليمية في معالجة قضية الهجرة أو تداعياتها, في مقابل زيادة الدعاوى الأوروبية لحماية أوروبا من هجوم المهاجرين غير الشرعيين، و ظهر ذلك جليًّا في الدعوة الفرنسية للاتحاد المتوسطي.

جـ- المنظمات الثقافية والإساءة للإسلام:
خلال فترة المرصودة وقعت مجموعة من الإساءات للإسلام والرموز الإسلامية تباينت أساليب التعامل معها من قِبل المنظمات الثقافية، بين الإجراءات الوقائية القانونية والفاعليات الثقافية وبين ذلك والواقع المعيش هناك فجوة كبيرة وكأن هناك علاقة طردية بين الإساءات وبين الحديث عن الحوار. وإذا ربطنا بين الحديث عن الحوار وانتشارات الإساءات لوجدنا ترابطًا كبيرًا، يرجع إلى أن المؤسسات الثقافية تحاول دائمًا أن تقوم بردود أفعال على الإساءات ولكي نكون أكثر تحديدًا سنُجمِل قضيتين:
· الرسوم المسيئة: تعاملت معها المنظمات الثقافية بشيء من الرسمية، فشجبت ونددت واكتفت بذلك. والمثال على ذلك: طريقة انتقاد اليونسكو للفيلم الهولندي المسيء للإسلام ودعوتها للهدوء؛ فقد انتقد الأمين العام لليونسكو كويشيرو ماتسورا عرض الفيلم المسيء للإسلام الذي أعده برلماني هولندي من اليمين المتطرف وبثه على شبكة الإنترنت، ودعا ماتسورا إلى تجنب “أي تصعيد لحدة التوتر”.
· القرارات الدولية: رحبت المؤسسات الثقافية بالقرارات الدولية التي تدعو إلى احترام الأديان، والمثال هنا الكلمات الرسمية في منتدى الحوار في مدريد الذي عُقد في يناير 2008؛ حيث اتفق الجميع على (أنَّ المبدأ الجوهري والأساس الذي ينطلق منه العالم الإسلامي في بناء جسور الحوار بين الثقافات والحضارات والأديان جميعًا، هو مبدأ أصيل؛ لأنه من صميم المبادئ الراسخة التي يؤمن بها أكثر من مليار وربع المليار من المؤمنين بالرسالة الإسلامية في هذا العالم، والتي هي رسالة تنوير وتسامح وإخاء، تؤمن بوحدة الأصل الإنساني وبالتساوي بين البشر في الكرامة وفي الحق في الحياة، في ظلّ الأمن والسلام والوئام والتفاهم).
ومع هذا، فمن الواضح ضرورة أن تتحول المنظمات الثقافية لرفع الوعي الشعبي وألا تكتفي بالنشاطات الرسمية حتى لا تستمر الإساءات للإسلام؛ لأن الإساءات هي من أفراد في الغالب، ولذلك يجب أن تُبتكر آليات تهتم بالأفراد بالإضافة للمؤسسات.

أما القضايا محل اهتمام المنظمات الحقوقية، فيمكن الإشارة إلى عدد منها. لكن نشير بداية إلى أن هذه المنظمات الحقوقية والإقليمية تعد أحد أشكال المجتمع المدني العالمي الآخذ في النمو كرد فعل على تزايد انتهاكات حقوق الإنسان. ومن الممكن القول إن حقوق الإنسان تعد أحد المشتركات الإنسانية في أساس العلاقات بين الناس من مختلف الأعراق و الأجناس؛ ولذلك فهي تعد وسيلة يمكن من خلالها إدارة حوار عادل بين الناس، في ظل تغول الدولة الحديثة وسيادة قيم السوق، وذلك هو ما دعا إلى محاولة رصدها للوقوف على حالها وتبيين مواطن قوتها وضعفها، للزيادة من فاعليتها وقدرتها على صنع ذلك المشترك الإنساني. وبرصد عمل بعض تلك المنظمات الحقوقية الدولية وتغطيتها للعالم الإسلامي ولشئون المسلمين، ظهر في متابعة البيانات الرسمية الخاصة بها أن أغلب الانتهاكات تقع في بلدان المسلمين، وإن لم تكن في حقهم، ففي بلادهم. ويمكن عرض بعض عناوين تلك القضايا لتوضيح مدى سوء الصورة عند تلك المنظمات عن حال المسلمين في بلدانهم أو خارجها وإن كانت تلك الصور في بعض الأحيان مضللة ولكنها تحمل بصمات التقصير من المسلمين أنفسهم. وفي هذا السياق نعرض لعدد من القضايا:

1- إيران والمطالبة بإيقاف أحكام الشريعة الإسلامية:
يعد تنفيذ الحدود والقصاص في إيران من أكثر الأمور إثارة للمنظمات الحقوقية الدولية. فخلال فترة الرصد تم الإشارة إلى إيران بنحو مرتين شهريًّا، وتبدو أكثر دولة تتناولها المنظمات الحقوقية، ويتم تناولها من خلال قضايا لا تمثل انتهاكات قانونية حقيقية لحقوق الإنسان مقابل انتهاكات سلطات دول أخرى، ولكن يتم انتقاد القوانين المستقاة من الشريعة… ومثال ذلك (إعدام فتى كردي في إيران). وبعرض جزء من التقرير الخاص بمنظمة العفو الدولية، يتضح مدى استخدام اللغة الصحفية بما يتنافى مع الحيادية: “أُعدم في إيران الثلاثاء الماضي صبي كردي يُعتقد أن عمره لم يتجاوز (16) أو (17) سنة يوم إعدامه. فقد نُفِّذ حكم الإعدام شنقًا في محمد حسن زاده في سجن سننداج إثر إدانته بقتل صبي آخر في العاشرة من العمر عندما كان عمره نحو 15 عامًا. وأُعدم إلى جانبه رجل يبلغ من العمر 60 عامًا، ويدعى رحيم باش أبادي، إثر إدانته بجريمة قتل أيضًا. ومنظمة العفو الدولية تدين عمليتي الإعدام”.

وقالت المنظمة في إدانتها إن “عملية الإعدام الأخيرة هذه ليست سوى انتهاك صارخ جديد من جانب السلطات الإيرانية لواجباتها الدولية بمقتضى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية حقوق الطفل، اللذين يقضيان بعدم إصدار أحكام بالإعدام ضد من لم يكونوا قد بلغوا سن الثامنة عشرة في وقت ارتكابهم الجريمة”.
وأضافت المنظمة أن تنفيذ الحكم “لا يتماشى مع ما أثاره من آمال قرار رئيس السلطة القضائية في إيران بمنح فترة إرجاء للتنفيذ لشهر واحد للمذنبين الأحداث ليتيح لهم الفرصة كي يتوصلوا إلى تسوية مع عائلات الضحايا”.
ومن هنا يتضح مدى تحميل الخطاب بما يمكن اعتباره شأنًا داخليًّا إيرانيًّا. فإيران تعتبر سن التكليف هو سن البلوغ الشرعي وهو خمسة عشر عامًا، وبالتالي من يتعدى ذلك السن يكون راشدًا ذا أهلية قانونية وبالتالي فهو ليس طفلًا ولا قاصرًا، وسوف نطرح في قسم المشكلات والإشكاليات وسائل وآليات مقترحة لتلافي حدوث مثل سوء الفهم هذا.

2- أزمة دارفور:
تعتبر أزمة دار فور مثالًا صارخًا على التراخي الإسلامي وغياب الدور المرجو من الأمة. فقد بدأت الأزمة بالانتهاكات الإنسانية التي تنافي الشريعة الإسلامية بين المسلمين أنفسهم والذين أصبح بأسهم بينهم شديدًا؛ من ترويع الآمنين وانتهاك الحرمات والأعراض. ومع وقوف العالم الإسلامي موقف المتفرج، ارتفعت الأصوات الحقوقية تنادي بالتدخل الدولي لحماية المدنيين من الصراع المسلح. وإذا أغفلنا طبيعة المكان وما حباه الله به من إمكانات جعلت له مكانة، كان لابد من وقف لكل ذلك من باب المسئولية القُطرية السودانية والإقليمية العربية والإسلامية. ولكن نظرًا لأن الدولة السودانية لم توقفه والدول العربية والإسلامية لم تتدخل، جاءت القوات الأفريقية ولم تفلح أيما كانت الأسباب، وجاءت القوات الدولية ولم تفلح. ومع تزايد الانتهاكات بمرور الوقت كان لابد من تحميل جهة ما المسئولية.
من هنا يتضح دور المنظمات الحقوقية الدولية في إثارة الرأي العام العالمي ضد الحكومة السودانية وقيادتها. فمنذ بداية الأزمة ومنظمات حقوق الإنسان تطالب بإحالة بعض القيادات العسكرية السودانية إلى التحقيق الدولي؛ بدعوى ضلوعهم في تلك الانتهاكات. وكانت الحكومة السودانية ترفض، وهنا كانت الآلية الثانية لعمل تلك المنظمات؛ وهي حشد الرأي العام الدولي. ففي السابع والعشرين من شهر أبريل أُطلقت الحملة الدولية تحت عنوان “العدالة لدارفور” والتي شارك فيها عدد كبير من المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية والمحلية للضغط على المنظمات الحكومية الدولية والإقليمية الرسمية من أجل الضغط على السودان لتسليم القيادات العسكرية المتهمة، وقد كان رد الفعل السوداني على تلك الحملة هو الرفض التام؛ مما رسخ ما دعت إليه تلك المنظمات، وزاد من قوة اتهاماتها للقيادة السياسية السودانية بالتورط في تلك الاتهامات.
ويمكننا هنا أن نقف على مدى قوة تلك المنظمات وقدرتها على الحشد خصوصًا إذا ما وافقت هوى الدول الغربية صاحبة المصالح في الإقليم. ولذلك يجب الاستفادة من تلك المنظمات الحقوقية الدولية في القضايا العادلة مثل القضية الفلسطينية والعراقية والشيشانية؛ وذلك في حشد رأي عام عالمي من أجلها.
ما سبق كان تغطية لعدد من القضايا المطروحة في المنظمات الدولية، ولكن على صعيد المنظمات الإقليمية محل التناول فقد ظهر اهتمامها بقضايا حريات التعبير، وتعاملت معها بتحيز واضح بخلاف بقية القضايا التي اهتمت بها على استحياء، وحتي وإن طرحت فإن المدخل الأساسي لها هو حرية الرأي والتعبير. ولعل أدل الأمثلة على ما قلنا هو كيفية طرح الشبكة العربية لحقوق الإنسان لقضية الإساءة للرسول الكريم، وكيف تمت معالجة القضية، ومن أي زاوية. وبالتالي فإن اهتمام المنظمات بتلك الأشياء إنما يعكس الاهتمام المبالغ فيه بقضايا حريات الرأي وعدم التركيز على القضايا الأخرى حتى في عدد البيانات الصحفية عن الموضوعات.
فمثلًا قالت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان: إن إعادة نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد )صلى الله عليه وسلم( في بعض الجرائد الأوروبية، يعد ترويجًا لخطاب مرفوض يجب أن ينأى الجميع عنه؛ وهو خطاب الكراهية، وأن أي مبرر لا يعد مقبولًا لنشر رسوم أو صور تكرس من هذا الخطاب. وعلى الرغم من الرفض القاطع للشبكة العربية لمحاولة الاعتداء على الرسام الدانماركي، إلا أنها ترفض أيضًا أن يكون التعبير عن الرفض عبر الإمعان في إهانة مشاعر الملايين من المسلمين في العالم، من خلال إعادة نشر هذه الرسوم، التي تسيء للنبي محمد )صلى الله عليه وسلم( وتمثله كرمز للإرهاب. وقالت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان “إن حرية التعبير قيمة هامة لا يجب المس بها، ونحن ندعمها إلى أقصى حد، ومن المؤكد أن هذه القيمة بريئة تمامًا من خطاب الكراهية أو العنصرية الذي تمثله هذه الرسوم”.
وتعد الرسوم المسيئة للنبي محمد )صلى الله عليه وسلم(، والتي أثارت موجة من الاحتجاجات منذ عامين، مناقضة لإعلان القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائميْن على أساس الدين أو المعتقد الذي اعتمدته الأمم المتحدة في 25 نوفمبر 1981، والذي ينص في مادته (4) على أن “تتخذ جميع الدول تدابير فعالة لمنع واستئصال أي تمييز، على أساس الدين أو المعتقد”.
وفيما تضامنت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان مع دعوة العديد من رجال الدين الإسلامي الذين حثوا المواطنين على الهدوء والحوار للتعامل مع هذه الأزمة، فهي تناشد هيئات المجتمع المدني في العالم العربي والإسلامي والأوروبي على تأكيد احترام الرموز الدينية لأصحاب أي عقيدة أو ديانة، تفويتًا للفرصة على المتشددين والعنصريين من كل الجوانب الذين يسعون لتأجيج بذور الفتنة وخلق صراع مفتعل بسبب الدين، لا يستفيد منه سوى هؤلاء المتشددين، سواء دعاة الحسبة في العالم الإسلامي أو دعاة الكراهية في العالم الأوروبي.
وتعاني المنظمات الإقليمية المعنية بحقوق الإنسان هي الأخرى من المشكلات نفسها التي تعاني منها المنظمات الدولية؛ من شخصنة القضايا وفقدان المعايير ووجهات النظر المحايدة في التعامل مع القضايا، وأيضًا عدم إبراز القضايا الحقيقية والاهتمام فقط بالفرقعات الإعلامية. وفي النهاية نحن ندافع عن حرية التعبير مع أن قضايا حريات التعبير ليست هي المجال الوحيد الأحق بالرعاية، ويجب أن يأتي الاهتمام متوازيًا، وليس معنى هذا أن المنظمات فاشلة ولا تقوم بعملها، بل إنها تقوم به ولكن تحتاج لنوع من التفعيل والتنشيط الحقيقي، ويجب عليها زيادة الوعي لدى العامة من أجل خلق تيار رئيس ومعبر، يستطيع تحريك المجتمعات بالشكل المطلوب.

ثالثًا- المجالات التي اهتمت بها المنظمات الثقافية

رغم تعدد مجالات اهتمام المؤسسات الثقافية والحقوقية، إلا أنه يبدو أنها لم تستطع أن تقوم بالدور المفترض لها أن تقوم به طبقًا للأهداف التي أنشئت من أجلها. ورغم أن الأهداف طبقًا للتوصيف الوظيفي للمنظمات متشابهة إلا أنها تختلف كليًّا وجزئيًّا في آليات عملها، ويبدو أن هناك انعكاسًا للتوازنات التي تراعيها المنظمات التي تتبعها تلك المنظمات الثقافية.
فاليونسكو تعكس الأمم المتحدة، والإيسيسكو تعكس منظمة المؤتمر الإسلامي، والألكسو تعكس جامعة الدول العربية؛ ولذا سوف نعرض لأهم المجالات التي اهتمت بها تلك المنظمات لتوضيح أوجه التميز والقصور. ولسوف نعرض للمجالات الآتية: التربية والتعليم، والبحث العلمي، والإعلام.
أ) التربية والتعليم:
تعد التربية والتعليم المحور الأول لمجالات العمل الأساسية للمنظمات الثلاث التي يشملها الرصد (اليونسكو، الإيسيسكو، الألكسو)؛ حيث تشترك المنظمات الثلاث في أنها منظمات للتربية والعلوم والثقافة، وهذا ما يجعل التربية والتعليم أول المجالات المحورية للعمل في المنظمات، وسنتناول هذا المجال فيما يلي: اللغة العربية، ومحو الأمية.

· اللغة العربية
ما زالت اللغة العربية في صدارة اهتمام الإيسيسكو والألكسو؛ فاللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، مما يضفي عليها طابعًا قدسيًّا لدى جميع المسلمين في شتى بقاع الأرض، ومن الأمانة أن نقول إن المنظمتين تحاولان في إطاريهما أن يدعما اللغة العربية وانتشارها، بطرق عدة. فبين إرسال معلمي اللغة العربية المدربين إلى الأقطار الإسلامية وبين تعليم الشباب الغربي اللغة العربية، مجهود مبذول نأمل أن يكون له أثر. وبالإضافة إلى ذلك فالاهتمام بالتطبيقات التكنولوجية للغة العربية[8] أخذ حيزًا من التنفيذ والدعم؛ وهو ما نأمل أن يؤتي ثمره سريعًا.
فاللغة العربية هي الموضوع الأكثر والأخطر من حيث الأهمية؛ نظرًا لأنه يرتبط بالمكون الثقافي لدى الشعوب، ويرتبط ببنيتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ليس لأنه مرهون بالواقع ومرتبط بالمستقبل والماضي للدول؛ ولهذا تبنت المؤسسات الثقافية هذا المجال من خلال العديد من المشروعات الفردية المرتبطة بكل مؤسسة كلًا على حدة وبمشروعات مشتركة بين المؤسسات المختلفة وفقًا للأجندة المتعلقة بكل مؤسسة. وهذا يتجلى مثلًا في أن الاتجاه العام في الإيسيسكو يميل نحو الاهتمام بالتراث واللغة العربية[9]. وليست هي وحدها وإنما معها الألكسو هي الأخرى، بينما اليونسكو تميل إلى الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان في المناهج وتمكين المرأة كذلك. أيضًا تطوير المناهج كان محور الاهتمام المشترك بين المؤسسات المختلفة، ونطرح عدة أمثلة للتأكيد على ما طرحنا سلفًا.
فقد صدر ضمن منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) كتاب جديد باللغة العربية بعنوان: “مصطلحات تعليمية من التراث الإسلامي”، ويضم الكتاب فصولًا حول أوصاف العالِم وأحواله، وأوصاف المتعلم وأحواله، والتقويم، وطرق التدريس، والمؤسسات التعليمية، والمحتوى الدراسي، والنظام المدرسي، والوسائل التعليمية.
وقد تم توقيع اتفاقية تعاون بين الألكسو ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالرياض، وتتعلق الاتفاقية باشتراك المنظمة ومدينة الملك عبد العزيز في تنفيذ مشروع «المعجم الحاسوبي التفاعلي للغة العربية» الذي أطلقته المنظمة في نطاق اهتمامها باللغة العربية عامّة ومعالجتها الآلية خاصّة، وذلك صرفًا ونحوًا ومفرداتٍ ومعجمًا ودلالةً؛ لتكون في خدمة التربية والتعليم والثقافة العربية داخل الوطن العربي وخارجه، ولتساعد على إغناء المحتوى العربي على شبكة الإنترنت.

· الأمية:
أطلقت اليونسكو مبادرة “محو الأمية من أجل تعزيز القدرات” (لايف) في عام 2005 بوصفها إطار العمل العالمي لمساعدة البلدان النامية على تعزيز محو الأمية وتحقيق أهداف التعليم للجميع. وتستهدف مبادرة “لايف” أيضًا البلدان التي تسجل مستويات أدنى من 50% لمحو الأمية أو التي يتجاوز فيها عدد السكان الأميّون عشرة ملايين شخص، وعلى صعيد آخر كان محور الاهتمام هي اللغة العربية؛ حيث تكاتفت المنظمات لدعم هذا المشروع سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو العالمي كنقطة فرعية في مشروع دعم حوار الحضارات بحيث اهتمت المؤسسات بمشروعات الحفاظ على اللغة العربية وتعليمها سواء للناطقين بها أو غير الناطقين؛ إذ إن الدورات المتعلقة بتعليم اللغة العربية وتهدف إلى تعميق معارف المتدربين وإكسابهم خبرات جديدة في إعداد الدروس وتقديم مختلف المواد في مجال اللغة العربية للطلاب الناطقين بلغات أخرى، وتدريبهم على التقويم المنهجي والموضوعي لأعمال الطلاب ومكتباتهم اللسانية، وعلى الاستعانة بالآليات والأساليب الناجحة لتنمية المهارات اللسانية. وتعتمد المشروعات بالأساس على دعم غير الناطقين باللغة العربية ودعم المجتمعات التي تحوي أقليات إسلامية بأفراد يقومون بتدريس اللغة هناك في كل دول العالم تقريبا[10].
وقد أقامت اليونسكو مجموعة من الفعاليات التي تبحث في أسباب الأمية وأشكالها في أوروبا، وقد أعلنت اليونسكو أن تحسين محو الأمية يمثل مفتاحًا لتنمية مجتمعات المعرفة وتعزيز التنافس الاقتصادي. فتبعًا للمنظمة، ما زال ثمة تفاوت صارخ رغم ارتفاع نسبة محو الأمية في أوروبا (أكثر من 96%). ويكشف التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع لعام 2008، مثلًا، أن تسعة ملايين من الكبار لا يجيدون القراءة ولا الكتابة في أوروبا الوسطى والشرقية، ومن الملاحظ أن جزءًا كبيرًا من تلك الدول هي دول يمثل المسلمون جزءًا كبيرًا من مواطنيها، وهو ما يعيدنا إلى دور كل فرد من الأمة الإسلامية (أمة اقرأ)، ويمكن أن نضرب مثلًا على ما يمكن الاستفادة به من المبادرات الدولية في دعم وحماية تراثنا الإسلامي والعربي[11].
ب) البحث العلمي:
تعد أزمة البحث العلمي من المشكلات التي تؤدي إلى استمرار الأمة في تداعيها، وسببًا لتداعي الأمم عليها وذلك بالإضافة إلى المسببات الأخرى من غياب الرؤية والرسالة الحضارية لمجموع الأمة وزيادة لفرقتها وتفرقها، لكن رغم ما يبذل من الجهود من المنظمات الرسمية الثلاث (اليونسكو، الإيسيسكو، الألكسو) من جهود إلا أنها ما تزال بلا تفعيل حبيسة الأوراق والعقول، وربما يرجع ذلك إلى غياب الإرادة الحقيقية لدى متخذي وصناع ومنفذي القرار للتفعيل رغم صياحهم صباح مساء بالحاجة إليه والرغبة في التنفيذ.
وهناك العلاقة بين أزمة البحث العلمي ومشكلات التربية والتعليم ولنقُلْ الأمية التي صارت وصمة أو بصمة عار على جبين الأمة، ولننظر إلى الحال لنرى: هل تلك المشكلات حقيقية أم لا؟ هل نحن أمة تعرف؟ هل نحن أمة تعلم؟ هل نحن أمة تعمل؟ هل نحن أمة تحكم؟ كل تلك التساؤلات المشروعة تؤدي بنا إلى تساؤل أكبر: هل سنجد أعذارًا نسوقها بين يدي البارئ لكي نبرر له تقصيرنا؟
فبالنظر إلى ما أطلقته اليونسكو من مؤشرات جديدة لتقويم ومقارنة نظم البحوث الوطنية[12] في باريس، 16 يناير 2008 (أين تنشأ البحوث؟ – كيف يتم تناقلها ونشرها واستخدامها في مجتمعات المعرفة الحالية؟)، تلك هي أبرز الأسئلة التي نوقشت خلال الندوة التي استضافها منتدى اليونسكو للتعليم العالي والبحوث والمعرفة، شارك في الاجتماع حوالي مئة خبير في سياسات البحوث والتعليم العالي، ومن بينهم أصحاب القرار السياسي على المستوى الوطني، وباحثون، ومنظمات دولية حكومية، ومنظمات غير حكومية، وشخصيات من القطاع الخاص من ثلاثين بلدًا. وناقش المجتمعون نتائج (52) دراسة تناولت نظم البحوث في بلدان منخفضة أو متوسطة الدخل.
وقد ألقت هذه الدراسات الضوء على تناقضات فاضحة يتعين تصحيحها لكي تصبح البحوث محرِّكًا للتنمية. هذا ومن الممكن أن تعد البحوث العلمية في العلوم الإنسانية شبه منفصلة عن المجتمع لانتهاجها مناهج لا تناسب الأنساق المعرفية والسلوكية لتلك المجتمعات لنشأتها في سياقات مغايرة لبيئاتها؛ وذلك هو التحدي الذي أشارت إليه اليونسكو في ندوتها.
ومن الأمور التي تعطي مؤشرات إيجابية اهتمام المؤسسات الخاصة بعقد شراكات مع المؤسسات الثقافية. وحسب ما يذكر فإن الدافع وراء ذلك هو الإحساس بالدور الحضاري للأفراد وأهمية دعم البرامج التي تنمي الفرد وتؤدي إلى النهوض بالباحث لينهض البحث العلمي, ومن أمثلة ذلك توقيع اتفاقية تعاون بين الألكسو ومؤسسة عبد الحميد شومان الأردنية.
وتنص الاتفاقية بالخصوص على أن يتعاون الطرفان على إقامة نشاطات مشتركة في مجالات التربية والثقافة والعلوم، وأن يعملا على التعريف بالحضارة العربية الإسلامية في نشاطاتهما المشتركة، وذلك بما يدعم الحوار بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافات الأخري؛ كما تتعاون الألكسو ومؤسسة عبد الحميد شومان، من خلال هذه الاتفاقية، على تشجيع القدرات في مجال البحوث والدراسات الثقافية والفكرية ودعمها، إلى جانب تبادل الخبرات والبحوث والدراسات المتصلة بمجالات التربية والثقافة والعلوم في الوطن العربي[13].

قد تكون تلك الأنشطة، بالإضافة إلى غيرها من الندوات والمؤتمرات نواة للفعل الحضاري التي تهدف إليه المنظمات الثقافية ولكن يبقى التحدي الأكبر هو مدى صلاحية ما ينتج من تلك الفاعليات للتطبيق في الواقع المعيش.
ج) الإعلام و صناعة الوعي:
في ظل واقعنا المعيش يحتل الإعلام -بأشكاله المختلفة- مكان الصدارة في عوامل بناء الوعي الجمعي للأمة، وهو ما يعطي الإعلام المرتبة الثانية بعد التربية والتعليم. ومع التطور الشديد في الوسائل الإعلامية، تطورت وسائل الاستفادة إلا أن الأمة الإسلامية ما زالت تتلقى تلك التكنولوجيات مما يؤثر على وعيها.
لقد تباينت أساليب التعاطي مع المجال الإعلامي في المنظمات بشكل واضح وإن كانت هناك تشاركات تجمع بينها، فعلى سبيل المثال قامت اليونسكو بإدانة الاغتيالات التي يتعرض لها الصحفيون في العالم والتي وقع أغلبها في بلاد المسلمين. فمن العراق التي حازت الصدارة في عدد الاغتيالات، إلى الصومال، إلى فلسطين المحتلة والتي وقعت بها مجزرة الصحافيين[14]. وقد أعلن الأمين العام لليونسكو: “أدين قتل الصحافي الفلسطيني فضل شناعة. وآمل أن تبذل السلطات الإسرائيلية كل جهد ممكن للتحقيق في الظروف التي أحاطت بالهجوم على سيارة شناعة. فهذا أمر هام جدًّا”.
وأضاف ماتسورا: “يجب إيلاء الاهتمام اللازم لسلامة الصحافيين، مهما كانت الظروف صعبة”. وقد توفي فضل شناعة (25 عامًا)، بعد إصابة سيارته بصاروخ في 16 أبريل. وكان يصوِّر مع مهندس الصوت وفاء بربخ هجومًا للدبابات الإسرائيلية بالقرب من مخيم البريج للاجئين عندما أصيبت سيارتهما. وكما أفيد فإن كلمة “صحافة” كانت بارزة بوضوح على العربة للإشارة إلى أنها مستخدمَة من جانب صحافيين. وهذا، ومن الملاحظ أن اليونسكو لا تدين غير الاغتيال في حين أن هناك دولًا تقمع وتعتقل وتنكل بكل من له رأي حر بالاعتقال أو التعذيب أو الخطف، وعلى ذلك حدث ولا حرج، ويمكن أن نعد ذلك إنعكاسًا لرسمية المؤسسة ووقوعها تحت الضغوط الدبلوماسية من الدول الأعضاء.
رابعًا- أهم المشكلات التي تواجه المؤسسات الثقافية والحقوقية
وبعد أن تناولنا في التقرير أهم القضايا والمجالات التي تناولتها المؤسسات الثقافية والحقوقية، فإننا قد وجدنا بعض المشكلات التي ظهرت من خلال عملية الرصد. ولعل تلك المشكلات تنقسم إلى مشكلات متعلقة بمنظمات بعينها ومشكلات وجدناها في كل المنظمات تقريبًا؛ وبالتالي سيكون التركيز هنا على المشكلات العامة الموجودة في كل المنظمات مع عرض لبعض المشكلات الخاصة بكل منظمة على حدة.

أ) المشكلات العامة:
تتعرض المنظمات الثقافية والحقوقية للعديد من المشكلات التي تجمع فيما بينها مما يجعلها مشكلات عامة. ومن أبرز تلك المشكلات: مشكلات الأهداف، واختيار الآليات، ومشكلات التمويل. ولسوف نعرض لها فيما يلي:
· مشكلات تحقيق الأهداف:
من المفترض أن تصل كل منظمة إلى أهدافها من خلال القيام بعملها واختيار آليات تناسب السياقات لتصل في النهاية إلى غايتها ومقصدها، ولكن ظهر من خلال الرصد أنه رغم كبر أهداف المنظمات المرصودة ومطاطيتها وقابليتها لسعة ما يجدّ وما يستحدث، إلا أن النتائج على أرض الواقع لا ترقى للمستوى المطلوب.
ويمكننا أن نرجع ذلك إلى عدة مشكلات فرعية قد لا تتوافر في كل المنظمات وإن كانت تؤدي إلى نفس النتائج. ومن أمثلة تلك المشكلات، عدم فهم دور المنظمة الذي يؤدي إلى بروز الرؤى الفردية لدور المنظمة؛ وذلك في المستويات العليا ويؤدي إلى الانتماء الفردي وليس المؤسسي في المستويات الدنيا وهو ما يؤدي إلى عدم تحقيق المؤسسة لأهدافها وهذا ما يطلق عليه (الشخصنة).
· اختيار الآليات:
هناك مشكلة الكم والكيف. فمثلًا تتباهى الإيسيسكو بمضاعفة عدد أنشطتها وإن كانت كيفًا لم تؤتِ ثمارها[15]، وهو ما يرجعنا لكيفية العمل في المؤسسات وكيفية تقويم الأعمال.
وهذا من المؤشرات الخادعة في التقويم لأي مؤسسة كانت، فما كان الكم ليفيد -رغم الحاجة إليه- في جودة الكيف؛ لأن المنظمات بشكل ما تعترف بالكم على الكيف فتحاول التركيز على الكم دون الكيف وتقوم بالعديد من الأنشطة التي قد يكون لها تأثير وقد لا يكون لها هذا التأثير. وعلى هذا فهي لا تولي اهتمامًا قويًّا بالمحتوى قدر ما تولي اهتمامًا بظهورها مثل بقية المنظمات وتعاونها الكبير معهم. ومراجعة المحتوى نقطة في غاية الأهمية لأن المنظمة لابد أن تكون متأكدة من ملاءمة المحتوى للمنظومة الفكرية للدول المعنية وأهمية عمل المنظمة في دعم الإصلاح والتطوير في الدول المختلفة والاهتمام بالتنمية في البلدان قبل أن تهتم بكمّ النشاط. وقد تكون الأنشطة قليلة ولكنها مركزة تخدم الأهداف والدول كذلك لابد المنظمات أن تضع معايير أمينة لرصد القضايا والاهتمام بها ولا تقوم بالاهتمام بقضايا مهما كانت غير مهمة.

· مشكلة التمويل:
تلك المشكلة التي تقع فيها أغلب المنظمات التابعة لمنظمات دولية وإقليمية حكومية يدخل في عضويتها دول عربية وإسلامية؛ حيث ينعكس عدم الاهتمام بها في عدم سداد الاشتراكات بها ولمدد طويلة وإلقاء أعباء التمويل على كاهل دولة أو عدة دول تكون في الغالب صاحبة قرار في تحديد القائمين على المنظمة واختيار وسائل عملها وتعاني الإيسيسكو[16] والألكسو[17] من تأخر سداد الاشتراكات الدول الأعضاء بل وبعض الدول المؤسسة لهما وهو ما يسبب في ضعف المنظمة وتقييد حركتها إلى حدٍّ ما.
ويمثل التمويل مشكلة للمنظمات الثقافية. وهذا ينبع من طبيعتها الدولية والإقليمية التي تقوم على أساسها بعمل برامج ومشروعات لتنمية المجالات التي تهتم بها والمدرجة في أجندتها؛ وبالتالي تحتاج هذه المنظمات إلى تمويل لكل هذا، وهو ما يأتي بالضرورة من الدول الأعضاء في تلك المنظمات. ومن المتعارف عليها أن المنظمات إذا واجهت مشكلات تمويلية فإنها تخضع لنفوذ الدول التي تغطي العجز في التمويل وتخضع البرامج والمشروعات لسياسات تلك الدول التي تحاول فرض أجندتها على المنظمة كلما دفعت الدولة حصة أكبر في تمويل المنظمة التي تخضع برامجها للدول والدول تحاول من خلال المنظمة تحقيق أغراضها السياسية التي لا تستطيع الدول تحقيقها على مستوى الحكومات والعمل السياسي؛ ولهذا تتجه الدول في بعض الأحيان إلى المنظمات، وهذا ليس على الصعيد السياسي فقط وإنما حتى في المؤسسات الثقافية يحدث ذلك.
ب) الإشكاليات الخاصة: تتنوع الإشكاليات الخاصة لكل مؤسسة -كلٍّ على حدة- وهو ما يجعلنا نفرد مشكلات كل منظمة على حدة كما يلي:
· اليونسكو:
تعد المشكلة الأساسية لليونسكو هي كونها تعكس التوازنات السياسية الخاصة بمنظمتها الأساسية (الأمم المتحدة)؛ وهو ما أعطاها دورًا هامشيًّا في حماية الصحافيين وحرية الإعلام اقتصر على الشجب والإدانة وعدم التدخل في بعض الأحيان إذا تعلق الأمر بفعل الولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك نجدها تتخذ مواقف ضعيفة تجاه بعض القضايا (مثل حماية التراث الإسلامي في فلسطين، وحماية الآثار العراقية من السرقة والتهريب)، وإن كانت ذات دور بارز في حماية التراث الإنساني والإسلامي والعربي إذا لم يتعارض مع مصالح إحدى القوى الكبرى.
· الإيسيسكو:
تنتشر أنشطة الإيسيسكو في غالبية الدول التي يوجد بها مسلمون. ويلاحظ كثرة تلك الأنشطة من حيث الكم، وتوزعها في عدد كبير من تلك الدول، وهو ما يحسب للمنظمة كنقطة قوة، ولكن ما يحسب عليها كنقطة ضعف هو أن تلك الأنشطة في الغالب لا يكون لها أثر بارز أو ملموس على أرض الواقع إلا ما ندر، وهو ما يؤدي إلى تشتيت الجهود، ولذلك يجب على الإيسيسكو تحري مدى الاحتياج إلى تلك الأنشطة مع مراعاة السياقات المكانية والزمانية للأنشطة التي تقوم بها.
· إشكالية الخطاب و الدبلوماسية في الإيسيسكو:
ولعله يظهر أن هناك مشكلة في الخطاب الرسمي للمؤسسة ومراعاته للدبلوماسية على حساب الحيادية والمنطق العقلي وانحباسه في المحبس التاريخي؛ فالنظر للنص التالي الذي هو جزء من خطاب المدير العام للإيسيسكو في ندوة دولية بموسكو حول (روسيا والعالم الإسلامي)[18] قد يوضح ذلك: إن علاقة روسيا بالعالم الإسلامي لم تكن أفضل منها اليوم في أي عصر من العصور المتعاقبة”، مشيرًا إلى مواجهة الإمبراطورية القيصرية الروسية مع الدولة العثمانية، ومشيرًا إلى توترات ما بعد ثورة أكتوبر 1917.
وعقب على تلك الأحداث بقوله: “تلك كانت صفحة من الماضي انطوت، وأحداث تاريخية انقضت. وقد تغيرت الأمور اليوم إلى ما هو أفضل، بالقياس إلى الماضي البعيد، بعد انتهاء النظام الشمولي، واسترجاع روسيا لعافيتها، وقيام النظام الديمقراطي المسالم الذي يحترم القوانين الدولية وينفتح على العالم، ويقيم العلاقات مع الدول على أساس تبادل المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية، لا على أساس أيديولوجي وحسابات الاكتساح لمناطق نفوذ مذهبي”، “إن من مظاهر هذا التحوّل الكبير الذي عرفته روسيا في هذه المرحلة في الاتجاه الصحيح على جميع الأصعدة، انضمامها إلى منظمة المؤتمر الإسلامي بصفة مراقب، ثم انضمامها إلى المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة -إيسيسكو- بصفة مراقب أيضًا، وتلك مبادرة ذات دلالة حضارية موحيـة، …”.
هذا في نفس الوقت التي تصدر به الإدانات القضائية[19] ضد السلطات الروسية بانتهاك مواثيق حقوق الإنسان في الشيشان واستمرار القمع والانتهاكات بحق المسلمين بدعاوى الحرب على الإرهاب، ويختطف النساء ويشرد الأطفال في بقاع كثيرة من روسيا الاتحادية. ويبدو أن الدبلوماسية تنسينا أن الشيشان استقلت 1994 وأعيد احتلالها مرة أخرى على يد روسيا الديمقراطية الجديدة وأن هناك شعوبًا من المسلمين وغير المسلمين يقمعون تحت يد الاحتلال الروسي الاتحادي.
· ألكسو:
إذا أردنا أن نتحدث عن إشكاليات الدور الخاص بالألكسو، فسوف نتحدث على مشكلات النظام الإقليمي العربي وحقيقة تماسكه وقيامه بدوره، ذلك الذي ظهر جليًّا في تراخي الدور وعدم الالتفات إلى المواثيق والقرارات العربية حتى عندما يصدرها العرب أنفسهم. فبالنظر إلى قرار القمة العربية الأخيرة في دمشق مارس 2008، والتي اعتمدت «خطة تطوير التعليم في الوطن العربي» في صيغتها النهائية، والتي أعدتها ألكسو بالتعاون مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، تنفيذًا لقرارات قمتي الخرطوم (2006) والرياض (2007) بهذا الشأن، والتي جاءت -طبقًا لما قيل- تلبية للاحتياجات المجتمعية العربية، في حين أن الدول العربية لم تدخلها حيز التنفيذ ولا أعتقد أنها سوف تدخل حيز التنفيذ مثل الكثير من الاتفاقيات العربية التي ما زالت في المحبس الورقي. فبالنظر إلى بعض الحالات العربية في تطوير التعليم نجد -على سبيل المثال- أن من يتولى التطوير هي مؤسسات أمريكية؛ كما في بعض دول الخليج العربي، وهنا نضع نصب أعيننا حقيقة حالة الألكسو التي هي حقيقة النظام الإقليمي العربي.
· منظمة العفو الدولية:
يقوم أعضاء المنظمة وممثلوها في أقطار العالم المختلفة بمجموعة من الأنشطة سبق أن أشرنا إليها. ويلي ذلك العمل الميداني للمساعدة على وقف انتهاكات حقوق الإنسان عبر تعبئة الجمهور لممارسة الضغط على الحكومات والجماعات السياسية المسلحة والشركات والهيئات الحكومية الدولية، وذلك عن طريق وسائل أشرنا إليها ايضًا. تلك المراحل المتعددة للعمل والمتكاملة تميز عمل منظمة العفو الدولية عن باقي المنظمات الحقوقية؛ ولذا تعد منظمة العفو الدولية من أنشط المنظمات الحقوقية الدولية. ولكن رغم قوة المنظمة وانتشارها في جميع أنحاء العالم إلا أن معظم عملها يجري بأسلوب تطوعي من ناشطين حقوقيين في جميع أنحاء العالم لهم انتماءات وأفكار مختلفة تظهر في اتجاهات وسلوكيات متباينة؛ وهو ما يؤدي إلى تمتع المنظمة بمجموعة من الصفات التي تفقدها حياديتها سنتناولها فيما يلي:
o مشكلة المعلومات:
كما سبق وأشرنا أن مرحلة العمل الأولي تعتمد على الأعضاء المنتشرين من جميع أنحاء العالم، وليس هناك معيار لتحديد ما هو الانتهاك أو الضحية، وإن كانت تعتمد على الرؤية الشخصية لكل عضو لماهية حقوق الإنسان، ومن المتعارف عليه أن الاختلاف في البنى الثقافية والمعرفية بين المجتمعات أو الأفراد الذين يتخذون من الإسلام أو الشريعة الإسلامية مرجعًا لهم وبين المجتمعات العلمانية الغربية المعتمدة على النموذج الفردي، فهناك بعض الحقوق المكتسبة في السياق الغربي لا تقبلها الدول التي تحاول أن تطبق الشريعة الإسلامية أو الدول التي تتكون من أغلبية مسلمة، مثل حدود (الزنا، السرقة، القذف، والقصاص في القتلى)، وهذا من الممكن أن يرجع إلى فقدان المقدّس لقيمته القدسية في الغرب العلماني، ولا نقصد بأي حال من الأحوال أن نقول إنه لا يوجد انتهاكات لحقوق الإنسان في العالم الإسلامي، ولكن لنحاول أن نستفيد من الفرص التي تتيحها تلك المنظمات الحقوقية لابد أن نَفهمها لكي نستطيع أن نفهمهم أنماطنا الثقافية وسوف نأخذ نموذجين مقارنين لنوضح الفرق الذي يحدثه الفهم بالنظر إلى تغطية المنظمة لدولتين يطبقان أحكام الحدود والقصاص في أنظمتهم القضائية وهما المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، سنرى أن أعضاء المنظمة العاملين في المملكة العربية السعودية لم يبدوا أي تحفظات تجاه أحكام تنفيذ الحدود من جلد لسرقة أو زنا أو شرب الخمر، بقدر ما يكون أي حكم من أي محكمة إيرانية بتطبيق الحدود مثيرًا لأعضاء المنظمة في إيران، ويمكننا أن نرجع ذلك إلى أن الأعضاء الذين يغطون السعودية قد تفهموا السياق الثقافي الحاكم للمجتمع السعودي، على عكس ما حدث في الحالة الإيرانية حيث قرأوا الحالة الإيرانية في السياق الغربي مما خلق اختلالًا في فهم المعلومات إذا قرئت في غير سياقها.
ومن الممكن أن تحل تلك المشكلة بأن تقوم المؤسسات الحقوقية المحلية بإقامة تدريبات بالتعاون مع المؤسسات الثقافية الإسلامية لتوعية المندوبين والمراقبين المنتمين لمنظمات حقوقية دولية وإقليمية بل ومحلية لتوضيح وشرح الأنماط والأنساق المعرفية للمجتمعات الإسلامية لتفهم التطورات والأحداث في سياقاتها الطبيعية.
o شخصنة القضايا:
ونقصد بها إثارة القضايا والاهتمام بها وتسليط الأضواء عليها بأشخاص بعينهم، ويظهر ذلك جليًّا في اختيار المنظمة لموضوعات قد لا تكون على أولويات الأجندة الحقوقية المحلية، ويتم تكبيرها واستخدام كافة طاقات المنظمة لها، في حين أن هناك انتهاكات صارخة لا يتم التحدث عنها مما قد يفقد المنظمة صورتها الجدية، ويحدث ذلك غالبًا إذا ارتبطت تلك القضايا بأحد الأعضاء أو القيادات العليا للمنظمة؛ مثل ما حدث في شهر يناير حيث قامت الأمينة العامة للمنظمة أيرين خان بالقيام بنفسها بقيادة حملة دولية لفضح رئيس باكستان الأسبق مشرف تواكب جولة أوروبية له وفي جميع الأماكن التي سيذهب إليها[20]، وشددت المنظمة على ضرورة إجراء تحقيقات حيادية كاملة في عمليات الاغتيال السياسية وغيرها من عمليات القتل، بما في ذلك اغتيال بناظير بوتو، واستعادة استقلال سلطة القضاء بإعادة جميع القضاة الذين أُقيلوا خلال حالة الطوارئ إلى مناصبهم. وقالت السيدة خان: “إن المجتمع الدولي يجب أن يرسل رسالة واضحة وحازمة إلى الرئيس مشرف للتأكيد على أن استعادة احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون تشكل مفتاح إرساء الثقة بالانتخابات المقبلة ووضع حد لموجة العنف السياسي التي تكتسح باكستان”[21].
ففي نفس تلك الفترة كان هناك حصار غزة -ورغم اهتمام المنظمة بالرصد وجمع المعلومات- إلا أنها لم تطور الموضوع إلى درجة استخدام الآليات وحشد التأييد الدولي لمناصرة المحاصرين، واقتصرت على مناشدة السلطات المصرية والأردنية لكسر الحصار ومساعدة المحاصرين[22]. وهنا يظهر مدى أهمية أن تكون هناك كوادر حقوقية عربية وإسلامية تهتم بقضايا حقوق الإنسان في العالم الإسلامي، تتناول القضايا في سياقها وفي إطار مرجعيتها الإسلامية، وتوضح للعالم مدى سوء الحالة الحقوقية في العالم الإسلامي لدرجة عدم تواجد الحقوق الأساسية كحق الحياة، وللفت أنظار العالم إلى قضايانا العادلة.
o أسلوب التعبير:
ويقصد به أسلوب صياغة البيانات والخطابات والحملات الدعائية للمنظمة ويظهر، الخلل فيه باستخدام الأساليب الصحفية في صياغة البيانات؛ مما يلفت النظر إلى أمور قد لا تكون في السياق من الأساس. ولقد أشرنا سابقًا إلى مشكلة الصياغة في حالة إعدام الفتى الكردي في إيران، وفي حين أن الخبر به تنديد بإعدام آخرين وأن حكم الإعدام لم يصدر لكون الفتى ينتمي إلى العرق الكردي، فقد المضمون حياده بل أصبح العنوان كما لو يتهم بالعنصرية والقتل على أساس عرقي، وهو ما لم يذكر في النص. و يمكن حل تلك المشكلة بأسلوب بسيط: أن يراجع الزوارُ المسئولين عن الموقع لتنبيههم لتلك الأخطاء التي من الممكن تداركها.
· الشبكة العربية لمعلومات لحقوق الإنسان.
تعتبر الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان منظمة مظلة توفر الدعم للكثير من المنظمات الحقوقية في النطاقين المصري والعربي. ولقد تميز عملها في فترة الرصد بوضوح وصولها لأهدافها؛ حيث أصبحت مظلة قوية تربط المنظمات الحقوقية في العالم العربي، وظهر ذلك جليًّا في عدد شركائها من المنظمات الحقوقية العربية الذين شاركوها في التوقيع على البيانات في عدد من القضايا المختلفة وصل في بعض الأحيان إلى (37) شريكًا[23]، ولكن هناك ما يعوق عملها بالإضافة إلى المنظمات الحقوقية العاملة في العالم العربي، ويمكن أن نشير إليه كما يلي:
o التشريعات والقوانين:
حيث إن هناك دولًا في العالم العربي لا يوجد بها إطار قانوني للمنظمات الحقوقية مثل المملكة العربية السعودية، وهناك دول أخرى بها تشريعات مقيدة للحرية مثل تونس، وهناك دول أخرى بها تقبع تحت قوانين “طوارئ” تعطل دساتيرها مثل مصر وسوريا، ويمكن في بعض الحيان إغلاق المنظمات الحقوقية دون إبداء أسباب تحت مظلة القوانين الطارئة كل ذلك المناخ جعل هناك عائقًا كبيرًا أمام عمل تلك المنظمات وأمام عملها.
o أساليب التمويل:
لا يقصد هنا الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ولكن يدخل في تلك الأزمة عدد كبير من المنظمات الحقوقية الإقليمية والمحلية، فكل المنظمات والجمعيات الحقوقية يلزمها تمويل للقيام بأنشطتها وإدارتها، وهناك نمطان سائدان للتمويل؛ وهما إما التمويل الذاتي أو الحصول على منح من منظمات وهيئات أخرى. النمط الأول نسبة استخدامه ضئيلة بالنسبة للنمط الثاني في ظل التضييق الحكومي، والنمط الثاني يدخل المنظمات في إشكالية التبعية للبرامج الخاصة للممولين والمانحين.
ويمكن التغلب على تلك العقبة بإقامة صناديق وقفية ينفق من عوائدها على المنظمات الحقوقية، وهنا تتحرر المنظمات الحقوقية من قيد التمويل وما قد يلحقها من تشويه نتيجة لارتباطها بممولين محددين ويحفظ لها حياديتها.

الهوامش:

[1] UNESCO, http://typo38.unesco.org/ar/unesco-home/services/pressservices/pressreleases-sing.html?tx_ttnews%5bpointer%5d=5&tx_ttnews%5btt_news%5d=1536&tx_ttnews%5bbackPid%5d=202&cHash=4a2a29c18c
[2]http://www.isesco.org.ma/arabe/charter/charter.php?page=/
[3]http://www.alecso.org.tn/index.php?option=com_content&task=view&id=8&Itemid=31&lang=ar
[4] http://www.amnesty.org/ar/who-we-are/faq#how-ai-works
[5] UNESCO , http://typo38.unesco.org/ar/unesco-home/services/pressservices/pressreleases-sing.html?tx_ttnews%5Bpointer%5D=4&tx_ttnews%5Btt_news%5D=1497&tx_ttnews%5BbackPid%5D=202&cHash=9e37109b47
[6]http://www.isesco.org.ma/arabe/news/news.php?id=873
[7] http://www.amnesty.org/ar/news-and-updates/report/migrants-face-illegal-arrest-in-mauritania-20080702
[8]http://www.alecso.org.tn/index.php?option=com_content&task=view&id=987&Itemid=325&lang=ar
[9]http://www.isesco.org.ma/arabe/news/news.php?id=600
[10] http://typo38.unesco.org/ar/unesco-home/services/pressservices/pressreleases-sing.html?tx_ttnews%5Bpointer%5D=1&tx_ttnews%5Btt_news%5D=1698&tx_ttnews%5BbackPid%5D=202&cHash=267a28e82b
[11] http://typo38.unesco.org/ar/unesco-home/services/pressservices/pressreleases-sing.html?tx_ttnews%5Bpointer%5D=1&tx_ttnews%5Btt_news%5D=1697&tx_ttnews%5BbackPid%5D=202&cHash=a83f06e745
[12] http://typo38.unesco.org/ar/unesco-home/services/pressservices/pressreleases-sing.html?tx_ttnews%5Bpointer%5D=4&tx_ttnews%5Btt_news%5D=1486&tx_ttnews%5BbackPid%5D=202&cHash=cf8e0d7063
[13]http://www.alecso.org.tn/index.php?option=com_content&task=view&id=1006&Itemid=325&lang=ar
[14] http://typo38.unesco.org/ar/unesco-home/services/pressservices/pressreleases-sing.html?tx_ttnews%5Bpointer%5D=3&tx_ttnews%5Btt_news%5D=1673&tx_ttnews%5BbackPid%5D=202&cHash=3f021d8685
[15]http://www.isesco.org.ma/arabe/news/news.php?id=876
[16]http://www.isesco.org.ma/arabe/news/news.php?id=888
[17]http://www.alecso.org.tn/index.php?option=com_content&task=view&id=989&Itemid=325&lang=ar
[18]http://www.isesco.org.ma/arabe/news/news.php?id=865
[19] http://www.amnesty.org/ar/news-and-updates/sixty-years-human-rights-failure-governments-must-apologize-and-act-now-200805
[20] http://www.amnesty.org/ar/news-and-updates/news/world-leaders-urged-tackle-musharraf-world-economic-forum-20080123
[21] http://www.amnesty.org/ar/news-and-updates/news/europe-must-call-musharraf-account-20080121
[22] http://www.amnesty.org/ar/news-and-updates/news/gaza-must-not-be-cut-world-20080125
[23]http://www.anhri.net/press/2008/pr0305.shtml.

نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2009

للتحميل اضغط هنا 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى