التغيير العالمي: من مداخل الاقتصاد السياسي الدولي

مقدمة:

تمثل مقولات المنظورات الكبرى منظومة متكاملة تنبني بعضها على بعض. ومن أهم المقولات تلك المتصلة بحالة النظام العالمي أو العالم، انطلاقًا من الأسس المعرفية والأنطولوجية والنظرية لكل منظور، فالاستقرار، والتوازن، والتَكيَّف، والتغيير، والتحول جميعها مصطلحات تعكس مفاهيم مقارنة تختلف باختلاف المنظورات.
والمنظورات الكبرى المتنافسة على ساحة نظرية العلاقات الدولية، هي منظورات من إنتاج “القوى المنتصرة في الحربين العالميتين”، والتي ساد بعضها ثم تنافست مع بعضها طوال نصف قرن. ومن ثم فإن هذه المنظورات، وانطلاقًا من العلاقة بين “السلطة والمعرفة”، تهتم نظرياتها بالأساس- سواء على مستوى الدراسات النظمية أو السياسات الخارجية – بمفاهيم الاستقرار والتوازن والتَكيَّف، والاستمرار مقارنة بالتغير والحديث عن التغير أو التحول إنما يكون في نطاق نفس “النظام السائد أو المُهيمن”.
إلا أن مفهوم “التغيير العالمي” يأخذ بالقضية إلى منحى آخر، وذلك انطلاقًا من أسس ومقولات الاتجاهات النظرية النقدية الجديدة التي تمثل وبصورة صاعدة تحديًا للمنظورات الكبرى منذ نهاية الحرب الباردة وصعود العولمة وانعكاسات دلالاتها على التنظير للعلاقات الدولية على نحو أفرز ما يسمى “الجدال الرابع الكبير” في علم العلاقات الدولية[1]. وتعددت المجالات المعرفية التي تختبر أبعاد هذا الجدال المعرفية والأنطولوجية، والنظرية والمنهجية، ومن هذه المجالات “الاقتصاد السياسي العالمي (الدولي) من منظورات مقارنة”[2]، ولقد أضحت قضية “التغيير العالمي” في قلب الاتجاهات النقدية لدراسة الاقتصاد السياسي العالمي المعاصر؛ وتتناول الدراسة ما يلي:
– أولًا: موضع التغيير العالمي من “الجدال الرابع” في علم العلاقات الدولية، وماهية هذا “التغيير” على الصعيد النظري وصعيد النظام العالمي.
– ثانيًا: موضع التغيير العالمي من دراسات الاقتصاد السياسي العالمي النقدية، وخريطة القضايا محل الاهتمام ومستوياتها.
– وأخيرًا أين موضع العالم الإسلامي والجنوب في الاقتصاد السياسي العالمي: المآل والمأمول؟

أولًا: ماهية التغيير العالمي من منظورات علم العلاقات الدولية

(1) التغيير العالمي في قلب الجدال الرابع[3]: ما الجديد؟
ما الجديد في العالم؟ وإلى من ينتسب؟ وعلى من تعود آثاره السلبية والإيجابية على حد سواء (فالجديد لا يعني دائمًا أنه أفضل مما سبقه) والأهم ما أسبابه؟ وكيف يقع؟ هذه الأسئلة (ماذا ولماذا ومتى وكيف وإلى أين؟) تكررت عبر التاريخ؛ إذ طرحها الفلاسفة والمفكرون والساسة، وتجادلوا بشأنها سواء بالفكرة أو بالنظرية أو الدبلوماسية أو البندقية أو المال.
تختلف السياقات الزمنية والمكانية، وتختلف الأحداث والوقائع، وتختلف التفاصيل والعمليات والأدوات، ولكن تظل مفاصل كبرى زمانية – موضوعية تؤشر على التغيرات والتحولات المتعاقبة التي ينتقل معها “النظام العالمي” من مرحلة إلى أخرى من مراحل تطوره، ونحن في فضائنا الحضاري العربي الإسلامي نقع في قلب هذه التحولات، صعودًا وهبوطًا، فاعلين ومفعولًا بنا.
ومن ناحية أخرى، تظل مجموعة من الثنائيات المفاهيمية المتضادة لدى بعض أو المتقابلة أو المتكاملة لدى بعض آخر تغلّف عمليات التغيير وتؤطّرها، سواء في أشكالها التعاونية أو الصراعية عبر أرجاء العالم بين الأقوياء والضعفاء، بين الأغنياء والفقراء، بين الصغار والكبار، بين الشعوب والحكومات وعلى رأس هذه الثنائيات التي تكمن في الجدالات المعرفية والنظرية والمنهاجية حول “حقيقة العالم الذي نعيشه”: واقعًا ومأمولًا ما يأتي:
الواقع / الفكر، الحركة / النظرية، الداخل / الخارج، الهياكل / المؤسسات، السلطة / المعرفة، العلم / القيم، العقل / الوحي، الفرد / المجتمع، الدولة / المجتمع، الوطن / الأمة، الدين / السياسة، الاقتصاد / السياسة، الأمن القومي / الأمن الإنساني، السلام الكبير / السلام الصغير، النظام الدولي / المجتمع الدولي، النظام العالمي / الجماعة العالمية، العالمية / الخصوصية، الحرية / العدالة، الاستقلال / التبعية، الصراع / التعاون.
وأن الجدال الرابع بين الاتجاهات النقدية والمنظورات الكبرى بصفة عامة يدور أساسًا حول “المعرفي” أي أبعاد فهم الظاهرة، وكيفية التنظير لها وفق صورة أخرى تنتقد بل تنقض أيضًا الصورة الوضعية عن العالم بقدر ما تنقد الواقع العالمي ذاته. فإذا كانت هذه الاتجاهات قد انتقدت ابتداء طبيعة الصورة التي تأسس علم العلاقات الدولية بناء عليها باعتباره العلم الذي ظل أسير ثنائية الحرب والسلام وفق ثنائية “الواقعية – المثالية” التي احتكرتها مراكز القوة المنتصرة في الحربين العالميتين.
فإن هذه الاتجاهات انطلقت في نقدها لهذا الاحتكار وما كان له من آثار على التنظير، من عدة مقولات معرفية: لا نظرية في فراغ أو من فراغ، القائم في الخارج ليس معطاه وليس قائمًا بذاته مستقلًا عن أسلوب إدراكه والصورة عنه، كل رؤية تدعي العلمية والعالمية وراءها مصالح سياسية، العلاقة بين السلطة والمعرفة والمركزية الغربية (الأمريكية) للعلم من أجل الحفاظ على استقرار واستمرار الأوضاع القائمة لصالح مركز السلطة.
وبناء عليه فإن “النظريات الوضعية هي نظريات تفسيرية تهتم بكيفية فهم النظام العالمي القائم، وإيجاد حلول لمشكلاته وكيفية إدارته للحفاظ عليه، وفي المقابل فإن النظريات النقدية هي نظريات منشأة؛ لأنها لا تنفصل عن العالم بل هي جزء مندمج فيه ذات سياق زمني ومكاني وثقافي وتاريخي ومن ثم تستهدف “التغيير العالمي”.
ومن ناحية أخرى: فإن مجالات اهتمام النظريات النقدية الجديدة تمثل منظومة في حقل العلاقات الدولية، وتنقسم إلى المجالات الخمسة التالية:
الأول: صعود الاهتمام بالقيم وعلاقتها بالواقع، والثاني: صعود الاهتمام بالأبعاد الدينية– الثقافية الحضارية وماهية علاقتها بالسياسة، والثالث: مستويات التحليل حيث بروز مستويات جديدة تتجاوز الدولة القومية والنظام الدولي، والرابع: المنظور البيني والعلاقات البينية مع العلوم الاجتماعية والإنسانية، والبحث في ماهية منظورات حضارية غير غربية ومشاركتها في التنظير، وأخيرًا الدعوة إلى التغيير العالمي التي تصب فيها وتجتمع فيها المجالات الأربعة السابقة.
(2) التغيير العالمي: العلاقة بين السلطة والمعرفة وصعود أهمية الأبعاد القيمية في أزمة العالم المعاصر وتغييره[4]
تصب منطلقات “الاتجاهات النقدية الجديدة” وخصائصها كما تصب المنظومة الرباعية السابقة – من مخرجات الجدال الرابع الكبير – في منطقة مهمة تصبغ اهتمامات “هذه الاتجاهات النقدية الجديدة”، ألا وهو التغيير العالمي Global Change وعلى نحو يتمايز عن تعامل المنظورات الكبرى مع هذه القضية سواء لصعود أهمية الأبعاد القيمية أو للاختلاف في مفهوم التغيير من أجل التحول وليس التكيف. وقضية “التغيير العالمي” ومرادفاتها ليست جديدة.
وفي حين تبحث اتجاهات فكرية وحركية عن الحفاظ على الهياكل والمؤسسات ومنظومات القيم المهيمنة باعتبار أن السائد هو العالمي؛ لأنه الأفضل، فإن اتجاهات أخرى تبحث عن “التغيير” بل التحول في النظام العالمي؛ لأن القائم “ليس الأفضل وليس العالمي” ولكن هو نتاج مركزية حضارية غربية تدّعي العالمية باسم الحداثة والعلمانية. ومنظومات المفاهيم المنبثقة عنها، وعلى رأسها الدولة القومية والسيادة والديمقراطية وحقوق الإنسان، ليست المفاهيم العالمية ولكنها أخذت جميعها تتعرض للنقد. وقد ارتبط تطوّر الجدال المعرفي والنظري والفكري، حول كل من هذه الثنائيات وحول منظومات العلاقات بينها، بالتطورات في واقع العلاقات الدولية وحالة النظام الدولي وخصائصه، مما انعكس على مضمون ومحتوى الجدال بين المنظورات بقدر ما تجلى على صعيد التطورات التي شهدتها النظم الفرعية الدولية المختلفة.
فعلى سبيل المثال، منذ نهاية الحرب الباردة وانهيار القطبية الثنائية، شهد هذا الجدال وامتداداته المتصلة بهذه الثنائيات موجات ثلاث اقترنت بمفاصل أساسية: الأولى منذ نهاية الحرب الباردة وحتى أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 2001، والثانية امتدت حتى اندلاع الثورات العربية أواخر 2010، وما زلنا نعيش الموجة الثالثة. وبقدر ما شهدت الموجة الأولى اختبارات للديمقراطية وحقوق الإنسان في الأمريكتين وشرق أوروبا والبلقان وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، بقدر ما شهدت الموجة الثانية صعود انتهاكات الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم الإسلامي باسم الحرب الأمريكية أو العالمية على الإرهاب. وما زالت المرحلة الثالثة تقدم اختبارات جديدة لثنائية الديمقراطية / المصالح، أو القيم / المصالح، والثورة / الإرهاب.
ولهذا بقدر ما شهدت العقود الثلاثة السابقة اجتهادات حول مستقبل النظام الدولي من حيث الهيكل وطبيعة القوة وتوازنات القوى وعملياتها، لم تغب دائرتنا الحضارية العربية الإسلامية عن صميمها، بقدر ما تقابل اتجاهان أو تضادّا: اتجاه محافظ يبحث عن الحفاظ على الأمر القائم وآخر يبحث عن كيفية التغيير، وصولًا إلى التحول. فإذا كانت الموجة الأولى شهدت الدعوة إلى تعدد المنظورات الحضارية كسبيل لتحقيق عالمية “علم العلاقات الدولية”، فإن الموجة الثانية شهدت نضج النظريات النقدية الساعية إلى التغيير العالمي سواء على مستوى واقع القضايا العالمية أو الأطر والهياكل والمؤسسات أو مستوى تغيير النظرة إلى هذا الواقع وإعادة قراءته في ضوء إدراك ما به من تحيّزات كامنة أو ظاهرة. وهكذا تبلورت عبر هذه الموجة الثانية الجدالات حول “التغيير العالمي” على هذه المستويات الثلاثة؛ حيث تربط الجهود النقدية بصفة خاصة بين الواقع والنظرية على أساس أن التغيير العالمي يصبح ممكنًا متى تغير منهجنا في التعامل مع الواقع، ومتى كشفنا عن التحيزات الكامنة والمستقرة في العلوم الاجتماعية من منظورات حضارية غربية تدّعي العالمية وتحتكر مفاهيم “العلم”، انطلاقًا من العلاقة بين السلطة والقوة والمعرفة.
بعبارة أخرى، فإنه للتنظير، وفق هذه الجهود النقدية الغربية، دورًا في التوجيه والتغيير وليس مجرد الرصد والتفسير؛ لأن التغيير لا يتحقق بإصلاح مؤسسات النظام الدولي فقط، ولكن بعلاج جذور المشاكل وليس تجلياتها فقط، ومن أهم هذه الجذور الخلل في منظومة قيم النظام الدولي.
ولهذا، فإن الحديث عن التغيير العالمي يمثل عملة ذات وجهين: الوجه الأول يقدم حالة أزمات النظام العالمي من منظورات علم العلاقات الدولية المقارنة، مع التركيز على النقدية منها الساعية للتغيير الدولي. أما الوجه الثاني فيقدّم الأطروحات المقارنة حول الديمقراطية والعدالة العالمية.
إذن ما الجديد في أزمات النظام العالمي في بداية القرن الواحد والعشرون وما الجديد عن “التغيير”؟
فإذا كان الربع الأخير من القرن العشرين قد شهد تراكم مؤشرات التغير في النظام الدولي التي كشفت بعد ذلك عن نهاية الحرب الباردة ونهاية هيكل الثنائية القطبية، وهو ما بدا حينئذ أنه انتصار بلا حرب وهيمنة للنموذج الحضاري الغربي بقيادة أمريكية، وإذا كانت نهاية الحرب الباردة قد دشنت التصورات حول مستقبل الهيمنة الأمريكية في ظل العولمة، فإن الألفية الثالثة دشنها أكبر تحدٍّ لهذه الهيمنة المفترضة، ألا وهو الهجوم في 11 أيلول / سبتمبر 2001 على برجي التجارة العالمية في نيويورك وعلى البنتاغون في واشنطن. ذلك الحدث الذي وظفته الولايات المتحدة لاستحكام هيمنة الإمبراطورية الأمريكية على العالم: مركزية القوة العسكرية الأمريكية، والسيطرة على الاقتصاد العالمي، ودعم نشر منظومة القيم الغربية الحضارية (السياسية، والاقتصادية، والثقافية).
ومن ثَم، كان مسلسل الحروب الإقليمية خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين (أفغانستان، العراق)، تحت ستار إستراتيجية مكافحة الإرهاب، تفعيلًا لإستراتيجية القرن الواحد والعشرين الأمريكية. وهي الحروب التي أنهكت، القوة الأمريكية العالمية سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، ناهيك بالهجوم الذي تعرضت له سواء في الداخل أو الخارج، منظومة القيم التي ادعت الإدارة الأمريكية تحت عنوان “مشروع الشرق الأوسط الكبير” العمل على حمايتها ونشرها في العالم كسبيل لتحقيق سلامته واستقراره ورخائه.
ومع الأزمة المالية والاقتصادية العالمية 2008 تجدّد السؤال، ولكن على نحوٍ آخر: هل سيمر النظام الرأسمالي العالمي بتحول، حيث إن هذه الأزمة وتداعياتها هي الأخطر والأشد، أم أن هذه مجرد أزمة أخرى من أزماته المتكررة عبر القرن سيستطيع النظام الرأسمالي إدارتها والتكيف مع عواقبها؟ وبعد النقاش حول مؤشرات قيادة أمريكا للعالم بعد نهاية الحرب الباردة واتجاه النظام الدولي نحو الأحادية، فإن نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة، شهد السؤال حول فرص استمرار هذه القيادة والعقبات التي تواجهها، نظرًا إلى ما أضحت تواجهه تلك القيادة من أزمات داخلية وخارجية.
وهكذا، مع نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة، ومع تزايد صعوبات الاقتصاد الأمريكي والعالمي ومع تكرار الأزمات السياسية والعسكرية عالميًا، اقترن السؤالين الآتيين بقوة: هل يدخل النظام العالمي مرحلة تحوّل في هيكل القوة العالمية تفقد فيه الولايات المتحدة قدرتها على قيادته بمفردها؟ وهل يشهد نظام الرأسمالية العالمية بدوره تحولًا جذريًا؟
بعبارةٍ أخرى، وبعد أن كانت الأسئلة طوال مفاصل التغير عبر القرن العشرين تتصل أساسًا بمركز القوة القائدة للنظام الدولي؛ أوروبية أم أمريكية أم آسيوية (اليابان والصين)، في ظل نظام رأسمالي عالمي يتكيف مع أزماته المتكررة ويخرج منتصرًا في كل مرة، وبعد أن كانت الأسئلة تدور حول سبب التراجع الأوروبي ثم السوفياتي وتفكك إمبراطوريته، أضحت الأسئلة تدور حول أمرين معًا: حال القيادة الأمريكية للعالم وتوجه الدور الأمريكي العالمي من ناحية، ومآل النظام الرأسمالي العالمي وحالة النظام العالمي (استقرارًا أو أمنًا) من ناحيةٍ ثانية.
وبدأ يتأكد مع نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة أن العالم يمر بأزمة مزدوجة؛ أزمة الرأسمالية العالمية والليبرالية وأزمة قيادة العالم، ناهيك بأزمةٍ ثالثة هي أزمة منظومة القيم في النظام العالمي، تلك الأزمة التي كشفت عنها الجدالات حول نمط العلاقات بين الأديان والثقافات والحضارات (صراعًا أم تعاونًا) وهي الجدالات التي ظهرت في التسعينيات ثم برزت منذ أحداث أيلول / سبتمبر 2001، سواء في الدوائر الأكاديمية أو السياسية وذلك في ظلّ تصاعد حدة ووتيرة الصراعات الداخلية والإقليمية ذات الأبعاد الدينية والعرقية والقومية. وبينت هذه الجدالات صعود وزن الأبعاد الثقافية والأبعاد القيمية في واقع العلاقات الدولية. ولقد تجدد الاهتمام بها، بعد أن ظل الاهتمام مُركزًا على الأبعاد المادية أساسًا، على نحوٍ أضحت فيه هذه الأبعاد الثقافية في صميم سياسات القوى العالمية الجديدة منذ 2001. وهذه السياسات العالمية وإن كان يبدو طوال العقد الأول من الألفية الجديدة أنها تُدار أساسًا بالقوة العسكرية والدبلوماسية الغربية، ولو بقيادة أمريكية، إلا أنها كانت تنجدل بقوة بالأبعاد الثقافية لتبرير إستراتيجية مكافحة الإرهاب ولتنفيذها، وهي الإستراتيجية التي استهدفت الشعوب أيضًا وليس النظم والحكومات فقط، ومن ثَم فرضت أهداف هذه الإستراتيجية وغاياتها أدوات وسبلًا جديدة للتعامل مع قضايا الثقافة والهوية باعتبارها من صميم قضايا السياسات العالمية. وهو الأمر الذي أفسح الطريق أمام الجدال حول منظومات القيم الحضارية المتقابلة (أو المتصارعة أو المتنافسة) على الصعيد العالمي، وعلى نحوٍ غير مسبوق من حيث الدرجة أو التكرار.
ولذا؛ برزت الدعوات إلى “التعددية في المنظورات الحضارية”، باعتبارها سبيلًا لحل أزمة الحضارة العالمية الراهنة، وسبيلًا لتحقيق عالم أكثر أمنًا وعدالة.
ومن ثَم، فإن النقاش الدائر منذ 2008 حول مستقبل التغيير العالمي (Global Change) في الدوائر الأكاديمية والسياسية الذي تأكد مع 2011، وازداد تبلورًا وتركيزًا حتى الآن إنما هو نقاش حول أزمات ثلاث متزامنة: أزمة قيادة النظام الدولي مع “انحدار” القوة الأمريكية وصعود مراكز قوة أخرى، وأزمة هيكلية في بنية النظام الرأسمالي العالمي، وأزمة منظومة القيم الحاكمة: الديمقراطية الليبرالية التمثيلية في مقابل العدالة الاجتماعية، ومركزية الحضارة الغربية في مقابل تعددية المنظورات الحضارية كمصادر للتغيير والتحول المأمول في النظام العالمي. ذلك؛ لأن النظام الدولي (أو العالمي) ليس مجرد هيكل قوة سياسية (توزيع القوة العالمية) ولكنه أيضًا هياكل اقتصادية واجتماعية ومنظومة قيم، ناهيك بالطبع عن العوامل البيئية المحيطة التي تمثّل مدخلات لهذا النظام سواءً من مصادر وطنية أو إقليمية لهذه العوامل أو مصادر نظمية. ولعل أهم هذه العوامل هي الثورات المتلاحقة: الصناعية، التكنولوجية، ما بعد الصناعية، المعلوماتية والاتصال، وكذلك حالة العولمة وعملياتها. وهذه العوامل وغيرها كانت دائمًا ذات تأثير نظمي في العلاقات الدولية (أثر اكتشاف الأسلحة الذرية في النظام الدولي، أثر ثورة المعلومات والاتصال في الاقتصاد العالمي والدول القومية). وإهمال هذه العوامل وتغيرها يؤدي بالبعض إلى أن يعجز عن التمييز بين مؤشرات التغير أو التحول النظمي وبين أسبابه وبين نتائجه[5].
وتمثل هذه الثلاثية – المشار إليها عاليًا- قدر التعقيد الذي وصلت إليه دراسة “التغير – التحول في النظام الدولي” مقارنةً بعقودٍ ثلاثة سابقة حين أحدث كتاب “هولستي وآخرون” اختراقًا نوعيًا في مجال الدراسات النظمية[6]. ولكنه كان اختراقًا في ظل هيمنة المنظور الواقعي على دراسة العلاقات الدولية في هذه المرحلة، وبداية الجدال الثالث الكبير بين منظور الواقعية وبين ما سُمي في هذه المرحلة بما بعد السلوكية أو التعددية. إلا أن الجدال الراهن الذي تُشارك فيه بقوة – ومنذ ما يقرب من العقدين – المدرسة النقدية، ومن هنا مغزى استدعاء الحديث عن منظومة قيم النظام الدولي كبعدٍ ثالث بين البعدين، السابق تركيز الواقعية عليهما وهما؛ هيكل القوة السياسية والعسكرية وهيكل القوة الاقتصادية.
ولهذا؛ فإن النقاش الدائر أضحى حول “التحول” في النظام العالمي وليس مجرد “التغير” في بعض مكوناته، بالتركيز على مؤشراته، أسبابه ونتائجه سواء على مستوى قيادة النظام أو هيكل النظام الرأسمالي العالمي أو منظومة قيمه. فالنقاش الأكاديمي الآن – وخاصةً من جانب المدرسة النقدية والمدرسة البنائية الجديدة – قد تمحور خلال العقد الأول للقرن الواحد والعشرين حول العناوين الآتية: الأزمة النظمية العالمية، الأزمة والتحول، العولمة والأزمة العالمية، التوجه جنوبًا، التوجه شرقًا.
وكانت الجولة الأسبق من النقاش قبل اندلاع الأزمة المالية العالمية 2008، وفي نطاق الاهتمام بما يُسمى دراسات التغير العالمي[7] (Global Change)محورها: الحكم العالمي الرشيد (Global Governance)، الديمقراطية العالمية (Global Democracy)، المواطنة العالميةGlobal Citizenship. وذلك في إطار منظور العالمية (Globalism) الذي حقق قفزة، متحديًا المنظور الواقعي. ولم ير بعضٌ في هذا المنظور[8]، على الرغم من اختلاف افتراضاته الأنتولوجية والمنهاجية إلا سبيلًا جديدًا من سبل تكيف النظام العالمي الراهن مع أزماته المتكررة داخليًا – ابتداءً – ثم خارجيًا، في محاولة لعلاج أزمتَي الديمقراطية والمواطنة في الغرب بإعطائهما أبعادًا عالمية جديدة. حيث إن هذه الدعوة إلى “العالمية ((Globality” تظل في الغرب محكومة بالافتراضات الفلسفية نفسها لمنظور الرأسمالية الليبرالية للديمقراطية.
إن الفارق بين جولتي النقاش؛ منذ 2008 والسابقة عليها منذ نهاية الحرب الباردة، ليعكس الفارق بين الحديث عن “التغير” والحديث عن “التحول”[9]. بعبارةٍ أخرى، إذا كانت الأدبيات في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات قد اختلفت حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنفرد بقيادة النظام العالمي أو أن عالم ما بعد الحرب الباردة سيكون أحاديًا أم متعدد الأقطاب، وإذا كان هذا النقاش قد اتخذ نكهة أخرى خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين؛ حيث ساد الساحة السياسية العالمية اتجاهان: الأول الذي يُفسر الإستراتيجية الأمريكية العالمية (في ظل حكم المحافظين الجدد) بأنها تعبير عن المرحلة الإمبراطورية من تطور السياسة الأمريكية، والثاني الذي يحذر من مغبة التورط العسكري الهائل للولايات المتحدة في الخارج، سياسيًا واقتصاديًا بل أخلاقيًا، لأنه قد لا يكون علامة السلوك الإمبراطوري بقدر ما يكون سببًا للخبو والانحدار في القوة العالمية الأمريكية.
إلا أن من الأمور المتفق عليها في الأدبيات (منذ 2008) وخاصةً أدبيات المدرسة النقدية في العلاقات الدولية، أننا لا نتكلم عن أسباب صعود الإمبراطوريات الكبرى أو هبوطها عبر التاريخ لتقديم العظة والعبرة إلى الولايات المتحدة وهي في أوج انتصارها على الاتحاد السوفياتي كما فعل “بول كيندي”، ولكن نتكلم عن أن الولايات المتحدة قد دخلت مرحلة أزمة خبو القوة العالمية بالفعل وأنها تبذل جهودًا لمنع استمرار هذا الخبو من ناحية، في وقتٍ دخلت فيه من ناحيةٍ ثانية الرأسمالية العالمية أيضًا مرحلة أزمة هيكلية غير مسبوقة وكذلك منظومة قيم النظام الدولي السائد.
وتمثل أزمة العولمة الإطار الكلي المنبثق عنه هذه الأزمات الثلاث أو المحيط بها، إذ بعد أن كانت “العولمة”، من حيث تشخيصها وتقييم آثارها موضع مهم للجدال بين المنظورات الكبرى الثلاثة المتنافسة بعد نهاية الحرب الباردة (الواقعية، الليبرالية، الهيكلية)،، نجد صعود الاتجاه الناقد لآثارها السلبية – كعملية أو أيديولوجية أو سياسات – التي كشفت عن الأزمات الثلاث الكبرى.
إن هذه الأزمات الثلاث المترابطة التي تطرحها بقوة المدرسة البنائية النقدية، وتستدعي، إلى جانب العوامل الهيكلية المادية دور الأفكار والقيم والمعتقدات والهوية وتأثيرها في فهم التحولات العالمية الجارية، ومن ثم مستقبل مركزية الحضارة الغربية في النظام العالمي في مقابل صعود حضارات وثقافات أخرى تتحدى هذه المركزية، إنما ينطلق منها جيل ثالث من أدبيات دراسة التطور التاريخي للنظم الدولية[10]. وقد عُرف الجيل الأول بالمدرسة الكلية الاستاتيكية بينما عرف الجيل الثاني بالمدرسة الديناميكية في دراسة التحولات العالمية.
إن الأزمات الثلاث المتزامنة المشار إليها عاليًا التي يتمحور حولها الجيل الثالث من أدبيات تطور النظم الدولية والتحول العالمي تطرح مقولة ذات وجهين: الوجه الأول هو أن أزمة النظام العالمي الراهنة هي أزمة معيارية قيمية أيضًا وليست أزمة قوة مادية فقط، بل تراكمت المؤشرات عبر عقد “الهيمنة الأمريكية” الأول من الألفية الثالثة على تراجع فعالية القوة المادية بمفردها في ظل الأحادية الأمريكية، وأنه بعد صراع النموذجين الغربيين: الرأسمالي الليبرالي، والشيوعي التسلطي، فلقد تأكد أن نموذج “المنتصر بلا حرب”، ليس نموذجًا عالميًا (universal) ولكنه نموذج حاول أن يؤكد هيمنته بالإكراه، بالقوة العسكرية وبالعنف الهيكلي[11]. إلا أن مؤشرات انحداره وخبوه تتوالى على نحوٍ يدفع إلى التساؤل هذه المرة: متى وكيف سيحدث التحول؟ فالمطروح الآن ليس السؤال السابق تكراره مرارًا عبر مفاصل تطور القرن العشرين – كما سبقت الإشارة – هل ندخل عصرًا جديدًا؟ وما ملامح الاستمرارية والتغير من حيث الهيكل والقضايا والفواعل؟
فالمطروح أضحى “التحول” وليس التغير. وفي قلبه الأبعاد المعيارية القيمية وهي التي يتم استدعاؤها بصورةٍ متصاعدة، عبر العقود الثلاثة الماضية، عند مراجعة نظرية العلاقات الدولية على النحو الذي جعل من “القيم والأفكار والمعتقدات والهوية” ناهيك بالثقافة والدين، قواسم مشتركة في عناوين أدبيات علم العلاقات الدولية وأدبيات الحركة الدولية على حدٍ سواء حيث أضحى استدعاء القيم والأخلاق مطلوبًا لخدمة الحركة أو ترشيدها مع كل ما يترتب على ذلك من دعوة “تعددية المنظورات الحضارية” في مقابل المركزية الحضارية الغربية (كما سبق ورأينا). وكانت الثورات العربية والثورات المضادة لها منذ 2011 ساحة أخرى لاختبار هذه هذه التفاعلات ومآلاتها.
وإذا كانت أزمة النظام الرأسمالي العالمي 2008 قد فجرت وأطلقت أحداثًا وأفكارًا حول “التغيير العالمي”، مثلت سياقًا سياسيًا واقتصاديًا بل ثقافيًا ارتبطت به الجدالات حول الديمقراطية والعدالة العالمية بين منظورات العلم الغربية ونحو منظور حضاري إسلامي لتغيير العالم. إلا أن الثورات العربية قدّمت مجالًا حيًا لاختبار مفاهيم وممارسات الديمقراطية العالمية. وذلك على ضوء دلالة الخبرات التاريخية للثورات في العالم العربي والإسلامي وأنماط التدخلات الخارجية فيها، وعلى ضوء دلالة الأدبيات النظرية خلال العقدين السابقين على هذه الثورات من حيث اختفاء مفاهيم الثورات مقابل صعود مفاهيم التحول الديمقراطي والإصلاح التدريجي واللاعنف والسلام والحوار وموضع الثورات في نظرية العلاقات الدولية. حيث كان نجاح هذه الثورات من شأنه أن يكون مدخلًا لتغيير عالمي نحو عالم أكثر ديمقراطية وعدالة وإنسانية. كما أن الثورات المضادة والانقلابات التي واجهت هذه الثورات تمثل اختبارًا حيًا لحقيقة مفاهيم الديمقراطية المقارنة ومدى تدخل الخارج في خبرات التغيير نحو “الحرية والعدالة”[12].
ويجدر القول أن الجدال الرابع الكبير لم يقتصر على هذه الأبعاد القيمية – المعيارية، ولكن امتد إلى العلاقة بين كافة عناصر القوة وفي قلبها الاقتصاد والمال أيضًا (كما سنرى).

ثانيًا: التغيير العالمي والاتجاهات النقدية لدراسة الاقتصاد السياسي العالمي، ما الجديد؟

منظورات الاقتصاد السياسي الدولي الكبرى ثلاثة: الماركنتيلية، الليبرالية، الماركسية، لكل منطلقاتها النظرية والمنهاجية عن العلاقة بين السياسة والاقصاد من حيث الأولوية والتأثير. واقترن صعود كل منها بالتغيرات في توازنات القوى العالمية.
فلقد كان القرن التاسع عشر “قرن السلام البريطاني” هو قرن الاقتصاد السياسي الدولي الليبرالي، انعكاسًا وتأكيدًا للعلاقة بين مركز السلطة ومركز المعرفة، وبرزت وسادت الماركنتيلية في فترات التغيير في توازنات القوى العالمية إلى جانب منظورات أخرى في ظل عدم وجود قوه عالمية سائدة أو مُهيمنة. وإذا كانت نهاية الحرب العالمية الثانية قد دشنت لتراجع الاهتمام بالاقتصاد السياسي الدولي على ضوء طبيعة النظام الدولي القائم على الهيمنة الغربية (الأمريكية) فلقد اقترن تجدد الاهتمام بالاقتصاد السياسي الدولي بالتغييرات التي أخذت تطرأ على صعيد توازنات القوى الاقتصادية والعسكرية منذ منتصف السبعينيات ثم عند نهاية الحرب الباردة[13]. ولم تكن أهداف الحركة غائبة عن هذا التجدد بالاهتمام بالاقتصاد السياسي العالمي لدى الدوائر الغربية الرأسمالية.
فعلى سبيل المثال يسجل روبرت جيلين في مقدمة كتابه الرائد “الاقتصاد السياسي الدولي”[14] كيف أن تغيرات العلاقات الأوروبية –الأمريكية ومصاعب الاقتصاد الأمريكي الصاعدة منذ السبعينيات من أهم أسباب تجدد الاهتمام بهذا المجال من جديد في الدوائر الماركنتيلية أو الليبرالية الأوروبية والأمريكية؟ وفي المقابل لم تخف إحدى رائدات التنظير الليبرالي للاقتصاد السياسي الدولي سوزان سترانج أن تجدد الاهتمام بالاقتصاد السياسي الدولي كان أحد أهم أدوات إدارة “الحرب الباردة” في مواجهة السوفيت والنموذج الماركسي[15].
وبقدر ما ارتكزت دراسات الاقتصاد السياسي الدولي المقارنة من منظوري الليبرالية والواقعية على قضية “إدارة الهيمنة الغربية الرأسمالية، وبيان مواجهة مشكلاتها وكيفية الحفاظ عليها من خلال حلول تكيفية بالأساس[16]، وبقدر ما ظلت أيضًا هذه الدراسات أسيرة قضايا الاقتصاد السياسي الدولي التقليدي سواء على المستوى النظمي أو السياسات الخارجية للقوى الكبرى، باحثة بالأساس في تأثير الأبعاد السياسية على الاقتصادية أو العكس.
إلا إنها اهتمت بمجموعة جديدة من القضايا ذات الصلة بهيكل توازن القوى العالمي “السياسات العليا” بالأساس من قبل: الاقتصادات الصاعدة في النظام الدولي، التحدي الصيني، التقلبات في أسواق المال والطاقة العالمية، تحدي الفاعلين الجدد، والجديد في دور الشركات متعددة الجنسيات وثورة الاتصالات والتكنولوجيا وجميعها قضايا تمثل تحديًا للهيمنة الأمريكية بالأساس والنموذج الحضاري الغربي الرأسمالي في عمومه.
وفي المقابل، إن مجال الاقتصاد السياسي الدولي قد دخل مرحلة جديدة في تطوره منذ نهاية الحرب الباردة، شهدت صعود الاتجاهات النقدية في هذا المجال على نحو قدم جديد وخاصة بالنسبة “للتغيير العالمي”.
(1) خصائص الاتجاهات النقدية في دراسة الاقتصاد السياسي العالمي[17]
برزت هذه الاتجاهات – على ضوء خصائصها العامة السابق عرضها – لتحدي الهيمنة الغربية وتحديدًا الأمريكية تلك الهيمنة التي برزت في واقع العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، وعلى صعيد التنظير الوضعي بالأساس والتي استهدفت كما سبق القول التَكيَّف مع أزمات النظام الرأسمالي العالمي وحَلّها حفاظًا على هياكله ومنظومة قيمه ومؤسساته، ولذا فمن أهم خصائص هذه الاتجاهات النقدية تعقد شبكة الفواعل في الاقتصاد السياسي الدولي، التشابك بين الأبعاد الخارجية والأبعاد الداخلية للاقتصاد السياسي مما يعني اهتزاز الحدود الفاصلة بين الاقتصاد السياسي للنظم المقارنة والاقتصاد السياسي الدولي، صعود الاهتمام بالأبعاد الأخلاقية والقيمية في دراسة الاقتصاد السياسي الدولي انطلاقًا من تأثير هذه الأبعاد على تشكيل المصالح والقوة وعلى رسم السياسات وتنفيذها على مستويات مختلفة.
فإذا كانت المنظورات الكبرى قد تطرقت أيضًا ولو بصورة ضمنية للأبعاد القيمية إلا أن الاتجاهات النقدية تصدت لها بصورة مباشرة في نطاق الأسئلة المطروحة عن العدالة والديمقراطية والمساواة العالمية والتي يجب التصدي لها حين تناول قضايا الثروة والتنمية والفقر في مواجهة حالات الاستغلال والفساد والتبعية والفقر وغيرها من القضايا التي تمس “الإنسان” والمجتمعات وليس هياكل ومؤسسات الحكومات فقط[18].
وقد انعكست هذه الخصائص على المنهج والاقتراب. فإن الاهتمام بأبعاد جديدة في تحليل قضايا الاقتصاد السياسي الدولي تفرض اقترابات شاملة متكاملة تقتضي الاستفادة من إسهامات العلوم الاجتماعية والإنسانية للإجابة على الأسئلة المتعلقة بالتغيير العالمي.
ومن ثم كان التمايز بين الاقتراب التقليدي لدراسة الاقتصاد السياسي الدولي (نمط العلاقة بين كل من أبعاد اقتصادية وأخرى سياسية) وبين اقتراب شامل متكامل يوسع من نمط ودائرة التفاعل بين السياسي والاقتصادي ليصبح غير قاصر فقط على البحث في قدر تأثير أحدهما على الآخر ولكن البحث في أنماط التفاعل بينهما بل وامتداد التفاعل مع مجالات أخرى اجتماعية وإنسانية.
وأخيرًا فإن كافة الخصائص السابقة الموضوعية والمنهاجية لا بد وأن تعني الاهتمام بخرائط جديدة من القضايا.
(2) مقاومة الهيمنة وسبل التغيير العالمي: خرائط جديدة للقضايا
لم يعد منظور سياسات القوى التقليدي، بفواعله – الدول القومية – وبعملياته الصراعية / وبقضاياه التقليدية (الديون، المعونات، القروض، التجارة، العقوبات والحصار والمقاطعة، الاستثمار، نقل التكنولوجيا، الشركات العابرة للقوميات) محتكرًا أو مُهيمنًا على دراسات الاقتصاد السياسي العالمي. فلقد انقلبت خرائط اهتمام وقضايا هذه الدراسات المعاصرة لتنفتح على مجالات نوعية جديدة فرضتها الأسس المعرفية والأنطولوجية النقدية وجميعها تستهدف مقاومة الهيمنة بسبل ومداخل متنوعة ومتعددة تشارك فيها فواعل ومستويات جديدة من التحليل (شعوب، أمم) ومن مداخل نوعية متنوعة.
بعبارة أخرى ظهرت أنماط جديدة من القضايا المتعلقة بماهية القوة وبانتشار القوة ونمط توزيعها في النظام العالمي مثل قضايا النوع، التنمية، الهجرة واللجوء الاقتصادي البيولوجي، حقوق الملكية الفكرية، البيئة، الطاقة[19].
ومن موضوعات ومسائل هذه القضايا ما يلي[20]:
الاقتصاد السياسي الدولي لكل من؛ الهجرة، التدخل الدولي الإنساني، محركات البحث على الإنترنت (حالة شركة جوجل) النفط (مستوى الإنتاج والأسعار)، الملكية الفكرية، وحصول الدول النامية على الدواء (شركات الدواء العالمية وسياساتها)، الفقر والجهل، الجريمة المنظمة، الإتجار بالبشر، الاستعمار الاستيطاني، الصناديق السيادية، الملاذات الآمنة، الثورات، الإرهاب، الانقلابات العسكرية، السياسات التنموية، التكتلات عبر الإقليمية الصاعدة (البريكس)، المقاومة، الاحتلال والاستيطان، التمييز العرقي والنوعي، الفساد، الحركات الدينية، المياه في الصراع العربي الإسرائيلي، التسوية السياسية للصراع العربي الإسرائيلي، العلاقات العسكرية المدنية، مؤتمرات المناخ العالمية، الاستثمارات الصينية في هوليوود قانون جاستا والعلاقات السعودية الأمريكية، المؤسسات الخيرية الدولية، المؤسسات البحثية العالمية، أزمة الغذاء العالمية، غسيل الأموال، التعاريف غير الجمركية، المجتمع المدني العالمي.
إن هذه المسائل والموضوعات، في جملتها، تتداخل فيها كافة أبعاد الظاهرة الإنسانية والاجتماعية وهي تؤشر على زاوية أخرى للنظر إلى العالم الذي تعيشه غير الزاوية التقليدية للاقتصاد السياسي الدولي.
وبالنظر إلى خريطة هذه الموضوعات والمسائل، مقارنة بنظائرها في مراحل سابقة من تطور الاقتصاد السياسي الدولي ومنظورات دراسته[21]، يتضح لنا أمران؛ من ناحية: كيف تراجعت في الأولوية كل من قضايا الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد العالمي وفق النمط الرأسمالي وقضايا الأنظمة الاقتصادية الدولية (Regimes)، ناهيك بالطبع عن تراجع أولوية قضايا الاقتصاد السياسي للعلاقات على صعيد المحاور الإستراتيجية الكبرى الغرب- الغرب، الغرب –الشرق، صعود الشمال- الجنوب، وكان ذلك التراجع في مجمله لصالح قضايا نوعية ذات أبعاد قيمية أخلاقية واضحة تختبر اشكاليات العلاقة بين الداخلي والخارجي وبين القيمي والمادي.
ومن ناحية أخرى: ماهية وطبيعة الاهتمام بموضوع الجنوب (العالم الثالث) بصفة عامة، والإسلامي بصفة خاصة) في دراسات الاقتصاد السياسي الدولي سواء على صعيد السياسات أو جهود التنظير المختلفة، وهذا يقودنا إلى المحور الأخير من هذه الدراسة.
ثالثًا- الجنوب العالم الإسلامي في الاقتصاد السياسي العالمي: المآلات والمأمول: الحاجة لمنظور جديد للتغيير: أين موضعنا من خريطة التنظير الغربي للاقتصاد السياسي العالمي؟
صعد “غير الغربي الحضاري” إلى قلب اهتمامات الاتجاهات النظرية النقدية بصفة عامة وعلى صعيد دراسات الاقتصاد السياسي العالمي النقدية بصفة خاصة باعتباره ساحة من ساحة “التغيير المنشود” لإحداث” الانعتاق والتحرر والعدالة والمساواة. وعلى العكس كان الجنوب أو العالم الثالث أو العالم الإسلامي أو .. مبعث اهتمام لدى المنظورات الكبرى باعتباره مصدر للتهديد أو الاختلال أو عدم الاستقرار سياسيًا أو اقتصاديًا. وهو يحتاج لوصفات علاج غربية (التنمية الرأسمالية، الإصلاحات الهيكلية، تحرير التجارة، الاستثمار الخارجي، الديمقراطية) حتى يصبح العالم أكثر أمنًا واستقرارًا ورخاءً (وفق الرؤى الليبرالية الجديدة عن العولمة). بعبارة استطاعت القوى الغربية أن تحول أفكارها وأيديولوجياتها إلى مؤسسات وهياكل اقتصادية ومالية عالمية تمكنها من فرض سياساتها وخاصة على دول العالم الثالث التي لا تملك عناصر القوة والإرادة اللازمة لمقاومة هذا الفرض.
ورغم الاختلاف حول تقييم أثار العولمة –عالميًا- وعلى الجنوب بصفة خاصة[22] إلا أن صعود الاتجاهات النقدية الصارمة ضد عواقب “الليبرالية المتوحشة” أظهرت من جديد كيف أن الجنوب لم يزل مفعولًا به أكثر من كونه فاعلًا مؤثرًا[23]. فلا تزال معظم الدراسات النظرية في الاقتصاد السياسي الدولي تعكس الرؤى الغربية لأجندة الاهتمامات حتى ولو بالنسبة للقضايا العالمية الجديدة مثل (قضايا الملكية الفكرية ودور شركات الدواء العالمية، الهجرة، النقط…)
ولذا يظل السؤال المركزي قائمًا: هل بمقدور الجنوب أن يكون مصدرًا من مصادر التغيير العالمي المأمول؟ وكيف؟
وهل المتطلبات اللازمة لهذا الدور هيكلية مؤسسة تفاوضية بالأساس؟ أليس المطلوب مسبقًا رؤية أو منظورًا “حضاريًا” عن أسس التغيير ومنطلقاته وآلياته تتجاوز المقولات والمنطلقات الكبرى للمنظورات الغربية؟
بعبارة أخرى إذا كان منظور التبعية قد برز في مرحلة هامة من تطور الاقتصاد السياسي العالمي – تنظيرًا وحركة (مطالب دول العالم الثالث بإصلاح النظام الاقتصادي العالمي) وبقدر ما تعرضت هذه المدرسة للانتقادات وتعددت روافدها وتم اختبار مدى فعالية مقولاتها على صعيد السياسات الإقليمية وعبر الإقليمية والعالمية. ألم تفرز مرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة رؤى حضارية “نقدية” غير غربية مقارنة في مجال الاقتصاد السياسي العالمي؟
ماذا يقدم مثلًا منظور حضاري إسلامي في مجال دراسة الاقتصاد السياسي الدولي؟ وما هي مجالات تطبيقه؟ وهل يسهم في أحداث تغيير عالمي منشود[24]؟ واخيرًا ما هي بصفة عامة متطلبات تطوير دراسة الاقتصاد السياسي الدولي استجابة لاحتياجات التغيير ومن حيث وضع الجنوب / العالم الثالث / العالم الإسلامي في الاقتصاد السياسي العالمي؟ بعبارة موجزة أليس تغيير الوضع القائم يتطلب من الجنوب جهودًا على مستويين نظري وعملي وبشكل تدريجي تراكمي أم ثوري جذري؟
أ- على الجانب النظري:
بقدر ما ارتبط التطور في منظورات دراسة الاقتصاد السياسي الدولي بتطورات النظام العالمي، كما سبق الإشارة، بقدر ما كان لصعود الاهتمام بمنظور إسلامي للاقتصاد السياسي العالمي سياقه ودوافعه وأسبابه سواء المعرفية أو النظرية أو العملية. وعلى رأسها الأبعاد القيمية المعيارية حول فاعلية البديل الرأسمالي وعالميته في ظل اعتبارات الخصوصيات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للعالم الإسلامي، وخاصة على ضوء تداعي الآثار السلبية لنقل أو فرض النماذج والسياسات الغربية.
ولقد ظلت لأسباب ودوافع المنظور الإسلامي النقدي، مقارنة بالاتجاهات النقدية الغربية، خصوصيتها واختلافاتها. فالمنظور الإسلامي يسعى إلى مواجهة نوعين من التحديات؛ الداخلية المتمثلة في الأنظمة التسلطية وقوى الفساد المساندة لها، والخارجية المتمثلة في الهيمنة الغربية. وتعددت أشكال التصدي لهذه التحديات، ليس لاعتبارات إيمانية ومعرفية فقط ولكن لاعتبارات مصلحية واستجابة لمقتضيات إدارة الأمر الواقع أو تغييره. فمنظومة القيم والأخلاق التي تبنى عليها أسس هذا المنظور (العدالة، الإحسان،..إلخ) لا بد وأن ينبثق عنها مجموعة من الآليات (عدم الإسراف، عدم الاحتكار، عدم الربا، الزكاة، حدود المضاربة، مراقبة الأسواق، التكامل وعدالة التوزيع) وجميع هذه القيم والآليات لا تفترض الصراع بين الثروة والقوة وبين التوزيع.
إلا أن واقع التطبيق، من أجل التغيير داخليًا أو خارجيًا وفق مقولات هذا المنظور لم يقدم شكلًا واحدًا بل يمكن التمييز بين عدة اتجاهات؛ اتجاه التَكيَّف الذي لا يقدم إلا إصلاحات شكلية تعني التَكيَّف مع الوضع العالمي الراهن والعمل على إصلاحه بشكل تدريجي حتى يتحقق التغيير الكامل، اتجاه الاستتباع الذي لا يرى أنه بالإمكان تغيير الوضع العالمي الراهن، الاتجاه الثوري الذي يرفض القائم ويدعو إلى تغييره، ومن ثم فإن تطبيقات “الاقتصاد السياسي الدولي الإسلامي” الذائعة لا تتجاوز مجال البنوك الإسلامية بدرجة أساسية، وما يتفرع عنه في نطاق المعاملات المالية. وتظل قضايا أخرى حيوية وهامة بمثابة الحاضر الغائب.
ولذا تعرض هذا المجال بدوره لانتقادات بعدم الفعالية، مثلما تعرضت الاتجاهات النقدية الغربية. والمشترك في هذه الانتقادات للجانبين، رغم اتفاقهما على ضرورة التغيير، هو أن كليهما لم يأخذ فرصة حقيقية للتطبيق لغيابهما عن مراكز صنع السياسات واتخاذ القرارات الوطنية والعالمية.
ب- على مستوى الاستجابات العملية:
لا بد وأن تتبلور رؤى حول أولويات المشكلات في فضائنا الحضاري وبدائل الحلول على نحو يعكس الخصوصية في سياقها المتعولم. فالبدائل الغربية اتضح أنها ليست الوحيدة أو القادرة على تحقيق النهوض والتنمية، فالتغيير العالمي من أجل عالم أكثر عدالة وإنسانية، ليس مطلب شعوب “الجنوب” أو العالم الإسلامي فقط بقدر ما هو أيضًا مطلب شعوب العالم جميعها، كما أن مدخل الاقتصاد السياسي العالمي مدخلًا أساسيًا يستوي في أهميته مع أهمية مدخل “الثقافة العالمية”، والديموقراطية العالمية أو غيرها كمداخل للتغيير العالمي.
والرؤية الحضارية الشاملة المتكاملة عن التغيير العالمي هي الرؤية التي تتجاوز كافة الثنائيات الاستقطابية، وتستدعي هذه النظرة التكاملية بين الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، المادية منها والقيمية والداخلية منها والخارجية. فليس المحك فقط فهم أثر السياسي على الاقتصادي أو العكس أو تناول هذا الأثر على مستوى السياسات العليا للدول الكبرى فقط. ولكن المحك هو نمط العلاقة التفاعلية بين كافة هذه الأبعاد والتي تستدعي عناصر القوة المادية في تفاعلها، وليس انفصالها عن أبعاد القوة الأخلاقية والمعيارية. تأكيدًا لاندماجية وتكاملية ثلاثية القوة – القيم – المصالح على مستوى الأمم والجماعات والشعوب، وليس الحكام وصناع القرار فقط. وهو الأمر الذي يستوجب أجندة اهتمامات “عالمية إنسانية متجاوزة الحدود القومية والحضارية التقليدية. كما يستوجب أيضًا، الاقتراب من تشابك وتداخل أبعاد الظاهرة الإنسانية ودراستها برؤى عابرة للحدود بين فروع العلوم الاجتماعية والإنسانية تؤسس لنظرة شاملة لهذه الظاهرة، وعلى نحو يتسم بانفتاح الرؤية المرتبطة بمرجعية واضحة تشكل النسق القياسي للسياسات وللنظريات على حد سواء. فإن الجمع بين النظري والتطبيقي يؤكد عدم انفصال العلم عن الواقع، ويبرز أهمية وظيفته في تحقيق المصالح والنهوض.
ومن ناحية أخرى، فإن هذه الرؤية الحضارية الشاملة تتسع لكثير من مساحات وفرص العمل والتأثير من “غير الكبار” وعلى نحو يساعد على إعادة النظر في قضية عناصر القوة ومصادرها وأدواتها القادرة على إحداث التغيير والتجديد في الأمم وعبر حدودها. فلم يعد من الترف أن يتابع “السياسي” أو المهتم بالسياسة في أمتنا التغيرات العالمية الاقتصادية والمالية في كافة أرجاء العالم، فهي ذات تداعيات عليه وعلى ما ينتمي إليه من أمة أو دوائرة حضارية.
كذلك أن الحديث عن التغيير العالمي ليس حديثًا عن المستقبل فقط، ولكنه حديث انطلاقًا من التاريخ أيضًا. فإن فهم الواقع العربي والإسلامي والعالمي المعاصر يكمن في فهم التطور التاريخي لظواهره المعقدة. بعبارة أخرى نحن في حاجة لإعادة قراءة خبرة تواريخنا الحضارية، وموضعها من الخبرات العالمية الأخرى، برؤى نقدية جديدة حتى يتسنى إعادة رسم الأولويات وتحديد نمط إستراتيجيات التغيير: (ثورية، إصلاحية، تَكيَّفية، تدريجية..إلخ) وفي إطار حسابات المصالح والتكلفة والمكسب الأني والمتوسط وطويل الأجل.
فإن التاريخ يقدم الكثير من الدروس والدلالات عن أنماط هذه الإستراتيجيات وهو أمر ضروري في ظل تعقد مستوى الواقع والتناقض الماثل بين المأمول والممكن. فإذا كانت الأوضاع الراهنة تؤشر على عدم إمكانية التغيير السريع على المدى القصير فكيف يمكن لها أن تتكيف حتى يمكن تعديل موازين القوى تدريجيًا وعلى نحو يسمح مستقبلًا بتطبيق نماذج اقتصادية حضارية أكثر استجابة لطبيعة مشكلاتها؟
أن هذا التكيف التدريجي، ولا نقول الاستتباع يتطلب جهودًا مستمرة على مستوى الفكر والعمل والأهم أنها تتطلب إرادة حقيقة في التغيير وليس مجرد إرادة لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل.
أن المدرسة المصرية والعربية في الاقتصاد السياسي الدولي، بروافدها النظرية المختلفة؛ الليبرالية، اليسارية، الإسلامية قدمت حصيلة هامة على هذا الصعيد النظري والتطبيقي. فما هي الخريطة، المنطلقات والأسس، والمجالات والنتائج. سؤال تحتاج الإجابة عليه دراسة مسحية مقارنة جديدة بإذن الله تستكمل حلقات عملية تدشين الدعوة لتجدد الاهتمام بالاقتصاد السياسي العالمي من منظوراتنا الحضارية.
*****

الهوامش:

* أستاذ العلاقات الدولية المتفرغ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، مدير مركز الحضارة للدراسات السياسية.
[1]- حول الجدالات الكبرى في علم العلاقات الدولية ثم “الجدال الرابع”، انظر: د. نادية مصطفى، مسار علم العلاقات الدولية بين جدال المنظورات الكبرى واختلاف النماذج المعرفية، (في): د. نادية مصطفى (محررًا)، العلاقات الدولية في عالم متغير: منظورات ومداخل مقارنة، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2016، (الجزء الأول)، ص ص 27- 261.
[2]- انظر في هذا الشأن:
– د. نادية مصطفى، حول تجدد الاهتمام بالاقتصاد السياسي الدولي، مجلة العلوم الاجتماعية، ديسمبر 1986.
– أحمد شوقي، الاقتصاد السياسي الدولي: بين الاقتراب النظمي والسياسة الخارجية وبين التغيير العالمي، (في): د. نادية مصطفى (محررًا)، العلاقات الدولية في عالم متغير، مرجع سابق، (الجزء الثاني)، ص ص 1204، 1283
– نحو اقتصادي سياسي دولي من منظور إسلامي مقارن: خريطة الإشكاليات، تقرير قضايا ونظرات، العدد الثالث سبتمبر 2016، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، ص ص 12-28، متاح على الرابط التالي:
http://www.hadaracenter.com/pdfs/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB.pdf
[3]- مسار علم العلاقات الدولية بين جدال المنظورات الكبرى واختلاف النماذج المعرفية، مرجع سابق، (الجزء الأول)، ص ص 102-127.
-[4]انظر:
– المرجع السابق، ص ص 151، 162.
– العدالة والديمقراطية: التغيير العالمي من منظور نقدي حضاري إسلامي، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2015.
[5]-حول التمييز بين أسباب ونتائج التغير أو التحول النظمي العالمي بعد نهاية الحرب الباردة، وحول نتائجه كما تقدمها أدبيات نظرية العلاقات الدولية انظر: مروة فكري، “تأثير التغيرات العالمية على الدولة القومية خلال التسعينيات: دراسة نظرية”، إشراف نادية مصطفى، رسالة ماجستير في العلوم السياسية، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2006، الفصل الأول.
[6]- Ole R. Holsti, R. Siverson, A. George (eds.), Change in International Systems, UK: Westview Press, 1980.
-[7]حول هذا المفهوم وأبعاده ومجالاته التطبيقية باعتباره حقلًا دراسيًا فرعيًا في العلاقات الدولية، مثل حقلي دراسات الأمن، ودراسات الاقتصاد السياسي، انظر:
Ken Dark, “Defining Global Change,” in: Barry Holden, (ed.), The Ethical Dimensions of Global Change Basingstoke: Macmillan Press, 1996, pp. 7-17.
[8]- د.نادية مصطفى، العدالة والديمقراطية ، مرجع سابق، وتحديدا أجندة القضايا واختبار الجدالات: استدعاء قضية الديمقراطية ص ص 69- 81.
[9]- انظر الفارق بين المفهومين في:
– مروة فكري، “تأثير التغيرات العالمية على الدولة القومية خلال التسعينيات (دراسة نظرية)”، مرجع سابق.
– شريف عبد الرحمن، “نظرية النظم ودراسة التغير الدولي،” رسالة ماجستير في العلوم السياسية، إشراف نادية مصطفى، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2003.
-[10] انظر في هذا بالتفصيل:
– دراسة د.نادية مصطفى “التاريخ ودراسة النظام الدولي: رؤى نظرية ومنهاجية مقارنة”، في: د.نادية مصطفى: العلاقات الدولية في التاريخ الإسلامي منظور حضاري مقارن، تقديم: المستشار طارق البشري، القاهرة، مركز الحضارة للدراسات السياسية ودار البشير للثقافة والعلوم، 2015 (الجزء الأول)، وتحديدا الجزء الخاص بالتاريخ ودراسة النظم الدولية ص ص 53- 67.
[11] – ولم يمنع هذا البعض من القول بانتصار الواقعية، انظر على سبيل المثال: مالك عوني، انتصار الواقعية: أساطير التعاون الدولي في إدارة التغيير العالمي، السياسة الدولية، يونيه 2015.
[12]- د.نادية مصطفى، العدالة والديمقراطية، مرجع سابق، وخاصة الخاتمة: الثورات العربية والثورات المضادة في النظام الدولي: اختبارات جديدة للديمقراطية والعدالة العالمية، ص ص 271- 289.
[13]- انظر في هذا الشأن:
– د. نادية مصطفى، حول تجدد الاهتمام بالاقتصاد السياسي الدولي، مرجع سابق.
– نظرية العلاقات الدولية بين المنظور الواقعي والدعوة إلى منظور جديد، مجلة السياسة الدولية، العدد 82، أكتوبر 1985.
– مدحت ماهر، العلاقة بين الاقتصاديات الدولية والسياسات الدولية: المنظورات الكبرى، ودلالة الخبرات التاريخية، تقرير قضايا ونظرات، العدد الثالث سبتمبر 2016، مرجع سابق، ص ص 5- 11.
[14]- روبرت جيلين، الاقتصاد السياسي للعلاقات الدولية، دبي: مركز الخليج للأبحاث، 2004.
[15]-Susan Strange, Political Economy and International Relations, (in) Keen Booth and Steve Smith (eds.): International Theory today, London: Polity, 1995.
[16]- انظر على سبيل المثال حول أبعاد المقارنة بين المنظورات:
Timothy C. Lim: International Political Economy: An Introduction to Approaches, Regimes and Issues ,saylor foundation, (2014), Chapter II and III.
[17] – د. نادية مصطفى، أحمد شوقي ، الاقتصاد السياسي الدولي: بين الاقتراب النظمي والسياسة الخارجية وبين التغيير العالمي، مرجع سابق، (الجزء الثاني)، ص ص 1243-1252.
[18]- انظر على سبيل المثال:
– مروة يوسف، عرض كتاب “التنمية البشرية العربية في القرن الحادي والعشرين: أولوية التمكين، من تحرير د.بهجت قرني، تقرير قضايا ونظرات، العدد الثالث سبتمبر 2016، مرجع سابق، ص ص 118- 122.
– هاني المرشدي، عرض دراسة “الاقتصاد السياسي الدولي وأخلاقيات الاقتصاد العالمي، للكاتب جيمس برسيات، المرجع السابق، ص ص 112- 115.
[19]-Amanda Dickins, the Evolution of International Political Economy, International Affairs, (Vol. 82, No3, 2006), P P 458-488.
[20] – من واقع إسهامات متميزة لبعض طلبة الدراسات العليا في مرحلتي الماجستير والدكتواره بجامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مقرر الاقتصاد السياسي الدولي في الأعوام الأكاديمية الثلاثة (2014/2015، 2015/2016، 2016/2017)، على مستوى التوثيق المعرف أو التقارير الفرعية أو التقارير الكلية.
[21] – انظر حول التطور في هذا المسار على سبيل المثال:
– Darel E. Paul, Abla Amawi: The Theoretical Evolution of International Political Economy, Oxford University press, 3rd edition, 2013.
– Theodore H. Cohn: Global Political Economy Theory and Practice, Routledge, 2016 (5thedition)
[22]- انظر هذا التقييم في:
– د. نادية محمود مصطفى: التحديات السياسية الخارجية للعالم الإسلامي: بروز الأبعاد الحضارية الثقافية، (في): د. نادية مصطفى، د. سيف الدين عبد الفتاح (محرران)، الأمة في قرن، عدد خاص من حولية أمتي في العالم، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، دار الشروق الدولية، 2002 ، ص ص 83- 147(الكتاب السادس).
– [23]انظر على سبيل المثال في هذا النقد:
– Timothy C. Lim: Op.Cit, Chapter II.
[24]- د.نادية مصطفى، أحمد شوقي، الاقتصاد السياسي الدولي: بين الاقتراب النظمي والسياسة الخارجية وبين التغيير العالمي، مرجع سابق.
– كذلك انظر رؤية مقارنة بين مداخل التغيير العالمي النقدية من خلال “الديموقراطية العالمية” وبين مدخل التغيير العلمي النقدي الإسلامي من خلال “العدالة العالمية”، (في) د.نادية مصطفى: العدالة والديمقراطية: التغيير العالمي من منظور نقدي حضاري إسلامي، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2015.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى