الاستراتيجية الإسرائيلية في فلسطين عبر عام ثانٍ من العدوان: مكوناتها وخصائصها

مقدمة:

نحن الآن على أعتاب بداية العام الثالث من الإبادة الجارية في غزة بعد هجمات طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، وبينما تتعالى الأصوات المنددة والرافضة لاستمرار الإبادة في كل أركان المعمورة، فإن هناك جملةً من التساؤلات التي تطرح نفسها بشأن استمرار الإبادة، وعلى رأسها لماذا لم تتوقف هذه المجازر بعد عامين من بدئها؟ أليست إسرائيل بدولةٍ صغيرة لا تحتمل الاستمرار في عملية عسكرية بمدى زمنيٍ طويل؟ لماذا تكون غزة استثناءً على مواجهات استطاع فيها الطرف الأضعف إلحاق الهزيمة بعدوه الأقوى؟ كيف تستمر إسرائيل في الإبادة بجبهة داخلية متناحرة؟ كيف تُبدد إسرائيل رصيدها من المكانة الدولية التي عملت على مدار العقود لمراكمته؟ ورغم أنه هناك اجتهاد جيد لتقديم إجابات لهذه الأسئلة، إلا أنه غلب عليها الجزئية في محاولة تفسير ما نواجهه في غزة وفلسطين عامةً، وامتد للبنان وسوريا وإيران واليمن وقطر.

يُحاول هذا التقرير تقديم إجابة أكثر شمولًا للتساؤلات السابقة من خلال البحث في أدبيات دراسات الصراع والحروب عن تفسير لسلوك الأطراف المتصارعة وانعكاسه على نتائج الصراع، مع تركيزٍ خاص على نظرية “تفاعل الاستراتيجيات”[1] التي تقدم تفسيرًا لنتائج الصراعات غير المتكافئة بين طرفين متفاوتين في ميزان القوى، اعتمادًا على طبيعة استراتيجية كل طرف. بعبارةٍ أخرى، فإن الاستراتيجية الإسرائيلية في عامها الثاني تجاه فلسطين هي السبب الرئيسي في استمرار الإبادة إلى كتابة هذه السطور -كما سيتم التوضيح لاحقًا. يبدأ التقرير بتقديم نظرية تفاعل الاستراتيجيات وتحديد مفهوم الاستراتيجية، ثم تتبع ما كانت عليه الاستراتيجية الإسرائيلية خلال عامها الأول من الإبادة للتوقف على عناصر الاستمرارية والتغير خلال عامها الثاني، وذلك في تفاعلها مع المستويات الثلاثة لتحليل العلاقات الدولية (الفرد، والنظام الداخلي للدولة، والنظام العالمي).

الإطار النظري: تفاعل الاستراتيجيات

إذا كانت الاستراتيجية هي الكلمة المفتاحية للإجابة على التساؤلات السابقة، فلا بد من تعريفٍ واضح للمفهوم في هذا التقرير، خاصةً وأنه مفهوم شائع يتم استخدامه في العديد من المجالات العلمية ومنها العلوم السياسية والعسكرية والإدارية. وعلى الرغم من تعدد التعريفات، إلا أن هناك حد أدنى من الاتفاق على أن الاستراتيجية هي كيفية تخصيص واستخدام الموارد المختلفة لتحقيق هدف معين على المدى البعيد[2]، وفي حالة الإبادة في غزة فالحديث يتم عن الاستراتيجية الإسرائيلية السياسية والعسكرية، أي كيفية تخصيص الموارد الاقتصادية والسياسية والعسكرية داخليًا وإقليميًا ودوليًا لتحقيق هدف سياسي معين.

تشير أدبيات الحروب غير المتكافئة، والتي تشمل حروب حركات المقاومة ضد الاحتلال والانفصاليين ضد الحكومات المركزية، وكذلك الثوار ضد حكومات بلادهم، تشير إلى أن الحكومات أو المحتل أو الطرف الأقوى يلجأ غالبًا إلى استراتيجية من اثنتين للقضاء على هذه الحركات “الاستراتيجية المباشرة، والاستراتيجية غير المباشرة”[3]. في الاستراتيجية المباشرة يلجأ الطرف الأقوى إلى استخدام الموارد المتاحة كافة لتدمير القدرات القتالية للحركات المسلحة، حتى وإن اتبعت هذه الحركات تكتيكات حروب العصابات التي تتجنب المواجهة المباشرة مع قوات الطرف الأقوى بسبب اختلال ميزان القوى، وتعمل على إجهادها واستنزافها من خلال الكمائن والعمليات النوعية.

تلجأ الحركات المسلحة في هذه الحالات إما للإيواء في مناطق جغرافية منيعة بعيدًا عن السكان (حركة أنصار الله في اليمن أثناء الحروب الستة ضد نظام علي عبد الله صالح)، مما يسهل مهمة الطرف الأقوى في استهدافها، أو الاختباء وسط حاضنتها المجتمعية أو في أنفاقٍ تحت الأرض. في الحالة الثانية يكون الطرف الأقوى أمام خيارين: إما استهداف الحاضنة المجتمعية باعتبارها ضرر هامشي، وغالبًا ما تكون النتيجة حصول الحركة المسلحة على مزيدٍ من الشرعية والدعم من حاضنتها المجتمعية، وغالبًا ما يلجأ الطرف الأقوى لذلك في حالات الاحتلال (الاحتلال الفرنسي في الحالة الجزائرية في خمسينيات وستينيات القرن العشرين)، والتمردات العرقية (حالات النزاع العرقي وانتماء الحكومة إلى عرقية معادية لعرقية حركة التمرد، حالة أثيوبيا في مواجهة التيجراي 2020-2022)، وحالات التدخل الخارجي (التدخل الأمريكي في فيتنام في مراحل محددة)[4].

النمط الثاني هو الاستراتيجية غير المباشرة، والتي تسعي لكسب قلوب وعقول الحاضنة المجتمعية من خلال استراتيجية شاملة تضم أبعادًا اقتصادية ومجتمعية وسياسية وأمنية وإعلامية، حبث تقوم على التعامل مع مطالب الحاضنة المجتمعية للحركات المسلحة. تمتد الاستراتيجية غير المباشرة إلى فترات طويلة لنزع الشرعية عن الحركات المسلحة، ووصمها بالإرهاب، ودفع الحاضنة المجتمعية للتخلي عنهم من خلال تفاهمات سياسية. تولي هذه الاستراتيجية أهمية خاصة لليوم التالي للقضاء على هذه الحركات المسلحة، ذلك من خلال التوصل لاتفاقٍ سياسي وتفاهمات اقتصادية واجتماعية مثل استراتيجية الاحتلال الأمريكي ضد عشائر الأنبار في العراق عام 2007-2008[5]، والتدخل الأمريكي ضد فيتنام خلال مرحلة التهدئة في سبعينيات القرن العشرين[6].

كان لانتهاء الاحتلال الفرنسي للجزائر، ثم انتصار فيتنام الشمالية في حرب فيتنام، دورًا هامًا في تحفيز العديد من الباحثين للإجابة عن تساؤل: لماذا ينتصر الطرف الأضعف على الطرف الأقوى رغم التفاوت في موازين القوى؟ يجيب أندرو ماك[7] عن هذا التساؤل بأن زيادة التفاوت في ميزان القوى بين الطرفين يقلل من عزم الطرف الأقوى في مقابل زيادة العزم للطرف الأضعف أثناء الصراع، وقد عرف ماك العزم بأنه موقف الجبهة الداخلية وتماسكها، فعدم تحقيق النصر السريع الذي يتناسب مع التفوق للطرف الأقوى يُفكك الجبهة الداخلية للطرف الأقوى ويرفع آمال الجبهة الداخلية لدى الطرف الأضعف.

من جانبه، يقوم إيفان أريغوين-توفت[8] بمناقشة أطروحة ماك ويُضيف عددًا من المتغيرات لهذه الأطروحة، ليستخلص أن انتصار الطرف الأضعف يحتاج لشروطٍ خاصة تتمثل بالأساس في اتباع الطرف الأضعف استراتيجية مخالفة لاستراتيجية الطرف الأقوى. اتباع الطرف الأضعف لاستراتيجية غير مباشرة مثل حروب العصابات لتجنب المواجهة المباشرة تحقق الهدف باستنزاف قدرات الطرف الأقوى وإظهار عدم قدرته على الحسم، بينما اتباع استراتيجية مباشرة قائمة على المواجهة من خلال تشكيلات عسكرية، تتيح للطرف الأقوى الحسم السريع. وبالتالي، فإن فرضية ماك تعمل في إطار التفاعل بين استراتيجيتين مختلفتين، وهذا ما طبقه أريغوين-توفت على المراحل المختلفة للحرب الأمريكية في فيتنام، ليستخلص أن نجاح الطرف الأضعف مشروط باتباع استراتيجية غير مباشرة في مواجهة استراتيجية مباشرة.

يلفت أريغوين-توفت النظر لأهمية متغير مدة الصراع، فشرط آخر لتفوق الطرف الأضعف هو قدرته على الصمود في الصراع لمدة زمنية أطول تسمح بتفكك الجبهة الداخلية للطرف الأقوى. ويتداخل هذا الجهد البحثي مع الرؤية القرآنية المؤسسة للمدخل السنني لتغلب الطرف الأضعف على الطرف الأقوى، قال تعالى: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 249]. يضع النص القرآني مسألة النصر والغلبة بيد الله سبحانه وتعالى، وأن عنصر الكم ليس هو الحاسم في هذا الأمر، ويُشير النص إلى جوهرية “الصبر” كعنصر رئيسي للحصول على الدعم الإلهي للغلبة والنصر.

هذا الإطار النظري المتماسك يطرح التساؤل التالي: لماذا لم تتوقف الإبادة بانتصار حماس على إسرائيل أو بفشل إسرائيل في تحقيق أهدافها بالقوة رغم عامين من الحرب وتوافر الشروط التي حددها هذا الإطار؟ ذلك حيث تعاني حكومة نتنياهو من اضطراباتٍ داخلية واتهامات بالفساد الشخصي قبل 7 أكتوبر 2023، وقد زادت نتائج الهجوم من تشكيك الجبهة الداخلية في مسؤولية الحكومة[9]، ولم يتردد خصوم “نتنياهو” من اليسار “يائير لابيد” ولا حتى اليمين “أفيجور ليبرمان” في تحميل نتنياهو مسؤولية الفشل في صد الهجوم[10]. ازدادت الجبهة الداخلية ضعفًا خلال العام الأول لعدة أسباب، منها: فشل إسرائيل في ردع هجمات حزب الله على شمال إسرائيل، واضطرار الإسرائيليين لمغادرة مدن الشمال، وكذلك الهجمات البحرية لجماعة أنصار الله، وسقوط عدد من الرهائن في قطاع غزة بنيران جيش الاحتلال، وتسريب الخلافات الداخلية من مجلس الحرب بين رئيس الوزراء وقادة المؤسسات الأمنية، وأخيرًا ضغط الرأي العام العالمي بسبب وحشية الإبادة واستخدام سلاح التجويع والعقاب الجماعي ضد المدنيين[11].

في ذلك السياق، يقوم التقرير بتتبع تبني الحكومة الإسرائيلية للاستراتيجية المباشرة في غزة التي تحولت على المستوى العسكري إلى “البربرية” في إبادة سكان القطاع، والقيام بالتخلص منهم من خلال القضاء على كافة سبل العيش في القطاع. ولكن قبل التفصيل في مكونات وخصائص هذه الاستراتيجية، سيكون من المهم تتبع الاستراتيجية الإسرائيلية خلال العام الأول وتحديد الهدف السياسي للإبادة في غزة.

استراتيجية العام الأول والهدف السياسي للإبادة في غزة:

لم يتردد رئيس الحكومة الإسرائيلية منذ اليوم الأول للإبادة في 8 أكتوبر 2023 إعلان اتباعه للاستراتيجية المباشرة التي سبق الإشارة إليها، حيث صرح في مناسباتٍ عدة بأن إسرائيل ستمحو حماس من على وجه الأرض، كما أنه طالب سكان غزة بترك القطاع بشكلٍ فوري لأنه يستهدف كل ركنٍ به، وسيحول غزة إلى جزيرة مهجورة[12]. كما أنه أبلغ الرئيس الأمريكي بايدن في زيارته إلى إسرائيل بأنه سيقصف غزة بشكلٍ كامل(Carpet Bombing)[13]، مما يعنى عدم اكتراثه بالمدنيين أثناء عملية القصف الجوي المكثف التي قام بها. كشفت الإحصائيات الأولى للعملية العسكرية الإسرائيلية في غزة إلى سقوط أعداد كبيرة وصلت إلى ما يقرب من سبعة آلاف فلسطيني، ما بين جرحى وقتلى في غزة خلال الأسابيع الثلاثة الأولى للإبادة طبقًا لقاعدة بياناتArmed Conflict Location and Event Data[14]. الأخطر من ذلك هو الاستهداف المتعمد للمستشفيات، والمدارس، والمخابز، وكل البنى التحتية المتعلقة بالمياه والكهرباء للقضاء على أي فرص محتملة للحياة في اليوم التالي للإبادة[15].

من الصعوبة تحديد الهدف الحقيقي للحكومة الإسرائيلية من الإبادة بتصديق ما أعلنته مرارًا من السابع من أكتوبر 2023، حيث أعلنت على لسان كل من رئيس الوزراء ووزير الدفاع والمتحدث باسم الحكومة، أن الهدف هو القضاء على حماس وإعادة الرهائن والذي بلغ عددهم 251 رهينة. إلا أنه مع الوقت ظهرت للعلن الخلافات البينية في الحكومة الإسرائيلية بين فريقين: الأول، هو فريق اليمين الديني المتطرف بقيادة وزراء المالية والأمن القومي والتراث، والذين اتفقوا على أن الهدف هو إعادة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة وضمه للأراضي الإسرائيلية وتهجير سكان القطاع إلى بلدٍ ثالث. أما الفريق الثاني، مثله قادة الوزارات والأجهزة الأمنية الذين توصلوا لخلاصة مفادها أنه مع الفشل في تحرير أي من الرهائن بالقوة المسلحة واستنفاد بنك الأهداف العسكرية، فلا مفر من إبرام صفقة شاملة تُنهي الحرب وتعيد الرهائن. تصدر بيني جانتس وزير الدولة وعضو مجلس الحرب الإسرائيلي هذا التوجه، وتحدث عنه علنًا في الداخل الإسرائيلي وفي زياراته إلى الولايات المتحدة، خاصةً وأن هذا التوجه تقاطع مع رؤية اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة القلق على مستقبل إسرائيل وانحرافها عن المسار الديمقراطي والحريات الغربية تحت حكم ائتلاف نتنياهو مع اليمين الديني[16].

هذا الخلاف لم يكن هو العقبة الوحيدة في تحديد ما يمكن أن نطلق عليه هدف إسرائيل، فالمصالح الشخصية ومستوى الفرد في التحليل حاضر في هذه الحالة، فالرجل الأهم في المشهد “نتنياهو” مهدد بالسجن والإقصاء السياسي حال الإنهاء الفوري للحرب. واجه رئيس الوزراء الإسرائيلي اتهامات بالفساد وغضب شعبي عارم من قبل السابع من أكتوبر بسبب توجهاته الاستبدادية، وإحداث تعديلات هيكلية في النظام السياسي الإسرائيلي توسع من صلاحياته في مواجهة القضاء والمحكمة الدستورية العليا[17]. وجاءت عملية “طوفان الأقصى” ليتحمل المسؤولية السياسية عن فشل الأجهزة الأمنية والجيش في التنبؤ بالهجوم وصده. كل هذه الضغوط تجعل استمرار الحرب أطول وقت ممكن هدفًا في حد ذاته، مع التطلع لنتائج تاريخية لإسرائيل تضمن محو التقصير في السابع من أكتوبر مثل نكبة ثانية وتهجير الفلسطينيين، وهذه هي نقطة التقاء مصالح نتنياهو الشخصية مع أهداف اليمين الديني المتطرف.

اصطدمت أهداف نتنياهو بغياب التأييد الأمريكي لهدف التهجير في عهد بايدن، فعلى الرغم من الدعم اللامحدود الذي قدمته الولايات المتحدة اقتصاديًا وعسكريًا لإسرائيل بعد السابع من أكتوبر، إلا أنها كانت حريصة على أمرين، الأول: هو عدم توسيع الحرب إقليميًا بفتح جبهات جديدة، وتولت هي مسألة تأمين الملاحة البحرية في جنوب البحر الأحمر ضد هجمات الحوثيين[18]، والثاني: تقديم تطمينات علنية لمصر والأردن بعدم الإقدام على التهجير، خاصةً مع إعلان حكومتي البلدين الرفض القاطع لهذا الاقتراح الإسرائيلي ولو بشكلٍ مؤقت[19].

ولكن مع ارتفاع التكلفة الإنسانية للإبادة، وتصاعد موجات الغضب لدى الرأي العام الغربي والأمريكي، خاصةً جيل الشباب والطلبة في الجامعات والفشل في التوصل لهدنة ثانية بعد هدنة نوفمبر 2023، بدا واضحًا وجود خلاف بين نتنياهو وإدارة بايدن التي كانت أكثر توافقًا مع رأي ونهج المؤسسات الأمنية في إسرائيل، ولكنها لم تكن تملك أدوات ضغط كافية على نتنياهو في ظل نفاد الوقت واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية وحاجة بايدن لدعم اللوبي الصهيوني[20]. استطاع نتنياهو كسب الوقت والمماطلة في مواجهة الإدارة الأمريكية، وتخطي أي خطوط حمراء رسمتها باقتحام مدينة رفح والسيطرة على محور “صلاح الدين” المعروف غربيًا بمحور “فيلادلفي” على الحدود مع مصر في منتصف مايو 2024 رغم معارضة مصر والإدارة الأمريكية[21].

تزايدت الضغوط الداخلية على رئيس الوزراء الإسرائيلي للتوصل إلى اتفاق يتيح الإفراج عن الرهائن من خلال مظاهرات أسرهم في الشارع الإسرائيلي، مع عرض حركة حماس للعديد من الأفلام المصورة للرهائن تشرح الظروف الصعبة التي يعيشونها مع أهل القطاع من المدنيين[22]. تزامن ذلك مع تسريبات إسرائيلية حول نهج التفاوض الإسرائيلي مع حماس، بإرسال وفود غير مفوضة لإبرام اتفاقيات، وتغيير المواقف بشكلٍ متكرر من المقترحات الأمريكية، وتحميل حماس مسؤولية فشل المفاوضات، ثم انتقاد الوسيطين المصري والقطري واتهامهما بعدم النزاهة وافتقاد الكفاءة وإفساد المفاوضات[23]. بالتوازي مع هذه التطورات، تحولت تهديدات رؤساء المؤسسات الأمنية إلى قراراتٍ بمغادرة مناصبهم السياسية والأمنية والعسكرية بدايةً من رئيس المخابرات العسكرية في أبريل 2024[24]، إلى استقالة الوزير جانتس في يونيو من العام نفسه[25].

ظن الكثيرون أن كل هذه الضغوط ستضعف نتنياهو، خاصةً مع مغادرة جانتس الشخص الأكثر اتزانًا في تقدير واشنطن، حيث كان يهدف جانتس تحميل نتنياهو مسؤولية فشل الإفراج عن الرهائن أمام الشارع الإسرائيلي. لكن نتنياهو استغل كل هذه الضغوط لصالحه، مستفيدًا من دعم اليمين المتطرف الذي يحفظ بقاء الحكومة، وكذلك الضعف في موقف الإدارة الأمريكية خاصةً مع احتياجها الشديد لدعم اللوبي الصهيوني في ضوء انسحاب بايدن من السباق الرئاسي لصالح نائبته كامالا هاريس التي لم تخض الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي، ولم يكن لدى الكثيرين القدرة على تقييم فرصها في المنافسة أمام ترامب. استغل نتنياهو استقالة جانتس لإبراز نفسه في صورة المعتدل الوحيد في حكومة مليئة بالمتطرفين، والأكثر استجابةً لمطالب الدول الغربية في مواجهة وزراء يصبون لتحقيق نبوءات توراتية.

قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بزيارة إلى العاصمة الأمريكية في نهاية يوليو 2024، وعلى الرغم من أن الزيارة تبدو منطقية للحليف الأهم لإسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى، إلا أن التوقيت كان غريبًا، فليس من المعتاد زيارة الولايات المتحدة قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية في نوفمبر. إلا أن نتنياهو كان يُمهد لاستراتيجية العام الثاني من الإبادة أيًا كان من سيفوز بالانتخابات الرئاسية، كما أنه حرص على الزيارة بعد تحقيق قدر من الإنجاز في العمليات العسكرية وهو ما بدا محدودًا، فعلى الرغم من اجتياح جيش الاحتلال لكامل القطاع بما في ذلك رفح، إلا أنه لم يستطع تحرير سوى أربع رهائن بالقوة المسلحة في يونيو 2024.

حرص نتنياهو خلال زيارته على إلقاء خطبة أمام الكونجرس في تقليدٍ معتاد عند اتخاذ سياسات مفصلية تجاه الشرق الأوسط، وقد قام بذلك من قبل لتسجيل اعتراضه على الاتفاق النووي مع إيران عام 2015. ركز في خطابه على إعادة مركزية المسألة الإيرانية في الشرق الأوسط بعدما بدت القضية الفلسطينية تتبوأ مكانتها التقليدية كسبب لعدم الاستقرار في المنطقة، وهو ما دفع إدارة بايدن للحديث عن ضرورة إيجاد حل شامل للقضية الفلسطينية. ذكر نتنياهو أن إيران لا الاحتلال السبب فيما تشهده المنطقة وأنها تهديد مباشر لإسرائيل، مبرزًا دورها في دعم حماس وحزب الله وجماعة أنصار الله[26].

كل ما سبق يُشير إلى أن عنصر المباغتة في عملية طوفان الأقصى ترك الجانب الإسرائيلي بلا استراتيجية واضحة خلال العام الأول، فعلى الرغم من الاتفاق على ضرورة انخراط الحكومة الإسرائيلية في عملية إبادة عسكرية لقطاع غزة وحماس، مع تبني الاستراتيجية المباشرة طبقًا لأدبيات الحروب غير المتكافئة، إلا أن عنصر مرور الزمن مع فشل الضغط العسكري في إخراج أي من الرهائن أحياء (عدا أربع رهائن في يونيو 2024)، إلا بإبرام اتفاقيات، أظهر الخلافات الداخلية حول مدى واقعية هدف التهجير وإخلاء القطاع. فقد نفذت العسكرية الإسرائيلية كافة الخطط التي هدفت للقضاء على حماس تحت مظلة “خطة الجنرالات” التي سعت لإخلاء شمال القطاع، وتهجير سكانه نحو الجنوب والوسط، ثم تقسيم القطاع عبر محور “نتساريم” إلى إقليمين شمالي وجنوبي، وأخيرًا السيطرة على الجانب الفلسطيني من بوابة رفح ومحور “صلاح الدين”، وبعد مرور عام بقي ما يقرب من 400 ألف فلسطيني في شمال القطاع رغم التجويع المتعمد ومنع المساعدات العسكرية[27].

استراتيجية العام الثاني:

كان من الطبيعي أن تنطبق قوانين نظرية تفاعل الاستراتيجيات على حرب الإبادة في غزة، فقد بدا عامل الوقت فعالًا بظهور الانشقاقات الداخلية في الجبهة الإسرائيلية[28]، وهو ما أدركه رئيس الوزراء الإسرائيلي وسعى لإبطاله من خلال استراتيجية “الهيمنة من خلال القوة”. هذه الاستراتيجية التي أخذت العديد من المسميات على لسان نتنياهو مثل “رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط” أو “فرض السلام من خلال القوة”[29]. ولهذه الاستراتيجية شقين سياسي وعسكري: على الصعيد السياسي، فإن الاستراتيجية تهدف لتوحيد الجبهة الداخلية من خلال الدخول في مواجهات عسكرية أخرى إلى جانب غزة تحظى بإجماع داخلي ودولي أكبر ضد حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والبرنامج النووي الإيراني. وعلى الصعيد العسكري، فإنه قرر تبني “البربرية” ليس فقط في غزة بل مدها إلى الإقليم، وتعريف “البربرية” هو الانتهاك المتكرر لقوانين الحرب في محاولة لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية[30]، ويهدف اللجوء إلى البربرية في الحروب إلى القضاء على إرادة الطرف المعادي وقدرته على القتال. تبني “البربرية” كاستراتيجية عسكرية يتبعه اللجوء لأشد الأدوات العسكرية فتكًا، حتى تخلف عقبة نفسية لدى الطرف المعادي عند التفكير مستقبلًا في تحدي الطرف الآخر. كانت الحكومة الإسرائيلية بدأت في اللجوء لهذه الاستراتيجية ضد حماس خلال العام الأول من القتال من خلال ملاحقة كافة قيادات الحركة في الخارج؛ سواء في لبنان “صالح العاروري” أو في قلب إيران “إسماعيل هنية”[31]، واستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، وأخيرًا الوفد المفاوض لحماس على أرض الوسيط القطري متجاهلة لسيادة الدول الأخرى والقانون الدولي[32]. عمومًا، فإن معادلة الردع الجديدة التي يحاول نتنياهو خلقها في الإقليم من خلال استراتيجية “الهيمنة من خلال القوة” هي في جوهرها استراتيجية هروب للأمام من الضعف الداخلي، وتتضمن أربعة عناصر رئيسية:

  • تغيير معادلة الردع في مواجهة الفلسطينيين والإقليم:

مثلت عملية طوفان الأقصى في العقل الإسرائيلي هزيمةً واضحة لمعادلة الردع الإسرائيلية في مواجهة الفلسطينيين والإقليم حتى 2023. نعمت إسرائيل بقدر من الهدوء النسبي منذ حرب لبنان عام 2006، وعلى الرغم من الحروب المحدودة التي خاضتها ضد حماس ما بين عامي 2008 و2023، إلا أن إسرائيل عرفت للمرة الأولى في تاريخها قدر من الاستقرار والهدوء، حيث إن التهديدات التي تواجهها تأتي من عددٍ من الفاعلين من دون الدول، وأن الدولة الرئيسية التي تمثل تهديد على أمنها “إيران” لا تشترك معها في أي من حدودها. سمح ذلك الوضع لإسرائيل بالتوسع الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية والتحول لمكان جاذب للهجرة، بعبارةٍ أخرى سمحت لها الأوضاع بتطبيع وضعها كدولة، وإدارة التهديدات التي تواجهها في غزة وجنوب لبنان من خلال الاستثمار الكثيف في النظم الأمنية المعتمدة على التكنولوجيا بكثافة[33].

لكن عنصر المفاجأة والنجاح الذي حققته عملية طوفان الأقصى ضرب معادلات الردع القائمة، وأبرز الحاجة إلى معادلاتٍ جديدة تقوم بإخضاع كافة الفاعلين وضرب إرادتهم للقتال، وبدا ذلك جليًا في التصميم على سحق هياكل القيادة الخاصة بحماس وحزب الله وإيران، بما في ذلك القيادات السياسية، وهو أمر لم يكن قائمًا من قبل.

وعلى الرغم من تكرار إدارة بايدن رغبتها في عدم فتح جبهات جديدة للحرب في غزة، إلا أنها دعمت وغطت على خطط الحكومة الإسرائيلية للحرب على لبنان خلال العام الثاني من الحرب، وعلى عكس انتقاداتها للإبادة في غزة إلا أنها رأت مشروعية لقيام إسرائيل بمهاجمة حزب الله الذي بادر بإسناد غزة منذ بداية الحرب، وإجبار سكان المدن الشمالية على الإجلاء[34]. كذلك فقد حظيت العمليات العسكرية، خاصةً اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله نهاية سبتمبر 2024، بدعمٍ كبير من الخصوم السياسيين والبيروقراطيين لنتنياهو الذين اعتادوا انتقاد قراراته فيما يتعلق بغزة[35]. كذلك حظي نجاح جيش الاحتلال في عددٍ من العمليات النوعية ضد الحزب بداية من عملية “البيجر”، مرورًا باغتيال الهيكل القيادي للحزب، ثم التقدم البري واحتلال خمسة مواقع رئيسية ترفض إسرائيل الانسحاب منهم رغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم برعاية إدارة بايدن وبدعم إسرائيلي داخلي وتواطؤ أمريكي[36].

لم تنج الضفة الغربية من العمليات الإسرائيلية؛ حيث قامت إسرائيل باستهداف العديد من الأحياء التي تضم العديد من عناصر الفصائل الفلسطينية بالتعاون مع أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، مع تكثيف المداولات السياسية لإعلان ضمها إلى الأراضي الإسرائيلية[37]. بالتوازي مع هذه التطورات، مثل سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024 مفاجأةً سارة لنتنياهو الذي لم يتردد في دفع الجيش الإسرائيلي في جنوب سوريا وصولًا لريف دمشق تحت ذريعة الأمن الإسرائيلي، والرفض لأي مهادنة مع سلطة الشرع، والمجاهرة بالرغبة في تفتيت سوريا إلى أكثر من دولة بالتنسيق مع فريقٍ من “الدروز”[38]. وفي السياق ذاته، استهدفت إسرائيل جماعة أنصار الله العديد من المرات ردًا على عملياتها إسنادًا لطوفان الأقصى، بل وحظيت على دعمٍ عسكري أمريكي مباشر من خلال الانخراط في مواجهة انتهت بالاتفاق على توقف الحوثيين عن استهداف السفن الامريكية في البحر الأحمر في مايو 2025[39].

في السياق نفسه، استطاعت الحكومة الإسرائيلية تأمين الضوء الأخضر الأمريكي لمهاجمة إيران، بينما كانت تنخرط في مفاوضات سياسية بشأن برنامجها النووي مع الولايات المتحدة. استطاعت خلال هذه العملية جر الولايات المتحدة لضرب المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية، وكذلك محاولة اغتيال الهيكل القيادي السياسي والعسكري والعلمي للنظام الإيراني خلال شهر يونيو 2025[40]. وعلى الرغم من عدم وضوح النتائج الفعلية لهذه الحرب ومدى تأثيرها على البرنامج النووي الإيراني، إلا أن إسرائيل أنشأت معادلة جديدة للردع في الإقليم تقوم على المبادئ الثلاثة التالية:

– تثبيت التفوق الجوي لإسرائيل ضد كافة الدول والتنظيمات التي تُصنفها كتهديد، حتى مع قدرة هؤلاء الفاعلين على الرد فإن إسرائيل لديها القدرة الجوية على ضرب أهدافها في إيران، وسوريا، واليمن، ولبنان، وغيرها من الدول إن لزم الأمر.

– التوسع في الضربات الاستباقية دون رادع من القانون، وبلا سقف سياسي أو قانوني، فلا يوجد أي قائد عسكري أو سياسي في مأمن من ضربات إسرائيل، حتى الوفود المفاوضة.

– التوسع في إقامة مناطق عازلة متقدمة في الأراضي التي تأتي منها التهديدات لمنع تكرار طوفان الأقصى.

عمومًا يمكن القول، إن ما خاضته إسرائيل من حروبٍ إقليمية خلال العام الثاني من الإبادة على غزة، إنما هي في جزءٍ منها نتاج لما أحدثه طوفان الأقصى من تغييرات في العقل الإسرائيلي، وفي جزءٍ آخر هي الوقود الذي استخدمه نتنياهو لإعادة توحيد الجبهة الداخلية المليئة بالخلاقات والانقسامات لتستمر الإبادة في غزة على هامش الاهتمام الدولي والإسرائيلي مقارنةً بهذه الحروب.

  • البربرية في غزة:

تعد البربرية -كما سبق تعريفها بكونها خرقًا لكافة قواعد القانون والحروب- مكونًا رئيسيًا للاستراتيجية الإسرائيلية في العام الثاني من الحرب، كما أنها عنصرًا مستمرًا من العام الأول. فقد صرح نتنياهو علنًا برغبته لتحويل غزة لمكانٍ مهجور، وتدمير حماس، وكان قد كشف للرئيس الأمريكي بايدن بأنه سيقوم في غزة بما قامت به أمريكا في فيتنام[41]. كان هدف الحكومة الإسرائيلية واضحًا بكسر إرادة المقاومة لدى الفلسطينيين، ليس فقط في غزة، ولكن أيضًا في الضفة والداخل الإسرائيلي بتقديم غزة كنموذج لكل من تسول له نفسه تكرار نموذج طوفان الأقصى. لذلك؛ فلم يكن مستغربًا حظر الاحتلال لدخول الإعلام الغربي إلى غزة، واستهداف الصحفيين المحليين والذي بلغ عدد من استشهد منهم 270 صحفيًا فلسطينيًا حتى أغسطس 2025[42]، وحوالي 1500 كادرًا طبيًا حتى يوليو 2025[43]. هذا بالإضافة إلى استهداف كل مرافق المعيشة الحيوية المحمية طبقًا للقانون الدولي الإنساني من مستشفياتٍ، ومدارس، ودور عبادة.

البربرية تخطت مجال كسر القوانين الدولية إلى كسر قواعد الحروب بتسجيل نسبة هي الأعلى في قتل المدنيين من مجمل عدد السكان. حيث دأب الإعلام الإسرائيلي واللوبي الصهيوني على مقارنة الإبادة في غزة بمعركة الائتلاف الدولي ضد داعش في الموصل عام 2016[44]، واليوم الأرقام تشير إلى أن أقصى التقديرات تشاؤمًا تقدر نسبة القتلى المدنيين في الموصل من عدد السكان الأصليين بالمدينة بنسبة 0.7%[45] بينما وصلت أكثر التقديرات تفاؤلًا لغزة حتى اليوم إلى ما نسبته 1.7% من السكان[46].

في هذا السياق، فإن البربرية تلعب وظيفة جوهرية مزدوجة في الاستراتيجية الإسرائيلية: تعزيز معادلة الردع الجديدة في الإقليم، وتحقيق الهدف النهائي من الإبادة بتهجير الفلسطينيين تحت وطأة البربرية. ولكن من المهم الإشارة إلى أن وطأة البربرية اشتدت خلال العام الثاني من الحرب وامتدت خارج إطار غزة إلى الإقليم، فقد شرعت إسرائيل في استهداف كافة القيادات السياسية والعسكرية لكل أعدائها بما فيهم حزب الله وإيران وسوريا واليمن، وهاجمت كذلك العديد من المنشآت المدنية في هذه البلاد. على جانبٍ آخر، نجحت إسرائيل في إقناع إدارة ترامب فور تسلمها السلطة بالإفراج عن صفقات تسليح خاصة بالقنابل ضد التحصينات، والتي علقت إدارة بايدن توريدها إلى الحكومة الإسرائيلية خشية استخدامها في غزة[47].

كذلك يحتل التجويع مكانة رئيسية في بربرية جيش الاحتلال خلال العام الثاني من الحرب، حيث حصلت الحكومة الإسرائيلية على الدعم الأمريكي لاستبعاد أي دور للأمم المتحدة ومنظمة الأونروا من إدخال المساعدات إلى غزة، لتحل محلها منظمة غزة الإنسانية التي ثار جدل واسع بشأن دورها بعد مقتل العديد من المدنيين على يد أفرادها أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء[48]. وقد وصلت معدلات سوء التغذية لمستوياتٍ غير مسبوقة في القطاع، حيث أوضح تقرير منظمة الغذاء الدولية الفاو في تقريرها مايو 2025 أن 93% من سكان غزة يُعانون من مستويات الأزمة وانعدام الغذاء[49].

ج. إعادة ترسيم الإقليم (شرق أوسط جديد):

لم تكن مسألة إعادة ترسيم الشرق الأوسط بمسألةٍ جديدة على العقل الإسرائيلي، فقد سبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي تقديم طرحًا واضحًا لشكل الشرق الأوسط طبقًا لرؤيته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018، والتي ركز خلالها على مركزية التهديد الإيراني لاستقرار الإقليم، وأن هذا التهديد يتم مواجهته من خلال تحالف إسرائيلي -عربي، مع التقليل من شأن القضية الفلسطينية ومركزيتها[50]. توازى هذا الطرح مع دفع الولايات المتحدة لمشروع التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط MESA لإنشاء تحالف عربي-إسرائيلي خلال ولاية ترامب الأولى، وبالتالي فإن الطرح الإسرائيلي للإقليم ليس جديدًا بل قطعت العديد من الدول المتفقة معه شوطًا من خلال تجاهل القضية الفلسطينية والانضمام لاتفاقيات التطبيع التي عُرفت إعلاميًا بـ “الاتفاقيات الإبراهيمية” عام 2020، ومنها الإمارات والمغرب والبحرين والسودان[51].

كان إعادة الاعتبار لمركزية القضية الفلسطينية في أعقاب عملية طوفان الأقصى على لسان وزير الخارجية الأمريكي بإدارة بايدن، والإِشارة لضرورة تطبيق حل الدولتين، بمثابة كابوسًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي[52]. حاول نتنياهو إعادة المركزية للتهديد الإيراني منذ الأيام الأولى للإبادة بالتركيز على علاقة حماس بإيران، وأضفى انخراط حزب الله في عمليات الإسناد لغزة شرعية لادعاءات إسرائيل رغم فشل إثبات تورط إيران في أي من عمليات التخطيط والتنفيذ.

كان هذا هو السياق الذي ألقى فيه نتنياهو كلمته أمام الكونجرس الأمريكي في يوليو 2024، وذكر إيران أكثر من 23 مرة[53]. وقبل بداية العام الثاني من الحرب، شن نتنياهو حربًا على حزب الله تحت مظلة الدفاع عن النفس وحماية سكان شمال إسرائيل، ومع سقوط نظام الأسد تقدم في أراضي الجنوب السوري وصولًا لحدود دمشق لفرض السيطرة التامة على الحدود السورية -اللبنانية. كما كان وصول ترامب للسلطة بمثابة خطوة في اتجاه تحويل الاهتمام لمركزية التهديد الإيراني؛ حيث سبق لترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني خلال حقبته الأولى، وفي بداية العام الثاني للحرب يأتي إلى السلطة بتوعد لحماس والإفراج عن أسلحة لإسرائيل وإطلاق يدها في الصراع، ودعم اقتراح تهجير الفلسطينيين، وتسريبات حول الاعتراف بضم الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية. انعكس ذلك في سياساتٍ سمحت لإسرائيل بإعادة احتلال غزة وضرب إيران وجماعة أنصار الله، وعلى الرغم من عدم وضوح مصير البرنامج النووي بناءً على هذه الضربة، إلا أن الثابت أن إيران وحلفاءها تعاني من حالة ضعف إقليمي غير مسبوقة في مواجهة نظام إقليمي جديد يرسخ الهيمنة الإسرائيلية بدعمٍ أمريكي[54].

توازى ذلك مع عدم وجود ردة فعل من أقطاب الإقليم الآخرين (تركيا، ومصر، والسعودية) بمواجهة الهيمنة الإسرائيلية لأسبابٍ تتعلق بإدراك كل طرف للتحركات الإسرائيلية كتهديد من عدمه (مصر، والسعودية)، ورؤيتهم أيضًا لانحسار الدور الإيراني كفرصة لتمديد نفوذهم (تركيا، والسعودية).

كشفت التطورات في سوريا وتدخل إسرائيل تحت ذريعة حماية الطائفة الدرزية بالتحالف مع جزءٍ منها عن بعد جديد في المشروع الإقليمي الإسرائيلي، وهو تفتيت الدول القومية المجاورة لها وإضعافها. بالرغم من مهادنة النظام السوري الجديد لإسرائيل وانفتاحه لمناقشة العديد من الملفات الأمنية الشائكة معها، إلا أن الجانب الإسرائيلي جاهر بضرورة تقسيم سوريا لدويلات على أسسٍ مذهبية تحت دعوى تطرف النظام الجديد، وهو الأمر الذي يخلق العديد من التحديات للنظام السوري. امتدادًا لهذه السياسات، تدفع إسرائيل الولايات المتحدة للضغط على الحكومة اللبنانية لنزع سلاح حزب الله بالقوة رغم عدم الالتزام الإسرائيلي باتفاق وقف إطلاق النار، مما يضع لبنان في خطر حرب أهلية.

د- تأمين الدعم الأمريكي الكامل:

يُعد الحصول على الدعم الأمريكي الكامل عنصر رئيسي في الاستراتيجية الإسرائيلية، وعلى الرغم من الحصول على قدرٍ كبير من الدعم الأمريكي والغربي إبان إدارة بايدن خلال العام الأول من الإبادة، إلا أن تنفيذ استراتيجية الهروب إلى الأمام إقليميًا كانت تحتاج لمستوى أكبر من الدعم. فعلى الرغم من دعم إدارة بايدن للحرب على حزب الله، إلا أنها عارضت بشكلٍ واضح مد الحرب إلى إيران[55]، وحظرت أنواع معينة من الأسلحة، كما مارست بعض الضغوط لتحسين الأوضاع الإنسانية في غزة.

اختلاف الأوضاع بعد الشهور الستة الأولى من إدارة ترامب كشفت بوضوح الفارق بين مستوى الدعم بين إدارتي بايدن وترامب. حيث تبنت إدارة ترامب بشكلٍ رسمي اقتراح تهجير الفلسطينيين إلى بلدٍ ثالث، وتضاعفت الأزمة الإنسانية ووصلت إلى حد المجاعة بعد استبعاد الأونروا وإحالة مسؤولية توزيع الغذاء لمؤسسة غزة الإنسانية الأمريكية، وأخيرًا إطلاق يد إسرائيل عسكريًا ضد المدنيين بما في ذلك السماح باحتلال مدينة غزة من جانب إسرائيل[56].

امتد الدعم الأمريكي تحت إدارة ترامب ليشمل محاولة القيام بضرب قدرات جماعة أنصار الله اليمن لتحرير التجارة في جنوب البحر الأحمر، وفشلت الضربة إلا في الحصول على تعهد من الجماعة بعدم التعرض للسفن الأمريكية طالما لا تبحر في اتجاه إسرائيل. كذلك سمحت إدارة ترامب بضرب إيران وبرنامجها النووي والمشاركة في العملية، في تحدٍّ كبير لجزءٍ مهم من قاعدة ترامب الانتخابية التي رفضت الانخراط في أي حرب خارجية نيابةً عن إسرائيل.

كان الدعم الأمريكي اللامحدود قطبًا رئيسيًّا في استراتيجية نتنياهو للعام الثاني، وفي هذا السياق فقد بادر بالاستجابة لقبول هدنة مؤقتة والدخول في مفاوضات لإنهاء الحرب في يناير 2025 ليمنح ترامب الفرصة لتحقيق أحد وعوده الانتخابية، حتى وإن عاد للحرب وأفشل المفاوضات بعد ذلك. كذلك فقد تبنت الحكومة الإسرائيلية خطابًا واضحًا لتأطير الدور الإسرائيلي كدور وظيفي يعمل في صالح الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، فقد جاء على لسان وزير الشؤون الاستراتيجية القول بأن “إسرائيل هي قاعدة متقدمة للولايات المتحدة، وأن الأخيرة لا تحتاج أن ترسل قوات برية إلى المنطقة، وأن تكتفي بالاعتماد على الحليف الإسرائيلي الذي يقود حروبًا نيابةً عن الغرب”. وهذا ما أكده المستشار الألماني الذي ساند الحرب الإسرائيلية على إيران قائلًا “إن إسرائيل تقوم بالمهام القذرة نيابة عن الغرب”[57].

ارتكزت الاستراتيجية الإسرائيلية في عامها الثاني على توسيع الحرب إقليميًا باعتبارها الأداة الرئيسية التي سيطر بها نتنياهو على قوانين الحروب غير المتكافئة، والخاصة باندلاع الخلاف الداخلي لدى الطرف الأقوى مع طول وقت المواجهة. نجحت هذه الاستراتيجية تكتيكيًّا في تهميش الحرب على غزة مقارنةً بالحرب على لبنان ثم إيران، ونجحت في توحيد الجبهة الداخلية والدولية حول أعداء غير مختلف عليهم. ولكن مع نفاد بنك الأهداف وما لبثت أن وضعت الحرب أوزارها مع إيران، إلا وظهرت تشققات الجبهة الداخلية والدولية خاصةً مع اشتداد المجاعة في غزة. حيث أعلن عدد كبير من الدول الغربية نيتهم الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر كعقاب للحكومة الإسرائيلية التي تسوقها اعتبارات شخصية ووعود توراتية ترى في الوضع الراهن الوقت الأمثل لتصفية القضية الفلسطينية[58]، وبالفعل تحقق هذا الاعتراف. فرغم الجهد المبذول من جانب إسرائيل في إسكات الأصوات المعارضة داخليًّا ودوليًّا، إلا أن حجم الإبادة والتجويع وكسر الخطوط الحمراء باستهداف دولة مثل قطر أمور يصعب تخطيها وغض النظر عنها. وهذا ما يُعيدنا إلى أن نجاح الاستراتيجية الإسرائيلية في العام الثاني تكتيكيًا لا يعنى أنها لم تكن مكلفة، بل أنها اقتطعت أرصدة استراتيجية، وهذا ما يقلق حتى أصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة، حيث تعجز إسرائيل عن تحويل المكاسب التكتيكية إلى أصولٍ استراتيجية، وهذا لم ينتج عن مساوئ تصميم هذه الاستراتيجية، ولكنه نتيجة لإيلاء المصالح الفردية لنتنياهو واعتبارات توازن حكومة اليمين الديني الأولوية حتى على مصالح إسرائيل الاستراتيجية في النظام العالمي، ذلك بالإضافة لغياب أي محاولة إقليمية لردع الاندفاع الإسرائيلي.

عمومًا، فإنه مع بدء غزو مدينة غزة يعود عامل الوقت المرتبط ببقاء حماس قادرة على إلحاق الضرر بجيش الاحتلال لتفعيل قوانين الحروب غير المتكافئة، خاصةً أن إسرائيل تستخدم مستوى عنف غير مسبوق خلال هذه العملية. وهنا يظل السؤال هل سيكون احتلال مدينة غزة بغرض دفع سكان القطاع إلى الحدود المصرية وتحقيق هدف التهجير، أو البدء في حرب جديدة على إيران كافٍ لإعادة توحيد الجبهة الداخلية بعد أن خسرت إسرائيل الجبهة الدولية بدرجةٍ غير قليلة؟ هذا ما ستكشف عنه الأحداث على أعتاب العام الثالث من الإبادة.

—————————————-

الهوامش:

باحث دكتوراه، ومحاضر العلاقات الدولية والدبلوماسية بمركز دراسات السلام والصراعات بجامعة Wayne State بولاية ميتشجن.

[1] Ivan Arreguín-Toft. ​How the Weak Win Wars: A Theory of Asymmetric Conflict.” ​ International Security 26, no. ​1 (Summer 2001): 93-128. ​ https://muse.jhu.edu/article/14354. ​

 [2] يمكن النظر في التعريفات المختلفة للاستراتيجية في المراجع التالية:

Omar Ashour, How ISIS Fights: Military Tactics in Iraq, Syria, Libya and Egypt (Edinburgh: Edinburgh University Press, 2021). pp 11-13.

Randall Gregory Bowdish. “Military Strategy: Theory and Concepts.” Ph.D. diss. University of Nebraska – Lincoln. 2013. pp 13-16.

Allan Stam. Win, lose, or draw: Domestic politics and the crucible of war. (Ann Arbor: University of Michigan Press, 1996). pp 52-54.

[3] Stephen Quackenbush. “Outcomes and Consequences of War.” In What Do We Know about War?, Lanham, MD: Rowman & Littlefield. 2021, pp 120-132.

[4] Ibid, pp 120-132.

[5] Biddle, Stephen, Jeffrey A. Friedman, and Jacob N. Shapiro. “Testing the Surge: Why Did Violence Decline in Iraq in 2007?” International Security 37, no. 1 (2012): 7-40. https://doi.org/10.1162/ISEC_a_00087.

[6] Stathis N. Kalyvas, The Logic of Violence in Civil War (Cambridge: Cambridge University Press, 2006).

[7] Andrew J.R. Mack, “Why Big Nations Lose Small Wars: The Politics of Asymmetric Conflict,” World Politics, Vol. 27, No. 2 (January 1975), pp. 175-200.

[8] Ivan Arreguín-Toft, Op. cit., pp. 96-98.

[9] Yolande Knell, “Netanyahu Corruption Trial: Israeli PM Rejects ‘absurd’ Charges,” BBC News, 10 December 2024, https://bit.ly/4ouMO51

[10] Jeremy Bowen, “Jeremy Bowen: The Divides within Israel over the War in Gaza,” BBC News, 14 August 2025, https://bit.ly/4nfbTQ5

[11] Jon Alterman and Jonathan Rynhold, “Jonathan Rynhold: Israel’s Divided Politics,” CSIS, 11 June 2024, available at: https://2u.pw/3pgeKf

[12] Reuters, “Israel’s New War Cabinet Vows to Wipe Hamas off the Earth | Reuters,” Reuters, 11 October 2023, available at: https://2u.pw/sIgUQR

[13] John Yoon and Zach Montague, “Biden Says He Urged Netanyahu to Accommodate Palestinians’ ‘Legitimate Concerns’ – the New York Times,” New York Times, January 17, 2025, avilable at: https://2u.pw/P4y3ZD

[14] ACLED, “Coding of Fatalities in Gaza since 7 October 2023,” ACLED, 22 November 2023, available at: https://2u.pw/bCJP6y

[15] Office of the United Nations High Commissioner for Human Rights, Thematic Report – Attacks on Hospitals during the Escalation of Hostilities in Gaza (7 October 2023 – 30 June 2024), UN doc, 31 December 2024.

[16] Hadeel Al-Shalchi and Steve Inskeep, “Former Israeli War Cabinet Member Benny Gantz Issues Searing Rebuke to PM Netanyahu,” NPR, 4 September 2024, available at: https://2u.pw/2K9aeL

[17] Raffi Berg, “Israel Judicial Reform Explained: What Is the Crisis About?”, BBC News, September 11, 2023, available at: https://bit.ly/3W8RWj4

[18] Peter Beaumont and Julian Borger, “US Would Not Support Israeli Attack on Iran’s Nuclear Sites, Says Biden,” The Guardian, 2 October 2024, available at: https://2u.pw/cRDaLJ

[19] Simon Lewis and Suleiman Al-Khalidi, “U.S. Opposes Displacement of Palestinians, Blinken Says,” Reuters, 7 January 2024, available at: https://2u.pw/yyqJNj

[20] Michelle Stoddar, Molly Nagle, and Selina Wang, ABC News, June 20, 2024, available at: https://2u.pw/gxu7R2

[21] Tia Goldenberg, “Netanyahu Determined to Invade Rafah despite Ongoing Cease-Fire Talks with Hamas”, PBS, 30 April 2024, available at: https://2u.pw/3AbQtj

[22] Steven Scheer, “Israelis Strike and Protest to Demand Gaza Hostage Deal,” Reuters, 2 September 2024, available at: https://2u.pw/5TmADQ

[23] Joe Inwood and Rushdi Abualouf, “Qatar Suspends Role as Mediator between Israel and Hamas”, BBC News, 9 November 2024, available at: https://bit.ly/3WK7kCB

[24] Virginia Pietromarchi, “Israeli Military Intelligence Chief Resignation Will Put Peers on the Spot”, Al Jazeera, April 22, 2024, available at: https://2u.pw/qOjYYK

[25] Jake Lapham, “Israeli War Cabinet Minister Benny Gantz Quits Emergency Government,” BBC News, 9 June, 2024, available at: https://www.bbc.com/news/articles/clkkdymdwlvo

[26] Ellen Knickmeyer, Farnoush Amiri, and Ashraf Khalil, “In Fiery Speech to Congress, Netanyahu Vows ‘total Victory’ in Gaza and Denounces US Protesters,” AP News, 25 July 2024, available at: https://2u.pw/UOUFDo

[27] Human Rights Watch, “North Gaza: Between Death and Displacement,” Human Rights Watch, 21 October 2024, available at: https://2u.pw/rSYOu0

[28] للمزيد حول المحفزات الداخلية للاستراتيجية الإسرائيلية، انظر:

د. رنا أبو عمرة، “محركات الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في إدارة الجبهات المتعددة”، السياسة الدولية، يوليو 2025، ص226-231.

[29] Sansom Milton, “Netanyahu’s ‘New Middle East’ Has Arrived – but It’s Not What He Envisioned,” Middle East Eye, 7 October 2024, available at: https://2u.pw/PbiC7arE

[30] Thomas C. Schelling, Arms and Influence, (New Haven, CT: Yale University Press, 1966).

[31] The Guardian, “The Hamas and Hezbollah Leaders Killed by Israel since 7 October Attack,” The Guardian, 17 October 2024, available at: https://2u.pw/FXOAwd

[32] Barak Ravid, “Israel’s Qatar Attack Was a Costly Failure”, available at: https://2u.pw/JBDkU3

[33] Zisser, Eyal. “Israel in the Middle East 75 Years On.” Israel Affairs, Vol. 29, No. 3, 2023, pp 459-72.

[34] Ali Harb, “‘Disastrous Failure’: How Biden Emboldened Israel to Attack Lebanon,” Al Jazeera, 25 September 2024, available at: https://2u.pw/I4imqJ

[35] Sam Sokol, “Gantz Throws Support behind Lebanon Offensive | The Times of Israel,” Times of Israel, 24 September 2024, available at: https://2u.pw/1iWo0O

[36] Aaron Boxerman, “Trump Envoy Visits Lebanon amid Fears over a Shaky Cease-Fire – The New York Times,” New York Times, 5 April 2025, available at: https://2u.pw/Y4SxFh

 [37] Mick Krever, “Israel Sends Tanks to the West Bank for the First Time in 20 Years. Here’s Why That’s Significant,” CNN, 24 February 2025, available at: https://2u.pw/gMxJ1j

[38] Guy Laron, ByJason C. Moyer, and ByLucas Myers, “An Unexpected Gift: Israel and the Fall of the Assad Regime,” Wilson Center, 25 March 2025, available at: https://2u.pw/AiFbqu

[39] Gregory Aftandilian, “Implications of the US-Houthi Ceasefire Deal,” Arab Center Washington D.C., 22 May 2025, available at: https://2u.pw/B0ONWV

[40] Ameneh Mahvar, “Q&A: Twelve Days That Shook the Region: Inside the Iran-Israel War,” ACLED, 25 July 2025, available at: https://2u.pw/F5Rvgr

[41] John Yoon and Zach Montague, “Biden Says He Urged Netanyahu to Accommodate Palestinians’ ‘Legitimate Concerns’ Op. cit.

[42] Marium Ali and Hanna Duggal, “Here Are the Names of the Journalists Israel Killed in Gaza,” Al Jazeera, 12 August 2025, available at: https://2u.pw/TIvYTJ

[43] Doctors Without Borders, “Remembering Our Colleagues Killed in Gaza,” Doctors Without Borders – USA, 4 July 2025, available at: https://2u.pw/xaFYgN

[44] Seth Frantzman, “Comparing Gaza with Mosul,” The Jerusalem Strategic Tribune, 5 February 2024, available at: https://2u.pw/Cjje6y

[45] Amnesty International, “US-Led Coalition Killed 1,302 Civilians in Iraq and Syria,” Amnesty International, 31 May 2019, available at: https://2u.pw/AvC6LF

[46] Wafaa Shurafa and Samy Magdy, “Over 60,000 Palestinians Have Died in the Israel-Hamas War, Gaza’s Health Ministry Says,” PBS, 29 July 2025, available at: https://2u.pw/gt4Urm

[47] Steve Holland, Nandita Bose, and Kanishka Singh, “Trump Makes 2,000-Pound Bombs Available to Israel, Undoing Biden Pause | Reuters,” Reuters, 25 January 2025, available at: https://2u.pw/9CxfDA

[48] United Nations, “UN Experts Call for Immediate Dismantling of Gaza Humanitarian Foundation – Press Release – Question of Palestine,” United Nations, 5 August 2025, available at: https://2u.pw/bKI0AB

[49] United Nations, “Gaza: With Famine Looming, FAO Urges Immediate Access to Save Livelihoods and Food Production,” FAO, 12 May 2025, available at: https://2u.pw/YyBJi

[50] United Nations, “At UN Assembly, Israel’s Netanyahu Claims Iran Harboring Secret Nuclear Site | UN News,” United Nations, 27 September 2018, available at: https://bit.ly/474ve0k

[51] Alexandre Kateb, “The Abraham Accords after Gaza: A Change of Context,” Carnegie Endowment for International Peace, 25 April 2025, available at: https://short-url.org/1gKPN

[52] Agencies, “At Davos, Blinken Says ‘genuine Security’ for Israel Requires Two-State Solution | The Times of Israel,” Times of Israel, 17 January 2024, available at: https://2u.pw/938bXg

[53] Ellen Knickmeyer, Farnoush Amiri, and Ashraf Khalil, “In Fiery Speech to Congress, Netanyahu Vows ‘total Victory’ in Gaza and Denounces US Protesters,” Op. cit.

[54] Bilal Saab and Darren White, “Lessons Observed from the War between Israel and Iran,” War on the Rocks, July 16, 2025, available at: https://2u.pw/MxvfT

[55] Reuters, “Biden Tells Netanyahu Us Would Not Take Part in Israeli Counter Strike against Iran | Reuters,” Reuters, 14 April 2024, available at: https://2u.pw/oFbAkx

[56] Brittney Melton, “Israel Plans to Take Control of Gaza City. and, Trump Wants a New U.S. Census,” NPR, 8 August 2025, available at: https://2u.pw/ryVhFh

[57] Richard Connor, Timothy Jones, and Kate Hairsine, “Germany’s Merz Says Israel Doing ‘dirty Work for Us’ in Iran – DW, 18 June 2025, DW, available at: https://2u.pw/nzPXsb

[58] Annette Choi and Lauren Kent, “Here Are the Countries That Have Recognized a Palestinian State,” CNN, 12 August 2025, https://www.cnn.com/world/middleeast/countries-recognize-palestinian-state-intl-vis.

أحمد نبيل صادق

باحث دكتوراه، ومحاضر العلاقات الدولية والدبلوماسية بمركز دراسات السلام والصراعات بجامعة Wayne State بولاية ميتشجن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى