أبعاد إنسانية في السياسة العالمية من منظور حضاري

عرض العدد (الـ29) من قضايا ونظرات (أبريل 2023)

في العدد (الـ29- أبريل 2023) من “قضايا ونظرات” التي يصدرها مركز الحضارة للدراسات والبحوث (وهو مركز علمي حضاري الرؤية، إنساني المقاصد)، قدم عشرة من الباحثين الشباب أوراقًا أو تقارير علمية موثقة وموجزة، عن شئون الإقليم والعالم، تقدمتهم ورقة عميقة للأستاذة الدكتورة نادية محمود مصطفى تحت عنوان (أبعاد إنسانية في السياسة والعلاقات الدولية: بين التوظيف وتعدد المرجعيات والميزان الحضاري)، تلاها عرضان بالعربية لكتابين بالإنجليزية عن: صناعة علاقات دولية عالمية، ومدرسة كيوتو والعلاقات الدولية.

وواضحٌ من هيكل العدد وعناوين أوراقه عنايته بأمرين رئيسين: حالة العالم؛ وفي قلبه إقليمنا العربي المـأزوم، وتجديد النظر إلى ذلك من منظور يتسم بالعالمية، ويراعي الأبعاد الإنسانية، لكنه غير غربي. وقد أقرت ورقة د.نادية مصطفى لهذا المقصد بتأصيل مهم عن مفهوم “الإنساني” بين منظورات متعددة وخاصة في الرؤية الإسلامية، وبين واقع “الأبعاد الإنسانية” في السياسة الدولية والعالمية. ويتضح من حديث د.نادية عن قضية “أنسنة السياسة” وما يختلط فيها من حقائق ومن إدعاءات وتوظيفات: أولاً– أن المسألة قديمة في فكر المدرسة الحضارية (محاضرة لد.نادية عن أنسنة السياسة سنة 2008 في مؤتمر بالرباط)، واستدعائها ثانيًا– لإشكالية الأصل الفكري والسياق الواقعي، وما بينهما من فجوات في الواقع، وما يجب من وصل وجمع بينهما في النظر وفي العمل، ومن أهم النتائج التي تصل إليها أطروحة الأنسنة من منظور حضاري أن الانسنة الحقيقية للسياسة لن تتحقق إلا بتحقق عالمية السياسة؟ وذلك بأن تسهم المنظورات الحضارية المتعددة في إرساء قيمها وتنفيذ هذه القيم في قدرٍ من التكافؤ، وعلى قدر من التوازن”، وأن “التحدي أمام المسلمين هو أن يعثروا على الرابطة من الأصل وبين الواقع؛ الأول بتماسكه وحيويته، والثاني بشوائبه كذلك مهم أن يحاكموا إنجازات الغرب، ويبينوا كيف أنها غير نهائية وغير مطلقة وغير عالمية”. من الأهمية بمكان مطالعة ومراجعة ومناقشة هذا الطرح المركب لقضية الإنساني والأنسنة في عالم اليوم كما تقدمه د.نادية مصطفى.

ومن الجميل أن قدرًا أساسيًّا من هذه الرؤية يتجلى في تناول الباحثين الشباب لقضايا عشر على مستوى العالم والمنطقة العربية: الكوارث، المناخ، الرياضة، المقاومة الوطنية الفلسطينية، الدراما، الطائفية والاقتصاد، المجاعات، الحكم في إسرائيل الصراع العالمي في الشرق الأقصى، اليمين واليسار في أمريكا اللاتينية وتحديدًا: البرازيل… إلخ.

يستعرض عمر سمير خلف نماذج متنوعة من التعامل مع الكوارث الطبيعية عبر العقدين الماضيين بين السياسي والإنساني، وعن دور الدولة، ودور المجتمع المدني والشعوب بعامة؛ خاصة في العالم الإسلامي: زلزال تركيا وسوريا 2023، تسونامي إندونيسيا (2004- 2022)، وخارجه: زلازل اليابان وكوارثها النووية منذ 2011، وكوارث الصين وتايوان، وإعصار كاترينا في الولايات المتحدة. ويصل عمر إلى أربع نتائج مهمة من بحثه: أهمية دور المجتمع المدني والجهود الشعبية في مواجهة الكوارث في كافة الدول، توقف قدرة المجتمع على التصدي للكوارث بدرجة كبيرة على المناخ السياسي العام ما بين الحرية والقيود، تركز أغلب حركة المجتمع والمبادرات الشعبية في مواجهة الكوارث على العمل الإغاثي دون الوقائي، وأخيرًا أنه في أكثر المجتمعات التي تدعي العلمانية الشاملة، فإن نماذج الاستجابة الأكثر فاعلية في الاستجابة للكوارث؛ كانت تلك المعتمدة على الدين والإيمان.

ومتصلا بهذه النتيجة الأخيرة، ينطلق تقرير طارق جلال بعنوان “مؤتمر المناخ في شرم الشيخ 2022: بين المنجز والمأمول” من نقد النموذج التنموي الحداثي الراهن أسير اللحظة الراهنة، المنكب على النمو المادي وتكديس البضائع ورءوس الأموال بغض النظر عن ثمن ذلك وتكاليفه المستقبلية، ليصل إلى أن تنافسات وصراعات السياسة العالمية على القوة والثروة تحول دون مواجهة القوى الكبرى لتلك الأزمة الوجودية الكبرى المتعلقة بتغير المناخ وتحمل مسئولياتها إزاءها. ومن ثم فشل 26 مؤتمرًا سابقًا للمناخ في الوصول إلى إلزامات بسياسات أو قرارات عملية تخفف من وتيرة تفاقم الأزمة كل عقد من السنين. يتطرق طارق جلال إلى قضايا خلاقية برزت في مؤتمر كوب 27 بشرم الشيخ بمصر نوفمبر 2022 وعلى رأسها، قضية التمويل خاصة من مدخل “التعويضات”؛ المدخل الذي تبنته معظم الدول النامية والضعيفة (الأكثر تأثرًا) في مواجهة الدول الكبرى (الأكثر تأثيرًا وتلوثيًا لمناخ الكوكب)؛ ليتقرر –بصعوبة شديدة وبدور مصري متقدم- تأسيس صندوق الخسائر والأضرار لتعويض الدول المتضررة من الاختلال المناخي العالمي. وفي مقابل قضية التمويل برزت قضية التخلص من الوقود الأحفوري مصدرًا للطاقة والتي احتد فيها الخلاف بين الدول الغنية وبين الدول الفقيرة؛ بحثًا عن تحول عادل تدريجي نحو الاقتصاد الأخضر. وقد أشار طارق إلى بروز قضية القيم بقوة في أعمال المؤتمر بين الشفافية والتمويه الاعلامي ودور الأخير في تعميق الأزمة على المستويات المحلية والعالمية، ورغم ظاهر المكاسب للدول النامية من مؤتمر “كوب 27” خاصة في قضية التعويضات، فإن الباحث يشير إلى الخبرات السابقة لمؤاتمرت البيئة بأنها غير إيجابية بصفة عامة.

ومن مواجهة الكوارث ومؤتمر المناخ يتحول التقرير إلى “جدالات كأس العالم لكرة القدم 2022”. تحت هذا العنوان الفرعي تتعرض الباحثة إيمان علاء الدين لسجالات “الرياضة والسياسة والهوية” في مونديال قطر. وقد تصدرت تلك السجالات وحالة المونديال الاهتمام العالمي؛ إذ تحرك كرة القدم –اللعبة الأكثر شعبية- التنافسات القومية عبر الشعوب بالأساس وليس الأنظمة فقط، وتتداخل فيها علاقات الصداقة وعلاقات التنافس بل تصل إلى العداء، كما يشير باحثون إلى أدوار داخلية لكرة القدم من قبيل مقولة (كرة القدم أفيون الشعوب). وفي المونديال الأخير برزت أيضا قضية الانتماء الحضاري وتمايزاته، وأثيرت قضية صعود الفرق الممثلة للدول الصغيرة وأنصارها مع الدول الكبيرة (مثال حالة فريق المغرب).

وحيث كذلك أشار البعض إلى بروز ما يسمى بـ”دبلوماسية الرياضة”، ألمحت إيمان إلى الجدل المبكر حول تنظيم قطر للمونديال، والمعركة الإعلامية التي دارت حول اتهامات بالفساد وانتهاك حقوق الإنسان، لكن التنظيم الباهر الذي ظهرت عليه المسابقة تجاوز ذلك إلى الحديث عن “الاستثمار الكروي” ما بين التكاليف والعوائد وصناعة وتصدير صورة لهوية عربية إسلامية متميزة. وواجهت الإدارة القطرية للمونديال دعوات الدعاية للحرية والمثلية الجنسية، فضلاً عن تناول الخمور في الملاعب أو الأماكن العامة… وإذا كان حفل الافتتاح قد كشف عن هذا السجال بين الرياضة والسياسة والهوية، فإن الصورة التي عُرض بها صعود الفريق المغربي إلى ما قبل النهائي بوصفه مثلاً للعرب والمسلمين وأفريقيا، ورفع بعض لاعبيه علم الدولة الفلسطينية، أكدت على تعقد هذا الجدال على مستويات عدة. وفي نهاية المطاف، تصل الباحثة إلى أنه على الرغم من مبدأ “الاتحاد” الذي تبشر به كرة القدم به كل كأس عالم، فالعالم ليس واحدًا بل أرضًا مقسمة بفعل المال والسياسة والثقافة.

واتصالا بالعلم الفلسطيني، ينتقل الباحث محمد كمال بنا إلى “تجدد المقاومة في الضفة الغربية: السمات والمسارات”. فالوضع الفلسطيي في أحرج حالاته وأشدها ضيقًا، خاصة مع تهميش منظمة التحرير وفصائل العمل الوطني وضعف المجتمع المدني والنخبة السياسية والفكرية في الداخل. ويلاحظ الباحث أن أسباب إعاقة المقاومة تبدو هي ذاتها التي تحولت إلى أسباب لتجددها؛ فمن عواقب عدم قيام السلطة بدورها في حماية المواطنيين من الاعتداءات الإسرائيلية اليومية المتكررة والمتسعة جغرافيا، واستمرار النخبة السلطوية في مواقعها دون أية تغييرات، واتخاذها خط المفاوضات السلمية (المسدود العقيم) سبيلًا أوحد للتعامل مع العدو.. بل إصرارها على استمرار ما يسمى بـ”التنسيق الأمني” مع العدو الذي يترتب عليه مشاركة السلطة للعدو في تقييد المقاومة وملاحقة المقاومين؛ من عواقب ذلك اشتعلت جذوة المقاومة لدى الفلسطنيين، مع رفضهم حالة الجمود ضمن التحزب للجماعات المختلفة.

وتأكيد لهذا، يشير محمد كمال إلى ظهور مجموعات مقاومة جديدة، تحاول كسر جداري الانقسام والصمت الفلسطينيين، ومواجهة التعديات الصهيونية بما يؤثر فيها، وفي مقدمتها مجموعة عرين الأسد التي ظهرت في نابلس وجنين أواخر 2022، ونفذت العديد من العمليات الناجحة في مواقع العدو وقدمت العديد من الشهداء، وأوقدت جولة جديدة من المقاومة الباسلة، ليتوقع الباحث أن هذه التطورات ستنقل الصراع إلى مساحة أكثر وضوحًا وجدية.

على جانب آخر، ترصد أمنية عمر “اتجاهات الدراما في مصر العامين الماضيين 2021-2022″؛ لتسلط الضوء على أزمة إنتاج هذه الدراما على خلفية جدلية الدولة والمجتمع ورأس المال؛ وهي رؤية تسكن الثقافي والاجتماعي في إطار مكمل. فتشير أولا إلى الإطار التنظيمي للإعلام في مصر منذ دستور 2014 وقانون تنظيمه الصادر 2016 لممارسة دور رقابي وتقويمي للأعمال الفنية والإعلامية المختلفة، وكيف باشر المجلس الأعلى للإعلام دوره في نقد الدراما واستخراج إساءاتها والتهديد بتغريم القنوات التليفزيونية والإذاعية التي يرد بها ذلك، بل تحديد موضوعات أولى بالرعاية، ومعايير لجودة العمل الفني، وكيف لم تترجم الانتقادات إلى عقوبات بين عامي 2017 و2019، بل تحولت سياساتها إلى الإشادة بالأعمال والتقليل من شأن إساءاتها.

ترصد أمنية كيف برزت ظاهرة “احتكار الإنتاج الإعلامي” عبر شركة إعلام المصريين ومن ورائها شركة إيجل كابيتال ومن فروعها شركة سينرجي، ثم اكتملت الصورة بإعلان شركة “watch it” تبعيتها للدولة المصرية 2019. وبناء عليه جاء الموسم الدرامي 21/2022 ليبرز فيه الاتجاه الوطني المدافع عن الدولة الوطنية والمكافح للإرهاب، مع إعادة كتابة رواية ثورة يناير وما بعدها، فضلًا عن المسلسلات التي تناقش قضايا اجتماعية وثقافية دينية خاصة حول قانون الأحوال الشخصية والعلاقات الأسرية وقضايا المرأة، مع تراجع الأعمال الدرامية الدينية والتاريخية نسبيًا وبالأخص الأعمال التي تناقش الأحوال الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر. وخلصت الباحثة إلى أن الدراما المصرية أضحت أقرب إلى صوت السلطة وسوطها أحيانًا، ما جعل المنصات الإلكتروينة بديلًا مهمًا للتعبير عن الصوت الآخر.

ثلاثية أخرى تتعلق بالطائفية والسياسة والاقتصاد، يختبرها الباحث محمد علي في لبنان، لتكون الطائفية هي العدسة الأساسية لفهم الوضع اللبناني الاقتصادي والسياسي. فمن جانب السياسة، دخلت لبنان في أزمات واحتجاجات شعبية تلو الأخرى منذ 2015، إلا أن الطائفية المتجذرة تكمن وراء عمليات الفراغ الرئاسي والشلل الحكومي، والعجز عن مواجهة القضايا الأساسية التي تشغل المواطنين، وأصبحت بابًا لتولي السلطة على المستويين المحلي والوطني عبر عمليات فساد ومحاصصة بغض النظر عن الكفاءة في إدارة شئون الحكم، كما هيأت هذه الصيغة الطائفية فرصة ذهبية لقوى إقليمية ودولية لكي تصبح طرفًا أساسيًا في عملية صنع القرار السياسي عبر الدعم الذي تقدمه لرعاتها المحليين.

أما من الجانب الاقتصادي، فيؤكد الباحث على أن صيغة النظام الطائفي لا تخدم سوى “الطبقات الحاكمة اللبنانية الطائفية النيوليبرالية” والدوائر المقربة منها، وذلك على حساب القطاعات الأكبر من الشعب حتى من داخل تلك الطوائف التي تزداد فقرًا نتيجة عمليات الفساد المستشري، وأجندة “الإصلاح الاقتصادي” التي لا تراعي تلك الفئات المتوسطة أو ذات الدخول المنخفضة، وهو ما عمَّق الفجوة الاجتماعية بين تلك الطبقات وعموم الشعب اللبناني.

وتحت عنوان “بوادر المجاعات في عدة دول: الأسباب، والدلالات”، تكتب سارة أبو العزم ورقتها عن تضافر العديد من الأسباب المحلية والعالمية في زيادة معاناة العديد من الشعوب في الحصول على الغذاء؛ ومنها: الصراعات المحلية التي تزيد من حدة الفقر وأزمات الغذاء، والنزاعات العالمية مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها على إمدادات الحبوب وسلاسل التوريد، أزمات الطاقة العالمية وارتفاع تكلفة وسعر الغذاء، الكوارث الطبيعية وتأثيرها على الانتاج الغذائي، الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها خاصة على الدول الصغيرة والفقيرة.

ويتضح تضافر تلك الأسباب في الدول التي تواجهه المجاعات وشبحها مثلما توضح الباحثة في بعض الحالات بشيء من التفصيل؛ ومنها: إثيوبيا والصومال ونيجيريا والسودان واليمن وسوريا وأفغانستان. وتشير الباحثة إلى الجهود العالمية التي تحاول مواجهة بوادر المجاعات في الدول المختلفة، وتؤكد إنها جهود مبتورة عاجزة عن حل الأزمة، وبالتبعية يمكن أن تخوض تلك الدول المجاعات وعواقبها على شعوبها بل وتتوارثها الأجيال القادمة دون وجود انفراجات في الأفق.

يرصد عبد الرحمن عادل عودة نيتنياهو وإشكاليات الحكم في إسرائيل في ظل المظاهرات الرافضة لما يسمى بالإصلاحات القضائية والتى تستهدف زيادة صلاحيات الحكومة الإسرائيلية. ويوضح أن لإشكاليات حكومة نتينياهو جانبين: الجانب الأول يتعلق بالمشكلة الداخلية التي تتركز بالأساس في صعود قوى من أقصى اليمين الديني والقومي معنية بحسم هوية الكيان الإسرائيلي ومساراته الكبرى، خصوصًا في قضايا حساسة كان يتم عادةً تجاوزها من خلال بعض الصفقات والتوافقات؛ وهي قضايا مرتبطة بالعلاقة بين الدين والدولة وتطبيق التوراة على الحياة اليومية للمجتمع، والتشدد في تعريف اليهودي بحيث يخرج مئات الآلاف من الإسرائيليين من الاعتراف بكونهم يهودًا، وفيما يتعلق بشأن حسم الصراع مع الفلسطينيين والسيطرة على الأقصى والقدس والضفة الغربية، وحتى عدم المبالاة بسقوط السلطة الفلسطينية وانهيار ما تبقى من أوهام وشكليات بشأن مسار التسوية وحل الدولتين.

الجانب الثاني للأزمة هو تأثير الأزمة الإسرائيلية على الوضع في الداخل الفلسطيني؛ حيث إن حكومة نينياهو بدأت في توسيع المستوطنات في الضفة، وإنشاء أخرى جديدة، وشرعنة البؤر غير القانونية، وإمدادها بمشاريع البنى التحتية، لا سيما في المنطقة (ج)، التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، وتخضع لسيطرة الاحتلال المدنية والأمنية معًا. وتتمثل الخطورة الأكبر على الفلسطينيين أنه سيجعل ضباط الجيش وجنوده ذوي ولاءات أيديولوجية حزبية أكثر من خضوعهم لاعتبارات مهنية عسكرية بحتة؛ أي إنهم سيطلقون العنان لدمويتهم باستهداف الفلسطينيين؛ وهم على ثقة أن هناك في المستوى السياسي من سيدعمهم، ويمنحهم الغطاء اللازم.

تستعرض شيماء بهاء في تقريرها صعود ” الصراع العالمي في الشرق الأقصى: المحركات، والاستراتيجيات” بين القوى الكبرى: الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وأستراليا في مواجهة الصعود الشرقي المتمثل في صعود كل من الصين وروسيا خاصة مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، حيث يتسع الصراع بين القوى الكبرى في المجالات الأمنية والعسكرية، والتنافس الاقتصادي والتكنولوجي، والصراع حول الطاقة. وتتطرق الباحثة إلى أبرز بؤر الصراع؛ ومنها بحر الصين الجنوبي، وقضية تايوان، بالإضافة إلى وضع الكوريتين وتأثيره على مسارات الصراع بين الاتجاهين. وعلى الرغم من المناوشات المتصاعدة بين الأطراف إلا أن الفترة القادمة هي التي ستحدد مسارات الصراع ومآلاته وتأثيراته على مناطق العالم، وخاصة العالم الإسلامي.

وفي ختام هذه الباقة من التقارير، يستعرض أحمد خليفة في تقريره بعنوان “البرازيل: من اليمين المتطرف إلى اليسار مجددًا”، الأسباب التي أدت إلى عودة اليسار مرة أخرى إلى سدة الحكم في البرازيل وملامح ذلك التحول مع صعود لولا دي سيلفا لكرسي الرئاسة للمرة الثانية، ومن تلك الأسباب: سوء إدارة اليمين البرازيلي لأزمة وباء كوفيد 19؛ حيث تفشى الوباء دون سيطرة بين المواطنين، وتردي الأوضاع الاقتصادية في ظل إدارة اليمين، وذلك من بعد نمو متتال تحت إدارة اليسار، الاستقطاب السياسي الحاد الناتج عن تمسك اليمين بزعامة بولسينارو بالسلطة ومحاولات التلاعب بنتائج الانتخابات ورفضها، وبناء على ما سبق عاد نجم اليسار في الصعود في الساحة السياسية البرازيلية  وزيادة شعبيته؛ خاصة شعبية لولا دي سيلفا بوصفه أحد أقطاب اليسار القادرين على إعادة التوازن للحياة السياسية في البرازيل.

آلت تلك العوامل إلى وجود تحالفات قوية بين أحزاب الوسط واليسار في مقابل اليمين؛ سواء أكان في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، وعلى صعيد السياسة الخارجية فإن برنامج لولا دي سيلفا يركز على إعادة التوازن في العلاقات بين القوى الكبرى  ودول الإقليم، على عكس الميل والتماهي مع الولايات المتحدة الأمريكية في سياسة سلفه، إلا أن التحديات التي تواجه اليسار في البرازيل جمة؛ سواء على الصعيد الداخلي والخارجي وسيكشف المستقبل عن قدرة اليسار على التعامل معها.

الجزء الأخير من العدد التاسع والعشرين في فصلية “قضايا ونظرات” مخصص لعروض أحدث الإصدارت عن العلم والفكر والقضايا ذات الأهمية للعالم الإسلامي، وتركز عروض الكتب في هذا العدد على استعراض أحدث الكتب في علم العلاقات الدولية. وفي عرض د.آية عنان لكتاب كل من آماتيف آشاريا وباري بوزان تحت عنوان “تشكيل العلاقات الدولية العالمية: أصول حقل العلاقات الدولية وتطوره في ذكراه المئوية”، نجد أن الكتاب يركز على تطور علم العلاقات الدولية تحت السردية المنتشرة بمركزيته الغربية ونشأته مع الحرب العالمية الأولى، وينفي الكتاب تلك السردية حيث يعود بنشأة علم العلاقات الدولية إلى القرن الثامن عشر ميلاديًا من خلال المعاملات الرسمية بين الملوك، ويشير الكتاب إلى الرؤى غير الغربية للعلاقات الدولية خاصة الرؤى الصينية، ويرى الكاتبان إلى أن الصعود الشرقي في الساحة الدولية سيكون له تداعياته على مسار علم العلاقات الدولية ومركزيته الغربية.

الكتاب الثاني تعرضه يمنى صلاح، وهو لكوسوكي شيميزو تحت عنوان ” مدرسة كيوتو والعلاقات الدولية: محاولات غير غربية لنظام عالمي جديد”، وكما يتضح من العنوان فإن الكتاب يطرح محاولة مدرسة كيوتو اليابانية لتجاوز الهيمنة الغربية لعلم العلاقات الدولية، إلا أن المدرسة في نشأتها وقعت في العديد من المغالطات التي نتج عنها الانطلاق من نفس فكر الهيمنة الغربي لطرح فكر هيمنة ياباني دون تجاوز للإشكاليات التى رفضتها المدرسة في الفكر الغربي، وبعد الحرب العالمية الثانية وعلى أثر هزيمة اليابان، فإن المدرسة وبعض مفكريها يحاولون تفادي المغالطات السابقة لطرح نموذج قائم على الحياة اليومية والتجربة الخالصة وطرح رؤى أوسع من المركزية الغربية. وفي المجمل فالمدرسة تحاول طرح مفهوم مختلف عن التعددية والحوار لتعزيز السلام العالمي.

وبالإجمال، فإن العدد 29 من فصلية قضايا ونظرات يمثل إطلالة مهمة على قضايا وأحداث ومناطق من العالم، حاول الباحثون استعراضها من منظورهم الحضاري الجامع بين الأصالة الثقافية والانفتاح على العالم.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى