حزب الله والاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي: القصة والآثار

مقدمة:

في يومي 17 و18 سبتمبر من عام 2024، دوت مئات الانفجارات في جنوب بيروت وسوريا، حيث انفجرت أجهزة النداء/البيجر وأجهزة الاتصال اللاسلكي/ووكي توكي، التي كانت بحوزة عددٍ كبير من أعضاء حزب الله وبعض المسؤولين الإيرانيين. وقد أسفرت هذه الانفجارات عن مقتل 37 شخصًا، وإصابة 3539 آخرين في لبنان[1].

أغلب ضحايا هذه التفجيرات هم أعضاء في حزب الله، الذي اتهم إسرائيل بالوقوف ورائها. ولم تكن التفجيرات حادثًا استثنائيًا، بل حلقة من سلسلة عمليات استخباراتية إسرائيلية استهدفت الحزب، وألحقت به أضرارًا فادحة، تكللت باغتيال زعيمه حسن نصر الله. حيث أفادت تقارير بأن إسرائيل أمضت 20 عامًا في تركيز جهود الاستخبارات على حزب الله، حتى أصبح بإمكانها ضرب نصر الله وقتما تريد[2]، على عكس تصوراته بكون تحركاته غير مرئية لسنواتٍ طويلة. فحتى بعد تفجير أجهزة الاتصال، ومقتل عدد من كبار قادة الحزب، لم يتوقع نصر الله أن تقدم إسرائيل على اغتياله فلم يغير مخبأه، حسبما ورد في تقارير صحف عالمية[3].

وباختلاف الروايات حول قصة الاختراق الإسرائيلي الاستخباراتي الواسع لحزب الله، فالحقيقة المؤكدة والمُجمَع عليها؛ أن إسرائيل نجحت في خداع حزب الله واختراق صفوفه وبنيته التنظيمية والعتادية. فعلى الرغم من فشل كل وحدات الاستخبارات الإسرائيلية في توقع هجوم فصائل المقاومة الفلسطينية يوم 7 أكتوبر 2023، فإنها نجحت فيما ركزت عليه لسنوات من اختراق ما اعتبرته العدو الأقرب والمهدد لأمنها -حزب الله.

يحاول هذا التقرير تقديم صورة لطبيعة الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي لحزب الله، من حيث أسبابه وتجلياته، وما ترتب عليه من خسارة فادحة مُني بها الحزب. على أن يسبق ذلك تمهيد حول أهم معالم الصراع -خاصةً الاستخباراتي- بين إسرائيل وحزب الله.

تمهيد: مسار الصراع الاستخباراتي بين إسرائيل وحزب الله

نشأ حزب الله أثناء فترة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان في أوائل الثمانينيات من القرن العشرين، وضم أفراد من المجموعات الشيعية المحلية. وتمتد جذوره الأيديولوجية إلى المجموعات الشيعية التي تركزت في جنوب العراق خلال الستينيات والسبعينيات، وقاده في البداية رجال الدين والطلاب المتعلمون في النجف الذين عادوا إلى لبنان من العراق خلال السبعينيات، وحفّزوا التعبئة السياسية للمجتمع الشيعي اللبناني.

وعند الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان في عام 1982، انفصل داعمو المواجهة المسلحة مع الاحتلال (وقد تبنوا فكرة إنشاء جمهورية إسلامية على الطراز الإيراني في لبنان على المدى الطويل)، عن حركة أمل الرائدة آنذاك وشكلوا منظمة الأمل الإسلامية. ومن خلال الاستفادة من الدعم المباشر من الحرس الثوري الإيراني وتجنيد أعضاء من جماعات شيعية ثورية أخرى، أصبحت أمل الإسلامية طليعة الجماعات المستوحاة من الدين والتي ظهرت فيما بعد تحت مظلة حزب الله. سمحت المساعدات المالية والتدريبية الكبيرة من إيران لأمل الإسلامية /حزب الله بالتوسيع من قاعدة عملياتها في وادي البقاع في شرق لبنان إلى الضواحي الجنوبية لبيروت والمدن الجبلية الشيعية المحتلة في الجنوب، ومنذ ذلك الحين رفع حزب الله راية المقاومة ضد إسرائيل[4]. وفي المقابل، وجهت إسرائيل سلاحها الاستخباراتي لمحاربة حزب الله منذ نشأته، حيث عدته إسرائيل لفترة طويلة من الزمن أكبر تهديد عسكري يواجهها.

في 12 يوليو عام 2006، أقدمت مجموعة من مقاتلي حزب الله على عبور الحدود إلى شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقتلت ثلاثة جنود إسرائيليين وأسرت اثنين آخرين. وهو ما اعتبره الاحتلال الإسرائيلي بمثابة إعلان حرب عليه من قبل حزب الله، وبدأت تل أبيب هجومها على لبنان للضغط على الحزب، ولكن إسرائيل فشلت إجمالا في هذه الحرب[5].

ولا يعني فشل إسرائيل الإجمالي في حرب 2006 أنها خرجت خالية الوفاض تمامًا، فالعمليات التي قامت بها أثناء الحرب، استنادًا إلى جمع المعلومات الاستخباراتية، شكلت الأساس للنهج اللاحق تجاه الحزب. فقد زرعت إحدى العمليات أجهزة تعقب على صواريخ فجر التابعة لحزب الله، والتي أعطت إسرائيل معلومات عن الذخائر المخبأة داخل القواعد العسكرية السرية ومرافق التخزين المدنية والمنازل الخاصة، وذلك وفقًا لثلاثة مسؤولين إسرائيليين سابقين صرحوا لصحيفة نيويورك تايمز. ومن ثم، قصفت القوات الجوية الإسرائيلية في حرب عام 2006 المواقع، مما أدى إلى تدمير الصواريخ[6].

ومع إعادة بناء حزب الله بعد حرب 2006، وسع الموساد شبكته من المصادر البشرية داخل الحزب، وفقًا لمسؤولين أمريكيين وإسرائيليين حاليين وسابقين. وبشكلٍ خاص، جند الموساد أشخاصًا في لبنان لمساعدة حزب الله في بناء مرافق سرية بعد الحرب. وأفادت نيويورك تايمز أن مصادر الموساد زودت الإسرائيليين بمعلوماتٍ حول مواقع المخابئ وساعدت في مراقبتها. ووفقًا لمسؤولين عسكريين إسرائيليين على علم بالمعلومات الاستخباراتية، عندما انتهت حرب عام 2006، كانت إسرائيل تمتلك “بنك أهداف” لما يقرب من 200 من قادة حزب الله وعملائه ومخابئ الأسلحة ومواقع الصواريخ[7].

وحاولت إسرائيل اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله عدة مرات منذ عام 2006، لكنها فشلت إلى أن تم لها ذلك في عام 2024. ففي حرب عام 2006، حاولت إسرائيل قتل نصر الله ثلاث مرات؛ حيث أخطأت إحدى الضربات الجوية الهدف، وكان زعيم حزب الله قد غادر المكان في وقتٍ سابق. أيضًا فشلت ضربتان في اختراق التعزيزات الخرسانية لمخبئه تحت الأرض، وفقًا لصحيفة فايننشال تايمز[8]. علمًا أنه قد أعلنت المخابرات اللبنانية إلقاءها القبض على ما وصفته بـ “شبكة إرهابية” قالت إنها كانت تخطط لاغتيال نصر الله في شهر إبريل عام 2006[9].

وكان الإسرائيليون عمومًا يتقاسمون معلومات حزب الله الاستخباراتية مع الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين[10]. بل ويشتركون في الكثير من العمليات، منها عملية اغتيال “الثعلب”، فمن أبرز نجاحات إسرائيل الاستخباراتية ضد حزب الله، عملية اغتيال عماد مغنية (الملقب بالثعلب) قائد العمليات الدولية في حزب الله عام 2008، والتي كُشِف جزء من تفاصيل تنفيذها بعد 7 سنواتٍ لاحقة.

في عام 2015 نشرت صحيفة واشنطن بوست تفاصيل اغتيال مغنية؛ ففي الثاني عشر من فبراير 2008، كان عماد مغنية، مراقبًا من قبل عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في دمشق، وبينما يسير في إحدى شوارع العاصمة السورية اقترب من سيارة زُرع فيها جهاز تفجير. وقد تم التفجير عن بعد من تل أبيب بواسطة عملاء من الموساد، الذين كانوا على اتصال بالعملاء الأمريكيين في دمشق[11]. وفي يوم 28 سبتمبر 2024، اعترف إيهود أولمرت -رئيس وزراء إسرائيل في الفترة بين 2006- 2009- أن إسرائيل هي من دبر عملية اغتيال عماد مغنية[12].

وفي عام 2012، بحسب ما ورد في تقرير لـ “نيويورك تايمز”، جاءت لحظة مهمة حيث حصلت الوحدة 8200 المسؤولة عن التجسس الإلكتروني في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، على ما اعتبرته الصحيفة الأمريكية “كنز” من المعلومات حول أماكن تواجد قادة حزب الله على وجه التحديد، ومخابئهم، وبطاريات الصواريخ والقذائف التي يمتلكها الحزب. بعدها، كما جاء في تقرير الصحيفة، زار نتنياهو مقر الوحدة 8200 في تل أبيب، وحينها قال رئيس الوحدة لنتنياهو: “يمكنك الآن مهاجمة إيران”، لكن لم تهاجم إسرائيل في ذلك الوقت[13].

وتصاعد تركيز الموساد على اختراق حزب الله، حيث كانت إسرائيل تعد الحزب حتى فترة قريبة أقرب تهديد عسكري لوجودها، وبلغت الأمور ذروتها مع “طوفان الأقصى”.

التصعيد بين إسرائيل وحزب الله (2023- الآن)

أطلقت فصائل المقاومة الفلسطينية هجومًا واسعًا على الأراضي المحتلة في غلاف قطاع غزة، مصحوبًا بهجماتٍ صاروخية متتابعة وصلت إلى تل أبيب، فيما يعرف بمعركة “طوفان الأقصى”، في يوم السابع من أكتوبر عام 2023. وفي اليوم نفسه، بدأت إسرائيل واحدةً من أكثر الحروب وحشية في التاريخ المعاصر ضد قطاع غزة. وفي الثامن من أكتوبر عام 2023، فتح حزب الله جبهةً عسكريةً محدودة ضد إسرائيل، انطلاقًا من مزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل.

ومنذ البداية، أوضح حزب الله أنه لا يسعى للدخول في حربٍ شاملة مع إسرائيل، بل إنه يهدف إلى حملة استنزاف محدودة لمساندة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة فيما يُعرف بـ “جبهة الإسناد”، وأكد أنه لن يوقف هذه الحملة إلا عندما تُوقف إسرائيل حربها العدوانية على القطاع.

وكذلك أعلنت حكومة بنيامين نتنياهو، أن أولويتها هي القضاء على حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وحكمها في القطاع، ومن ثم، لم تعلن في البداية رغبةً في حربٍ شاملة مع حزب الله تُشغلها عن تحقيق هذا الهدف، فضلًا عن أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يملك، رغم استدعائه قوات الاحتياط، سوى سبع فرق قتالية، زُجّ بخمسٍ منها في القطاع، ولم يتبقَّ لديه سوى فرقتين نشرهما على الحدود مع لبنان[14].

ومنذ بداية المواجهة، ولأول مرة، أخلت إسرائيل المناطق الحدودية مع لبنان من السكان الذين يبلغ عددهم نحو 80 ألفًا، موزعين على 43 مستوطنة، وخلقت بذلك حزامًا أمنيًا داخل حدودها. وفي المقابل، أدى القصف الإسرائيلي لقرى الشريط الحدودي مع لبنان وبلداته إلى إلحاق دمار واسع بها ونزوح أكثر من 100 ألف من سكانها[15].

في أثناء أشهر هذه المواجهة المحدودة بين حزب الله وإسرائيل، تعرض حزب الله لاختراقٍ استخباراتي موجع في منطقة نفوذه بداية عام 2024، حيث اغتالت إسرائيل ثلاثة قادة رفيعي المستوى ينتمون لمحور المقاومة في أسبوعين فقط؛ وهم صالح العاروري من “حماس” في ضاحیة بیروت الجنوبیة، ووسام الطویل القائد في “وحدة الرضوان” التابعة لـ “حزب الله” في جنوب لبنان، وراضي الموسوي القائد في “فیلق القدس” في دمشق[16].

ثم اختلفت الأمور بدايةً من شهر يوليو 2024؛ إذ استغلت إسرائيل سقوط صاروخ على مدرسة في قرية مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، تسبب في مقتل عشرة أطفال، نفى حزب الله بشدة مسؤوليته عنه، لتغيير قواعد الاشتباك، وتغيير معادلة القوى الإقليمية على نحوٍ جذري. كان هذا القرار متخذًا بغض النظر عن المبرر اللحظي. لذا، استهدفت إسرائيل في أواخر الشهر نفسه القائد العسكري لحزب الله، فؤاد شكر، في الضاحية الجنوبية، لتبدأ بعدها سلسلة اغتيالات شملت كبار قادة الحزب وأكثر أعضاء مجلسه الجهادي. هذا فضلا عن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، أثناء حضوره مراسم تنصيب الرئيس الإيراني المنتخب، مسعود بزشكيان، في طهران، كما أحبطت ما ادعت أنه تجهيز لرد حزب الله على اغتيال شكر بقصف واسع لمنصات إطلاق الصواريخ في الجنوب[17].

انتقلت إسرائيل إلى وضع أهداف استراتيجية ذات علاقة بوضع حزب الله عمومًا؛ ما اقتضى عدم الالتزام بأي قواعد اشتباك والانتقال إلى الحرب على الحزب. وقد بدأت الحرب الموسعة عمليًا في منتصف سبتمبر 2024، عندما قامت إسرائيل بتفجير آلاف من أجهزة النداء “البيجر” التي يستخدمها قادة وعناصر في الحزب يوم 17 سبتمبر بعد أن جرى زرع عبوات ناسفة صغيرة فيها قبل أن تُباع لحزب الله. وقد أدت هذه العملية إلى مقتل العشرات وإصابة الآلاف، من بينهم مدنيون. في اليوم التالي، قامت إسرائيل بتفجير أجهزة اللاسلكي (walkie-talkie) لتشل بذلك شبكة اتصالات حزب الله كاملة. شكلت هجمات أجهزة البيجر واللاسلكي أكبر خرق أمني يتعرض له الحزب منذ نشأته في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، لكنها كانت أيضًا مقدمة لتصعيدٍ أكبر قامت به إسرائيل؛ شمل، في اليوم العشرين من الشهر نفسه اغتيال إبراهيم عقيل، قائد العمليات الخاصة في الحزب، وعضو مجلسه الجهادي، الذي تولى مسؤوليات فؤاد شكر، إلى جانب قادة من وحدة الرضوان لدى حزب الله[18].

وأطلقت إسرائيل يوم 23 سبتمبر 2024 ما أسمته عملية “سهام الشمال”، وهي أعنف حملة قصف جوي يشهدها لبنان منذ حرب 2006، وشملت مختلف المناطق اللبنانية من الجنوب وصولًا إلى المعابر الحدودية مع سوريا في الشمال. وجاءت ذروة التصعيد الإسرائيلي في 27 من الشهر نفسه باستهداف مقر القيادة المركزية لحزب الله، وقد أدت إلى اغتيال أمينه العام، حسن نصر الله، وقادة عسكريين آخرين، لتبدأ بعدها عملية قصف واسع النطاق شملت الضاحية الجنوبية ومناطق أخرى على امتداد لبنان[19].

وأعلنت إسرائيل في الأول من أكتوبر 2024، بدء عملية عسكرية برية تستهدف مواقع تابعة لحزب الله في جنوب لبنان، بإسنادٍ جوي ومدفعي. وأسفر العدوان الإسرائيلي على لبنان حتى يوم 24 نوفمبر 2024 عن مقتل 3768 شخصًا وجرح 15 ألفًا و699 آخرين، بحسب ما أعلنته وزارة الصحة اللبنانية. كما دمرت إسرائيل أكثر من 99 ألف وحدة سكنية بشكلٍ كلي أو جزئي في جنوب لبنان. فيما تسبب رد حزب الله، بحسب ما يعلنه إعلام الاحتلال الرسمي، في مقتل 45 “مدنيًا” و73 عسكريًا في الجبهة الشمالية والجولان السوري المحتل، إلى جانب تدمير 55 ألف فدان من الغابات والمحميات الطبيعية[20].

كان عماد العدوان الإسرائيلي على لبنان في هذه الحرب التي شنها لتدمير حزب الله، هو الجهد الاستخباراتي الهائل لاختراق الحزب، على نحو ما أُشير إلى بعض وقائعه، التي يمكن إجمال دلالاتها على هذا النحو:

أ) تفجير أجهزة الاتصالات

تعتبر عملية تفجير أجهزة اتصالات حزب الله (البيجر ووكي توكي) في سبتمبر 2024، من أنجح العمليات الاستخباراتية في التاريخ الحديث. وهناك معلومات بأن الموساد قد عمل لسنواتٍ طويلة في هذه العملية حتى لحظة التفجير التي أودت بآلاف العناصر المنتمين إلى حزب الله. وفي الواقع، فإننا نتحدث هنا عن عمليتين منفصلتين تزامنا فقط في مشهدهما الختامي. العملية الأولى هي عملية أجهزة النداء/ البيجر، والعملية الثانية هي عملية أجهزة الاتصالات/ ووكي توكي. وتشير التقديرات والتفاصيل المسربة من قبل الموساد أن العملية الأولى بدأت عام 2022، فيما بدأت الثانية عام 2015[21].

في عام 2015 بدأ الجزء الأول من خطة الموساد لإدخال أجهزة الووكي توكي إلى لبنان. واحتوت أجهزة الاتصال اللاسلكية المحمولة ثنائية الاتجاه هذه، على حزم بطاريات كبيرة الحجم ومتفجرات مخفية ونظام إرسال يمنح إسرائيل إمكانية الوصول الكامل إلى اتصالات حزب الله. حيث اكتفى الإسرائيليون لمدة تسع سنوات بالتنصت على حزب الله، مع الاحتفاظ بخيار تحويل أجهزة الاتصال اللاسلكية إلى قنابل في أزمة مستقبلية. ولكن بعد ذلك جاءت فرصة جديدة مع منتج جديد وهو أجهزة البيجر المزودة بمتفجرات قوية[22].

وقال أحد عملاء الموساد أنه كان لابد من جعل أجهزة “البيجر” أكبر قليلا لتناسب كمية المتفجرات المخفية بداخلها. وتم اختبارها على دمى عدة مرات للعثور على الكمية المناسبة من المتفجرات التي ستسبب الأذى للمقاتل فقط، دون أي ضررٍ للأشخاص القريبين. كما اختبر الموساد العديد من نغمات الرنين للعثور على نغمة تبدو عاجلة بما فيه الكفاية لجعل الشخص يُخرج جهاز البيجر من جيبه[23].

وخرج عميل آخر للموساد إلى الإعلام ليقول إن إقناع حزب الله بتغيير الأجهزة إلى أجهزة بيجر أكبر استغرق أسبوعين، باستخدام إعلانات مزيفة على يوتيوب تروج للأجهزة بأنها مقاومة للغبار والماء وتتمتع بعمر بطارية طويل. وقال أيضًا إن الموساد استخدم شركات وهمية إحداها في المجر، لخداع شركة “غولد أبولو” التايوانية لدفعها بشكلٍ غير واعٍ للتعاون مع الموساد. وأكد العميل أن حزب الله كان غير مدرك أن الشركة الوهمية تعمل مع إسرائيل[24].

ونشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرًا يكشف تفاصيل هامة حول العملية، جاء فيه أن عرض البيع الذي تم تقديمه إلى حزب الله عام 2022، بدا فيه الخط الجديد من أجهزة النداء/ البيجر من طراز أبولو مناسبًا تمامًا لاحتياجات منظمة مثل حزب الله. كان الجهاز من طراز AR924 ضخمًا بعض الشيء ولكنه قوي، ومصممًا لتحمل ظروف ساحة المعركة. وبحسب التقرير، فقد حملت هذه الأجهزة ميزة في غاية الأهمية والجاذبية بالنسبة لحزب الله؛ ألا وهي عدم القابلية للتتبع من قِبَل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية؛ ما دفع قادة حزب الله إلى شراء 5000 جهازًا منها وتوزيعها على المقاتلين من المستوى المتوسط ​​وأفراد الدعم[25].

ووفقًا لروايات صحف عالمية، فإن مكون القنبلة كان مخفيًا بعنايةٍ شديدة لدرجة أنه كان من المستحيل اكتشافه تقريبًا، حتى لو تم تفكيك الجهاز. ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن حزب الله فكك بعض أجهزة النداء، وربما قام بفحصها بالأشعة السينية[26].

جدير بالذكر أن هذه الروايات هي ما اشتركت بشأنه مصادر صحفية أمريكية وبريطانية، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين وأمريكيين بحسب ما أفادت هذه المصادر. إلا أن هذه الروايات تثير الكثير من التساؤلات والشكوك. فعلى الرغم من النجاح الفعلي لعملية الموساد؛ فقد انفجرت الأجهزة وسقط مئات القتلى من عناصر حزب الله، إلا أنه لا توجد أية دلائل على العديد من أجزاء هذه الروايات؛

  • تقول الروايات أن بيع الأجهزة تم عن طريق شركات وهمية تعاملت مع الشركة التايوانية، فهل يُعقل أن منظمة عسكرية واستخباراتية بحجم وخبرة حزب الله وصلاته القوية بالاستخبارات اللبنانية والسورية والإيرانية، أغفلت البحث وراء هذه الشركات فلم تتوصل لكونها وهمية أو حديثة النشأة أو يديرها أفراد مجهولون.
  • وتقول الروايات أن الأجهزة حوت قنابل وأجهزة إرسال؛ إذا سلمنا أن المواد المفخخة أو نوع البطارية القابل للانفجار يتشابه مع مكونات عادية في مثل هذه الأجهزة (وهو ما لم تؤكده الروايات على وجه التفصيل)، فكيف كان يتم إرسال المواد التي تتنصت عليها إسرائيل لسنوات، دون أن يدرك حزب الله أن هناك مرسل ومستقبل.
  • تعتمد الروايات في غالبها على معلومة أنه تم إرسال رسالة مشفرة تسببت في التفجير. ألا يعد ذلك اختراق سيبراني يمكن أن يحدث في أي وقت، وبواسطة الكثير من الأجهزة التكنولوجية الذكية كالهواتف مثلا أو الشاشات الذكية وغيرها؟! وبالفعل تعالت أصوات في يوم تفجير البيجر في العالم بأسره تتحدث حول قدرة إسرائيل على تفجير أي جهازٍ ذكي في أي مكان، حتى أن اللبنانيين ظلوا لفترةٍ لاحقة يخشون أن تنفجر أجهزة أخرى من تلك التي تملأ حياة البشر العاديين.
  • اختبر حزب الله الأجهزة بواسطة أشعة سينية ومن المؤكد أنها مرت باختباراتٍ عديدة أخرى، ولم يظهر له ما يُريب من مكونات مادية أو أدوات اتصال. ولا نملك في جهة هذه الروايات إلا أن الأجهزة كانت تحتوي على قنابل لا يمكن رؤيتها، ولا يظهر عليها أي إمكانية للتتبع الخارجي. فلماذا لا نصدق أيضًا (وهو الأقرب للمنطق العملي) أن هذه المكونات لم يكن من الممكن رؤيتها لأنها لم تكن موجودة بالأساس.

ب) اغتيال حسن نصر الله

في عمليةٍ جريئةٍ ومفاجئة، اغتالت إسرائيل حسن نصر الله، الزعيم المحنك لحزب الله. حيث تعقب جيش الاحتلال نصر الله إلى مخبأ بُني عميقًا تحت مجمع سكني في جنوب بيروت، وألقى ما يصل إلى 80 قنبلة للتأكد من مقتله، وفقًا لوسائل إعلام إسرائيلية[27].

وكان نصر الله يتجنب الظهور العلني منذ حرب عام 2006، وقد كان يقظًا حتى أن تحركاته باتت مقيدة وكانت دائرة الأشخاص الذين رآهم صغيرة للغاية، وفقًا لتقارير صحفية مطلعة على الترتيبات الأمنية لنصر الله، ومن ثم أفادت التقارير أن الاغتيال يشير إلى أن جماعته تسلل إليها مخبرون لصالح إسرائيل. “هذه ضربة هائلة وفشل استخباراتي لحزب الله”، كما قال ماجنوس رانستورب، الخبير المخضرم في شؤون حزب الله في جامعة الدفاع السويدية… “كانوا يعرفون أنه كان يجتمع، كان يجتمع مع قادةٍ آخرين، وذهبوا إليه ببساطة”[28].

قالت صحف إسرائيلية إن هذه العملية الاستخباراتية تعاونت فيها 3 وحدات رئيسية تابعة لـ”شعبة الاستخبارات العسكرية” (أمان)، هي الوحدة 8200 والوحدة 9900 والوحدة 504. وشعبة الاستخبارات العسكرية جهاز استخباراتي تابع للجيش الإسرائيلي، يتكون من عدة وحدات، وهو المسؤول عن جمع المعلومات العسكرية وتحليلها، ويعمل بالتنسيق مع باقي أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مثل الاستخبارات الخارجية (الموساد) وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك)[29].

وأفادت صحيفة فايينشال تايمز أن الوحدة 8200 قامت على مدار عقدين، باستخراج كميات هائلة من البيانات لرسم خريطة لما تصفه بـ “الميليشيات سريعة النمو” في “الساحة الشمالية” لإسرائيل. حيث وسعت الاستخبارات الإسرائيلية نطاقها لرؤية حزب الله بالكامل، ونظرت إلى ما هو أبعد من مجرد جناحه العسكري إلى طموحاته السياسية واتصالاته المتنامية مع الحرس الثوري الإيراني، وعلاقة نصر الله بالرئيس السوري بشار الأسد[30].

وأفادت وكالة رويترز، أنه في أعقاب تفجيرات البيجر والووكي توكي، أرسل المرشد الإيراني علي خامنئي رسالة عبر مبعوث يطلب فيها من الأمين العام لحزب الله المغادرة إلى إيران، وأشار فيها إلى تقارير استخباراتية تفيد بأن إسرائيل لديها عملاء داخل الحزب وتخطط لقتله. وكان هذا المبعوث هو عباس نيلفروشان القائد البارز في الحرس الثوري الإيراني، الذي كان مع نصر الله في مخبئه عندما استهدفته القنابل الإسرائيلية وقُتل معه[31].

ج) اختراق صفوف القيادات

استطاع الاحتلال بعد اغتيال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله وبعد عملية اغتيال القيادي الكبير في الحزب هاشم صفي الدين، أن يقتل عضوًا كبيرًا في ذراع المخابرات التابع لحزب الله يُدعى حسن خليل ياسين، خلال غارة على جنوب بيروت. وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه استهدف مقر مخابرات حزب الله في بيروت، في حين أوضح الجيش لاحقًا في بيان له أن طائراته الحربية قصفت، استنادًا إلى معلومات استخباراتية دقيقة، مواقع تابعة لـ “ركن الاستخبارات” في حزب الله داخل بيروت. وأكد البيان أن الغارات أصابت وحدات وأجهزة جمع المعلومات، ومقرات القيادة، وبنى تحتية أخرى[32].

ونقل موقع عربي بوست عن مصدر إيراني مقرب من مستشار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للشؤون الاستراتيجية، جواد ظريف، إن الاختراق تم بالكامل عبر شبكة الاتصالات الهاتفية في لبنان، وأشار إلى أن عائلات القيادات في حزب الله لديهم جميعًا تليفونات حديثة “سمارت فون”، ويتواصلون من خلالها مع دوائرهم الاجتماعية. وقد استطاع الاحتلال في المرحلة الأولى من عملية الاختراق أن يلج إلى كل هواتف عائلات الصف الأول من قيادات حزب الله من الزوجات والأبناء وأبناء العمومة، وقام برصد كل المحادثات التي تخص القيادات على لسان زوجاتهم وأولادهم وتخزينها لفتراتٍ طويلة. الأمر الثاني الذي أشار إليه المصدر الإيراني لعربي بوست هو استخدام تطبيق “واتس اب” في المحادثات بين عائلات قيادات حزب الله ودوائرهم الاجتماعية، وأن هذا التطبيق تم اختراقه من جانب الاحتلال الإسرائيلي وحصل على كافة التفاصيل المدرجة في كل رسائل المحادثات بين عائلات قادة حزب الله على مدار فتراتٍ طويلة في السنوات الماضية. بالإضافة إلى أن كاميرات مراقبة المنازل في الضاحية الجنوبية كانت من الأسباب التي كشفت قيادات الحزب، إذ إن المئات من اللبنانيين المقيمين خارج لبنان يضعون كاميرات مراقبة أمام منازلهم لمراقبتها وهم بالخارج وقد استطاع الاحتلال اختراق هذه الكاميرات والاستفادة من مخزونها. حيث أفاد الموقع أن عملية الاختراق طالت الصف الأول بالكامل بسبب الهواتف، وأن الحزب حتى الآن لا يجد أي حل لهذه الأزمة لأنه حزب غير سري، وبالتالي تحرك قياداته بسرية في لبنان سوف يواجه صعوبات كبيرة[33].

محفزات الاختراق: تحول تعريف حزب الله لدى الموساد وانكشافه في سوريا

أشارت الاستخبارات الإسرائيلية لمدة تقرب من عقد من الزمان إلى حزب الله باعتباره “جيشًا إرهابيًا”، وليس جماعةً إرهابية مثل “تنظيم القاعدة”. كان هذا تحولًا مفاهيميًا أجبر إسرائيل على دراسة حزب الله عن كثب وعلى نطاقٍ واسع كما فعلت مع الجيش السوري، على سبيل المثال[34].

ومع نمو قوة حزب الله، بما في ذلك نشر قواته في سوريا لمساعدة الأسد في قمع الانتفاضة المسلحة ضد دكتاتوريته عام 2012، ظهر لإسرائيل “صورة استخباراتية” كثيفة -من كان مسؤولًا عن عمليات حزب الله، ومن كان يحصل على ترقية، ومن كان فاسدًا، ومن عاد للتو من رحلةٍ غير مفسرة[35].

فثمة ما يُشبه الإجماع بين المحللين على أن توسّع حزب الله في سوريا أتاح لـ “الإسرائيليين” منجمًا من البيانات والمعلومات الثرية، هذه البيانات، التي تم جمعها على مدار فترةٍ طويلة، كانت ذات قيمة كبيرة للاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية، خاصةً مع انخفاض مستوى الحذر الأمني بين عناصر حزب الله خلال حرب نظام الأسد وحلفائه على الشعب السوري، والذي يعود إلى حقيقة أن الحزب لم يكن مستهدفًا من قبل الإسرائيليين في غالب مدة انخراطهم بهذه الحرب. على العكس من ذلك، تركت إسرائيل عناصر الحزب يدخلون سوريا ويُنفّذون مهامهم دون مضايقة، ومع دخول دماء جديدة للحزب نتيجة استنزاف عناصره البشرية، بدأ الحزب يبرمج محاذيره الأمنية بناءً على واقع قدرات فصائل المعارضة السورية، لا واقع إسرائيل، وزاد بالتالي التراخي الأمني وقلة الانضباط، خاصةً مع شيوع الحالة “المليشياوية” لعموم مليشيات المشروع الإيراني المنتشرة على الجغرافيا السورية. هذا التراخي الأمني فتح الباب أمام الاستخبارات الإسرائيلية لتحليل نشاطات الحزب بشكلٍ أعمق وتطوير استراتيجيات استخباراتية طويلة الأمد، بالإضافة إلى القدرة على زرع الجواسيس من خلال العناصر الجديدة[36].

قالت رندا سليم، مديرة البرامج في معهد الشرق الأوسط في واشنطن: “كانت سوريا بداية توسع حزب الله، وقد أدى ذلك إلى إضعاف آليات الرقابة الداخلية وفتح الباب للتسلل على مستوى كبير”. كما خلقت الحرب في سوريا نافورة من البيانات، معظمها متاح للعامة من جواسيس إسرائيل ــوخوارزمياتهم- لكي يهضموها. وكان نعي القتلى، في هيئة “بيانات الشهداء” التي يستخدمها حزب الله بانتظام، واحدة من هذه القنوات المفتوحة للمعلومات، التي كانت تتخللها تفاصيل بسيطة لكنها هامة، بما في ذلك البلدة التي ينتمي إليها المقاتل، والمكان الذي قُتل فيه، ودائرة أصدقائه الذين ينشرون الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي. وكانت الجنازات أكثر كشفًا، حيث كانت تجتذب أحيانًا كبار القادة من الظل، ولو لفترةٍ وجيزة. وقال سياسي لبناني رفيع المستوى سابق في بيروت إن اختراق حزب الله من قبل المخابرات الإسرائيلية أو الأمريكية كان “ثمن دعمهم للأسد”. وقال: “كان عليهم أن يكشفوا عن أنفسهم في سوريا”، حيث اضطرت المجموعة السرية فجأةً إلى البقاء على اتصال وتبادل المعلومات مع جهاز الاستخبارات السوري المكشوف لإسرائيل بشكلٍ كبير، أو مع أجهزة الاستخبارات الروسية، التي كانت تخضع لمراقبةٍ منتظمة من قبل الولايات المتحدة[37].

تقول صحيفة فايننشال تايمز إن إسرائيل جمعت الكثير من البيانات لدرجة أنها أنشأت مجموعة مخصصة، الوحدة 9900، والتي تكتب خوارزميات تغربل “تيرابايتات” من الصور المرئية للعثور على أدنى التغييرات، على أمل تحديد جهاز متفجر مرتجل على جانب الطريق، أو فتحة تهوية فوق نفق أو الإضافة المفاجئة لتعزيزات خرسانية، مما يشير إلى وجود مخبأ. وبمجرد تحديد هوية أحد عناصر حزب الله، يتم إدخال أنماط تحركاته اليومية في قاعدة بيانات ضخمة من المعلومات، يتم سحبها من أجهزة يمكن أن تشمل الهاتف المحمول لزوجته، أو عداد المسافات في سيارته الذكية، أو موقعه. إن هذه العمليات يمكن التعرف عليها من مصادر مختلفة مثل طائرة بدون طيار تُحلق في السماء، أو من خلال بث كاميرا مراقبة مخترقة يمر بها. إن أي انقطاع عن هذا الروتين يصبح بمثابة تنبيه لضابط الاستخبارات لفحصه، وهي التقنية التي سمحت لإسرائيل بتحديد القادة متوسطي المستوى لفرق مكافحة الدبابات المكونة من اثنين أو ثلاثة مقاتلين والتي ضايقت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي عبر الحدود.

وفي مرحلةٍ ما، راقبت إسرائيل جداول القادة الأفراد لمعرفة ما إذا كان قد تم استدعاؤهم فجأةً تحسبًا لهجوم، بحسب ما قصته فايننشال تايمز، لكن كل واحدة من هذه العمليات تتطلب الوقت والصبر للتطور. على مدى سنوات، تمكنت المخابرات الإسرائيلية من ملء بنك أهداف ضخم لدرجة أنه في الأيام الثلاثة الأولى من العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، حاولت طائراته الحربية تدمير ما لا يقل عن 3000 هدف مشتبه به لحزب الله، وفقًا لتصريحات عامة صادرة عن جيش الاحتلال[38].

خاتمة: تداعيات نجاح إسرائيل في اختراق حزب الله

لا شك أن إسرائيل نجحت في تكبيد حزب الله خسائر فادحة للغاية في عام 2024، بغض النظر عن مدى صدق روايات الاختراق الاستخباراتي المتعددة. ففي النهاية، تم اغتيال الأمين العام للحزب وقائده العسكري وعدد كبير من قيادات الصف الأول. هذا إن لم نأخذ في الحسبان تدمير البنى التحتية التي تزعم إسرائيل نجاح استهدافها مثل مقر استخبارات حزب الله وعدد كبير من مستودعات الأسلحة.

ربما يكون الأثر الأكثر أهمية في الآونة الراهنة لتراجع نفوذ حزب الله، هو نجاح المعارضة السورية في إسقاط نظام بشار الأسد، الذي ظل حزب الله يدعمه لما يتجاوز عقد من الزمان. إلا أنه لا يمكن الجزم بأن ذلك التراجع قد حدث بسبب ما خسره الحزب وما تعرض له خلال الفترة الأخيرة، لكن المؤكد أن سوريا كانت محطة هامة في انكشافه الاستخباراتي والعملياتي. وبدوره، كان للحزب بالغ الأثر في قمع المعارضة السورية وتوطيد دعائم نظام الأسد تحت المظلة الإيرانية، ثم سقط الأسد وغاب حزب الله عن سوريا.

تتعالى أصوات الأمين العام الحالي لحزب الله نعيم قاسم، وأصوات القادة الإيرانيين، بأن حزب الله أعاد بناء نفسه بالفعل، فحتى وقت اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، ظلت صواريخ الحزب تمطر الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل مُوقعة خسائر في صفوف الاحتلال. هذا إلى جانب ما أعلنه الحزب في عدة مناسبات من اختراقه هو الآخر لإسرائيل، ودرايته بمواقع حساسة ومعلومات عسكرية تفصيلية هدد بها نصر الله غير ذات مرة. إلا أنه لم يستخدم هذه المعلومات أو ينفذ تهديداته، في حين فعلت إسرائيل الكثير.

الأمر المؤكد أيضًا، أن تفجيرات البيجر كانت حدثًا فارقًا في المنطقة، وربما في العالم بأسره. لا يبدو أن ما أُذيع من تفاصيل حول هذا الهجوم قد لاقى التصديق الذي ترجوه إسرائيل، حيث لا زالت على الرغم من مرور أشهر على الهجوم تخرج عملاء من الموساد ومسؤولين ليدعوا إفشاء تفاصيل، ما هي إلا تأكيد للرواية ذاتها. فهل تصرف إسرائيل أنظار العالم عن هجوم سيبراني مخيف؟ إذا ما صحت روايته، فإننا أمام عدو يملك كمًا هائلًا من البيانات والقدرات التكنولوجية التي يمكن له أن يستخدمها وقتما شاء ضد أي طرف يعده عدوًا، أو حتى يصفه صديقًا لكنه يحتاج لبعض الضغط كي يظل على المسار الذي يُناسب إسرائيل.

________

هوامش

باحثة دكتوراة في العلوم السياسية – جامعة القاهرة.

[1] ارتفاع حصيلة تفجير الأجهزة اللاسلكية في لبنان، سكاي نيوز عربية، 19 سبتمبر 2024، تاريخ الاطلاع: 8 ديسمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: http://surl.li/wggzko

[2] Samia Nakhoul, Parisa Hafezi and Maayan Lubell, Reuters, September 29, 2024. Accessed at: 20 November 2014, available at: http://surl.li/zkgche

[3] Mark Mazzetti, Sheera Frenkel and Ronen Bergman, Behind the Dismantling of Hezbollah: Decades of Israeli Intelligence, New York Times, 29 December 2024. Accessed at: 30 December 2024, available at: http://surl.li/yzamzr

[4] Casey L. Addis, Christopher M. Blanchard, Hezbollah: Background and Issues for Congress, Congressional Research Service, 3 January 2011.

[5] مات م. ماثيوز، حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل، ترجمة: مها بحبوح، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2008، ص 5.

[6] Mark Mazzetti, Sheera Frenkel and Ronen Bergman, Op.Cit.

[7] Ibid.

[8] Mehul Srivastava, James Shotter,Charles Clover and Raya Jalabi, How Israeli spies penetrated Hizbollah, Financial Times, September 29 2024. Accesed at: 28 December 2024. Available at: http://surl.li/qhbhit

[9] الاستخبارات اللبنانية تحبط محاولة لاغتيال حسن نصر الله، الجزيرة نت، 10 إبريل 2006. تاريخ الاطلاع: 29 ديسمبر 2024. متاح عبر الرابط التالي: http://surl.li/msfazc

[10] Mark Mazzetti, Sheera Frenkel and Ronen Bergman, Op. cit.

[11]  Adam Goldman and Ellen Nakashima,  CIA and Mossad killed senior Hezbollah figure in car bombing, washington post, published at 30 January 2015. Accessed at: 21 December 2024. Available at: http://surl.li/vssosj

[12] “في عملية حملت تفاصيل “مثيرة جدًا”.. أولمرت يعترف بتصفية عماد مغنية، العربية، 29 سبتمبر 2024. تاريخ الاطلاع: 22 ديسمبر 2024. متاح عبر الرابط التالي: http://surl.li/yqsvds

[13] Mark Mazzetti, Sheera Frenkel and Ronen Bergman, Op. cit.

[14] المواجهة بين حزب الله وإسرائيل واحتمالات اندلاع حرب شاملة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 3 يوليو 2024. تاريخ الاطلاع: 29 ديسمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: http://surl.li/ooacga

[15] المرجع السابق.

[16] حنين غدار، تعزيز الدبلوماسية الأمريكية لوقف الحرب بين حزب الله وإسرائيل، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ملاحظات سياسية رقم 145، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فبراير 2024. تاريخ الاطلاع: 29 ديسمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: http://surl.li/bhosja

[17] العدوان الإسرائيلي على لبنان بعد استهداف مقر القيادة المركزية لحزب الله واغتيال أمينه العام، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 29 سبتمبر 2024. تاريخ الاطلاع: 29 ديسمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: http://surl.li/krnavb

[18] المرجع السابق.

[19] المرجع السابق.

[20] تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله بعد حرب 2024، الجزيرة نت، 28 نوفمبر 2024. تاريخ الاطلاع: 29 ديسمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: http://surl.li/ntjsot

[21] الموساد يكشف تفاصيل صادمة حول عملية البيجر المفخخة ضد حزب الله، العربية نت، 23 ديسمبر 2024. تاريخ الاطلاع: 29 ديسمبر 2024، متاح عبر هذا الرابط: http://surl.li/uaiyja

[22] Souad Mekhennet and Joby Warrick, Mossad’s pager operation: Inside Israel’s penetration of Hezbollah, Washington post, October 5, 2024. Accessed on: 20 November 2024, available at: http://surl.li/gjirua

[23] الموساد يكشف تفاصيل صادمة حول عملية البيجر المفخخة ضد حزب الله، مرجع سابق.

[24] المرجع السابق.

[25] Souad Mekhennet and Joby Warrick, Mossad’s pager operation: Inside Israel’s penetration of Hezbollah, washington post, October 5, 2024. Accessed at: 20 November 2024, available at: http://surl.li/gjirua

[26] Ibid.

[27] تقرير: هكذا خططت ونفذت إسرائيل اغتيال نصر الله، سكاي نيوز عربية، 28 سبتمبر 2024. تاريخ الاطلاع: 29 ديسمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: http://surl.li/isvwzx

[28] Samia Nakhoul, Parisa Hafezi and Maayan Lubell, Op. cit.

[29] ثلاث وحدات استخباراتية إسرائيلية وفرت معلومات لاغتيال نصر الله، الجزيرة نت، 29 سبتمبر 2024. تاريخ الاطلاع: 28 سبتمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: http://surl.li/ifquxy

[30] Mehul Srivastava, James Shotter, Charles Clover and Raya Jalabi, Op. cit.

[31] Samia Nakhoul and Laila Bassam, Op. cit.

[32] محمود شعبان، من كاميرات المراقبة إلى واتساب.. مصادر تكشف كيف استطاع الاحتلال اختراق جهاز استخبارات حزب الله في لبنان، عربي بوست، 5 أكتوبر 2024. تاريخ الاطلاع: 20 نوفمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: http://surl.li/nkxqzg

[33] المرجع السابق.

[34] Mehul Srivastava, James Shotter,Charles Clover and Raya Jalabi, Op. cit.

[35] Ibid.

[36] محمد سالم، تورط ميلشيا “حزب الله” في سوريا.. من التوظيف إلى الاختراق الأمني، مركز الحوار السوري، 1 أكتوبر 2024. تاريخ الاطلاع: 20 نوفمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: http://surl.li/uzgtbn

[37] Mehul Srivastava, James Shotter, Charles Clover and Raya Jalabi, Op. Cit.

[38] Ibid.

  •  فصلية قضايا ونظرات- العدد السادس والثلاثون- يناير 2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى