القمة الإسلامية الثامنة بطهران

انعقدت في العاصمة الإيرانية طهران على مدى ثلاثة أيام القمة الإسلامية الثامنة، في الفترة من 9-11ديسمبر بمشاركة وفود 55 دولة تمثل أعضاء منظمة المؤتمر التي تأسست عام 1969 رداً على محاولة أحد المتطرفين الصهاينة إحراق المسجد الأقصى الشريف .

وجاء انعقادها في طهران دلالة هامة على أن الدول الإسلامية على استعداد للتجاوب مع إيران في جهودها لفك العزلة عن نفسها لاسيما بعد التغيرات التي حدثت على الساحة الإيرانية وانتخاب الرئيس محمد خاتمي الذي يبذل جهودا حثيثة لتحسين صورة إيران في المحيط الدولي ولدى العرب بصفة خاصة.

وجاء توقيت الانعقاد في ظل أوضاع عالمية ومحلية شديدة الدلالة، إذ تأكد أن الإسلام يتعرض لحملة عالمية  –منظمة في نظر الكثيرين- لتشويه صورته وإلصاق تهمة الإرهاب به . في الوقت الذي تواجه فيه الدول الإسلامية تحديات داخلية وخارجية عديدة في إطار تحولات جديدة لا تبدو بأية حال في صالح الدول الإسلامية .

وإذا ما استعرضنا الأوضاع العالمية التي انعقدت القمة في ظلها –والتي ترتبط بلا شك بالتحديات الخارجية – فلن نجد أدق من إشارة صمويل هنتنجتون في مؤلفه الشهير صدام الحضارات إلى أن هناك مجموعة من العوامل زادت من حدة الصراع بين الإسلام والغرب في أواخر القرن العشرين وهي النمو السكاني الإسلامي ، والصحوة الإسلامية ، وجهود الغرب لتعميم قيمه ومؤسساته والاحتكاك المستمر بين المسلمين والغربيين ، وأخيرا سقوط الشيوعية.وتأتي أهمية هذا الرأي الذي يقرر بوضوح أن الإٍسلام هو العدو الجديد للغرب ليس فقط من محتواه وإنما أيضا من هوية قائله الذي يوصف بأنه ” المنظر الأيديولوجي للبنتاجون ” ليدلل على أن مواجهة الإسلام كعدو أكبر قد أصبحت بالفعل هدفا استراتيجيا للسياسة الغربية.

الخطير فعلا أن المسلمين يدخلون هذه المواجهة المفروضة عليهم وهم غير مستعدين لها في ظل انعدام قدرة الدول الإٍسلامية على التنسيق فيما بينها ، وفي ظل عدم قدرتها على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تلم بها ، ولذلك لم يكن عجيبا أن يصبح الطابع الغالب لردود فعل الدول الإسلامية تجاه المذابح العرقية التي تعرض لها المسلمون في البلقان بدءا من البوسنة ، وانتهاءا بكوسوفا هو الصمت العاجز ، المدرك جيدا حقيقة وضعه في عالم لا يعترف سوى بالتكتلات الكبرى والكيانات المتماسكة .

أما الأوضاع الداخلية التي تعيشها الدول الإسلامية فليست سوى إفرازات لضغوط خارجية ومتتاليات فشل داخلية أدت – ضمن ما أدت إليه – إلى تعرض أربع دول إسلامية – على الأقل – لعقوبات اقتصادية ، هي العراق وليبيا والسودان وإيران وأن يعاني العدد ذاته حروبا أهلية مستعرة  بدءا من السودان التي طالت فيها الحرب الأهلية في الجنوب عن ربع قرن من الزمن إضافة لأفغانستان والصومال وانتهاءً بالجزائر .

في ظل هذه الظروف انعقدت القمة الإسلامية الثامنة التي رأى البعض فيها بصيص أمل يبرق في نهاية النفق المظلم .

القمة : ” المشاركة والانعقاد “

أجمع المراقبون على أن المشاركة الكثيفة للدول الإسلامية في أعمال القمة كانت من أهم أحداثها ، إذ وجهت رسالتين في غاية الأهمية للولايات المتحدة .

الأولى : أن العزلة الدولية التي تريد أن تفرضها على إيران قد أصبحت إلى زوال وأن العالم الإسلامي على استعداد  للتجاوب مع المتغيرات التي طرأت على الساحة الإيرانية منذ وصول خاتمي للسلطة .

الثانية : أوضحت عن نفسها من جراء عقد المقارنات بين الحضور القوى للدول العربية في القمة ، وبين الحضور المحدود والهامشي لذات الدول في مؤتمر التعاون الاقتصادي الذي عقد في الدوحة في نوفمبر من نفس العام.

وقد شارك في أعمال المؤتمر العديد من الحكام العرب منهم السوري حافظ الأسد ، والسوداني عمر البشير واللبناني إلياس الهراوي . كما شارك الأمير عبد الله ولي عهد السعودية إضافة لأمير قطر والأمير حسن ولي عهد الأردن .

وأدى تدهور أو قطع العلاقات السياسية مع إيران إلى غياب العديد من الحكام أبرزهم المصري حسني مبارك والذي كانت مسألة حضوره من عدمه هو التساؤل الأساسي الذي ثار طيلة انعقاد المؤتمر ، كما تغيب أيضا كل من الرئيس الجزائري والتونسي وأمير البحرين لنفس السبب وهو اتهام إيران بدعم الجماعات المسلحة التي تعمل ضد هذه الدول ، وهو ما تسبب في قطع العلاقات الدبلوماسية بينها وبين إيران .

هذا وبينما كان الخلاف حول مصير الإمام موسى الصدر الذي اختفى أثناء زيارته لليبيا عام 1978 هو السبب في عدم حضور الرئيس الليبي معمر القذافي ، فإن العديد من علامات الاستفهام ثارت حول أسباب غياب الملك الحسن عاهل المغرب ، والحسين عاهل الأردن والسلطان قابوس سلطان عمان خاصة وأن هذه الدول تتمتع بعلاقات توصف بالدفء مع إيران ، وبخاصة عمان التي دعمتها إيران عسكريا في حربها ضد ثوار جبهة ظفار في أوائل السبعينات.

” الانعقاد “

بدأت القمة باجتماعات الخبراء في الفترة من 2-5 ديسمبر، أعقبها اجتماع وزراء خارجية الدول المشاركة بين 6-7 في الشهر نفسه ، وكانت آخر الاجتماعات : القمة التي استمرت من 9-11 ديسمبر .

وفي اجتماع الخبراء تم تداول أكثر من 130 توصية بقرار لعرضها على وزراء الخارجية في دورتهم وكانت أبرز القضايا التي أثيرت على مستوى الخبراء قضية القدس وقد سجل وفد الأردن تحفظه على القرار الصادر بشأنها , وقضية فلسطين وعملية التسوية السلمية وقد سجل الوفد الإيراني تحفظا على جميع التسميات المباشرة وغير المباشرة التي توحي بالاعتراف بإسرائيل مما يعطي دلالة على وجهة نظر إيران في عملية السلام ككل .

وقد افتتح كمال خرازي وزير خارجية إيران الاجتماع الوزاري بهجوم حاد على الولايات المتحدة منتقدا تدخلها في الشئون الداخلية للدول ، وأسفر الاجتماع الوزاري عن صدور 142 قراراً أبرزها إدانة إسرائيل ودعوة الدول الإسلامية إلى وقف كافة أشكال التعاون العسكري معها في إشارة واضحة لتركيا وذلك بعد جهود بذلتها مصر والسعودية لتجنب ذكر تركيا بالاسم ، كما دعا البيان الوزاري العراق إلى الالتزام بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بعدوانه على الكويت مع التأكيد على احترام سيادته وسلامته الإقليمية ، كما دعا الأمم المتحدة إلى رفع الحظر المفروض على ليبيا .

” القمة : التحديات والتفاعلات ”

يمكن إجمال التحديات التى واجهت المؤتمر في الآتى:

– تحدي السلام والتعصب الإسرائيلي حيث انعقدت القمة في ظل توقف عملية السلام على كافة المسارات بما فيها الفلسطيني ، وإصرار حكومة الليكود برئاسة نتنياهو على إعادة النظر في كافة الاتفاقيات السابقة بما فيها        ( أوسلو) ، وهو ما مثل سابقة خطيرة في العمل الدولي مما أدى إلى سيادة جو من التشاؤم في المنطقة بشأن مستقبل العملية ككل وهو ما انعكس على القرارات الصادرة كما سيرد لاحقا.

–  تحدي الإرهاب الذي يرفع رايات الإسلام وهو ما أشار إليه وزير الخارجية المصري عمرو موسى بقوله : ” دعونا نتصارح بأن التهديد الموجه إلى العالم الإسلامي بل للحضارة الإسلامية من الخارج أهون بكثير من التهديد الموجه إليها من الداخل النابع مع الأسف من أبناء للمجتمع الإسلامي ارتضوا لأنفسهم عن عمد أو جهل أن يطعنوا الإسلام ويشوهوا صورته(1)“. والحقيقة أن القمة قد تلت حدوث مذبحة ضد السائحين الأجانب في الأقصر بمصر مما أدى لسقوط عشرات القتلى بطريقة وحشية أعادت للأذهان ما يحدث في الجزائر ، وقدمت صورة سلبية للغاية عن المسلمين في العالم الغربي مما فرض على القمة التطرق لتلك القضية وإصدار قرار بشأنها .

– تحدي التنمية الاجتماعية التي تهدف لنقل المجتمعات الإسلامية إلى صفوف الدول المتقدمة ، وهو ما أشار أليه الرئيس خاتمي رئيس جمهورية إيران في كلمته الافتتاحية إذ أشار إلى أنه ” لو بادرت البلدان الإسلامية إلى دراسة طاقاتها الكامنة ، وإمكاناتها وقدراتها بإعداد دراسة علمية دقيقة ..واستثمار ثرواتها وذخائرها التي من الله بها عليها .. يمكن للعالم الإسلامي أن يتحول إلى قطب مهم من القوة والتقدم والتألق والعظمة في عالم اليوم(2)” .

– تحدي الصراعات المنتشرة في العالمين العربي والإسلامي ، تلك الصراعات التي تحول دون إشاعة النمط السلمي في التفاعل بين تلك الدول وقد أكد على ضرورة حل تلك المنازعات وزير الخارجية المصري في بيانه الافتتاحي بقوله ” إنه لا سبيل لبناء الثقة بين الدول الإسلامية دون تسوية سلمية للمنازعات القائمة حاليا بين بعض هذه الدول”(3) وقد أفرزت عملية التفاعل بين الدول الإسلامية وبين تلك التحديات العديد من الاتجاهات هي :

أولاً : ترحيب الدول الإٍسلامية بالتعاون والتفاهم مع الدول والحضارات الأخرى والتأكيد على تبرئة الإسلام من تهمة الإرهاب ، وهو ما تأكد من البيان الختامي للقمة الذي أشار إلى “ضرورة التفاعل والتحاور والتفاهم على نحو إيجابي بين الثقافات والأديان ورفض نظريات أنصار الصدام والنزاع التي تولد عدم الثقة وتقلص أرضية التفاعل السلمي بين الدول”(4) وأن المؤتمر يعلن “أن الإٍسلام برئ من كافة أشكال الإرهاب التي تؤدي إلى اغتيال الأبرياء وهو أمر يحرمه الله  ويدين بشدة مرتكبي تلك الجرائم البشعة بزعم العمل باسم الإسلام أو أي مبرر آخر ويناشد جميع الدول الامتناع عن إيواء أولئك الإرهابيين واتخاذ كل ما يلزم من تدابير للمساعدة في تقديمهم للمحاكمة”(5)أنأااا    .

ثانيا : عزل إسرائيل :

أجمع المراقبون على أن المؤتمر لم يكن ليلاقي ذلك النجاح الكبير الذي حققه لو لم يكن الجمود هو الطابع المميز لعملية السلام في الشرق الأوسط ، إذ أشار الكثيرون إلى أن تعنت الحكومة الإسرائيلية وعجز الولايات المتحدة عن اتخاذ أي إجراء فعال لكسر جمود عملية السلام والضغط على إسرائيل قد أدى إلى سريان موجة من الغضب الشديد بين الدول الإسلامية حتى في تلك التي تحتفظ بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة مثل مصر والسعودية . لذلك لم يكن غريبا أن يكون عزل إسرائيل هو الاتجاه البارز في المؤتمر رغم تحذير المتحدث باسم الخارجية الأمريكية منظمة المؤتمر الإسلامي من محاولة ذلك .

وقد ظهرت مؤشرات عديدة لذلك الاتجاه أبرزها:

أ– إدانة الرئيس خاتمي في كلمته الافتتاحية لإسرائيل بشدة بقوله : إن طبيعة الكيان الصهيوني القائمة على العدوان واستخدام القوة المتجسدة في النقض المتواصل والسافر للقوانين الدولية وممارسة الإرهاب الحكومي الرسمي وتطوير أسلحة الدمار الشامل من قبل هذا الكيان كلها تهدد السلام والأمن في المنطقة بشكل جدي(6) ، كما ظهر ذلك في البيان الختامي للقمة الذي أدان استمرار احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والعربية الأخرى وندد بالسياسات والممارسات التوسعية التي تقوم بها إسرائيل مثل إنشاء المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة وتوسيعها .. “ويؤكدون على ضرورة أن تمتنع إسرائيل عن إرهاب الدولة الذي ما فتئت تمارسه متجاهلة تجاهلا تاما كافة المبادئ القانونية والأخلاقية”(7)

ثالثا : فك العزلة عن إيران :

تبلور هذا الاتجاه نتيجة الجهود الإيرانية الحثيثة في خطب ود الدول الإسلامية ولاسيما العربية  فقد بذلت الدبلوماسية الإيرانية جهودا مكثفة لتأمين أعلى مستوى من حضور رؤساء الدول والوفود عالية المستوى ، كما أعلنت عن رغبتها في فتح صفحة جديدة مع العراق بعد حرب دامت ثماني سنوات وهو ما انعكس على تصريح السيد طه ياسين رمضان نائب رئيس الجمهورية العراقية بأن ” مباحثاته مع خاتمي كانت ودية للغاية تم خلالها اتخاذ قرار بشأن الإطار العام لبدء المفاوضات والتعاون بين البلدين وأكد أن هناك رغبة أكيدة مشتركة لحل تلك المشاكل”(8) ، كما كان إلقاء المرشد الروحي للثورة الإيرانية كلمة الافتتاح وهو ما لم يكن واردا حتى اللحظات الأخيرة دليلا على أن إيران تولي القمة اهتماما خاصا وتعلق عليها آمالا كبرى في فك عزلتها .

وجاءت الإدانة الإيرانية لحادث الأقصر المفجع دليلا على رغبة القيادة الإيرانية في حدوث تقارب مع مصر ، وهو ما انعكس في وصف السيد هاشمي رافسنجاني الرئيس السابق وأحد أعمدة السلطة في إيران بوصفه رئيس هيئة تشخيص مصلحة النظام مصر بأنها ” دولة قوية ومؤثرة وأنها يمكن أن تقوم بدور بناء في التنسيق بين المواقف في العالم الإسلامي وأعرب عن اعتقاد بلاده بوجود آراء مشتركة بينها وبين مصر وضرورة تعزيز هذا الاتجاه في العلاقات بين البلدين”(9) وقد وجد ذلك مردودا في التصريحات الرسمية المصرية على لسان وزير خارجيتها بقوله ” تحسين العلاقة مع إيران هو خيار الدولة المصرية والرئيس مبارك وأنه متفائل من مستقبل هذه العلاقة في عهد الرئيس خاتمي”(10).

وكان حضور ولي العهد السعودي على رأس وفد عال المستوى دليلا على أن العلاقات السعودية الإيرانية قد قطعت شوطا من التفاهم والتقدم .

والحقيقة أن تلك الجهود الإيرانية قد كللت بالنجاح:

إذ أشارت وسائل الإعلام الأمريكية إلى أن الرئيس الأمريكي قد فشل خلال اجتماعه مع زعماء أوربيين في البيت الأبيض في إقناع الاتحاد الأوربي بتأييد العقوبات الأمريكية ضد إيران وأشارت تلك الوسائل إلى قلق الولايات المتحدة من هذا الحضور الكثيف للقمة وبخاصة مستوى التمثيل العالي من السعودية والكويت ومصر والأردن الذين يعتبرهم الغرب حلفاء له.

وجاء النجاح الأكبر للسياسة الإيرانية في تأكيد الدول الإسلامية في البيان الختامي ” على رفض تطبيق القوانين المحلية خارج نطاق أراضي الدولة ويحثون جميع الدول اعتبار ما يسمى بقانون داماتو لاغيا وكأنه لم يكن”(11). وهو ما اعتبر وفاة لسياسة العزلة التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران وضربة موجعة لسياسة الاحتواء المزدوج الذي حاولت فرضه على كل من إيران والعراق.

رابعا : تهميش عملية السلام:

جاء هذا الاتجاه كأفضل الحلول التي توصل إليها المشاركون في المؤتمر ، فقد وازن بين رغبة إيران في عدم إحراج الدول العربية التي تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل . وبين رغبتها في عدم إعطاء تلك العملية أهمية ، ولذلك فإن غياب تأييد عملية السلام والذي اعتيد عليه في القمم السابقة كان رسالة ذات مغزى لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل بأن الدول الإسلامية والعربية بخاصة قد بدأت تعيد النظر في موقفها من عملية السلام وتمسكها به كخيار استراتيجي.

الخلافات داخل المؤتمر :

رغم أن الطابع الغالب الذي ساد المؤتمر كان هو الاتفاق بين الدول المشاركة على محاور أساسية فيه إلا أن الأمر لم يخل من نشوب خلافات بين بعض الدول حول التعامل مع بعض القضايا ، أو انعكاسات لخلافات ثنائية وكان أبرز تلك الخلافات :

الخلاف حول التعاون التركي الإسرائيلي ، حيث شنت سوريا ومعها لبنان هجوما حادا على تركيا ، وقدمت سوريا مشروع قرار لإدانة تركيا تحديدا وانتهى الأمر بعدم ذكر تركيا بالاسم وإن تضمن إدانة قوية لهذا التعاون ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل كان التدخل التركي العسكري في شمال العراق مبعثا على توجيه انتقادات هذه المرة من كافة الدول العربية لتركيا واتهامها بانتهاك سيادة الأراضي العراقية وتضمين تلك الانتقادات ضمن قرار صدر بهذا الشأن من  المؤتمر الوزاري.

كل تلك الانتقادات أدت إلى قطع الرئيس التركي سليمان ديميريل زيارته لإيران وعودته إلى أنقرة احتجاجا على الانتقادات التي تعرضت لها تركيا .

وقد عقب السفير التركي لدى إسرائيل على قرارات قمة طهران بقوله ” لن تسمح أنقرة بأن تفرض هذه القمة عليها سياستها الخارجية”(12)

أما الخلاف الثاني فكان في الحقيقة تجدداً لخلاف سابق بين مصر وقطر وسوريا بسبب موقف مصر وسوريا من مؤتمر الدوحة للتعاون الاقتصادي حيث أشار وزير الدولة القطري للشئون الخارجية إلى أن مصر ممثلة في وزير خارجيتها حاولت تأجيل اجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية المقرر في الدوحة في أكتوبر الحالي .

كما أشارت إحدى الصحف القطرية(13) إلى أن صوتا نشازاً  –مصر – ارتفع ليدعو إلى تأجيل المؤتمر الوزاري القادم في الدوحة ولكن الموقف القطري المدعوم بالوثائق والمستندات أفشل هذه الخطوة وأضاف رئيس تحرير صحيفة أخرى(14)” ما من شك أن محاولات بعض الأشقاء العرب لحرماننا من استضافة القمة لمجرد تصفية حساباتهم السياسية معنا بدعوى أننا دولة صغيرة ولا يجوز أن تستضيف هذه القمة سوى دولة كبيرة ، وهذا الموقف البعيد عن روح الإسلام شكل لنا مفاجأة وصدمة في آن واحد ”

” القمة : قرارات ونتائج”

أصدرت القمة 142 قراراً بعضها يتعلق بالوضع في البوسنة والهرسك ، ونزاع جامو وكشمير والوضع في أفغانستان والصومال  وأزمة لوكيربي والتضامن مع إيران وليبيا بشأن قانون داماتو ، والوضع في قبرص والتطورات في شرق أوربا ووسطها وأثرها على العالم الإسلامي ، وإنشاء مناطق خالية من الأسلحة النووية في إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا  ومشروع بشأن تعزيز أمن الدول غير الحائزة للأسلحة النووية في مواجهة استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها .

ومشروع بشأن التخلص من النفايات النووية ، والألغام المضادة للأفراد ، ودعم السودان وإصلاح الأمم المتحدة ، وتوسيع مجلس الأمن ، ودور المرأة في بناء المجتمع الإسلامي وتحسين أوضاع الطفل في العالم الإسلامي .. الخ

وكما نرى فالقرارات تغطي جانبا كبيراً من القضايا الإسلامية ولكن التساؤل يثور بشأن جدوى هذه القرارات ، وقدرة الدول الإسلامية على وضعها موضع التنفيذ خاصة وأنه لا يمكن فصل فعالية تلك القرارات عن فعاليات القوى التي تمتلكها الدول الإسلامية والمنظمة ذاتها ، ولعل ذلك ما قصده الرئيس الإيراني بدعوته إلى التفكير في كيفية ابتكار أساليب جديدة لتقوية وتفعيل هيكلها التنظيمي وجعل قراراتها أكثر عملية وضمان تطبيق تلك القرارات حيث أشار إلى ذلك بقوله “فلتتضافر جهودنا جميعا كي تتمكن منظمة المؤتمر الإسلامي من لعب دور أكثر حسما وصرامة في تقديم حلول إنسانية ناجحة للخلافات القائمة اليوم في العالم الإسلامي ولنساهم معا في دعم المنظمة من الناحيتين المالية والسياسية كي تكن قادرة على القيام بوظائفها وواجباتها أكثر فأكثر”(15)

خاتمة :

شهد عام 1997 انقلاب المشهد رأسا على عقب إذ بينما خرجت إسرائيل من عزلتها عام 1979 بعد توقيعها معاهدة السلام مع مصر بينما دخلت إيران تلك الشرنقة بعد قيام الثورة الإسلامية وإعلانها عزمها على تصدير تلك الثورة انقلبت الصورة بانعقاد القمة التي أخرجت إيران من عزلتها وهمشت عملية السلام وعزلت إسرائيل .

ونشير لأن المراقبين قد أجمعوا على أن القمة حرصت على ترك الباب مفتوحا أمام تركيا عساها تلتقط هذه الفرصة لتتخلى عن اتفاقها العسكري مع إسرائيل ، إلا أن تلك المرونة لم يقابلها تجاوب تركي ملائم ، وبدت أنقرة غير آبهة بالمواقف الإسلامية فاستقبلت على مدى انعقاد القمة وزير الدفاع الإسرائيلي في زيارة هي الأولى من نوعها لمسئول إسرائيلي على هذا المستوى لتركيا . كما أعلنت مسبقا أن قرارات القمة غير ملزمة لها ، ورصدت ما يقرب من 150 مليار دولار للإنفاق العسكري على هذا التعاون خلال السنوات العشرين القادمة . مما يجعل السؤال يطرح نفسه ضد من يوجه هذه الحلف؟

ونشير نهاية إلى بعض الملاحظات:

أولها : أن قرارات المنظمة غير ملزمة لأعضائها إلا بمقدار ما يرغب العضو أن يلتزم بها وأن التجربة علمتنا أن هذه القرارات قد تبدل المناخات لكنها لا تغير السياسات.

ثانيا : أن إيران لم يعد بوسعها تمثيل وجهة نظرها الخاصة  “الإسلام الشيعي ” وأن عليها منذ انعقاد القمة أن تحاول تمثيل وجهة نظر الدول الإسلامية جميعها ، ويبدو أن ذلك قد أصبح ممكنا على ضوء التغيرات الداخلية التي حدثت وإن كانت الدلائل تشير إلى أن إيران تشهد منذ انتخاب خاتمي نزاعا داخليا مكتوما بين أطراف عدة ينفجر أحيانا ويسكن حينا ، لذا فإن التنبؤ باستقرار الأوضاع في إيران واستمرار نفس السياسة التي بدأتها منذ وصول خاتمي للسلطة يبدو سابقا لأوانه الآن.

ثالثا : أن التقارب الذي حدث في القمة بين العرب وإيران يرجع في جانب هام منه إلى تدهور عملية السلام بين العرب وإسرائيل وهي العملية التي ترفضها إيران برمتها ، لذا فإن احتمال حدوث انفراج مفاجئ في الموقف المتجمد قد يطرح احتمالات أخرى .

__________________

إشراف أ.د. سيف الدين عبد الفتاح

الهوامش

(1) كلمة وزير الخارجية المصري في افتتاح القمة ، تقرير عن القمة الإسلامية ، الهيئة العام للاستعلامات

(2) جريدة الأسواق الأردنية ، 10 ديسمبر 1997، العدد 1369 ص 14

(3) الكلمة الاقتتاحية لوزير الخارجية المصر ي .

(4) البيان الختامي للقمة ، تقرير الهيئة العامة للاستعلامات ..مرجع سابق

(5) مشروع قرار لمؤتمر القمة حول إدانة الإرهاب الدولي .

(6) جريدة الأسواق ..مرجع سابق

(7) البيان الختامي

(8) استماع الهيئة العامة الاستعلامات 12/12/1997

(9) استماع الهيئة العامة للاستعلامات ز12/12/97

(10) الحياة 13/12/1997.

(11) البيان الختامي

(12) استماع الهيئة العامة للاستعلامات 12/12/1997

(13) الهيئة العامة للاستعلامات نقلا عن صحيفة الراية القطرية ، 13/12/1997.

(14) الهيئة العامة للاستعلامات نقلا عن ( أحمد علي ) رئيس تحرير صحيفة الوطن القطرية 13/12/1997.

(15) جريدة الأسواق ..مرجع سابق.

 

*نُشرت ضمن: د. نادية مصطفى، د. سيف الدين عبد الفتاح (إشراف عام)، أمتي في العالم: الأمة والعولمة (القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية،1999).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى