العدوان الإسرائيلي على غزة والبيني الفلسطيني: فتح وحماس

تحرير: مروة يوسف

——————————-

مقدمة:

بعد عامين على معركة طوفان الأقصى الذي يتحول رويدا إلى طوفان عالمي، يبدو من المهم جدا دراسة أثر هذا الطوفان على الداخل الفلسطيني وعلاقاته، والواقع الراهن للحركة السياسية الفلسطينية، لِما لهذا الواقع من دلالات مؤثرة على مسار مكونات الشعب الفلسطيني خلال المرحلة الزمنية المقبلة.

وتسعى هذه الورقة إلى الإجابة عن تساؤل حول تأثير الطوفان وتطوراته على البيني الفلسطيني؛ خاصة بين التيارين الرئيسيين وأكبر فصيلين فلسطينيين: حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي تحكم غزة منذ عام 2007، وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، التي تحكم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية من خلال مؤسسات السلطة الفلسطينية، وما بينهما من خلافات ليست بجديدة. هذه الخلافات ربما تجد جذورا لها منذ ظهور حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وإن لم تطفُ على السطح سوى بعد فوز الأخيرة بالانتخابات التشريعية، ومن ثم تحالف النظامين الإقليمي والدولي ضدها وضد حكمها لغزة، الذي تحول إلى أمر واقع منذ عام ٢٠٠٧. وتتفاقم انتقادات فتح وقياداتها لحماس وفصائل المقاومة عقب كل حرب من الحروب الخاطفة التي شهدتها غزة في العقدين الماضيين.

في هذا الإطار، نحاول رصد وتحليل التطور في مواقف هذه الأطراف من الطوفان ومن ثم في علاقاتها البينية، وذلك بناء على ما يتوفر من بيانات رسمية لها، أو مقالات تحليلية ودراسات وأوراق منشورة.

أولا- البيني الفلسطيني: المصالحة المستحيلة

دون خوض كبير في التاريخ، فإن بداية الخلاف الكبير بين فتح وحماس ترجع إلى فترة ما بعد وفاة ياسر عرفات في ٢٠٠٤ والسنوات الأولى لحكم محمود عباس، وتحديدا منذ انتخابات المجلس التشريعي التي جرت يوم 25 يناير 2006، وأعلنت بعدها لجنة الانتخابات فوز حماس بـ73 مقعدًا من أصل 132 مقعد، بنسبة تصل إلى 57% من إجمالي عدد مقاعد المجلس التشريعي؛ بينما حصلت فتح على المركز الثاني بفارق كبير: فقط 43 مقعدًا بنسبة تصل إلى 32.5%. والحقيقة أن حركة فتح حينها كانت على قدر المسؤولية؛ إذ لم تستجِب إلى الضغوطات الإسرائيلية والدولية (الأمريكية والأوروبية) لمنع حماس من المشاركة في الانتخابات، وأعلنت قبولها لنتائج الانتخابات واحترامها لرأي الشعب الفلسطيني[1].

وبناء عليه، تسيطر حركة المقاومة الإسلامية “حماس” على قطاع غزة وتحكمه منذ 2007، وقد كوّنت علاقات متميزة مع قوى ما يُعرف بـ “وحدة الساحات”، بينما تسود بينها وبين قيادة حركة “فتح” -التي تحكم أجزاء من الضفة الغربية وفق اتفاقية أوسلو- علاقات تنافسية للغاية منذ ذلك الحين[2]؛ إذ نشب صراع مسلح بين حماس والسلطة -وخاصة أجهزة أمن الأخيرة- التي رفضت تسليم السلطة في غزة لحركة حماس باعتبارها الفائز بالانتخابات، كما رفضت التعاون معها لتشكيل حكومة وحدة وطنية رغم كل ما قدمته الحركة من تنازلات ومرونة. ومن ثم شهدت علاقات الطرفين سنوات من الانقسام الحاد، ومحاولات إقليمية كثيرة لرأب الصدع؛ ومنذ ذلك التاريخ وأراضي 1967 تعاني انقسامًا سياسيًّا وجغرافيًّا وتنظيميًّا، وإلى حدٍّ ما ثقافيًّا.

ورغم الجهود الحثيثة للمصالحة الوطنية والأشواط التي قطعها الحوار الوطني، واتفاق الفصائل الفلسطينية على ضرورة إجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، والتصدي لأية معوقات لها، وخاصة في القدس، إلا أن ضغوطا دولية وإقليمية -وبالأخص إسرائيلية- مورست على حركة فتح وسلطة عباس لعدم إجراء تلك الانتخابات[3]، التي كان من المفترض إجراؤها عام ٢٠٢١ على ثلاث مراحل: تشريعية (برلمانية) في 22 مايو، ورئاسية في 31 يوليو، وانتخابات المجلس الوطني في 31 أغسطس.

فقد كان إجراء هذه الانتخابات، التي كانت ستعد -حال انعقادها- أول انتخابات منذ خمسة عشر عامًا[4]، متطلبا من متطلبات المصالحة الوطنية، إلا أنها واجهت ضغطا إسرائيليًا لعرقلتها سواء باعتقال المرشحين أو بالضغط على السلطة الفلسطينية لعدم عقدها[5]؛ حيث أعلن الرئيس أبو مازن في مايو من نفس العام تأجيل الانتخابات لأجل غير مسمى. وقد أعلن البعض أن ذلك التأجيل جاء نتيجة الضغوط الإسرائيلية سابقة الذكر، بالإضافة إلى جملة من المعطيات الداخلية التي أشارت الى أن هزيمة محققة ستمنى بها قائمة حركة فتح بسبب حالة التشظي داخلها وانقسامها الى ثلاث قوائم خاصة قائمة البرغوثي، مقابل زيادة فرص حماس في تحقيق انتصار كاسح في ضوء استطلاعات الرأي التي منحتها تفوقًا واضحًا أمام قوائم فتح المنقسمة والمبعثرة[6].

استمرت محاولات المصالحة الفلسطينية رغم عدم إجراء انتخابات؛ حيث استُئنِف المسار المتوقف من خلال “إعلان الجزائر” المنبثق عن “مؤتمر لم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية” بمشاركة فصائل المقاومة الفلسطينية في الفترة 11-13 أكتوبر 2022 في الجزائر، وجاء فيه: (التأكيد على أهمية الوحدة كأساس للصمود والتصدي ومقاومة الاحتلال لتحقيق الأهداف المشروعة للشعب الفلسطيني واعتماد لغة الحوار والتشاور لحل الخلافات على الساحة الفلسطينية بهدف انضمام الكل الوطني إلى منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وتكريس مبدأ الشراكة السياسية بين مختلف القوى الوطنية الفلسطينية عن طريق الانتخابات وبما يسمح بالمشاركة الواسعة في الاستحقاقات، واتخاذ الخطوات العملية لتحقيق المصالحة الوطنية عبر إنهاء الانقسام، وتعزيز وتطوير دور منظمة التحرير وتفعيل مؤسساتها بمشاركة جميع الفصائل باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني).

جاء إعلان الجزائر فضفاضًا يحوي خطوطًا عامة، هي في معظمها ليست موضع اختلاف؛ بينما تم ترحيل آليات التنفيذ إلى أوقات لاحقة. وكانت معظم مضامين ذلك الإعلان تكرارا لما ورد في وثائق واتفاقات سابقة لم يُكتب لها النجاح (اتفاق القاهرة 2005، وثيقة الوفاق الوطني 2006، اتفاق مكة 2007، اتفاق المصالحة (القاهرة) 2011، اتفاق الدوحة 2012، اتفاق الشاطئ 2014، اتفاق القاهرة 2017، ترتيبات المصالحة 2020-2021)؛ لينضم إعلان الجزائر إلى باقي محاولات المصالحة التي لم يُكتَب لها النجاح[7].

السؤال الذي يطرح نفسه هاهنا: لماذا فشلت محاولات المصالحة الفلسطينية منذ 2006 وحتى 2022؟ إن الإجابة عن هذا السؤال ليست بالأمر الهيِّن، فالأمر لا يتعلق فقط بالأطراف الفلسطينية قدر ما يتعلق بالعديد من الأطراف الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الكيان الصهيوني الذي رفض إدماج حركتي حماس والجهاد الإسلامي في المؤسسات الفلسطينية، وسعى لإفشال مختلف جهود تحقيق التوافق الوطني الفلسطيني وإنهاء الانقسام الذي يرى فيه مصلحة إسرائيلية أكيدة؛ حيث إنه يضعف الأطراف الفلسطينية ويستنزفها في إدارة صراعاتها الداخلية ويشغلها عن مواجهة إجراءات الاحتلال، وفي الوقت ذاته يُخضع السلطة الفلسطينية لشروطه السياسية ومتطلباته الأمنية. فقد عارض الاحتلال الإسرائيلي بقوة مختلف الاتفاقات التي أُبرمت بين حركتَي فتح وحماس خلال السنوات الماضية، وفرض في بعض المرات عقوبات اقتصادية على السلطة الفلسطينية. وعلى المستوى الدولي، اتخذ كلٌ من الاتحاد الأوروبي والإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ سنة 2007 موقفًا سلبيًا من جهود المصالحة الفلسطينية، ومن استيعاب حركة حماس في مؤسسات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير.

أما الأطراف العربية، فكان تركيزها على احتواء حركة حماس باعتبارها امتدادًا لحركة الإخوان المسلمين التي وصلت إلى سدة الحكم في العديد من الدول العربية أثناء الربيع العربي، ومن ثم تشكيلها عقبة أمام استمرار النظم القديمة في الحكم.

وعلى الصعيد الداخلي؛ نجد -من جانب- أن حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وعددًا آخر من الفصائل الفلسطينية، توفّرت لديهم الرغبة لإنهاء الانقسام وإعادة بناء منظمة التحرير وتفعيل مؤسساتها؛ حيث ترى في ذلك مدخلا مهمًا لتعزيز الموقف الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، ولاستعادة المسار الديموقراطي وإنهاء تفرّد فصيل واحد بالقرار الفلسطيني وبإدارة المؤسسات الوطنية. ويُلاحظ أن تلك الفصائل قبلت في معظم الأحيان بتقديم التنازلات المطلوبة من أجل تذليل العقبات التي تعترض طريق إنهاء الانقسام وتحقيق التوافق الوطني، لكنها احتفظت طيلة الفترة الماضية بموقفها الرافض لاتفاقية أوسلو وللتنسيق الأمني مع الاحتلال، كما رفضت الالتزام بشروط اللجنة الرباعية الدولية.

أما فتح فأظهرت عدم الجديَّة في الوصول إلى اتفاقات ملزمة نتيجة الاستحقاقات المترتبة عليها، وبرزت رغبتها في مواصلة الاستحواذ على مختلف مؤسسات القرار الفلسطيني، وقطع الطريق على دخول أي منافس قوي إلى منظمة التحرير التي تُحكِم السيطرة عليها من فترة تزيد على النصف قرن. كما أبرز سلوك قيادة فتح خشيتهم من تكرار نتائج الانتخابات التشريعية سنة 2006 التي أسفرت عن فوز كبير لحركة حماس. ومع تفاقم الخلافات والانقسامات داخل صفوف الحركة سنة 2021 على خلفية تشكيل القوائم الانتخابية، توفّرت لديها أسباب إضافية للتهرب من الاستحقاقات الانتخابية، ولا سيّما في ظلّ النتائج غير المشجعة للانتخابات البلدية والنقابية والطلابية؛ حيث كانت السلطة وفتح تنظران إلى المصالحة باعتبارها مدخلا لاستعادة غزة، دون شراكة فعلية لحماس في السلطة أو المنظمة[8].

ثانيًا- البيني الفلسطيني وطوفان الأقصى

  • موقف السلطة الفلسطينية من الطوفان

مع انطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر2023، وما تبعه من عدوان إسرائيلي شامل على غزة يستلزم وحدة الصف في مواجهته وتقديم العون للإخوة في الوطن والمعاناة، كانت “فتح” بعيدة عن ذلك سواء من حيث التصريحات أو من حيث السياسات والقرارات؛ ففي بداية طوفان الأقصى صرح محمود عباس عبر اتصال هاتفي مع الرئيس الفرنسي قائلا: “إن عدم تطبيق قرارات الشرعية الدولية على إسرائيل واستمرار الظلم يدفعان نحو الانفجار”، وأكد “ضرورة توفير الحماية الدولية لأبناء شعبنا الأعزل الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي دموي”[9]؛ وذلك دون الإشارة إلى ما يحدث في غزة.

وفي يوم الأحد 15 أكتوبر، ومع زيادة العدوان الإسرائيلي على غزة، قال عباس خلال اتصال مع الرئيس الفنزويلي: “إن سياسات وأفعال حركة حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني، وإن سياسات وبرامج وقرارات منظمة التحرير الفلسطينية هي التي تمثِّل الشعب الفلسطيني بصفتها الممثِّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”، ثم تراجع عن قوله إن “أفعال وسياسات حماس لا تمثِّل الشعب الفلسطيني”، بعد ساعات. ولقد تعرَّض عباس لضغوط كبيرة بعد عملية طوفان الأقصى من أجل إدانة العملية بوضوح، لكنه رفض في الأيام الأولى للعملية، ثم خرج بعد خمسة أيام قائلا إنه يدين «القتل والإساءة للمدنيين من الجانبين؛ لأنها تنتهك الأخلاق والدين والقانون الدولي»[10].

وبعد ما يقرب من أسبوعين على بداية العدوان في غزة، قرر مجلس الوزراء الفلسطيني أنثاء انعقاده في رام الله توفير الاحتياجات والمساعدات الإغاثية والإنسانية العاجلة للمواطنين في القطاع، وتقديم الدعم اللوجستي والتنسيقي بين الجهات كافة لتسهيل وصولها إليهم، كما قرر توزيع طواقم ومركبات الإسعاف وفق خطة الطوارئ الوطنية بالتنسيق بين وزارة الصحة والهلال الأحمر والخدمات الطبية، وتكليف الوزراء الموجودين في القطاع بتنسيق ذلك. غير أن ذلك كان دون بيان طريقة عملية لتنفيذ هذه القرارات التي يبدو أنها ستكون حبرًا على ورق[11].

يتضح مما سبق عدم وجود أي تواصل بين فتح وحماس بعد عملية طوفان الأقصى، وأن الأمر اقتصر على بعض التصريحات المنفصلة عن الواقع الفلسطيني، مما أضر بمكانة الرئيس والسلطة ومنظمة التحرير وحركة فتح؛ لأن هذا بمثابة مؤشِّر على تراجع أهمية هذه المؤسسات ومدى ما يمكن أن تقدِّمه من دور في هذا الصراع، بل وتجاوز معاناة الشعب الفلسطيني بكليته. ففي أثناء معاناة غزة من القتل والتشريد ومعاناة الضفة والقدس من الانتهاكات والاقتحامات الإسرائيلية، أبدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس لدى استقباله وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في مقر الرئاسة بمدينة رام الله في 5 نوفمبر 2023، استعداده لقبول تولِّي المسؤولية عن قطاع غزة، ولكن “ضمن أجواء جديدة بلا حرب أو عنف، وضمن مَنح (منظمة التحرير) الفلسطينية زمام الحكم في كل المناطق؛ قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية”[12]. الأمر الذي أدى إلى زيادة الغضب الشعبي في الضفة الغربية ضد السلطة الفلسطينية على وقع الأحداث في قطاع غزة، وخروج مظاهرات تضامنية مطالبة برحيل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وقمع قوات الأمن الفلسطينية لها[13].

  • تطور القضايا الخلافية بين فتح وحماس حتى العام الثاني من الطوفان:

في فبراير ٢٠٢٤، بينما كانت الأمور تسير باتجاه تحقيق هدنة طويلة الأمد في قطاع غزة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، تشمل تبادلا للأسرى ووقفا لإطلاق النار وإدخال مساعدات، كانت التقارير تشير إلى أن حماس تشترط إطلاق سراح ثلاثة قادة بينهم مروان البرغوثي في الهدنة المنتظرة[14]. لعل هذا المطلب كان جزءا من المطالب الوطنية الفلسطينية التي تتفق عليها الفصائل لكنها تُغضِب سلطة عباس؛ حيث كان يفترض أن ينافس البرغوثي بقائمة وطنية، من محبسه على انتخابات المجلس التشريعي التي لم يرغب عباس بإجرائها.

وبرغم أن سلطة عباس كانت تلاحق حتى الأسرى المحررين قبيل اندلاع العدوان الإسرائيلي[15]، فإن حماس والفصائل التي تفاوضت على وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في يناير 2025 كانت حريصة على الوحدة الوطنية والإطار الوطني الجامع، وكان هذا واضحا عند النظر إلى قوائم المفرج عنهم وفق الاتفاق؛ فنسبة كبيرة منهم كانت تنتمي لفتح، فضمن الدفعة السابعة من المرحلة الأولى لصفقة التبادل بين الفضائل وإسرائيل، من اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير 2025، كان ينتمي 95 أسيرا لحركة حماس، و40 لحركة فتح، و12 لحركة الجهاد ، و4 للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.[16] ولم يتم تقدير هذه البوادر، بل تطور الأمر إلى حد تسليم قوات الأمن التابعة لعباس فلسطينيين قاموا بعمليات ضد قوات الاحتلال في الضفة تضامنا مع إخوانهم في غزة، كما حدث في السادس من يناير ٢٠٢٥، عندما سلمت السلطة الفلسطينية إسرائيل منفذة عملية الطعن ببلدة دير قديس[17].

ومع استمرار العدوان الإسرائيلي ظل سؤال اليوم التالي للحرب مطروحًا وبقوة من جميع الأطراف، وكان الخلاف حوله على أشده ووضعت العديد من السيناريوهات حول كيفية إدارة قطاع غزة؛ حيث أصبح سؤال اليوم التالي ركيزة النقاش حول غزة ومستقبل حركة حماس بل والمقاومة بكليتها. وفي الوقت الذي أبدت فيه حماس مرونة حول خطط اليوم التالي، كانت رؤيتها تعتبِر مبدأ حفاظ المقاومة على سلاحها مبدًا أساسيًا في المفاوضات. أما فتح فقد بدا واضحًا في أدائها منذ بداية العدوان أن لها خيارات وتفضيلات لمستقبل إدارة قطاع غزة بعد الحرب؛ حيث تمسّكت بضرورة بسط سيطرتها على قطاع غزة، واستعادة دورها الذي فقدته سنة 2007[18].

في هذا الإطار، واتصالا بدعوات سابقة في عامي 2023 و2024، دعت حركة فتح في ٢٢ مارس ٢٠٢٥، حركة «حماس»، إلى التخلي عن السلطة؛ بهدف حماية “الوجود الفلسطيني” في قطاع غزة، حيث دعا الناطق باسم حركة «فتح» في قطاع غزة منذر الحايك “حماس” إلى أن “تغادر المشهد الحكومي، وأن تُدرك تمامًا أن المعركة المقبلة هي إنهاء الوجود الفلسطيني”، وأضاف: “على حركة (حماس) أن ترفق بغزة وأطفالها ونسائها ورجالها، ونحذِّر من أيام ثقيلة وقاسية وصعبة قادمة على سكان القطاع»[19]. وفي نفس السياق سب أبو مازن قادة حماس في فيديو طالبهم فيه بإطلاق سراح الرهائن[20] باعتبار أن الرهائن هم حجر العثرة في سبيل وقف العدوان، وكأن العدوان الإسرائيلي لم يكن مستمرا على غزة والضفة والقدس منذ أوسلو.

ورغم فجاجة هذا الخطاب، كانت حماس أكثر مرونة في التعامل مع مقترح ستيف ويتكوف -مبعوث الرئيس الأمريكي لشئون الشرق الأوسط- الذي تضمن إبعادها عن السلطة ضمن ترتيبات اليوم التالي. ففي نفس اليوم الذي جاءت فيه تصريحات متحدث فتح، قال الناطق باسم حركة «حماس» عبد اللطيف القانوع إن الحركة تناقش مقترح المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ويتكوف وبعض الأفكار مع الوسطاء، مشيرًا إلى أن الاتصالات لم تتوقف لإتمام الاتفاق، وأضاف في بيان نشرته الحركة: “جاهزون لأي ترتيبات بشأن إدارة غزة تحظى بالتوافق، ولسنا معنيين أن نكون جزءًا منها… لا طموح لدينا لإدارة غزة، وما يعنينا التوافق الوطني ونحن ملتزمون بمخرجاته”. وأكد الناطق باسم حماس الموافقة على تشكيل لجنة إسناد مجتمعي في غزة لا تتضمن الحركة[21]، تلك اللجنة التي رفضتها فتح بالكلية.

ثم كان قرار سلطة عباس في ٢٣ يوليو ٢٠٢٥ بإجراء انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني قبل نهاية العام الجاري، وهي السلطة التي عطلت انتخابات المجلس لسنوات؛ مثيرا التساؤلات حول دوافعه ومبرراته، وهدف الاشتراطات بخصوص المرشحين، وموقف الفصائل منه. فبينما يبرر عباس القرار بأنه يأتي للحفاظ على منظمة التحرير ومؤسساتها باعتبارها ممثلا شرعيًّا وحيدًا للشعب الفلسطيني وضرورة انضواء الجميع في إطارها، فإن الفصائل رفضت قرار عباس في بيان للمؤتمر الوطني الفلسطيني المعبر عنها، واعتبرت أنه “وفق الصيغة الُمعلن عنها، غير مستجيب لمتطلبات إعادة بناء المنظمة، كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، أو غيرها من ضرورات المرحلة”، وأن ما جاء في حيثيات قرار عباس محاولة لفرض أجندته على المنظمة والفصائل، عبر الاشتراط على المترشحين الموافقة على التزامات المنظمة؛ وهو ما يعني الموافقة الـمُسبقة على اتفاق أوسلو والالتزام بقيوده، وما تبعه من اتفاقيات، والاعتراف بإسرائيل. ومن ثم فإن القرار يُعمّق الانقسام، ويستهدف إخراج قوى فلسطينية متعددة من النظام السياسي، ويتجاهل مخرجات الحوار الوطني كلها. واعتبرت حركة حماس قرار عباس بإجراء انتخابات المجلس الوطني “تجاوزا”، وأن “استمرار القيادة في اتخاذ قرارات مصيرية دون توافق يُكرّس الانقسام”[22].

بالإضافة إلى ذلك، تدور تساؤلات عن مدى توفر الشروط الموضوعية لإجراء الانتخابات “قبل نهاية العام”، في سياق حرب الإبادة بغزة وعمليات التهجير والضم والتطهير العرقي في الضفة الغربية[23].

  • جهود المصالحة في ظل الطوفان:

ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي، بدأت الصين في 30 أبريل 2024 مفاوضات في بكين بين حركتي فتح وحماس، من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية والإجابة عن سؤال اليوم التالي، ووصفت تلك المفاوضات بالمعمقة والصريحة. وفي نهاية يوليو ٢٠٢٤ خرج “إعلان بكين بشأن إنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الفلسطينية”؛ حيث وقَّع ممثلون عن 14 فصيلا فلسطينيا -على رأسهم فتح وحماس- رسميا عليه، بعد جلسات حوارية استمرت من 21 إلى 23 يوليو. وتضمَّن “إعلان بكين” الآتي:

١- وحيد الجهود الوطنية لمواجهة العدوان الصهيونى ووقف حرب الإبادة الجماعية التي تنفذها دولة الاحتلال وقطعان المستوطنين بدعم ومشاركة الولايات المتحدة الأمريكية، ومقاومة محاولات تهجير شعبنا من أرض وطنه فلسطين، ولإجبار الكيان الصهيونى على إنهاء احتلاله لقطاع غزة وسائر الأراضي المحتلة والتمسك بوحدة الأراضي الفلسطينية، بما يشمل الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.

٢- ترحب الفصائل الفلسطينية برأي محكمة العدل الدولية، الذي أكد عدم شرعية الوجود والاحتلال والاستيطان الإسرائيلي على أرض دولة فلسطين، وضرورة إزالته بأسرع وقت ممكن.

٣- انطلاقا من اتفاقية الوفاق الوطني التي وُقِّعت في القاهرة بتاريخ ٤ مايو ٢٠١١ وإعلان الجزائر الذي وُقِّع في ١٢ أكتوبر ٢٠٢٢؛ الاستمرار في متابعة تنفيذ اتفاقيات إنهاء الانقسام بمساعدة الشقيقتين مصر والجزائر والأصدقاء في جمهورية الصين الشعبية وروسيا الاتحادية، وفق ما يلي:

أ) الالتزام بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، طبقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وخصوصا قرارات ١٨١، ٢٣٣٤ وضمان حق العودة طبقا للقرار ١٩٤.

ب) حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وإنهائه وفق القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة وحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها ونضالها من أجل تحقيق ذلك بكل الأشكال المتاحة.

ج) تشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة بتوافق الفصائل الفلسطينية وبقرار من الرئيس بناء على القانون الأساسي الفلسطيني المعمول به، ولتمارس الحكومة المشكلة سلطاتها وصلاحياتها على الأراضي الفلسطينية كافة، بما يؤكد وحدة الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، على أن تبدأ الحكومة بتوحيد المؤسسات الفلسطينية كافة في أراضي الدولة الفلسطينية والمباشرة في إعادة إعمار قطاع غزة والتمهيد لإجراء انتخابات عامة، بإشراف لجنة الانتخابات الفلسطينية المركزية بأسرع وقت وفقا لقانون الانتخابات المعتمد.

د) وإلى أن يتم تنفيذ الخطوات العملية لتشكيل المجلس الوطني الجديد وفقا لقانون الانتخابات المعتمد، ومن أجل تعميق الشراكة السياسية في تحمل المسؤولية الوطنية، ومن أجل تطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية؛ تم تأكيد الاتفاق على تفعيل وانتظام الإطار القيادي المؤقت الموحد للشراكة في صنع القرار السياسي وفقا لما تم الاتفاق عليه في وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني الموقَّعة في ٤ مايو ٢٠١١.

٤- مقاومة وإفشال محاولات تهجير شعبنا من أرض وطنه فلسطين، خصوصا من قطاع غزة، أو في الضفة الغربية والقدس، والتأكيد على عدم شرعية الاستيطان والتوسع الاستيطاني وفقًا لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ورأي محكمة العدل الدولية.

5- العمل على فك الحصار الهمجي عن شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية وإيصال المساعدات الإنسانية والطبية دون قيود أو شروط.

6- دعم وإسناد الصمود البطولي لشعبنا المناضل ومقاومته الباسلة في فلسطين؛ لتجاوز الجراح والدمار الذي سببه العدوان الإجرامي وإعمار ما دمره الاحتلال ودعم عائلات الشهداء والجرحى وكل من فقد بيته وممتلكاته ومصادر رزقه.

7- التصدي لمؤامرات الاحتلال وانتهاكاته المستمرة ضد المسجد الأقصى المبارك ومقاومة أي مساس به وبمدينة القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.

8- توجيه تحية إجلال وإكبار لشهداء الشعب الفلسطيني، وتأكيد الإسناد الكامل للأسرى والأسيرات البواسل في السجون ومعسكرات الاحتلال الذين يتعرضون لمختلف أشكال التعذيب والقمع، وأولوية بذل كل جهد ممكن من أجل تحريرهم من أسر الاحتلال[24].

ويبدو من نص الإعلان أنه لا جديد فيه من حيث المضامين، خاصة وأنه جاء في ظل العدوان الإسرائيلي الشامل على غزة وإبادتها؛ فلم يتضمن توافقا على كيفية إنهاء هذا العدوان أو كيفية المضي قدمًا في المفاوضات مع إسرائيل بشأن غزة، أو توافقا حول اليوم التالي لانتهاء الحرب. ومن جانب آخر، تباينت مواقف الفصائل حول آليات تنفيذ مخرجات حوار بكين، وأهمها تشكيل حكومة مصالحة وطنية مؤقتة تركز على الحكم في غزة بعد الحرب، والدعوة التي أطلقها الحوار لإقامة دولة فلسطينية مستقلة حقا وفقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. كان تنفيذ هذا الأمر يقتضي انضماما فوريا لحركتي حماس والجهاد الإسلامي لمنظمة التحرير؛ وهو الأمر الذي كانت فتح تضع عقبة في طريقه بضرورة إلزام حماس بالاعتراف بالميثاق والنظام الداخلي لمنظمة التحرير، فيما كانت تدور شكوك لدى حماس حول إمكانية أن يكون مجرد وثيقة جديدة تضاف لوثائق أخرى لم تُنفَّذ، فيما طالبت حركة الجهاد الإسلامي بسحب اعتراف المنظمة بإسرائيل، كما طالبت بتشكيل لجنة طوارئ أو حكومة طوارئ لإدارة المعركة في مواجهة الإبادة الجماعية ومخططات التصفية للقضية الفلسطينية[25].

تلا ذلك إعلان مصر عن مقترح اللجنة الإدارية لإدارة قطاع غزة بعد الحرب في بداية ديسمبر 2024، التي سميت أيضًا بـ “لجنة الإسناد المجتمعي”؛ وذلك في إطار مقترحات تحضيرية مرتبطة باتفاق وقف إطلاق النار، وما يليه من إدارة لقطاع غزة بعد الحرب، وهو أمر تباحثت بشأنه الفصائل الفلسطينية في جولات تفاوضية خرجت فيها بصيغ مختلفة في اجتماعات المصالحة في موسكو وبكين، ولم تتبنّاها قيادة السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية. ورغم توصُّل وفود الفصائل عن فتح وحماس والجبهة الشعبية إلى اتفاق لتشكيل اللجنة، إلا أنه ما زال يلقى رفضًا رسميًا من قِبل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. تُلقي هذه المواقف بظلالها على المشهد في غزة؛ حيث غياب وجود توافق فلسطيني داخلي على آليات إدارة القطاع، وتعنت فتح على الرغم من الحاجة إلى التدخّل العاجل في ملفات معيشية وإنسانية[26].

رغم اشتداد العدوان الإسرائيلي في العام الثاني للحرب، ووصوله حد التجويع ومعاناة الغزيين شتى الويلات من القتل والتهجير وعدم الأمان والحصار والتجويع بشكل فج بل والإبادة الجماعية على مسمع من القاصي والداني؛ لم تتحقق المصالحة المنشودة بين الأطراف الفلسطينية، واقتصرت المفاوضات في العام الثاني من الحرب على التفاوض بين حماس والكيان المحتل من أجل وقف العدوان.

يبدو مما سبق أن هناك تغييبا للتوافق بدلا من تغليبه والبناء على ما تم إنجازه سواء فيما بين حماس والفصائل من غرف عمليات مشتركة، أو المؤتمر الوطني الفلسطيني بين الفصائل وبعضها، أو فيما بينهم جميعا في بكين.

خاتمة:

مع مشارف انتهاء العدوان الإسرائيلي، نجد أن الخلاف بين حماس وفتح في اللحظة الراهنة أكثر بنيوية مما سبق، وهناك تجاوز لفكرة المصالحة في الوقت الحالي. وهذا الخلاف يجد مصدره في عدة نقاط: أولها- تبني النسخة الحالية من قيادة فتح -ممثلة في أبو مازن- للسلام خيارًا وحيدًا للشعب الفلسطيني للوصول إلى حل الدولتين، وهو الخيار الذي لم ينجح حتى الآن على الرغم من التنازلات الفلسطينية الكثيرة لتحقيقه وتجاوز إسرائيل له دائمًا.

وثانيها- صعود التيار الفصائلي المسلح داخل حماس وفتح بعد تعثر عملية السلام التي بنت عليها سلطة أوسلو شرعيتها ومشروعيتها، خاصة مع وصول النسخة الحالية من اليمين الإسرائيلي المتطرف للحكم، وإصراراها على “يهودية الدولة”، وعلى الحرب وسيلة وحيدة لتحقيق الاستقرار والأمن المزعوم لإسرائيل. بالإضافة إلى وحدة التيار المقاوم المسلح أمام التشرذم السياسي، فعلى مدار عامين أظهرت التيارات المسلحة تنسيقًا في العمليات نتيجة لإنشاء غرفة عمليات مشتركة بين الفصائل المسلحة[27] وظهرت فعاليتها بشكل كبير منذ معركة سيف القدس في ٢٠٢١؛ وبحسب بعض التحليلات فقد نجحت غرفة العمليات المشتركة للمقاومة في غزة في تحييد التباينات السياسية بين الفصائل المنضوية تحتها لصالح الوحدة في ميدان المقاومة فتوحدت الرايات واختفت الألوان لأن المواجهة والدفاع عن الأرض لا يحتملان هذا التباين، وكانت بمثابة نواة جيش التحرير الذي يسعى الجميع لتشكيله منذ عقود.[28]

النقطة الثالثة للخلاف هي الممثل الشرعي للفلسطينيين؛ فعلى مدار عقود أكدت السلطة الفلسطينية ممثلة في فتح أنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني مما يعني أن لها حق التفاوض مع الخارج والإسرائيلي حول مصير القضية الفلسطينية. ولكن على مدار عامين من الطوفان انتقلت المفاوضات من فتح إلى حماس، ما دفع السلطة أيضا إلى معارضة أي تواصل بين حماس والفصائل والأطراف الدولية سواء بشأن القضية الفلسطينية عموما أو بشأن الحرب الدائرة؛ ففي حين احتفى البعض بالتواصل المباشر بين حماس والولايات المتحدة سواء في إطار المفاوضات الجارية للتوصل لوقف إطلاق النار أو غيرها، كان ذلك استفزازا لسلطة عباس.

ونتيجة لفشل التوصل إلى مصالحة فلسطينية، هناك غياب لذكر السلطة الفلسطينية في كثير مما يخص الخطط الخاصة باليوم التالي للحرب، رغم تصاعد المبادرات سواء الإقليمية أو الدولية المتعلقة بإدارة غزة.

يمكن القول إنه بعد عامين من العدوان أصبح هناك إجماع أكبر على رفض فرض فريق عباس وجهة نظره على حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، وأصبحت مسوغات هذا الرفض أكثر منطقية؛ إذ لم تعد مقولات السلام مع إسرائيل أو التنسيق معها واقعية. فرغم أن الضفة لم تثُر بالقدر الذي كان متوقعا تضامنا مع غزة، إلا أن الاستهدافات الإسرائيلية توسعت وأصبح الحديث عن الضفة -بوصفها جزءًا من إسرائيل حاليا- أمرا مسلما به لدى معظم مكونات الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، وبالتالي فإن مسالمة الضفة وعدم انخراطها في المقاومة بالقدر الكافي لم يضمن لها السلام، ولم يضمن لسلطة عباس الاحترام ولا الاستقرار.

لكن هذا الرفض، ومع فداحة الخسائر التي تكبدها الفلسطينيون في القطاع، لا يُترجَم باعتباره مكاسب صافية لحماس أو فصائل المقاومة بشكل مباشر، فهناك مجموعات تتشكل تحاول وراثة سلطة عباس بمقاومة المقاومة لصالح مشروعات السلام الإبراهيمي المتهافتة التي طرحتها الإمارات وبعض دول الخليج وإدارة ترامب. وهي وإن كانت منبوذة اليوم، إلا أنها في لحظات يأس قد تكتسب شرعية، خاصة بعد الخذلان الإقليمي الواسع وتراخي دول المنطقة وحكوماتها عن أن تكون على قدر الطوفان وما كان يستتبعه من ضغوط على إسرائيل التي تستهدف الجميع وتقتضي مواجهتها تحالفا إقليميا على قدر المسئولية.

ومن ناحية أخرى، يجب تأكيد أن النظر إلى فتح مختزَلة في موقف محمود عباس يحمل قدرا من التجني على تاريخ الحركة وعلى النضال الفلسطيني برمته؛ فالكثير من أبناء الحركة سواء في الداخل المحتل أو في غزة وسجون الاحتلال يبتنون موقف المقاومة وفصائلها، وتعيش الضفة أيضا في هذا الوقت تحت نير الاحتلال وانتهاكاته المستمرة التي سينتج عنها في الأغلب أشكالا مختلفة من المقاومة.

وعلى الرغم من بشائر انتهاء الإبادة الإسرائيلية، فإن هذا لايعني أن الأمر محسوم ونهائي، بل إن نهاية الحرب بداية جديدة للقضية الفلسطينية والمصالحة الداخلية تسلتزم رؤية موحدة وحلا للخلافات في البيت الفلسطيني. وفي هذا الإطار ترددت أخبار تؤكد أن جولة جديدة من محاولات المصالحة ستشهدها القاهرة في القريب العاجل[29].

—————————————–

الهوامش:

باحث في العلوم السياسية.

[1] إبراهيم البيومي غانم، الدلالات السياسية لنتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية، ٣١ يناير ٢٠٠٦، متاح عبر الرابط التالي: https://is.gd/N2yc67

[2] جميل هلال، رؤية لتهديف الفعل الفلسطيني في ضوء حرب الإبادة، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 143 – صيف 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://is.gd/FSKV5G

[3] قياديان في حركة فتح: ضغوط إسرائيلية وعربية على عباس لإلغاء الانتخابات الفلسطينية، الجزيرة نت، بتاريخ ٢١/٣/٢٠٢١، متاح عبر الرابط التالي: https://2h.ae/siAKO

[4]  الانتخابات الفلسطينية.. ترشح 15 قائمة بينها لحماس ومحمد دحلان، الجزيرة نت، 29 مارس 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://2h.ae/ZdLQj

[5]  للمزيد انظر:

  • سلطات الاحتلال تواصل التدخل في الانتخابات الفلسطينية وتعتقل مرشحًا ثانيًا للانتخابات التشريعية، الجزيرة نت، 15 أبريل 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://2h.ae/Iwffd
  • قياديان في حركة فتح: ضغوط إسرائيلية وعربية على عباس لإلغاء الانتخابات الفلسطينية، مرجع سابق.

[6] عدنان أبو عامر، تأجيل الانتخابات الفلسطينية: الأسباب والتداعيات، مركز كارنيجي، 7 مايو 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://2h.ae/piWC

[7]  د. محسن محمد صالح، المصالحة الفلسطينية في الجزائر إلى أين؟، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 21 أكتوبر 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://2h.ae/kpcW

[8]  للمزيد حول عوامل عدم تحقيق مصالحة فلسطينية، انظر:

  • هاني المصري، محاولات المصالحة الوطنية: مراجعة نقدية في عمق الانقسام الفلسطيني، المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات)، متاح عبر الرابط التالي: https://2h.ae/nFRl
  • عاطف الجولاني، فرص ”إعلان الجزائر“ في إنجاز المصالحة الفلسطينية، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 10 نوفمبر 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://2h.ae/xWhOF

[9] عباس: تجاهُل إسرائيل قرارات الشرعية الدولية يدفع للانفجار، الجزيرة نت، 7 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2h.ae/IIXO

[10]  أحمد خلف، طوفان الأقصى: حال الضفة الغربية والقدس، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 22 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2h.ae/MpbBq

[11]  أحمد خلف، طوفان الأقصى: حال الضفة الغربية والقدس في ظل العدوان على فلسطين، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 1 نوفمبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2h.ae/pwcC

[12] أحمد خلف، طوفان الأقصى: حال الضفة الغربية والقدس في ظل العدوان على فلسطين، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 15 نوفمبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2h.ae/OOAt

[13] غضب متصاعد في الضفة ضد عباس والسلطة الفلسطينية، الجزيرة نت، بتاريخ ٢٢/١٠/٢٠٢٣، متاح عبر الرابط التالي: https://is.gd/tYulO0

[14] حماس تشترط إطلاق سراح ثلاثة قادة بينهم مروان البرغوثي في الهدنة المنتظرة، مونت كارلو الدولية، بتاريخ ١/٢/٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://2h.ae/bSUZ

[15] شبكة قدس الإخبارية، الأجهزة الأمنية تلاحق الأسرى المحررين في الضفة، بتاريخ ١٣/٨/٢٠٢٣، متاح عبر الرابط التالي: https://is.gd/nQMIuc

[16] بينهم 50 مؤبدا.. الكشف عن أسماء 620 فلسطينيا يفرج عنهم السبت، وكالة الأناضول للأنباء، بتاريخ ٢٢/٢/٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي:  https://is.gd/qwBiBF

[17] السلطة الفلسطينية تسلم إسرائيل منفذة عملية الطعن ببلدة دير قديس، الجزيرة نت، بتاريخ ٦/١/٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://is.gd/nDWLPS

[18] عاطف الجولاني، آفاق التوافق الفلسطيني الداخلي في مرحلة ما بعد معركة طوفان الأقصى، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 4 يوليو 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2h.ae/NINij

[19] صحيفة الشرق الأوسط، «فتح» تدعو «حماس» إلى «مغادرة المشهد الحكومي»، الشرق الأوسط، بتاريخ ٢٢/٣/٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://is.gd/PItkID

[20]  أبو مازن يشن هجوما لاذعا على “حماس”: “يا أولاد الكلب” أفرجوا عن الرهائن، سي إن إن عربية، 23 أبريل 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/bZGl3l

[21] موقع تليفزيون الغد، حماس: مقترح ويتكوف قيد النقاش والاتصالات مستمرة لإتمام الاتفاق، بتاريخ ٢٢/٣/٢٠٢٥، https://is.gd/pVOwNF

[22] حماس تعتبر قرار عباس بإجراء انتخابات المجلس الوطني “تجاوزا”، وكالة الأناضول للأنباء، بتاريخ ٢٣/٧/٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://is.gd/VRHnK4

[23] عوض الرجوب، انتخابات “الوطني الفلسطيني”.. دوافع القرار ومبررات الرفض، الجزيرة نت، بتاريخ ٢٣/٧/٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://is.gd/WhkR6c

[24]  ممدوح ثابت، «المصري اليوم» تنشر نص «إعلان بكين» للمصالحة الفلسطينية، المصري اليوم، 24 يوليو 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2h.ae/ySVg

[25] وكالة الأناضول للأنباء، مخرجات “حوار بكين”.. كيف تباينت مواقف الفصائل الفلسطينية؟ (تقرير)، بتاريخ ٢٤/٧/٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://is.gd/rt7zTj

[26]  للمزيد حول لجنة الإسناد، انظر:

  • حمدي علي حسين، مقترح لجنة ”الإسناد المجتمعي” لإدارة قطاع غزة ومسارات اليوم التالي للحرب، مركز رؤية للتنمية السياسية، 30 ديسمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/YS1BLT
  • إبراهيم مصطفى، رغم الحرب… التوافق بين “فتح” و”حماس” لا يزال بعيدا، اندبندنت عربية، 17 أكتوبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/kk157G

[27] تضم غرفة العمليات 12 جناحا عسكريا، وهي: كتائب الشهيد عز الدين القسام، سرايا القدس، كتائب شهداء الأقصى- لواء العامودي، كتائب الشهيد عبد القادر الحسيني، ألوية الناصر صلاح الدين، كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية، كتائب أبو علي مصطفى، كتائب الشهيد جهاد جبريل، كتائب الأنصار، كتائب المجاهدين، مجموعات الشهيد أيمن جودة، وجيش العاصفة.

[28] عدنان أبو عامر، غرفة العمليات المشتركة للمقاومة في غزة نواة لـ”جيش التحرير”، الجزيرة نت، بتاريخ ٢٨/٥/٢٠٢١، متاح عبر الرابط التالي: https://is.gd/Ripowy

[29]  القاهرة تستضيف «حوارًا وطنيًا فلسطينيًا شاملا» قريبًا… ماذا نعرف عنه؟، الشرق الأوسط، 9 أكتوبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2h.ae/iBXow

نشر في العدد 39 من فصلية قضايا ونظرات – أكتوبر 2025

عمر سمير

باحث في العلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى