السودان: إقالة وزير الخارجية.. قراءة في الأسباب والسياقات

منذ قرابة الشهر أقال المشير عمر البشير رئيس جمهورية السودان البروفيسور إبراهيم غندور من منصبه كوزير للخارجية، ورغم أن إقالة غندور لم تكن مفاجئة وقرارات الإقالة غالبًا ما يصحبها التكليف بالتعيين إلا أن السودان ظل ستة وعشرين يومًا بدون وزير خارجية قام خلالها السفير محمد عبدالله إدريس بإدارة الوزارة بالإنابة، حتى تم تعيين الدكتور الدرديري محمد أحمد وزيرًا للخارجية، ورغم أن الرئاسة لم توضح أسباب الإقالة إلا أنها أتت بعد خطاب ألقاه الوزير في البرلمان اشتكى فيه من عدم التزام مصرف السودان بدفع مستحقات البعثات الدبلوماسية ورواتب الدبلوماسيين السودانيين في الخارج المتأخرة منذ أكثر من سبعة أشهر والتي قدرها بثلاثين مليون دولار(1)، وأشار فيه إلى العجز عن دفع استئجار مقارّ البعثات الدبلوماسية في الخارج، وأن كثيرا منها قابل للطرد. ولم يكتفِ بذلك بل أشار إلى عجز السودان عن دفع اشتراكاته في المنظمات الدولية والإقليمية، محذرًا من أن الدبلوماسية تواجه الخطر وأنها بحاجة لإنقاذ بمبلغ (69) مليون دولار، وهو ما جعل أول قرار يتخذه البشير بعد عودته من السعودية هو إقالة الوزير(2).
إلا أنه لا يمكن التوقف بإقالة الوزير عند خطاب البرلمان كسبب مباشر للإقالة والتي سبقتها استقالة في يناير من العام الجاري، فثمة نقاط عدة تحيط بعملية الإقالة -أشارت ردود الفعل إلى بعضها- نتناولها هنا بشيء من الإيجاز على النحو التالي:
1- لم يكن خطاب البرلمان السبب الوحيد -ولا حتى الأهم في إقالة غندور- وإنما هو بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، لينتهي عمل غندور كوزير للخارجية بعد تباين واضح في الرؤية حول الموقف من العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي حقق فيها غندور تقدما كبيرا أفسده البشير بطلبه الحماية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكذلك حالة التغول على اختصاصات الخارجية من قِبل جهاز الأمن والاستخبارات ومدير مكتب رئيس الجمهورية سابقًا الفريق طه عثمان وعوض الجاز وزير الطاقة الأسبق الذي أصبح مسؤولا عن العلاقات مع الصين وروسيا وجنوب أفريقيا والهند والبرازيل وأخيرًا العلاقة مع تركيا، والخلافات الداخلية وحالة الصراع داخل الحزب الحاكم الذي توقع معها نائب رئيس الحزب الأسبق نافع علي نافع نجاح محاولات مجموعات لم يسمّها في إقصاء غندور من وزارة الخارجية، كما نجحوا في إقصائه من قيادة المؤتمر الوطني الحاكم(3)، وكذلك أشار غندور في خطابه أمام البرلمان بأن هناك لوبي داخل مؤسسة الحكم يسعى لتقويض جهود وزارة الخارجية عبر المطالبة بتخفيض المخصصات المالية لها(4).
2- كفاءة غندور السياسية والدبلوماسية تبدو موضع اتفاق من الجميع رغم كونه شخصية علمية طبية، ورغم كونه أحد قيادات الحزب الحاكم إلا أنه يحظى بتوافق كبير حول إدارته للملفات الخارجية في الأوساط السياسية المعارضة والشعبية، حتى إن الأبواق الإعلامية للنظام لم تتهمه بعد إقالته في كفاءته أو في شخصه وإنما أخذت عليه مناقشة مسائل حكومية تنفيذية في المجلس التشريعي.
3- في إطار الكفاءة والإنجاز تُنسب لغندور عدة نجاحات منها الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية الذي أدى في أكتوبر 2017م إلى رفع العقوبات التجارية والاقتصادية الأمريكية المفروضة على السودان منذ أكثر من عشرين سنة، كما ينسب إليه الفضل في إنهاء حالة التوتر مع مصر وإعادة فتح الحدود معها من جديد وكذلك موقفه القوي تجاه قضية حلايب وشلاتين، وهو ما جعل البعض يصف قرار إقالته بالمتسرع الذي لم يراعِ ما قدمه الرجل وما أحدثه من انفتاح خارجي، ويؤكد أن إقالته في هذا التوقيت ستحدث ارتباكًا في العمل الدبلوماسي السوداني(5)، ولعل بقاء المنصب شاغرًا لقرابة الشهر يؤكد حالة التسرع والارتباك في إقالة غندور رغم أن إقالته أو استقالته كانت متوقعة.
4- عملية الإقالة ظهر فيها الوزير بمظهر مُشرف شعبيًا وفي الأوساط السياسية المعارضة للنظام وظهر فيها نظام البشير بمظهر الطارد للكفاءات والمتعمد للتستر على فواجع سياسية واقتصادية، كون الوزير الكفء صاحب الإنجازات قد كشف للشعب ما لم يستطِع غيره أن يكشفه من حالة التأزم الداخلي التي تمر بها الدولة. وهو ما يأتي قُبيل انتهاء ولاية البشير الرئاسية في ظل وعود بألا يترشح ثانية، وهو ما يجعل عموم الجماهير والأحزاب تبحث عن بدائل في حال صدق وعود البشير في عدم ترشيح نفسه في الجولة القادمة، وفي هذه الأثناء طُرح اسم الدكتور غازي صلاح الدين العتباني الذي خرج من المؤتمر الوطني الحاكم على أثر مذكرة للإصلاح وقَّع عليها مع آخرين في 2013م، وفي الفترة الأخيرة يُطرح اسم البروفيسور إبراهيم غندور كبديل قوي من داخل المؤتمر الوطني يتمتع بالكفاءة والاعتدال وحوله توافق كبير في الأوساط السياسية المعارضة والنقابية والشعبية، ولعل إقالته بعد خطاب البرلمان تفيده بشكل كبير في هذا الجانب، ولذلك ذهبت بعض التحليلات إلى أن خوف البشير من منافسة غندور له يبدو أحد أهم أسباب التوتر بينهما.
5- أتت الترشيحات لخلافته ما بين شخصيات متنوعة المشارب؛ منها شخصيات عسكرية مثل رئيس هيئة الأركان العامة السابق الفريق أول عماد الدين عدوي قياسًا على عسكريين آخرين أصبحوا وزراء بعد ترك نفس المنصب، وشخصيات أمنية مثل مطرف صديق الطبيب الذي اتخذت الملفات التي عمل بها أو أشرف عليها الطابع الأمني والاستخباراتي ويعمل الآن سفيرًا للسودان في بروكسل، ومثل وزير سابق للخارجية هو مصطفى عثمان إسماعيل -وهو طبيب أسنان أيضًا- ويعمل الآن رئيسًا لبعثة السودان في جنيف، وعوض الجاز وزير التجارة الخارجية والطاقة سابقًا ومساعد رئيس الجمهورية الذي يدير العلاقة مع دول البريكس وتركيا مؤخرًا. ورغم أن معتز موسى -الدارس للعلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية- يعتبر مقبولاً كمتخصص عند طرح اسمه كوزير للخارجية، إلا أنه يعمل منذ 2013م وزيرًا للموارد المائية والكهرباء وتقلد قبلها مناصب ذات طبيعة إعلامية ولم يعمل في مواقع دبلوماسية إلا خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي.
6- ورغم تعيين الدرديري مؤخراً ومحاولات البعض بعدها التأكيد علي أنه كان المرشح الأبرز لوزارة الخارجية ليس فقط هذه المرة ولكن خلال السنوات الخمس الأخيرة وربما الخمسة عشر الأخيرة ما بعد اتفاق نيفاشا، إلا أن المتابعة تؤكد أن الترشيحات الأبرز كان تدور بين معتز موسى وزير الموارد المائية والري ومطرف صديق سفير السودان في بروكسل، وإن كان هذا لا ينفي ورود اسم الدرديري كمرشح للوزارة.
وعمومًا نادرًا ما يصل السفراء لهذا المنصب في السودان عن طريق التدرج أو أن يتولى الوزارة وزير تكنوقراط فهي منذ انقلاب يونيو 1989م حكرًا على الإسلاميين الموالين للبشير. والتأمل في الأسماء المطروحة ومؤهلاتها ومواقفها السياسية وكذلك أسماء الوزراء السابقين يوضح بشدة منطق العصبوية والطائفية في إدارة الدولة؛ حيث يتم تقديم الموالين والمقربين على حساب من سواهم بغض النظر عن الوظيفة وكفاءة الموظف أو تخصصه.

تعيين الدرديري (دلالات متعددة)

(أ) دلالة المكان:
تلعب الجغرافيا دورًا كبيرًا في اختيار رجال السلطة في السودان حتى أن اسم المكان الذي ولد فيه الوزير يحمل معه -في أحايين كثيرة– علامات صحة أو خطأ قرار تعيينه ويثير العديد من ردود الفعل حوله، ومثال ذلك إشارة الترابي إلي خطأ قرار تعيين علي عثمان محمد طه وهو من أبناء الشمال نائبًا للبشير عام 1998م بعد وفاة الزبير محمد صالح واختياره قبلها نائبًا للأمين العام للحركة الإسلامية، وعدم البحث عن نائب من الجنوب أو حتى من المناطق المهمشة، إذ عُد ذلك استحواذًا من الشماليين وأبناء بعض المناطق بالمواقع القيادية داخل الحركة الإسلامية والدولة. وتعيين الدرديري الآن من ولاية جنوب كردفان كأحد المناطق الهامشية في وزارة سيادية كوزارة الخارجية يحمل شيئا من الترحيب بالقرار، إلا أنه لا يأتي لإحداث توازن في السلطة بين الأقاليم والمناطق كما هو مُؤمل، بل نستطيع أن نقول أن المكان لم يكن من العوامل المرجحة لتعيين الدرديري وإنما التوقيت والتخصص كما سيرد.

(ب) دلالة التخصص والتوقيت:
رغم أن الدرديري محمد أحمد عمل في الخارجية حتى وصل درجة سفير، إلا أنه يأتي من خلفية قانونية قوية فهو يحمل الدكتوراه في القانون الدولي وعمل أستاذًا في التخصص وسبق أن عمل بالقضاء والمحاماة وكان الممثل القانوني للسودان في نزاع منطقة أبيي الحدودي أمام المحكمة الدائمة للتحكيم الدولي بلاهاي وكان أحد أعضاء الفريق المفاوض في نيفاشا والمتحدث الرسمي باسم الوفد الحكومي، وبعدها اختير مقررًا للجنة إعداد الدستور الانتقالي لعام 2005م الذي لا يزال يحكم السودان إلي اليوم، وهنا تتضح دلالة التخصص؛ إذ يأتي تعيين الدرديري الآن في ظل حاجة البشير لتعديل الدستور الحالي حتى يستطيع الترشح لانتخابات 2020م ولذلك يعد مناسبًا الآن وجود شخصية قانونية كبيرة مثل الدرديري تدفع باتجاه تعديل الدستور حتى لو في وزارة الخارجية.
ولا يعد منطقيًا القول بأن السودان يحتاج وزير خارجية بخلفية قانونية فالحاجة لمثل هذا التخصص في الخارجية كانت تبدو منطقية لو تم تعيين الدرديري خلال فترة ما قبل أو بعد نيفاشا أو بعد الانفصال أو بعد صدور قرار الجنائية الدولية بتوقيف البشير فهذه الفترة مليئة بالإشكالات القانونية والتفاوضية التي تحتاج شخصية مثل الدرديري، ولكن تعيينه الآن لا يتجه إلا نحو رغبة البشير في تعديل الدستور والفوز بالجولة الرئاسية القادمة في 2020م. كما أن تعيينه الآن وعدم تعيينه من قبل يوضح بشدة موقع المصالح الشخصية والوطنية من القرار السياسي السوداني أو عملية التقريب والإبعاد التي تتمحور حول شخص البشير كليًا كما سيرد.

وكما أن التوقف بأسباب الإقالة عند خطاب البرلمان يعد قصورًا في النظر عن الإحاطة بكافة الملابسات حول الموقف، فإن التوقف عند الأسباب والملابسات القريبة والبعيدة لا يفي بغرض البحث، ولذلك سنحاول هنا تسكين عملية الإقالة في السياقات البعيدة التي تتعلق بالطبيعة السودانية أولا وبتجربة الإنقاذ العسكرية ثانيًا وبشخص البشير المتقلب ثالثًا؛ فتلك سياقات ثلاثة -حسب تقدير الباحث- تأتي ضمنها عملية الإقالة، ونتناولها هنا على النحو التالي:

أولا- البيئة السودانية (تنوعات وانشقاقات):

تبدو التنوعات الفكرية والحزبية السودانية شديدة الثراء واحدة من جوانب التنوع في البيئة السودانية وتتخللها انشقاقات لا حصر لها ترجع إلى غياب الديمقراطية داخل الأحزاب بالأساس واحتكار السلطة لصالح أفراد وأسر بعينها، وكذلك المطامع السلطوية التي تأتي على حساب مصلحة الحزب ومصلحة الدولة، فقد بقيت الزعامة الحزبية والسياسية من حق أشخاص بعينهم وأُسَر بعينها لفترات طويلة من الزمن، فهي من حق آل المهدي في حزب الأمة، وآل الميرغني في الحزب الاتحادي الديمقراطي، ومن نصيب حسن الترابي في جبهة العمل الإسلامي، ومن نصيب البشير في رئاسة الجمهورية(6)، ولذلك فإن هذه الحالة من الاستبداد الداخلي في ظل التنوع تنتج عددا لانهائيًّا من الانشقاقات يعقبها انشقاقات في صفوف المنشقين، وهكذا تبدأ حركة الانشقاقات دون أن يُعرف طريق لنهايتها على مستوى الفصائل السياسية والفكرية والطائفية المختلفة فضلاً عن الحركات المسلحة(7)، وبالتالي فإن خروج شخص ما من أي معسكر سياسي أو حركي بغض النظر عن طريقة خروجه (إقالة- استقالة- انشقاق..) لا يُعد بالشيء الغريب أو اللافت للنظر.

ثانيًا- نظام الإنقاذ (استراتيجية التفتيت والاستبعاد):

قام نظام الإنقاذ منذ البداية على التنظيم المغلق والعمل السري والذي أدى لتحكم بعض الأفراد في مواقع قيادية مختلفة في الحركة والدولة في فترة التخفي الأولي بعد قيام الانقلاب والتي بدأت بعدها الحركة تتصدع من الداخل وتتراجع لحساب البشير (النظام) وبعض الأشخاص حوله، ولذلك اتجه البشير -وكأي نظام عسكري- نحو تصفية مراكز القوى باستمرار على مستوى الحركة والدولة وعلى المستويين المدني والعسكري، بداية من الأمين العام للحركة حسن الترابي والتابعين له، ومرورًا برجال السلطة مثل علي عثمان محمد طه -نائب الرئيس- ونافع علي نافع وغازي صلاح الدين العتباني الذي جري إبعاده بناء على مذكرة وقَّع عليها بالاشتراك مع آخرين للمطالبة بالإصلاح في المؤتمر الوطني الحاكم، وكان العسكريون في القلب من عملية الاستبعاد أيضًا فلم يبقَ من الذين قاموا بالانقلاب بجانب البشير حتى الآن سوى الفريق بكري حسن صالح -رئيس الحكومة الحالية.
وهكذا يتضح اتجاه النظام نحو الحفاظ على بقائه بالأساس عن طريق تصفية كل ما يمكن أن يشكل قوة -سواء مؤسسية أو حتى شخصية- لا تدين له بالولاء بشكل كامل(8)، وهنا تصبح عملية استبعاد غندور من معسكر السلطة طبيعية بل متوقعة كإحدى حلقات سلسلة الاستبعاد الممتدة منذ قيام نظام الإنقاذ وحتى اليوم.

ثالثًا- البشير (تقلب دائم):

منذ وقوع المفاصلة نهاية التسعينيات من القرن الماضي وحتى الآن تدور السياسة السودانية داخليًا وخارجيًا حول شخص البشير بالأساس، فهي في الداخل تُقرِّب كل من يكون أهلا لثقة البشير وعلى استعداد لتنفيذ أهدافه في الاستمرار في الحكم وإحكام السيطرة على مفاصل الدولة وأجهزتها المختلفة، وتستبعد كل من يُشكل قوة قد تؤثر على سيطرة البشير على الحكم بأي شكل من الأشكال.
وفي الخارج يتقلب سودان البشير بشكل يصعب ضبطه وبدون مقدمات أو حتى خلق توازنات في العلاقات الخارجية؛ فعلى سبيل المثال جاء طلب البشير من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحماية في مواجهة الضغوط الأمريكية خلال فترة تقدم كبير في الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية أدى لرفع العقوبات الاقتصادية والتجارية الأمريكية عن السودان، كما قام البشير (وبدون علم وزير الخارجية) بقطع العلاقات مع إيران لمجرد تحسن علاقته بدول الخليج واشتراكه في عاصفة الحزم؛ وهكذا تستمر حالة الاضطراب والتقلب الخارجي التي تجد أساسها في تقلب المزاج السياسي للبشير بشكل يصعب توقعه وتتبعه. كما تأتي ملاحقة شخص البشير من قِبل المحكمة الجنائية الدولية منذ 2009م لترسخ حالة الشخصنة في العلاقات الخارجية السودانية لتدور حول البشير بشكل أكبر من ذي قبل.
وبالتالي فإن هذه الحالة من التمحور حول شخص البشير شديد التقلب لا يجدي معها وجود وزير خارجية صاحب رؤية أو مشروع، وإنما تتطلب شخصية تكتفي بما يتاح لها من مساحة حركة وتكون على استعداد دائم لتنفيذ رغبات البشير والتقلب مع تفضيلاته بنفس السرعة. وبالتالي يصعب استمرار وزير خارجية صاحب شخصية طموحة ورؤية مثل إبراهيم غندور، صاحب المشروع الواضح المسمى “تصفير العداوات الخارجية”، والقائم على تبني البراجماتية في التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، الذي يتطلب توحيد الجهود والمواقف بين الخارجية والرئاسة وهو ما يتعذر في ظل تقلبات البشير المستمرة كما حدث بالفعل عند زيارة البشير لروسيا مؤخرًا، ومن ثم يصبح خروج غندور من معسكر السلطة أكثر اتساقًا من وجوده فيها.

الدرديري.. مستقبل على المحك:

يتوقف مستقبل الدرديري كوزير للخارجية على مدى قدرته على التعاطي مع الظروف الحالية الداعية لوجوده من الأساس وهي قضية تعديل الدستور وبقاء البشير في الحكم، وكذلك مدى قدرته على التعامل مع السياقات الثلاثة المُشار لها سابقًا في معرض إقالة غندور وأهمها قدرته على التحول مع تفضيلات وتقلبات البشير الدائمة، وكذلك مدى رضا الدرديري عن حالة اقتطاع الصلاحيات وتقاسم الحقيبة مع غيره مثل الفريق طه عثمان المسئول عن العلاقة مع الخليج وعوض الجاز المسئول عن العلاقة مع دول البريكس وتركيا وكلها من مهام الخارجية ولا تزال اختصاصات الخارجية مُعرضة لمزيد من الاقتطاع والتفتيت.

سيعود غندور إذا؟!

قد يعود غندور وزيرًا للخارجية في قابل الأيام رغم حالة الخلاف الموجودة الآن، على غرار عودة الفريق أول مهندس صلاح عبدالله محمد صالح قوش مديرًا عامًا لجهاز الأمن والمخابرات الوطني في مطلع العام الجاري 2018م، بعد أن أُقيل في 2011م ودخل السجن في 2013م بتهمة محاولة قلب نظام الحكم ليفرج عنه بعد ذلك بعفو رئاسي(9)، وعلى غرار طرح اسم الوزير السابق علي كرتي والوزير الأسبق مصطفى عثمان إسماعيل ضمن المرشحين لخلافة غندور بعد إقالته، إلا أن عودة غندور في المستقبل القريب وحال فشل الدرديري تتوقف -حسب تقدير الباحث- على قضيتين هما: مدى موافقته على تعديل الدستور ليتيح للبشير الفوز بجولة رئاسية جديدة في 2020م، وهي القضية التي ستلعب دورا رئيسا في تحديد مستقبل الدرديري في الوزارة كما وضحنا سابقاً، وكذلك موقف البشير من الولايات المتحدة الأمريكية؛ ففي حال حدوث تطور من جانب البشير تجاه الولايات المتحدة قد يكون مطروحًا عودة غندور كوزير للخارجية مرة أخرى.
*****

الهوامش:

[*] طالب علوم سياسية.
[1]- من هو إبراهيم غندور طبيب الأسنان الذي أعفي من رئاسة الخارجية السودانية؟، BBCعربي، 20 أبريل 2018م، متاح على http://www.bbc.com/arabic/middleeast-43832889
[2]- عبد الحميد عوض، 7 أسباب لإطاحة وزير الخارجية السوداني من منصبه، العربي الجديد، 21 أبريل 2018م، متاح على https://www.alaraby.co.uk/politics/2018/4/20/7
[3]- المرجع نفسه.
[4]- مصادر تكشف أسباب إقالة غندور وأبرز المرشحين لخلافته، العربي الجديد، 20 أبريل 2018م، متاح على
https://www.alaraby.co.uk/politics/2018/4/19
[5]- إقالة غندور تشعل جدلا في السودان، البيان، 21 أبريل 2018م، متاح على https://www.albayan.ae/one-world/arabs/2018-04-21-1.3243570
[6]- نبيل علي، الأحزاب والنظام الحاكم والموقف من التنمية، تقرير غير منشور أعده الباحث ضمن برنامج تدريبي بمركز الحضارة للدراسات والبحوث، سبتمبر 2017م.
[7]- للمزيد حول الانشقاقات الحزبية والحركية في السودان انظر: محمد ضياء الدين محمد، الانشقاقات الحزبية وأثرها على الاستقرار السياسي في السودان: الجبهة الإسلامية القومية نموذجًا، الرياض، دار الألوكة للنشر, 2013م.
[8]- نبيل علي، السياسات العامة “السياسية” لنظام الإنقاذ في السودان (1989م-2018م)، تقرير غير منشور أعده الباحث ضمن برنامج تدريبي بمركز الحضارة للدراسات والبحوث، فبراير 2018م.
[9]- أحمد قاسم، البشير يقيل مدير المخابرات السودانية ويعين سابقه المفرج عنه بعفو رئاسي، صدى البلد، 11فبراير 2018م، متاح على http://www.elbalad.news/3163873

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى